Prev  

27. Surah An-Naml سورة النّمل

  Next  



تفسير البغوي - النمل - An-Naml -
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
طس ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ
الأية
1] -
'' طس }
، قال ابن عباس: هو اسم من أسماء الله تعالى، وقد سبق الكلام في حروف الهجاء. '' تلك آيات القرآن } ، أي: هذه آيات القرآن، { وكتاب مبين } ، أي: وآيات كتاب مبين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
2
 
{ هدىً وبشرى للمؤمنين } ، يعني: هو هدى من الضلالة، وبشرى للمؤمنين المصدقين به بالجنة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
{ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ
    +/- -/+  
الأية
4
 
{ إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم } ، القبيحة حتى رأوها حسنة، { فهم يعمهون } ، أي: يترددون فيها متحيرين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
5
 
{ أولئك الذين لهم سوء العذاب } ، شدة العذاب في الدنيا بالقتل والأسر ببدر، { وهم في الآخرة هم الأخسرون } ، لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم وصاروا إلى النار.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
6
 
{ وإنك لتلقى القرآن } ، أي: تؤتى القرآن وتلقن، { من لدن حكيم عليم } ، أي: وحياً من عند الله الحكيم العليم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
7
 
{ قوله عز وجل: '' إذ قال موسى لأهله } ، أي: واذكر يا محمد، إذ قال موسى لأهله في مسيرة من مدين إلى مصر: '' إني آنست ناراً } ، أي: أبصرت ناراً ، { سآتيكم منها بخبر } ، أي: امكثوا مكانكم، سآتيكم بخبر عن الطريق، وكان قد ترك الطريق، { أو آتيكم بشهاب قبس } ، قرأ أهل الكوفة: بشهاب بالتنوين، جعلوا القبس نعتاً للشهاب، وقرأ الآخرون بلا تنوين على الإضافة، وهو إضافة الشيء إلى نفسه، لأن الشهاب والقبس متقاربان في المعنى، وهو العود الذي في أحد طرفيه نار، وليس في الطرف الآخر نار. وقال بعضهم: الشهاب هو شيء ذو نور، مثل العمود، والعرب تسمي كل أبيض ذي نور شهاباً، والقبس: القطعة من النار، { لعلكم تصطلون } ، تستدفئون من البرد، وكان ذلك في شدة الشتاء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
8
 
{ فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها } ، أي: بورك على من في النار أو في من في النار، والعرب تقول: باركه الله وبارك فيه، وبارك عليه، بمعنى واحد. وقال قوم: البركة راجعة إلى موسى والملائكة، معناه: بورك في من طلب النار، وهو موسى عليه السلام، { ومن حولها ، { وهم الملائكة/ الذين حول النار، ومعناه: بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين حول النار، وهذا تحية من عند الله عز وجل لموسى بالبركة، كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت. ومذهب أكثر المفسرين أن المراد بالنار النور، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً، ومن في النار هم الملائكة، وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس والتسبيح، ومن حولها هو موسى لأنه كان بالقرب منها، ولم يكن فيها. وقيل: من في النار ومن حولها جميعاً الملائكة. وقيل: من في النار موسى ومن حولها الملائكة، وموسى وإن لم يكن في النار كان قريباً منها، كما يقال: بلغ فلان المنزل، إذا قرب منه، وإن لم يبلغه بعد. وذهب بعضهم إلى أن البركة راجعة إلى النار. وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: معناه بوركت النار. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سمعت أبياً يقرأ: أن بوركت النار ومن حولها، ومن قد تأتي بمعنى ما، كقوله تعالى: '' فمنهم من يمشي على بطنه } (النور-45)، وما قد يكون صلة في الكلام، كقوله { جند ما هنالك } (ص-11)، ومعناه: بورك في النار وفيمن حولها، وهم الملائكة وموسى عليهم السلام، وسمى النار مباركة كما سمى البقعة مباركة فقال: في البقعة المباركة. وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن في قوله: '' بورك من في النار } ، يعني قدس من في النار، وهو الله، عنى به نفسه، على معنى أنه نادى موسى منها وأسمعه كلامه من جهتها، كما روي: أنه مكتوب في التوراة: جاء الله من سيناء، وأشرف من ساعتين، واستعلى من جبال فاران، فمجيئه من سيناء: بعثة موسى منها، ومن ساعين بعثة المسيح منها، ومن جبال فاران بعثة المصطفى منها، وفاران مكة. قيل: كان ذلك نوره عز وجل. قال سعيد بن جبير: كانت النار بعينها، والنار إحدى حجب الله تعالى، كما جاء في الحديث: '' حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه } ، ثم نزه الله نفسه وهو المنزه من كل سوء وعيب، فقال جل ذكره. '' وسبحان الله رب العالمين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
    +/- -/+  
الأية
9
 
{ ثم تعرف إلى موسى بصفاته، فقال: '' يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم } ، والهاء في قوله { إنه ، { عماد، وليس بكناية، وقيل: هي كناية عن الأمر والشأن، أي: الأمر والشأن، أي: المعبود أنا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
10
 
{ ثم أرى موسى آية على قدرته، فقال: '' وألق عصاك فلما رآها تهتز } ، تتحرك، { كأنها جان } ، وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها، { ولى مدبراً } ، هرب من الخوف، { ولم يعقب } ، لم يرجع، يقال: عقب فلان إذا رجع، وكل راجع معقب. وقال قتادة: ولم يلتفت، فقال الله عز وجل: '' يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون } ، يريد إذا آمنتهم لا يخافون، أما الخوف الذي هو شرط الإيمان فلا يفارقهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: '' أنا أخشاكم لله.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
11
 
{ وقوله: '' إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم } ، واختلف في هذا الاستثناء، قيل: هذا إشارة إلى أن موسى حين قتل القبطي خاف من ذلك، ثم تاب فقال: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فغفر له. قال ابن جريج: قال الله تعالى لموسى: إنما أخفتك لقتلك النفس. وقال: معنى الآية: لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتى يتوب، فعلى هذا التأويل يكون الاستثناء صحيحاً وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله: '' إلا من ظلم } ، ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الناس كافة. وفي الآية متروك استغني عن ذكره بدلالة الكلام عليه، تقديره: فمن ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم. وقال بعض العلماء: ليس هذا باستثناء من المرسلين لأنه لا يجوز عليهم الظلم، بل هو استثناء من المتروك في الكلام، معناه: لا يخاف لدي المرسلون، إنما الخوف على غيرهم من الظالمين، إلا من ظلم ثم تاب، وهذا من الاستثناء المنقطع، معناه. لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف، فإن تاب وبدل حسناً بعد سوء فإن الله غفور رحيم، يعني يغفر الله له ويزيل الخوف عنه. وقال بعض النحويين: إلا ها هنا بمعنى: ولا، يعني: لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء، يقول: لا يخاف لدي المرسلون ولا المذنبون التائبون، كقوله تعالى: '' لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم } (البقرة-150)، يعني: ولا الذين ظلموا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ۖ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
12
 
{ ثم أراه الله آية أخرى فقال: '' وأدخل يدك في جيبك } ، والجيب حيث جيب من القميص، أي: قطع، قال أهل التفسير: كانت عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا أزرار، فأدخل يده في جيبه وأخرجها، فإذا هي تبرق مثل البرق، فذلك قوله: '' تخرج بيضاء من غير سوء } ، من غير برص، { في تسع آيات } ، يقول هذه آية من تسع آيات أنت مرسل بهن، { إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوماً فاسقين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ
    +/- -/+  
الأية
13
 
