Prev  

3. Surah Âl-'Imrân سورة آل عمران

  Next  



تفسير البغوي - عمران - Al-i-Imran -
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الم
    +/- -/+  
الأية
1
 
{ بسم الله الرحمن الرحيم ، { ، قوله تعالى ، { الم * الله ، { قال الكلبي و الربيع بن أنس وغيرهما: نزلت هذه الآيات في وفد نجران وكانوا ستين راكباً قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم: العاقب : أمير القوم وصاحب مشورتهم ، الذي لايصدرون إلا عن رأيه ، واسمه عبد المسيح ، والسيد: ثمالهم وصاحب رحلهم ، واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم. دخلوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات - جبب وأردية في (جمال) رجال الحارث بن كعب، يقول من رآهم : ما رأينا وفداً مثلهم، وقد حانت صلاتهم فقاموا للصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' دعوهم } ، فصلوا إلى المشرق ،(فسلم) السيد و العاقب فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم { أسلما ، { قالا أسلمنا قبلك قال ، { كذبتما يمنعكما من الإسلام ادعاؤكما لله ولداً وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير ، { ، قالا :إن لم يكن عيسى ولداً لله فمن يكون أبوه ؟ وخاصموه جميعاً في عيسى ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :'' ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟ ، { قالوا بلى قال:'' ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شئ يحفظه ويرزقه ، { قالوا: بلى ، قال ، { فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً'' ؟ قالوا: لا ، قال:'' ألستم تعلمون أن الله لايخفي عليه شئ بفي الأرض ولا في السماء؟ ، { قالوا: بلى ، قال :'' فهل يعلم عيسى عن ذلك شيئاً إلا ما علم ؟ ، { قالوا : لا، قال :'' فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء (وربنا ليس بذي صورة وليس له مثل) وربنا لا يأكل ولا يشرب } ، قالوا: بلى، قال } : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأه ثم وضعته كما تضع المرأه ولدها ، ثم غذى كما يغذي الصبي ثم كان يطعم ويشرب ويحدث؟ ، { ، قالوا: بلى ، قال ، { فكيف يكون هذا كما زعمتم؟'' ،فسكتوا ، فأنزل الله تعالى صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها. فال عز من قائل : { الم * الله ، { مفتوح الميم ، موصول عند العامة ، وانما فتح الميم لالتقاء الساكنين ، حرك إلى اخف الحركات ، وقرأ أبو يوسف ويعقوب بن خليفة الأعشى عن أبي بكر: { الم * الله ، { مقطوعاً سكن الميم على نية الوقف ثم قطع الهمزة للابتداء وأجراه على لغة من يقطع ألف الوصل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
اللهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ
    +/- -/+  
الأية
2
 
{ قوله تعالى { الله ، { ابتداء وما بعده خبر، والحي القيوم نعت له.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
{ نزل عليك الكتاب } ، أي القرآن { بالحق ، { بالصدق'' مصدقاً لما بين يديه ، { لما قبله من الكتب في التوحيد والنبوات والأخبار وبعض الشرائع ، { وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل ، { وإنما قال: وأنزل التوراة والأنجيل ، لأن التوراة وافنجيل أنزلا جملة واحدة ، وقال في القرآن { نزل ، { لأنه نزل مفصلاً ، والتنزيل للتكثير ، والتوراة قال البصريون : أصلها وورية على وزن فوعلة ، مثل :دوحلة وحوقلة، فحولت الواو الأولى تاء وجعلت الياء المفتوحة ألفاً فصارت توراة ، ثم كتبت بالياء على أصل الكلمة ، وقال الكوفيون : أصلها تفعلة مثل توصية وتوفية فقلبت الياء ألفاً على لغة ط ئ فإنهم يقولون للجارية جاراة ، وللتوصية توصاة ، وأصلها من قولهم: ورى الزند إذا خرجت ناره، وأوريته أنا ، قال الله تعاليى:'' أفرأيتم النار التي تورون } (الواقعة-71) فسمي التوراة لأنها نور وضياء قال الله تعالى: { وضياء وذكرا للمتقين } (الانبياء-48) وقيل هي من التوراة وهي كتمان (السر) والتعريض بفيره ، وكان أكثر التوراة ،معاريض من غير تصريح. والإنجيل:إفعيل من النجل وهو الخروج ومنه سمي الولد نجلاً لخروجه،فسمي الإنجيل به لأن الله تعالى اخرج به دارساً من الحق عافياً ، ويقال:نهو من النجل وهو سعة العين، سمي به لأنه أنزل سعة لهم ونوراً،وقيل: التوراة بالعبرانية تور، وتور معناه الشريعة والإنجيل بالسريانية أنقليون ومعناه الإكليل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
    +/- -/+  
الأية
4
 
{ قوله تعالى:'' هدى للناس'' هادياً لمن تبعه ولم يثنه لأنه مصدر { وأنزل الفرقان ، { المفرق بين الحق والباطل ، وقال السدي: في الآية تقديم وتأخير تقديرها وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للناس. قوله تعالى:'' إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
    +/- -/+  
الأية
6
 
{ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ، { ذكراً أو أنثى، أبيض أو أسود، حسناً أو قبيحاً، تاماً أو ناقصاً،'' لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، { وهذا في الرد على وفد نجران من النصارى ، حيث قالوا : عيسى ولد الله ، فكأنه يقول: كيف يكون لله ولد وقد صوره الله تعالى في الرحم. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن احمد بن محمد الأنصاري ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي،أناعلي بن الجعد ، أنا أبو خيثمة زهير بن معاوية عن الأعمش ، عند زيد بن وهب ،قال:سمعت عبد الله بن مسعود يقول :حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق'' إن خلق أحدكم يجمع في بطن امه أربعين يوماً نظفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك/ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله اليه الملك ، { أو قال:'' يبعث اليه الملك بأربع كلمات فيكتب رزفه وعمله وأجله وشقي أو سعيد ، { قال:'' وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى مايكون بينها وبينه غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها }. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي، أنا أبو أحمد بن عيسى الجلودي، أنا أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، أنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا سفيان بن عيينه، عن عمرو بن دينار،عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: { يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم باربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول : يارب أشقي أو سعيد؟ فيكتب ذلك ، فيقول : يارب أذكر ام أنثى؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها و لاينقص.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ
    +/- -/+  
الأية
7
 
{ قوله تعالى: { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ، { مبينات مفصلات، سميت محكمات من الاحكام ، كأنه أحكمها فمنع الخلق من التصرف فيها لظهورها ووضوح معناها'' هن أم الكتاب } ، أي أصله الذي يعمل عليه في الاحكام ، وإنما قال:'' هن أم الكتاب ، { ولم يقل امهات الكتاب ان الايات كلها في تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة ، وكلام الله واحد وقيل: معناه كل آية منهن ام الكتاب كما قال } : وجعلنا ابن مريم وأمه آية } (50-المؤمنون) أي كل واحد منهما آية { وأخر ، { جمع أخرى ولم يصرفه لأنه معدول عن الآخر ، مثل: عمرو و زفر { متشابهات ، { فإن قيل كيف فرق هاهنا بين المحكم والمتشابه وقد جعل كل القرآن محكماً في موضع أخر ؟ . فقال: { الر كتاب أحكمت آياته }(1-هود) وجعله كله متشابهاً في موضع آخر فقال : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } {23-الزمر). قيل: حيث جعل الكل محكماً ، أراد أن الكل حق ليس فيه عبث ولا هزل، وحيث جعل الكل متشابهاً اراد بعضه يشبه بعضاً في الحق والصدق وفي الحسن، وجعل هاهنا بعضه محكماً وبعضه متشابهاً. واختلف العلماء فيها، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: المحكمات هن الآيات الثلاث في صورة الأنعام ، { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } (151) ونظيرها في بني اسرائيل ، { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } (23-الإسراء) الآيات ، وعنه أنه قال: المتشابهات حروف التهجي في أوائل السور. وقال مجاهدو عكرمه : المحكم ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك متشابه يشبه بعضه بعضاً في الحق ويصدق بعضه بعضاً، كقوله تعالى: { وما يضل به إلا الفاسقين } (26-البقرة) { ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } (100-يونس). وقال قتاده والضحاك والسدى : المحكم الناسخ الذي يعمل به ، والمتشابه المنسوخ الذي يؤمن به ولا يعمل به . وروى علي بن أبي طلحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: محكمات القرآن ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولايعمل به ، وقيل : المحكمات ما أوقف الله الخلق على معناه والمتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه لاسبيل لاحد الى علمه ، نحو الخبر عن أشراط الساعة من خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام، وطلوع الشمس من مغربها ، وقيام الساعة، وفناء الدنيا. وقال محمد بن جعفر بن الزبير : تلمحكم مالا يحتمل من التاويل غير وجه واحد ، والمتشابه ما احتمل وقيل: المحكم مايعرف معناه وتكون حججها واضحة ودلائلالها لائحة لا تشتبه ، والمتشابه هو الذي يدرك علمه بالنظر ، ولايعرف العوام تفصيل الحق فيه من الباطل . وقال بعضهم: المحكم مايستقل بنفسه في المعنى ، والمتشابه مالا يستقل بنفسه إلا برده الى غيره. قال ابن عباسرضي الله عنهما في رواية (باذان): المتشابه حروف التهجي في أوائل السور ، وذلك أن رهطاً من اليهود منهم حيي بن اخطب و كعب بن الاشرف ونظراؤهما ، أتو النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له حيي: بلغنا أنه أنزل عليك (الم) فننشدك الله انزلت عليك ؟ قال: نعم قال: فإن كان ذلك حقاً فإني أعلم مدة ملك أمتك ، هي إحدى وسبعون سنة فهل أنزل غيرها؟ قال: نعم(المص) قال: فهذه اكثر هي إحدى وستون ومائة سنة، قال : فهل غيرها؟. قال : نعم(الر.قال: هذه أكثر هي مائتا وإحدى وسبعون سنة ولقد خلطت علينا فلا ندري أبكثيره نأخذ ام بقليله ونحن ممن لا يؤمن بهذا فأنزل الله تعالى:'' هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابها }. '' فأما الذين في قلوبهم زيغ } ، أي ميل عن الحق وقيل شك ، { فيتبعون ما تشابه منه ، { واختلفوا في المعني بهذه الآية .قال الربيع: هم وفد نجران خاصموا النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام ، وقالوا له : ألست تزعم انه كلمة الله وروح منه؟ قال:بلى قالوا: حسبنا ، فأنزل الله هذه الآية. وقال الكلبي: هم اليهود طلبوا علم أجل هذه الأمة واستخراجها بحساب الجمل . وقال ابن جريح: هم المنافقون، وقال الحسن : هم الخوارج، وكان قتادة اذا قرأ هذه الآية:'' فأما الذين في قلوبهم زيغ ، { قال: إن لم يكونوا الحرورية والسبأية فلا أدري من هم ، وقيل: هم جميع المبتدعة. أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد ابن اسماعيل، أنا عبد الله بن مسلمة، أنا يزيد بن ابراهيم التستري ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنهما قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات }- إلى قوله اولو الألباب قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيت الذي يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم. قوله تعالى:'' ابتغاء الفتنة ، { طلب الشرك قاله الربيع والسدي ، وقال مجاهد : ابتغاء الشبهات واللبس ليضلوا بها جهالهم'' وابتغاء تأويله ، { تفسيره وعلماه، ودليله قوله تعالى: { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا } (78-الكهف) وقيل: ابتغاؤه عاقبته، وهو طلب أجل هذه الأمة من حساب الجمل ، دليله قوله تعالى'' ذلك خير وأحسن تأويلا }(350-الإسراء) أي عاقبة. قوله تعالى :'' وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ، { اختلف العلماء في نظم هذه الآية فقال قوم:الواو في قوله والرساخون واو العطف يعني: أن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم وهم مع علمهم'' يقولون آمنا به ، { وهذا قول مجاهد والربيع ، وعلى هذا يكون قوله ، { يقولون ، { حالا معناه: والراسخون في العلم قائلين آمنا به ، هذا كقوله تعالى:/'' ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى }(7-الحشر)ثم قال: '' للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم } (8-الحشر) إلى أن قال } : والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم }(9- الحشر) ثم قال ، { والذين جاؤوا من بعدهم }(10-الحشر) وهذا عطف على ماسبق، ثم قال:'' يقولون ربنا اغفر لنا }(10-الحشر) يعني هم مع استحقاقهم الفئ يقولون ربنا اغفر لنا، أي قائلين على الحال. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما انه كان يقول في هذه الآية: أنا من الراسخين في العم ، وروي عن مجاهد :أنا ممن يعلم تاويله . وذهب الأكثرون الى ان الواو في قوله { والراسخون ، { واو الاستئناف ، وتم الكلام عند قوله:'' وما يعلم تأويله إلا الله ، { وهو قول ابي بن كعب و عائشة وعروة بن الزبير رضي الله عنهم و راوية طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وبه قال الحسن وأكثر التابعين واختاره الكسائيوالفراءوالأخفش ، وقالوا: لا يعلم تأويل المتشابه الا الله ويجوز أن يكون للقرآن تأويل استأثر الله بعلمه لم يطلع عليه أحداً من خلقه ، كما استاثر بعلم الساعة ، ووقت طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدجال ، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ، ونحوها، والخلق متعبدون في المتشابه بالايمان به، وفي المحكم بالإيمان به والعمل، ومما يصدق ذلك قراءة عبد الله ان تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ، وفي حرف أبي : ويقول الراسخون في العم آمنابه. وقال عمر بن عبد العزيز : في هذه الآية انتهى علم الراسخين في العلم بتاويل القرآن إلى أن قالوا آمنا به كل من عند ربنا. وهذا قو قيس في العربية وأشبه بظاهر الآية. قوله تعالى: { والراسخون في العلم } ، أي الداخلون في العم، هم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في معرفتهم شكن وأصله من رسوخ الشئ في الشئ وهو ثبوته يقال: رسخ الايمان في قلب فلان يرسخ رسخاً ورسوخاً، وقيل: الراسخون في العلم علماء مؤمني أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام واصحابه ، دليله قوله تعالى:'' لكن الراسخون في العلم منهم }(162- النساء) يعني(المدارسين) علم التوراة وسئل مالك بن أنس رضي الله عنه عن الراسخين في العلم قال: العالم العامل بما علم المتبع له ، وقيل: الراسخ في العلم من وجد في علمه أربعة أشياء: التقوى بينه وبين الله ، والتواضع بينه وبين الخلق، والزهد بينه وبين الدنيا، والمجاهدة بينه وبين نفسه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما و مجاهد والسدي : بقولهمآمنا به سماهم الله تعالى راسخين في العلم، فرسوخهم في العلم قولهم:آمنا به،أي بالمتشابه { كل من عند ربنا ، { المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وما علمنا وما لم نعلم'' وما يذكر'' وما يتعظ بما في القرآن ، { إلا أولو الألباب ، { ذوو العقول.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
    +/- -/+  
الأية
8
 
