Prev  

4. Surah An-Nisâ' سورة النساء

  Next  



تفسير البغوي - النساء - An-Nisa -
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
    +/- -/+  
الأية
1
 
{ قوله تعالى: { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، { ،يعني: آدم عليه السلام، { وخلق منها زوجها ، { ،يعني: حواء،'' وبث منهما } ، نشر وأظهر، { رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به'' ،أي: تتساءلون به ، وقرأ أهل الكوفة بتخفيف السين على حذف إحدى التاءين، كقوله تعالى : { ولا تعاونوا'' ،'' والأرحام ، { ، قراءة العامة بالنصب،أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، وقرأ حمزة بالخفض،أي: به وبالأرحام كما يقال: سألتك بالله والأرحام ، والقراءة الأولى أفصح لأن العرب لاتكاد تنسق بظاهر على مكنى إلا أن تعيد الخافض فتقول: مررت به وبزيد، إلا أنه جائز مع قلته،'' إن الله كان عليكم رقيباً'' ،أي: حافظاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
2
 
{ قوله تعالى:'' وآتوا اليتامى أموالهم } ، قال مقاتلوالكلبي : '' نزلت في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير، فدفع إليه ماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم :من يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره، يعني: جنته، فلما قبض الفتى ماله أنفق في سبيل الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثبت الأجر وبقي الوزر فقالوا: كيف بقي الوزر ؟ فقال: ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده }. وقوله { وآتوا ، { خطاب للأولياء والأوصياء، واليتامى: جمع يتيم، واليتيم : اسم لصغير لا أب له ولا جد وإنما يدفع المال إليهم بعد البلوغ ، وسماهم يتامى ها هنا على معنى انهم كانوا يتامى. '' ولا تتبدلوا } ، أي: لا تستبدلوا ، { الخبيث بالطيب ، { ،أي: مالهم الذي هو حرام عليكم بالحلال من أموالكم ، واختلفوا في هذا التبدل ، قال سعيد بن المسيب والنخعي والسدي : كان أولياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ويجعلون مكانه الردئ فربما كان أحدهم يأخذ الشاه السمينة من مال اليتيم ويجعل مكانها المهزولة ، ويأخذ الدرهم الجيد ويجعل مكانه الزيف ، ويقول: درهم بدرهم ، فنهوا عن ذلك. وقيل: كان أهل الجاهلية لا يورثون السناء والصبيان ويأخذ الأكبر الميراث، فنصيبه من الميراث طيب، وهذا الذي يأخذه خبيث، وقالمجاهد: لا تتعجل الرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال. '' ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } ، أي: مع أموالكم ، كقوله تعالى { من أنصاري إلى الله'' أي: مع الله ، { إنه كان حوباً كبيراً'' أي: إثماً عظيماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا
    +/- -/+  
الأية
3
 
{ وقوله تعالى: { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع { والآية : اختلفوا في تأويلهم ، فقال بعضهم : معناه إن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن إذا نكحتموهن فانكحوا غيرهن من الغرائب مثنى وثلاث ورباع. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عنالزهريقال: كان عروة بن الزبير يحدث أنه سأل عائشة رضي الله عنها ، { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء { قالت: هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها ، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء، قالت عائشة رضي الله عنها: ثم استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى:'' ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ، { إلى قوله تعالى ، { وترغبون أن تنكحوهن } ، فبين الله تعالى في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال أو مال، رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء،قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها. قالالحسن: كان الرجل من أهل المدينة يكون عنده الأيتام وفيهن من يحل له نكاحها فيتزوجها لأجل مالها وهي لا تعجبه كراهية ان يدخله غريب فيشاركه في مالها ، ثم يسيء صحبتها ويتربص بها أن نموت ويرثها، فعاب الله تعالى ذلك ، وأنزل الله هذه الآية. وقال عكرمة: كان الرجل من قريش يتزوج العشر من النساء والأكثر فإذا صار معدماً من مؤن نسائه مال إلى يتيمه الذي في حجره فأنفقه ، فقيل لهم: لا تزيدوا على أربع حتى لا يحوجكم إلى أخذ أموال اليتامى، وهذه رواية طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال بعضهم: كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء، فيتزوجون ما شاؤوا وربما عدلوا وربما لم يعدلوا، فلما أنزل الله تعالى في أموال اليتامى { وآتوا اليتامى أموالهم ، { أنزل هذه الآية ، { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ، { يقول كما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن ، لأن النساء في الضعف كاليتامى، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي، ثم رخص في نكاح أربع فقال: { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا { فيهن'' فواحدة ، { ، وقالمجاهد: معناه إن تحرجتم من ولاية اليتامى وأموالهم إيماناً فكذلك تحرجوا من الزنا فانكحوا النساء الحلال نكاحاً طيباً ثم بين لهم عدداً، وكانوا يتزوجون ماشاؤوا من غير عدد، قوله تعالى'' فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ، أي: من طاب كقوله تعالى:'' والسماء وما بناها } (الشمس -5) أي ومن بناها ، { قال فرعون وما رب العالمين } (الشعراء-23) والعرب تضعمن وما كل واحدة موضع الأخرى ، كقوله تعالى { فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين } (النور-45) ، وطاب أي: حل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، معدولات عن اثنين وثلاث، وأربع ، ولذلك لا ينصرفن ، والواو بمعنى أو ، للتخيير، كقوله تعالى'' أن تقوموا لله مثنى وفرادى } (سبأ-46) : { أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع } (غافر-1) وهذا إجماع أن أحداً من الأمة لا يجوز له أن يزيد على أربع نسوة، وكانت الزيادة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، لا مشاركة معه لأحد من الأمة فيها ، وروي { أن قيس بن الحارث كان تحته ثمان نسوة فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :طلق أربعاً وأمسك أربعاً قال فجعلت أقول للمرأة التي لم تلد يا فلانة أدبري والتي قد ولدت يا فلانة أقبلي ، { وروي { أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشرة نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعاً وفارق سائرهن }. وإذا جمع الحر بين أربع نسوة حرائر يجوز، فأما العبد فلا يجوز له أن ينكح أكثر من امرأتين عند أكثر أهل العلم أخبرنا عبد الوهاب بن أحمد الخطيب أناعبد العزيز أحمد الخلال أناأبو العباس الأصم أناالربيع أنا الشافعي أناسفيان عنمحمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عنسليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ينكح العبد امرأتين ويطلق طلقتين وتعتد الأمة بحيضتين، فإن لم تكن تحيض فبشهرين أو شهر ونصف) وقال ربيعة: يجوز للعبد أن ينكح أربع نسوة كالحر. '' فإن خفتم } ، خشيتم، وقيل: علمتم ، { أن لا تعدلوا } ، بين الأزواج الأربع، { فواحدة } ، أي: فانكحوا واحدةً. وقرأ أبو جعفر ، { فواحدة ، { بالرفع، { أو ما ملكت أيمانكم } ، يعني السراري لا يلزم فيهن من الحقوق ما يلزم في الحرائر،ولا قسم لهن، ولا وقف في عددهن، وذكر الأيمان بيان، تقديره: أو ما ملكتم، وقال بعض أهل المعاني: أو ما ملكت أيمانكم أي: ما ينفذ فيه أقاسمكم ، جعله من يمين الحلف ، لا يمين الجارحة { ذلك أدنى'' ،أقرب ، { أن لا تعولوا } ، أي: لا تجوروا ولا تميلوا، يقال: ميزان عائل،أي: جائر مائل، هذا قول أكثر المفسرين ، وقال مجاهد :أن لا تضلوا ، وقال الفراء : أن لا تجاوزوا ما فرض الله عليكم ، وأصل العول: المجاوزة ، ومنه عول الفرائض، وقال الشافعي رحمه الله ، أن لا تكثر عيالكم ، وما قاله أحد إنما يقال من كثرة العيال: أعال يعيل إعالة ، إذا كثر عياله ، وقال أبو حاتم : كان الشافعي رضي الله عنه أعلم بلسان العرب منا ولعله لغة ، ويقال: هي لغة حمير، وقرأ طلحة بن مصرف ، { أن لا تعولوا ، { وهي حجة لقول الشافعي رضوان الله عليه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا
    +/- -/+  
الأية
4
 
{ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } ، قالالكلبيومجاهد: هذا الخطاب للأولياء ، وذلك أن ولي المرأة كان إذا زوجها فإن كانت معهم في العشيرة لم يعطها من مهرها قليلاً ولا كثيراً، وإن كان زوجها غريباً حملوها إليه على بعير ولم يعطوها من مهرها غير ذلك ، فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم أن يدفعوا الحق إلى أهله. قالالحضرمي: كان أولياء النساء يعطي هذا أخته على أن يعطيه الآخر أخته، ولا مهر بينهما ، فنهوا عن ذلك وأمروا بتسمية المهر في العقد . أخبرناأبو الحسن السرخسيأنازاهر بن أحمد أناأبو اسحق الهاشميأناأبو مصعب عنمالك بن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار. { والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوج الرجل الآخر ابنته ، وليس بينهما صداق. وقال الآخرون: الخطاب للأزواج أمروا بإيتاء نسائهم الصداق، وهذا أصح لأن الخطاب فيما قبل مع الناكحين ، والصدقات : المهور، واحدها صدقة { نحلة ، { قالقتادة: فريضة ، وقال ابن جريج : فريضة مسماة ،قال أبو عبيدة: ولا تكون النحلة إلا مسماةً معلومة ، وقالالكلبي : عطية وهبة ، وقال أبو عبيدة: عن طيب نفس وقال الزجاج : تدنياً. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد أنا أحمد بن عبد الله النعيميانا محمد بن يوسف أنامحمد بن إسماعيلأناعبد الله بن يوسفأخبرناالليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عنأبي الخير عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج }. '' فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً } ، يعني: فإن طابت نفوسهن بشيء من ذلك فوهبن منكم، فنقل الفعل من النفوس إلى أصحابها فخرجت النفس مفسراً، فذلك وحد النفس، كما قال الله تعالى:'' وضاق بهم ذرعاً } (هود-77) (العنكبوت -33)'' وقري عيناً } (مريم026) وقيل: لفظها واحد ومعناها جمع،'' فكلوه هنيئاً مريئاً ، { ، سائغاً طيباً ، يقال هنأ في الطعام يهنئ بفتح النون في الماضي وكسرها في الباقي ، وقيل: الهنيء : الطيب المساغ الذي لا ينقصه شيء، والمريء: المحمود العاقبة التام الهضم الذي لا يضر ، قرأ أبو جعفر ، { هنيئا مريئا ، { بتشديد الياء فيهما من غير همز، وكذلك بري، وبريون،وبرياًوكهية والآخرون يهمزونها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا
    +/- -/+  
الأية
5
 
{ قوله تعالى:'' ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً } ، اختلفوا في هؤلاء السفهاء فقال قوم: هم النساء، وقالالضحاك : النساء من أسفه السفهاء، وقالمجاهد: نهى الرجال أن يؤتوا النساء أموالهم وهن سفهاء، من كن ، أزواجاً أو بنات أو أمهات، وقال الآخرون : هم الأولاد ، قال الزهري : يقول لا تعط ولدك السفيه مالك الذي هو قيامك بعد الله تعالى فيفسده ، وقال بعضهم : هم النساء والصبيان ، وقال الحسن: هي امرأتك السفيهة وابنك السفيه، وقال ابن عباس: لا تعمد إلى مالك الذي خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك فيكونوا هم الذين يقومون عليك، ثم تنظر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في رزقهم ومؤنتهم ، قال الكلبي:إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد فلا ينبغي أن يسلط واحداً منهما على ماله فيفسده. وقال سعيد بن جبير وعكرمة: هو مال اليتيم كيون عندك ، يقول لا تؤته إياه وأنفق عليه حتى يبلغ، وإنما أضاف إلى الأولياء فقال: { أموالكم ، { لأنهم قوامها ومدبروها. والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله هو المستحق للحجر عليه، وهو أن يكون مبذراً في ماله أو مفسداً في دينه ، فقال جل ذكره: { ولا تؤتوا السفهاء'' أي: الجهال بموضع الحق أموالكم التي جعل الله لكم قياماً. قرأنافعوابن عامر { قيماً ، { بلا ألف ، وقرأ الآخرون'' قياماً ، { وأصله : قواماً، فانقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها ، وهو ملاك الأمر وما يقوم به الأمر. وأراد ههنا قوام عيشكم الذي تعيشون به. قال الضحاك. به يقام الحج والجهاد وأعمال البر وبه فكاك الرقاب من النار. '' وارزقوهم فيها }/أي: أطعموهم،'' واكسوهم } ، لمن يجب عليكم رقه ومؤنته، وإنما قال { فيها ، { ولم يقل: منها ،لأنه أراد: اجعلوا لهم فيها رزقاً فإن الرزرق من الله : العطية من غير حد ، ومن العباد إجراء مؤقت محدود.'' وقولوا لهم قولاً معروفاً ، { عدة جميلة، وقال عطاء: إذا ربحت أعطيتك وإن غنمت جعلت لك حظاً، وقيل: هو الدعاء، وقال ابن زيد:إن لم يكن ممن تجب عليكم نفقته ، قل له: عافاك الله وإيانا ، بارك الله فيك، وقيل: قولاً ليناً تطيب به أنفسهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ۚ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللهِ حَسِيبًا
    +/- -/+  
الأية
6
 
