Prev  

28. Surah Al-Qasas سورة القصص

  Next  



تفسير البغوي - القصص - Al-Qasas -
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
طسم
    +/- -/+  
الأية
1
 
{ مكية إلا قوله عز وجل: '' الذين آتيناهم الكتاب } ، إلى قوله: '' لا نبتغي الجاهلين } ، وفيها آية نزلت بين مكة والمدينة، وهي قوله عز وجل } : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد }. '' طسم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
{ نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق } ، بالصدق، { لقوم يؤمنون } ، يصدقون بالقرآن.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
    +/- -/+  
الأية
4
 
{ إن فرعون علا } ، استكبر وتجبر وتعظم، { في الأرض } ، أرض مصر، { وجعل أهلها شيعاً }. فرقاً وأصنافاً في الخدمة والتسخير، { يستضعف طائفةً منهم } ، أراد بالطائفة: بني إسرائيل، ثم فسر الاستضعاف فقال: '' يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم }. سمى هذا استضعافاً لأنهم عجزوا وضعفوا عن دفعه عن أنفسهم، { إنه كان من المفسدين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
    +/- -/+  
الأية
5
 
{ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } ، يعني: بني إسرائيل، { ونجعلهم أئمةً } ، قادة في الخير يقتدى بهم. وقال قتادة: ولاة وملوكاً، دليله: قوله عز وجل: '' وجعلكم ملوكاً } ، وقال مجاهد: دعاة إلى الخير. '' ونجعلهم الوارثين } ، يعني: أملاك فرعون وقومه يخلفونهم في مساكنهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
6
 
{ ونمكن لهم في الأرض } ، نوطن لهم في أرض مصر والشام، ونجعلها لهم مكاناً يستقرون فيه، { ونري فرعون وهامان وجنودهما } ، قرأ الأعمش، وحمزة، والكسائي: ويرى بالياء وفتحها، { فرعون وهامان وجنودهما } ، مرفوعات على أن الفعل لهم، وقرأ الآخرون بالنون وضمها، وكسر الراء، ونصب الياء ما بعده، بوقوع الفعل عليه، { منهم ما كانوا يحذرون } ، والحذر هو التوقي من الضرر، وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل فكانوا على وجل منه، فأراهم الله ما كانوا يحذرون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
    +/- -/+  
الأية
7
 
{ وأوحينا إلى أم موسى }. وهو وحي إلهام لا وحي نبوة، قال قتادة: قذفنا في قلبها، وأم موسى يوخابذينت لاوى بن يعقوب، { أن أرضعيه } ، واختلفوا في مدة الرضاع، قيل ثمانية أشهر، وقيل: أربعة أشهر. وقيل: ثلاثة أشهر كانت ترضعه في حجرها، وهو يبكي ولا يتحرك، { فإذا خفت عليه } ، يعني: من الذبح، { فألقيه في اليم } ، واليم: البحر، وأراد هاهنا النيل، { ولا تخافي } ، قيل: لا تخافي عليه من الغرق، وقيل: من الضبعة، { ولا تحزني } ، على فراقه، { إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } ، روى عطاء عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال.إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر، استطالوا على الناس، وعملوا بالمعاصي، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، فسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم إلى أن أنجاهم الله على يدي نبيه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن أم موسى لما تقاربت ولادتها، وكانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى،فلما ضرب بها الطلق أرسلت إليها فقالت: قد نزل بي ما نزل، فلينفعني حبك إياي اليوم، قالت: فعالجت قبالتها، فلما أن وقع موسى بالأرض هالها نور بين عيني موسى، فارتعش كل مفصل منها، ودخل حب موسى قلبها. ثم قالت لها: يا هذا ما جئت إليك حين دعوتني إلا ومن رأبي قتل مولودك، ولكن وجدت لابنك هذا حباً ما وجدت حب شيء مثل حبه، فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدونا، فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون، فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا على أم موسى، فقالت أخته يا اماه هذا الحرس بالباب، فلفت موسى في خرقة، فوضعته في التنور وهو مسجور، وطاش عقلها، فلم تعقل ما تصنع. قال: فدخلوا فإذا التنور مسجور، ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن، فقالوا لها: ما أدخل عليك القابلة؟ قالت: هي مصافية لي فدخلت علي زائرة، فخرجوا من عندها، فرجع إليها عقلها فقالت لأخت موسى: فأين الصبي؟ قالت لا أدري، فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله سبحانه وتعالى النار عليه برداً وسلاماً فاحتملته. قال: ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها، فقذف الله في نفسها أن تتخذ له تابوتاً ثم تقذف التابوت في اليم وهو النيل، قانطلقت إلى رجل نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتاً صغيراً، فقال لها النجار: ما تصتعين بهذا التابوت، قالت: ابن لي أخبئه في التابوت، وكرهت الكذب، قال ولم تقل: أخشى عليه كيد فرعون، فلما اشترت التابوت وحملته وانطلقت به انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى، فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه فلم يطق الكلام، وجعل يشير بيده فلم يدر الأمناء ما يقول، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم: اضربوه فضربوه وأخرجوه، فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم، فانطلق أيضاً يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ الله لسانه وبصره فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئاً، فضربوه وأخرجوه، فوقع في واد يهوي فيه حيران، فجعل لله عليه إن رد لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه يحفظه حيث/ ما كان، فعرف الله منه الصدق فرد عليه لسانه وبصره فخر لله ساجداً، فقال: يا رب دلني على هذا العبد الصالح، فدله الله عليه، فخرج من الوادي فآمن به وصدقه، وعلم أن ذلك من الله عز وجل.وقال وهب بن منبه: لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها جميع الناس، فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله. وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل، فلما كانت السنة التي يولد فيها بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن ففتشن النساء تفتيشاً لم يفتشن قبل ذلك مثله، وحملت أم موسى بموسى فلم ينتأ بطنها، ولم يتغير لونها، ولم يظهر لبنها، وكانت القوابل لا تتعرض لها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة، ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم، فأوحى الله إليها :أن أرضعيه ، فإذا خفت عليه الآية، فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها، لا يبكي ولا يتحرك، فلما خافت عليه عملت تابوتاً له مطبقاً ثم ألقته في البحر ليلاً. قال ابن عباس وغيره: وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن لهولد غيرها، وكانت من أكرم الناس عليه، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون، وكان بها برص شديد، وكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة فنظروا في أمرها، فقالوا له: أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر، يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك، وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس، فلما كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس كان على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم. وأقبلت ابنة فرعون في جواريها حتى جلست على شاطىء النيل مع جواريها تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن، إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج، فقال فرعون: إن هذا لشيء في البحر قد تعلق بالشجرة ايتوني به، فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه، فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نوراً لم يره غيرها فعالجته ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في مهده، وإذا نور بن عينيه، وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمصه لبناً، فألقى الله لموسى المحبة في قلب آسية، وأحبه فرعون وعطف عليه، وأقبلت بنت فرعون، فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت، فقبلته وضمته إلى صدرها، فقال الغواة من قوم فرعون: أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه بني إسرائيل هو هذا، رمي به في البحر فرقاً منك فاقتله، فهم فرعون بقتله، قالت آسية:قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً، وكانت لا تلد، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها، وقال فرعون أما أنا فلا حاجة لي فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:'' لو قال فرعون يومئذ هو قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها } ، فقبل لآسية سميه فقالت: سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر فمو هو الماء، وسى هو الشجر،.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ
    +/- -/+  
الأية
8
 