{ قوله تعالى: { ربنا لا تزغ قلوبنا } ، أي ويقول الراسخون : ربنا لاتزغ قلوبنا أي لاتملها عن الحق والهدى كما ازغت قلوب الذي في قلوبهم زيغ ، { بعد إذ هديتنا ، { وفقتنا لدينك والايمان بالمحكم والمتشابه من كتابك'' وهب لنا من لدنك ، { أعطنا من عندك'' رحمة ، { توفيقاً وتثبيتاً للذي نحن عليه من الإيمان والهدى، وقال الضحاك: تجاوزاً ومغفرة ، { إنك أنت الوهاب }. اخبرنا أبو الفرج المظفر بن أسماعيل التميمي ، أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهميأنا أبو احمد ابن عدي الحافظ،أناأبو بكر بن عبد الرحمن بن القاسم القرشي يعرف بإبن الرواس الكبير بدمشق ،انا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني ،أنا صدقة ،أنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر ،حدثني بشر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: حدثنيالنواس بن سمعان الكلابي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء ان يزيغه أزاغه ، { ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، { اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، والميزان بيد الرحمن يرفع قوماً ويضع آخرين إلى يوم القيامة }. أخبرنا احمد بن عبد الله الصالحي، حدثنا أبو بكر احمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، انا عبد الرحيم بن منيب، أنا يزيد بن هارون ، أنا سعيد بن إياس الجريري عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
    +/- -/+  
الأية
9
 
{ قوله تعالى:'' ربنا إنك جامع الناس ليوم } ، أي لقضاء يوم ، وقيل: اللام بمعنى في ، أي في يوم ، { لا ريب فيه } ، أي لاشك فيه، وهو يوم القيامة ، { إن الله لا يخلف الميعاد ، { وهو مفعال من الوعد.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ
    +/- -/+  
الأية
10
 
{ قوله تعالى: { إن الذين كفروا لن تغني ، { لن تنفع ولن تدفع'' عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله ، { قال الكلبي : من عذاب الله وقال أبو عبيدة : من بمعنى عند،أي عند الله ، { شيئا وأولئك هم وقود النار * كدأب آل فرعون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
    +/- -/+  
الأية
11
 
{ كدأب آل فرعون ، { قال ابن عباس رضي الله عنهما و عكرمه ومجاهد : كفعل آل فرعون وصنيعهم في الكفر والتكذيب ، وقال عطاء والكسائي وأبو عبيدة : كسنة آل فرعون ، وقالالاخفش: كامر آل فرعون وشانهم ، وقال النضر بن شميل : كادة لآل فرعون ، يريد عادة هؤلاء الكفار في تكذيب الرسول وجحود الحق كعادة آل فرعون،'' والذين من قبلهم ، { كفار الأمم الماضية ، مثل عادو ثمود وغيرهم'' كذبوا بآياتنا فأخذهم الله ، { فعاقبهم الله { بذنوبهم ، { وقيل نظم الآية :'' إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ، { عند حلول النقمة والعقوبة مثل ىل فرعون وكفار الأمم الخالية أخذناهم فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم { والله شديد العقاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
    +/- -/+  
الأية
12
 
{ قوله تعالى:'' قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم ، { قرأ حمزةو الكسائي بالياء فيهما ، أي انهم يغلبون ويحشرون ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهما ، على الخطاب، أي :قل لهم:أنكم ستغلبون وتحشرون . قال مقاتل:أراد مشركي مكة، معناه:قل لكفار مكة: ستغلبون يوم بدر وتحشرون إلى جهنم في الآخرة ، فلما نزلت هذه الآية قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، { إن الله غالبكم وحاشركم إلى جهنم }. وقال بعضهم: المراد بهذه الآية: اليهود، وقال الكلبي عن أبي صالح عنابن عباس رضي الله عنهما: إن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين يوم بدر: هذا- والله - النبي الذي بشرنا به موسى لاترد له راية ، وأرادوا اتباعه، ثم قال بعضهم لبعض: لاتعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة له اخرى، فلما كان يوم احد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا فغلب عليهم الشقاء،/فلم يسلموا، وقد كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهدد وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكباً الى مكة ليستفزهم، فأجمعوا أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية. وقال محمد بن إسحاق عن رجاله ورواه سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً: أنه لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ببدر ورجع الى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع، وقال: يامعشر اليهود احذروا من الله مثل مانزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم مثل مانزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكمفقالوا:يامحمد لايغرنك أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة ، وإنا والله لو قاتلناك لعرفت انا نحن الناس، فأنزل الله تعالى'' قل للذين كفروا ستغلبون'' تهزمون'' وتحشرون'' في الآخرة { إلى جهنم } '' وبئس المهاد ، { الفراش، أي بئس مامهد ، يعنىالنار.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ
    +/- -/+  
الأية
13
 