{ قوله تعالى: '' وابتلوا اليتامى ، { ، الآية نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه، وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتاً وهو صغير، فجاء عمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية'' وابتلوا اليتامى ، { اختبروهم في عقولهم وأديانهم وحفظهم أموالهم ، { حتى إذا بلغوا النكاح } ، أي: مبلغ الرجال والنساء ،'' فإن آنستم ، { ،أبصرتم، { منهم رشداً ، { ، فقال المفسرون يعني: عقلاً وصلاحاً في الدين وحفظاً للمال وعلماً بما يصلحه . وقال سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي : لا يدفع إليه ماله وإن كان شيخاً حتى يؤنس منه رشده. والابتلاء يختلف باختلاف أحوالهم فإن كان ممن يتصرف في السوق فيدفع الولي إليه شيئاً يسيراً من المال وينظر في تصرفه وإن كان ممن لا يتصرف في السوق فيختبره في نفقة داره، والإنفاق على عبيده وأجرته وتختبر المرأة في أمر بيتها وحفظ متاعها وغزلها واستغزالها ، فإذا رأى حسن تدبيره ، وتصرفه في الأمور مراراً يغلب على القلب رشده ، دفع المال إليه. واعلم أن الله تعالى علق زوال الحجر عن الصغير وجواز دفع المال إليه بشيئين: بالبلوغ والرشد، فالبلوغ يكون بأحد (أشياء أربعة) ، اثنان يشترك فيهما الرجال والسناء، واثنان تختصان بالنساء: فما يشترك فيه الرجال والنساء أحدهما السن ، والثاني الاحتلام أما السن فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة حكم ببلوغه غلاماً كان أو جارية ، لما أخبرها عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز ابن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي اخبرنا سفيان عن عيينة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فردني، ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، قال نافع: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز ، فقال: هذا فرق بين المقاتلة والذرية ، وكتب أن يفرض لابن خمس عشرة في المقاتلة ، ومن لم يبلغها في الذرية . وهذا قول أكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: بلوغ الجارية باستكمال سبع عشرة ، وبلوغ الغلام باستكمال ثماني عشرة سنة. وأما الاحتلام نفعني به نزول المني سواء كان بالاحتلام أو بالجماع، أو غيرهما، فإذا وجدت ذلك بعد استكمال تسع سنين من أيهما كان حكم ببلوغه ، لقوله تعالى:'' وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا'' وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ في الجزية حين بعثه إلى اليمن:'' خذ من كل حالم ديناراً }. وأما الإنبات : وهو نبات الشعر الخشن حول الفرج: فهو بلوغ في أولاد المشركين ، لما روي عن عطية القرظي قال: كنت من سبي قريظة ، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت ممن لم ينبت. وهل يكون ذلك بلوغاً في أولاد المسلمين؟ فيه قولان، أحدهما: يكون بلوغاً كما أولاد الكفار، والثاني: لا يكون بلوغاً أنه يمكن الوقوف على مواليد المسلمين بالرجوع إلى آبائهم ، وفي الكفار لا يوقف على مواليدهم ، ولا يقبل قول آبائهم فيه لكفرهم ، فجعل الإنبات الذي هو إمارة البلوغ بلوغاً في حقهم . وأما ما يختص بالنساء: فالحيض والحبل، فإذا حاضت المرأة بعد استكمال تسع سنين يحكم ببلوغها، وكذلك إذا ولدت يحكم ببلوغها قبل الوضع بستة أشهر لأنها أقل مدة الحمل. وأما الرشد: فهو أن يكون مصلحاً في دينه وماله ، فالصلاح في الدين هو أن يكون مجتنباً عن الفواحش والمعاصي التي تسقط العدالة ، والصلاح في المال هو أن لا يكون مبذراً ، والتبذير : هو أن ينفق ماله فيما لا يكون فيه محمدة دنيوية ولا مثوبة أخروية ، أو لا يحسن التصرف فيها ، فيغبن في البيوع فإذا بلغ الصبي وهو مفسد في دينه وغير مصلح لماله ، دام الحجر عليه، ولا يدفع إليه ماله ولا ينفذ تصرفه. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا كان مصلحاً لماله زال الحجر عنه وإن كان مفسداً في دينه ، وإذا كان مفسداً لماله قال: لا يدفع إليه حتى يبلغ خمساً وعشرين سنة ، غير أن تصرفه يكون نافذاً قبله . والقرآن حجة لمن استدام الحجر عليه ، لأن الله تعالى قال:'' حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم } ، أمر بدفع المال إليهم بعد البلوغ وإيناس الرشد، والفاسق لا يكون رشيداً وبعد بلوغه خمساً وعشرين سنة ، وهو مفسد لماله بالاتفاق غير رشيد ، فوجب أن لا يجوز دفع المال إليه كما قبل بلوغ هذا السن. وإذا بلغ وأونس منه الرشد، زال الحجر عنه ، ودفع إليه المال رجلاً كان أو امرأة تزوج أو لم يتزوج. وعند مالك رحمه الله تعالى: إن كانت امرأة لا يدفع المال إليها ما لم تتزوج ، فإذا تزوجت دفع إليها، ولكن لا ينفذ تصرفها إلا بإذن الزوج، ما لم تكبر وتجرب. فإذا بلغ الصبي رشيداً وزال الحجر عنه ثم عاد سفيهاً،نظر: فإن عاد مبذراً لماله حجر عليه ، وإن عاد مفسداً في دينه فعلى وجهين: أحدهما: يعاد الحجر عليه إذا بلغ بهذه الصفة، والثاني: لا يعاد لأن حكم الدوام أوقى من حكم الابتداء. وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: لا حجر على الحر العاقل البالغ بحال، والدليل على إثبات الحجر من اتفاق الصحابة رضي الله عنهم ما روي عن هشام بن عروة عن أبية عبد الله بن جعفر ابتاع أرضاً سبخة بستين ألف درهم ، فقال علي: لآتين عثمان فلأحجرن عليك فأتى ابن جعفر الزبير فأعلمه بذلك (فقال الزبير: أنا شريكك في بيعتك ، فأتى علي عثمان وقال: احجر على هذا) ، فقال الزبير :أنا شريكه، فقال عثمان: كيف أحجر على رجل في بيع شريكه في الزبير، فكان ذلك اتفاقاً منهم على جواز الحجر حتى احتال الزبير في دفعه. قوله تعالى :'' ولا تأكلوها ، { يا معشر الأولياء { إسرافاً ، { بغير حق،'' وبداراً } ، أي مبادرة { أن يكبروا'' و ، { أن ، { في محل النصب، يعني : لا تبادروا كبرهم ورشدهم حذراً من أن يبلغوا فيلزمكم تسليمها إليهم ، ثم بين ما يحل لهم من مالهم فقال: { ومن كان غنياً فليستعفف } ، أي ليمتنع من مال اليتيم لا يرزأه قليلاً و كثيراً، والعفة : الامتناع مما لا يحل'' ومن كان فقيراً ، { محتاجاً إلى مال اليتيم وهو يحفظه ويتعهده فليأكل/ بالمعروف. أخبرنامحمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو سهل محمد بن عمر السجزيأخبرنا الإمامأبو سليمان الخطابيأخبرنا أبو بكر بن داسة التمار أخبرناأبو داؤد السجستانيأخبرنا حميد بن مسعدة أن خالد بن الحرث حدثهم أخبرنا حسين يعني المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه { أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير وليس لي شيء ولي يتيم؟ فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل }. واختلفوا في أنه هل يلزمه القضاء؟ فذهب بعضهم إلى انه يقضي إذا أيسر، وهو المراد من قوله { فليأكل بالمعروف ، { فالمعروف القرض،أي : يستقرض من مال اليتيم إذا احتاج إليه ، فإذا أيسر قضاه، وهو قول مجاهدوسعيد بن جبير ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إني أنزلت نفسي من مال الله تعالى بمنزلة ما اليتيم : إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت. وقالالشعبي: لا يأكله إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة. وقال قوم: لا قضاء عليه. ثم اختلفوا في كيفية هذا الأكل بالمعروف ، فقال عطاء وعكرمة: يأكل بأطراف أصابعه ، ولا يسرف ولا يكتسي منه، ولا يلبس الكتان ولا الحلل ، ولكن ما سد الجوعة ووارى العورة. وقالالحسنوجماعة: يأكل من ثمر نخيله ولبن مواشيه بالمعروف ولا قضاء عليه، فإما الذهب والفضة فلا فإن أخذ شيئاً منه رده. وقالالكلبي: المعروف ركوب الدابة وخدمة الخادم ، ولي له أن يأكل من ماله شيئاً. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحق الهاشمي، أنا أبو مصعب عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت القاسم بن محمد يقول: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال:إن لي يتيماً وإن له إبلاً أفأشرب من لبن إبله؟ فقال: إن كنت تبغي ضالة إبله وتهناً جرباها وتليط حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب. وقال بعضهم : المعروف أن يأخذ من جميع ماله بقدر قيامه وأجره عمله ، ولا قضاء عليه، وهو قول عائشة وجماعة من أهل العلم. قوله تعالى:'' فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } ، هذا أمر إرشاد ، ليس بواجب، أمر الولي بالإشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعدما بلغ لتزول عنه التهمة وتنقطع الخصومة ، { وكفى بالله حسيباً ، { محاسباً ومجازياً وشاهداً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
    +/- -/+  
الأية
7
 
{ قوله تعالى:'' للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون'' الآية: نزلت في أوس بن ثابت الأنصاري/ توفي وترك امرأة يقال لها أم كجة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه وسويد وعرفجة ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغار، وإن كان الصغير ذكراً وإنما كانوا يورثون الرجال، ويقولون: لا نعطي إلا من قاتل وحاز الغنيمة ، فجاءت أم كجة فقالت: يارسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك علي بنات وأنا امرأته ، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالاً حسناً ، وهو عند سويد وعرفجة ، ولم يعطياني ولا بناتي شيئاً وهن في حجري، لا يطعمن ولا يسقين فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاً ولا ينكأ عدواً ، فأنزل الله عز وجل ،'' للرجال'' يعني: للذكور من أولاد الميت وأقربائه'' نصيب ، { حظ { مما ترك الوالدان والأقربون'' من الميراث،'' وللنساء ، { ، للإناث منهم، { نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه } ، أي: من المال،'' أو كثر ، { منه'' نصيباً مفروضاً } ، نصب على القطع، وقيل: جعل ذلك نصيباً فأثبت لهن الميراث ، ولم يبين كم هو ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة لا تفرقا من مال أوس بن ثابت شيئاً ،فإن الله تعالى جعل لبناته نصيباً مما ترك ، ولم يبين كم هو حتى انظر ما ينزل فيهن، فانزل الله تعالى'' يوصيكم الله في أولادكم ، { فلما نزلت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة ، { أن ادفع إلى أم كجة الثمن مما ترك وإلى بناته الثلثين ، ولكما باقي المال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا
    +/- -/+  
الأية
8
 
{ قوله تعالى:'' وإذا حضر القسمة } ، يعني: قسمة المواريث ، { أولو القربى ، { ، الذين لا يرثون، { واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } ، أي : فارضخوا لهم من المال قبل القسمة،'' وقولوا لهم قولاً معروفاً }. اختلف العلماء في حكم هذه الآية : فقال قوم : هي منسوخة ، وقال سعيد بن المسيب والضحاك كانت هذه قبل آية الميراث، فلما نزلت آية الميراث جعلت المواريث لأهلها ، ونسخت هذه الآية. وقال الآخرون: هي محكمة ، وهو قول ابن عباس و الشعبي والنخعي والزهري ، وقالمجاهد: هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم. وقالالحسن: كانوا كانوا يعطون التابوت والأواني ورث الثياب والمتاع والشئ الذي يستحيا من قسمته وإن كان بعض الورثة طفلاً فقد اختلفوا فيه ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: إن كانت الورثة كباراً رضخوا لهم ، وإن كانت صغرااً اعتذروا إليهم ، فيقول الولي والوصي: إني لا أملك هذا المال إنما هو للصغر ، ولو كان لي منه شيء لأعطيتكم ، وإن يكبروا فسيعرفون حقوقك، هذا هو القول بالمعروف. وقال بعضهم :ذلك حق واجب في أموال الصغار والكبار، فإن كانوا كباراً تولوا إعطاءهم ، وإن كانوا صغرااً أعطى وليهم. روى محمد بن سيرين أن عبيدة السلماني قسم أموال أيتام فأمر بشاة فذبحت فصنع طعاماً لأهل هذه الآية ، وقال: لولا هذه الآية لكان هذا من مالي. وقال قتادة عن يحيى بن يعمر: ثلاث آيات محكمات مدنيات تركهن الناس، هذه الآية وآية الاستئذان'' يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } (النور-58) الآية ، وقوله تعالى'' يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } (الحجرات -13) . وقال بعضهم - وهو أولى الأقاويل-: إن هذا على الندب والاستحباب ، لا على الحتم والإيجاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
    +/- -/+  
الأية
9
 