{ فذلك قوله عز وجل: '' فالتقطه آل فرعون } ، والالتقاط هو وجود الشيء من غير طلب، { ليكون لهم عدواً وحزناً } ، وهذه اللام تسمى لام العاقبة ولام الصيرورة، لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدواً وحزناً ولكن صار عاقبة أمرهم إلى ذلك، قرأ حمزة والكسائي: '' حزناً ، { بضم الحاء وسكون الزاي، وقرأ الآخرون بفتح الحاء والزاي، وهما لغتان، { إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين } ، عاصين آثمين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
9
 
{ قوله تعالى: '' وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك } ، قال وهب: لما وضع التابوت بين يدي فرعون فتحوه فوجد فيه موسى فلما نظر إليه قال عبراني من الأعداء فغاظه ذلك، وقال: كيف أخطأ هذا الغلام الذبح؟ وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار النساء ومن بنات الأنبياء وكانت أماً للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم، قالت لفرعون وهي قاعدة على جنبه: هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنما أمرت أن يذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكون قرة عين لي وذلك، { لا تقتلوه } ، وروي أنها قالت له: إنه أتانا من أرض أخرى ليس من بني إسرائيل، { عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون } ، أن هلاكهم على يديه، فاستحياه فرعون، وألقى الله عليه محبته وقال لامرأته: عسى أن ينفعك فأما أنا فلا أريد نفعه، قال وهب قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت آسية: عسى أن ينفعنا، لنفعه الله، ولكنه أبى، للشقاء الذي كتبه الله عليه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
10
 
{ وقوله تعالى: '' وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } ، أي: خالياً من كل شيء إلا من ذكر موسى وهمه، وهذا قول أكثر المفسرن. وقال الحسن:فارغاً أي: ناسياً للوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرا أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن، والعهد الذي عهد أن بكون يرده إليها ويجعله من المرسلين، فجاءهاالشيطان فقال: كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله فألقيته في البحر، وأغرقته، ولما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل قالت: إنه وقع في يد عدوه الذي فررت منه، فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد الله إليها. وقال أبو عبيدة: فارغاً أي: فارغاً من الحزن، لعلمها بصدق وعد الله تعالى، وأنكر القتيبي هذا، وقال: كيف يكون هذا والله تعالى يقول } : إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها { ؟ والأول أصح. قوله عز وجل } : إن كادت لتبدي به } ، قبل الهاء في به راجعة إلى موسى، أي: كادت لتبدي به أنه ابنها من شدة / وجدها. وقال عكرمة عن ابن عباس: كادت تقول: واإبناه. وقال مقاتل:لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها. وقال الكلبي: كادت تظهر أنه ابنها، وذلك حين سمعت الناس يقولون لموسى بعدما شب: موسى ابن فرعون، فشق عليها فكادت تقول: بل هو ابني. وقال بعضهم: الهاء عائدة إلى الوحي أي: كادت تبدي بالوحي الذي أوحى الله إليها أن يرده إليها. '' لولا أن ربطنا على قلبها } ، بالعصمة والصبر والتثبيت، { لتكون من المؤمنين } ، المصدقين لوعد الله حين قال لها: '' إنا رادوه إليك.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
11
 
{ وقالت لأخته } ، أي: لمريم أخت موسى: '' قصيه } ، اتبعي أثره حتى تعلمي خبره، { فبصرت به عن جنب } ، أي: عن بعد، وفي القصة أنها كانت تمشي جانباً وتنظر اختلاساً تري أنها لا تنظره، { وهم لا يشعرون } ، أنها أخته وأنها ترقبه. قال ابن عباس: إن امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد مرضعة، فكلما أتوا بمرضعة لم يأخذ ثديها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ
    +/- -/+  
الأية
12
 
{ فذلك قوله عز وجل: '' وحرمنا عليه المراضع } ، والمراد من التحريم المنع، والمراضع: جمع المرضع، { من قبل } ، أي: من قبل مجيء أم موسى، فلما رأت أخت موسى التي أرسلتها أمه في طلبه ذلك قالت لهم: هل أدلكم؟ وفي القصة أن موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثدياً ويصبح وهم في طلب مرضعة له. '' فقالت } ، يعني أخت موسى، { هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه } ، أي: يضمنونه { لكم } ، ويرضعونه، وهي امرأة قد قتل ولدها فأحب شيء إليها أن تجد صغيراً ترضعه، { وهم له ناصحون } ، والنصح ضد الغش، وهو تصفية العمل من شوائب الفساد، قالوا: نعم فأتينا بها. قال ابن جريج والسدي: لما قالت أخت موسى: '' وهم له ناصحون ، { أخذوها وقالوا: إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله. فقالت: ما أعرفه، وقلت هم للملك ناصحون. وقيل: إنها قالت: إنما قلت هذا رغبة في سرور الملك واتصالنا به. وقيل إنها لما قالت: '' هل أدلكم على أهل بيت ، { قالوا لها: من؟ قالت: أمي، قالوا: ولأمك ابن؟ قالت: نعم هارون، وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها، قالوا: صدقت، فأتينا بها، فانطلقت إلى أمها وأخبرتها بحال ابنها، وجاءت بها إليهم، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها، وجعل يمصه حتى امتلأ جنباه رياً. قال السدي: كانوا يعطونها كل يوم ديناراً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
13
 