{ فلما جاءتهم آياتنا مبصرة } ، بينة واضحة يبصر بها، { قالوا هذا سحر مبين } ، ظاهر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
{ وجحدوا بها } ، أي: أنكروا الآيات ولم يقروا أنها من عند الله، { واستيقنتها أنفسهم } ، أي: علموا أنها من عند الله، قوله: '' ظلماً وعلواً } ، أي: شركاً وتكبراً عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى، { فانظر كيف كان عاقبة المفسدين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
15
 
{ قوله عز وجل: '' ولقد آتينا داود وسليمان علماً } ، أي: علم القضاء ومنطق الطير والدواب وتسخير الشياطين وتسبيح الجبال، { وقالا الحمد لله الذي فضلنا } ، بالنبوة والكتاب وتسخير الشياطين والجن والإنس { على كثير من عباده المؤمنين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ
    +/- -/+  
الأية
16
 
{ وورث سليمان داود }/، نبوته وعلمه وملكه دون سائر أولاده، وكان لداود تسعة عشر ابناً، وأعطي سليمان ما أعطي داود من الملك، وزيد له تسخير الريح وتسخير الشياطين. قال مقاتل: كان سليمان أعظم ملكاً من داود وأقضى منه، وكان داود أشد تعبداً من سليمان، وكان سليمان شاكراً لنعم الله تعالى. '' وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير } ، سمى صوت الطير منطقاً لحصول الفهم منه، كما يفهم من كلام الناس. روي عن كعب قال: صاح ورشان عند سليمان عليه السلام، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: إنه يقول لدوا للموت وابنوا للخراب، وصاحت فاختة، فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال: إنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وصاح طاووس، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول: كما تدين تدان، وصاح هدهد، فقال: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول: من لا يرحم لا يرحم، وصاح صرد، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول: استغفروا الله يا مذنبين، قال: وصاحت طوطى، فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال: فإنها تقول: كل حي ميت وكل حديد بال، وصاح خطاف، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول: قدموا خيراً تجدوه، وهدرت حمامة، فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا، قال: فإنها تقول: سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه، وصاح قمري، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول: سبحان ربي الأعلى، قال: والغراب يدعو على العشار، والحدأة تقول: كل شيء هالك إلا الله، والقطاة تقول: من سكت سلم، والببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همه، والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس، والبازي يقول: سبحان ربي وبحمده، والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل لسان. وعن مكحول قال: صاح دراج عند سليمان، فقال: هل تدرون ما يقول؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول: الرحمن على العرش استوى. وعن فرقد السبخي قال مر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ فقالوا الله ونبيه أعلم، قال يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء. وروي أن جماعة من اليهود قالوا لابن عباس: إنا سائلوك عن سبعة أشياء فإن أخبرتنا آمنا وصدقنا، قال: سلوا تفقهاً ولا تسألوا تعنتاً، قالوا: أخبرنا ما يقول القنبر في صفيره، والديك في صقيعه، والضفدع في نقيقه، والحمار في نهيقه، والفرس في صهيله، وماذا يقول الزرزور والدراج؟ قال: نعم، أما القنبر فيقول: اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد، وأما الديك فيقول: اذكروا الله يا غافلين، وأما الضفدع فيقول: سبحان المعبود في لجج البحار، وأما الحمار فيقول: اللهم العن العشار، وأما الفرس فيقول: إذا التقى الصفان سبوح قدوس رب الملائكة والروح، وأما الزرزور فيقول: اللهم إني أسألك قوت يوم بيوم يا رازق، وأما الدراج فيقول: الرحمن على العرش استوى، قال: فأسلم اليهود وحسن إسلامهم. وروي عن عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي قال: إذا صاح النسر قال: يابن آدم، عش ما شئت آخره الموت، وإذا صاح العقاب قال: في البعد من الناس أنس، وإذا صاح القنبر قال: إلهي إلعن مبغضي آل محمد، وإذا صاح الخطاف، قرأ: الحمد لله رب العالمين، ويمد الضالين كما يمد القارئ. قوله تعالى: '' وأوتينا من كل شيء } ، يوتى الأنبياء والملوك، قال ابن عباس: من أمر الدنيا والآخرة. وقال مقاتل: يعني النبوة والملك وتسخير الجن والشياطين والرياح، { إن هذا لهو الفضل المبين } ، الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا. وروى أن سليمان عليه السلام أعطي ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبعمائة سنة وستة أشهر، ملك جميع أهل الدنيا من الجن والإنس والدواب والطير والسباع، وأعطي على ذلك منطق كل شيء، وفي زمانه صنعت الصنائع العجيبة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
    +/- -/+  
الأية
17
 
{ قوله عز وجل: '' وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير ، { في مسير له، { فهم يوزعون } ، فهم يكفون. قال قتادة: كان على كل صنف من جنوده وزعة ترد أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في المسير، والوازع الحابس، وهو النقيب. وقال مقاتل: يوزعون يساقون. وقال السدي: يوقفون. وقيل: يجمعون. وأصل الوزع الكف والمنع. وقال محمد بن كعب القرظي: كان معسكر سليمان مائة فرسخ، خمسة وعشرون منها للإنس، وخمسة وعشرون للجن، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب، فيها ثلثمائة صريحة، وسبعمائة سرية فيأمر الريح العاصف فترفعه، ويأمر الرخاء فتسير به، وأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض: إني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح، فأخبرتك.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
18
 