{ قوله تعالى: '' وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً } ، أولاداً صغاراً، خافوا عليهم، الفقر، هذا في الرجل يحضره الموت، فيقول من بحضرته: انظر لنفسك فإن أولادك ورثتك لا يغنون عنك شيئاً ، قدم لنفسك، أعتق وتصدق وأعط فلاناً كذا وفلاناً كذا، حتى يأتي على عامة ماله ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، وأمرهم أن يأمروه أن ينظر لولده ولا يزيد في وصيته على الثلث، ولا يجحف بورثته كما لو كان هذا القائل هو الموصي يسره أن يحثه من بحضرته على حفظ ماله لولده، ولا يدعهم عالةً مع ضعفهم وعجزهم. وقالالكلبي: هذا الخطاب لولاة اليتامى يقول : من كان في حجرة يتيم فليحسن إليه وليأت غليه في حقه ما يحب أن يفعل بذريته من بعده. قوله تعالى:'' فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً'' ،أي: عدلاً ، والسديد : العدل ، والصواب من القول، وهو أن يأمره بأن يتصدق/ بما دون الثلث ويخلف الباقي لولده.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا
    +/- -/+  
الأية
10
 
{ قوله تعالى: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ، { قال مقاتل بن حيان : نزلت في رجل من غطفان ، يقال له مرثد بن زيد ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله ، فأنزل الله تعالى فيه { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً }: حراماً بغير حق، { إنما يأكلون في بطونهم ناراً } ، أخبر عن مآله ،أي عاقبته تكون كذلك،'' وسيصلون سعيراً } ، قراءة العامة بفتح الياء، أي: يدخلونها يقال: صلي النار يصلاها صلاً، قال الله تعالى:'' إلا من هو صال الجحيم } (الصافات -163) ، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بضم الياء، أي: يدخلون النار ويحرقون ، نظيره قوله تعالى:'' فسوف نصليه ناراً }( النساء- 30) '' سأصليه سقر } (المدثر-26) وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم :'' رأيت ليلة أسري بي قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل،إحداهما قالصة على منخرية والأخرى على بطنه، وخزنة النار يلقمونهم جمر جهنم وصخرها، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
11
 
{ قوله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين'' والآية: اعلم أن الوراثة كانت في الجاهلية بالذكورة والقوة فكانوا يورثون الرجال دون النساء والصبيان ،فأبطل الله ذلك بقوله : '' للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون'' الآية، وكانت أيضاً في الجاهلية وابتداء الإسلام بالمحالفة ، قال الله تعالى:'' والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } (النساء-33) ثم صارت الوراثة بالهجرة ، قال الله تعالى ، { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } (الأنفال-72) فنسخ ذلك كله وصارت الوراثة بأحد الأمور الثلاثة النسب أو النكاح أو الولاء فالمعني بالنسب أن القرابة يرث بعضهم من بعض، لقوله تعالى { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } (الأحزاب-6)، والمعنى بالنكاح: أن أحد الزوجين يرث صاحبه ، وبالولاء :أن المعتق وعصباته يرثون المعتق، فنذكر بعون الله تعالى فصلاً وجيزاً في بيان من يرث من الأقارب . وكيفية توريث الورثة فنقول: إذا مات ميت وله مال فيبدأ بتجهيزه ثم بقضاء ديونه ثم بإنفاذ وصاياه فما فضل يقسم بين الورثة.(ثم الورثة) على ثلاثة أقسام: منهم من يرث بالفرض ومنهم من يرث بالتعصيب، ومنهم من يرث بهما جميعاً فمن يرث بالنكاح لا يرث إلا بالفرض، ومن يرث بالولاء لا يرث إلا بالتعصيب،أما من يرث بالقرابة فمنهم من يرث بالفرض كالبنات والأخوات والأمهات والجدات ، وأولاد الأم ،ومنهم من يرث بالتعصيب كالبنين والأخوة وبني الأخوة والأعمام وبنيهم، ومنهم من يرث بهما كالأب يرث بالتعصيب إذا لم يكن للميت ولد، فإن كان للميت ابن : يرث الأب بالفرض السدس ، وإن كان للميت بنت فيرث الأب السدس بالفرض ويأخذ الباقي بعد نصيب البنت بالتعصيب، وكذلك الجد، وصاحب التعصيب من يأخذ جميع المال عند الانفراد ويأخذ ما فضل عن أصحاب الفرائض. وجملة الورثة سبعة عشر: عشرة من الرجال وسبع من النساء، فمن الرجال: الابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد أبو الأب وإن علا، والأخ سواء كان لأب وأم لأب أو لأم ، وابن الأخ للأب والأم أو للأب وإن سفل والعم للأب والأم أو للأب وأبناؤهما وإن سلفوا ، والزوج ومولى العتاق ، ومن النساء البنت وبنت الابن وإن سفلت، والأم والجدة أم الأم وأم الأب، والأخت سواء كانت لأب وأم أو لأب أو لأم، والزوجة ومولاة العتاق. وستة من هؤلاء لا يلحقهم حجب الحرمات بالغير: الأبوان والولدان، والزوجان ،لأنه ليس بينهم وبين الميت واسطة. والأسباب التي توجب حرمان الميراث أربعة: اختلاف الدين والرق والقتل وعمي الموت. ونعني باختلاف الدين أن الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر، لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي الخطيب أنا عبد العزيز بن احمد الخلال أناأبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعيأنا ابن عيينة عنالزهري عن علي بن حسينعن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم }. فأما الكفار فيرث بعضهم من بعض مع اختلاف مللهم،لأن الكفر كله ملة واحدة ، لقوله تعالى: '' والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } (الأنفال -73). وذهب بعضهم إلى أن اختلاف الملل في الكفر يمنع التوارث حتى لا يرث اليهودي النصراني ولا النصراني المجوسي، وإليه ذهب الزهري والأوزاعي و احمد وإسحاق لقول النبي صلى الله عليه وسلم :'' لا يتوارث أهل ملتين شتى ، { وتأوله الآخرون على الإسلام مع الكفر فكله ملة واحدة فتوريث بعضهم من بعض لا يكون فيه إثبات التوراث بين أهل ملتين شتى. والرقيق لا يرث أحداً ولا يرثه أحد لأنه لا ملك له، ولا فرق فيه بين القن والمدبر والمكاتب وأم الولد. والقتل يمنع الميراث عمداً كان أو خطأ لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :'' القاتل لا يرث }. ونعني بعمي الموت أن المتوارثين إذا عمي موتهما بأن غرقاً في ماء أو انهدم عليهما بناء فلم يدر أيهما سبق موته فلا يورث أحدهما من الآخر، بل ميراث كل واحد منهما لمن كانت حياته يقيناً بعد موته من ورثته. والسهام المحدودة في الفرائض ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس. فالنصف فرض ثلاثة: فرض الزوج عند عدم الولد وفرض البنت الواحدة للصلب أو بنت الابن عند عدم ولد الصلب، وفرض الأخت الواحدة للأب والأم أو للأب إذا لم يكن ولد لأب وأم. والربع فرض الزوج إذا كان للميتة ولد وفرض الزوجة إذا لم يكن للميت ولد. والثمن: فرض الزوجة إذا كان للميت ولد. والثلثان فرض البنتين للصلب فصاعداً ولبنتي الابن فصاعداً عند عدم ولد الصلب، وفرض الأختين لأب وأم أو للأب فصاعداً. والثلث فرض ثلاثة: فرض الأم إذا لم يكن للميت ولد ولا اثنان من الأخوات والأخوة ، وإلا في مسألتين :إحداهما زوج وأبوان ، والثانية زوجة وأبوان،فإن للأم فيهما ثلث ما بقي بعد نصيب الزوج أو الزوجة، وفرض الاثنين فصاعداً من اولاد الأم، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء، وفرض الجد مع الإخوة إذ لم يكن في المسألة صاحب فرض، وكان الثلث خيراً للجد من المقاسمة مع الإخوة. وأما السدس ففرض سبعة: فرض الأب إذا كان للميت ولد ، وفرض الأم إذا كان للميت ولد أو اثنان من الإخوة والأخوات ، وفرض الجد إذا كان للميت ولد ومع الإخوة والأخوات إذا كان في المسألة صاحب فرض، وكان السدس خيراً للجد من المقاسمة مع الإخوة ، وفرض الجدة والجدات وفرض الواحد من أولاد الأم ذكراً أو أنثى، وفرض بنات الابن إذا كان للميت بنت واحدة للصلب تكملة / الثلثين ،وفرض الأخوات للأب إذا كان للميت أخت واحدة لأب وأم تكملة الثلثين. أخبرناعبد الواحد المليحي أناأحمد بن عبد الله النعيميأنامحمد بن يوسفأنامحمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أخبرنامسلم بن إبراهيم أناوهيبأناابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر }. وفي الحديث دليل على أن بعض الورثة يحجب البعض، والحجب نوعان حجب نقصان وحجب حرمان: فأما حجب النقصان فهو أن الولد وولد الابن يحجب الزوج من النصف إلى الربع والزوجة من الربع إلى الثمن، والأم من الثلث إلى السدس، وكذلك الاثنان فصاعداً من الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس. وحجب الحرمان هو أن الأم تسقط الجدات ، وأولاد الأم- وهم الأخوة والأخوات للأمم - يسقطون بأربعة : بالأب والجد وإن علا، وبالولد وولد الابن وإن سفل، وأولاد الأب والأم يسقطون بثلاثة بالأب والابن وابن الابن وإن سفلوا، ولا يسقطون بالجد على مذهب زيد بن ثابت ، وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد رحمهم الله. وأولاد الأب يسقطون هؤلاء الثلاثة وبالأخ للأب والأم، وذهب قوم إلى أن الاخوة جميعاً يسقطون بالجد كما يسقطون بالأب، وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس ومعاذ وأبي الدرداء وعائشة رضي الله عنهم، وبه قال الحسن وعطاء وطاووس وأبو حنيفة رحمهم الله. وأقرب العصبات يسقط الأبعد من العصوبة، وأقربهم الابن ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا، فإن كان مع الجد أحد من الإخوة أو الأخوات للأب والأم أو للأب يشتركان في الميراث، فإن لم يكن جد فالأخ للأب والأم ثم الأخ للأب ثم بنو الإخوة يقدم أقربهم سواء كان لأب وأم أو لأب، فإن استويا في الدرجة فالذي هو لأب وأم أولى ثم العم للأب والأم ثم العم للأب ثم بنوهم على ترتيب بني الإخوة ، ثم عم الأب ثم عم الجد على هذا الترتيب. فإن لم يكن أحد من عصبات النسب وعلى الميت ولاء فالميراث للمعتق ، فإن لم يكن حياً فلعصبات المعتق . وأربعة من الذكور يعصبون الإناث، الابن وابن الابن والأخ للأب والأم والأخ للأب ، حتى لو مات عن ابن وبنت أو عن أخ وأخت لأب وأم أو لأب فإنه يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، و لا يفرض للبنت والأخت. وكذلك ابن الابن يعصب من في درجته من الإناث ، ومن فوقه إذا لم يأخذ من الثلثين شيئاً حتى لو مات عن بنتين وبنت ابن فللبنتين الثلثان ولا شيء لبنت الابن، فإن كان في درجتها ابن ابن أو أسفل منها ابن ابن ابن كان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. والأخت للأب والأم وللأب تكون عصبة مع البنت حتى لو مات عن بنت وأخت كان النصف للبنت والباقي للأخت ، فلو مات عن بنتين وأخت فللبنتين الثلثان والباقي للأخت. والدليل عليه ما أخبرناعبد الواحد المليحيأناأحمد بن عبد الله النعيميأنا محمد بن يوسفأنامحمد بن إسماعيلأناآدم أناشعبةأناأبو قيس قال: سمعت هذيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن ابنة وبنت ابن وأخت فقال: للبنت النصف وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذاً وما انا من المهتدين أقضي فيها بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم :للبنت الصنف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت،فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود رضي الله عنه ، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم . رجعنا إلى تفسير الآية: واختلفوا في سبب نزولها . أخبرناعبد الواحد المليحي أن أحمد بن عبد الله النعيميأنامحمد بن يوسفأنامحمد بن إسماعيلأخبرناأبو الوليدأناشعبة عنمحمد بن المنكدر: سمعت جابراً يقول جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب علي من وضوئه فعقلت، فقلت : يارسول الله لمن الميراث إنما يرثني كلالة ؟ فنزلت آية الفرائض. وقالمقاتلوالكلبي: نزلت في أم كجة امرأة أوس بن ثابت وبناته. وقالعطاء : '' استشهد سعد بن الربيع النقيب يوم أحد وترك امرأة وبنتين وأخاً ، فأخذ الأخ المال فأتت امرأة سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتي سعد فقالت: يا رسول الله إن هاتين ابنتا سعد وإن سعد قتل يوم أحد شهيداً ، وإن عمهما أخذ مالهما ولا تنكحان إلا ولهما مال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارجعي فلعل الله سيقضي في ذلك فنزل'' يوصيكم الله'' إلى آخرها ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما فقال له: أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك ، { فهذا أول ميراث قسم في الإسلام. قوله عز وجل:'' يوصيكم الله في أولادكم'' أي: يعهد إليكم ويفرض عليكم في أولادكم أي: في أمر أولادكم إذا متم ، للذكر مثل حظ الأنثيين .'' فإن كن ، { ، يعني: المتروكات من الأولاد ،'' نساءً فوق اثنتين'' ،أي: ابنتين فصاعداً'' فوق ، { صلة، كقوله تعالة: '' فاضربوا فوق الأعناق } (الأنفال -12)، { فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت ، { ، يعني: البنت،'' واحدة } ، قراءة العامة بالنصب على خبر كان، ورفعها أهل المدينة على معنى : إن وقعت واحدة، { فلها النصف ولأبويه } ، يعني لأبوي الميت، كناية عن غير مذكور،'' لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } ، أراد أن الأب والأم يكون لكل واحد منهما سدس الميراث عند وجود الولد أو ولد الابن والأب يكون صاحب فرض'' فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } ، قرأ حمزة والكسائي { فلأمه ، { بكسر الهمزة استثقالاً للضمة بعد الكسرة ، وقرأ الآخرون بالضم على الأصل { فإن كان له إخوة ، { اثنان أو أكثر ذكوراً أو إناثاً'' فلأمه السدس } ، والباقي يكون للأب إن كان معها أب، والإخوة لا ميراث لهم مع الأب، ولكنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يحجب الإخوة الأم من الثلث إلى السدس إلا أن يكونوا ثلاثةً، وقد تفرد به ، وقال: لأن الله تعالى قال: { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } ، ولا يقال للاثنين إخوة فنقول اسم الجمع قد يقع على التثنية لأن الجمع ضم شيء إلى شيء وهو موجود في الاثنين كما قال الله تعالى:'' فقد صغت قلوبكما } (التحريم-4) ذكر القلب بلفظ الجمع، وأضافة إلى الاثنين/. قوله تعالى:'' من بعد وصية يوصي بها أو دين ، { ، قرأ ابن كثيروابن عامروأبو بكر { يوصى ، { بفتح الصاد على مالم يسم فاعله ، وكذلك الثانية ، ووافق حفص في الثانية ، وقرأ الآخرون بكسر الصاد لأنه جرى ذكر الميت من قبل ، بدليل قوله تعالى:'' من بعد وصية يوصين بها } ، و'' توصون } . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه( إنكم تقرؤون الوصية قبل الدين ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية)، وهذا إجماع أن الدين مقدم على الوصية. ومعنى الآية الجمع لا الترتيب ، وبيان أن الميراث مؤخر عن الدين والوصية جميعاً ، معنا: من بعد وصية عن كانت ، أو دين إن كان ، فالإرث مؤخر عن كل واحد منهما. '' آباؤكم وأبناؤكم } ، يعني: الذين يرثونكم آباؤكم وأبناؤكم،'' لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً'' ،أي: لا تعلمون أنهم أنفع لكم في الدين والدنيا فمنكم من يظن أن الأب أنفع له ، وأنا العالم بمن هو أنفع لكم ، وقد دبرت أمركم على ما فيه المصلحة فاتبعوه ، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:أطوعكم لله عز وجل من الآباء والأبناء أرفعكم درجة يوم القيامة ، و الله تعالى يشفع المؤمنين بعضهم في بعض، فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة رفع إليه ولده وإن كان الولد أرفع درجة رفع إليه والده لتقر بذلك أعينهم،'' فريضةً من الله } ، أي: ما قدر من المواريث ، { إن الله كان عليماً } ، بأمور العباد،'' حكيماً } ، بنصب الأحكام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
12
 
