Prev  

2. Surah Al-Baqarah سورة البقرة

  Next  



تفسير البغوي - البقرة - Al-Baqara -
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الم
    +/- -/+  
الأية
1
 
{ بسم الله الرحمن الرحيم * الم ، { قال الشعبي وجماعة: آلم وسائر حروف الهجاء في أوائل السور من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه وهي سر القرآن. فنحن نؤمن بظاهرها ونكل العلم فيها إلى الله تعالى. وفائدة ذكرها طلب الإيمان بها. قال أبو بكر الصديق: في كل كتاب سر وسر الله تعالى في القرآن أوائل السور، وقال علي: لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف ( التهجي ) وقال داود بن أبي هند: كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور فقال: يا داود إن لكل كتاب سراً وإن سر القرآن فواتح السور فدعها وسل عما سوى ذلك. وقال جماعة هي معلومة المعاني فقيل: كل حرف منها مفتاح اسم من أسمائه كما قال ابن عباس في كهيعص: الكاف من كافي والهاء من هادي والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق. وقيل في المص أنا الله الملك الصادق، وقال الربيع بن أنس في آلم: الألف مفتاح اسمه الله واللام مفتاح اسمه اللطيف، والميم مفتاح اسمه المجيد. وقال محمد بن كعب : الألف آلاء الله واللام لطفه، والميم ملكه، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال معنى آلم: أنا الله أعلم: ومعنى آلمص: أنا الله أعلم وأفضل ومعنى آلر: أنا الله أرى، ومعنى آلمر: أنا الله أعلم وأرى. قال الزجاج: وهذا حسن فإن العرب تذكر حرفاً من كلمة يريدها كقولهم: قلت لها: قفى لنا قالت: قاف. أي: وقفت، وعن سعيد بن جبير قال هي أسماء الله تعالى (مقطعة) لو علم الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم.ألا ترى أنك تقول آلر، وحم، ون، فتكون الرحمن، وكذلك سائرها إلا أنا لا نقدر على وصلها، وقال قتادة : هذه الحروف أسماء القرآن. وقال مجاهد و ابن زيد : هي أسماء (السور)، وبيانه: أن القائل إذا قال: قرأت آلمص عرف السامع أنه قرأ السورة التي افتتحت بالمص. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها أقسام، وقال الأخفش : إنما أقسم الله بهذه الحروف لشرفها وفضلها لأنها( مبادئ ) كتبه المنزلة، ومباني أسمائه الحسنى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
    +/- -/+  
الأية
2
 
قوله تعالى : { ذلك الكتاب } ، أي هذا الكتاب وهو القرآن، وقيل: هذا فيه مضمر أي هذا ذلك الكتاب. قال الفراء : كان الله قد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، فلما أنزل القرآن قال هذا (ذلك) الكتاب الذي وعدتك أن أنزله عليك في التوراة والإنجيل وعلى لسان النبيين من قبلك (( وهذا )) للتقريب ((وذلك)) للتبعيد، وقال ابن كيسان : إن الله تعالى أنزل قبل سورة البقرة سوراً كذب بها المشركون ثم أنزل سورة البقرة فقال (ذلك الكتاب) يعنى ما تقدم البقرة من السور لا شك فيه. والكتاب مصدر وهو بمعنى المكتوب كما يقال للمخلوق خلق،وهذا الدرهم ضرب فلان أي مضروبه. وأصل الكتب: الضم والجمع، ويقال للجند: كتيبة لاجتماعها، وسمي الكتاب كتاباً لأنه جمع حرف إلى حرف. قوله تعالى } : لا ريب فيه } ، أي لا شك فيه أنه من عند الله عز وجل وأنه الحق والصدق، وقيل هو خبر بمعنى النهي أي لا ترتابوا فيه كقوله تعالى ، { فلا رفث ولا فسوق } (197-البقرة) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا. قرأ ابن كثير فيه بالإشباع في الوصل وكذلك كل هاء كناية قبلها ساكن يشبعها وصلاً ما لم يلقها ساكن ثم إن كان الساكن قبل الهاء ياء يشبعها بالكسرة ياء وإن كان غير ياء يشبعها بالضم واواً ووافقه حفص في قوله ، { فيه مهاناً } (69-الفرقان) (فيشبعه). قوله تعالى } : هدى للمتقين ، { يدغم الغنة عند اللام والراء أبو جعفر و ابن كثير و حمزة و الكسائي ، زاد حمزة و الكسائي عند الياء وزاد حمزة عند الواو والآخرون لا يدغمونها ويخفي أبو جعفر النون والتنوين عند الخاء والغين (هدى للمتقين) أي هو هدى أي رشد وبيان لأهل التقوى، وقيل هو نصب على الحال أي هادياً تقديره لا ريب في هدايته للمتقين والهدى ما يهتدي به الإنسان، للمتقين أي للمؤمنين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: المتقي من يتقي الشرك والكبائر والفواحش وهو مأخوذ من الاتقاء. وأصله الحجز بين الشيئين ومنه يقال اتقى بترسه أي جعله حاجزاً بين نفسه وبين ما يقصده. وفي الحديث: (( كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم )) أي إذا اشتد الحرب جعلناه حاجزاً بيننا وبين العدو، فكأن المتقي يجعل امتثال أمر الله والاجتناب عما نهاه حاجزاً بينه وبين العذاب. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكعب الأحبار: حدثني عن التقوى فقال: هل أخذت طريقاً ذا شوك قال: نعم. قال فما عملت فيه قال: حذرت وشمرت: قال كعب: ذلك التقوى. وقال شهر بن حوشب : المتقي الذي يترك ما لا بأس به حذراً لما به بأس وقال عمر بن عبد العزيز: التقوى ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فما رزق الله بعد ذلك فهو خير إلى خير. وقيل هو الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث: (( جماع التقوى في قوله تعالى ، { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } (90-النحل) الآية )) وقال ابن عمر: التقوى أن لا ترى نفسك خيراً من أحد. وتخصيص المتقين بالذكر تشريف لهم أو لأنهم هم المتقون بالهدى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
قوله تعالى : { الذين يؤمنون ، { موضع الذين خفض نعتاً للمتقين. يؤمنون: يصدقون [ ويترك الهمزة أبو عمرو وورش، والآخرون يهمزونه وكذلك يتركان كل همزة ساكنة هي فاء الفعل نحو يؤمن ومؤمن إلا أحرفاً معدودة ]. وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب، قال الله تعالى ، { وما أنت بمؤمن لنا } (17-يوسف) [ أي بمصدق لنا ] وهو في الشريعة: الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان، فسمي الإقرار والعمل إيماناً، لوجه من المناسبة، لأنه من شرائعه. والإسلام: هو الخضوع والانقياد، فكل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيماناً، إذا لم يكن معه تصديق، قال الله تعالى } : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } (14- الحجرات) وذلك لأن الرجل قد يكون مستسلماً في الظاهر غير مصدق في الباطن. وقد يكون مصدقاً في الباطن غيرمنقاد في الظاهر. وقد اختلف جواب النبي صلى الله عليه وسلم عنهما حين سأله جبريل عليه السلام وهو ما أخبرنا أبو طاهر محمد ابن علي بن محمد بن علي بن محمد بن بويه الزراد البخاري: أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ثنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ثنا أبو أحمد عيسى / بن أحمد العسقلاني أنا يزيد بن هارون أنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال. كان أول من تكلم في القدر، يعني بالبصرة، معبداً الجهني فخرجت أنا و حميد بن عبد الرحمن نريد مكة فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقوله هؤلاء فلقينا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فعلمت أنه سيكل الكلام إلي فقلت: يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يتقفرون هذا العلم ويطلبونه يزعمون أن لا قدر إنما الأمر أنف قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريء شيئاً حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ثم قال. حدثنا عمر بن الخطاب قال } : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ما يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فأقبل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم [وركبته تمس ركبته] فقال: يامحمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا فقال: صدقت فتعجبنا من سؤاله وتصديقه. ثم قال: فما الإيمان قال: أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسوله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار وبالقدر خيره وشره فقال: صدقت. ثم قال: فما الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك قال: صدقت ثم قال: فأخبرني عن الساعة فقال ما المسؤول عنها بأعلم بها من السائل قال: صدقت قال: فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في بنيان المدر قال: صدقت ثم انطلق فلما كان بعد ثالثة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر هل تدري من الرجل؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها إلا في صورته هذه }. فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الإسلام في هذا الحديث إسماً لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين، ولذلك قال ذاك جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم. والدليل على أن الأعمال من الإيمان ما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاه ثنا أبو أحمد بن محمد بن قريش بن سليمان ثنا بشر بن موسى ثنا خلف بن الوليد عن جرير الرازي عن سهل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان }. وقيل: الإيمان مأخوذ من الأمان، فسمي المؤمن مؤمناً لأنه يؤمن نفسه من عذاب الله، والله تعالى مؤمن لأنه يؤمن العباد من عذابه. قوله تعالى ، { بالغيب }: والغيب مصدر وضع موضع الاسم فقيل للغائب غيب [ كما قيل للعادل عدل وللزائر زور. والغيب ما كان مغيباً عن العيون قال ابن عباس: الغيب هاهنا كل ما أمرت بالإيمان به فيما غاب عن بصرك مثل الملائكة والبعث والجنة والنار والصراط والميزان. وقيل الغيب هاهنا: هو الله تعالى، وقيل: القرآن،وقال الحسن: بالآخرة وقال زر بن حبيش وابن جريح: بالوحي. نظيره ، { أعنده علم الغيب } (35-النجم) وقال ابن كيسان : بالقدر وقال عبد الرحمن بن يزيد: كنا عند عبد الله بن مسعود فذكرنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم [وما سبقونا به] فقال عبد الله: إن أمر محمد كان بيناً لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ ، { الم * ذلك الكتاب ، { إلى قوله { المفلحون }. قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وورش يومنون بترك الهمزة وكذلك أبو جعفر بترك كل همزة ساكنة إلا في أنبئهم ونبئهم ونبئنا ويترك أبو عمرو كلها إلا أن تكون علامة للجزم نحو نبئهم وأنبئهم وتسؤهم وإن نشأ وننسأها ونحوها أو يكون خروجاً من لغة إلى أخرى نحو مؤصدة ورئياً. ويترك ورش كل همزة ساكنة كانت فاء الفعل إلا تؤوي وتؤويه ولا يترك من عين الفعل: إلا الرؤيا وبابه، إلا ما كان على وزن فعل. مثل: ذئب]. قوله تعالى } : ويقيمون الصلاة } ، أي يديمونها ويحافظون عليها في مواقيتها بحدودها، وأركانها وهيئاتها يقال: قام بالأمر، وأقام الأمر إذا أتى به معطىً حقوقه، والمراد بها الصلوات الخمس ذكر بلفظ (الواحد) كقوله تعالى } : فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق } (213-البقرة) يعني الكتب. والصلاة في اللغة: الدعاء، قال الله تعالى } : وصل عليهم } (103-التوبة) أي ادع لهم، وفي الشريعة اسم لأفعال مخصوصة من قيام وركوع وسجود وقعود ودعاء وثناء. وقيل في قوله تعالى ، { إن الله وملائكته يصلون على النبي } (56-الأحزاب) الآية إن الصلاة من الله في هذه الآية الرحمة ومن الملائكة الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء. قوله تعالى } : ومما رزقناهم } (أي) أعطيناهم والرزق اسم لكل ما ينتفع به حتى الولد والعبد وأصله في اللغة الحظ والنصيب ، { ينفقون ، { يتصدقون. قال قتادة : ينفقون في سبيل الله وطاعته. وأصل الإنفاق: الإخراج عن اليد والملك، ومنه نفاق السوق، لأنه تخرج فيه السلعة عن اليد، ومنه: نفقت الدابة إذا أخرجت روحها. فهذه الآية في المؤمنين من مشركي العرب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
4
 