{ قوله تعالى:'' قد كان لكم آية ، { ولم يقل قد كانت لكم ، ولآية مؤنثة لأنه ردها إلى البيان أي قد كان لكم بيان، فذهب إلى المعنى. وقال الفراء: إنما ذكر لآنه حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث، فذكر الفعل، وكل ما جاء من هذا النحو فهذا وجهه ، فمعنى الآية : قد كان لكم آية أي عبرة ودلالة على صدق ما أقول أنكم ستغلبون .'' في فئتين ، { فرقتين وأصلها فئ الحرب ،لأن بعضهم يفئ الى بعض'' التقتا ، { يوم بدر'' فئة تقاتل في سبيل الله ، { طاعة الله ، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، سبعة وسبعون رجلاً من المهاجرين ، ومائتان وستة وثلاثون من الآنصار ، وصاحب راية المهارجين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وصاحب راية الانصار سعد بن عبادة ، وكان فيهم سبعون بعيراً وفرسان ، فرس للمقداد بن عمرو،وفرس لمرثد بن أبي مرثد وأكثرهم رجاله ، وكان معهم من السلاح ستة ادرع وثمانية سيوف. قوله تعالى:'' وأخرى كافرة } ، أي فرقة اخرى كافة ، وهم مشركو مكة ، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلاً من المقاتلة ، رأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وفيهم مائة فرس، وكانت حرب بدر اول مشهد شهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم { يرونهم مثليهم ، { قرأ أهل المدينة ويعقوببالتاء، يعني ترون يامعشر اليهود اهل مكة مثلي المسلمين، وذلك أن جماعة من اليهود كانوا حضروا قتال بدر لينظروا على من تكون الدائرة فرأوا المشركين مثلي عدد المسلمين ورأوا النصرة مع ذلك للمسلمين فكان ذلك معجزة وآية ، وقرأ الآخرون بالياء واختلفوا في وجهه: فجعل بعضهم الرية للمسلمين ، ثم له تأويلان، أحدهما يى المسلمون المشركين مثليهم كما هم ، فإن قيل: كيف قال: مثليهم وهم كانوا ثلاثة أمثالهم؟ قيل: هذا مثل قول الرجل وعنده درهم أنا احتاج الى مثلي هذا الدرهم يعني الى مثليه سواه فيكون ثلاثة دراهم ، والتأويل الثاني- وهو الأصح- كان المسلمون يرون المشركين مثلي عدد انفسهم، قللهم الله تعالى في أعينهم حتى رأوهم ستمائة وستة وعشرين ، ثم قللهم الله في اعينهم في حالة أخرى حتى رأوهم مثل عدد انفسهم . قال ابن مسعود رضي الله عنه: نظرنا الى الشمركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا اليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً. ثم قللهم الله تعالى ايضاً في أعينهم في حالة اخرى حتى رأوهم مثل عدد أنفسهم (قال ابن مسعود رضي الله عنه): حتى قل لرجل الى جنبي: تراهم سبعين؟ قال :أراهم مائة، قال بعضهم: الرؤية رادعة الى المشركين يعني يرى المشركون المسلمين مثليهم، قللهم الله قبل القتال في أعين المشركين ليجترئ المشركون عليهم ولا ينصرفوا فلما اخذوا في القتال كثرهم الله فيأعين المشركين ليجبنوا وقللهم في أعين المؤمنين ليجترؤوا ، فذلك قوله تعالى ، { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم }(44-الأنفال). قوله تعالى:'' رأي العين } ، أي في رأي العين نصب بنزع حرف الصنعة'' والله يؤيد بنصره من يشاء ، إن في ذلك ، { الذي ذكرت'' لعبرة لأولي الأبصار ، { لذوي العقول ، وقيل لمن أبصر الجمعين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ
    +/- -/+  
الأية
14
 
{ قوله تعالى:'' زين للناس حب الشهوات ، { نجمع شهوة وهي ما تدعو النفس اليه { من النساء ، { بدأ بهن لأنهن حبائل الشيطان'' والبنين والقناطير ، { جمع قنطار واختلفوا فيه قالالربيع بن انس: القنطار المال الكثير بعضه على بعض، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: القنطار ألف ومائتا أوقية ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما (والضحاك): ألف ومائتا مثقال . وعنهما رواية اخرى اثنا عشر الف درهم والف(دينار) دية أحدكم ، وعنالحسن القنطار دية احدكم ، وقال سعيد بن جبير وعكرمة هو مائة ألف ومائة من ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم ، ولقد جاء الاسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا ، وقال سعيد بن المسيب وقتادة : ثمانون ألفاً ، وقالمجاهد سبعون ألفاً ، وعنالسدي قال : أربعة الاف مثقال، وقالالحكم: القنطار مابين السماء والارض من مال، وقال ابو نضرة : ملء مسك ثور ذهباً أو فضة. وسمي قنطاراً من الإحكام ، يقال: قنطرت الشئ اذا احكمته ، ومنه سميت القنطرة. قوله تعالى:'' المقنطرة ، { قال الضحاك: المحصنة المحكمة ، وقال قتادة: هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض، وقال يمان: (المدفونة)، وقال السدي المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير ، وقال (الفراء.المضعفة، فالقناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة'' من الذهب والفضة ، { وقيل سمي الذهب ذهباً لأنه يذهب ولا يبقى ، والفضة لأنها تنفض أي تتفرق'' والخيل المسومة ، { الخيل جمع لا واحد له من لفظة ، واحدها فرس، كالقوم والنساء ونحوهما المسومه ، قال مجاهد: هي المطهمة الحسان، وقالعكرمة:تسويمها حسنها،وقالسعيد بن جبير: هي الراعية ، يقال : أسام الخيل وسومها ، قالالحسن وابو عبيده : هي المعلمة من السيماء والسيماء العلامة، ثم منهم من قال: سيماها الشبة واللون وهو قول قتادة وقيل: الكي. '' والأنعام ، { جمع النعم ، وهي الإبل والبقر والغنم جمع لا واحد له من لفظه { والحرث } ، يعني الزرع { ذلك ، { الذي ذكرنا { متاع الحياة الدنيا ، { يشير الى انها متاع يفني ، { والله عنده حسن المآب } ، أي المرجع ، فيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الاخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ ۗ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
    +/- -/+  
الأية
15
 
{ قوله تعالى ، { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله ، { قرأه العامة/ بكسر الراء، وروي ابو بكر عن عاصم بضم الراء وهما لفتان كالعدوان والعدوانه. أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي، انا احمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف،أنا محمد ابن اسماعيل،انا يحيى بن سليمان، حدثني ابن وهب ، حدثني مالك عن زيد بن أسلمعن عطاء بن يسار عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك ، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يارب وقد أعطيتنا مالم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يارب وأي شئ أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
    +/- -/+  
الأية
16
 
{ قوله تعالى: { والله بصير بالعباد * الذين يقولون ، { إن شئت جعلت محل الذين خفضاً رداً على قوله { للذين اتقوا ، { وإن شئت جعلته رفعاً على الابتداء ، ويحتمل ان يكون نصباً تقديره أعني الذي يقولون { ربنا إننا آمنا ، { صدقنا ، { فاغفر لنا ذنوبنا ، { استرها علينا وتجاوز عنا ، { وقنا عذاب النار }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ
    +/- -/+  
الأية
17
 
{ الصابرين والصادقين ، { ان شئت نصبتها على المدح، وان شئت خفضتها على النعت، يعنى الصابرين في أداء الأمر وعن ارتكاب النهي، وعلى البأساء والضراء وحين البأس ، والصادقين في إيمانهم ، قال قتادة : هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السر والعلانية { والقانتين ، { المطيعين المصلين { والمنفقين ، { اموالهم في طاعة الله { والمستغفرين بالأسحار ، { قال مجاهد وقتادة والكلبي : يعني المصلين بالأسحار وعن زيد بن اسلم انه قال: هم الذين يصلون الصبح ، في الجماعة وقيل السحر لقربه من الصبح، وقال الحسن : مدوا الصلاة الى السحر ثم استغفروا ، وقال نافع كان ابن عمر رضي الله عنه يحي الليل ثم يقول: يا نافع اسحرنا؟ فأقول لا: فيعاود الصلاة فإذا قلت: نعم نعم قد يستغفر الله ويدعو، حتى يصبح. اخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي، اخبرنا ابو محمد بن الحسن بن أحمد المخلدي ، حدثنا ابو العباس محمد بن إسحاق السراج ، انا قتيبة، (بن سعيد) أنا يعقوب بن عبد الرحمنعنسهيل بن ابي صالح ، عن ابيه ، عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' ينزل الله الى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول :أنا الملك أنا الملك ، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له }. وحكي عن الحسن أن لقمان قال لابنه : يابني لاتكن أعجز من هذا الديك يصوت من الاسحار وأنت نائم على فراشك.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
    +/- -/+  
الأية
18
 
{ قوله تعالى:'' شهد الله أنه لا إله إلا هو { قيل: هذه الآية في نصارى نجران. وقالالكلبي : '' قدم حبران من أحبار الشام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصرا المدينة قال :أحدهما لصاحبه ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخرج في آخر الزمان؟ فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة ، فقالا له : أنت محمد، قال : نعم، قالا له : وأنت أحمد ؟ قال :أنا محمد وأحمد قالا له : فإنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك ، فقال ،:اسألا فقالا أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، { ، فأسلم الرجلان. قوله { شهد الله } ، أي بين الله لأن الشهادة تبين ، وقال مجاهد : حكم الله ( وقيل : علم الله) وقيل: أعلم الله انه لا إله إلا هو. قال ابن عباس رضي الله عنهما: خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة، فشهد بنفسه لنفسه قبل أن خلق الخلق حين كان ولم تكن سماء ولا أرض ولا بر ولا بحر فقال:'' شهد الله أنه لا إله إلا هو }. وقوله:'' والملائكة } ، أي وشهدت الملائكة ، قيل: معنى شهادة الله الإخبار ولإعلام ، ومعنى شهادة الملائكة والمؤمنين الإقرار. قوله تعالى ، { وأولو العلم } ، يعني الأنبياء عليهم السلام . وقال ابن كيسان يعني: المهاجرين والأنصار ، وقال مقاتل: علماء مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام واصحابه . قال السدي والكلبي : يعني جميع علماء المؤمنين.'' قائماً بالقسط } ، أي بالعدل . ونظم هذه الآية شهد الله قائماً بالقسط ، نصب على الحال، وقيل: نصب على القطع، ومعنى قوله ، { قائماً بالقسط } ، أي قائماً بتدبير الخلق كما يقال: فلان قائم بامر فلان، أي مدبر له ومتعهد لأسبابه وقائم بحق فلان أي مجاز له فالله جل جلاله مدبر رازق مجاز بالأعمال. '' لا إله إلا هو العزيز الحكيم }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
    +/- -/+  
الأية
19
 