{ قوله تعالى:'' ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين } ، وهذا في ميراث الأزواج،'' ولهن الربع } ، يعني: للزوجات الربع،'' مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } ، هذا في ميراث الزوجات وإذا كان للرجل أربع نسوة فهن يشتركن في الربع والثمن. قوله تعالى:'' وإن كان رجل يورث كلالةً أو امرأة ، { تورث كلالة ، ونظم الآية: وغن كان رجل أو امرأة يورث كلالةً وهو نصب على المصدر ، وقيل: على خبر ما لم يسم فاعله ، وتقديره : إن كان رجل يورث ماله كلالة. واختلفوا في الكلالة فذهب أكثر الصحابة إلى أن الكلالة من لا ولد له ولا والد له . وروى عنالعبيقال: سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الكلالة فقال:إني سأقول فيها قولاً برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان،أراه ما خلا الوالد والد، فلما استخلف عمر رضي الله عنهما قال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً قاله أبو بكر رضي الله عنه. وذهب طاووس إلى أن الكلالة من لا ولد له ، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وأحد القولين عن عمر رضي الله عنه، واحتج من ذهب إلى هذا بقول الله تعالى:'' قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد } ، وبيانه عند العامة مأخوذ من حديث جابر بن عبد الله ، لأن الآية نزلت فيه ولم يكن له يوم نزولها أب ولا ابن ، لأن أباه عبد الله بن حرام قتل يوم أحد، وآية الكلالة نزلت في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فصار شأن جابر بياناً لمراد الآية لنزولها فيه. واختلفوا في أن الكلالة اسم لمن؟ منهم من قال: اسم للميت ،وهو قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما، لأنه مات عن ذهاب طرفيه ، فكل عمود نسبة ، ومنهم من قال: اسم للورثة، وهو قول سعيد بن جبير ، لأنهم يتكللون الميت من جوانبه ، وليس في عمود نسبة أحد ، كالإكليل يحيط بالرأس ووسط الرأس منه خال ، وعليه يدل حديث جابر رضي الله عنه حيث قال:إنما يرثني كلالة، أي : يرثني ورثة ليسوا بولد ولا والد،. وقال النضر بن شميل: الكلالة اسم للمال، وقال أبو الخير: سأل رجل عقبة عن الكلالة فقال: ألا تعجبون من هذا يسألني عن الكلالة ، وما أعضل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيء ما أعضلت بهم الكلالة. وقال عمر رضي الله عنه ثلاث لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بينهن لنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها: الكلالة والخلافة وأبواب الربا. وقال معدان بن ابي طلحة: '' خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة ، ماراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي في الكلالة، حتى طعن بأصبعه في صدري قال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن }. وقله ألا تكفيك آية الصيف؟ أراد: أن الله عز وجل أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول سورة النساء والأخرى في الصيف، وهي التي في آخرها ، وفيها من البيان ما ليس في آية الشتاء، فلذلك أحالة عليها. قوله تعالى :'' وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ، { ، أراد به الأخ والأخت من الأم بالاتفاق، قرأ سعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت من أم ولم يقل لهما مع ذكر الرجل والمرأة من قبل، على عادة العرب إذا ذكرت اسمين ثم اخبرت عنهما ، وكانا في الحكم سواءً ربما أضافت إلى أحدهما ، وربما أضافت إليهما ، كقوله تعالى:'' واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة } (البقرة-153) '' فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } ، فيه إجماع أن أولاد الأم إذا كانوا اثنين فصاعداً يشتركون في الثلث ذكرهم وأنثاهم ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبته :ألا إن الآية التي أنزل الله تعالى في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها في الولد والوالد. والآية الثانية في الزوج والزوجة والإخوة من الأم ، والآية التي ختم بها سورة النساء في الإخوة والأخوات من الأب والأم ، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله،'' من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار'' أي: غير مدخل الضرر على الورثة بمجاوزته الثلث في الوصية ، قال الحسن هو أن يوصي بدين ليس عليه،'' وصيةً من الله والله عليم حليم } ، قالقتادة :كره الله الضرار في الحياة وعند الموت، ونهى عنه وقدم فيه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ۚ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
    +/- -/+  
الأية
13
 
{ تلك حدود الله } ، يعني: ما ذكر من الفروض المحدوده ،'' ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ
    +/- -/+  
الأية
14
 
{ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } ، /قرأ أهل المدينة وابن عامر ندخله جنات ، وندخله ناراً، وفي سورة الفتح(ندخله) و(نعذبه) وفي سورة التغابن (نكفر)و(ندخله)وفي سورة الطلاق (ندخله) بالنون فيهن ، وقرأ الآخرون بالياء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
15
 
{ قوله عز وجل: { واللاتي يأتين الفاحشة } ، يعني: الزنا،'' من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعةً منكم'' ،يعني: من المسلمين ، وهذا خطاب للحكام ،أي: فاطلبوا عليهن أربعةً من الشهود وفيه بيان أن الزنا لا يثبت إلا بأربعة من الشهود.'' فإن شهدوا فأمسكوهن } ، فاحبسوهن،'' في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً } ، وهذا كان في أول الإسلام قبل نزول الحدود ، كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، ثم نسخ في حق البكر بالجلد والتغريب، وفي حق الثيب بالجلد والرجم،. أخبرناعبد الوهاب بن محمد الخطيبأخبرناعبد العزيز بن احمد الخلالأناأبو العباس الأصمأناالربيعأخبرنا الشافعي رضي الله عنه أخبرناعبد الوهاب عنيونسعنالحسنعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { خذوا عني خذوا عني: قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ، { ، قال الشافعي رضي الله عنه : وقد حدثني الثقة أن الحسن كان يدخل بينه وبين عبادة حطان الرقاشي ، ولا أدري أدخله عبد الوهاب بينهما فنزل عن كتابي أم لا. قال شيخنا الإمام : الحديث صحيح رواه مسلم بن الحجاج عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى عن سعيد عنقتادة عنالحسن عنحطان بن عبد الله عن عبادة ، ثم نسخ الجلد في حق الثيب وبقي الرجم عند أكثر أهل العلم. وذهب طائفة إلى أنه يجمع بينهما . روي عن علي رضي الله عنه :أنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس مائة ثم رجمها يوم الجمعة، ، وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعامة العلماء على أن الثيب لا يجلد مع الرجم لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً والغامدية ولم يجلدهما. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: التغريب أيضاً منسوخ في حق البكر. وأكثر أهل العلم على أنه ثابت ، روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب ، وأن أبا بكر رضي الله عنه ضرب وغرب، وأن عمر رضي الله عنه ضرب وغرب. واختلفوا في أن الإمساك في البيت كان حداً فنسخ أم كان حبساً ليظهر الحد؟ على قولين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
16
 
{ قوله تعالى:'' واللذان يأتيانها منكم'' ،يعني: الرجل والمرأة ،والهاء راجعة إلى الفاحشة ، قرأ ابن كثير اللذان ، واللذين ، وهاتان، وهذان مشددة النون للتأكيد، ووافقه أهل البصرة في (فذانك) والآخرون بالتخفيف، قال أبو عبيد : خص أبو عمرو (فذانك) بالتشديد لقلة الحروف في الاسم { فآذوهما'' قالعطاءوقتادة: فعيروهما باللسان: أما خفت الله؟ أما استحييت من الله حيث زنيت؟ قا ل ابن عباس رضي الله عنهما: سبوهما واشتموهما، قال ابن عباس: هو باللسان واليد يؤذى بالتعيير وضرب النعال. فإن قيل: ذكر الحبس في الآية الأولى وذكر في هذه الآية الإيذاء ، فكيف وجه الجمع؟ قيل: الآية الأولى في النساء وهذه في الرجال ،وهو قول مجاهد، وقيل: الآية الأولى في الثيب وهذه في البكر. '' فإن تابا } ، من الفاحشة'' وأصلحا ، { ، العمل فيما بعد،'' فأعرضوا عنهما } ، فلا تؤذوهما ، { إن الله كان تواباً رحيماً }. وهذا كله كان قبل نزول الحدود ، فنسخت بالجد والرجم، فالجلد في القرآن قال الله تعالى:'' الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } (النور-2) والرجم في السنة.أخبرناأبو الحسن محمد بن محمد السرخسيأخبرناأبو علي زاهر بن احمد السرخسيأناأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عنمالك عن ابن شهاب عنعبيد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما أخبراه ، { أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: اقض يا رسول الله بيننا بكتاب الله ، وقال الآخر وكان أفقههما:أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم ، قال: تكلم ، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا ، فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب سنة ، وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما غنمك وجاريتك فرد عليك،وجلد ابنه مائة وغربه عاماً، وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمهافاعترفت فرجمها }. أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أن أحمد بن عبد الله النعيميأنا محمد بن يوسف،أخبرنا ابن إسماعيل،أخبرناعبد العزيز بن عبد الله ،حدثنيإبراهيم بن سعد عنصالح عنابن شهاب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنه إن الله تعالى بعث محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما انزل الله تعالى آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله تعالى ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى والرجم في كتاب الله تعالى حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. وجملة حد الزنا: أن الزاني إذا كان محصناً- وهو الذي اجتمع فيه أربعة أوصاف: العقل والبلوغ والحرية والإصابة بالنكاح الصحيح- فحده الرجم، مسلماً كان أو ذمياً ، وهو المراد من الثيب المذكور في الحديث ، وذهب أصحاب الرأي إلى أن الإسلام من شرائط الإحصان، ولا يرجم الذمي ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديين زنيا، وكانا قد أحصنا. وإن كان الزاني غير محصن بأن لم تجتمع فيه هذه الأوصاف نظر:إن كان غير بالغ أو كان مجنوناً فلا حد عليه ، وإن كان حراً عاقلاً بالغاً، غير أنه لم يصب بنكاح صحيح فعليه جلد مائة وتغريب عام، وإن كان عبداً فعليه جلد خمسين، وفي تغريبه قولان،إن قلنا يغرب فيه قولان ، أصحهما نصف سنة ، كما يجلد خمسين على نصف حد الحر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
17
 
