Liberating Iraq Used As A Pretense For Invasion!! بقلم: نقولا ناصر
"بعد خراب البصرة" ، كما يقول المثل العربي ، يصحو الأميركيون والعرب وعراقيو "العملية السياسية" على حقيقة أن غزو العراق قبل أربع سنوات قد تحول إلى "إحتلال" ولم يكن "تحريرا" للعراقيين ولا بشيرا لشرق أوسط جديد "ديموقراطي" ينطلق من نموذجه العراقي الموعود أميركيا ، في إعتراف متأخر تعكس مفارقاته إرتباكا في التكيف مع فشل المشروع الأميركي الإقليمي المنطلق من العراق من ناحية بينما تحول تناقضاته دون هذا الإعتراف والتحول إلى مقدمة لتغيير جذري في المواقف من الغزو والإحتلال يعجل في رحيلهما من ناحية أخرى .
ولا يمكن الفصل بين الصحوة العربية المتأخرة على حقيقة أن العراق تحت الإحتلال وبين الرجحان الوشيك لكفة الأميركيين "الديموقراطيين" الداعين إلى سحب هذا الإحتلال ، فهذه "الصحوة" -- التي تزامنت مع صحوة أميركية وترافقت مع صحوة عراقية مماثلة لمن رأوا في إحتلال 2003 "تحريرا تحول إلى إحتلال" -- ليس لها إلا تفسير واحد هو قدرة عربية وعراقية على استقراء المقدمات الأميركية للإنسحاب القريب وقدرة على إدراك ضرورة التهيؤ لإمكانية التكيف مع الوضع المرتقب المتوقع أن يعقب الإنسحاب ، الذي يتصارع الديموقراطيون والجمهوريون في واشنطن الآن على إعلان أو عدم إعلان موعد له .
إن هذه "الصحوات" الثلاث مليئة بالتناقضات والمفارقات التي تحتاج إلى معجزة لإقناع الرأي العام العربي والعراقي بأنها بشير تحرك أميركي جاد لسحب قوات الإحتلال وتحرك عربي جاد لإعادة العراق إلى "الهوية العربية" التي أفردت قمة الرياض بيانا خاصا لها وتحرك مماثل من قادة العراق الجدد يوفق بين مواقفهم ومواقعهم وبين ما صرح به الرئيس جلال الطالباني عن "الإجتياح الذي تحول إلى إحتلال" .
وهنا تكمن أولى المفارقات وأهمها . فالقمة التي عبرت بلغة فصيحة عن إهتمامها بعراق حر وموحد وسيد عربي الهوية قد نسيت كما يبدو تحديد موقف يتسم بنفس الفصاحة والوضوح من العاملين الأهم لإسترداد حرية العراق ووحدته وسيادته وعروبته وهما الإحتلال والمقاومة ، لا بل إنها قررت تعزيز "العملية السياسية" التي قادها الإحتلال وحماها والحكومة المحاصرة التي أفرزتها وتجاهلت أي دعم مواز للمقاومة وهي العامل الأول الأهم لإفشال الإحتلال ودحره إلى جانب المعارضة الأميركية المتصاعدة ;هذ الإحتلال ، بحيث لم تجد تصريحات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عن "الإحتلال الأجنبي غير المشروع" صداها المماثل في وضوحه في "الأدبيات" التي صدرت عن القمة التي استضافها .
وتكمن المفارقة الثانية في الدعوة التي ركزت القمة عليها إلى المصالحة الوطنية "الحقيقية" في العراق . فهذه المصالحة كانت إستحقاقا وطنيا منذ الأيام الأولى للإحتلال كشرط لمقاومته وتقصير عمره ، وكانت حينذاك دعوة تحمل إمكانيات التصالح بين قوى حكم البعث وبين معارضيها إذ كان من الممكن لإنصهارهم معا في وحدة النضال المقاوم للإحتلال أن يذيب التناقضات بينهم لكي تنمحي الآثار الدموية لصراعهم في خضم الصراع الأكثر دموية بينهم جميعا وبين الإحتلال .
لكن الدعوة إلى هذه المصالحة والإحتلال قاب قوسين أو أدنى من الإنسحاب ليس له إلا تفسير رئيسي هو كونه محاولة أخيرة يقودها الإحتلال نفسه لإنقاذ النظام الذي حاول إقامته في العراق ولم ينجح حتى الآن ، ولا يوضح ذلك أكثر من المطالبة الأميركية بهذه المصالحة والضغط الأميركي لتحقيقها ، وهو الضغط الذي عارضه أركان "العراق الجديد" علنا ، وما يزالون ، لكنهم يرضخون له كما توضح مؤشرات عدة آخرها يمثل المفارقة الثالثة التالية.