قوله تعالى : { والذين يؤمنون بما أنزل إليك } ، يعني القرآن ، { وما أنزل من قبلك ، { من التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ويترك أبو جعفر و ابن كثير وقالون (وأبو عمرو) وأهل البصرة ويعقوب كل مدة تقع بين كل كلمتين. والآخرون يمدونها. وهذه الآية في المؤمنين من أهل الكتاب. قوله تعالى ، { وبالآخرة } ، أي بالدار الآخرة سميت الدنيا دنيا لدنوها من الآخرة وسميت الآخرة آخرة لتأخرها وكونها بعد الدنيا ، { هم يوقنون } ، أي يستيقنون أنها كائنة، من الإيقان: وهو العلم. وقيل: الإيقان واليقين: علم عن استدلال. ولذلك لا يسمى الله موقناً ولاعلمه يقيناً إذ ليس علمه عن استدلال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
    +/- -/+  
الأية
5
 
قوله تعالى : { أولئك } ، أي أهل هذه الصفة وأولاء كلمة معناها الكناية عن جماعة نحو: هم، والكاف للخطاب كما في حرف ذلك ، { على هدى } ، أي رشد وبيان وبصيرة ، { من ربهم، وأولئك هم المفلحون } ، أي الناجون / والفائزون فازوا بالجنة ونجوا من النار، ويكون الفلاح بمعنى البقاء أي باقون في النعيم المقيم وأصل الفلاح القطع والشق ومنه سمي الزراع فلاحاً لأنه يشق الأرض وفي المثل: الحديد بالحديد يفلح أي يشق فهم (مقطوع) لهم بالخير في الدنيا والآخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
6
 
{ قوله ، { إن الذين كفروا } ، يعني مشركي العرب قال الكلبي : يعني اليهود. والكفر هو الجحود وأصله من الكفر وهو الستر ومنه سمي الليل كافراً لأنه يستر الأشياء بظلمته وسمي الزارع كافراً لأنه يستر الحب بالتراب والكافر يستر الحق بجحوده. والكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر عناد، وكفر نفاق. فكفر الإنكار: أن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به، وكفر الجحود هو: أن يعرف الله تعالى بقلبه ولا يقر بلسانه ككفر إبليس (وكفر) اليهود. قال الله تعالى } : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } (89-البقرة) وكفر العناد هو: أن يعرف الله بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به ككفر أبي طالب حيث يقول: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً وأما كفر النفاق: فهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بالقلب، وجميع هذه الأنواع سواء في أن من لقي الله تعالى بواحد منها لا يغفر له. قوله ، { سواء عليهم } ، أي: متساو لديهم ، { أأنذرتهم ، { خوفتهم وحذرتهم والإنذار إعلام مع تخويف وتحذير وكل منذر معلم وليس كل معلم منذراً وحقق ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي الهمزتين في ((أأنذرتهم)) وكذلك كل همزتين تقعان في أول الكلمة والآخرون يلينون الثانية { أم ، { حرف عطف على الاستفهام { لم ، { حرف جزم لا تلي إلا الفعل لأن الجزم يختص بالأفعال { تنذرهم لا يؤمنون ، { وهذه الآية في أقوام حقت عليهم الشقاوة في سابق علم الله ثم ذكر سبب تركهم الإيمان فقال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
خَتَمَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
7
 
{ فقال ، { ختم الله ، { طبع الله ، { على قلوبهم ، { فلا تعي خيراً ولا تفهمه. وحقيقة الختم الاستيثاق من الشيء كيلا يدخله ما خرج منه ولا يخرج عنه ما فيه، ومنه الختم على الباب. قال أهل السنة: أي حكم على قلوبهم بالكفر، لما سبق من علمه الأزلي فيهم، وقال المعتزلة: جعلعلى قلوبهم علامة تعرفهم الملائكة بها. { وعلى سمعهم }: أي: على موضع سمعهم فلا يسمعون الحق ولا ينتفعون به، وأراد على أسماعهم كما قال } : على قلوبهم ، { وإنما وحده لأنه مصدر، والمصدر لا يثنى ولا يجمع. { وعلى أبصارهم غشاوة ، { هذا ابتداء كلام. غشاوة أي: غطاء، فلا يرون الحق. وقرأ أبو عمرو و الكسائي أبصارهم بالامالة وكذا كل ألف بعدها راء مجرورة في الأسماء كانت لام الفعل يميلانها ويميل حمزة منها ما يتكرر فيه الراء كالقرار ونحوه. زاد الكسائي إمالة جبارين والجوار والجار وبارئكم ومن أنصاري ونسارع وبابه. وكذلك يميل هؤلاء كل ألف بمنزلة لام الفعل، أو كان علماً للتأنيث، إذا كان قبلها راء، فعلم التأنيث مثل: الكبرى والأخرى. ولام الفعل: مثل ترى وافترى، يكسزون الراء فيها. { ولهم عذاب عظيم } ، أي: في الآخرة، وقيل: القتل والأسر في الدنيا والعذاب الدائم في العقبى. والعذاب كل ما يعني الإنسان ويشق عليه. قال الخليل : العذاب ما يمنع الإنسان عن مراده، ومنه: الماء العذب، لأنه يمنع العطش.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
8
 
{ قوله } : ومن الناس من يقول آمنا بالله ، { نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، ومعتب بن قشير، وجد بن قيس وأصحابهم حيث أظهروا كلمة الإسلام ليسلموا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واعتقدوا خلافها وأكثرهم من اليهود، والناس جمع انسان سمي به لأنه عهد إليه فنسي كما قال الله تعالى ، { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } (115-طه) وقيل لظهوره من قولهم آنست أي أبصرت، وقيل لأنه يستأنس به ، { وباليوم الآخر } ، أي بيوم القيامة. قال الله تعالى } : وما هم بمؤمنين } ، أي يخالفون الله.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
9
 
{ يخادعون الله } ، أي يخالفون الله وأصل الخدع في اللغة الإخفاء ومنه المخدع للبيت الذي يخفى فيه المتاع فالمخادع يظهر خلاف ما يضمر والخدع من الله في قوله { وهو خادعهم } (182-النساء) أي يظهر لهم ويعجل لهم من النعيم في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم من عذاب الآخرة. وقيل: أصل الخدع: الفساد، معناه يفسدون ما أظهروا من الإيمان بما أضمروا من الكفر. وقوله: '' وهو خادعهم } ، أي: يفسد عليهم نعيمهم في الدنيا بما يصيرهم إليه من عذاب الآخرة فإن قيل ما معنى قوله ، { يخادعون الله ، { والمفاعلة للمشاركة وقد جل الله تعالى عن المشاركة في المخادعة؟ قيل: قد ترد المفاعلة لا على معنى المشاركة كقولك عافاك الله وعاقبت فلاناً، وطارقت النعل. وقال الحسن : معناه يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى } : إن الذين يؤذون الله } (57- الأحزاب) أي أولياء الله، وقيل: ذكر الله هاهنا تحسين والقصد بالمخادعة الذين آمنوا كقوله تعالى ، { فأن لله خمسه وللرسول } (41- الأنفال) وقيل معناه يفعلون في دين الله ما هو خداع في دينهم ، { والذين آمنوا } ، أي و يخادعون المؤمنين بقولهمإذا رأوهم آمنا وهم غير مؤمنين. { وما يخدعون ، { قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو وما يخادعون كالحرف الأول وجعلوه من المفاعلة التي تختص بالواحد. وقرأ الباقون: وما يخدعون على الأصل. { إلا أنفسهم ، { لأن وبال خداعهم راجع إليهم لأن الله تعالى يطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على نفاقهم فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب في العقبى ، { وما يشعرون } ، أي لا يعلمون أنهم يخدعون أنفسهم وأن وبال خداعهم يعود عليهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
    +/- -/+  
الأية
10
 
{ في قلوبهم مرض ، { شك ونفاق وأصل المرض الضعف. وسمي الشك في الدين مرضاً لأنه يضعف الدين كالمرض يضعف البدن. { فزادهم الله مرضاً ، { لأن الآيات كانت تنزل تترى، آية بعد آية، كلما كفروا بآية ازدادوا كفراً ونفاقاً وذلك معنى قوله تعالى ، { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم } (125-التوبة) وقرأ ابن عامر و حمزة فزادهم بالإمالة وزاد حمزة إمالة زاد حيث وقع وزاغ وخاب وطاب وحاق وضاق، والآخرون لا يميلونها ، { ولهم عذاب أليم ، { مؤلم يخلص وجعه إلى قلوبهم ، { بما كانوا يكذبون ، { ما للمصدر أي بتكذيبهم الله ورسوله في السر. قرأ الكوفيون يكذبون بالتخفيف أي بكذبهم (إذ) قالوا آمنا وهم غير مؤمنين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
    +/- -/+  
الأية
11
 