{ قوله تعالى:'' إنما التوبة على الله'' قال الحسن: يعني التوبة التي يقبلها ، فيكون على بمعنى عند، وقيل: من الله،'' للذين يعملون السوء بجهالة'' ،قالقتادة:أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل ما عصي به الله فهو جهالة عمداً كان او لم يكن وكل من عصى الله فهو جاهل .وقالمجاهد : المراد من الآية :العمد ،قالالكلبي : لم يجهل أنه ذنب /لكنه جهل عقوبته،وقيل : معنى الجهالة : اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية. '' ثم يتوبون من قريب } ، قيل: معناه قبل أن يحيط السوء بحسناته فيحبطها،وقالالسديوالكلبي: القريب: أن يتوب في صحته قبل مرض موته ،وقالعكرمة : قبل الموت، وقال الضحاك : قبل معاينة ملك الموت. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحيأناعبد الرحمن بن أبي شريحأناأبو القاسم عبد الله بن محمد ابن عبد العزيم البغويأناعلي بن الجعد أناابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عنجبير بن نفير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر }. وأخبرناعبد الواحد بن احمد المليحيأناأبو منصور محمد بن محمد بن سمعاناناأبو جعفر محمد ابن احمد بن عبد الجبار الريانيأناحميد بن زنجويه أناأبو الأسودأناابن لهيعة عندراجعنأبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك مادامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني }. قوله تعالى:'' فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
18
 
{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات } ، يعني: المعاصي'' حتى إذا حضر أحدهم الموت } ، ووقع في النزع،'' قال إني تبت الآن ، { وهي حالة السوق حين تساق روحه ، ولا يقبل من كافر إيمان ولا من عاص توبة، قال الله تعالى:'' فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } (غافر-85) ولذلك لم ينفع إيمان فرعون حين أدركه الغرق .'' ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا } ، أي: هيأنا وأعددنا، { لهم عذاباً أليماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
    +/- -/+  
الأية
19
 
{ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } ، نزلت في أهل المدينة كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام،إذا مات الرجل وله أمراً جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عصبته فألقى ثوبه على تلك المرأة وعلى خبائها ، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الأول الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها غيره واخذ صداقها، وإن شاء عضلها ومنعها من الأزواج يضارها لتفتدي منه بما ورثته من الميت، أو تموت هي فيرثها،فإن ذهبت المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ولي زوجها ثوبه فهي أحق بنفسها، فكانوا على هذا حتى توفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية ، فقام ابن له من غيرها يقال له حصن، وقال مقاتل بن حيان : اسمه قيس بن أبي قيس، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ، ثم تركها ولم ينفق عليها، يضارها لتفتدي منه، فأتت كبيشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفي وورث نكاحي ابنه فلا هو ينفق علي ولا يدخل بي ولا يخلي سبيلي ، فقال: اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله، فأنزل الله تعالى هذه الآية:'' يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً }. قرأحمزة والكسائي:كرهاً بضم الكاف ، ها هنا وفي التوبة وقرأ الباقون بالفتح قال الكسائي : هما لغتان . قال الفراء : الكره بالفتح ما اكره عليهن وبالضم ما كان من قبل نفسه من المشقة. '' ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } ، أي: لا تمنعوهن من الأزواج لتضجر فتفتدي ببعض مالها، قيل: هذا خطاب لأولياء الميت، والصحيح انه خطاب للأزواج. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا في الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضارها لتفتدي وترد إليه ما ساق إليها من المهر، فنهى الله تعالى عن ذلك ، ثم قال: '' إلا أن يأتين بفاحشة مبينة'' فحينئذ يحل لكم إضرارهن ليفتدين منكم. واختلفوا في الفاحشة،قال ابن مسعودوقتادة: هي النشوز، وقال بعضهم وهو قولالحسن: هي الزنا،يعني: المرأة إذا نشزت،أو زنت حل للزوج أن يسألها الخلع ، وقال عطاء: كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشةً اخذ منها ما ساق إليها وأخرجها ، فنسخ الله تعالى ذلك بالحدود. وقرأابن كثيروأبو بكر'' مبينة ، { ، ، { مبينات { بفتح الياء، ووافق أهل المدينة والبصرة في { مبينات ، { والباقون بكسرها. '' وعاشروهن بالمعروف'' ،قالالحسن: رجع إلى أول الكلام، يعني'' وآتوا النساء صدقاتهن نحلة }'' وعاشروهن بالمعروف'' والمعاشرة بالمعروف: هي الإجمال في القول والمبيت والنفقة ، وقيل: هو أن يتصنع لها كما تتصنع له،'' فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } ، قيل: هو ولد صالح، أو يعطفه الله عليها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
20
 
{ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } ، أراد بالزوج والزوجة ولم يكن من قبلها نشوز ولا فاحشة،'' وآتيتم إحداهن قنطاراً } ، وهو المال الكثير، صداقاً،'' فلا تأخذوا منه } ، من القنطار، { شيئاً أتأخذونه } ، استفهام بمعنى التوبيخ،'' بهتاناً وإثماً مبيناً ، { ، انتصابهما من وجهين أحدهما بنزع الخافض ، والثاني بالإضمار تقديره: تصيبون في أخذه بهتاناً وإثماً ثم قال:

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
    +/- -/+  
الأية
21
 
{ وكيف تأخذونه } ، على طريق الإستعظام، { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } ، أراد به المجامعة، ولكن الله حيي يكني، وأصل الإفضاء: الوصول إلى الشيء من غير واسطة. '' وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً } ، قال الحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة: هو قول الولي عند العقد: زوجتكما على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان،وقال الشعبي وعكرمة: هو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:'' اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله تعالى واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
22
 
{ قوله عز وجل: '' ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ، كان أهل الجاهلية ينكحون أزواج آبائهم، قال الأشعث بن سوار: توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت: إني اتخذتك ولداً وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره، فأتته فأخبرته، فأنزل الله تعالى } : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } ، قيل: بعد ما سلف، وقيل: معناه لكن ما سلف، أي: ما مضى في الجاهلية فهو معفو عنه، { إنه كان فاحشةً } ، أي: إنه فاحشة، و(كان) فيه صلة، والفاحشة أقبح المعاصي، { ومقتاً } ، أي: يورث مقت الله، والمقت: أشد البغض، { وساء سبيلا ، { وبئس ذلك طريقاً وكانت العرب تقول لولد الرجل من امرأة أبيه (مقيت) وكان منهم الأشعث بن قيس وأبو معيط بن أبي عمرو بن أمية. أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو سهل محمد بن عمرو السجزي أنا الإمام أبو سليمان الخطابي أنا أحمد بن هشام الحضرمي أنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن حفص بن غياث عن أشعث ابن سوار عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: مر بي خالي ومعه لواء فقلت: أين تذهب؟ قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
23
 
{ قوله تعالى: '' حرمت عليكم أمهاتكم ، { الآيه، بين الله تعالى في هذه الآية المحرمات بسبب الوصلة، وجملة المحرمات في كتاب الله تعالى أربعة عشر: سبع بالنسب، وسبع بالسبب. فأما السبع بالسبب فمنها اثنتان بالرضاع وأربع بالصهرية والسابعة المحصنات، وهن ذوات الأزواج. وأما السبع بالنسب قوله تعالى: '' حرمت عليكم أمهاتكم ، { وهي جمع أم فيدخل فيهن الجدات وإن علون من قبل الأم ومن قبل الأب، { وبناتكم ، { جمع: البنت، فيدخل فيهن بنات الأولاد وإن سفلن، { وأخواتكم } ، جمع الأخت سواء كانت من قبل الأب والأم أو من قبل أحدهما، { وعماتكم ، { جمع العمة، ويدخل فيهن جميع أخوات آبائك وأجدادك وإن علون، { وخالاتكم'' جمع خاله، ويدخل فيهن جميع أخوات أمهاتك وجداتك، { وبنات الأخ وبنات الأخت } ، ويدخل فيهن بنات أولاد الأخ والأخت وإن سفلن،وجملته: أنه يحرم على الرجل أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل بعده، والأصول هي الأمهات والجدات، والفصول البنات وبنات الأولاد،وفصول أول أصوله هي الأخوات وبنات الإخوة والأخوات، وأول فصل من كل أصل بعده هن العمات والخالات وإن علون. وأما المحرمات بالرضاعة فقوله تعال :'' وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة }. وجملته: أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبوإسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: '' يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة }. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي قال: أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن { عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، فقالت عائشه رضي الله عنها فقلت: يا رسول الله لو كان فلان حياً - لعمها من الرضاعة - أيدخل علي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة }. وإنما تثبت حرمة الرضاعة بشرطين، أحدهما: أن يكون قبل استكمال المولود حولين، لقوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } (البقرة - 233) ور عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء ، { وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم } ، وإنما يكون هذا في حال الصغر . وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: مدة الرضاع ثلاثون شهراً لقوله تعالة: '' وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } (الأحقاف- 15)، وهو عند الأكثرين لأقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع وأقل مدة الحمل ستة أشهر. والشرط الثاني أن يوجد خمس رضعات متفرقات، يروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها، وبه قال عبد الله بن الزبير وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى. وذهب أكثر أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم، وهو قول ابن عباس وابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب وإليه ذهب سفيان الثوري،ومالك والأوزاعيوعبد الله بن المبارك وأصحاب الرأي. واحتج من ذهب إلى أن القليل لا يحرم بما أخبرناأحمد بن عبد الله الصالحيأناأبو سعيد محمد بن موسى الصيرفيأناأبو العباس الأصمأنامحمد بن عبد الله بن عبد الحكمأناأنس بن عياض عنهشام ابن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' لا تحرم المصة من الرضاع والمصتان ، { هكذا روى بعضهم هذا الحديث ورواه عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح. أخبرناأبو الحسن السرخسي أنازاهر بن أحمدأناأبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عنمالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عنعمرة بنت عبد الرحمنعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن. وأما المحرمات بالصهرية فقوله:'' وأمهات نسائكم } / وجملته :أن كل من عقد النكاح على امرأة تحرم على الناكح أمهات المنكوحة وجداتها وإن علون من الرضاعة والنسب بنفس العقد. '' وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } ، والربائب جمع : ربيبة: وهي بنت المرأة ، سميت ربيبة لتربيته إياها ، وقوله :'' في حجوركم } ، أي: في تربيتكم، يقال: فلان في حجر فلان إذا كان في تربيته،'' دخلتم بهن'' أي: جامعتموهن. ويحرم عليه أيضاً بنات المنكوحة وبنات أولادها، وإن سفلن من الرضاع والنسب بعد الدخول بالمنكوحة، حتى لو فارق المنكوحة قبل الدخول بها أو ماتت جاز له أن ينكح بنتها،(ولا يجوز له أن ينكح أمها) لأن الله تعالى أطلق تحريم الأمهات وقال في تحريم الربائب: '' فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ، { ، يعني: في نكاح بناتهن إذا فارقتموهن او متن ، وقال علي رضي الله عنه: أم المرأة لا تحرم إلا بالدخول بالبنت كالربيبة. '' وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ، يعني:أزواج أبنائكم، واحدتها: حليلة، والذكر حليل، سميا بذلك لأن كل واحد منها (حلال لصاحبه، وقيل: سميا بذلك لأن كل واحد منهما) يحل حيث يحل صاحبه من الحلول وهو النزول ، وقيل: إن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه من الحل وهو ضد العقل. وجملته:أنه يحرم على الرجل حلائل أبنائه وأبناء أولاده وإن سفلوا من الرضاع والنسب بنفس العقد، وإنما قال { من أصلابكم ، { ليعلم أن حليلة المتبنى لا تحرم على الرجل الذي تبناه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم . والرابع من المحرمات بالصهرية: حليلة الأب والجد وإن علا، فيحرم على الولد وولد الولد بنفس العقد سواء كان الأب من الرضاع أو من النسب ، لقوله تعالى:'' ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء }. وقد سبق ذكره. وكل امرأة تحرم عليك بعقد النكاح تحرم بالوطء في ملك اليمين ، والوطء بشبهة النكاح، حتى لو وطىء امرأة / بالشبهة أو جارية بملك اليمين فتحرم على الواطىء أم الموطوءة وابنتها وتحرم الموطوءة على أب الواطىء وعلى ابنه. ولو زنى بامرأة فقد اختلف فيه أهل العلم: فذهبت جماعة إلى أنه لا تحرم على الزاني أم المزني بها وابنتها، وتحرم الزانية على أب الزاني وابنه، وهو قول علي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب وعروة والزهري ، واليه ذهب مالك والشافعي رحمهم الله تعالى. وذهب قوم إلى التحريم ، يروى ذلك عن عمران بن حصين وأبي هريرة رضي الله عنهما، وبه قال جابر ابن زيد والحسن وهو قول أصحاب الرأي. ولو لمس امرأة بشهوة أو قبلها ، فهل يجل ذلك كالدخول في إثبات حرمة المصاهرة؟ وكذلك لو لمس امرأة بشهوة فهل يجعل كالوطء في تحريم الربيبة؟ فيه قولان، أصحهما وهو قول أكثر أهل العلم :أنه تثبت به الحرمة، والثاني : لا تثبت كما لا تثبت بالنظر بالشهوة. قوله تعالى:'' وأن تجمعوا بين الأختين } ، لا يجوز للرجل أن يجمع بين الأختين في النكاح سواء كانت الأخوة بينهما بالنسب أو بالرضاع، فإذا نكح امرأة ثم طلقها بائناً جاز له نكاح أختها، وكذلك لو ملك أختين بملك اليمين لم يجز له أن يجمع بينهما في الوطء فإذا وطىء إحداهما لم يحل له وطء الأخرى حتى يحرم الأولى على نفسه. وكذلك لا يجوز أن يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخاتلها، لما أخبرناأبو الحسن السرخسيأخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عنمالك عنأبي الزنادعنالأعرجعن أبي هريرة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها }. قوله تعالى:'' إلا ما قد سلف'' يعني: لكن ما مضى فهو معفو عنه، لأنهم كانوا يفعلونه قبل الإسلام ، وقالعطاءوالسدي: إلا ما كان من يعقوب عليه السلام فإنه جمع بين ليا أم يهوذا وراحيل أم يوسف ، وكانتا أختين { إن الله كان غفوراً رحيماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
24
 