{ فذلك قوله تعالى: '' فرددناه إلى أمه كي تقر عينها } ، برد موسى إليها، { ولا تحزن } ، أي: ولئلا تحزن، { ولتعلم أن وعد الله حق } ، برده إليها، { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ، أن الله وعدها رده إليها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
{ ولما بلغ أشده } ، قال الكلبي: الأشد ما بين ثمانية عشرة سنة إلى ثلاثين سنة. قال مجاهد وغيره: ثلاث وثلاثون سنة، { واستوى } ، أي: بلغ أربعين سنة، ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقيل: استوى انتهى شبابه { آتيناه حكماً وعلماً } ، أي: الفقه والعقل والعلم في الدين، فعلم موسى وحكم قبل أن يبعث نبياً، { وكذلك نجزي المحسنين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ
    +/- -/+  
الأية
15
 
{ قوله تعالى: '' ودخل المدينة } ، يعني: دخل موسى المدينة. قال السدي: هي مدينة منف من أرض مصر. وقال مقاتل: كانت قرية حايين على رأس فرسخين من مصر. وقيل: مدينة عين الشمس، { على حين غفلة من أهلها } ، وهو وقت القائلة واشتغال الناس بالقيلولة. وقال محمد بن كعب القرظي: دخلها فيما بين المغرب والعشاء. واختلفوا في السبب الذي من أجله دخل المدينة في هذا الوقت، قال السدي: وذلك أن موسى عليه السلام كان يسمى ابن فرعون، فكان يركب مراكب فرعون ويلبس مثل ملابسه، فركب فرعون يوماً وليس عنده موسى، فلما جاء موسى قيل له: إن فرعون قد ركب، فركب في أثره فأدركه المقبل بأرض منف فدخلها نصب النهار، وليس في طرفها أحد فذلك قوله عز وجل: '' ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها }. قال ابن إسحاق: كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يستمعون منه ويقتدون به، فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه، فخالفهم في دينه حتى ذكر منه وخافوه وخافهم، فكان لا يدخل قرية إلا خائفاً مستخفياً، فدخلها يوماً على حين غفلة من أهلها. وقال ابن زيد: لما علا موسى فرعون بالعصا في صغره، فأراد فرعون قتله، قالت امرأته: هو صغير، فترك قتله وأمر بإخراجه من مدينته، فلم يدخل عليهم إلا بعد أن كبر وبلغ أشده فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها، يعني: عن ذكر موسى، أي: من بعد نسيانهم خبره وأمره لبعد عهدهم به. وروي عن علي في قوله: '' حين غفلة ، { كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم. '' فوجد فيها رجلين يقتتلان } ، يختصمان ويتنازعان، { هذا من شيعته } ، من بني إسرائيل، { وهذا من عدوه } ، من القبط، قيل: الذي كان من شيعته السامري، والذي من عدوه من القبط، قيل: طباخ فرعون اسمه فليثون. وقيل: '' هذا من شيعته. وهذا من عدوه } ، أي: هذا مؤمن وهذا كافر: وكان القبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل الحطب إلى المطبخ. قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع، وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى، لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم، فوجد موسى رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون، { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه } ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، والاستغاثة: طلب الغوث، فغضب موسى واشتد غضبه، لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم، ولا يعلم الناس إلا أنه من قبل الرضاعة من أم موسى، فقال للفرعوني: خل سبيله، فقال: إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك، فنازعه، فقال الفرعوني: لقد هممت أن أحمله عليك، وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق وشدة القوة والبطش، { فوكزه موسى } ، وقرأ ابن مسعود: فلكزه موسى، ومعناهما واحد، وهو الضرب بجمع الكف. وقيل: الوكز الضرب في الصدر واللكز في الظهر. وقال الفراء: معناهما واحد، وهو الدفع، قال أبو عبيدة: الوكز الدفع بأطراف الأصابع، وفي بعض التفاسير: عقد موسى ثلاثاً وثمانين وضربه في صدره، { فقضى عليه } ، أي: فقتله وفرغ من أمره، وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه، فندم موسى عليه السلام، ولم يكن قصده القتل، فدفنه في الرمل، { قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين } ، أي: بين الضلالة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
    +/- -/+  
الأية
16
 
{ قال رب إني ظلمت نفسي } ، بقتل القبطي من غير أمر، { فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
17
 
{ قال رب بما أنعمت علي } ، بالمغفرة، { فلن أكون ظهيراً } ، عوناً، { للمجرمين } ، قال ابن عباس: للكافرين، وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافراً، وهو قول مقاتل، وقال قتادة: لن أعيد بعدها على خطيئة، قال ابن عباس: لم يستثن فابتلي به في اليوم الثاني.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ
    +/- -/+  
الأية
18
 