فالقمة العربية وقادة "العملية السياسية" العراقية والإحتلال يريدون مصالحة على قاعدة "محاربة الإرهاب" والمقاومة العراقية تسعى إليها على أساس محاربة الإحتلال ، فكيف يمكن التوفيق بين الخلط المتعمد للمقاومة والإرهاب وبين الخلط المتعمد للإحتلال و"التحرير" ؟
ويمثل المفارقة الرابعة تصريح الطالباني في الرياض يوم الخميس الماضي بأن الإجتياح الأميركي قد تحول إلى احتلال في أول اعتراف علني من نوعه لأحد قادة فصائل كانت منذ اليوم الأول للإحتلال تعتبره "تحريرا" قبل أن تقرر رسميا بعد ذلك بقليل الإحتفال ب"يوم التحرير" في التاسع من آذار / مارس من كل عام ، وكان آخر من استخدم هذا الوصف من قادة العراق الجدد رئيس "فدارالية" كردستان مسعود البرزاني مباشرة بعد زيارته للأردن الشهر الماضي . وانها لمفارقة حقا أن يعترف الطالباني بوجود احتلال بينما هذا الإحتلال على وشك أن ينسحب ، تحت الضغط المزدوج للمقاومة وللرأي العام الأميركي الذي صحا بدوره على "الخطأ الفادح" الذي ساقته إليه تضليلا قيادة الرئيس جورج بوش الجمهورية ، وبينما كانت كل الفصائل المؤتلفة معه في الحكم الجديد الذي لا يحكم تؤكد بمناسبة ودون مناسبة أن العراق أصبح حرا سيدا بعد رحيل الحاكم الأميركي بول بريمر في 29 حزيران / يونيو 2004 ، وبخاصة بعد انتخابات العام التالي ، دون أن تعترف طبعا أنه كان محتلا قبل ذلك .
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى مثال صارخ للتناقض بين القول والفعل . فالتيار الصدري المشارك في العملية السياسية التي رعاها الإحتلال لتكون مدخله إلى ترسيخ نظام موال له في بغداد "يشرعن" له إن عاجلا أو آجلا وجودا دائما في العراق والمشارك في المؤسسات "التشريعية" والتنفيذية وكذلك القضائية – كما ظهر في إعدام الراحل صدام حسين – المنبثقة عن هذه العملية يعبئ الآن لمظاهرات حاشدة معادية لأميركا يوم التاسع من نيسان / أبريل ، ذكرى إقتحام القوات الغازية لبغداد عام 2003 . ويتساءل المراقب: ألم يكن أجدى كثيرا لهذا التيار أن يعلن إنسحابه من العملية السياسية ومؤسساتها وانسحابه من "الإئتلاف" الطائفي التي يقودها والإئتلاف الحاكم الذي يطيل أمدها والإنضمام إلى المقاومين لها وللإحتلال الراعي لها ؟
وينطبق التناقض نفسه على "القائمة الموحدة" التي قال زعيمها ، إياد علاوي أول رئيس للوزراء في ظل الإحتلال ، للأسوشيتدبرس الأسبوع الماضي إنه : "لا توجد لدينا الآن عملية سياسية وما لدينا هو عملية سياسية متحيزة أساسها طائفي تدمر البلد" ، وهذه هي نفسها العملية التي قررت قمة الرياض دعم قادتها وفوضتهم ب"المصالحة الوطنية" . ويبدو واضحا أن علاوي الطامح إلى العودة لرئاسة الوزراء قد فشل في إقناع القادة الذين التقاهم في جولته العربية الأخيرة بوجهة نظره .