{ قوله تعالى:'' والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ، يعني : ذوات الأزواج ، لا يحل للغير نكاحهن قبل مفارقة الأزواج ، وهذه السابعة من النساء اللاتي حرمت بالسبب. قال أبو سعيد الخدري: نزلت في نساء كن يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن أزواج فيتزوجهن بعض المسلمين ، ثم قدم أزواجهن مهاجرين فنهى الله المسلمين عن نكاحهن ثم استثنى فقال:'' إلا ما ملكت أيمانكم } ، يعني: السبايا اللواتي سبين ولهن أزواج في دار الحرب فيحل لمالكهن وطؤهن بعد الاستبراء، لأن بالسبي يرتفع النكاح بينها وبين زوجها. قالأبو سعيد الخدري: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين جيشاً إلى أوطاس فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين، فكرهوا غشيانهن، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقالعطاء: أراد بقوله { إلا ما ملكت أيمانكم ، { أن تكون أمته في نكاح عبده فيجوز أن ينزعها وقيل: أراد بالمحصنات الحرائر ومعناه: أن ما فوق الأربع حرام منهن إلا ما ملكت أيمانكم ، فإنه لا عدد عليكم في الجواري. قوله تعالى:'' كتاب الله عليكم } ، نصب على المصدر ، أي : كتب الله عليكم كتاب الله ، وقيل: نصب على الإغراء ، أي: ألزموا كتاب الله عليكم ، أي: فرض الله تعالى. قوله تعالى:'' وأحل لكم ما وراء ذلكم } ، قرأ أبو جعفر وحمزةوالكسائي وحفص'' أحل ، { بضم الأول وكسر الحاء، لقوله'' حرمت عليكم } ، وقرأ الآخرون بالنصب، أي: أحل الله لكم ما وراء ذلكم، أي: ما سوى ذلكم الذي ذكرت من المحرمات، { أن تبتغوا } ، تطلبوا،'' بأموالكم } ، أي تنكحوا بصداق أو تشتروا بثمن ،'' محصنين } ، أي: متزوجين متعففين،'' غير مسافحين } ، أي: غير زانين، مأخوذ من سفح الماء وصبه وهو المني،'' فما استمتعتم به منهن } ، اختلفوا في معناه، فقالالحسن ومجاهد : أراد ما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح،'' فآتوهن أجورهن'' ،أي: مهورهن وقال آخرون : هو نكاح المتعة وهو أن ينكح امرأة إلى مدة فإذا انقضت تلك المدة بانت منه بلا طلاق، وتستبرىء رحمها وليس بينهما ميراث، وكان ذلك مباحاً في ابتداء الإسلام ثم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهرأناعبد الغافر بن محمد الفارسيأنامحمد بن عيسى الجلوديأناإبراهيم بن محمد بن سفيانأنامسلم بن الحجاجأنامحمد بن عبد الله بن نميرأناأبي أناعبد العزيز بن عمرحدثني الربيع بن سبرة الجهنيأن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: { يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله تعالى قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً }. وأخبرناأبو الحسن السرخسيأنازاهر بن أحمدأناأبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عنمالكعنابن شهاب عنعبد اللهوالحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية }. وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم:أن نكاح المتعة حرام، والآية منسوخة. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب إلى أن الآية محكمة ، ويرخص في نكاح المتعة. وروي عن أبي نضرة قالت سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة ، فقال: أما تقرأ في سورة النساء: { فما استمتعتم به منهن } { إلى أجل مسمى } ،قلت: لا أقرؤها هكذا، قال ابن عباس: هكذا أنزل الله ، ثلاث مرات . وقيل: إن ابن عباس رضي الله عنهما رجع عن ذلك. وروى سالم عنعبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها؟، لا أجد رجلاً نكحها إلا رجمته بالحجارة وقال: هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث. قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: لا أعلم في الإسلام شيئاً احل ثم حرم ثم احل ثم حرم غير المتعة. قوله تعالى:'' فآتوهن أجورهن'' أي: مهورهن،'' فريضةً ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } ، فمن حمل ما قبله على نكاح المتعة أراد انهما (إذا عقد عقداً إلى أجل بمال). فإذا تم الأجل فإن شاءت المرأة زادت في الأجل وزاد الرجل في الأجر ، وإن لم يتراضيا فارقها ، ومن حمل الآية على الاستمتاع بالنكاح الصحيح، قال المراد بقوله'' ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به ، { من الإبراء عن المهر والافتداء والاعتياض { إن الله كان عليماً حكيماً }. (فصل في قدر الصداق وفيما يستحب منه) اعلم أنه لا تقدير لأكثر الصداق لقوله تعالى:'' وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ، { والمتسحب أن لا يغالى فيه، قال عمر بن الخطاب: ألا لا تغالوا صدقة النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية. أخبرناأبو الحسن السرخسيأنازاهر بن أحمد أناجعفر بن محمد المفلسأناهارون بن إسحاق أنايحيى بن محمد الحارثيأناعبد العزيز بن محمدعنيزيد بن عبد الله بن الهاديعنمحمد بن إبراهيمعنأبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ قالت: كان صداقة لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشأ ، قالت:أتدري ما النش؟قلت: لا، قالت:نصف أوقية ، فتلك خمسمائة درهم، هذا صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه. أما أقل الصداق فقد اختلفوا فيه: فذهب جماعة إلى أنه لا تقدير لأقله، بل ما جاز أن يكون مبيعاً أو ثمناً جاز أن يكون صداقاً ، وهو قول ربيعة وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قال عمر بن الخطاب: في ثلاث قبضات زبيب مهر، وقال سعيد بن المسيب: لو أصدقها سوطاً جاز. وقال قوم: يتقدر: بنصاب السرقة، وهو قول مالك وأبي حنيفة ، غير أن نصاب السرقة عند مالك ثلاثة دراهم وعند أبي حنيفة عشرة دراهم. والدليل على انه لا يتقدر: ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي قال: أخبرنازاهر بن احمدأخبرناأبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك ، فقامت قياماً طويلاً فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء تصدقها؟ قال: ما عندي إلا إزاري هذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أعطيتها جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً فقال: ما أجد ، فقال: فالتمس ولو خاتماً من حديد، فالتمس فلم يجد شيئاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا- لسور سماها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد زوجتكها بما معك من القرآن }. وفيه دليل على أنه لا تقدير لأقل الصداق، لأنه قال:التمس شيئاً فهذا يدل على جواز أي شيء كان من المال ، وقال: ولو خاتماً من حديد، ولا قيمة لخاتم الحديد إلا القليل التافه. وفي الحديث دليل على أنه يجعل تعليم القرآن صداقاً وهو قول الشافعي رحمه الله ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز، وهو قول أصحاب الرأي، وكل عمل جاز الاستئجار عليه مثل البناء والخياطة وغير ذلك من الأعمال جاز أن يجعل صداقاً ، ولم يجوز أبوحنيفة رضي الله عنه أن يجعل منفعة الحر صداقاً والحديث حجة لمن جوزه بعدما أخبر الله تعالى عن شعيب عليه السلام حيث زوج ابنته من موسى عليهما السلام على العمل، فقال } : إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } (القصص-27).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ۚ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۗ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
25
 
{ قوله تعالى: '' ومن لم يستطع منكم طولاً'' ،أي: فضلاً وسعة،'' أن ينكح المحصنات } ، الحرائر { المؤمنات ، { ،قرأالكسائي'' المحصنات'' بكسر الصاد حيث كان ،إلا قوله في هذه السورة والمحصنات من النساء، وقرأ الآخرون بفتح جميعها ، { فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم ، { ،إمائكم،'' المؤمنات } ، أي: من لم يقدر على مهر الحرة المؤمنة، فليتزوج الأمة المؤمنة. وفيه دليل على أنه لا يجوز للحر نكاح الأمة إلا بشرطين، أحدهما:أن لا يجد مهر حرة، والثاني أن يكون خائفاً على نفسه من العنت، وهو الزنا، لقوله تعالى في آخر الآية :'' ذلك لمن خشي العنت منكم } ، وهو قول جابر رضي الله عنه ، وبه قال طاووس وعمرو بن دينار، وإليه ذهب مالك والشافعي . وجوز أصحاب الرأي للحر نكاح الأمة إلا أن تكون في نكاحه حرة، أما العبد فيجوز له نكاح الأمة وإن كان في نكاحه حرة أو أمة، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجوز إذا كانت تحته حرة، كما يقول في الحر. وفي الآية دليل على أنه لا يجوز للمسلم نكاح الأمة الكتابية لأنه قال ، { فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، { ، جوز نكاح الأمة بشرط أن تكون مؤمنة، وقال في موضع آخر: { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } (المائدة-5) أي: الحرائر، جوز نكاح الكتابية ، بشرط أن تكون حرة، وجوز أصحاب الرأي للمسلم نكاح الأمة الكتابية، وبالاتفاق يجوز وطؤها بملك اليمين. '' والله أعلم بإيمانكم } ، أي : لا تعترضوا للباطن في الإيمان وخذوا بالظاهر فإن الله أعلم بإيمانكم. '' بعضكم من بعض } ، قيل: بعضكم إخوة لبعض، وقيل: كلكم من نفس واحدة فلا تستنكفوا من نكاح الإماء، { فانكحوهن } ، يعني: الإماء'' بإذن أهلهن'' ،أي: مواليهن،'' وآتوهن أجورهن } ، مهورهن،'' بالمعروف ، { من غير مطل وضرار، { محصنات ، { عفائف بالنكاح،'' غير مسافحات ، { ، أي: غير زانيات،'' ولا متخذات أخدان } ، أي أحباب تزنون بهن في السر،قالالحسن: المسافحة هي ان كل من دعاها تبعته، وذات أخذان أي: تختص بواحد لا تزني إلا معه، والعرب كانت تحرم الأولى وتجوز الثانية،'' فإذا أحصن ، { ، قرأحمزةوالكسائي وأبو بكر بفتح الألف والصاد، أي :حفظن فروجهن ، وقال ابن مسعود : أسلمن ، وقرأ الآخرون : { أحصن ، { بضم الألف وكسر الصاد أي زوجن { فإن أتين بفاحشة } ، يعني: الزنا،'' فعليهن نصف ما على المحصنات ، { ، أي : ما على الحرائر الأبكار إذا زنين،'' من العذاب ، { ، يعني : الحد، فيجلد الرقيق إذا زنى خمسين جلدة، وهل يغرب؟ فيه قولان، فإن قلنا يغرب فيغرب نصف سنة على القول الأصح ولا رجم على العبيد. روي عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال:أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتية من قريش فجلدنا ولا ئد من ولائد الإمارة خمسين في الزنا. ولا فرق في حد المملوك بين من تزوج أو لم يتزوج عند أكثر أهل العلم ، وذهب بعضهم إلى أنه لا حد على من لم يتزوج من المماليك إذا زنى،لأن الله تعالى قال:'' فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات ، { وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال طاووس. ومعنى الإحصان عند الآخرين الإسلام ، وإن كان المراد منه التزويج فليس المراد منه أن التزويج شرط لوجوب الحد عليه ، بل المراد منه التنبيه على أن المملوك وإن كان محصناً بالتزويج فلا رجم عليهن إنما حده الجلد بخلافالحر، / فحد الأمة ثابت بهذه الآية ، وبيان أنه بالجلد في الخبر وهو ما أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحيأناأحمد بن عبد الله النعيميأنامحمد بن يوسف أنامحمد بن إسماعيلأناعبد العزيز بن عبد اللهحدثني الليث عن سعيديعني المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: '' إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر }. قوله تعالى:'' ذلك } ، يعني: نكاح الأمة عند عدم الطول،'' لمن خشي العنت منكم } ، ، يعني: الزنا، يريد المشقة لغلبة الشهوة،'' وأن تصبروا ، { ، عن نكاح الإماء متعففين،'' خير لكم ، { ، لئلا يخلق الولد رقيقاً'' والله غفور رحيم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
26
 