{ وإذا قيل ، { قرأ الكسائي : (( قيل )) و (( غيض )) و (( جيء )) و (( حيل )) و (( سيق )) و (( سيئت )) بروم أوائلهن الضم - ووافق ابن عامر في (( سيق )) و (( حيل )) و (( سيئ )) و (( سيئت )) - ووافق أهل المدينة في: سيء وسيئت لأن أصلها قول بضم القاف وكسر الواو، مثل قتل وكذل في أخواته فأشير إلى الضمة لتكون دالة على الواو المنقلبة وقرأ الباقون بكسر أوائلهن، استثقلوا الحركة على الواو فنقلوا كسرتها إلى فاء الفعل وانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها / { وإذا قيل لهم } ، يعني للمنافقين، وقيل لليهود أي قال لهم المؤمنون ، { لا تفسدوا في الأرض ، { بالكفر وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. وقيل معناه لا تكفروا، والكفر أشد فساداً في الدين ، { قالوا إنما نحن مصلحون ، { يقولون هذا القول كذباً كقولهم آمنا وهم كاذبون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
12
 
{ ألا ، { كلمة تنبيه ينبه بها المخاطب ، { إنهم هم المفسدون ، { أنفسهم بالكفر والناس بالتعويق عن الإيمان ، { ولكن لا يشعرون } ، أي لا يعلمون أنهم مفسدون لأنهم يظنون أن الذي هم عليه من إبطان الكفر صلاح. وقيل: لا يعلمون ما أعد الله لهم من العذاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
13
 
{ وإذا قيل لهم } ، أي للمنافقين وقيل لليهود ، { آمنوا كما آمن الناس ، { عبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب وقيل كما آمن المهاجرون والأنصار ، { قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء } ، أي الجهال فإن قيل كيف يصح النفاق مع ( المهاجرة ) بقولهم أنؤمن كما آمن السفهاء قيل أنهم كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم لا عند المؤمنين. فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بذلك فرد الله عليهم فقال ، { ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ، { أنهم كذلك فالسفيه خفيف العقل رقيق الحلم من قولهم: ثوب سفيه أي رقير وقيل السفيه الكذاب الذي يتعمد (الكذب) بخلاف ما يعلم. قرأ أهل الكوفة والشام (السفهاء ألا) بتحقيق الهمزتين وكذلك كل همزتين وقعتا في كلمتين اتفقتا أو اختلفتا والآخرون يحققون الأولى ويلينون الثانية في المختلفتين طلباً للخفة فإن كانتا متفقتين مثل: هؤلاء، وأولياء، وأولئك، وجاء أمر ربك - قرأها أبو عمرو و البزي عن ابن كثير بهمزة واحدة وقرأ أبو جعفر وورش والقواش و يعقوب بتحقيق الأولى وتليين الثانية وقرأ قالون بتخفيف الأولى وتحقيق الثانية لأن ما يستأنف أولى بالهمزة مما يسكت عليه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
{ وإذا لقوا الذين آمنوا } ، يعني هؤلاء المنافقين إذا لقوا المهاجرين والأنصار ، { قالوا آمنا ، { كإيمانكم ، { وإذا خلوا ، { رجعوا. ويجوز أن يكون من الخلوة ، { إلى } ، بمعنى الباء أي بشياطينهم وقيل: إلى بمعنى مع كما قال ( الله تعالى ) { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } ( 2-النساء) أي مع أموالكم ، { شياطينهم } ، أي رؤسائهم وكهنتهم قال ابن عباس رضي الله عنهما: وهم حمسة نفر من اليهود كعب بن الأشرف بالمدينة، وأبو بردة في بني أسلم وعبد الدار في جهينة، وعوف بن عامر في بني أسد، وعبد الله بن السوداء بالشام. ولا يكون كاهن إلا ومعه شيطان تابع له.والشيطان : المتمرد العاتي من الجن والإنس ومن كل شيء وأصله البعد ، يقال بئر شطون أي : بعيدة العمق ، سمي الشيطان شيطانا لامتداده في الشر وبعده عن الخير . وقال مجاهد : إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين ، { قالوا إنا معكم } ، أي : على دينكم ، { إنما نحن مستهزئون ، { بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما نظهر من الإسلام . قرأ أبو جعفر مستهزون ويستهزون وقل استهزوا وليطفوا وليواطوا ويستنبونك وخاطين وخاطون ومتكن ومتكون فمالون والمنشون بترك الهمزة فيهن.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
    +/- -/+  
الأية
15
 
{ الله يستهزئ بهم } ، أي يجازيهم جزاء استهزائهم سمي الجزاء باسمه لأنه في مقابلته كما قال الله تعالى } : وجزاء سيئة سيئة مثلها } (40-الشورى) قال ابن عباس: هو أن يفتح لهم باب من الجنة فإذا انتهوا إليه سد عنهم، وردوا إلى النار وقيل هو أن يضرب للمؤمنين نور يمشون به على الصراط فإذا وصل المنافقون إليه حيل بينهم وبين المؤمنين كما قال الله تعالى } : وحيل بينهم وبين ما يشتهون } (54-سبأ) قال الله تعالى } : فضرب بينهم بسور له باب ، { الآية (13-الحديد) وقال الحسن معناه الله يظهر المؤمنين على نفاقهم ، { ويمدهم ، { يتركهم ويمهلهم والمد والإمداد واحد، وأصله الزيادة إلا أن المد أكثر ما يأتي في الشر والإمداد في الخير قال الله تعالى في المد ، { ونمد له من العذاب مداً } (79-مريم) وقال في الإمداد ، { وأمددناكم بأموال وبنين } (6 ـ الإسراء ) { وأمددناهم بفاكهة } (22-الطور) { في طغيانهم } ، أي في ضلالتهم وأصله مجاوزة الحد. ومنه طغى الماء ، { يعمهون } ، أي يترددون في الضلالة متحيرين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
    +/- -/+  
الأية
16
 
{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } ، أي استبدلوا الكفر بالإيمان ، { فما ربحت تجارتهم } ، أي ما ربحوا في تجارتهم أضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها كما تقول العرب: ربح بيعك وخسرت صفقتك ، { وما كانوا مهتدين ، { من الضلالة، وقيل مصيبين في تجارتهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
17
 
{ مثلهم ، { شبههم، وقيل صفتهم. والمثل: قول سائر في عرف الناس يعرف به معنى الشيء وهو أحد أقسام القرآن السبعة ، { كمثل الذي } ، يعني الذين بدليل سياق الآية. ونظيره ، { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون } (33-الزمر) { استوقد ، { أوقد ، { ناراً فلما أضاءت ، { النار ، { ما حوله } ، أي حول المستوقد. وأضاء: لازم ومتعد يقال أضاء الشيء بنفسه وأضاءه غيره وهو هاهنا متعد ، { ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، { قال ابن عباس و قتادة و مقاتل و الضحاك و السدي نزلت في المنافقين. يقول: مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد ناراً في ليلة مظلمة في مفازة فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف فبينا هو كذلك إذا طفيت ناره فبقي في ظلمة طائفاً متحيراً فكذلك المنافقون بإظهار كلمة الإيمان أمنوا على أموالهم وأولادهم وناكحوا المؤمنين ووارثوهم وقاسموهم الغنائم فذلك نورهم فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف. وقيل: ذهاب نورهم في القبر. وقيل: في القيامه حيث يقولون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم. وقيل: ذهاب نورهم بإظهارعقيدتهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فضرب النار مثلاً ثم لم يقل أطفأ الله نارهم لكن عبر بإذهاب النور عنه لأن النار نور وحرارة فيذهب نورهم وتبقى الحرارة عليهم. وقال مجاهد : إضاءة النار إقبالهم إلى المسلمين والهدى وذهاب نورهم إقبالهم إلى المشركين والضلالة وقال عطاء و محمد بن كعب : نزلت في اليهود. وانتظارهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستفتاحهم به على مشركي العرب فلما خرج كفروا به ثم وصفهم الله فقال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ
    +/- -/+  
الأية
18
 
{ صم } ، أي هم صم عن الحق لا يقبلونه وإذا لم يقبلوا فكأنهم لم يسمعوا ، { بكم ، { خرس عن الحق لا يقولونه أو أنهم لما أبطنوا خلاف ما أظهروا فكأنهم لم ينطقوا بالحق ، { عمي } ، أي لا بصائر لهم ومن لا بصيرة له كمن لا بصر له ، { فهم لا يرجعون ، { عن الضلالة إلى الحق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
{ أو كصيب } ، أي كأصحاب صيب وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى للمنافقين بمعنىآخر إن شئت مثلهم بالمستوقد وإن شئت بأهل الصيب وقيل / أو بمعنى الواو يريد وكصيب كقوله تعالى } : أو يزيدون } ، بمعنى ويزيدون والصيب المطر وكل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب فيعل من صاب يصوب أي نزل من السماء أي من السحاب قيل هي السماء بعينها والسماء كل ما علاك فأظلك وهي من أسماء الأجناس يكون واحداً وجمعاً ، { فيه } ، أي في الصيب وقيل في السماء أي من السحاب ولذلك ذكره وقيل السماء يذكر ويؤنث قال الله تعالى } : السماء منفطر به } (18-المزمل) وقال ، { إذا السماء انفطرت } (1-الانفطار) { ظلمات ، { جمع ظلمة ، { ورعد ، { هو الصوت الذي يسمع من السحاب ، { وبرق ، { وهو النار التي تخرج منه. قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين رضي الله عنهم: الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب. وقيل الصوت زجر السحاب وقيل تسبيح الملك. وقيل الرعد نطق الملك والبرق ضحكه. وقال مجاهد الرعد اسم الملك ويقال لصوته أيضاً رعد والبرق مصع ملك يسوق السحاب وقال شهر بن حوشب : الرعد ملك يزجي السحاب فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق، وقيل الرعد صوت انحراف الريح بين السحاب والأول أصح. { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق ، { جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه. ويقال لكل عذاب مهلك: صاعقة، وقيل الصاعقة قطعة عذاب ينزلها الله تعالى على من يشاء. روي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال } : اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك }.قوله ، { حذر الموت } ، أي مخافة الهلاك ، { والله محيط بالكافرين } ، أي عالم بهم وقيل جامعهم. وقال مجاهد : يجمعهم فيعذبهم. وقيل: مهلكهم، دليله قوله تعالى } : إلا أن يحاط بكم } (66-يوسف) أي تهلكوا جميعاً. ويميل أبو عمرو و الكسائي الكافرين في محل النصب والخفض ولا يميلان } : أول كافر به } (41-البقرة).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
20
 