{ قوله عز وجل: '' حتى إذا أتوا على واد النمل } ، روي عن وهب بن منبه عن كعب قال: كان سليمان إذا ركب حمل أهله وخدمه وحشمه، وقد اتخذ مطابخ ومخابز يحمل فيها تنانير الحديد وقدور عظام، يسع كل قدر عشر جزائر وقد اتخذ ميادين للدواب أمامه، فيطبخ الطباخون، ويجيز الخبازون، وتجري الدواب بين يديه بين السماء والأرض، والريح تهوي بهم، فسار من اصطخر إلى اليمن فسلك مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سليمان: هذه دار هجرة نبي في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به وطوبى لمن اتبعه، ورأى حول البيت أصناماً تعبد من دون الله فلما جاوز سليمان البيت بكى البيت،/ فأوحى الله إلى البيت ما يبكيك؟ فقال: يا رب أبكاني أن هذا نبي من أنبيائك وقوم من أوليائك مروا علي فلم يهبطوا ولم يصلوا عندي، والأصنام تعبد حولي من دونك فأوحى الله إليه أن لا تبك، فإني سوف أملؤك وجوهاً سجداً، وأنزل فيك قرآناً جديداً وأبعث منك نبياً في آخر الزمان أحب أنبيائي إلي، وأجعل فيك عماراً من خلقي يعبدونني، وأفرض على عبادي فريضة يذفون إليك ذفيف النسور إلى وكرها، ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضتها، وأطهرك من الأوثان وعبدة الشياطين. ثم مضى سليمان حتى مر بوادي السدير واد من الطائف، فأتى على وادي النمل، هكذا قال كعب: إنه واد بالطائف. وقال قتادة ومقاتل: هو أرض بالشام. وقيل: واد كان يسكنه الجن، وأولئك النمل مراكبهم. وقال نوف الحميري: كان نمل ذلك الوادي أمثال الذباب. وقيل: كالبخاتي. والمشهور: أنه النمل الصغير. وقال الشعبي: كانت تلك النملة ذات جناحين. وقيل: كانت نملة عرجاء فنادت: '' قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } ، ولم تقل: ادخلن، لأنه لما جعل لهم قولاً كالآدميين خوطبوا بخطاب الآدميين، { لا يحطمنكم } ، لا يكسرنكم، { سليمان وجنوده } ، والحطم الكسر، { وهم لا يشعرون } ، فسمع سليمان قولها، وكان لا يتكلم خلق إلا حملت الريح ذلك فألقته في مسامع سليمان. قال مقاتل: سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال، قال الضحاك: كان اسم تلك النملة طاحية، قال مقاتل: كان اسمها جرمى. فإن قيل: كيف يتصور الحطم من سليمان وجنوده وكانت الريح تحمل سليمان وجنوده على بساط بين السماء والأرض؟ قيل: كان جنوده ركباناً وفيهم مشاة على الأرض تطوى لهم. وقيل: يحتمل أن يكون هذا قبل تسخير الله الريح لسليمان. قال أهل التفسير: علم النمل أن سليمان نبي ليس فيه جبرية وظلم. ومعنى الآية: أنكم لو لم تدخلوا مساكنكم وطؤوكم ولم يشعروا بكم. ويروى ان سليمان لما بلغ وادي النمل حبس جنوده حتى دخل النمل بيوتهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
{ قوله عز وجل: '' فتبسم ضاحكاً من قولها } ، قال الزجاج: أكثر ضحك الأنبياء التبسم. وقوله { ضاحكاً } ، أي: متبسماً. قيل: كان أوله التبسم وآخره الضحك. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا يحيى بن سليمان، حدثني ابن وهب، أخبرنا عمرو، هو ابن الحارث، أخبرنا النضر، حدثه عن سليمان بن يسار، عن عائشة قالت: '' ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً قط ضاحكاً حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم }. أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب، حدثنا أبو عيسى، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: '' ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم }. قال مقاتل: كان ضحك سليمان من قول النملة تعجباً، لأن الإنسان إذا رأى مالا عهد له به تعجب وضحك، ثم حمد سليمان ربه على ما أنعم عليه. '' وقال رب أوزعني } ، ألهمني، { أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } ، أي: أدخلني في جملتهم، وأثبت اسمي مع أسمائهم واحشرني في زمرتهم، قال ابن عباس: يريد مع إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ومن بعدهم من النبيين. وقيل: أدخلني الجنة برحمتك مع عبادك الصالحين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ
    +/- -/+  
الأية
20
 
{ قوله عز وجل: '' وتفقد الطير } ، أي: طلبها وبحث عنها، والتفقد: طلب ما فقد، ومعنى الآية: طلب ما فقد من الطير ، { فقال ما لي لا أرى الهدهد } ، أي: ما للهدهد لا أراه؟. تقول العرب: مالي أراك كئيباً؟ أي: مالك؟ والهدهد: طائر معروف. وكان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه، قيل: إخلاله بالنونة، وذلك أن سليمان كان إذا نزل منزلاً يظله وجنده الطير من الشمس، فأصابته الشمس من موضع الهدهد، فنظر فرآه خالياً. وروي عن ابن عباس: أن الهدهد كان دليل سليمان على الماء وكان يعرف موضع الماء ويرى الماء تحت الأرض، كما يرى في الزجاجة، ويعرف قربه وبعده فينقر الأرض، ثم تجيء الشياطين فيسلخونه ويستخرجون الماء. قال سعيد بن جبير: لما ذكر ابن عباس هذا قال له نافع بن الأزرق: يا وصاف انظر ما تقول، إن الصبي منا يضع الفخ ويحثو عليه التراب، فيجيء الهدهد ولا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه، فقال له ابن عباس: ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر. وفي رواية: إذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب وعمي البصر. فنزل سليمان منزلاً فاحتاج إلى الماء فطلبوا فلم يجدوا، فتفقد الهدهد ليدل على الماء، فقال: مالي لا أرى الهدهد، على تقدير أنه مع جنوده، وهو لا يراه، ثم أدركه الشك في غيبته، فقال: '' أم كان من الغائبين } ، يعني أكان من الغائبين؟ والميم صلة، وقيل: أم بمعنى بل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ
    +/- -/+  
الأية
21
 
{ ثم أوعده على غيبته، فقال: '' لأعذبنه عذاباً شديداً } ، واختلفوا في العذاب الذي أوعده به، فأظهر الأقاويل أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس ممعطاً، لا يمتنع من النمل ولا من هوام الأرض. وقال مقاتل بن حيان: لأطلينه بالقطران ولأشمسنه. وقيل: لأودعنه القفص. وقيل: لأفرقن بينه وبين إلفه. وقيل: لأحبسنه مع ضده. '' أو لأذبحنه } ، لأقطعن حلقه، { أو ليأتيني بسلطان مبين } ، بحجة بينة في غيبته، وعذر ظاهر، قرأ ابن كثير: '' ليأتيني ، { بنونين، الأولى/ مشددة، وقرأ الآخرون بنون واحدة مشددة. وكان سبب غيبة الهدهد على ما ذكره العلماء: أن سليمان لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم، فتجهز للمسير، واستصحب من الجن والإنس والشياطين والطيور والوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ، فحملهم الريح، فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم، وكان ينحر كل يوم بمقامه بمكة خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة، وقال لمن حضره من أشراف قومه: إن هذا مكان يخرج منه نببي عربي صفته كذا وكذا، يعطى النصر على جميع من ناوأه، وتبلغ هيبته مسيرة شهر، القريب والبعيد عنده في الحق سواء، لا تأخذه في الله لومة لائم. قالوا فبأي دين يدين يا نبي الله؟ قال: يدين بدين الحنفية، فطوبى لمن أدركه وآمن به، فقالوا: كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله؟ قال مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل، قال: فأقام بمكة حتى قضى نسكه، ثم خرج من مكة صباحاً، وسار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال، وذلك مسيرة شهر، فرأى أرضاً حسناء تزهو خضرتها فأحب النزول بها ليصلي ويتغدى، فلما نزل قال الهدهد: إن سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء فانظر إلى طول الدنيا وعرضها، ففعل ذلك، فنظر يميناً وشمالاً، فرأى بستاناً لبلقيس، فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد فهبط عليه، وكان اسم هدهد سليمان يعفور واسم هدهد اليمن عنفير، فقال عنفير اليمن ليعفور سليمان: من أين أقبلت وأين تريد؟ قال: أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود. فقال: ومن سليمان؟ قال ملك الجن والإنس والشياطين والطير والوحوش والرياح، فمن أين أنت؟ قال: أنا من هذه البلاد، قال: ومن ملكها؟ قال: امرأة يقال لها بلقيس، وإن لصاحبكم ملكاً عظيماً ولكن ليس ملك بلقيس دونه، فإنها ملكة اليمن كلها، وتحت يدها إثنا عشر ألف قائد، تحت يد كل قائد مائة ألف مقاتل، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها؟ قال: أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء، قال الهدهد اليماني: إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة، فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها، وما رجع إلى سليمان إلا في وقت العصر. قال: فلما نزل سليمان ودخل عليه وقت الصلاة وكان نزل على غير ماء، فسأل الإنس والجن والشياطين عن الماء فلم يعلموا، فتفقد الطير، ففقد الهدهد، فدعا عريف الطير -وهو النسر- فساله عن الهدهد، فقال: أصلح الله الملك، ما أدري أين هو، وما أرسلته مكاناً، فغضب عند ذلك سليمان، وقال: '' لأعذبنه عذاباً شديداً ، { الآية. ثم دعا العقاب سيد الطير فقال: علي الهدهد الساعة، فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التزق بالهواء فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ثم التفت يميناً وشمالاً فإذا هو بالهدهد مقبلاً من نحو اليمن، فانقض العقاب نحوه يريده، فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء فناشده، فقال: بحق الله الذي قواك وأقدرك علي إلا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء، قال: فولى عنه العقاب، وقال له: ويلك ثكلتك أمك، إن نبي الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك، ثم طارا متوجهين نحو سليمان، فلما انتهيا إلى المعسكر تلقاه النسر والطير، فقالوا له: ويلك أين غبت في يومك هذا؟ ولقد توعدك نبي الله، وأخبراه بما قال، فقال الهدهد: أو ما استثنى رسول الله؟ قالوا: بلى، قال: أو ليأتيني بسلطان مبين، قال: فنجوت إذاً، ثم طار العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعداً على كرسيه، فقال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله، فلما قرب الهدهد رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعاً لسليمان، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده إليه وقال: أين كنت؟ لأعذبنك عذاباً شديداً، فقال الهدهد: يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله تعالى، فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه، ثم سأله فقال: ما الذي أبطأ بك عني؟