{ قوله تعالى:'' يريد الله ليبين لكم'' ،أي: أن يبين لكم ، كقوله تعالى:'' وأمرت لأعدل بينكم } (الشورى-15) أي: أن أعدل، وقوله:'' وأمرنا لنسلم لرب العالمين } (الأنعام-71) وقال في موضع آخر { وأمرت أن أسلم } (غافر -66). الآية:يريد الله أن يبين لكم،أي: يوضح لكم شرائع دينكم ومصالح أموركم، قالعطاء : يبين، لكم ما يقربكم منه، قالالكلبي : يبين لكم أن الصبر عن نكاح الإماء خير لكم ، { ويهديكم ، { ، ويرشدكم،'' سنن ، { ، شرائع،'' الذين من قبلكم } ، في تحريم الأمهات والبنات والأخوات ، فإنها كانت وقيل: ويهديكم الملة الحنيفية وهي ملة إبراهيم عليه السلام، { ويتوب عليكم ، { ، ويتجاوز عنكم ما أصبتم قبل أن يبين لكم، وقيل: يرجع بكم من المعصية التي كنتم عليها إلى طاعتهن وقيل: يوفقكم للتوبة { والله عليم ، { بمصالح عباده في أمر دينهم ودنياهم،'' حكيم ، { ، فيما دبر من أمورهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
27
 
{ والله يريد أن يتوب عليكم ، { ،إن وقع منكم تقصير في أمر دينه ، { ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا } ، عن الحق،'' ميلاً عظيماً ، { بإتيانكم ما حرم عليكم، واختلفوا في الموصوفين باتباع الشهوات ، قالالسدي : هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم : هم المجوس لأنهم يحلون نكاح الأخوات وبنات الأخ والأخت ، وقالمجاهد : هم الزناة يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون، وقيل: هم جميع أهل الباطل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا
    +/- -/+  
الأية
28
 
{ يريد الله أن يخفف عنكم } ، يسهل عليكم في أحكام الشرع، وقد سهل كما قال جل ذكره } : ويضع عنهم إصرهم } (الأعراف -157) وقال النبي صلى الله عليه وسلم :'' بعثت بالحنيفية السمحة السهلة ، { ،'' وخلق الإنسان ضعيفاً } ، قالطاووسوالكلبي وغيرهما أمر النساء: لا يصبر عنهن وقال ابن كيسان:'' خلق الإنسان ضعيفاً ، { يستميله هواه وشهوته، وقال الحسن: هو انه خلق من ماء مهين، بيانه قوله تعالى:'' الله الذي خلقكم من ضعف } (الروم -54).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
29
 
{ قوله تعالى:'' يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، { ، بالحرام ،يعني: بالربا والقمار والغصب والسرقة والخيانة ونحوها، وقيل: هو العقود الفاسدة'' إلا أن تكون تجارة ، { ، قرأ أهل الكوفة { تجارة ، { نصب على خبر كان، أي: إلا أن تكون الأموال تجارة، وقر الآخرون بالرفع ،أي: إلا أن تقع تجارة، { عن تراض منكم } ، أي بطيبة نفس كل واحد منكم. وقيل: هو أن يجيز كل واحد من المتبايعين صاحبه بعد البيع، فيلزم ، وإلا فلهما الخيار مالم يتفرقا لما اخبرناأبو الحسن السرخسيأخبرنازاهر بن أحمد أناأبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عنمالكعننافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ، مالم يتفرقا إلا بيع الخيار }. '' ولا تقتلوا أنفسكم } ، قال أبو عبيدة:أي لا تهلكوها، كما قال: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (البقرة -195) و: لا تقتلوا أنفسكم بأكل المال بالباطل. وقيل: أراد به قتل المسلم نفسه،أخبرناعبد الوهاب بن محمد الخطيبأناعبد العزيز بن أحمد الخلالأناأبو العباس الأصمأناالربيعأنا الشافعي أنا ابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة }. حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي أخبرنا أبو معاذ عبد الرحمن المزني أنا أبو إسحاق إبراهيم بن حماد القاضي أنا أبو موسى الزمن أنا وهب بن جرير أخبرنا أبي قال سمعت الحسن: أخبرنا جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' خرج برجل فيمن كان قبلكم أراب فجزع منه، فأخرج سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات فقال الله عز وجل: بادرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة }. وقال الحسن:'' لا تقتلوا أنفسكم } ، يعني: إخوانكم ،أي: لا يقتل بعضكم بعضاً،'' إن الله كان بكم رحيماً ، { ،أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي انا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا سليمان بن حرب أنا شعبة عن علي بن مدرك قال: سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير عن جده قال: '' قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:استنصت الناس ثم قال: لا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا
    +/- -/+  
الأية
30
 
{ ومن يفعل ذلك ، { ، يعني : ما سبق ذكره من المحرمات،'' عدواناً وظلماً ، { ، فالعدوان مجاوزة الحد ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه ،'' فسوف نصليه } ، ندخله في الآخرة،'' ناراً'' ،يصلى فيها، { وكان ذلك على الله يسيراً } ، هيناً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا
    +/- -/+  
الأية
31
 
{ قوله تعالى:'' إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } ، اختلفوا في الكبائر التي جعل الله اجتنابها تكفيراً للصغائر :أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا احمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن مقاتل أنا النضر أخبرنا شعبة أنا فراسقال: سمعت الشعبي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { الكبائر: الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسدد أنا بشر بن المفضل أنا الجريري عنعبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً قالوا : بلى يا رسول الله ، قال :الإشراك بالله عز وجل، وعقوق الوالدين ، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور ألا وقول الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت }. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا محمد بن كثير أنا سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور، وواصل الأحدب عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنهما قال: { قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، قلت : ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت : ثم أي ؟قال :أن تزاني حليلة جارك /فأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ، { الآية }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات }. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أكبر الكبائر: الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت جميد بن عبد الرحمن يحدث عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' من الكبائر أن يسب الرجل والديه، قالوا: كيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه }. وعن سعيد بن جبير: أن رجلاً سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الكبائر : أسبع هي ؟ قال: هن إلى السبعمائة أقرب إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار، وقال: كل شيء عصي الله به فهو كبيرة ، فمن عمل شيئاً منها فليستغفر فإن الله لا يخلد في النار من هذه الأمة إلا راجعاً عن الإسلام أو جاحداً فريضة أو مكذباً بقدر. وقال عبد الله بن مسعود: ما نهى الله تعالى عنه في هذه السورة إلى قوله تعالى:'' إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ، { فهو كبيرة. وقال علي بن أبي طلحة: هي كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقال الضحاك: ما أوعد الله عليه حداً في الدنيا أو عذاباً في الآخرة. وقال الحسن بن الفضل: ما سماه الله في القرآن كبيراً أو عظيماً نحو قوله تعالى:'' إنه كان حوباً كبيراً } (النساء-2) ، ، { إن قتلهم كان خطأ كبيرا } (الإسراء-31) ،'' إن الشرك لظلم عظيم } (لقمان-13) ،'' إن كيدكن عظيم } (يوسف-28) { هذا بهتان عظيم } (النور-16) { إن ذلكم كان عند الله عظيماً } (الأحزاب -53). قال سفيان الثوري: الكبائر ما كان فيه المظالم بينك وبين العباد، والصغائر ما كان بينك وبين الله تعالى، لأن الله كريم يعفو، واحتج بما أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي الكرماني أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد أنا الحسين بن داؤد البلخي أنا يزيد بن هارون أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' ينادى مناد من بطنان العرش يوم القيامة: يا أمة محمد إن الله عز وجل قد عفا عنكم جميعاً المؤمنين والمؤمنات، تواهبوا المظالم وادخلوا الجنة برحمتي }. وقال مالك بن مغول: الكبائر ذنوب أهل البدع، والسيئات ذنوب أهل السنة. وقيل: الكبائر ذنوب المستحلين مثل ذنب إبليس، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم عليه السلام. وقال السدي: الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبائرن والسيئات مقدماتها وتوابعها ما يجتمع فيه الصالح والفاسق، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها . قال النبي صلى الله عليه وسلم :'' العينان تزنيان، واليدان تزنيانن والرجلان تزنيان، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه }. وقيل: الكبائر ما يستحقره العباد، والصغائر ما يستعظمونه فيخافون مواقعته ، كما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو الوليد أنا مهدي عن غيلان عن أنس قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات. وقيل: الكبائر الشرك، وما يؤدي إليه ، وما دون الشرك فهو السيئات، قال الله تعالى:'' إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } (النساء-48،116). وقوله تعالى:'' إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم'' أي: من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن رمضان إلى رمضان. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن عسيد الأيلي أنا ابن وهب عن أبي صخر أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول } : الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر }. قوله تعالى:'' وندخلكم مدخلاً كريماً'' ،أي: حسناً وهو الجنة، قرأ أهل المدينة'' مدخلاً ، { بفتح الميم ها هنا وفي الحج ، وهو موضع الدخول ، وقرأ الباقون بالضم على المصدر بمعنى الإدخال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
32
 
{ قوله تعالى:'' ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، { الآية، قال مجاهد: قالت أم سلمة : يا رسول الله إن الرجال يغزون ولا نغزو ولهم ضعف ما لنا من الميراث، فلو كنا رجالاً غزونا كما غزوا وأخذنا من الميراث مثل ما أخذوا . فنزلت هذه الآية. وقيل: لما جعل الله عز وجل للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث، وقالت النساء: نحن أحق وأحوج إلى الزيادة من الرجال، لأنا ضعفاء وهم أقوى وأقدر على طلب المعاش، فأنزل الله تعالى: { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض }. وقال قتادة والسدي لما نزل قوله:'' للذكر مثل حظ الأنثيين } ، قال الرجال إنا لنرجو أن نفضل على السناء بحسناتنا في الآخرة فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كما فضلنا عليهن في الميراث فقال الله تعالى:'' للرجال نصيب مما اكتسبوا ، { من الأجر'' وللنساء نصيب مما اكتسبن }. معناه : أن الرجال والنساء في الأجر في الآخرة سواء، وذلك أن الحسنة تكون بعشر أمثالها يستوي فيها الرجال والسناء، وإن فضل الرجال في الدنيا على السناء. وقيل: معناه للرجال نصيب مما اكتسبوا من أمر الجهاد وللنساء نصيب ما اكتسبن من طاعة الأزواج وحفظ الفروج، يعني إن كان للرجال فضل الجهاد فللنساء فضل طاعة الأزواج وحفظ الفروج. قوله تعالى:'' واسألوا الله من فضله } ، قرأ ابن كثير و الكسائي وسلوا، وسل وفسل إذا كان قبل السين واو أو فاء بغير همز، ونقل حركة الهمزة إلى السينن والباقون بسكون السين مهموزاً. فنهى الله تعالى عن التمني لما فيه من دواعي الحسد ، والحسد أن يتمنى زوال النعمة عن صاحبه ويتمناها لنفسه ، وهو حرام، والغبطة أن يتمنى لنفسه/ مثل ما لصاحبه وهو جائز . قال الكلبي: لا يتمنى الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمه، ولكن ليقل اللهم ارزقني مثله، وهو كذلك في التوراة كذلك في القرآن. قوله'' واسألوا الله من فضله ، { قال ابن عباس: واسألوا الله من فضله: أي: من رزقه، قال سعيد بن جبير: من عبادته ، فهو سؤال التوفيق للعبادة، قال سفيان بن عيينة: لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي.'' إن الله كان بكل شيء عليماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا
    +/- -/+  
الأية
33
 