والمفارقة الخامسة تكمن في التناقض الواضح بين الإعلان عن الحرص على سيادة العراق ووحدته وبين التصريحات الرسمية العربية عن ضرورة بقاء قوات الإحتلال فيه بحجة أن بقاءها ضمانة لمنع حرب أهلية تتجاهل تلك التصريحات أن رحاها دارت فعلا وهي يوميا تطحن عظام العراقيين وتسفك دماءهم وتهجوهم في وطنهم وخارجه . كما يتناقض هذا الإعلان مع تصريحات مماثلة للعديد من أبرز قادة العراق الجدد ، مثل الطالباني والبرزاني وعبد العزيز الحكيم ، ممن طالبوا وما زالوا يطالبون ببقاء قواعد أميركية ، مما استدعى "أسف" الأمين العام لهيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري في مقابلة أخيرة مع "الخبر" الجزائرية "لأن بعض الإخوة العرب أكثروا من قولهم بأن بقاء الإحتلال ضروري لأنه سيمنع الحرب الأهلية في العراق" معتبرا "هذه الفكرة مغلوطة وغير دقيقة وليست في صالح العراق وشعبه" .
إن الفصائل الحاكمة الآن للمعارضة العراقية السابقة ، قبل وبعد استقبال وزارة الخارجية الأميركية للرئيس الحالي جلال الطالباني في سنة 1987 ، لم تتوقف لحظة عن اتهام حكم البعث بأنه "عميل" لأميركا بحجتين رئيسيتين هما إلإتفاقية الأمنية التي وقعها الراحل صدام حسين مع المملكة العربية السعودية وحرب السنوات الثماتي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، الحاضن الأسبق لهذه الفصائل قبل الحضانة الأميركية لها ، لكي يتمخض تطور الأحداث الآن عن إتفاقية مماثلة وقعتها طهران مع الرياض وعن نفوذ لإيران في العراق تحت مظلة الإحتلال لا يقل عن نفوذه ، وهنا تكمن المفارقة الخامسة .
ولم تتوقف الفصائل الحاكمة - المعارضة عن إطلاق هذا الإتهام حتى أثناء السنوات القليلة التي سبقت الغزو عندما أصبحت هذه الفصائل تتمول من واشنطن وتتدرب عسكريا على أيدي ضباط استخباراتها في مناطق الحظر الجوي الآمنة المحمية بالطيران الأميركي في شمال العراق منذ عام 1991 وفي غيرها ، لكن الإتهام توقف فقط مع دخول هذه الفصائل في أعقاب الدبابات الأميركية إلى بغداد .
ويقود ذلك إلى المفارقة السادسة وهي مستخلصة من مراجعة للتاريخ القريب ، إذ يتضح الآن أن المخاطر الطائفية والإقليمية لتصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إقليميا التي استشرفها صدام حسين مبكرا وعارضته في تقديراته معظم القوى "القومية" و"اليسارية" العربية في العراق وخارجه كانت مخاطر واقعية يثبت الآن تهديدها الفعلي للوحدة الوطنية العراقية وكذلك تهديداتها المماثلة المحتملة في غير العراق .
إن تأخر الصحوة العربية على هذه المخاطر حجب الرؤية الرسمية العربية عن اسشراف حقيقة أن انهيار العراق سيقود إلى إنهيار السد الرئيسي أمام الطوفان الطائفي وأن "الإستسهال" العربي الذي رأى في إحتلال العراق مجرد بديل لتغيير النظام فيه بعد أن استعصى تغييره على كل البدائل الأخرى قد أخطأ في استقراء أن هذا الإحتلال سيقود إلى تدمير الدولة العراقية . كما أن "الإستسهال" المماثل ل"المعارضة" العراقية قد حولها الآن إلى شريك للإحتلال فيما آل إليه حال العراق بعد أن استخدمها المحتلون والطائفيون الأجانب معا كحصان طروادة ، بوعي أو دون وعي منها . وفي ذلك المفارقة السابعة .
ولا يمكن للمراقب إلا أن يرى مفارقة ثامنة في تركيز القمة العربية التاسعة عشرة على محاربة الطائفية في العراق بينما تركز في الوقت ذاته على دعم دولة جديدة فيه لا يمكن في أحسن الأحوال إلا وصفها بدولة الطوائف إن لم توصف بالدولة الطائفية ، وإشارة قمة الرياض إلى ضرورة إعادة النظر في الدستور العراقي الجديد دلالة هامة توضحها المقارنة بين العراق وبين لبنان: ففي الحالة العراقية الطائفية "دستورية" أما في لبنان فإنها توافقية ولا ينص عليها الدستور اللبناني .