{ إن الدين عند الله الإسلام } ، يعني الدين المرضي الصحيح ، كما قال تعالى :'' ورضيت لكم الإسلام دينا }(3- المائدة) وقال ، { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه } (85-آل عمران) وفتح الكسائي الألف من ان الدين رداً على ان الأولي تقديره شهد الله انه لا إله إلا هو وشهد ان الذين عند الله الإسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة ، يقال : أسلم أي دخل في السلم واستسلم ، قال قتادة في قوله تعالى ، { إن الدين عند الله الإسلام ، { قال: شهادة ان لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله تعالى وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءه (ولا يقبل غيره ولا يجزي إلا به). أخبرنا ابو عسيد الشريحي ، أنا ابو اسحق الثلبي، أنا ابو عمروا الفراتي ، انا موسى عمران بن موسى،أنا الحسن بن سفينان،أنا عمار بن عمر بن المختار ، حدثني أبي عن غالب القطان قال: أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريباً من الاعمش وكنت اختلف اليه فلما كنت ذات ليلة اردت ان أتنحدر إلى البصرة ، فإذا الاعمش قائم من الليل يتهجد ، فمر بهذه الآية ، { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، { ثم قال الاعمش:وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة'' إن الدين عند الله الإسلام ، { قالها مراراً، قلت لقد سمع فيها شيئاً ، فصليت معه وودعته ، ثم قلت: إني سمعتك تقرأ آية ترددها فما بلغك فيها؟ (قال لي : أوما بلغك مافيها؟قلت: أنا عند منذ سنتين لم تحدثني) قال: والله لا احدثك بها الى سنة ، فكتبت على بابه ذلك اليوم وأقمت سنة ، فلما مضت السنة قلت : يا أبا محمد قد مضت السنة قال : حدثني أبو وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله :إن لعبدي هذا عندي عهداً ، وأنا أحق من وفي بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنة } . قوله تعالى :'' وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ، { قال الكلبي : نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام ، أي وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ماجاءهم العلم ، يعني بيان نعته في كتبهم ، وقال الربيع : إن موسى عليه السلام لما حضره الموت ، دعا سبعين رجلاً من احبار بني إسرائيل فاستودعهم/ التوراة واستخلف يوشع بن نون ، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء اولئك السبعين حتى أهرقوا بينهم الدماء ، ووقع الشر والاختلاف ، وذلك من بعد ماجاءهم العلم يعني بيان مافي التوراة { بغياً بينهم } ، أي طلباً للملك والرياسة ، فسلط الله عليهم الجبابرة وقال محمد بن جعفر بن الزبير : نزلت في نصارى نجران ومعناها { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } ، يعني الإنجيل في أمر عيسى عليه السلام ، وفرقوا القول فيه إلا من بعد ماجاءهم العلم بإن الله واجد وأن عيسى عبده ورسوله { بغياً بينهم } ، أي للمعاداة والمخالفة ، { ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا ۖ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
    +/- -/+  
الأية
20
 
{ قوله تعالى:'' فإن حاجوك } ، أي خاصموك يا محمد في الدين ، وذلك أن اليهود والنصارى قالوا لسنا على ماسميتنا به يامحمد إنما اليهودية والنصرانية نسب ن والدين هو الاسلام ونحن عليه فقال الله تعالى ، { فقل أسلمت وجهي لله } ، أي انقدت لله وحده بقلبي ولساني وجميع جوارحي ، وإنما خص الوجه لأنه اكرم الجوارح من الإنسان وفيه بهاؤه ، فإذا خضع وجهه للشئ خضع له جميع جوارحه ، وقال الفراء: معناه أخلصت عملي لله ، { ومن اتبعن } ، أي ومن اتبعني أسلم كما اسلمت ، واثبت نافع وأبو عمرو الياء في قوله تعالى (اتبعني) على الأصل وحذفها الخرون على الخط لأنها في المصحف بغير ياء. وقوله :'' وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين } ، يعني العرب'' أأسلمتم ، { لفظه استفهام ومعناه امر ، أي أسلموا كما قال ، { فهل أنتم منتهون }(91-المائدة ) أي انتهوا ،'' فإن أسلموا فقد اهتدوا ، { فقراً رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال اهل الكتاب: اسلمنا ، فقال الليهود : اتشهدون ان عيسى كلمة الله وعبده ورسوله فقالوا: معاذ الله وقال للنصارى : أتشهدون ان عيسى عبد الله وروسله ؟ قالوا : معاذ الله ان يكون عيسى عبداً فقال الله عزو وجل ، { وإن تولوا فإنما عليك البلاغ } ، أي تبليغ الرسالة وليس عليك الهداية ، { والله بصير بالعباد ، { علام بمن يؤمن وبمن لا يؤمن.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
21
 
{ قوله تعالى:'' إن الذين يكفرون بآيات الله ، { يجحدون بآيات الله يعني القرآن ، وهم اليهود والنصارى ، { ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، { قرأ حمزة: ويقاتلون الذين يأمرون ، قال ابن جريح : كان الوحي يأتي على (انبياء) بني اسرائيل، ولم يكن يأتيهم كتاب، فيذكرون قومهم فيقتلون ، فيقولم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم فيقتلون أيضاً ، فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس. أخبرنا أبو سعيد الشريحي،أنا اسحاق الثعلبي ،أناابو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه الدينوري،اناابو نصر منصور بن جعفر النهاوندي،أنا أحمد بن يحيى بن الجارود،أنامحمد بن عمرو بن حيان،أنا محمد بن (حمير) ، اناابو الحسن مولى بني أسد عنمكحول عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: '' قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة ؟ قال : رجل قتل نبياً أو رجلاً أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، { إلى أن انتهى إلى قوله ، { وما لهم من ناصرين ، { ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل أمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوهم جميعاً في آخر النهار في ذلك اليوم فهم الذين ذكرهم الله كتابه وأنزل الآية فيهم } { فبشرهم ، { اخبرهم'' بعذاب أليم ، { وجيع، وإنما أدخل الفاء على خبر إن وتقديره الذين يكفرون ويقتلون فبشرهم ، لأنه لا يقال : أن زيداً فقائم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
22
 
{ أولئك الذين حبطت'' بطلت ، { أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ، { وبطلان العمل في الدنيا أن لايقبل وفي الآخرة ألا يجازى عليه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ
    +/- -/+  
الأية
23
 
{ قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } ، يعني اليهود ، { يدعون إلى كتاب الله ، { اختلفوا في هذا الكتاب ، فقال قتادة: هم اليهود دعوا الى حكم القرآن فاعرضوا عنه. وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية :إن الله تعالى جعل القرآن حكماً فيما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهدى فاعرضوا عنه، وقال الاخرون : هو التوراة. روى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:'' دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المراس على جماعة من اليهود ، فدعاهم إلى الله عز وجل.فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أنت يامحمد؟فقال : على ملة إبراهيم، قالا :إن إبراهيم كان يهودياً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية } . وروىالكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً وامرأة من أهل خيبر زنيا وكان في كتابهم الرجم، فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم ، فرفعوا امرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجوا أن يكون عنده رخصة فحكم عليهما بالرجم فقال له النعمان بن اوفى وبحري بن عمرو : جرت عليهما يامحمد ليس عليهما الرجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { بيني وبينكم التوراة قالوا: قد أنصفتنا ، قال فمن أعلمكم بالتوارة قالوا رجل أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ، فأرسلوا إليه فقدم المدينة وكان جبريل قد وصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ابن صوريا؟ قال : نعم ، قال أنت اعلم اليهود؟قال:كذلك يزعمون قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ من التوارة ، فيها الرجم مكتوب ، فقال له : أقرأ فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ مابعدها على رسول الله صلى الله عليه وسلم .فقال عبد الله ابن سلام يارسول الله قد جاوزها فقام فرفع كفه عنها ثم قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود بأن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما ، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع مافي بطنها ،فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهوديين فرجما ، فغضب اليهود لذلك وانصرفوا فانزل الله عز وجل'' ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله }".

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۖ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
24
 
{ ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون * ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ، { والغرور هو الإطماع فيما لايحصل منه شئ { ما كانوا يفترون ، { والافتراء اختلاق الكذب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
{ قوله تعالى:'' فكيف إذا جمعناهم } ، أي فكيف حالهم او كيف يصنعون إذا جمعناهم { ليوم لا ريب فيه } (وهو يوم القيامة) '' ووفيت } (وفرت) { كل نفس ما كسبت } ، أي جزاء ماكسبت من خير او شر ، { وهم لا يظلمون } ، أي لاينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
26
 
{ قوله تعالى:'' قل اللهم مالك الملك ، { قال قتادة ذكر أن النبيى صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في امته فانزل الله تعالى هذه الاية . وقال ابن عباس رضي الله عنهما وانس بن مالك رضي الله عنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعد امته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود : هيهات هيهات من اين لمحمد صلى الله عليه وسلم ملك فارس والروم ؟ وهم اعز وامنع من ذلك ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ؟ فأنزل الله هذه الآية { قل اللهم ، { قيل: معناه يالله فلما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره ، وقال قوم : للميم فيه معنى ، ومعناها ياالله أمنا بخير أي : اقصدنا ، حذف منه حرف النداء كقولهم : هلم الينا ، كان أصله هل ام الينا ، ثم كثرت في الكلام فحذفت الهمزة استخفافاً وربما خففوا أيضاً فقالوا: لاهم ، قوله { مالك الملك } (يعنى يامالك الملك) أي مالك العباد وما ملكوا ، وقيل يا مالك السموات والأرض ، وقال الله تعالى في بعض الكتب: أنا الله ملك الملوك ، ومالك الملوك وقلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد اطاعوني جعلتهم عليهم رحمة وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسبب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم. قوله تعالى: { تؤتي الملك من تشاء ، { قال مجاهد و سعيد بن جبير يعني ملك النبوة ، وقال الكلبي : تؤتي الملك من تشاء محمداً وأصحابه ، { وتنزع الملك ممن تشاء ، { أبي جهل وصناديد قريش وقيل : تؤتي الملك من تشاء : العربي وتنزع الملك ممن تشاء : فارس والروم ، وقال السدي ، تؤتي الملك من تشاء ، آتى الله الأنبياء عليهم السلام وأمر العباد بطاعتهم { وتنزع الملك ممن تشاء ، { نزعه من الجبارين وأمر العباد بخلافهم ، وقيل تؤتي من تشاء: آدم وولده وتنزل الملك ممن تشاء إبليس وجنوده. وقوله تعالى:'' وتعز من تشاء وتذل من تشاء ، { قال عطاء تعز من تشاء: المهاجرين والأنصار وتذل من تشاء : فارس والروم ، وقيل تعز من تشاء محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها ، وتذل من تشاء : أبا جهل وأصحابه حتى حزت رؤوسهم وألقوا في القليب ، وقيل تعز من تشاء بالإيمان والهداية ، وتذل من تشاء بالكفر والضلالة ، وقيل تعز من تشاء بالطاعة وتذل من تشاء بالمعصية ، وقيل تعز من تشاء بالنصر وتذل من تشاء بالقهر، وقيل تعز من تشاء بالغنى وتذل من تشاء بالفقر ، وقيل تعز من تشاء بالقناعة والرضى وتذل من تشاء بالحرض والطمع ، { بيدك الخير } ، أي بيدك الخير والشر فاكتفى بذكر احدهما قال تعالى : { سرابيل تقيكم الحر }(81-النحل) أي الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما ، { إنك على كل شيء قدير }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۖ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ۖ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
    +/- -/+  
الأية
27
 