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
    +/- -/+  
الأية
22
 
{ فقال الهدهد ما أخبر الله عنه في قوله: '' فمكث غير بعيد } ، قرأ عاصم ويعقوب: '' فمكث ، { بفتح الكاف، وقرأ الآخرون بضمها وهما لغتان، { غير بعيد } ، أي: غير طويل، { فقال أحطت بما لم تحط به } ، والإحاطة: العلم بالشيء من جميع جهاته، يقول: علمت ما لم تعلم، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك ، { وجئتك من سبإ } ، قرأ أبو عمرو، البزي عن ابن كثير من سبأ و لسبأ في سورة سبأ، مفتوحة الهمزة، وقرأ القواص عن ابن كثير ساكنة بلا همزة، وقرأ الآخرون بالاجراء، فمن لم يجره جعله اسم البلد، ومن أجراه جعله اسم رجل، فقد جاء في الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سبأ فقال: كان رجلاً له عشرة من البنين تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة }. { بنبإ } ، بخير، { يقين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
23
 
{ فقال سليمان: وما ذاك؟ قال: '' إني وجدت امرأة تملكهم } ، وكان اسمها بلقيس بنت شراحيل، من نسل يعرب بن قحطان، وكان أبوها ملكاً عظيم الشأن، قد ولد له أربعون ملكاً وهو آخرهم، وكان يملك أرض اليمن كلها، وكان يقول لملوك الأطراف: ليس أحد منكم كفؤاً لي، وأبى أن يتزوج فيهم، فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانه بنت السكن، فولدت له بلقيس، ولم يكن له ولد غيرها، وجاء في الحديث: إن أحد أبوي بلقيس كان جنياً. فلما مات أبو بلقيس طمعت في الملك فطلبت من قومها أن يبايعوها فأطاعها قوم وعصاها قوم آخرون، فملكوا عليهم رجلاً، وافترقوا فرقتين، كل فرقة استولت على طرف من أرض اليمن، ثم إن الرجل الذي ملكوه أساء السيرة في أهل مملكته حتى كان يمد يده إلى حرم رعيته ويفجر بهن، فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه، فلما رأت ذلك بلقيس أدركتها الغيرة فأرسلت إليه/ تعرض نفسها عليه، فأجابها الملك، وقال: ما منعني أن أبتدئك بالخطبة إلا اليأس منك، فقالت لا أرغب عنك، كفؤ كريم، فاجمع رجال قومي واخطبني إليهم، فجمعهم وخطبها إليهم، فقالوا: لا نراها تفعل هذا، فقال لهم: إنها ابتدأتني فأنا أحب أن تسمعوا قولها فجاؤوها، فذكروا لها، فقالت: نعم أحببت الولد. فزوجوها منه، فلما زفت إليه خرجت في أناس كثير من حشمها، فلما جاءته سقته الخمر حتى سكر، ثم جزت رأسه وانصرفت من الليل إلى منزلها، فلما أصبح الناس رأوا الملك قتيلاً ورأسه منصوب على باب دارها، فعلموا أن تلك المناكحة كانت مكراً وخديعة منها، فاجتمعوا إليها وقالوا: أنت بهذا الملك أحق من غيرك، فملكوها. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عثمان بن الهيثم، أخبرنا عوف، عن الحسن، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: '' لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة }. قوله تعالى: '' وأوتيت من كل شيء } ، يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدة، { ولها عرش عظيم } ، سرير ضخم كان مضروباً من الذهب مكللاً بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، وقوائمه من الياقوت والزمرد، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق. قال ابن عباس: كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعاً في ثلاثين ذراعاً، وطوله في السماء ثلاثون ذراعاً. وقال مقاتل: كان طوله ثمانين ذراعاً وطوله في السماء ثمانين ذراعاً. وقيل: كان طوله ثمانين ذراعاً وعرضه أربعين ذراعاً وارتفاعه ثلاثين ذراعاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
24
 
{ وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
{ أن لا يسجدوا } ، قرأ أبو جعفر والكسائي: ألا يسجدوا بالتخفيف، وإذا وقفوا يقفون ألا يا: ألا يأثم ثم يبتدئون: اسجدوا على معنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، وجعلوه أمراً من عند الله مستأنفاً، وحذفوا هؤلاء اكتفاءً بدلالة يا عليها، وذكر بعضهم سماعاً من العرب: ألا يا ارحمونا، يريدون ألا يا قوم، وقال الأخطل: ألا يا اسلمي يا هند هند بني بكر وإن كان حيانا عداً آخر الدهر يريد: ألا يا اسلمي يا هند، وعلى هذا يكون قوله ألا كلاماً معترضاً من غير القصة، إما من الهدهد، وإما من سليمان. قال أبو عبيدة: هذا أمر من الله مستأنف يعني: يا أيها الناس اسجدوا. وقرأ الآخرون: ألا يسجدوا بالتشديد، بمعنى: وزين لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا، { لله الذي يخرج الخبء } ، أي: الخفي المخبأ، { في السموات والأرض } ، أي: ما خبأت. قال أكثر المفسرين: خبء السماء: المطر، وخبء الأرض: النبات. وفي قراءة عبد الله: يخرج الخبء من السموات والأرض، ومن وفي يتعاقبان، تقول العرب: لأستخرجن العلم فيكم، يريد: منكم. وقيل: معنى الخبء الغيب، يريد: يعلم غيب السموات والأرض. '' ويعلم ما تخفون وما تعلنون } ، قرأ الكسائي، وحفص، عن عاصم: بالتاء فيهما، لأن أول الآية خطاب على قراءة الكسائي بتخفيف ألا، وقرأ الآخرون بالياء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
اللهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩
    +/- -/+  
الأية
26
 
{ الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } ، أي: هو المستحق للعبادة والسجود لا غيره. وعرش ملكة سبأ وإن كان عظيماً فهو صغير حقير في جنب عرشه عز وجل، تم ها هنا كلام الهدهد.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
{ فلما فرغ الهدهد من كلامه. '' قال } ، سليمان للهدهد: '' سننظر أصدقت } ، فيما أخبرت، { أم كنت من الكاذبين'' ؟ فدلهم الهدهد على الماء، فاحتفروا الركايا، وروي الناس والدواب، ثم كتب سليمان كتاباً: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فلا تعلوا علي واتوني مسلمين. قال ابن جريج لم يزد سليمان على ما قص الله في كتابه. وقال قتادة: وكذلك الأنبياء كانت تكتب جملاً لا يطيلون ولا يكثرون. فلما كتب الكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
اذْهَبْ بِكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ
    +/- -/+  
الأية
28
 