{ يكاد البرق } ، أي يقرب، يقال: كاد يفعل إذا قرب ولم يفعل ، { يخطف أبصارهم ، { يختلسها والخطف استلاب بسرعة ، { كلما ، { كل حرف جملة ضم إلى ما الجزاء فصار أداة للتكرار ومعناهما متى ما ، { أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا } ، أي وقفوا متحيرين، فالله تعالى شبههم في كفرهم ونفاقهم بقوم كانوا في مفازة في ليلة مظلمة أصابهم مطر فيه ظلمات من صفتها أن الساري (لا يمكنه) المشي فيها، ورعد من صفته أن يضم السامعون أصابعهم إلى آذانهم من هوله، وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويعميها من شدة توقده، فهذا مثل ضربه الله للقرآن وصنيع الكافرين والمنافقين معه، فالمطر القرآن لأنه حياة الجنان كما أن المطر حياة الأبدان، والظلمات ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك، والرعد ما خوفوا به من الوعيد، وذكر النار والبرق ما فيه من الهدى والبيان والوعد وذكر الجنة. والكافرون يسدون آذانهم عند قراءة القرآن مخافة ميل القلب إليه لأن الإيمان عندهم كفر والكفر موت ، { يكاد البرق يخطف أبصارهم } ، أي القرآن يبهر قلوبهم. وقيل هذا مثل ضربه الله للإسلام فالمطر الإسلام والظلمات ما فيه من البلاء والمحن، والرعد: ما فيه من الوعيد والمخاوف في الآخرة، والبرق ما فيه من الوعد والوعيد ، { يجعلون أصابعهم في آذانهم } ، يعني أن المنافقين إذا رأوا في الإسلام بلاء وشدة هربوا حذراً من الهلاك ، { والله محيط بالكافرين ، { جامعهم يعني لا ينفعهم هربهم لأن الله تعالى من ورائهم يجمعهم فيعذبهم. يكاد البرق يعنى دلائل الإسلام تزعجهم إلى النظر لولا ما سبق لهم من الشقاوة. { كلما أضاء لهم مشوا فيه } ، يعني أن المنافقين إذا أظهروا كلمة الإيمان آمنوا فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة. وقيل معناه كلما نالواغنيمة وراحة في الإسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم ، { وإذا أظلم عليهم قاموا } ، يعني: رأوا شدة وبلاء تأخروا وقاموا أي وقفوا كما قال تعالى ، { ومن الناس من يعبد الله على حرف } (11-الحج) { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } ، أي بأسماعهم ، { وأبصارهم ، { الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة، وقيل لذهب بما استفادوا من العز والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر. { إن الله على كل شيء قدير }: قادر. قرأ عامر وحمزة شاء وجاء حيث كان بالإمالة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
21
 
قوله تعالى : { يا أيها الناس ، { قال ابن عباس رضي الله عنهما: ياأيها الناس خطاب أهل مكة، ويا أيها الذين آمنوا خطاب أهل المدينة وهو هاهنا عام إلا من حيث أنه لا يدخله الصغار والمجانين. { اعبدوا ، { وحدوا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناها التوحيد ، { ربكم الذي خلقكم ، { الخلق: اختراع الشيء على غير مثال سبق ، { والذين من قبلكم } ، أي وخلق الذين من قبلكم ، { لعلكم تتقون ، { لكي تنجوا من العذاب وقيل معناه كونوا على رجاء التقوى بأن تصيروا في ستر ووقاية من عذاب الله، وحكم الله من ورائكم يفعل ما يشاء كما قال } : فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } (44-طه) أي ادعواه إلى الحق وكونا على رجاء التذكر، وحكم الله من ورائه يفعل ما يشاء، قال سيبويه : لعل وعسى حرفا ترج وهما من الله واجب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
22
 
{ الذي جعل لكم الأرض فراشاً } ، أي بساطاً وقيل مناماً وقيل وطاء أي ذللها ولم يجعلها حزنة لايمكن القرار عليها قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنه قال: '' سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي ذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهوخلقك قلت: إن ذلك عظيم. ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك . قلت: ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك ، { والجعل هاهنا بمعنى الخلق ، { والسماء بناء ، { وسقفاً مرفوعاً. { وأنزل من السماء } ، أي من السحاب ، { ماء ، { وهو المطر ، { فأخرج به من الثمرات ، { من ألوان الثمرات وأنواع النبات ، { رزقاً لكم ، { طعاماً لكم وعلفاً لدوابكم ، { فلا تجعلوا لله أنداداً } ، أي أمثالاً تعبدونهم كعبادة الله. قال أبو عبيدة: الند الضد وهو من الأضداد والله تعالى بريء من المثل والضد. { وأنتم تعلمون ، { أنه واحد خالق هذه الأشياء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
23
 
{ وإن كنتم في ريب } ، أي (وإن) كنتم في شك، لأن الله تعالى علم أنهم شاكون ، { مما نزلنا } ، يعني القرآن ، { على عبدنا ، { محمد ، { فأتوا ، { أمر تعجيز ، { بسورة ، { والسورة قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر من أسأرت أي أفضلت، حذفت الهمزة، وقيل: السورة اسم للمنزلة الرفيعة / ومنه سور البناءلارتفاعه سميت سورة لأن القارئ ينال بقراءتها منزلة رفيعة حتى يستكمل المنازل باستكماله سور القرآن ، { من مثله } ، أي مثل القرآن (( ومن )) صلة، كقوله تعالى } : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } (30-النور) وقيل: الهاء في مثله راجعة لمحمد صلى الله عليه وسلم يعني: من مثل محمد صلى الله عليه وسلم أمي لا يحسن الخط والكتابة [ قال محمود هاهنا من مثله دون سائر السور، لأن من للتبعيض وهذه السورة أول القرآن بعد الفاتحة فأدخل من ليعلم أن التحدي واقع على جميع سور القرآن، ولو أدخل من في سائر السور كان التحدي واقعاً على جميع سور القرآن، ولو أدخل خفي سائر السور كان التحدي واقعاً على بعض السور ]. { وادعوا شهداءكم } ، أي واستعينوا بآلهتكم التي تعبدونها ، { من دون الله ، { وقال مجاهد : ناساً يشهدون لكم ، { إن كنتم صادقين ، { أن محمداً صلى الله عليه وسلم يقوله من تلقاء نفسه فلما تحداهم عجزوا فقال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
24
 
{ فإن لم تفعلوا ، { فيما مضى ، { ولن تفعلوا ، { أبداً فيما بقي. وإنما قال ذلك لبيان الإعجاز وأن القرآن كان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث عجزوا عن الإتيان بمثله. { فاتقوا النار } ، أي فآمنوا واتقوا بالإيمان النار. { التي وقودها الناس والحجارة ، { قال ابن عباس وأكثر المفسرين يعني حجارة الكبريت لأنها أكثر التهاباً، وقيل جميع الحجارة وهودليل على عظمة تلك النار وقيل: أراد بها الأصنام لأن أكثر أصنامهم كانت منحوتة من الحجارة كما قال ، { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } (98-الأنبياء) { أعدت ، { هيئت ، { للكافرين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
{ وبشر الذين آمنوا } ، أي أخبر والبشارة كل خبر صدق تتغير به بشرة الوجه، ويستعمل في الخير والشر، وفي الخير أغلب ، { وعملوا الصالحات } ، أي الفعلات الصالحات يعني المؤمنين الذين من أهل الطاعات قال عثمان بن عفان رضي الله عنه ، { وعملوا الصالحات } ، أي أخلصوا الأعمال كما قال ، { فليعمل عملاً صالحاً } (110-الكهف) أي خالياً عن الرياء. قال معاذ: العمل الصالح الذي فيه أربعة أشياء: العلم، والنية، والصبر، والاخلاص. { أن لهم جنات ، { جمع الجنة، والجنة البستان الذي فيه أشجار مثمرة، سميت بها لاجتنابها وتسترها بالأشجار. وقال الفراء : الجنة ما فيه النخيل، والفردوس ما فيه الكرم. { تجري من تحتها } ، أي من تحت أشجارها ومساكنها ، { الأنهار } ، أي المياه في الأنهار لأن النهر لا يجري وقيل (من تحتها) أي بأمرهم لقوله تعالى حكاية عن فرعون ، { وهذه الأنهار تجري من تحتي } (51-الزخرف) أي بأمري والأنهار جمع نهر سمي به لسعته وضيائه. ومنه النهار. وفي الحديث (( أنهار الجنة في غير أخدود )) { كلما ، { متى ما ، { رزقوا ، { أطعموا ، { منها } ، أي من الجنة من ثمرة أي ثمرة و ، { من ، { صلة ، { رزقاً ، { طعاماً ، { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ، { وقبل رفع على الغاية. قال الله تعالى } : لله الأمر من قبل ومن بعد } (4-الروم) قيل: من قبل في الدنيا وقيل: الثمار في الجنة متشابهة في اللون، مختلفة في الطعم، فإذا رزقوا ثمرة بعد أخرى ظنوا أنها الأولى ، { وأتوا به ، { بالرزق ، { متشابهاً ، { قال ابن عباس و مجاهد و الربيع : متشابهاً في الأوان، مختلفاً في الطعوم. وقال الحسن و قتادة : متشابهاً. أي يشبه بعضها بعضاً في الجودة، أي كلها خيار لا رذالة فيها. وقال محمد بن كعب : يشبه ثمر الدنيا غير أنها أطيب. وقيل متشابهاً في الاسم مختلفاً في الطعم. قال: ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسامي. أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا محمد بن كثير أنا سفيان الثوري عن الأعمش عن ابي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبزقون، يلهمون الحمد والتسبيح، كما تلهمون النفس، طعامهم الجشاء، ورشحهم المسك }. قوله تعالى } : ولهم فيها ، { في الجنان ، { أزواج ، { نساء وجواري يعني من الحور العين ، { مطهرة ، { من الغائط، والبول، والحيض، والنفاس، والبصاق، والمخاط والمني، والولد، وكل قذر. قال إبراهيم النخعي : في الجنة جماع ما شئت ولا ولد. وقال الحسن هن عجائزكم الغمص العمش طهرن من قذرات الدنيا. وقيل: مطهرة عن مساوئ الأخلاق ، { وهم فيها خالدون ، { دائمون لا يموتون فيها ولا يخرجون منها. أنا أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف الفربري ، أنا محمد بن إسماعيل البخاري أنا قتيبة بن سعيد ، أنا جرير عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء }. أنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا فضيل هو ابن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : أول زمرة تدخل الجنة يوم القيامة صورة وجوههم مثل صورة القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن الكواكب في السماء لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقهن دون لحومها ودمائها وحللها }. أنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي المروزي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا اسماعيل بن جعفر بن أبي كثير المدني عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم } : لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينهما ولملئت ما بينهما ريحاً، ولتاجها على رأسها خير من الدنيا وما فيها }. أنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو محمد محمد بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم أنا أبو بكر الجوربذي أنا أحمد بن الفرج الحمصي أنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار أنا محمد بن المهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : ألا هل من مشمر للجنة، وإن الجنة لا خطر لها وهي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز، وقصر مشيد ونهر مطرد، وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام أبد في دار / سليمة وفاكهة خضرة، وحبرة، ونعمة في محلة عالية بهية قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها فقال: قولوا إن شاء الله قال القوم: إن شاء الله. { وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: '' أهل الجنة جرد مرد كحل لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم }. أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا الحاكم أبو الفضل الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى ابن خالد أنا إسحاق الحنظلي أنا أبو معاوية أنا عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعيد عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إن في الجنة لسوقاً ليس فيه بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها، إن فيها لمجتمع الحور العين ينادين، بصوت لم يسمع الخلائق مثله: نحن الخالدات فلا نبيد أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، فطوبى لمن كان لنا وكنا له ونحن له ، { ورواه أبو عيسى عن هناد و أحمد بن منيع عن أبي نعاوية مرفوعاً وقال: هذا حديث غريب. أنا أسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبارالبصري أنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلهم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً فيقولون وأنتم والله لقد زدتم بعدنا حسناً وجمالاً }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
26
 