{ قوله تعالى : { تولج الليل في النهار } ، أي تدخل الليل في النهار حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات { وتولج النهار في الليل ، { حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات ، فما نقص من احدهما زاد في الاخر ، { وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ، { قرأ اهل المدينة و حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ، { الميت ، { بتشديد الياء هاهنا وفي الأنعام ويونس والروم في الأعراف ، { لبلد ميت ، { وفي فاطر ، { إلى بلد ميت ، { زاد نافع { أو من كان ميتاً فأحييناه } (122-النعام) و ، { لحم أخيه ميتا } (12-الحجرات) و ، { الأرض الميتة أحييناها }(33-يس) فشددها ، والآخرون يخففونها ، وشدد يعقوب ، { يخرج الحي من الميت ، { و لحم اخيه ميتاً، قال ابن مسعود و سعيد بن جبير ومجاهد وقتاده : معنى الآية : يخرج الحيوان من النطفة وهي ميتة ، ويخرج النطفة من الحيوان وقال عكرمة والكلبي : يخرج الحي من الميت أي الفرخ من البيضة ويخرج البيضة من الطير ، وقال الحسن وعطاء . يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن ، فالمؤمن حي الفؤاد والكفار ميت الفؤاد ، قال الله تعالى : { أو من كان ميتا فأحييناه }(122-النعام) وقال الزجاج : يخرج النبات الغض الطري من الحب اليابس ، ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي ، { وترزق من تشاء بغير حساب ، { من غير تضييق (ولا تقتير). اخبرنا ابو القاسم عبد الله بن محمد الحنفي ، أنا ابو بكر احمد بن الحسن الحيري،أنا ابو جعفر عبد الله بن اسماعيل بن ابراهيم الهاشمي ،أنا محمد بن علي بن زيد الصائغ ،أنا محمد بن أبي الأزهر أنا الحارث بن عمير،أنا جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { إن فاتحة الكتاب و آية الكرسي والآيتين من آل عمران { شهد الله } - إلى قوله - '' إن الدين عند الله الإسلام } - و- '' قل اللهم مالك الملك } - إلى قوله - { بغير حساب ، { معلقات ، ما بينهن وبين الله عز وجل حجاب /، قلن : يارب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك ؟ قال الله عز وجل : بي حلفت لايقرؤكن أحد من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مثواه على ما كان منه ولأسكنته في حظيرة القدس ولنظرت إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين مرة ولقضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ولأعذته من كل عدو وحاسد ونصرته منهم ، { رواه الحارث عن عمرو وهو ضعيف.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ
    +/- -/+  
الأية
28
 
{ قوله عز وجل: { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، { قال ابن عباس رضي الله عنه : كان الحجاج بن عمرو بن ابي الحقيق وقيس بن زيد (يظنون) بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم ، فقال رفاعة بن المنذر و عبد الله بن جبير وسعد بن خيثمة لإولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود لا يفتنونكم عن دينكم ، فأبى اولئك النفر إلا مباطنتهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مقاتل: نزلت في حاطب بن ابي بلتعة وغيره وكانوا يظهرون المودة لكفار مكة. وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في المنافقين عبد الله بن ابي وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية ونهى المؤمنين عن مثل (فعلهم). قوله تعالى:'' ومن يفعل ذلك } ، أي موالاة الكفار في نقل الأخبار اليهم واظهارهم على عورة المسلمين { فليس من الله في شيء } (أي ليس من دين الله في شئ) ثم استثنى فقال'' إلا أن تتقوا منهم تقاة } ، يعني: إلا ان تخافوا منهم مخافة ، قرمجاهد ويعقوب تقية على وزن بقية لانهم كتبوها بالياء ولم يكتبوها بالألف ، مثل حصاة ونواةو وهي مصدر يقال تقيته / تقاة وتقى تقية وتقوى فإذا قلت اتقيت كان المصدر الاتقاء ، وانما قال تتقوا من الاتقاء ثم قال : تقاة ولم يقل اتقاء لأن معنى اللفظين اذا كان واحداً يجوز اخراج مصدر احدهما على لفظ الآخر كقوله تعالى :'' وتبتل إليه تبتيلا }(8-المزمل). ومعنى الآية :ان الله تعالى نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم الا ان يكون الكفار غالبين ظاهرين ، او يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالايمان دفعاً عن نفسه من غير ان يستحل دماً حراماً او مالاً حراماً ، او يظهر الكفار على عورة المسلمين ، والتقية لا تكون الا مع خوف القتل وسلامة النية ، قال الله تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } (106-النحل) ثم هذا رخصة ، فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم ، وانكر قوم التقية (اليوم) قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التقية في (بدو ) افسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين ، وأما اليوم فقد أعز الله الاسلام فليس ينبغي لأهل الاسلام ان يتقوا من عدوهم ، وقال يحيى البكاء : قلت لسعيد بن جبير في أيام الحجاج :إن الحسن كان يقول لكم التقية باللسان والقلب مطمئن بالإيمان ؟ فقال سعيد: ليس في الاسلام تقية انما التقية في اهل الحرب'' ويحذركم الله نفسه } ، أي يخوفكم الله عقوبته على موالاة الكفار وارتكاب المنهي عنه ومخالفة المامور'' وإلى الله المصير.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
29
 
{ قل إن تخفوا ما في صدوركم } ، أي قلوبكم من مودة الكفار'' أو تبدوه ، { من موالاتهم قولاً وفعلاً ، { يعلمه الله ، { وقال الكلبي :إن تسروا مافي قلوبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من التكذيب او تظهروه ، بحرية وقتاله ، يعلمه الله ويحفظه عليكم ، حتى يجازيكم ، به ثم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال :'' ويعلم ، { رفع على الاستئناف ، { ما في السماوات وما في الأرض } ، يعني اذا كان لايخفي عليه شئ في السموات ولا في الارض فكيف تخفي عليه موالاتكم الكفار وميلكم الكيهم بالقلب؟ ، { والله على كل شيء قدير }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ
    +/- -/+  
الأية
30
 
{ قوله تعالى'' يوم تجد كل نفس ، { نصب يوماً بنزع حرف الصفة أي في يوم ، وقيل: بإضماء فعل أي : اذكروا واتقوا يوم تجد كل نفس ، { ما عملت من خير محضرا ، { لم يبخص منه شئ ، كما قال الله تعالى :'' ووجدوا ما عملوا حاضراً }(49-الكهف) '' وما عملت من سوء ، { جعله بعضهم خبراً في موضع النصب،أي تجد محضراً ماعملت من الخير(والشر فتسر بما عملت من الخير) وجعله بعضهم خبراً مستانفاً ، دليل هذا التاويل : قراءة ابن مسعود رضي الله عنهما وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً. قوله تعالى ، { تود لو أن بينها } ، أي بين النفس ، { وبينه } ، يعني وبين السوء'' أمداً بعيداً ، { قال السدي : مكاناً بعيداً، وقال مقاتل : كما بين المشرق والمغرب ، والأمد الأجل والغاية التي ينتهي إليها ، وقال الحسن : يسر أحدهم أن لا يلقي عمله أبداً ، وقيل يود أنه لم يعمله { ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
31
 
{ قوله تعالى:'' قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، { نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا: نحن أبناء الله وإحباؤه.وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنها : وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش ، وهم في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها (الشنوف) وهم يسجدون لها ، فقال: يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة أبيكم ابرهيم واسماعيل فقالت له قريش انما نعبدها حباً لله ليقربونا الى الله زلفى ، فقال الله تعالى : قل يامحمد أن كنتم تحبون الله وتعبدون الأصنام ليقربوكم إليه فاتبعوني يحببكم الله ،فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم ، أي اتبعوا شريعتي وسنتي يحببكم الله ، فحب المؤمنين لله اتباعهم امره وإايثار طاعته وابتغاء مرضاته ، وحب الله المؤمنين ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم فذلك قوله تعالى :'' ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }. وقيل لما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن أبي لأصحابه أن محمداً يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى بن مريم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
32
 
{ فنزل قوله تعالى:'' قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا ، { اعرضوا عن طاعتهما ، { فإن الله لا يحب الكافرين ، { لايرضى فعلهم ولا يغفر لهم. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا احمد بن عبد الله النعيمي،أنا محمد بن يوسف،أنامحمد بن إسماعي،أنامحمد بن سنان،أنا فليح،أنا هلال بن علي عنعطاء بن يسار عن ابي هريره رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى وقالوا ومن يأبى ؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى }. أخبرنا عبد الواحد المليحي،أنااحمد بن عبد الله النعيمي،أنامحمد بن يوسف،أنا محمد اسماعيل أنا محمد بن عبادة ، أنايزيد،أنا سليم بن حيان (واثنى عليه )، أنا سعيد بن ميناء قال: حدثنا او سمعت جابر بن عبد الله يقول: '' جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم .فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً ، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً ، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ،فقالوا: أولوها له يفقهها ، فقالوا: أما الدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ومن عصى محمداً فقد عصى الله ومحمد صلى الله عليه وسلم فرق بين الناس.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
33
 
{ وقوله تعالى:'' إن الله اصطفى آدم ونوحاً ، { الآية ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : قالت اليهود نحن من أبناء ابراهيم واسحق ويعقوب ، ونحن على دينهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .يعني: ان الله اصطفى هؤلاء بالاسلام وانت على غير دين الاسلام { اصطفى ، { اختار، افتعل من الصفوة وهي الخالص من كل شئ'' آدم ، { ابو البشر'' ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران ، { قيل: أراد بآل ابراهيم وآل عمران ابراهيم عليه السلام وعمران انفسهما ، كقوله تعالى ، { وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون }(248-البقرة) يعني موسىو هارون. وقال آخرون :آل ابراهيم :إسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط ، وكان محمد صلى الله عليه وسلم من آل ابراهيم عليه السلام ، وأما آل عمران فقال مقاتل : هو عمران بن يصهر بن فاهت بن لاوي بن يعقوب عليه السلام (والد) موسى وهارون . وقال الحسن ووهب : هو عمران بن اشهم بن امون من ولدسليمان بن داود عليهما السلام (والد) مريم وعيسى . وقيل : عمران بن ماثان وإنما خص هؤلاء بالذكر لأن النبياء والرسل كلهم من نسلهم ، { على العالمين * ذرية }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
34
 
{ ذرية ، { اشتقاقها من ذرأ بمعنى خلق ، وقيل: من الذر لأنه استخرجهم من صلب آدم/ كالذر ، ويسمى الأولاد والآباء ذرية ، فالأبناء ذرية لأنه ذراهم ، والأباء ذرية لأنه ذرأ الأبناء منهم ، قال الله تعالى وآية لهم انا حملنا ذريتهم(41-يس) أي آباءهم (ذرية ) نصب على معنى واصطفى ذرية { بعضها من بعض } ، أي بعضها من ولد بعض ، (وقيل بعضها من بعض في التناصر) وقيل : بعضها على دين بعض { والله سميع عليم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
    +/- -/+  
الأية
35
 