{ فقال للهدهد: '' اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم } ، قرأ أبو عمرو، وعاصم، وحمزة: ساكنة الهاء، ويختلسها أبو جعفر، ويعقوب، وقالون كسراً، والآخرون بالإشباع كسراً، { ثم تول عنهم } ، تنح عنهم فكن قريباً منهم، { فانظر ماذا يرجعون } ، يردون من الجواب. وقال ابن زيد: في الآية تقديم وتأخير مجازها: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم، أي: انصرف إلي، فأخذ الهدهد الكتاب فأتى به إلى بلقيس، وكانت بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام، فوافاها في قصرها وقد غلقت الأبواب، وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها، فأتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها، فألقى الكتاب على نحرها، هذا قول قتادة. وقال مقاتل: حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة وحولها القادة والجنود فرفرف ساعة والناس ينظرون إليه، حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها. وقال ابن منبه، وابن زيد: كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين تطلع، فإذا استبطأت إليها سجدت لها، فجاء الهدهد الكوة فسدها بجناحيه فارتفعت الشمس ولم تعلم، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر، فرمى بالصحيفة إليها، فأخذت بلقيس الكتاب، وكانت قارئة، فلما رأت الخاتم أرعدت وخضعت لأن ملك سليمان كان في خاتمه، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب إليها أعظم ملكاً منها، فقرأت الكتاب، وتأخر الهدهد غير بعيد، فجاءت حتى قعدت على سرير مملكتها وجمعت الملأ من قومها، وهم اثنا عشر ألف قائد مع كل قائد مائة ألف مقاتل. وعن ابن عباس قال: كان مع بلقيس مائة ألف قيل، مع كل قيل مائة ألف، والقيل الملك دون الملك الأعظم، وقال قتادة ومقاتل: كان أهل/ مشورتها ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً كل رجل منهم على عشرة آلاف، قال: فجاؤوا وأخذوا مجالسهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
29
 
{ قالت } ، لهم بلقيس: '' يا أيها الملأ } ، وهم أشراف الناس وكبراؤهم { إني ألقي إلي كتاب كريم } ، قال عطاء والضحاك: سمته كريماً لأنه كان مختوماً. وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: '' كرامة الكتاب ختمه } ، وقال قتادة ومقاتل: كتاب كريم أي: حسن، وهو اختيار الزجاج، وقال: حسن ما فيه، وروي عن ابن عباس: كريم، أي: شريف لشرف صاحبه، وقيل: سمته كريماً لأنه كان مصدراً ببسم الله الرحمن الرحيم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
    +/- -/+  
الأية
30
 
{ ثم بينت ممن الكتاب فقالت: '' إنه من سليمان } ، وبينت المكتوب فقالت: '' وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
{ أن لا تعلوا علي } ، قال ابن عباس: أي: لا تتكبروا علي. وقيل: لا تتعظموا ولا تترفعوا علي. معناه: لا تمتنعوا من الإجابة، فإن ترك الإجابة من العلو والتكبير، { وأتوني مسلمين } ، مؤمنين طائعين. قيل: هو من الإسلام، وقيل: هو من الاستسلام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ
    +/- -/+  
الأية
32
 
{ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري } ، أشيروا علي فيما عرض لي، وأجيبوني فيما أشاوركم فيه، { ما كنت قاطعةً } ، قاضيةً وفاصلةً، { أمراً حتى تشهدون } ، أي: تحضرون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ
    +/- -/+  
الأية
33
 
{ قالوا } ، مجيبين لها } : نحن أولو قوة } ، في القتال ، { وأولو بأس شديد } ، عند الحرب، قال مقاتل: أرادوا بالقوة كثرة العدد، وبالبأس الشديد الشجاعة، وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك، ثم قالوا: '' والأمر إليك } ، أيتها الملكة في القتال وتركه، { فانظري } ، من الرأي، { ماذا تأمرين } ، تجدينا لأمرك مطيعين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
34
 
{ قالت } ، بلقيس مجيبة لهم عن التعريض للقتال: '' إن الملوك إذا دخلوا قرية } ، عنوة، { أفسدوها } ، خربوها، { وجعلوا أعزة أهلها أذلة } ، أي: أهانوا أشرافها وكبراءها، كي يستقيم لهم الأمر، تحذرهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم، وتناهى الخبر عنها ها هنا، فصدق الله قولها فقال: '' وكذلك يفعلون } ، أي: كما قالت هي يفعلون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
{ ثم قالت: '' وإني مرسلة إليهم بهدية } ، والهدية هي: العطية على طريق الملاطفة. وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة قد سيست وساست، فقالت للملأ من قومها: إني مرسلة إليهم، أي: إلى سليمان وقومه، بهدية أصانعه بها عن ملكي وأختبره بها أملك هو أم نبي؟ فإن يكن ملكاً قبل الهدية وانصرف، وإن كان نبياً لم يقبل الهدية ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه، فذلك قوله تعالى: '' فناظرة بم يرجع المرسلون } ، فأهدت إليه وصفاء ووصائف، قال ابن عباس: ألبستهم لباساً واحداً كي لا يعرف ذكر من أنثى. وقال مجاهد: ألبسن الغلمان لباس الجواري وألبس الجواري لباس الغلمان. واختلفوا في عددهم، فقال ابن عباس: مائة وصيف ومائة وصيفة، وقال مجاهد: ومقاتل: مائتا غلام ومائتا جارية. وقال قتادة، وسعيد بن جبير: أرسلت إليه بلبنة من ذهب في حرير وديباج. وقال ثابت البناني: أهدت إليه صفائح الذهب في أوعية الديباج. وقيل: كانت أربع لبنات من ذهب. وقال وهب وغيره: عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية، فألبست الغلمان لباس الجواري، وجعلت في سواعدهم أساور من ذهب، وفي أعناقهم أطواقاً من ذهب وفي آذانهم أقراطاً وشنوفاً مرصعات بأنواع الجواهر، وألبست الجواري لباس الغلمان، الأقبية والمناطق، وحملت الجواري على خمسمائة رمكة، والغلمان على خمسمائة برذون، على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر وغواشيها من الديباج الملون، وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة، وتاجاً مكللاً بالدر والياقوت المرتفع، وأرسلت إليه المسك والعنبر والعود الألنجوج، وعمدت إلى حقة فجعلت فيها درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب، ودعت رجلاً من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو، وضمت إليه، رجالاً من قومها أصحاب رأي وعقل، وكتبت معه كتاباً بنسخة الهدية، وقالت فيه: إن كنت نبياً فميز بين الوصائف والوصفاء، وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها، واثقب الدر ثقباً مستوياً، وأدخل خيطاً في الخرزة المثقوبة من غير علاج إنس ولا جن. وأمرت بلقيس الغلمان، فقالت: إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء، وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظ يشبه كلام الرجال. ثم قالت للرسول: انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه فإن نظر إليك نظر غضب فاعلم أنه ملك ولا يهولنك منظره، فإنا أعز منه، وإن رأيت الرجل بشاشاً لطيفاً فاعلم أنه نبي مرسل فتفهم قوله، ورد الجواب. فانطلق الرسول بالهدايا، وأقبل الهدهد مسرعاً إلى سليمان فأخبره الخبر كله، فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة ففعلوا، ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى تسعة فراسخ ميداناً واحداً بلبنات الذهب والفضة، وأن يجعلوا حول الميدان حائطاً، شرفها من الذهب والفضة، ثم قال: أي الدواب أحسن مما رأيتم في البر والبحر؟ قالوا: يا نبي الله إنا رأينا دواباً في البحر كذا وكذا منقطة مختلفة ألوانها لها أجنحة وأعراف ونواص، فقال: علي بها الساعة، فأتوا بها، فقال: شدوها عن يمين الميدان وعن يساره على لبنات الذهب والفضة، وألقوا لها علوفتها فيها، ثم قال للجن: علي بأولادكم، فاجتمع خلق كثير، فأقامهم على يمين الميدان ويساره، ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره، ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره، ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره، ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره، وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفاً فراسخ، وأمر الإنس فاصطفوا فراسخ وأمر الوحوش والسباع والهوام والطير، فاصطفوا فراسخ عن يمينه وعن يساره. فلما دنا القوم من الميدان/ ونظروا إلى ملك سليمان ورأوا الدواب التي لم تر أعينهم مثلها تروث على لبن الذهب والفضة، تقاصرت أنفسهم ورموا بما معهم من الهدايا، وفي بعض الروايات أن سليمان لما أمر بفرش الميدان بلبنات الذهب والفضة أمرهم أن يتركوا على طريقهم موضعاً على قدر موضع اللبنات التي معهم، فلما رأى الرسل موضع اللبنات خالياً وكل الأرض مفروشة خافوا أن يتهموا بذلك فطرحوا ما معهم في ذلك المكان، فلما رأوا الشياطين نظروا إلى منظر عجيب، ففزعوا، فقالت لهم الشياطين: جوزوا فلا بأس عليكم، فكانوا يمرون على كردوس كردوس من الجن والإنس والطير والهوام والسباع والوحوش، حتى وقفوا بين يدي سليمان، فنظر إليهم سليمان نظراً حسناً بوجه طلق، وقال: ما وراءكم؟ فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا له، وأعطاء كتاب الملكة، فنظر فيه، ثم قال: أين الحقة؟ فأتى بها فحركها، وجاء جبريل فأخبره بما في الحقة، فقال: إن فيها درة ثمينة غير مثقوبة، وجزعة مثقوبة معوجة الثقب، فقال الرسول: صدقت، فاثقب الدرة، وأدخل الخيط في الخرزة، فقال سليمان: من لي بثقبها فسأل سليمان الإنس ثم الجن، فلم يكن عندهم علم ذلك، ثم سأل الشياطين، فقالوا: نرسل إلى الأرضة فجاءت الأرضة فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر، فقال لها سليمان: ما حاجتك؟ فقالت: تصير رزقي في الشجرة، فقال لك ذلك. وروي أنه جاءت دودة تكون في الصفصاف فقالت: أنا أدخل الخيط في الثقب على أن يكون رزقي في الصفصاف، فجعل لها ذلك، فأخذت الخيط بفيها ودخلت الثقب وخرجت من الجانب الآخر. ثم قال: من لهذه الخرزة فيسلكها في الخيط؟ فقالت دودة بيضاء أنا لها يا رسول الله فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر، فقال سليمان: ما حاجتك؟ فقالت: تجعل رزقي في الفواكه، قال: لك ذلك، ثم ميز بين الجواري والغلمان، بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم، فجعلت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الأخرى ثم تضرب به الوجه، والغلام كما يأخذه من الآنية يضرب به وجهه، وكانت الجارية تصب الماء على بطن ساعدها، والغلام على ظهر الساعد، وكانت الجارية تصب الماء صباً وكان الغلام يحدر الماء على يديه حدراً، فميز بينهم بذلك. ثم رد سليمان الهدية،