{ فأصبح في المدينة } ، أي: في المدينة التي قتل فيها القبطي، { خائفاً } ، من قتله القبطي، { يترقب } ، ينتظر سوءاً، والترقب: انتظار المكروه، قال الكلبي: ينتظر متى يؤخذ به، { فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه }: يستغيثه ويصيح به من بعد. قال ابن عباس: أتي فرعون فقيل له: إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلاً فخذ لنا بحقنا، فقال: ابغوا لي قاتله ومن يشهد عليه، فلا يستقيم أن يقضي بغير بينة، فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً فستغاثه على الفرعوني فصادف موسى، وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي، { قال له موسى } ، للإسرائيلي: '' إنك لغوي مبين } ، ظاهر الغواية قاتلت بالأمس رجلاً فقتلته بسببك، وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه؟ وقيل: إنما قال موسى للفرعوني: إنك لغوي مبين بظلمك، والأول أصوب، وعليه الأكثرون أنه قال ذلك للإسرائيلي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
{ فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما } ، وذلك أن موسى أدركته الرقة بالإسرائيلي فمد يده ليبطش بالفرعوني، فظن الإسرائيلي أنه يريد أن يبطش به لما رأى من غضبه وسمع قوله: إنك لغوي مبين، { قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد } ، ما تريد، { إلا أن تكون جباراً في الأرض } ، بالقتل ظلماً، { وما تريد أن تكون من المصلحين } ، فلما سمع القبطي ما قال الإسرائيلي علم أن موسى هو الذي قتل ذلك الفرعوني، فانطلق إلى فرعون وأخبره بذلك، وأمر فرعون بقتل موسى. قال ابن عباس: فلما أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى أخذوا الطريق الأعظم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ
    +/- -/+  
الأية
20
 
{ وجاء رجل } ، من شيعة موسى، { من أقصى المدينة } ، أي: من آخرها، قال أكثر أهل التأويل: اسمه حزبيل مؤمن من آل فرعون، وقيل: اسمه شمعون، وقيل: شمعان، { يسعى } ، أي: يسرع في مشيه، فأخذ طريقاً قريباً حتى سبق إلى موسى فأخبره وأنذره حتى أخذ طريقاً آخر، { قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك } ، يعني: أشراف قوم فرعون يتشاورون فيك، { ليقتلوك } ، قال الزجاج: يأمر بعضهم بعضاً بقتلك، { فاخرج } ، من المدينة، { إني لك من الناصحين } ، في الأمر لك بالخروج.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
21
 
{ فخرج منها } ، موسى، { خائفاً يترقب } ، أي: ينتظر الطلب، { قال رب نجني من القوم الظالمين } ، الكافرين، وفي القصة: أن فرعون بعث في طلبه حين أخبر بهربه فقال اركبوا ثنيات الطريق فإنه لا يعرف كيف الطريق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ
    +/- -/+  
الأية
22
 
{ ولما توجه تلقاء مدين } ، أي: قصد نحوها ماضياً إليها، يقال: داره تلقاء دار فلان، إذا كانت محاذيتها، وأصله من اللقاء، قال الزجاج: يعني سلك الطريق الذي تلقاء مدين فيها، ومدين هو مدين بن إبراهيم، سميت البلدة باسمه، وكان موسى قد خرج خائفاً بلا ظهر ولا حذاء ولا زاد، وكانت مدين على مسيرة ثمانية أيام من مصر، { قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } ، أي: قصد الطريق إلى مدين، قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها قبل، فلما دعا جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به إلى مدين. قال المفسرون: خرج موسى من مصر ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر والبقل، حتى يرى خضرته في بطنه، وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه. قال ابن عباس: وهو أول ابتلاء من الله عز وجل لموسى عليه السلام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
23
 
{ ولما ورد ماء مدين } ، وهو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم، { وجد عليه أمةً } ، جماعة { من الناس يسقون } ، مواشيهم، { ووجد من دونهم } ، يعني: سوى الجماعة، { امرأتين تذودان } ، يعني: تحبسان وتمنعان أغنامهما عن الماء حتى يفرغ الناس وتخلو لهما البئر، قال الحسن: تكفان الغنم عن أن تختلط بأغنام الناس، وقال قتادة: تكفان الناس عن أغنامهما. وقيل: تمنعان أغنامهما عن أن تشذ وتذهب. والقول الأول أصوبها، لما بعده، وهو قوله: '' قال } ، يعني: موسى للمرأتين، { ما خطبكما } ، ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس؟ { قالتا لا نسقي } ، أغنامنا، { حتى يصدر الرعاء } ، قرأ أبو جعفر، وأبو عمرو، وابن عامر: يصدر بفتح الياء وضم الدال على اللزوم، أي: حتى يرجع الرعاء عن الماء، وقرأ الآخرون: بضم الياء وكسر الدال، أي: حتى يصرفوا هم مواشيهم عن الماء، والرعاء جمع راع، مثل: تاجر وتجار. ومعنى الآية: لا نسقي مواشينا حتى يصدر الرعاء، لأنا امرأتان لا نطيق أن نسقي، ولا نستطيع أن نزاحم الرجال، فإذا صدروا سقينا مواشينا ما أفضلت مواشيهم في الحوض. '' وأبونا شيخ كبير } ، لا يقدر أن يسقي مواشيه، فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم. واختلفوا في اسم أبيهما، فقال مجاهد، والضحاك، والسدي/ والحسن: هو شعيب النبي عليه السلام. وقال وهب بن منبه، وسعيد بن جبير: هو يثرون بن أخي شعيب، وكان شعيب قد مات قبل ذلك بعدما كف بصره، فدفن بين المقام وزمزم. وقيل: رجل ممن آمن بشعيب. قالوا: فلما سمع موسى قولهما رحمهما فاقتلع صخرة من رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس. وقال ابن إسحاق: إن موسى زاحم القوم ونحاهم عن رأس البئر، فسقى غنم المرأتين. ويروى: أن القوم لما رجعوا بأغنامهم غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشرة نفر، فجاء موسى ورفع الحجر وحده، وسقى غنم المرأتين. ويقال: إنه نزع ذنوباً واحداً ودعا فيه بالبركة، فروى منه جميع الغنم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
24
 