{ قوله تعالى:'' ولكل جعلنا موالي'' أي: ولكل واحد من الرجال والنساء جعلنا موالي،أي: عصبة يعطون'' مما ترك الوالدان والأقربون ، { ، والوالدان والأقربون هم المورثون ، (وقيل: معناه ولكل جعلنا موالي أي: ورثة، مما ترك أي: من الذين تركهم ويكون ، { ما } ، بمعنى(من) ثم فسر'' الموالي ، { فقال: الوالدان والأقربون هم الوارثون.) '' والذين عقدت أيمانكم } ، قرأ أهل الكوفة { عقدت'' بلا ألف أي: عقدت لهم أيمانكم، وقرأ الآخرون: { عقدت أيمانكم ، { والمعاقدة: المحالفة والمعاهدة من والأيمان جمع يمين، من اليد والقسم ، وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد . ومحالفتهم أن الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من مال الحليف، وكان ذلك ثابتاً في ابتداء الإسلام فذلك قوله تعالى:'' فآتوهم نصيبهم } ، أي: أعطوهم حظهم من الميراث، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى'' وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } (الأحزاب-6). وقال إبراهيم ومجاهد: أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والرفد ولا ميراث ، وعلى هذا تكون هذه الآية غير منسوخة لقوله تعالى:'' أوفوا بالعقود } (المائدة-1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم فتح مكة } : لا تحدثوا حلفاً في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا فيه فإنه لم يزيده الإسلام إلا شدة }. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار حين قدموا المدينة وكان يتوارثون بتلك المؤاخاة دون الرحم، فلما نزلت'' ولكل جعلنا موالي ، { نسخت، ثم قال:'' والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ، { من النصر والرفادة والنصيحة ، وقد ذهب الميراث فيوصي له . وقال سعيد بن المسيب: كانوا يتوارثون بالتبني وهذه الآية فيه ثم نسخ.'' إن الله كان على كل شيء شهيداً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
34
 
{ قوله عز وجل:'' الرجال قوامون على النساء ، { ، الآية ، { نزلت في سعد بن الربيع وكان من النقباء وفي امرأته حبيبة بن زيد بن أبي زهيرن قاله مقاتل، وقال الكلبي : امرأته حبيبة بنت محمد بن مسلمة ، وذلك إنها نشرت عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم :لتقتص من زوجها، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فجاء جبريل عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم :ارجعوا هذا جبريل أتاني بشيء فأنزل الله هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم :أردنا أمراً وأراد الله أمراً ، والذي أراد الله خير ، { ورفع القصاص. قوله تعالى:'' الرجال قوامون على النساء'' أي: مسلطون على تأديبهن ، والقوام والقيم بمعنى واحد، والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب. '' بما فضل الله بعضهم على بعض } ، يعني: الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية، وقيل: بالشهادة،لقوله تعالى:'' فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } (البقرة - 282 ) وقيل: بالجهاد، وقيل: بالعبادات من الجمعة والجماعة،وقيل: هو أن الرجل ينكح أربعاً ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد ، وقيل: بأن الطلاق بيده، وقيل: بالميراث، وقيل: بالدية ، وقيل: بالنبوة. '' وبما أنفقوا من أموالهم } ، يعني: إعطاء المهر والنفقة، أخبرناأحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد ابن عيسى البرتي أنا أبو حذيفة أنا سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها }. قوله تعالى:'' فالصالحات قانتات'' ،أي: مطيعات'' حافظات للغيب } ، أي: حافظات للفروج في غيبة الأزواج ، وقيل: حافظات لسرهم'' بما حفظ الله } ، قرأ أبو جعفر { بما حفظ الله ، { بالنصب، أي: يحفظن الله في الطاعة ، وقراءة العامة بالفرع ، أي: بما حفظهن الله بإيصاء الأزواج بحقهن وأمرهم بأداء المهر والنفقة. وقيل: حافظات للغيب بحفظ الله ، أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله ابن فنجوية أخبرنا عمر بن الخطاب أنا محمد بن إسحاق المسوحي أنا الحارث بن عبد الله أنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرتك وإن أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها ، { ثم تلا:'' الرجال قوامون على النساء'' الآية. '' واللاتي تخافون نشوزهن } ، عصيانهن،وأصل النشوز: التكبر والارتفاع، ومنه النشز للموضع المرتفع،'' فعظوهن } ، ، بالتخويف من اللهو الوعظ بالقول،'' واهجروهن } ، يعني:إن لم ينزعن عن ذلك بالقول فاهجروهن'' في المضاجع } ، قال ابن عباس: يوليها ظهره في الفراش ولا يكلمها، وقال غيره: يعتزل عنها إلى فراش آخر،'' واضربوهن } ، يعني:إن لم ينزعن مع الهجران فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولا شائن، وقال عطاء: ضرباً بالسواك وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: '' حق المرأة أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت }. '' فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً } ، أي: لا تجنوا عليهن الذنوب، وقال ابن عيينة: لا تكلفوهن محبتكم فإن القلب ليس بأيديهن.'' إن الله كان علياً كبيراً } ، متعالياً من إن يكلف العباد مالا يطيقونه ، وظاهر الآية يدل على أن الزوج يجمع عليها بين الوعظ والهجران والضرب، فذهب بعضهم إلى ظاهرها وقال: إذا ظهر منها النشوز جمع بين هذه الأفعال ، وحمل الخوف في قوله'' واللاتي تخافون نشوزهن } ، على العلم كقوله تعالى:'' فمن خاف من موص جنفاً } (البقرة-182) أي :علم ،ومنهم من حمل الخوف على الخشية لا على حقيقة العلم، كقوله تعالى:'' وإما تخافن من قوم خيانةً } (الأنفال-58) وقال: هذه الأفعال على ترتيب الجرائم ، فإن خاف نشوزها بان ظهرت أمارته منها من المخاشنة وسوء الخلق وعظها،/ فإن أبدت النشوز هجرها، فإن أصرت على ذلك ضربها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
35
 
{ قوله تعالى:'' وإن خفتم شقاق بينهما'' ،يعني: شقاقاً بين الزوجين،[والخوف بمعنى اليقين، وقيل: هو بمعنى الظن يعني: إن ظننتم شقاق بينهما. وجملته : أنه إذا ظهر بين الزوجين] شقاق واشتبه حالهما فلم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية وخرجا إلى مالا يحل قولاً وفعلاً بعث الإمام حكماً من أهله إليه وحكماً من أهلها إليها، رجلين حرين عدلين، ليستطلع كل واحد من الحكمين رأي من بعث إليه إن كانت رغبته في الوصلة أو في الفرقة ، ثم يجتمع الحكمان فينفذان ما يجتمع عليها رأيهما من الصلاح، فذلك قوله عز وجل :'' فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً } ، يعني: الحكمين،'' يوفق الله بينهما } ، يعني: بين الزوجين، وقيل: بين الحكمين،'' إن الله كان عليماً خبيراً }. [أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا الثففي عن أيوب عن ابن سيرين عن] عبيدة أنه قال في هذه الآية ، { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها } ، قال: جاء رجل وامرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومع كل أحد منهما فئام من النس ، فأمرهم علي رضي الله عنه فبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ثم قال للحكمين : أتدريان ما عليكما ؟ أن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، فقال الرجل: أما لا فرقة فلا ، فقال علي رضي الله عنه: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به. واختلف القول في جواز بعث الحكمين من غير رضا الزوجين: وأصح القولين أنه لا يجوز إلا برضاهما، ولي سلحكم الزوج أن يطلق دون رضاه، ولا لحكم المرأة أن يخالع على مالها إلا بإذنها ، وهو قول أصحاب الرأي لأن علياً رضي الله عنه ، حين قال الرجل: أما لا فرقة فلا ، قال: كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرب به. فثبت أن تنفيذ الأمر موقوف على إقرارة ورضاه. والقول الثاني: يجوز بعث الحكمين دون رضاهما، ويجوز لحكم الزوج أن يطلق دون رضاه ولحكم المرأة أن يخلق دون رضاها، إذا رأيا الصلاح ، كالحاكم يحكم بين الخصمين وإن لم يكن على وفق مرادهما، وبه قال مالك، ومن قال بهذا قال: ليس المراد من قول علي رضي الله عنه لرجل تقر: أن رضاه شرط ، بل معناه:أن المرأة رضيت بما في كتاب الله [فقال الرجل: أما الفرقة فلا ، يعني: الفرقة ليست في الكتاب الله ] فقال علي: كذبت حيث أنكرت أن الفرقة في كتاب الله ، بل هي في كتاب الله، [فإن قوله تعالى:'' يوفق الله بينهما ، { يشتمل على الفراق وغيره] لأن التوفيق أن يخرج كل واحد منهما من الوزر وذلك تارة يكون بالفرقة وتارةً بصلاح حالهما في الوصلة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
    +/- -/+  
الأية
36
 
{ قوله تعالى:'' واعبدوا الله'' أي: وحدوه وأطيعوه،'' ولا تشركوا به شيئاً }[أخبرنا أبو حامد أحمد ابن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا علي أبو إسماعيل محمد بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي] عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: '' كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل تدري يا معاذ ما حق الله على الناس؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم ، قال : حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، أتدري يا معاذ ما حق الناس على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال:قلت الله ورسوله أعلم قال : فإن حق الناس على الله أن لا يعذبهم قال : قلت يا رسول الله ألا أبشر الناس قال دعهم يعملون ، { قوله تعالى:'' وبالوالدين إحساناً } ، براً بهما وعطفاً عليهما ، { وذي القربى } ، أي:أحسنوا بذي القربي،'' واليتامى والمساكين'' ،[أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمرو بن زرارة أنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل ابن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً }. [أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله ابن مبارك عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم] عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تمر عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وقرن بين أصبعيه؟ ، { قوله تعالى: { والجار ذي القربى'' أي: ذي القرابة،'' والجار الجنب } ، أي: البعيد الذي ليس بينك وبينه قرابة. [أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة عن أبي عمران الجوني قال: سمعت] طلحة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: '' يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك باباً ، { أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفراييني أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق أنا يزيد بن سنان أخبرنا عثمان بن عمر أخبرنا أبو عامر الخزاز عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجة طلق، وإذا طبخت مرقةً فأكثر ماءها واغرف لجيرانك منها ، { أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد ابن إسماعيل أنا محمد بن منهال أنا يزيد بن زريع أنا عمر بن محمد عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه }. قوله تعالى:'' والصاحب بالجنب } ، يعني: الرفيق في لاسفر، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة وعكرمة وقتادة ، وقال علي وعبد الله والنخعي: هو المرأة تكون معه إلى جنبه ، وقال ابن جريج وابن زيد: هو الذي يصحبك رجاء نفعك. '' وابن السبيل } ، قيل: هو المسافر لأنه ملازم للسبيل، والأكثرون: على أنه الضيف ، أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفراييني أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق أنا شعيب بن عمرو الدمشقي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمعنافع بن جبير عن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' من كان يؤمن بالله واليوم الآخرفليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً لو ليصمت }. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام ، وما كان بعد ذلك فهو صدقة ، ولا يحل أن يثوي-أي: أن يقيم- عنده حتى يحرجه }. قوله تعالى:'' وما ملكت أيمانكم'' ،أي: المماليك أحسنوا إليهم ، أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو العباس الطحان أنا أبو أحمد محمد بن قريش أنا علي بن عبد العزيز الملكي أنا أبو عبيد القاسم ابن سلام أنا يزيد عن همام عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة رضي الله عنها { عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول في مرضه: الصلاة وما ملكت أيمانكم فجعل يتكلم وما يفيض بها لسانه }. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أنا محمد ابن إسماعيل أنا عمر بن حفص أنا أبي أنا الأعمش عن المعرور عن أبي ذر رضي الله عنه قال: { رأيت عليه برداً وعلى غلامه برد ، فقلت: لو أخذت هذا فلبسته كانا حلةً وأعطيته ثوباً آخر، فقال: كان بيني وبين رجل كلام وكانت أمة أعجمية فنلت منها فذكرني إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي أساببت فلاناً؟ قلت: نعم، قال: أفنلت أمة؟ قلت: نعم ، قال إنك امرؤ فيك جاهلية، قلت: على ساعتي هذه من كبر السن ؟ قال: نعم ، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا يكلفه من العمل ما يغلبه ، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه'' ؟ أخبرنا الإمام أبو الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر الزيادي أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر أنا سهل بن عمار أنا يزيد بن هارون أخبرنا صدقة بن موسى عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عن أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، { لا يدخل الجنة سيء الملكة }. '' إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً ، { المختال : المتكبر ، والفخور : الذي يفتخر على الناس بغير الحق تكبراً، ذكر هذا بعدما ذكر من الحقوق ، لأن المتكبر يمنع الحق تكبراً. أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر الزيادي أنا محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال: أنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة }. اخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن احمد أنا إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
    +/- -/+