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ
    +/- -/+  
الأية
36
 
{ كما قال الله تعالى: '' فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال } ، قرأ حمزة، ويعقوب } : أتمدونن ، { بنون واحدة مشددة وإثبات الياء، وقرأ الآخرون: بنونين خفيفتين، ويثبت الياء أهل الحجاز والبصرة، والآخرون يحذفونها، { فما آتاني الله } ، أعطاني الله من النبوة والدين والحكمة والملك، { خير ، { أفضل، { مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون } ، لأنكم أهل مفاخرة بالدنيا ومكاثرة بها، تفرحون بإهداء بعضكم لبعض، فأما أنا فلا أفرح بها، وليست الدنيا من حاجتي، لأن الله تعالى قد مكنني فيها وأعطاني منها ما لم يعط أحداً، ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
37
 
{ ثم قال للمنذر بن عمرو أمير الوفد: '' ارجع إليهم } ، بالهدية، { فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم } ، لا طاقة لهم، { بها ولنخرجنهم منها } ، أي: من أرضهم وبلادهم وهي سبأ، { أذلةً وهم صاغرون } ، ذليلون إن لم يأتوني مسلمين. قال وهب وغيره من أهل الكتب: فلما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان، قالت: قد عرفت -والله- ما هذا بملك وما لنا به طاقة، فبعثت إلى سليمان إني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك، ثم أمرت بعرشها فجعل في آخر سبعة أبيات بعضها في بعض في آخر قصر من سبعة قصور لها، ثم أغلقت دونه الأبواب، ووكلت به حراساً يحفظونه، ثم قالت لمن خلفت على سلطانها: احتفظ بما قبلك وسرير ملكي، لا يخلص إليه أحد ولا يرينه حتى آتيك، ثم أمرت منادياً ينادي في أهل مملكتها يؤذنهم بالرحيل، وشخصت إلى سليمان في اثنى عشر ألف قيل من ملوك اليمن، تحت يدي كل قيل ألوف كثيرة. قال ابن عباس: وكان سليمان رجلاً مهيباً لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه، فخرج يوماً فجلس على سرير ملكه، فرأى رهجاً قريباً منه، فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس وقد نزلت منا بهذا المكان، وكان على مسيرة فرسخ من سليمان، قال ابن عباس: وكان بين الكوفة والحيرة قدر فرسخ، فأقبل سليمان حينئذ على جنوده.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
38
 
{ قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } ، أي: مؤمنين، وقال ابن عباس: طائعين. واختلفوا في السبب الذي لأجله أمر سليمان بإحضار عرشها، فقال أكثرهم: لأن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه مالها، فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه بإسلامها. وقيل: ليريها قدرة الله عز وجل وعظم سلطانه في معجزة يأتي بها في عرشها. وقال قتادة: لأنه أعجبته صفته لما وصفه الهدهد، فأحب أن يراه. قال ابن زيد: أراد أن يأمر بتنكيره وتغييره ليختبر بذلك عقلها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ
    +/- -/+  
الأية
39
 
{ قال عفريت من الجن } ، وهو المارد القوي، قال وهب: اسمه كوذي، وقيل: ذكوان، قال ابن عباس: العفريت الداهية. وقال الضحاك: هو الخبيث. وقال الربيع: الغليظ، قال الفراء: القوي الشديد، وقيل: هو صخرة الجني، وكان بمنزلة جبل يضع قدمه عند منتهى طرفه ، { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } ، أي: من مجلسك الذي تقضي فيه، قال ابن عباس: وكان له كل غداة مجلس يقضي فيه إلى منتهى النهار، { وإني عليه } ، أي: على حمله، { لقوي أمين } ، على ما فيه من الجواهر، فقال سليمان: أريد أسرع من هذا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
40
 