لكن المفارقة التاسعة الصارخة تكمن في "اكتشاف" القمة ل"الهوية" العربية كمدخل أو كمخرج للخلاص القومي ، والإستنتاج المنطقي أن الخلاص في العراق أيضا لا يمكن إلا أن يكون عربيا ، فكيف يتفق ذلك مع التوجه "العربي" على مستوى القمة لدعم النظام الجديد في بغداد ذي التوجه الرسمي نحو الهوية الدينية لا بل المذهبية الطائفية التي لا تفتأ ليل نهار تشهر ليس فقط بقومية نظام البعث بل ايضا بالعروبة والعرب ؟
إن أربع سنوات من الإحتلال والدفاع عنه من قبل المعارضة التي وصلت إلى الحكم تحت مظلته ، دون قول أكثر من ذلك مما يقوله العراقيون أنفسهم فيها ، ومشاركتها له في المسؤولية عن تدمير الدولة العراقية بحجة بناء دولة أخرى لعراق جديد بمواصفات غربية على الطراز الأميركي وعما حاق بالشعب العراقي من أهوال نتيجة "العملية السياسية" المستمرة والمتعثرة لتوليد النظام الجديد قيصيريا قد خلق بحرا واسعا من الدماء "العراقية" بين طرفي المصالحة المرجوة التي دعت القمة العربية إليها وأخذت على عاتقها العمل من أجلها ، وفي ذلك تناقض يمثل المفارقة العاشرة .
وليس من المتوقع أن تقود الصحوة المتأخرة لبعض أركان الحكم الجديد إلى تدارك خطايا وأخطاء كرروا أعترافهم بها لكنهم ألقوا بالمسؤولية عنها على عاتق الإحتلال -- مثل حل الجيش الوطني و"إجتثاث" البعث وغير ذلك من الأخطاء المميتة ل"الإجتياح الذي تحول إلى إحتلال" ، لأن ما يرتبونه والأميركيون بناء على ذلك ، مدعومون بما يمكن وصفه في الأقل بأنه حسن نية قمة الرياض -- لتدارك تلك الخطايا والأخطاء لا يعدو كونه اجراءات إنتقائية تكتيكية تفتقد حسن النية ، مثل استدراج كوادر من الجيش الوطني للإلتحاق بالجيش الجديد ، وتعديل قانون إجتثاث البعث بقانون "المساءلة والعدالة" في محاولة للفصل بين القيادات "الصدامية" وبين جماهير الحزب وكوادره التي تقدر المصادر الأميركية عددها بأكثر من مليون ونصف المليون عضو ، وما كرر إعلانه السفير الأميركي السابق خليل زاده ، ونفته تكرارا "جيوش" المقاومة ، عن لقاءات مع حركات من المقاومة "غير الإرهابية وغير الصدامية" للإلتحاق بالعملية السياسية لبناء العراق الجديد ، إلخ . وهذه هي المفارقة الحادية عشرة .
وإذا كان يصعب التشكيك في صدق "الصحوات" الأميركية والعربية والعراقية على واقع العراق والإحتلال فيه فإن توقيت إعلان هذه الصحوات لا يمكن تفسيره إلا كصحوة مماثلة على ضرورة التكيف مع حقيقة أن هذا الواقع يوشك أن يتغير . غير أن التناقضات والمفارقات الكامنة في هذه الصحوة ، مما ذكر وما لم يتسع المجال لذكره ، لا تشير إلى كونها مقدمة لأي تغييرات جذرية في المواقف والمواقع تتفق معها وتبني عليها مما يحولها عمليا إلى مساهم في إطالة أمد الإحتلال ، بغض النظر عن النوايا الطيبة وصدقية الإعتراف المتأخر بالتشخيص الصائب .
غير أن الإحتلال راحل إن عاجلا أو آجلا بفضل المقاومة التي "نجحت في إفشال مشروع الإحتلال" كما قال الشيخ الضاري وعلى من اسخلصوا ولو متأخرين المقدمات الصحيحة أن يردفوها بنتائجها المنطقية الصحيحة قبل فوات الأوان . كتبت هيلينا كوبان في الكريستيان ساينس مونيتر الأميركية السبت الماضي أن معنويات أصدقائها العراقيين الذين أيدوا الغزو "هابطة" وأجاب أحدهم على سؤال لها بقوله إن رحيل قوات الإحتلال "سوف يركز أفكار مواطنيه على الحاجة لإيجاد مصالحة عملية " بينما بقاؤها سيبقي الوضع على سوئه .
* Nicola Nasser is a veteran Arab journalist based in Ramallah, West Bank of the Israeli-occupied Palestinian territories.