{ قوله تعالى ، { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ، { سبب نزول هذه الآية أن الله تعالى لما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت فقال } : إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له } (73-الحج) وقال } : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً } (41-العنكبوت) قالت اليهود: ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟ وقيل: قال المشركون: إنا لا نعبد إلهاً يذكر مثل هذه الأشياء فأنزل الله تعالى ، { إن الله لا يستحيي } ، أي لا يترك ولا يمنعه الحياء ، { أن يضرب مثلاً ، { يذكر شبهاً ، { ما بعوضة ، { ما: صلة، أي مثلاً بالبعوضة، وبعوضة نصب بدل عن المثل. والبعوض صغار البق سميت بعوضة كأنها بعض البق ، { فما فوقها ، { يعنى الذباب والعنكبوت وقال أبو عبيدة أي فما دونها كما يقال وفوق ذلك أي وأجهل ، { فأما الذين آمنوا ، { بمحمد والقرآن ، { فيعلمون أنه } ، يعني: المثل هو ، { الحق ، { الصدق ، { من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً { ؟ أي بهذا المثل فلما حذف الألف واللام نصبه على الحال والقطع ثم أجابهم فقال ، { يضل به } ، أي بهذا المثل ، { كثيراً ، { من الكفار وذلك أنهم يكذبونه فيزدادون ضلالاً ، { ويهدي به } ، أي بهذا المثل ، { كثيراً ، { من المؤمنين فيصدقونه، والإضلال: هو الصرف عن الحق إلى الباطل. وقيل: هو الهلاك يقال ضل الماء في اللبن إذا هلك ، { وما يضل به إلا الفاسقين ، { الكافرين وأصل الفسق الخروج يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها قال الله تعالى } : ففسق عن أمر ربه } (50-الكهف) أي خرج ثم وصفهم فقال:

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
{ الذين ينقضون ، { يخالفون ويتركون وأصل النقض الكسر ، { عهد الله ، { أمر الله الذي عهد إليهم يوم الميثاق بقوله } : ألست بربكم؟ قالوا بلى } ( 173-الأعراف) وقيل: أراد به العهد الذي أخذه على النبيين وسائر الأمم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم في قوله } : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } (81-آل عمران) الآية وقيل: أراد به العهد الذي عهد إليهم في التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويبينوا نعته ، { من بعد ميثاقه ، { توكيده. والميثاق: العهد المؤكد ، { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، { يعنى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبجميع الرسل عليهم السلام لأنهم قالوا: نؤمن ببعض ونكفر ببعض وقال المؤمنون ، { لا نفرق بين أحد من رسله } (285-البقرة) وقيل: أراد به الأرحام ، { ويفسدون في الأرض ، { بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن ، { أولئك هم الخاسرون ، { المغبونون، ثم قال لمشركي العرب على وجه التعجب

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
    +/- -/+  
الأية
28
 
{ كيف تكفرون بالله ، { بعد نصب الدلائل ووضوح البراهين ثم ذكر الدلائل فقال } : وكنتم أمواتاً ، { نطفاً في أصلاب آبائكم ، { فأحياكم ، { في الأرحام والدنيا ، { ثم يميتكم ، { عند انقضاء آجالكم ، { ثم يحييكم ، { للبعث ، { ثم إليه ترجعون } ، أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم. قرأ يعقوب (( ترجعون )) في كل القرآن بفتح الياء والتاء على تسمية الفاعل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
29
 
{ قوله تعالى ، { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ، { لكي تعتبروا وتستدلوا وقيل لكي تنتفعوا ، { ثم استوى إلى السماء ، { قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء. وقال ابن كيسان و الفراء وجماعة من النحويين: أي أقبل على خلق السماء. وقيل: قصد لأنه خلق الأرض أولاً ثم عمد إلى خلق السماء ، { فسواهن سبع سماوات ، { خلقهن مستويات لا فطور فيها ولا صدع ، { وهو بكل شيء عليم ، { قرأ أبو جعفر و أبو عمرو و الكسائي و قالون وهو وهي بسكون الهاء إذا كان قبل الهاء واو أو فاء أو لام، زاد الكسائي و قالون : ثم هو و قالون ، { أن يمل هو } (282-البقرة).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
30
 
قوله تعالى : { وإذ قال ربك } ، أي وقال ربك وإذ زائدة وقيل معناه واذكر إذ قال ربك وكذلك كل ما ورد في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله وإذ وإذا حرفا توقيت إلا أن إذ للماضي وإذا للمستقبل وقد يوضع أحدهما موضع الآخر قال المبرد : إذا جاء (إذ) مع المستقبل كان معناه ماضياً كقوله تعالى ، { وإذ يمكر بك الذين } (30-الأنفال) يريد وإذ مكروا وإذا جاء (إذا ) مع الماضي كان معناه مستقبلاً كقوله } : فإذا جاءت الطامة } (34-النازعات) { إذا جاء نصر الله } (1-النصر) أي يجيء ، { للملائكة ، { جمع ملك وأصله مألك من المألكة والألوكة والوك، وهي: الرسالة فقلبت فقيل ملأك ثم حذفت الهمزة طلباً للخفة لكثرة استعماله ونقلت حركتها إلى اللام فقيل ملك. وأراد بهم الملائكة الذين كانوا في الأرض وذلك أن الله تعالى خلق السماء والأرض وخلق الملائكة والجن فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن الأرض فغبروا فعبدوا دهراً طويلاً في الأرض، ثم ظهر فيهم الحسد والبغي فأفسدوا وقتلوا فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة يقال لهم: الجن، وهم خزان الجنان اشتق لهم من الجنة رأسهم إبليس وكان رئيسهم ومرشدهم وأكثرهم علماً فهبطوا إلى الأرض فطردوا الجن إلى شعوب الجبال (وبكون الأودية) وجزائر البحور وسكنوا الأرض وخفف الله عنهم العبادة فأعطى الله إبليس ملك الأرض، وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة وكان يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة فدخله العجب فقال في نفسه: ما أعطاني الله هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه فقال الله تعالى / له ولجنده } : إني جاعل ، { خالق. { في الأرض خليفة } ، أي بدلاً منكم ورافعكم إلي، فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة. والمراد بالخليفة هاهنا آدم سماه لأنه خلف الجن أي جاء بعدهم وقيل لأنه يخلفه غيره والصحيح أنه خليفة الله في أرضه لإقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه ، { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ، { بالمعاصي. { ويسفك الدماء ، { بغير حق أي كما فعل بنو الجان فقاسوا الشاهد على الغائب وإلا فهم ما كانوا يعلمون الغيب ، { ونحن نسبح بحمدك ، { قال الحسن: نقول سبحان الله وبحمده وهو صلاة الخلق (وصلاة البهائم وغيرهما) سوى الآدميين، وعليها يرزقون.أخبرنا اسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا زهير بن حرب أنا حبان بن هلال أنا وهيب أنا سعيد الجريري عن أبي عبد الله الجسري عن عبادة بن الصامت عن أبي ذر أن رسول صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل قال } : ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده ، { وقيل: ونحن نصلي بأمرك، قال ابن عباس: كل ما في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة ، { ونقدس لك } ، أي نثني عليك بالقدس والطهارة وقيل: ونطهر أنفسنا لطاعتك وقيل: وننزهك. واللام صلة وقيل: لم يكن هذا في الملائكة على طريق الاعتراض والعجب بالعمل بل على سبيل التعجب وطلب وجه الحكمة فيه ، { قال ، { الله ، { إني أعلم ما لا تعلمون ، { من المصلحة فيه، وقيل: إني أعلم أن في ذريته من يطيعني ويعبدني من الأنبياء والأولياء والعلماء وقيل: إني أعلم أن فيكم من يعصيني، وهو إبليس، وقيل إني أعلم أنهم يذنبون وأنا أغفر لهم. قرأ أهل الحجاز والبصرة إني أعلم بفتح الياء وكذلك كل ياء إضافة استقبلها ألف مفتوحة إلا في مواضع معدودة ويفتحون في بعض المواضع عند الألف المضمومة والمكسورة (وعند غير الألف) وبين القراء في تفصيله اختلاف.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
{ قوله } : وعلم آدم الأسماء كلها ، { سمي آدم لأنه خلق أديم الأرض، وقيل: لأنه كان آدم اللون وكنيته أبو محمد وأبو البشر فلما خلقه الله تعالى علمه أسماء الأشياء وذلك أن الملائكة قالوا: لما قال الله تعالى: (( إني جاعل في الأرض خليفة )): ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقاً أكرم عليه منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره. فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم وفيه دليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلاً كما ذهب إليه أهل السنة والجماعة قال ابن عباس و مجاهد و قتادة : علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة وقيل: اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وقال الربيع بن أنس: أسماء الملائكة وقيل: أسماء ذريته، وقيل: صنعة كل شيء قال أهل التأويل: إن الله عز وجل علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرقوا في البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة. { ثم عرضهم على الملائكة ، { إنما قال عرضهم ولم يقل عرضها لأن المسميات إذا جمعت من يعقل ومالا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور وقال مقاتل خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة فالكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال عرضهم ، { فقال أنبئوني ، { أخبروني ، { بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ، { في أني لا أخلق خلقاً إلا وكنتم أفضل وأعلم منه فقالت الملائكة إقراراً بالعجز