{ قال الذي عنده علم من الكتاب }/، واختلفوا فيه فقال بعضهم: هو جبريل: وقيل: هو ملك من الملائكة أيد الله به نبيه سليمان عليه السلام. وقال أكثر المفسرين: هو آصف بن برخيا، وكان صديقاً يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى. روى جويبر، ومقاتل، عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن آصف قال لسليمان حين صلى: مد عينيك حتى ينتهي طرفك، فمد سليمان عينيه، فنظر نحو اليمين، ودعا آصف فبعث الله الملائكة فحملوا السرير من تحت الأرض يخدون به خداً حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان. وقال الكلبي: خر آصف ساجداً ودعا باسم الله الأعظم فغاب عرشها تحت الأرض حتى نبع عند كرسي سليمان. وقيل: كانت المسافة مقدار شهرين. واختلفوا في الدعاء الذي دعا به آصف، فقال مجاهد، ومقاتل: ياذا الجلال والإكرام. وقال الكلبي: يا حي يا قيوم. وروي ذلك عن عائشة. وروي عن الزهري قال: دعاء الذي عنده علم من الكتاب: يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت ائتني بعرشها. وقال محمد بن المنكدر: إنما هو سليمان، قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علماً وفهماً: '' أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } ، قال سليمان: هات، قال: أنت النبي ابن النبي، وليس أحد أوجه عند الله منك، فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك، فقال: صدقت، ففعل ذلك، فجيء بالعرش في الوقت. وقوله تعالى: '' قبل أن يرتد إليك طرفك } ، قال سعيد بن جبير: يعني: من قبل أن يرجع إليك أقصى من ترى، وهو أن يصل إليك من كان منك على مد بصرك. قال قتادة: قبل أن يأتيك الشخص من مد البصر. وقال مجاهد: يعني إدامة النظر حتى يرتد الطرف خاسئاً. وقال وهب: تمد عينيك فلا ينتهي طرفك إلى مداه، حتى أمثله بين يديك، { فلما رآه } ، يعني: رأى سليمان العرش، { مستقراً عنده } ، محمولاً إليه من مأرب إلى الشام في قدر ارتداد الطرف ، { قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر } ، نعمته، { أم أكفر } ، فلا أشكرها، { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه } ، أي: يعود نفع شكره إليه، وهو أن يستوجب به تمام النعمة ودوامها، لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة، { ومن كفر فإن ربي غني } ، عن شكره، { كريم } ، بالإفضال على من يكفر نعمه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
41
 
{ قوله تعالى: '' قال نكروا لها عرشها } ، يقول: غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته، قال قتادة ومقاتل: هو أن يزاد فيه وينقص، وروى أنه جعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله، وجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر والأخضر أحمر، { ننظر أتهتدي } ، إلى عرشها فتعرفه، { أم تكون من } ، الجاهلين، { الذين لا يهتدون } ، إليه، وإنما حمل سليمان على ذلك كما ذكره وهب ومحمد بن كعب وغيرهما: أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشى إليه أسرار الجن وذلك أن أمها كانت جنية، وإذا ولدت له ولداً لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده، فأساؤا الثناء عليها ليزهدوه فيها، وقالوا: إن في عقلها شيئاً وإن رجلها كحافر الحمار وأنها شعراء الساقين فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
{ فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو } ، قال مقاتل: عرفته لكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها. وقال عكرمة: كانت حكيمة لم تقل: نعم، خوفاً من أن تكذب، ولم تقل: لا، خوفاً من التكذيب، قالت: كأنه هو، فعرف سليمان كمال عقلها حيث لم تقر ولم تنكر. وقيل اشتبه عليها أمر العرش، لأنها تركته في بيت خلف سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها، وقيل لها: فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب، فقال: '' وأوتينا العلم } ، بصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدية والرسل، { من قبلها } ، من قبل الآية في العرش { وكنا مسلمين } ، منقادين طائعين لأمر سليمان. وقيل قوله: '' وأوتينا العلم من قبلها ، { قاله سليمان، يقول: وأوتينا العلم بالله وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة، وكنا مسلمين، هذا قول مجاهد. وقيل: معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين طائعين لله عز وجل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
43
 
{ قوله عز وجل: '' وصدها ما كانت تعبد من دون الله } ، أي: منعها ما كانت تعبد من دون الله، وهو الشمس، أن تعبد الله، أي: صدها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله، فعلى هذا التأويل يكون { ما ، { في محل الرفع. وقيل: معناه صدها عن عبادة الله لا نقصان عقلها كما قالت الجن: إن في عقلها شيئاً، بل كانت تعبد من دون الله. وقيل: معناه وصدها سليمان ما كانت تعبد من دون الله، أي: منعها ذلك وحال بينها وبينه، فبكون محل ما نصباً. '' إنها كانت من قوم كافرين } ، هذا استئناف، أخبر الله تعالى أنها كانت من قوم يعبدون لشمس، فنشأت بينهم ولم تعرف إلا عبادة الشمس.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
{ قوله عز وجل: '' قيل لها ادخلي الصرح ، { الآية، وذلك أن سليمان أراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفها، لما قالت الشياطين: إن رجليها كحافر الحمار، وهي شعراء الساقين، أمر الشياطين فبنوا له صرحاً أي: قصراً من زجاج، وقيل بيتاً من زجاج كأنه الماء بياضاً، وقيل: الصرح صحن الدار، وأجرى تحته الماء، وألقى فيه كل شيء من دواب البحر السمك والضفادع وغيرهما، ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس. وقيل: اتخذ صحناً من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع، فكان الواحد إذا رآه ظنه ماء. وقيل: إنما بنى الصرح ليختبر فهمها كما فعلت هي بالوصفاء والوصائف فلما جلس على السرير دعا بلقيس، فلما جاءت قيل لها ادخلي الصرح. '' فلما رأته حسبته لجة } ، وهي معظم الماء، { وكشفت عن ساقيها } ، لتخوضه إلى سليمان، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس قدماً وساقاً إلا أنها كانت شعراء الساقين، فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنه وناداها، { قال إنه صرح ممرد } ، مملس مستو، { من قوارير } ، وليس بماء، ثم إن سليمان دعاها إلى الإسلام، وكانت قد رأت حال العرش والصرح فأجابت، و'' قالت رب إني ظلمت نفسي } ، بالكفر. وقال مقاتل: لما رأت السرير والصرح علمت أن ملك سليمان من الله فقالت: رب إني ظلمت نفسي بعبادة غيرك، { وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } ، أي: أخلصت له التوحيد. وقيل: إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة، قالت في نفسها: إن سليمان يريد أن يغرقني، وكان القتل علي أهون من هذا، فقولها: ظلمت نفسي تعني بذلك الظن. واختلفوا في أمرها بعد إسلامها، قال عون بن عبد الله: سأل رجل عبد الله بن عتبة: هل تزوجها سليمان؟ قال: انتهى أمرها إلى قولها: أسلمت مع سليمان لله رب العالمين، يعني: لا علم لنا وراء ذلك. وقال بعضهم: تزوجها، ولما أراد أن يتزوجها كره ما رأى من كثرة شعر ساقيها، فسأل الإنس: ما يذهب هذا؟ قالوا: الموسى، فقالت المرأة: لم تمسني حديدة قط، فكره سليمان الموسى، وقال: إنها تقطع ساقيها، فسأل الجن فقالوا: لا ندري، ثم سأل الشياطين فقالوا: إنا نحتال لك حيلة حتى تكون كالفضة البيضاء، فاتخذوا النورة والحمام، فكانت النورة والحمامات من يومئذ، فلما تزوجها سليمان أحبها حباً شديداً، وأقرها على ملكها، وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعاً وحسناً، وهي: سلحين، وبينون، وعمدان. ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة بعد أن ردها إلى ملكها ويقيم عندها ثلاثة أيام، يبتكر من الشام إلى اليمن، ومن اليمن إلى الشام، وولدت له فيما ذكر وروي عن وهب قال: زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان: اختاري رجلاً من قومك أزوجكه، قالت: ومثلي يا نبي الله تنكح الرجال وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان؟ قال: نعم، إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك. ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله لك، فقالت: زوجني إن كان ولا بد من ذلك ذا تبع ملك همذان فزوجه إياها، ثم ردها إلى اليمن، وسلط زوجها ذا تبع على اليمن، ودعا زوبعة أمير جن اليمن، فقال: اعمل لذي تبع ما استعملك فيه، فلم يزل بها ملكاً يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان، فلما أن حال الحول، وتبينت الجن موت سليمان أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلى صوته: يا معشر الجن إن الملك سليمان قد مات، فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا، وانقضى ملك ذي تبع، وملك بلقيس مع ملك سليمان. وقيل: إن الملك وصل إلى سليمان وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
45
 
