الذين كفروا ← من أهل مكة وصدُّوا ← غيرهم عن سبيل الله ← أي الإيمان أضل ← أحبط أعمالهم ← كإطعام الطعام وصلة الأرحام، فلا يرون لها في الآخرة ثوابا ويجزون
بها في الدنيا من فضله تعالى .
والذين آمنوا ← أي الأنصار وغيرهم وعملوا الصالحات وآمنوا بما نُزِّل على محمد
← أي القرآن وهو الحق من ربهم كفَّر عنهم ← غفر لهم سيئاتهم وأصلح بالهم ← حالهم فلا يعصونه .
ذلك ← أي إضلال الأعمال وتكفير السيئات بأن ← بسبب أن الذين كفروا اتبعوا
الباطل ← الشيطان وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق ← القرآن من ربهم كذلك ← أي مثل
ذلك البيان يضرب الله للناس أمثالهم ← يبيِّن أحوالهم، أي فالكافر يحبط عمله،
والمؤمن يغفر له .
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ← مصدر بدل من اللفظ بفعله، أي فاضربوا
رقابهم، أي اقتلوهم وعبَّر بضرب الرقاب لأن الغالب في القتل أن يكون بضرب الرقبة حتى إذا أثخنتموهم ← أكثرتم فيهم القتل فشدوا ← فأمسكوا عنهم وأسروهم وشدوا الوثاق ← ما يوثق به الأسرى فإما منا بعد ← مصدر بدل من اللفظ بفعله أي تمنون
عليهم بإطلاقهم من غير شيء وإما فداءً ← تفادونهم بمال أو أسرى مسلمين حتى تضع
الحرب ← أي أهلها أوزارها ← أثقالها من السلاح وغيره بأن يسلم الكفار أو يدخلوا
في العهد وهذه غاية للقتل والأسر ذلك ← خبر مبتدأ مقدر، أي الأمر فيهم ما ذكر ولو يشاء الله لانتصر منهم ← بغير قتال ولكن ← أمركم به ليبلو بعضكم ببعض ← منهم في القتال فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار والذين قتلوا ← وفي
قراءة قاتلوا، الآية نزلت يوم أحد وقد فشا في المسلمين القتل والجراحات في سبيل
الله فلن يضل ← يحبط أعمالهم } .
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمَّر الله عليهم ← أهلك أنفسهم وأولادهم وأموالهم وللكافرين أمثالها ← أي أمثال عاقبة ما قبلهم .
إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين
كفروا يتمتعون ← في الدنيا ويأكلون كما تأكل الأنعام ← أي ليس لهم هَمٌ إلا
بطونهم وفروجهم ولا يلتفتون إلى الآخرة والنار مثوى لهم ← منزل ومقام ومصير .
وكأين ← وكم من قرية ← أريد بها أهلها هي أشد قوة من قريتك ← مكة أي أهلها
التي أخرجتك ← روعي لفظ قرية أهلكناهم ← روعي معنى قرية الأولى فلا ناصر لهم
← من إهلاكنا .
أفمن كان على بيِّنة ← حجة وبرهان من ربه ← وهو المؤمنون كمن زُيّن له سوءُ
عمله ← فرآه حسنا وهم كفار مكة واتبعوا أهواءهم ← في عبادة الأوثان، أي لا مماثلة
بينهما .
مثل ← أي صفة الجنة التي وعد المتقون ← المشتركة بين داخليها مبتدأ خبره فيها
أنهار من ماءٍ غير آسن ← بالمد والقصر كضارب وحذر، أي غير متغير بخلاف ماء الدنيا
فيتغير بعارض وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ← بخلاف لبن الدنيا لخروجه من الضروع وأنهار من خمر لذة ← لذيذة للشاربين ← بخلاف خمر الدنيا فإنها كريهة عند الشرب وأنهار من عسل مصفى ← بخلاف عسل الدنيا فإنه بخروجه من بطون النحل يخالط الشمع
وغيره ولهم فيها ← أصناف من كل الثمرات ومغفرة من ربهم ← فهو راض عنهم مع
إحسانه إليهم بما ذكر بخلاف سيد العبيد في الدنيا فإنه قد يكون مع إحسانه إليهم
ساخطا عليهم كمن هو خالد في النار ← خبر مبتدأ مقدر، أي أمن هو في هذا النعيم وسقوا ماء حميما ← أي شديد الحرارة فقطَّع أمعاءهم ← أي مصارينهم فخرجت من
أدبارهم، وهو جمع معى بالقصر، وألفه عن ياء لقولهم ميعان .