{ فذلك قوله: '' فسقى لهما ثم تولى إلى الظل } ، ظل شجرة، فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع، { فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير } ، طعام، { فقير } ، قال أهل اللغة اللام بمعنى إلى، يقال: هو فقير له، وفقير إليه، يقول: إني لما أنزلت إلي من خير، أي: طعام، فقير محتاج، كان يطلب الطعام لجوعه. قال ابن عباس: سأل الله تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبة. قال الباقر: لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: لقد قال موسى: '' رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ، { وهو أكرم خلقه عليه، ولقد افتقر إلى شق تمرة. وقال مجاهد: ما سأله إلا الخبز. قالوا: فلما رجعتا إلى أبيهما سريعاً قبل الناس وأغنامهما حفل بطان، قال لهما: ما أعجلكما؟ قالتا: وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا أغنامنا، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
{ قال الله تعالى: '' فجاءته إحداهما تمشي على استحياء } ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليست بسلفع من السماء خراجة ولأجة، ولكن جاءت مستترة قد وضعت كم درعها على وجهها استحياء، { قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } ، قال أبو حازم سلمة بن دينار: لما سمع ذلك موسى أراد أن لا يذهب، ولكن كان جائعاً فلم يجد بداً من الذهاب، فمشت المرأة ومشى موسى خلفها، فكانت الريح تضرب ثوبها فتصف ردفها، فكره موسى أن يرى ذلك منها، فقال لها: امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت، ففعلت ذلك، فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيأ، فقال: اجلس يا شاب فتعش. فقال موسى: أعوذ بالله، فقال شعيب: ولم ذاك ألست بجائع؟ قال: بلى، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت لهما، وإنا من أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضاً من الدنيا، فقال له شعيب: لا والله يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف، ونطعم الطعام، فجلس موسى وأكل. '' فلما جاءه وقص عليه القصص } ، يعني: أمره أجمع، من قتله القبطي وقصد فرعون قتله، { قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين } ، يعني: فرعون وقومه، وإنما قال هذا لأنه لم يكن لفرعون سلطان على مدين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ
    +/- -/+  
الأية
26
 
{ قالت إحداهما يا أبت استأجره } ، اتخذه أجيراً ليرعى أغنامنا، { إن خير من استأجرت القوي الأمين } ، يعني: خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة، فقال لها أبوها: وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت: أما قوته: فإنه رفع حجراً من رأس البئر لا يرفعه إلا عشرة. وقيل: إلا أربعون رجلاً، وأما أمانته: فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
{ قال } ، شعيب عند ذلك: '' إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } ، واسمهما صفورة وليا في قول شعيب الجبائي، وقال ابن إسحاق: صفورة وشرقا وقال غيرهما: الكبرى صفراء والصغرى صفيراء. وقيل زوجه الكبرى. وذهب أكثرهم إلى أنه زوجه الصغرى منهما واسمها صفورة، وهي التي ذهبت لطلب موسى، { على أن تأجرني ثماني حجج } ، يعني: أن تكون أجيراً لي ثمان سنين، قال الفراء: يعني: تجعل ثوابي من تزويجها أن ترعى غنمي ثماني حجج، تقول العرب: آجرك الله بأجرك أي: أثابك، والحجج: السنون، واحدتها حجة، { فإن أتممت عشراً فمن عندك } ، أي: إن أتممت عشر سنين فذلك تفضل منك وتبرع، ليس بواجب عليك، { وما أريد أن أشق عليك } ، أي: ألزمك تمام العشر إلا أن تتبرع، { ستجدني إن شاء الله من الصالحين } ، قال عمر: يعني: في حسن الصحبة والوفاء بما قلت.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
    +/- -/+  
الأية
28
 
{ قال } ، موسى، { ذلك بيني وبينك } ، يعني: هذا الشرط بيني وبينك، فما شرطت علي فلك وما شرطت من تزويج إحداهما فلي، والأمر بيننا، تم الكلام، ثم قال: '' أيما الأجلين قضيت } ، يعني: أي الأجلين، وما صلة، قضيت: أتممت وفرغت منه، الثمان أو العشر، { فلا عدوان علي ، { لا ظلم علي بأن أطالب بأكثر منهما، { والله على ما نقول وكيل } ، قال ابن عباس ومقاتل: شهيد فيما بيني وبينك. وقيل: حفيظ. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمد بن عبد الرحيم، أخبرنا سعيد بن سليمان، أخبرنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: سألني يهودي من أهل الحيرة: أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أدري حتى أقدم على خير العرب فأسأله، فقدمت فسألت ابن عباس قال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل. وروي عن أبي ذر مرفوعاً: '' إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى؟ فقل: خيرهما وأبرهما، وإذا سئلت: فأي المرأتين تزوج؟ فقل: الصغرى منهما، وهي التي جاءت، فقالت يا أبت استأجره، فتزوج أصغرها وقضى أوفاهما }. وقال وهب: أنكحه الكبرى. وروي عن شداد بن أوس مرفوعاً: '' بكى شعيب النبي صلى الله عليه وسلم من حب الله عز وجل حتى عمي فرد الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره، فقال الله: ما هذا البكاء؟ أشوقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار؟ قال: لا يارب، ولكن شوقاً إلى لقائك، فأوحى الله إليه/ إن يكن ذلك فهنيئاً لك لقائي يا شعيب، لذلك أخدمتك موسى كليمي }. ولما تعاقدا هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصاً يدفع بها السباع عن غنمه، واختلفوا في تلك العصا، قال عكرمة: خرج آدم بها من الجنة فأخذها جبريل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلاً فدفعها إليه. وقال آخرون: كانت من آس الجنة، حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء، وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته، فصارت من آدم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب، فكانت عصا الأنبياء عنده فأعطاها موسى. وقال السدي: كانت تلك العصا استودعها إياه ملك في صورة رجل، فأمر ابنته أن تأتيه بعصا فدخلت فأخذت العصا فأتته بها، فلما رآها شعيب قال لها: ردي هذه العصا، وآتيه بغيرها، فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها فلا يقع في يدها إلا هي، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات فأعطاها موسى فأخرجها موسى معه، ثم إن الشيخ ندم وقال: كانت وديعة، فذهب في أثره، وطلب أن يرد العصا فأبى موسى أن يعطيه. وقال: هي عصاي، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما، فلقيهما ملك في صورة رجل فحكم أن يطرح العصا فمن حملها فهي له، فطرح موسى العصا فعالجها الشيخ ليأخذها فلم يطقها، فأخذها موسى بيده فرفعها فتركها له الشيخ. ثم إن موسى لما أتم الأجل وسلم شعيب ابنته إليه، قال موسى للمرأة: اطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم، فطلبت من أبيها، فقال شعيب: لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها. وقيل: أراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعايته إكراماً له وصلةً لابنته، فقال له إني قد وهبت لك من الجدايا التي تضعها أغنامي هذه السنة كل أبلق وبلقاء، فأوحى الله إلى موسى في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستقى الأغنام قال: فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحدة منها إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أن ذلك رزق ساقه الله عز وجل إلى موسى وامرأته فوفى له شرطه وسلم الأغنام إليه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
29
 