{ قوله عز وجل: '' ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن } ، أي: أن، { اعبدوا الله } ، وحده، { فإذا هم فريقان } ، مؤمن وكافر، { يختصمون } ، في الدين، قال مقاتل: واختصامهم ما ذكر في سورة الأعراف: '' قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم } ، إلى قوله: '' يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين } (الأعراف- 75-77). . قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
{ فـ { قال } ، لهم صالح، { يا قوم لم تستعجلون بالسيئة } ، بالبلاء والعقوبة، { قبل الحسنة } ، العافية والرحمة، { لولا } ، هلا { تستغفرون الله } ، بالتوبة من كفركم، { لعلكم ترحمون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ۚ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ ۖ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
    +/- -/+  
الأية
47
 
{ قالوا اطيرنا } ، أي: تشاءمنا، وأصله: تطيرنا، { بك وبمن معك } ، قيل: إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم. وقيل: لأنه أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا، فقالوا: أصابنا هذا الضر والشدة من شؤمك وشؤم أصحابك. '' قال طائركم عند الله } ، أي: ما يصيبكم من الخير والشر عند الله بأمره، وهو مكتوب عليكم، سمي طائراً لسرعة نزوله بالإنسان، فإنه لا شيء أسرع من قضاء محتوم. قال ابن عباس: الشؤم أتاكم من عند الله لكفركم. وقيل: طائركم أي: عملكم عند الله، سمي طائراً لسرعة صعوده إلى السماء. '' بل أنتم قوم تفتنون } ، قال ابن عباس: تختبرون بالخير والشر، نظيره قوله تعالى: '' ونبلوكم بالشر والخير فتنة } (الأنبياء-35)، وقال محمد بن كعب القرظي: تعذبون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ
    +/- -/+  
الأية
48
 
{ قوله تعالى: '' وكان في المدينة } ، يعني: مدينة ثمود، وهي الحجر، { تسعة رهط } ، من أبناء أشرافهم، { يفسدون في الأرض ولا يصلحون } ، وهم الذين اتفقوا على عقر الناقة، وهم غواة قوم صالح، ورأسهم قدار بن سالف، وهو الذي تولى عقرها، كانوا يعملون بالمعاصي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
    +/- -/+  
الأية
49
 
{ قالوا: '' تقاسموا بالله } ، تحالفوا، يقول بعضهم لبعض: أي: احلفوا بالله أيها القوم. وموضع تقاسموا جزم على الأمر، وقال قوم: محله نصب على الفعل الماضي، يعني: أنهم تحالفوا وتواثقوا، تقديره: قالوا متقاسمين بالله، { لنبيتنه } ، أي: لنقتلنه بياتاً أي: ليلاً، { وأهله } ، أي: وقومه الذين أسلموا معه، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي لتبيتنه ولتقولن بالتاء فيهما وضم لام الفعل على الخطاب، وقرأ الآخرون بالنون فيهما وفتح لام الفعل، { ثم لنقولن لوليه } ، أي: لولي دمه، { ما شهدنا } ، ما حضرنا، { مهلك أهله } ، أي: إهلاكهم، ولا ندري من قتله، ومن فتح الميم فمعناه هلاك أهله، { وإنا لصادقون } ، في قولنا ما شهدنا ذلك.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
50
 
{ ومكروا مكراً } ، غدروا غدراً حين قصدوا تبييت صالح والفتك به، { ومكرنا مكراً } ، جزيناهم على مكرهم بتعجيل عقوبتهم، { وهم لا يشعرون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ
    +/- -/+  
الأية
51
 
{ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا } ، قرأ أهل الكوفة أنا بفتح الألف رداً على العاقبة، أي: كانت العاقبة أنا دمرناهم، وقرأ الآخرون:/ إنا بالكسر على الاستئناف، { دمرناهم } ، أي: أهلكناهم التسعة. واختلفوا في كيفية هلاكهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه، فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة من حيث يرون الحجارة ولا يرون الملائكة، فقتلهم. قال مقاتل: نزلوا في سفح جبل ينظر بعضهم بعضاً ليأتوا دار صالح، فجثم عليهم الجبل فأهلكهم. '' وقومهم أجمعين } ، أهلكهم الله بالصيحة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
52
 
{ فتلك بيوتهم خاوية } ، نصب على الحال أي: خالية، { بما ظلموا } ، أي: بظلمهم وكفرهم، { إن في ذلك لآية } ، لعبرة، { لقوم يعلمون } ، قدرتنا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
53
 
{ وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون } ، يقال: كان الناجون منهم أربعة آلاف.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
54
 
{ قوله تعالى: '' ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة } ، وهي الفعلة القبيحة، { وأنتم تبصرون } ، أي: تعلمون أنها فاحشة. وقيل: معناه يرى بعضكم بعضاً وكانوا لا يستترونه عتواً منهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
55
 
{ أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
56
 
{ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } ، من أدبار الرجال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
57
 
{ فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها } ، قضينا عليها وجعلناها بتقديرنا، { من الغابرين } ، أي: الباقين في العذاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا ۖ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ
    +/- -/+  
الأية
58
 
{ وأمطرنا عليهم مطراً } ، وهو الحجارة، { فساء } ، فبئس، { مطر المنذرين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ۗ آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ
    +/- -/+  
الأية
59
 
{ قوله تعالى: '' قل الحمد لله } ، هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية. وقيل: على جميع نعمه. '' وسلام على عباده الذين اصطفى } ، قال مقاتل: هم الأنبياء والمرسلون، دليله قوله عز وجل: '' وسلام على المرسلين }. وقال ابن عباس في رواية أبي مالك هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقال الكلبي: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين. { آلله خير أما يشركون } ، قرأ أهل البصرة وعاصم: '' يشركون ، { بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء، يخاطب أهل مكة، وفيه إلزام الحجة على المشركين بعد هلاك الكفار، يقول: الله خير لمن عبده، أم الأصنام لمن عبدها؟ والمعنى: أن الله نجى من عبده من الهلاك، والأصنام لمن تغن شيئاً عن عابديها عند نزول العذاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
60
 
{ أمن خلق السموات والأرض } ، معناه آلهتكم خير أم الذي خلق السموات والأرض، { وأنزل لكم من السماء ماءً } ، يعني المطر، { فأنبتنا به حدائق'' ؟ بساتين جمع حديقة، قال الفراء: الحديقة البستان المحاط عليه، فإن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة، { ذات بهجة } ، أي: منظر حسن، والبهجة: الحسن يبتهج به من يراه، { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } ، أي: ما ينبغي لكم، لأنكم لا تقدرون عليها. '' أإله مع الله } ، استفهام على طريق الإنكار، أي: هل معه معبود سواه أعانه على صنعه؟ بل ليس معه إله. '' بل هم قوم } ، يعني كفار مكة، { يعدلون } ، يشركون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+