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
    +/- -/+  
الأية
32
 
{ قالوا سبحانك ، { تنزيهاً لك ، { لا علم لنا إلا ما علمتنا } ، معناه فإنك أجل من أن نحيط بشئ من علمك إلا ما علمتنا ، { إنك أنت العليم ، { بخلقك ، { الحكيم ، { في أمرك والحكيم له ومعنيان: أحدهما الحاكم وهو القاضي العدل والثاني المحكم للأمر كي لا لا يتطرق إليه الفساد وأصل الحكمة في اللغة: المنع فهي تمنع صاحبها من الباطل ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها من الاعوجاج فلما ظهر عجزهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
    +/- -/+  
الأية
33
 
{ قال ، { الله تعالى } : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، { أخبرهم بأسمائهم فسمى آدم كل شئ باسمه وذكر الحكمة التي لأجلها خلق ، { فلما أنبأهم بأسمائهم قال ، { الله تعالى ، { ألم أقل لكم ، { يا ملائكتي ، { إني أعلم غيب السماوات والأرض ، { ما كان منهما وما يكون لأنه قد قال لهم ، { إني أعلم ما لا تعلمون } (30 - البقرة ) { وأعلم ما تبدون ، { قال الحسن وقتادة: يعني قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها { وما كنتم تكتمون ، { قولكم لن يخلق الله خلقاً أكرم عليه منا، قال ابن عباس رضي الله عنهما هو أن إبليس مر على جسد آدم وهو ملقى بين مكة والطائف لا روح فيها فقال: لأمر ما خلق هذا ثم دخل في فيه وخرج من دبره وقال: إنه خلق لا يتماسك لأنه أجوف ثم قال للاملائكة الذين معه أرايتم إن فضل هذا عليكم وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون ؟ قالوا: نطيع أمر ربنا، فقال إبليس في نفسه: والله لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط علي لأعصينه فقال الله تعالى } : وأعلم ما تبدون } ، يعني ما تبديه الملائكة من الطاعة ، { وما كنتم تكتمون } ، يعني إبليس من المعصية.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
34
 
{ وقوله تعالى } : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، { قرأ أبو جعفر (( للملائكة اسجدوا )) بضم التاء على جوار ألف اسجدوا وكذلك قرأ ، { قال رب احكم بالحق } (112-الأنبياء) بضم الباء وضعفه النحاة جداً ونسبوه إلى الغلط فيه واختلفوا في أن هذا الخطاب مع أي الملائكة فقال بعضهم: مع الذين كانوا سكان الأرض. والأصح: أنه مع جميع الملائكة لقوله تعالى } : فسجد الملائكة كلهم أجمعون } (30-الحجر) وقوله: (اسجدوا) فيه قولان: الأصح أن السجود كان لآدم على الحقيقة، وتضمن معنى الطاعة لله عز وجل بامتثال أمره، وكان ذلك سجود تعظيم وتحية لا سجود عبادة، كسجود إخوة يوسف له في قوله عز وجل ، { وخروا له سجداً } (100-يوسف) ولم يكن فيه وضع الوجه على الأرض، إنما كان الانحناء، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام. وقيل: معنى قوله ، { اسجدوا لآدم } ، أي إلى آدم قبلة، والسجود لله تعالى، كما جعلت الكعبة قبلةً للصلاة والصلاة لله عز وجل. { فسجدوا } ، يعني: الملائكة ، { إلا إبليس ، { وكان اسمه عزازيل بالسريانية، وبالعربية: الحارث، فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل: إبليس، لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أي يئس. واختلفوا فيه فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين: كان إبليس من الملائكة، وقال الحسن : كان من الجن ولم يكن من الملائكة لقوله تعالى ، { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } (50-الكهف) فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من النور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة، والأول أصح لأن خطاب السجود كان مع الملائكة، وقوله ، { كان من الجن } ، أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة. وقال سعيد بن جبير: من الذين يعملون في الجنة، وقال: قوم من الملائكة الذين يصوغون حلي أهل الجنة، وقيل: إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار سموا جناً لاستتارهم عن الأعين، وإبليس كان منهم. والدليل عليه قوله تعالى ، { وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً } (158-الاصافات) وهو قولهم: الملائكة / بنات الله، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية. قوله } : أبى } ، أي امتنع فلم يسجد ، { واستكبر } ، أي تكبر عن السجود (لآدم) { وكان } ، أي: صار ، { من الكافرين ، { وقال أكثر المفسرين: وكان في سابق علم الله من الكافرين الذين وجبت لهم الشقاوة. أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا ابن الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد أنا اسحاق بن ابراهيم الحنظلي أنا جرير ووكيع وأبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
{ قوله تعالى ، { وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، { وذلك أن آدم لم يكن له في الجنة من يجانسه فنام نومة فخلق الله زوجته حواء من قصيراء من شقه الأيسر، وسميت حواء لأنها خلقت من حي، خلقها الله عز وجل من غير أن أحس به آدم ولا وجد له ألماً، ولو وجد ألماً لما عطف رجل على امرأة قط فلما هب من نهومه رآها جالسة عند رأسه (كأحسن ما في) خلق الله فقال لها: من أنت؟ قالت زوجتك خلقني الله لك تسكن إلي وأسكن إليك ، { وكلا منها رغداً ، { واسعاً كثيراً ، { حيث شئتما ، { كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما ، { ولا تقربا هذه الشجرة } ، يعني للأكل، وقال بعض لاعلماء: وقع النهي على جنس من الشجر. وقالى آخرون: على شجرة مخصوصة، واختلفوا في تلك الشجرة، قال ابن عباس و محمد بن كعب و مقاتل : هي السنبلة وقال ابن مسعود: هي شجرة العنب. وقال ابن جريج : شجرة التين، وقال قتادة : شجرة العلم وفيها من كل شيء، وقال علي رضي الله عنه: شجرة الكافور ، { فتكونا ، { فتصيرا ، { من الظالمين } ، أي: الضارين بأنفسكما بالمعصية، وأصل الظلم، وضع الشيء في غير موضعه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
    +/- -/+  
الأية
36
 
{ فأزلهما ، { استزل ، { الشيطان ، { آدم وحواء أي دعاهما إلى الزلة: وقرأ حمزة: فأزالهما، أي نحاهما (( الشيطان )) فيعال من شطن، أي: بعد، سمي به لبعده عن الخير وعن الرحمة ، { عنها ، { عن الجنة ، { فأخرجهما مما كانا فيه ، { من النعيم، وذلك أن إبليس أراد أن يدخل ليوسوس ( إلى ) آدم وحواء فمنعته الخزنة فأتى الحية وكانت صديقةً لإبليس وكانت من أحسن الدواب، لها أربع قوائم كقوائم البعير، وكانت من خزان الجنة. فسألهما إبليس أن تدخله فمها فأدخلته ومرت به على الخزانة وهم لا يعلمون فأدخلته الجنة، وقال الحسن : إنما رآهما على باب الجنة لأنهما كانا يخرجان منها وقد كان آدم حين دخل الجنة ورأى ما فيها من النعيم قال: لو أن خلداً، فاغتنم ذلك منه الشيطان فأتاه من قبل الخلد فلما دخل الجنة وقف بين يدي آدم وحواء وهما لا يعلمان أنه إبليس فبكى وناح نياحة أحزنتهما، وهو أول من ناح فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة. فوقع ذلك في أنفسهما فاغتما ومضى إبليس ثم أتاهما بعد ذلك وقال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد؟ فأبى أن يقبل منه، وقاسمهما بالله إنه لهما لمن الناصحين، فاغترا وما ظنا أن أحداً يحلف بالله كاذباً، فبادرت حواء إلى أكل الشجرة ثم ناولت آدم حتى أكلها. وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته فأكل. قال إبراهيم بن أدهم : أورثتنا تلك الأكلة حزناً طويلاً. قال ابن عباس و قتادة : قال الله عز وجل لآدم: ألم يكن فيما أبحتك من الجنة مندوحة عن الشجرة؟ قال: بلى يا رب وعزتك، ولكن ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً، قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كداً فأهبطا من الجنة وكانا يأكلان فيها رغداً فعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث فحرث فيها وزرع ثم سقى حتى إذا بلغ حصد ثم داسه ثم ذراه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء. قال سعيد بن جبير : عن ابن عباس: إن آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها قال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت قال يا رب زينته لي حواء قال: فإني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرهاً ولا تضع إلا كرهاً ودميتها في الشهر مرتين، فرنت حواء عند ذلك فقيل: عليك الرنة وعلى بناتك، فلما أكلا (تهافت) عنهما ثيابهما وبدت سوآتهما وأخرجا من الجنة، فذلك قوله تعالى } : وقلنا اهبطوا } ، أي انزلوه إلى الأرض يعني آدم وحواء وإبليس والحية، فهبط آدم بسرنديب من أرض الهند على جبل يقال له نود، وحواء بجدة وإبليس بالآيلة والحية بأصفهان ، { بعضكم لبعض عدو ، { أراد العداوة التي بين درية آدم والحية وبين المؤمنين من ذرية آدم وبين إبليس، قال الله تعالى } : إن الشيطان لكما عدو مبين } (22-الأعراف). أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد محمد الصفار حدثنا منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال عكرمة: لا أعلمه إلا رفع الحديث، أنه كان يأمر بقتل الحيات وقال: من تركهن خشية أو مخافة ثائر فليس منا وزاد موسى بن مسلم عن عكرمة في الحديث: ما سالمناهن منذ حاربناهن [وروي أنه نهى عن ذوات البيوت، وروى أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم } : إن بالمدينة جناً قد أسلموا فإن رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان }]. قوله تعالى } : ولكم في الأرض مستقر ، { موضع قرار ، { ومتاع ، { بلغة ومستمتع ، { إلى حين ، { إلى انقضاء آجالكم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
    +/- -/+  
الأية
37
 