{ قوله تعالى:'' إذ قالت امرأة عمران ، { وهي حنة بنت قافوذا أم مريم 4عمران هو عمران بن ماثان وليس بعمران أبي موسى عليه السلام ، وبينهما ألف وثمانون سنة ، وكان بنو ماثان رؤوس بني اسرائيل وأحبارهم وملوكهم وقيل: عمران بن أشهم. قوله تعالى: { رب إني نذرت لك ما في بطني محررا } ، أي جعلت الذي في بطني محرراً نذراً مني لك ، { فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ، { والنذر: ما يوجبه الإنسان على نفسه { محرراً } ، أي عتيقاً خالصاً لله مفرغاً لعباده الله ولخدمة الكنيسة ، لا أشغله بشئ من الدنيا، وكل ما اخلص فهو محرر، يقال : حررت العبد إذا أعتقته وخلصته من الرق. قال الكلبي محمد بن إسحاق وغيرهما : كان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة يقوم عليها ويكنسها ويخدمها ولا يبرحها حتى يبلغ الحلم ، ثم يخير أن احب أقام ، وإن احب ذهب حيث شاء ، وإن أراد أن يخرج بعد التخيير لم يكن له ذلك ، ولم يكن أحد من الأنبياء والعلماء إلا ومن نسله محرراً لبيت المقدس، ولم يكن محرراً إلا الغلمان ، ولا تصلح له الجارية لما يصيبها من الحيض والأذى ، فحررت أم مريم ما في بطنها ، وكانت القصة في ذلك ، أن زكريا وعمران تزوجا اختين ، وكانت إشياع بنت قافوذا أم يحيى عند زكريا ، وكانت حنة بنت قافوذا أم مريم عند عمران، وكان قد امسك عن حنة الولد حتى أسنت وكانوا أهل بيت من الله بمكان ، فبينما هي في ظل شجرة بصرف بطائر يطعم فرخاً فتحركت بذلك نفسها للولد فدعت الله أن يهب بها ولداً وقالت : اللهم لك علي إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمته ، فحملت بمريم فحررت ما في بطنها ، ولم تعلم ما هو فقال لها زوجها : ويحك ما صنعت ، رأيت إن كان ما في بطنك أنثى لا تصلح لذلك ؟ فوقعاً جميعاً في هم من ذلك ، فهلك عمران ، وحنة حامل بمريم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
    +/- -/+  
الأية
36
 
{ فلما وضعتها } ، أي ولدتها إذا هي جارية ، والهاء في قوله | وضعتها راجعة إلى النذير إلى ما ولد لذلك أنث { قالت ، { حنة وكانت ترجو أن يكون غلاماً'' رب إني وضعتها أنثى ، { اعتذاراً إلى الله عز وجل'' والله أعلم بما وضعت ، { بجزم التاء إخباراً عن الله عز وجل وهي قراءة العامة وقرأ ابن عامر وأبو بكر ويعقوب وضعت برفع التاء جعلوها من كلام أم مريم { وليس الذكر كالأنثى ، { في خدمة الكنيسة والعباد الذي فيها لعورتها وضعفها وما يعتريها من الحيض والنفاس ، { وإني سميتها مريم ، { ومريم بلغتهم العابدة والخادمة ، وكانت مريم أجمل النساء في وقتها وأفضلهم ، { وإني أعيذها ، { امنعها وأجيرها { بك وذريتها ، { أولادها { من الشيطان الرجيم ، { فالشيطان الطريد اللعين ، والرجيم المرمي بالشهب. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا احمد بن عبد الله النعيمي ،أنامحمد بن يوسف،أنامحمد بن إسماعيل،أنا أبو اليمان،أنا شعيب عنالزهري ، حدثني سعيد بن المسيب ، قال : قال ابو هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، { ما من بنى آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل الصبي صارخاً من الشيطان ، غير مريم وابنها ، { ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه :'' وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا احمد بن عبد الله النعيمي ،أنامحمد بن يوسف،أنامحمد بن إسماعيل،أنا ابو اليمان،أنا شعيب عنابي الزناد عن الاعرجعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { كل بنى آدم يطعن الشيطان في جنبه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ۖ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
    +/- -/+  
الأية
37
 
{ قوله ، { فتقبلها ربها بقبول حسن } ، أي تقبل الله مريم من حنة مكان المحرر، وتقبل بمعنى قبل ورضي ، والقبول مصدر قبل يقبل قبولاً مثل الولوع والوزوع ، ولم يأت غير هذه الثلاثة . وقيل: معنى التقبل التكفل في التربية والقيام بشأنها ، { وأنبتها نباتاً حسناً } ، معناه: وأنبتها فنبتت نباتاً حسناً، وقيل هذا مصدر على غير (اللفظ) وكذلك قوله ، { فتقبلها ربها بقبول حسن } (ومثله شائع كقولك تكلمت كلاماً، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما { فتقبلها ربها بقبول حسن } )أي سلك بها طريق السعداء { وأنبتها نباتاً حسناً } ، يعني سوى خلقها من غير زيادة ولا نقصان فكانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في العام { وكفلها زكريا ، { قال أهل الأخبار :أخذت حنة مريم حين ولدتها فلفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد فوضعتها عند الأحبار ، بناء هارون ، وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة ، فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة ، فتنافس فيها الأحبار لأنها كانت بنت غمامهم وصاحب قرربانهم ، فقال لهم زكريا : أنا أحقكم بها ، عندي خالتها ، فقالت له الأحبار: لانفعل ذلك ، فإنها لو تركت لأحق الناس لتركت لأمها التي ولدتها ، لكنا نقترع عليها فتكون عند من خرج سهمه ، فانطلقوا وكانوا (تسعة وعشرين) رجلاً إلى نهر جار، قال السدي : هو نهر الأردن فألقوا أقلامهم في الماء على ان من ثبت قلمه في الماء فصعد فهو إولى بها. وقيل: كان على كل قلم اسم واحد منهم. وقيل: كانوا يكتبون التوراة فألقوا أقلامهم التي كانت بأيديهم في الماء (فارتز) قلم زكريا فارتفع فوق الماء وانحدرت أقلامهم ورسبت في النهر ، قاله محمد بن إسحاق وجماعة. وقيل: جرى قلم زكريا مصعداً إلى أعلى الماء وجرت أقلامهم بجري الماء. وقال السدى وجماعة: بل ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كأنه في طين ، وجرت أقلامهم مع جرية الماء فذهب بها الماء ، فسهمهم وقرعهم زكريا ، و كان زكريا راس الأحبار ونبيهم فذلك قوله تعالى ، { وكفلها زكريا ، { قرأ حمزة و الكسائي وعاصم بتشديد الفاء فيكون زكريا في محل النصب أي ضمنها الله زكريا وضمها اليه بالقرعة ، وقرأ الآخرون بالتخفيف فيكون زكريا في محل الرفع أي ضمها زكريا الى نفسه وقام بأمرها ، وهو زكريا بن آذن بن مسلم بن صدوق من أولاد سليمان بن داود عليهما السلام. وقرأحمزة و الكسائي و حفص عن عاصم : زكريا مقصوراً ، والآخرون يمدونه. فما ضم زكريا مريم إلى نفسه بنى لها بيتاً واسترضع لها ، وقال محمد بن إسحاق ضمها إلى خالتها أم يحيى حتى ، إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محراباً في المسجد ، وجعل ابه في وسطها لا يرقى أإليها إلا بالسلم مثل باب الكعبة لا يصعد إليها غيره ، وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم ، { كلما دخل عليها زكريا المحراب ، { وأراد بالمحراب الغرفة ، والمحراب أشرف المجالس ومقدمها ، وكذلك هو من المسجد ، ويقال للمسجد أيضاً محراب ، قال المبرد : لا يكون المحراب إلا أن يرتقى إليه بدرجة ، وقال الربيع ابن انس : كان زكريا إذا خرج يغلق عليها سبعة إبواب فإذا دخل عليها غرفتها { وجد عندها رزقاً'' أي فاكهة في غير حينها ، فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف'' قال يا مريم أنى لك هذا ، { قال أبو عبيدة : معناه من اين لك هذا ؟وأنكر بعضهم عليه ، وقال : معناه من أي جهة لك هذا ؟لأن أنى للسؤال عن الجهة وأين لسؤوال عن المكان ، { قالت هو من عند الله } ، أي من قطف الجنة ، قال الحسن : حين ولدت مريم لم تلقم ثداً قط، كان يأتيها رزقها من الجنة ، فيقول لها زكريا :أنى لك هذا ؟ قالت : هو من عند الله تكلمت وهي صغيرة ، { والله يرزق من يشاء بغير حساب }. وقال محمد بن اسحاق: ثم أصابت بني إسرائيل أزمة وهي على ذلك من حالها حتى ضعف زكريا عن حملها فخرج على بني إسرائيل فقال يا بني إسرائيل : تعلمون والله لقد كبرت سني وضعفت عن حمل مريم بنت عمران فأيكم يكفلها بعدي؟ قالوا: والله لقد جهدنا وأصابنا من السنة ما ترى ، فتدافعوها بينهم ثم لم يجدوا من حملها بداً ، فتقارعوا عليها بالأقلام فخرج السهم على رجل نجار من بنى إسرائيل يقال له : يوسف بن يعقوب ، وكان ابن عم مريم فحملها ، فعرفت مريم في وجهه شدة مؤنة ذلك عليه ، فقالت له : يايوسف احسن بالله الظن فغن الله سيرزقنا ، فجعل يوسف يزرق بمكانها منه ، فيأتيها كل يوم من كسبه بما يصلحها فإذا أدخله عليها في الكنيسة أنماه الله ، فيدخل عليها زكريا فيرى عندها فضلاً من الرزق ، ليس بقدر ما يأتيها به يوسف ، فيقول : يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. قال أهل الأخبار فلما رأى ذلك زكريا قال:إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير حينها من غير سبب لقادر على أن يصلح زوجتي ويهب لي ولداً في غير حينه على الكبر فطمع في الولد ، وذلك أن أهل بيته كانوا قد انقرضوا وكان زكريا قد شاخ وآيس من الولد.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ
    +/- -/+  
الأية
38
 
{ قال الله تعالى :'' هنالك } ، أي عند ذلك { دعا زكريا ربه ، { فدخل المحراب (واغلق الباب) وناجى ربه'' قال رب } ، أي يا رب'' هب لي ، { اعطني'' من لدنك } ، أي من عندك { ذرية طيبة } ، أي ولداً مباركاً تقياً صالحاً رضياً، والذرية تكون واحداً وجمعاً ، ذكراً وأنثى وهو ها هنا واحد ، بدليل قوله عز وجل ، { فهب لي من لدنك ولياً }(5-مريم) وانما قال : طيبة لتانيث لفظ الذرية ، { إنك سميع الدعاء'' أي سامعه ، وقيل مجيبه ، كقوله تعالى :'' إني آمنت بربكم فاسمعون } (25-يس )أي فأجيبوني.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ
    +/- -/+  
الأية
39
 