{ قوله عز وجل: '' فلما قضى موسى الأجل } ، يعني أتمه وفرغ منه، { وسار بأهله } ، قال مجاهد: لما قضى موسى الأجل مكث بعد ذلك عند صهره عشراً أخرى فأقام عنده عشرين سنة، ثم استأذنه في العود إلى مصر، فأذن له، فخرج بأهله إلى جانب مصر، { آنس } ، يعني: أبصر، { من جانب الطور ناراً } ، وكان في البرية في ليلة مظلمة، شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق ، { قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر } ، عن الطريق، { أو جذوة من النار } ، يعني: قطعة وشعلة من النار. وفيها ثلاث لغات، قرأ عاصم: '' جذوة ، { بفتح الجيم، وقرأ حمزة بضمها، وقرأ الآخرون بكسرها، قال قتادة ومقاتل: هي العود الذي قد احترق بعضه، وجمعها جذى، { لعلكم تصطلون } ، تستدفئون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
30
 
{ فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن } ، من جانب الوادي الذي عن يمين موسى، { في البقعة المباركة } ، لموسى، جعلها مباركة لأن الله كلم موسى هناك وبعثه نبياً. وقال عطاء: يريد المقدسة، { من الشجرة } ، من ناحية الشجرة، قال ابن مسعود: كانت سمرة خضراء تبرق، وقال قتادة ومقاتل والكلبي: كانت عوسجة. قال وهب من العليق، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها العناب، { أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
{ وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز } ، تتحرك ، { كأنها جان } ، وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها، { ولى مدبراً } ، هارباً منها، { ولم يعقب } ، لم يرجع، فنودي: '' يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
32
 
{ اسلك } ، أدخل { يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء } ، برص، فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس، { واضمم إليك جناحك من الرهب } ، قرأ أهل الكوفة، والشام: بضم الراء وسكون الهاء، وبفتح الراء حفص، وقرأ الآخرون بفتحهما، وكلها لغات بمعنى الخوف. ومعنى الآية: إذا هلك أمر يدك وما ترى من شعاعها فادخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى. والجناح: اليد كلها. وقيل: هو العضد. وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم: أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية، وقال: ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه. قال مجاهد: كل من فزع فضم جناحيه إليه ذهب عنه الفزع. وقيل: المراد من ضم الجناح: السكون، أي: سكن روعك واخفض عليك جانبك، لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه، ومثله قوله: '' واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } (الإسراء-24)، يريد الرفق، وقوله: '' واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } (الشعراء-215)، أي: ارفق بهم وألن جانبك لهم. قال الفراء: أراد بالجناح العصا، معناه: اضمم إليك عصاك. وقيل: الرهب الكم بلغة حمير، قال الأصمعي: سمعت بعض الأعراب يقول: أعطني ما في رهبك، أي: في كمك، معناه: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم، لأنه تناول العصا ويده في كمه. '' فذانك } ، يعني: العصا، واليد البيضاء، { برهانان } ، آيتان، { من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوماً فاسقين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ
    +/- -/+  
الأية
34
 
{ وأخي هارون هو أفصح مني لساناً } ، وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة فيه، { فأرسله معي ردءاً } ، عوناً، يقال ردأته أي: أعنته، قرأ نافع { رداً ، { بفتح الدال من غير همز طلباً للخفة، وقرأ الباقون بسكون الدال مهموزاً، { يصدقني } ، قرأ عاصم، وحمزة: برفع القاف على الحال، أي: ردءاً مصدقاً، وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الدعاء والتصديق لهارون في قول الجميع، قال مقاتل: لكي يصدقني فرعون، { إني أخاف أن يكذبون } ، يعني فرعون وقومه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
{ قال سنشد عضدك بأخيك } ، أي: نقويك بأخيك، وكان هارون يومئذ بمصر، { ونجعل لكما سلطاناً } ، حجةً وبرهاناً،'' فلا يصلون إليكما بآياتنا } ، أي: لا يصلون إليكما بقتل ولا سوء لمكان آياتنا، وقيل: فيه تقديم وتأخير، وتقديره: ونجعل لكما سلطاناً بآياتنا بما نعطيكما من المعجزات فلا يصلون إليكما، { أنتما ومن اتبعكما الغالبون } ، أي: لكما ولأتباعكما الغلبة على فرعون وقومه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ
    +/- -/+  
الأية
36
 
{ فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات } ، واضحات، { قالوا ما هذا إلا سحر مفترى } ، مختلق، { وما سمعنا بهذا } ، بالذي تدعونا إليه، { في آبائنا الأولين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَىٰ مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
37
 
{ وقال موسى } ، قرأ أهل مكة بغير واو، وكذلك هو في مصاحفهم، { ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده } ، بالمحق من المبطل، { ومن تكون له عاقبة الدار } ، العقبى المحمودة في الدار الآخرة، { إنه لا يفلح الظالمون } ، أي: الكافرون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ
    +/- -/+  
الأية
38
 
{ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين } ، فاطبخ لي الآجر، وقيل: إنه أول من اتخذ الآجر وبنى به، { فاجعل لي صرحاً } ، قصراً عالياً، وقيل: منارة، قال أهل التفسير: لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح، جمع هامان العمال والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء، ومن يطبخ الآجر والجص وينجر الخشب ويضرب المسامير، فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعاً لم يبلغه بنيان أحد من الخلق، أراد الله عز وجل أن يفتنهم فيه، فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه وأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي ملطخة دماً، فقال قد قتلت إله موسى، وكان فرعون يصعد على البراذين، فبعث الله جبريل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل، ووقعت قطعة في البحر وقطعة في المغرب، ولم يبق أحد ممن عمل فيه بشيء إلا هلك، فذلك قوله تعالى: '' فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى } ، أنظر إليه وأقف على حاله، { وإني لأظنه } ، يعني موسى، { من الكاذبين } ، في زعمه أن للأرض والخلق إلهاً غيري، وأنه رسوله.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ
    +/- -/+  
الأية
39
 
{ واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } ، قرأ نافع، وحمزة، والكسائي ويعقوب: يرجعون بفتح الياء وكسر الجيم، والباقون بضم الياء وفتح الجيم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
40
 
{ فأخذناه وجنوده فنبذناهم } ، فألقيناهم، { في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
41
 
{ وجعلناهم أئمة } ، قادة ورؤساء، { يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون } ، لا يمنعون من العذاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
{ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً } ، خزياً وعذاباً، { ويوم القيامة هم من المقبوحين } ، من المبعدين الملعونين، وقال أبو عبيدة: من المهلكين. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون، يقال: قبحه الله، وقبحه: إذا جعله قبيحاً، ويقال: قبحه قبحاً، وقبوحاً، إذا أبعده من كل خير.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
43
 
{ قوله تعالى: '' ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } ، يعني: قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم كانوا قبل موسى، { بصائر للناس } ، أي: ليبصروا بذلك الكتاب ويهتدوا به، { وهدىً } ، من الضلالة لمن عمل به، { ورحمةً } ، لمن آمن به، { لعلهم يتذكرون } ، بما فيه من المواعظ والبصائر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
{ وما كنت ، { يا محمد، { بجانب الغربي } ، يعني: بجانب الجبل الغربي، قاله قتادة والسدي، وقال الكلبي: بجانب الوادي الغربي. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد حيث ناجى موسى ربه، { إذ قضينا إلى موسى الأمر } ، يعني عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه، { وما كنت من الشاهدين } ، الحاضرين ذلك المقام فتذكره من ذات نفسه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَٰكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۚ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
    +/- -/+  
الأية
45
 
{ ولكنا أنشأنا قروناً } ، خلقنا أمماً بعد موسى عليه السلام، { فتطاول عليهم العمر } ، أي: طالت عليهم المهلة فنسوا عهد الله وتركوا أمره، وذلك أن الله تعالى قد عهد إلى موسى وقومه يهوداً في محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به، فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها. '' وما كنت ثاوياً } ، مقيماً، { في أهل مدين } ، كمقام موسى وشعيب فيهم ، { تتلو عليهم آياتنا } ، تذكرهم بالوعد والوعيد، قال مقاتل: يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم، { ولكنا كنا مرسلين } ، أي: أرسلناك رسولاً وأنزلنا عليك كتاباً فيه هذه الأخبار، فتتلوها عليهم ولولا ذلك لما علمتها ولم تخبرهم بها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
{ وما كنت بجانب الطور } ، بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى، { إذ نادينا } ، قيل: إذ نادينا موسى: خذ الكتاب بقوة. وقال وهب: قال موسى: يا رب أرني محمداً، قال: إنك لن تصل إلى ذلك، وإن شئت ناديت أمته وأسمعتك صوتهم، قال: بلى يا رب، قال الله تعالى: يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم. وقال أبو زرعة بن عمرو بن جرير: ونادى يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما -ورفعه بعضهم-، قال الله: يا أمة محمد، فأجابوه من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات: لبيك اللهم لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، قال الله تعالى: يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق عقابي، قد أعطيتكم من قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني، وقد غفرت لكم من قبل أن تعصوني، من جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدي ورسولي دخل الجنة، وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر. قوله تعالى: '' ولكن رحمةً من ربك } ، أي: ولكن رحماك رحمة بإرسالك والوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك/، { لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك } ، يعني: أهل مكة، { لعلهم يتذكرون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
47
 
{ ولولا أن تصيبهم مصيبة } ، عقوبة ونقمة، { بما قدمت أيديهم } ، من الكفر والمعصية، { فيقولوا ربنا لولا } ، هلا، { أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين } ، وجواب لولا محذوف، أي: لعاجلناهم بالعقوبة، يعني: لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم. وقيل: معناه لما بعثناك إليهم رسولاً ولكن بعثناك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ ۚ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِنْ قَبْلُ ۖ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
48
 
{ فلما جاءهم الحق من عندنا } ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، { قالوا } ، يعني: كفار مكة، { لولا } ، هلا، { أوتي } ، محمد، { مثل ما أوتي موسى } ، من الآيات كاليد البيضاء والعصا، وقيل: مثل ما أوتي موسى كتاباً جملة واحدة. قال الله تعالى } : أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } ، أي: فقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد، { قالوا سحران تظاهرا } ، قرأ أهل الكوفة: سحران، أي: التوراة والقرآن. تظاهرا يعني: كل سحر يقوي الآخر، نسب التظاهر إلى السحرين على الاتساع، قال الكلبي: كانت مقالتهم تلك حين بعثوا إلى رؤوس اليهود بالمدينة، فسألوهم عن محمد فأخبروهم أن نعته في كتابهم التوراة، فرجعوا فأخبروهم بقول اليهود، فقالوا: سحران تظاهرا. وقرأ الآخرون: ساحران يعنون محمداً وموسى عليهما السلام، لأن معنى التظاهر بالناس وأفعالهم أشبه منه بالكتب، { وقالوا إنا بكل كافرون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
49
 
{ قل } ، لهم يا محمد، { فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما } ، يعني: من التوراة والقرآن، { أتبعه إن كنتم صادقين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ ۚ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
50
 
{ فإن لم يستجيبوا لك } ، أي: لم يأتوا بما طلبت، { فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
51
 