{ فتلقى ، { تلقى والتلقي: هو قبول عن فطنة وفهم، وقيل: هو التعلم ، { آدم من ربه كلمات ، { قراءة العامة: آدم برفع الميم وكلمات بخفض التاء. قرأ ابن كثير: آدم بالنصب، كلمات برفع التاء يعني جاءت الكلمات آدم من ربه، وكانت سبب توبته. واختلفوا في تلك الكلمات قال سعيد بن جبير و مجاهد و الحسن : هي قوله ، { ربنا ظلمنا أنفسنا ، { الآية. وقال مجاهد و محمد بن كعب القرظي : هي قوله لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت ( التواب الرحيم ). لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين وقال عبيد بن عمير : هي أن آدم قال يا رب أرأيت ما أتيت أشيء ابتدعته من تلقاء نفسي أم شيء قدرته علي قبل أن تخلقني؟ قال الله تعالى: بل شيء قدرته عليك قبل أن أخلقك. قال يارب فكما قدرته قبل أن تخلقني فاغفر لي. وقيل: هي ثلاثة أشياء الحياء والدعاء والبكاء، قال ابن عباس بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوماً، ولم يقرب آدم/ حواء مائة سنة، وروى المسعودي عن يونس بن خباب وعلقمة بن مرثد قالوا: لو أن دموع أهل الأرض جمعت (لكانت) دموع داود أكثر حيث أصاب الخطيئة ولو أن دموع داود ودموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع آدم أكثر حيث أخرجه الله من الجنة قال شهر بن حوشب : بلغني أن آدم لما (هبط) إلى الأرض مكث ثلثمائة سنة لا يرفع رأسه حياء من الله تعالى. قوله } : فتاب عليه ، { فتجاوز عنه ، { إنه هو التواب ، { يقبل توبة عباده ، { الرحيم ، { بخلقه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
    +/- -/+  
الأية
38
 
{ وقوله تعالى } : قلنا اهبطوا منها جميعاً } ، يعني هؤلاء الأربعة. وقيل الهبوط الأول من الجنة إلى السماء الدنيا والهبوط (الآخر) من السماء الدنيا إلى الأرض ، { فإما يأتينكم } ، أي فإن يأتكم ياذرية آدم ، { مني هدى } ، أي رشد وبيان شريعة، وقيل كتاب ورسول ، { فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، { قرأ يعقوب : فلا خوف بالفتح في كل القرآن والآخرون بالضم والتنوين فلا خوف عليهم فيما [يستقبلون هم] { ولا هم يحزنون ، { على ما خلفوا. وقيل: لا خوف عليهم في الدنيا ولا هم يحزنون في الآخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
39
 
{ والذين كفروا } (يعني جحدوا) { وكذبوا بآياتنا ، { بالقرآن ، { أولئك أصحاب النار ، { يوم القيامة ، { هم فيها خالدون ، { لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
    +/- -/+  
الأية
40
 
قوله تعالى : { يا بني إسرائيل ، { يا أولاد يعقوب. ومعنى اسرائيل: عبد الله، ((وإيل)) هو الله تعالى، وقيل صفوة الله، وقرأ أبو جعفر : إسرائيل بغير همز ، { اذكروا ، { احفظوا، والذكر: يكون بالقلب ويكون باللسان وقيل: أراد به الشكر، وذكر بلفظ الذكر لأن في الشكر ذكراً وفي الكفران نسياناً، قال الحسن : ذكر النعمة شكرها ، { نعمتي } ، أي: نعمي، لفظها واحد ومعناها جمع كقوله تعالى ، { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } (34-ابراهيم) { التي أنعمت عليكم } ، أي على أجدادكم وأسلافكم. قال قتادة : هي النعم التي خصت بها بنو اسرائيل: من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه وتظليل الغمام عليهم في التيه، وإنزال المن والسلوى وإنزال التوراة، في نعم كثيرة لا تحصى، وقال غيره: هي جميع النعم التي لله عز وجل على عباده ، { وأوفوا بعهدي } ، أي بامتثال أمري ، { أوف بعهدكم ، { بالقبول والثواب. قال قتادة و مجاهد : أراد بهذا العهد ما ذكر في سورة المائدة ، { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا { إلى أن قال - { لأكفرن عنكم سيئاتكم } (12-المائدة) فهذا قوله } : أوف بعهدكم }. وقال الحسن هو قوله ، { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة } (63-البقرة) فهو شريعة التوراة، وقال مقاتل هو قوله ، { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } (83-البقرة) وقال الكلبي : عهد الله إلى بني اسرائيل على لسان موسى: إني باعث من بني اسماعيل نبياً أمياً فمن اتبعه وصدق بالنور الذي يأتي به غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين: وهو قوله } : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس } (187-آل عمران) يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم. { وإياي فارهبون ، { فخافوني في نقض العهد. وأثبت يعقوب الياءات المحذوفة في الخط مثل فارهبوني، فاتقوني، واخشوني، والآخرون يحذفونها على الخط.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
    +/- -/+  
الأية
41
 
{ وآمنوا بما أنزلت } ، يعني القرآن ، { مصدقاً لما معكم } ، أي موافقاً لما معكم يعني: التوراة، في التوحيد والنبوة والأخبار ونعت النبي صلى الله عليه وسلم، نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه من علماء اليهود ورؤسائهم ، { ولا تكونوا أول كافر به } ، أي بالقرآن يريد من أهل الكتاب، لأن قريشاً كفرت قبل اليهود بمكة، معناه: ولا تكونوا أول من كفر بالقرآن فيتابعكم اليهود على ذلك فتبوؤا بآثامكم وآثامهم ، { ثمناً قليلاً } ، أي عرضاً يسيراً من الدنيا وذلك أن رؤساء اليهود وعلماءهم كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وجهالهم يأخذون منهم كل عام شيئاً معلوماً من زروعهم وضروعهم ونقودهم فخافوا إن هم بينوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل فغيروا نعته وكتموا اسمه فاختاروا الدنيا على الآخرة ، { وإياي فاتقون ، { فاخشوني.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
{ ولا تلبسوا الحق بالباطل } ، أي لا تخلطوا، يقال: لبس الثوب يلبس لبساً، ولبس عليه الأمر يلبس لبساً أي خلط. يقول: لا تخلطوا الحق الذي، أنزلت عليكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم بالباطل الذي تكتبونه بأيديكم من تغيير صفة محمد صلى الله عليه وسلم. والأكثرون على أنه أراد: لا تلبسوا الإسلام باليهودية والنصرابية. وقال مقاتل : إن اليهود أقروا ببعض صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتموا بعضاً ليصدقوا في ذلك فقال: ولا تلبسوا الحق الذي تقرون به بالباطل يعني بما تكتمونه، فالحق: بيانهم، والباطل: كتمانهم وتكتموا الحق أي لا تكتموه، يعني: نعت محمد صلى الله عليه وسلم. { وأنتم تعلمون ، { أنه نبي مرسل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
    +/- -/+  
الأية
43
 
{ وأقيموا الصلاة } ، يعني الصلوات الخمس بمواقيتها وحدودها ، { وآتوا الزكاة ، { أدوا زكاة أموالكم المفروضة. والزكاة مأخزذة من زكا الزرع إذا نما وكثر. وقيل: من تزكى أي تطهر، وكلا المعنيين موجود في الزكاة، لأن فيها تطهيراً وتنمية للمال ، { واركعوا مع الراكعين } ، أي صلوا مع المصلين: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذكر بلفظ الركوع لأنه ركن من أركان الصلاة، ولأن صلاة اليهود لم يكن فيها ركوع، فكأنه قال: صلوا صلاة ذات ركوع، قيل: إعادته بعد قوله ، { وأقيموا الصلاة ، { لهذا، أي صلوا مع الذين في صلاتهم ركوع، فالأول مطلق في حق الكل، وهذا في حق أقوام مخصوصين. وقيل: هذا حث على إقامة الصلاة جماعة كأنه قال لهم: صلوا مع المصلين الذين سبقوكم بالإيمان.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
{ أتأمرون الناس بالبر } ، أي بالطاعة، نزلت في علماء اليهود، وذلك أن الرجل منهم كان يقول لقريبه وحليفه من المسلمين إذا سأله عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم: اثبت على دينه فإن أمره حق وقوله صدق. وقيل: هو خطاب لأحبارهم حيث أمروا أتباعهم بالتمسك بالتوراة، ثم خالفوا وغيروا نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، { وتنسون أنفسكم } ، أي تتركون أنفسكم فلا تتبعونه ، { وأنتم تتلون الكتاب ، { تقرؤون التوراة فيها نعته وصفته ، { أفلا تعقلون ، { أنه حق فتتبعونه؟. والعقل مأخوذ من عقال الدابة، وهو ما يشد به ركبة البعير فيمنعه من الشرود، فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والجحود. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني أنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة أنا الحسين بن الفضل البجلي أنا عفان أنا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا علي بن عبد الله أنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال: قال أسامة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول } : يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه (أي تنقطع أمعاؤه) في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ، { وقال شعبة عن الأعمش (( فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه )).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
    +/- -/+  
الأية
45
 