{ فنادته الملائكة ، { قرأ حمزة والكسائي فناداه بالياء ، والآخرون بالتاء ، فمن قرأ بالتاء فلتأنيث لفظ الملائكة وللجمع مع أن الذكور إذا تقدم فعلهم وهم جماعة كان التأنيث فيها احسن كقوله تعالى :'' قالت الأعراب } (14-الحجرات) وعن إبراهيم قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما يذكر الملائكة في القرآن قال :أبو عبيدة: انما نرى عبد الله اختار ذلك خلافاً للمشركين في قولهم الملائكة بنات الله تعالى ، وروى الشعبي إن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا اختلفتم في التاء والياء فاجعلوها ياء وذكروا القرآن. وأراد الملائكة ها هنا: جبريل عليه السلام وحده ، كقوله تعالى في سورة النحل ، { ينزل الملائكة } ، يعني جبريل { بالروح ، { بالوحي، ويجوز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع كقولهم : سمعت هذا الخبر من لأناس ، وإنما سمع من واحد ، نظيره قوله تعالى : { الذين قال لهم الناس }(173- آل عمران) يعني نعيم بن مسعود'' إن الناس } ، يعني أبا سفيان بن حرب وقال الفضل بن سلمة : إذا كان القاتل رئيساً يجوز الأخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه ، وكان جبريل عليه السلام رئيس الملائكة وقل ما يبعث إلا ومعه جمع ، فجرى على ذلك. قوله تعالى:'' وهو قائم يصلي في المحراب } ، أي في المسجد وذلك أن زكريا كان الحبر الكبير الذي يقرب القربان ، فيفتح باب المذبح فلا يدخلون حتى بأذن لهم في الدخول ، فبينما هو قائم يصلي في المحراب ، يعني في المسجد عنه المذبح يصلي، والناس ينتظرون إن يأذن لهم في الدخول فإذا هو برجل شاب عليه ثياب بيض ففزع منه فناداه ، وهو جبريل عليه السلام ، يا زكريا'' إن الله يبشرك'' قرأ ابن عامر وحمة (إن الله) بكسر الألف على إضمار القول تقديره : فنادته الملائكة فقالت ، { إن الله يبشرك ، { وقرأ الآخرون بالفتح بإيقاع النداء عليه ، كأنه قال : فنادته الملائكة بان الله يبشرك قرأ حمزة يبشرك وبابه بالتخفيف كل القرآن إلا قوله : { فبم تبشرون } (54-الحجر) فإنهم اتفقوا على تشديدها ووافقة الكسائي هاهنا في الموضعين وفي سبحان والكهف وعسق ووافق ابن كثير وأبو عمرو في { عسق ، { والباقون بالتشديد ، فمن قرا بالتشديد فهو من بشر يبشر تبشيراً ، وهو أعرب اللغات وأفصحها . دليل التشديد قوله تعالى ، { فبشر عباد } (الزمر -17)'' وبشرناه بإسحاق } (112-الصافات) قالوا { بشرناك بالحق }(55-الحجر) وغيرها من الآيات ومن خفف فهو من بشر يبشر وهي لغة تهامة ، وقرأه ابن مسعود رضي الله عنه { بيحيى ، { هو اسم لايجر لمعرفته وللزائد في اوله مثل يزيد ويعمر، وجمعه يحيون مثل موسون وعيسون ، واختلفوا في أنه لم سمي يحيى ؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما : لأن الله احيا به عقر أمه ، قال قتادة :لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان وقيل: لأن الله تعالى أحياه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهم بمعصية { مصدقاً ، { نصب على الحال { بكلمة من الله } ، يعني عيسى عليه السلام سمي عيسىكلمة الله لن الله تعالى قال له : كن من غير أب فكان ، فوقع عليه اسم الكلمة لأنه بها كان ، وقيل: سمي كلمة لأنه يهتدى به كما يهتدى بكلام الله تعالى اخبر الأنبياء بكلامه في كتبه انه يخلق نبياً بلا أب ، فمساه كلمة لحصوله بذلك الوعد . وكان يحيى عليه السلام اول من آمن بعيسى عليه السلام وصدقه ، وكان يحيى عليه السلام اكبر من عيسى بستة اشهر وكانا ابني الخالة ، ثم قتل يحيى قبل ان يرفع عيسى عليه السلام ، وقال ابو عبيدة { بكلمة من الله } ، أي بكتاب من الله وآياته ، تقو العرب: انشدني كلمة فلان أي قصيدته. قوله تعالى:'' وسيداً ، { هو فعيل من ساد يسود وهو الرئيس الذي يتبع وينتهي الى قوله قال المفضل : أراد سيداً في الدين قال الضحاك : السيد / الحسن الخلق. قال سعيد بن جبير : السيد الذي يطيع ربه عز وجل .وقال سعيد بن المسيب : السيد الفقية العالم ، وقال قتادة سيد في العلم والعبادة والورع ، وقيل : الحليم الذي لا يغضه شئ . قال مجاهد: الكريم على الله تعالى ، وقال الضحاك : السيد التقي، قال سفيان الثوري : الذي لايحسد وقيل: الذي يفوق قومه في جميع خصال الخير ،وقيل: هو القانع بما قسم الله له وقيل: السخي ، { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدكم يابني سلمة ؟ قالوا: جد بن قيس على أنا نبخله قال: وأي داء أدوأ من البخل، لكن سيدكم عمرو بن الجموح }. قوله تعالى :'' وحصوراً ونبياً من الصالحين ، { الحصور أصله من لا حصر وهو الحبس و الحصور في قول ابن مسعود رضي الله عنه وابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة رضي الله عنهم وعطاء والحسن : الذي لا يأتي النساء ولا يقربهن، وهو على هذا القول فعول بمعنى فاعل يعني انه يحصر نفسه عن الشهوات (وقيل: هو الفقير الذي لا مال) له فيكون الحصور بمعنى المحصور يعني الممنوع من النساء قال سعيد بن المسيب:كان له مثل هدبة الثوب وقد تزوج مع ذلك ليكون أغض لبصره .وفيه قول آخر:أن الحصور هو الممتنع من الوطء مع القدرة عليه واختار قوم هذا القول لوجهين (أحدهما): لأن الكلام خرج مخرج الثناء ، وهذا أقرب إلى أستحقا الثناء، و(الثاني) :أنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ
    +/- -/+  
الأية
40
 
{ قوله تعالى:'' قال رب } ، أي يا سيدي،قال لجبريل عليه السلام ، هذا قول الكلبي وجماعة وقيل: قال لله عز وجل ، { أنى يكون ، { من أين يكون'' لي غلام } ، أي ابن ، { وقد بلغني الكبر ، { هذا من المقلوب أي وقد بلغت الكبر وشخت كما يقال بلغني الجهد وقيل: معناه وقد نالني الكبر و أدركني وأضعفني . قال الكلبي : كان زكريا يوم بشر بشر بالولد إبن ثنتين وتسعين سنة ، وقيل :ابن تسع وتسعين سنة . وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان ابن عشرين ومائة نسة ، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة فذلك قوله تعالى :'' وامرأتي عاقر } ، أي عقيم لا تلد يقال : رجل عاقر وامرأة عاقر، وقد عقر بضم القاف يعقر عقراً وعقارة قال : { ويفعل الله ما يشاء ، { فإن قيل لم قال زكريا بعدما وعده الله تعالى (أنى يكون لي غلام) أكان شاكاً في وعد الله وفي قدرته ؟قيل:إن زكريا لما سمع نداء الملائكة جاءه الشيطان فقال: يا زكريا ان الصوت الذي سمعت ليس هو من الله إنما هو من الشيطان ، ولو كان من الله لأوحاه إليك كما يوحي عليك في سائر الأمور ، فقال ذلك دفعاً للوسوسة ، قاله عكرمه والسدي وجواب آخر: وهو انه لم يشك في وعد الله إنما شك في كيفيته ، أي كيف ذلك؟

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
    +/- -/+  
الأية
41
 
{ قوله تعالى:'' قال : رب اجعل لي آية } ، أي علامة أعلم بها وقت حمل امرأتي فأزيد في العبادة شكراً لك ، { قال آيتك أن لا تكلم الناس ، { تكف عن الكلام'' ثلاثة أيام ، { وتقبل بكليتك على عبادتي، لا أنه حبس لسانه عن الكلام ، ولكنه نهي عن الكلام وهو صحيح سوي ، كما قال في سورة مريم الآية (10) { أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ، { يدل عليه قوله تعالى : { وسبح بالعشي والإبكار ، { فأمره بالذكر ونهاه عن كلام الناس. وقال أكثر المفسرين: عقل لسانه عن الكلام مع الناس ثلاثة أيام ، وقال قتادة : أمسك لسانه عن الكلام عقوبة له لسؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه فلم يقدر على الكلام ثلاثة أيام ، وقوله { إلا رمزاً } ، أي إشارة والإشارة قد تكون باللسان وبالعين وباليد ، وكانت إشارته بالإصبع المسبحة وقال الفراء: قد يكون الرمز باللسان من غير أن يبين وهو الصوت الخفي أشبه الهمس ، وقال عطاء:أراد به صوم ثلاثة أيام لأنهم كانوا اذا صاموا لم يتكلموا الا رمزاً ، { واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار ، { قيل: المراد بالتسبيح الصلاة، والعشي ما بين زوال الشمس إلى غروب الشمس ومنه سمى صلاة الظهر والعصر صلاتي العشي ، والإبكار ما بين صلاة الفجر إلى الضحى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
{ قوله تعالى:'' وإذ قالت الملائكة } ، يعني جبريل'' يا مريم إن الله اصطفاك ، { اختارك ، { وطهرك ، { قيل من مسيس الرجال وقيل من الحيض والنفاس ، قال السدي : كانت مريم لا تحيض ، و قيل : من الذنوب { واصطفاك على نساء العالمين'' قيل: على عالمي زمانها وقيل: على جميع نساء العالمين في إنها ولدت بلا أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء، وقيل: بالتحرير في المسجد ولم تحرر أنثى . أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنااحمد بن عبد الله النعيمي، اخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنامحمد بن إسماعيل ،أخبرنااحمد بن رجاء ،أخبرنا النضر عن هشام ، أخبرنا ابي قال : سمعت عبد الله بن جعفر، قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة رضي الله عنهما ، { ورواه وكيع وابو معاوية عن هشام بن عروة وأشار وكيع إلى السماء والأرض. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا احمد بن عبد الله النعيمي ،،أخبرنامحمد بن يوسف ،أخبرنا محمد بن إسماعيل ،أخبرنا آدم ،أنا شعبة عنعمرو بن مرة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام }. أخبرنا ابو سعيد عبد الله بن احمد الطاهري ، أخبرنا جدي عبد الرحمن بن عبد الصمد البزار،أخبرنا محمد بن زكريا العذافري،أخبرنا إسحاق الديري ،أخبرنا عبد الرزاق ،أخبرنامعمر، عنقتادة عن انس رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم قال :'' حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وآسية امرأة فرعون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ
    +/- -/+  
الأية
43
 