{ ولقد وصلنا لهم القول } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بينا. قال الفراء: أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضاً. قال قتادة: وصل لهم القول في هذا القرآن، يعني كيف صنع بمن مضى. قال مقاتل: بينا لكفار مكة بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم. وقال ابن زيد: وصلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا، { لعلهم يتذكرون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
52
 
{ الذين آتيناهم الكتاب من قبله } ، من قبل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وقيل: من قبل القرآن، { هم به يؤمنون } ، نزلت في مؤمني أهل الكتاب، عبد الله بن سلام وأصحابه. وقال مقاتل: بل هم أهل الإنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقال سعيد بن جبير: هم أربعون رجلاً قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا: يا نبي الله إن لنا أموالاً فإن أذنت لنا انصرفنا وجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها فأذن لهم، فانصرفوا فأتوا بأموالهم، فواسوا بها المسلمين، فنزل فيهم: '' الذين آتيناهم الكتاب } ، إلى قوله تعالى: '' ومما رزقناهم ينفقون }. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: نزلت في ثمانين من أهل الكتاب، أربعون من نجران، واثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانية من الشام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
53
 
{ ثم وصفهم الله فقال: '' وإذا يتلى عليهم } ، يعني القرآن، { قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا } ، وذلك أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كان مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، { إنا كنا من قبله مسلمين } ، أي: من قبل القرآن مسلمين مخلصين لله بالتوحيد مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي حق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
    +/- -/+  
الأية
54
 
{ أولئك يؤتون أجرهم مرتين } ، لإيمانهم بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، { بما صبروا } ، على دينهم. قال مجاهد: نزلت في قوم من أهل الكتاب أسلموا فأوذوا. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حفص الجويني، أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي، أخبرنا عثمان، أخبرنا شعبة، عن صالح، عن الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: '' ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها، ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعبد أحسن عبادة الله ونصح سيده }. قوله عز وجل: '' ويدرؤون بالحسنة السيئة } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يدفعون بشهادة أن لا إله إلآ الله الشرك، قال مقاتل: يدفعون ما سمعوا من الأذى والشتم من المشركين بالصفح والعفو، { ومما رزقناهم ينفقون } ، في الطاعة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ
    +/- -/+  
الأية
55
 
{ إذا سمعوا اللغو } ، القبيح من القول، { أعرضوا عنه } ، وذلك أن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب ويقولون: تباً لكم تركتم دينكم، فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم، { وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } ، لنا ديننا ولكم دينكم، { سلام عليكم } ، ليس المراد منه سلام التحية، ولكنه سلام المتاركة، معناه: سلمتم منا لا نعارضكم بالشتم والقبيح من القول، { لا نبتغي الجاهلين } ، أي: دين الجاهلين، يعني: لا نحب دينكم الذي أنتم عليه. وقيل: لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
    +/- -/+  
الأية
56
 
{ قوله تعالى: '' إنك لا تهدي من أحببت } ، أي: أحببت هدايته. وقيل: أحببته لقرابته، { ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } ، قال مجاهد، ومقاتل: لمن قدر له الهدى، ونزلت في أبي طالب قال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل لا إله إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة، قال: لولا أن تعيرني قريش، يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
57
 
{ وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } ، مكة، نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف، وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لنعلم أن الذي تقول حق، ولكنا إن اتبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرضنا مكة. وهو معنى قوله: '' نتخطف من أرضنا }/، والاختطاف: الانتزاع بسرعة. قال الله تعالى } : أولم نمكن لهم حرما آمنا } ، وذلك أن العرب في الجاهلية كانت تغير بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضاً، وأهل مكة آمنون حيث كانوا، لحرمة الحرم، ومن المعروف أنه كان يأمن فيه الظباء من الذئاب والحمام من الحدأة، { يجبى } ، قرأ أهل المدينة ويعقوب: تجبى بالتاء لأجل الثمرات، والآخرون بالياء للحائل بين الاسم المؤنث والفعل، أي: يجلب ويجمع، { إليه } ، يقال: جبيت الماء في الحوض أي: جمعته، قال مقاتل: يحمل إلى الحرم، { ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون } ، أن ما يقوله حق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ
    +/- -/+  
الأية
58
 
{ قوله عز وجل: '' وكم أهلكنا من قرية } ، أي من أهل قرية، { بطرت معيشتها } ، أي: في معيشتها، أي: أشرت وطغت، قال عطاء: عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام، { فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يسكنها إلا المسافرون ومار الطريق، يوماً أو ساعة، معناه: لم تسكن من بعدهم إلا سكوناً قليلاً. وقيل: معناه: لم يعمر منها إلا أقلها وأكثرها خراب، { وكنا نحن الوارثين } ، كقوله: '' إنا نحن نرث الأرض ومن عليها } (مريم-40).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
59
 
{ وما كان ربك مهلك القرى } ، أي: القرى الكافرة وأهلها، { حتى يبعث في أمها رسولاً } ، يعني: في أكبرها وأعظمها رسولاً ينذرهم، وخص الأعظم ببعثة الرسول فيها، لأن الرسول يبعث إلى الأشراف، والأشراف يسكنون المدائن، والمواضع التي هي أم ما حولها ، { تتلو عليهم آياتنا } ، قال مقاتل: يخبرهم الرسول أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا، { وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } ، مشركون، يريد: أهلكتهم بظلمهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
60
 
{ وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها } ، تتمتعون بها أيام حياتكم ثم هي إلى فناء وانقضاء، { وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون } ، أن الباقي خير من الفاني. قرأ عامة القراء: تعقلون بالتاء وأبو عمرو بالخيار بين التاء والياء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ
    +/- -/+  
الأية
61
 
{ أفمن وعدناه وعداً حسناً } ، أي الجنة، { فهو لاقيه } ، مصيبه ومدركه وصائر إليه، { كمن متعناه متاع الحياة الدنيا } ، ويزول عن قريب { ثم هو يوم القيامة من المحضرين } ، النار، قال قتادة: يعني المؤمن والكافر، قال مجاهد: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل. وقال محمد بن كعب: نزلت في حمزة وعلي، وأبي جهل. وقال السدي: نزلت في عمار والوليد بن المغيرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ
    +/- -/+