{ واستعينوا ، { على ما يستقبلكم من أنواع البلاء وقيل: على طلب الآخرة ، { بالصبر والصلاة ، { أراد حبس النفس عن المعاصي. وقيل: أراد: الصبر على أداء الفرائض، وقال مجاهد : الصبر الصوم، ومنه سمي شهر رمضان شهر الصبر، وذلك لأن الصوم يزهده في الدنيا، والصلاة ترغبه في الآخرة، وقيل: الواو بمعنى على، أي: واستعينوا بالصبر على الصلاة، كما قال الله تعالى } : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } (132-طه) { وإنها ، { ولم يقل وانهما رداً للكناية إلى كل واحد منهما أي وإن كل خصلة منها. كما قال } : كلتا الجنتين آتت أكلها } (33-الكهف) أي كل واحدة منهما. وقيل: معناه ، { واستعينوا بالصبر ، { وإنه لكبير وبالصلاة وإنها لكبيرة، فحذف أحدهما اختصاراً، وقال المؤرج : رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعم كقوله تعالى } : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها } (34-التوبة) رد الكناية إلى الفضة لأنها أعم. وقيل: رد الكناية إلى الصلاة لأن الصبر داخل فيها. كما قال الله تعالى } : والله ورسوله أحق أن يرضوه } (62-التوبة) ولم يقل يرضوهما لأن رضا الرسول داخل في رضا الله تعالى. وقال الحسين بن الفضل : رد الكناية إلى الاستعانة ، { لكبيرة } ، أي: لثقيلة ، { إلا على الخاشعين } ، يعني: المؤمنين، وقال الحسن : الخائفين وقيل: المطيعين وقال مقاتل بن حيان : المتواضعين، وأصل الخشوع السكون قال الله تعالى } : وخشعت الأصوات للرحمن } (108-طه) فالخاشع ساكن إلى طاعة الله تعالى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
{ الذين يظنون ، { يستيقنون [أنهم مبعوثون وأنهم محاسبون وأنهم راجعون إلى الله تعالى، أي: يصدقون بالبعث، وجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر رجوعاً إليه]. والظن من الأضداد يكون شكاً ويقيناً وأملاً، كالرجاء يكون خوفاً وأملاً وأمناً ، { أنهم ملاقوا ، { معاينو ، { ربهم ، { في الآخرة وهورؤية الله تعالى وقيل: المراد من اللقاء الصيرورة إليه ، { وأنهم إليه راجعون ، { فيجزيهم بأعمالهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
47
 
{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين } ، أي عالمي زمانكم، وذلك التفضيل وإن كان في حق الآباء، لكن به الشرف للأبناء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
48
 
{ واتقوا يوماً ، { واخشوا عقاب يوم ، { لا تجزي نفس ، { لا تقضي نفس ، { عن نفس شيئاً } ، أي حقاً لزمها وقيل: لا تغني، وقيل: لا تكفي شيئاً من الشدائد ، { ولا يقبل منها شفاعة ، { قرأ ابن كثير و يعقوب بالتاء لتأنيث الشفاعة، وقرأ الباقون بالياء لأن الشفع والشفاعة بمعنى واحد كالوعظ والموعظة، فالتذكير على المعنى، والتأنيث على اللفظ، كقوله تعالى } : قد جاءتكم موعظة من ربكم } (57-يونس) وقال في موضع آخر ، { فمن جاءه موعظة من ربه } (275-البقرة) أي لا تقبل منها شفاعة إذا كانت كافرة ، { ولا يؤخذ منها عدل } ، أي فداء وسمي به لأنه مثل المفدي. والعدل: المثل ، { ولا هم ينصرون ، { يمنعون من عذاب الله.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
49
 
{ وإذ نجيناكم } ، يعني: أسلافكم وأجدادكم فاعتدها منةً عليهم لأنهم نجوا بنجاتهم ، { من آل فرعون }: أتباعه وأهل دينه، وفرعون هو الوليد مصعب بن الريان وكان من القبط العماليق وعمر أكثر من أربعمائة سنة ، { يسومونكم ، { يكلفونكم ويذيقونكم ، { سوء العذاب ، { أشد العذاب وأسوأه وقيل: يصرفونكم في العذاب مرة هكذا ومرة هكذا كالإبل السائمة في البرية، وذلك أن فرعون جعل بني إسرائيل خدماً وخولاً وصنفهم في الأعمال فصنف يبنون، وصنف يحرثون ويزرعون، وصنف يخدمونه، ومن لم يكن منهم في عمل وضع عليه الجزية. وقال وهب: كانوا أصنافاً في أعمال فرعون، فذوو القوة ينحتون السواري من الجبال حتى قرحت أعناقهم وأيديهم ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها، وطائفة ينقلون الحجارة، وطائفة يبنون له القصور، وطائفة منهم يضربون اللبن ويطبخون الآجر، وطائفة نجارون وحدادون، والضعفة منهم يضرب عليهم الخراج ضريبة يؤدونها كل يوم، فمن غربت عليه الشمس قبل أن يؤدي ضريبته غلت يمينه إلى عنقه شهراً، والنساء يغزلن الكتان وينسجن، وقيل: تفسيره ذكر ما بعده } : يذبحون أبناءكم ، { فهو مذكور على وجه البدل من قوله - يسومونكم سوء العذاب ، { ويستحيون نساءكم ، { يتركونهن أحياء، وذلك أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصر وأحرقت كل قبطي بها ولم تتعرض لبني إسرائيل فهاله ذلك وسأل الكهنة عن رؤياه؟ فقالوا: يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل وجمع القوابل فقال لهن: لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتل ولاجارية إلا تركت، ووكل بالقوابل، فكن يفعلن ذلك حتى قيل: إنه قتل في بني إسرائيل اثنى عشر ألف صبي في طلب موسى. وقال وهب: بلغني أنه ذبح في طلب موسى عليه السلام تسعين ألف وليد. قالوا: وأسرع الموت في مشيخه بني إسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون وقالوا: إن الموت قد وقع في بني إسرائيل أفتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا؟ فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة، فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها، وموسى في السنة التي يذبحون فيها. { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ، { قيل: البلاء المحنة، أي في سومهم إياكم سوء العذاب محنة عظيمة، وقيل: البلاء النعمة أي في إنجائي إياكم منهم نعمة عظيمة، فالبلاء يكون بمعنى النعمة وبمعنى الشدة، فالله تعالى قد يختبر على النعمة بالشكر، وعلى الشدة بالصبر وقال: الله تعالى } : ونبلوكم بالشر والخير فتنة } (35-الأنبياء).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
50
 
{ وإذ فرقنا بكم البحر ، { قيل: معناه فرقنا لكم وقيل: فرقنا البحر بدخولكم إياه وسمي البحر بحراً لاتساعه، ومنه قيل للفرس: بحر إذا اتسع في جريه، وذلك أنه لما دنا هلاك فرعون أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل من مصر ليلاً فأمر موسى قومه أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح، وأخرج الله تعالى كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إليهم، وكل ولد زنا في بني إسرائيل/ من القبط إلى القبط حتى رجع كل إلى أبيه، وألقى الله الموت على القبط فمات كل بكر لهم واشتغلوا بدفنهم حتى أصبحوا وطلعت الشمس، وخرج موسى عليه السلام في ستمائة ألف وعشرين مقاتل، لا يعدون ابن العشرين لصغره، ولا ابن الستين لكبره، وكانوا يوم دخلوا مصر مع يعقوب اثنين وسبعين إنساناً ما بين رجل وامرأة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان أصحاب موسى ستمائة ألف وسبعين ألفاً. وعن عمرو بن ميمون قال: كانوا ستمائة ألف فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون فدعا موسى مشيخه بني إسرائيل وسألهم عن ذلك فقالوا: إن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ على إخوته عهداً أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه من مصر حتى يخرجوه معهم فلذلك انسد علينا الطريق، فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا فقام موسى ينادي: أنشد الله كل من يعلم أين موضع قبر يوسف عليه السلام إلا أخبرني به؟ ومن لم يعلم به فصمت أذناه عن قولي! وكان يمر بين الرجلين ينادي فلا يسمعان صوته حتى سمعته عجوز لهم فقالت: أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كل ما سألتك؟ فأبى عليها وقال: حتى أسأل ربي (فأمره) الله تعالى بإتيانها سؤلها فقالت: إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل غرفة من الجنة إلا نزلتها معك قال: نعم قالت: إنه في جوف الماء في النيل فادع الله حتى يحسر عنه الماء، فدعا الله تعالى فحسر عنه الماء، ودعا أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف عليه السلام، فحفر موسى عليه السلام ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من مرمر، وحمله حتى دفنه بالشام، ففتح لهم الطريق فساروا وموسى عليه السلام على ساقتهم وهارون على مقدمتهم، ونذر بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى يصيح الديك،فوالله ما صاح ديك تلك الليلة، فخرج فرعون في طلب بني إسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم شبعون ألفاً من دهم الخيل سوى سا ئرالشيات [وقال محمد بن كعب رضي الله عنه: كان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم سوى سائر الشيات] وكان فرعون يكون في الدهم وقيل: كان فرعون في سبعة آلاف ألف، وكان بين يديه مائة ألف ناشب، ومائة ألف أصحاب حراب، ومائة ألف أصحاب الأعمدة، فسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر والماء في غاية الزيادة فنظروا فإذا هم بفرعون حين أشرقت الشمس فبقوا متحيرين فقالوا: يا موسى كيف نصنع؟ وأين ما وعدتنا؟ هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا! والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا؟ قال الله تعالى } : فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين } (61-62الشعراء). فأوحى الله إليه أن أضرب بعصاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله إليه أن كنه فضربه وقال: انفلق يا أبا خالد بإذن الله تعالى، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، وظهر فيه اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبساً فخاضت بنو إس رائيل البحر، كل سبط في طريق، وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً، فخافوا وقال كل سبط: قد قتل إخواننا فأوحى الله تعالى إلى جبال الماء: أن تشبكي، فصار الماء شبكات كالطبقات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك قولم تعالى ، { وإذ فرقنا بكم البحر }. { فأنجيناكم ، { من آل فرعون والغرق ، { وأغرقنا آل فرعون ، { وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منغلقاً قال لقومه: انظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك عبيدي الذين أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوه وقيل: قالوا له إن كنت رباً فادخل البحر كما دخل موسى، وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى فجاء جبريل على فرس أنثى وديق فتقدمهم وخاض البحر فلما شم أدهم فرعون ريحها اقتحم البحر في أثرها وهم لا يرونه ولم يملك فرعون من أمره شيئاً وهو لايرى فرس جبريل واقتحمت الخيول جملة خلفه في البحر، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشحذهم ويسوقهم حتى لا يشذ رجل منهم ويقول لهم: الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر، وخرج جبريل من البحر، وهم أولهم بالخروج فأمر الله تعالى البحر أن يأخذهم