{ قوله تعالى :'' يا مريم اقنتي لربك ، { قالت لها الملائكة شفاها أي أطيعي ربك ، وقال مجاهد أطيلي القيام في الصلاة لربك ،(والقنوت الطاعة) وقيل: القنوت طول القيام قال الأوزاعي : لما قالت لها الملائكة ذلك ، قامت الصلات حتى ورمت قدماها وسالت دماً وقيحاً'' واسجدي واركعي ، { قيل: إنما قدم السجود على الركوع لأنه كان كذلك في شريعتهم ، وقيل: بل كان الركوع قبل السجود في الشرائع كلها ، وليس الواو للترتيب بل للجمع ، ويجوز أن يقول الرجل: رأيت زيداً وعمراً ، وان كان قد رأى عمراً قبل زيد ، { مع الراكعين ، { ولم يقل/ مع الراكعات ليكون اعم واشمل فإنه يدخل فيه الرجال والنساء ، وقيل : معناه مع المصلين في الجماعة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ذَٰلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
{ قوله تعالى:'' ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ، { يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم (ذلك) الذي ذكرت من حديث زكرياويحيى ومريم وعيسى( من أنباء الغيب) أي من أخبار الغيب (نوحيه إليك) رد الكناية إلى ذلك فلذلك ذكره { وما كنت ، { يا محمد ، { لديهم إذ يلقون أقلامهم ، { سهامهم في الماء للاقتراع } ، أيهم يكفل مريم ، { يحضنها ويربيها'' وما كنت لديهم إذ يختصمون ، { في كفالتها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
    +/- -/+  
الأية
45
 
{ قوله تعالى: { إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، { إنما قال: إسمه رد الكناية إلى عيسى ، واختلفوا في أنه لم يسمي مسيحاً ، منهم من قال: هو فعيل بمعنى المفعول يعني أنه مسح من الأقذار وطهر من الذنوب ، وقيل : لأنه مسح بالبركة، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن ، وقيل مسحه جبريل بجناحه حتى لم يكن للشيطان عليه سبيل، وقيل: لأنه كان مسيح القدم لا أخمص له ، وسمى الدجال مسيحاً لأنه كان ممسوح إحدى العينين ، وقال بعضهم هو فعيل بمعنى الفاعل ، مثل عليم وعالم . قال ابن عباس رضي الله عنهما سمي مسيحاً لأنه ما مسح ذا عاهة إلا برأ، وقيل : سمي بذلك لأنه كان يسيح في الأرض ولا يقيم في مكان ، وعلى هذا القول تكون الميم فيه زائدة. وقال ابراهيم النخعي: المسيح الصديق ويكون المسيح بمعنى الذاب وبه سمي الدجال والحرف من الأضداد { وجيهاً } ، أي شريفاً رفيعاً ذا جاه وقدر ، { في الدنيا والآخرة ومن المقربين ، { عند الله

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
{ ويكلم الناس في المهد ، { صغيراً قبل أوان الكلام كما ذكره في سورة مريم قال : { إني عبد الله آتاني الكتاب } (الآية-30) وحكى عن مجاهد قال: قالت مريم: كنت إذا خلوت أنا وعيسى حدثني وحدثته ، فإذا شغلني عنه إنسان سبح في بطني وأنا أسمع قوله ، { وكهلاً ، { قال مقاتل: يعني إذا اجتمع قبل أن يرفع الى السماء وقال الحسين بن الفضل (وكهلاً) بعد نزوله من السماء وقيل: اخبرنا أنه يبقى حتى يكتهل ، وكلامه بعد الكهولة أخباره عن الأشياء المعجزة ، وقيل : '' وكهلاً ، { نبياً بشرها بنبوة عيسى عليه السلام وكلامه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة . وقال مجاهد:'' وكهلاً } ، أي حليماً . والعرب تمدح الكهولة وكلامه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة . وقال مجاهد: '' وكهلاً } ، أي حليماً . والعرب تمدح الكهولة لأنها الحالة الوسطى في إحتناك السن واستحكام العقل وجحودة الرأي والتجربة { ومن الصالحين } ، أي : هو من العباد الصالحين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
    +/- -/+  
الأية
47
 
{ قالت :رب ، { ياسيدي تقوله لجبريل . وقيل :تقول لله عز وجل'' أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ، { ولم يصبني رجل، وقالت ذلك تعجباً إذ لم تكن جرت العادة بان يولد ولد لا أب له ، { قال كذلك الله يخلق ما يشاء، إذا قضى أمراً } ، أي كون الشئ'' فإنما يقول له كن فيكون ، { كما يريد.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
    +/- -/+  
الأية
48
 
{ قوله تعالى :'' ويعلمه الكتاب ، { قرأ أهل المدينة وعاصم ويعقوب بالياء لقوله تعالى { كذلك الله يخلق ما يشاء } ، و قيل: ردة على قوله { إن الله يبشرك }'' ويعلمه ، { وقرأ الآخرون بالنون على التعظيم كقوله تعالى { ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ، { قوله: '' الكتاب } ، أي الكتابة والخط'' والحكمة ، { العلم والفقه ، { والتوراة والإنجيل ، { علمه الله التوراة والإنجيل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
49
 
{ ورسولا } ، أي ونجعله رسولاً ، { إلى بني إسرائيل ، { قيل: كان رسولاً في حال الصبا، وقيل:إنما كان رسولاً بعد البلوغ ، وكان أول أنبياء بني اسرائيل يوسف وآخرهم عيسى عليهما السلام فلما بعث قال :'' أني ، { قال الكسائي : إنما فتح لأنه أوقع الرسالة عليه ، وقيل : معناه بأني { قد جئتكم بآية ، { علامة'' من ربكم ، { تصدق قولي وإنما قال: بآية وقد أتى بآيات لأن الكل دل على شئ واحد وهو صدقة في الرسالة ، فلما قال ذلك عيسى عليه السلام لبني إسرائيل ، قالوا :وما هي ، قال:'' أني ، { قرأ نافع بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ الباقون بالفتح على معنى بأني { أخلق } ، أي أصور وأقدر { لكم من الطين كهيئة الطير ، { قرأ أبو جعفر كهيئة الطائر ها هنا وفي المائدة ، والهيئة الصورة المهيأة من قولهم : هيأت الشئ الذ ا قدرته وأصلحته ، { فأنفخ فيه } ، أي في الطير ، { فيكون طيراً بإذن الله ، { قراءة الأكثرين بالجمع لأنه خلق طيراً كثيراً، وقرأ أهل المدينة ويعقوب فيكون طائراً على الواحد ها هنا . وفي سورة المائدة ذهبوا إلى نوع واحد من الطير لأنه لم يخلق غير الخفاش، وإنما خص الخفاش لأنه أكمل الطير خلقاً لأن لها ثدياً وأسناناً وهي تحيض. قال وهب: كان يطير مادام الناس ينظرون اليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتاً ، ليتميز فعل الخلق من فعل الخالق، وليعلم أن الكمال لله عز وجل ، { وأبرئ الأكمه والأبرص } ، أي أشفيهما واصححهما ، واختلفوا في الكمة ، قال ابن عباس و قتادة هو الذي ولد أعمى ، وقال الحسن و السدي : هو الأعمى . وقال عكرمة : هو الأعمش . وقال مجاهد هو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل ، { والأبرص ، { الذي به وضح ، وانما خص هذين لأنهما داءان عياءان ، وكان الغالب في زمن عيسى عليه السلام الطب ، فأراهم المعجزة من جنس ذلك . قال وهب: ربما اجتمع عند عيسى عليه السلام من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفاً من أطاق منهم أن يبلغه بلغه ومن لم يطق مشى إليه عيسى عليه السلام وكان يداويهم بالدعاء على شرط الإيمان. قوله تعالى :'' وأحيي الموتى بإذن الله ، { قال ابن عباس رضي الله عنهما : قد أحيا أربعة انفس، عاز وابن العجوز ، وابنة العاشر ، وسام بن نوح ، فأما عازر فكان صديقاً له فأرسلت أخته إلى عيسى عليه السلام :أن أخاك عازر يموت وكان بينه وبينه مسيرة ثلاثة أيام فأتاه هو وأصحابه فوجدوه قد مات منذ ثلاثة ايام ، فقال لأخته : انطلقي بنا الى قبره ، فإنطلقت معهم الى قبره ، فدعا الله تعالى فقام عازر وودكه يقطر فخرج من قبره وبقي وولد له . وأما ابن العجوز مر به ميتاً على عيسى عليه السلام على سرير يحمل فدعا الله عيسى فجلس على سريره ، ونزل على أعناق الرجال، ولبس ثيابه ، وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله فبقي وولد له . وأما ابنة العاشر كان (أبوها) رجلاً يأخذ العشور ماتت له بنت بالأمس ، فدعا الله عز وجل (باسمه العظم) فاحياها (الله تعالى) وبقيت(بعد ذلك زمناً) وولد لها . وأما سام بن نوح عليه السلام ، فإن عيسى عليه السلام جاء الى قبره فدعا بإسم الله الأعظم فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه خوفاً من قيام الساعة ، ولم يكونوا يشيبون في ذلك الزمان فقال: قد قامت القيامة؟ قال: لا ولكن دعوتك بإسم الله الأعظم ، ثم قال له : مت قال: بشرط ان يعيذني الله من سكرات الموت فدعا الله ففعل. قوله تعالى { وأنبئكم ، { وأخبركم ، { بما تأكلون ، { مما لم أعاينه'' وما تدخرون ، { ترفعونه ، { في بيوتكم ، { حتى تأكلوه وقيل : كان يخبر/ الرجل بما أكل البارحة وبما يأكل اليوم وبما ادخره للعشاء. وقال السدي : كان عيسى عليه السلام في الكتاب يحدث الغلمان بما يصنع آباؤهم ويقول للغلام : انطلق فقد أكل اهلك كذا وكذا ورفعوا لك كذا وكذا ، فينطلق الصبي الى أهله ويبكي عليهم حتى يعطوه ذلك الشئ فيقولون من اخبرك بهذا ؟ فيقول : عيسى فحبسوا صبيانهم عنه وقالوا: لاتلعبوا مع هذا الساحر فجمعوهم في بيت فجاء عيسى عليه السلام يطلبهم فقالوا : ليسوا هاهنا ، فقال : فما في هذا البيت؟ قالوا: خنازير ، قال عيسى ، كذلك يكونون ، ففتحوا علي