ومنهم ← أي الكفار من يستمع إليك ← في خطبة الجمعة وهم المنافقون حتى إذا
خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ← لعلماء الصحابة منهم ابن مسعود وابن عباس
استهزاء وسخرية ماذا قال آنفا ← بالمد والقصر، الساعة، أي لا نرجع إليه أولئك
الذين طبع الله على قلوبهم بالكفر واتبعوا أهواءهم ← في النفاق .
فهل ينظرون ← ما ينتظرون، أي كفار مكة إلا الساعة أن تأتيهم ← بدل اشتمال من
الساعة، أي ليس الأمر إلا أن تأتيهم بغتة ← فجأة فقد جاء أشرطها ← علاماتها:
منها النبي صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان فأنَّى لهم إذا جاءتهم ← الساعة ذكراهم ← تذكرهم، أي لا ينفعهم .
{( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) أي دم يا محمد على علمك بذلك النافع في القيامة (
واستغفر لذنبك ) لأجله قيل له ذلك مع عصمته لتستن به أمته ، وقد فعله قال صلى الله
عليه وسلم : "" إني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة "" ( وللمؤمنين والمؤمنات )
فيه إكرام لهم بأمر نبيهم بالاستغفار لهم ( والله يعلم متقلبكم ) متصرفكم لأشغالكم
في النهار ( ومثواكم ) مأواكم إلى مضاجعكم بالليل ، أي هو عالم بجميع أحوالكم لا
يخفى عليه شيء منها فاحذروه ، والخطاب للمؤمنين وغيرهم .
ويقول الذين آمنوا ← طلبا للجهاد لولا ← هلا نزلت سورة ← فيها ذكر الجهاد فإذا أنزلت سورة محكمة ← أي لم ينسخ منها شيء وذكر فيها القتال ← أي طلبه رأيت
الذين في قلوبهم مرض ← أي شك وهم المنافقون ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت
← خوفا منه وكراهة له، أي فهم يخافون من القتال ويكرهونه فأولى لهم ← مبتدأ خبره
.
فهل عسَِيتم ← بكسر السين وفتحها وفيه التفات عن الغيبة إلى الخطاب، أي لعلكم إن توليتم ← أعرضتم عن الإيمان أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ← أي تعودوا
إلى أمر الجاهلية من البغي والقتال .
إن الذين ارتدوا ← بالنفاق على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سوَّل
← أي زيَّن لهم وأَُملى لهم ← بضم أوله وبفتحه واللام والمملي الشيطان بإرادته
تعالى فهو المضل لهم .
ذلك ← أي إضلالهم بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله ← أي للمشركين سنطيعكم في بعض الأمر ← أي المعاونة على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيط
الناس عن الجهاد معه، قالوا ذلك سرا فأظهره الله تعالى والله يعلم أَِسرارهم ← بفتح الهمزة جمع سر وبكسرها مصدر .
ولو نشاء لأريناكهم ← عرفناكهم وكررت اللام في فلعرفتهم بسيماهم ← علامتهم ولتعرفنهم ← الواو لقسم محذوف وما بعدها جوابه في لحن القوْل ← أي معناه إذا
تكلموا عندك بأن يعرضوا بما فيه تهجين أمر المسلمين والله يعلم أعمالكم } .
ولنبلونكم ← نختبرنكم بالجهاد وغيره حتى نعلم ← علم ظهور المجاهدين منكم
والصابرين ← في الجهاد وغيره ونبلوَ ← نظهر أخباركم ← من طاعتكم وعصيانكم في
الجهاد وغيره بالياء والنون في الأفعال الثلاثة .
إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ← طريق الحق وشاقوا الرسول ← خالفوه من
بعد ما تبيَّن لهم الهدى ← هو معنى سبيل الله لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم
← يبطلها من صدقة ونحوها فلا يرون لها في الآخرة ثوابا، نزلت في المطعمين من أصحاب
بدر أو في قريظة والنضير .
إنما الحياة الدنيا ← أي الاشتغال فيها لعب ولهوٌ وإن تؤمنوا وتتقوا ← الله
وذلك من أمور الآخرة يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم ← جميعها بل الزكاة
المفروضة فيها .
ها أنتم ← يا هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله ← ما فرض عليكم فمنكم من يبخل
ومن يبخلْ فإنما يبخل عن نفسه ← يقال بخل عليه وعنه والله الغني ← عن نفقتكم وأنتم الفقراء ← إليه وإن تتولوا ← عن طاعته يستبدل قوما غيركم ← أي يجعلهم
بدلكم ثم لا يكونوا أمثالكم ← في التولي عن طاعته بل مطيعين له عز وجل .