يَا أَيُّهَا أي يا ذا الذي قد تدثر بثيابه , أي تغشى بها ونام , وأصله المتدثر
فأدغمت التاء في الدال لتجانسهما . وقرأ أبي }{ المتدثر }{ على الأصل . وقال مقاتل :
معظم هذه السورة في الوليد بن المغيرة . وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله وكان من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدث - قال . قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي - قال في حديثه : ( فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من
السماء فرفعت رأسي , فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض
) . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فجئثت منه فرقا , فرجعت فقلت زملوني
زملوني , فدثروني , فأنزل الله تعالى : { يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر
. وثيابك فطهر . والرجز فاهجر } ) في رواية - قبل أن تفرض الصلاة - وهي الأوثان قال :
( ثم تتابع الوحي ) . خرجه الترمذي أيضا وقال : حديث حسن صحيح . قال مسلم : وحدثنا
زهير بن حرب , قال : حدثنا الوليد بن مسلم , قال : حدثنا الأوزاعي قال : سمعت يحيى
يقول : سألت أبا سلمة : أي القرآن أنزل قبل ؟ قال : { يا أيها المدثر }{ فقلت : أو }
اقرأ } . فقال : سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل ؟ قال : { يا أيها المدثر
{ فقلت : أو }{ اقرأ }{ فقال جابر : أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
قال : ( جاورت بحراء شهرا , فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي , فنوديت
فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا , ثم نوديت فنظرت فلم أر أحدا ,
ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء - يعني جبريل صلى الله عليه وسلم
فأخذتني رجفة شديدة , فأتيت خديجة فقلت دثروني , فدثروني فصبوا علي ماء , فأنزل
الله عز وجل : { يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر وثيابك فطهر } ) خرجه البخاري
وقال فيه : ( فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي ماء باردا , فدثروني وصبوا علي ماء
باردا فنزلت : { يا أيها المدثر . قم فأنذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر . والرجز فاهجر
. ولا تمنن تستكثر } ) . ابن العربي : وقد قال بعض المفسرين إنه جرى على النبي صلى
الله عليه وسلم من عقبة [ بن ربيعة ] أمر , فرجع إلى منزله مغموما , فقلق واضطجع ,
فنزلت : { يا أيها المدثر }{ وهذا باطل . وقال القشيري أبو نصر : وقيل بلغه قول كفار
مكة أنت ساحر , فوجد من ذلك غما وحم , فتدثر بثيابه , فقال الله تعالى : { قم فأنذر
{ أي لا تفكر في قولهم , وبلغهم الرسالة . وقيل : اجتمع أبو لهب وأبو سفيان والوليد
بن المغيرة والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل ومطعم بن عدي وقالوا : قد
اجتمعت وفود العرب في أيام الحج , وهم يتساءلون عن أمر محمد , وقد اختلفتم في
الإخبار عنه ; فمن قائل يقول مجنون , وآخر يقول كاهن , وآخر يقول شاعر , وتعلم
العرب أن هذا كله لا يجتمع في رجل واحد , فسموا محمدا باسم واحد يجتمعون عليه ,
وتسميه العرب به , فقام منهم رجل فقال : شاعر ; فقال الوليد : سمعت كلام ابن الأبرص
, وأمية بن أبي الصلت , وما يشبه كلام محمد كلام واحد منهما ; فقالوا : كاهن . فقال
: الكاهن يصدق ويكذب وما كذب محمد قط ; فقام آخر فقال : مجنون ; فقال الوليد :
المجنون يخنق الناس وما خنق محمد قط . وانصرف الوليد إلى بيته , فقالوا : صبأ الوليد
بن المغيرة ; فدخل عليه أبو جهل وقال : ما لك يا أبا عبد شمس ! هذه قريش تجمع لك
شيئا يعطونكه , زعموا أنك قد احتجت وصبأت . فقال الوليد : ما لي إلى ذلك حاجة ,
ولكني فكرت في محمد , فقلت : ما يكون من الساحر ؟ فقيل : يفرق بين الأب وابنه ,
وبين الأخ وأخيه , وبين المرأة وزوجها , فقلت : إنه ساحر . شاع هذا في الناس وصاحوا
يقولون : إن محمدا ساحر . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته محزونا فتدثر
بقطيفة , ونزلت : { يا أيها المدثر } . وقال عكرمة : معنى }{ يا أيها المدثر }{ أي
المدثر بالنبوة وأثقالها . ابن العربي : وهذا مجاز بعيد ; لأنه لم يكن تنبأ بعد
. وعلى أنها أول القرآن لم يكن تمكن منها بعد أن كانت ثاني ما نزل . قوله تعالى : { يا أيها المدثر } : ملاطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب إذ ناداه بحاله , وعبر
عنه بصفته , ولم يقل يا محمد ويا فلان , ليستشعر اللين والملاطفة من ربه كما تقدم
في سورة }{ المزمل } . ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي إذ نام في المسجد : (
قم أبا تراب ) وكان خرج مغاضبا لفاطمة رضي الله عنها فسقط رداؤه وأصابه ترابه ;
خرجه مسلم . ومثله قوله عليه الصلاة والسلام لحذيفة ليلة الخندق : ( قم يا نومان )
وقد تقدم .
أي خوف أهل مكة وحذرهم العذاب إن لم يسلموا . وقيل : الإنذار هنا إعلامهم بنبوته ;
لأنه مقدمة الرسالة . وقيل : هو دعاؤهم إلى التوحيد ; لأنه المقصود بها . وقال
الفراء : قم فصل وأمر بالصلاة .
أي سيدك ومالكك ومصلح أمرك فعظم , وصفه بأنه أكبر من أن يكون له صاحبة أو ولد . وفي
حديث أنهم قالوا : بم تفتتح الصلاة ؟ فنزلت : { وربك فكبر }{ أي وصفه بأنه أكبر . قال
ابن العربي : وهذا القول وإن كان يقتضي بعمومه تكبير الصلاة , فإنه مراد به التكبير
والتقديس والتنزيه , لخلع الأنداد والأصنام دونه , ولا تتخذ وليا غيره , ولا تعبد
سواه , ولا ترى لغيره فعلا إلا له , ولا نعمة إلا منه . وقد روي أن أبا سفيان قال
يوم أحد : اعل هبل ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قولوا الله أعلى وأجل ) وقد
صار هذا اللفظ بعرف الشرع في تكبير العبادات كلها أذانا وصلاة وذكرا بقوله : { الله
أكبر }{ وحمل عليه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم الوارد على الإطلاق في موارد ; منها
قوله : ( تحريمها التكبير , وتحليلها التسليم ) والشرع يقتضي بعرفه ما يقتضي بعمومه
, ومن موارده أوقات الإهلال بالذبائح لله تخليصا له من الشرك , وإعلانا باسمه في
النسك , وإفرادا لما شرع منه لأمره بالسفك . قلت : قد تقدم في أول سورة }{ البقرة }
أن هذا اللفظ }{ الله أكبر }{ هو المتعبد به في الصلاة , المنقول عن النبي صلى الله
عليه وسلم . وفي التفسير أنه لما نزل قوله تعالى : { وربك فكبر }{ قام رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال : ( الله أكبر ) فكبرت خديجة , وعلمت أنه الوحي من الله تعالى
; ذكره القشيري . الفاء في قوله تعالى : { وربك فكبر }{ دخلت على معنى جواب الجزاء
كما دخلت في ( فأنذر ) أي قم فأنذر وقم فكبر ربك ; قاله الزجاج . وقال ابن جني : هو
كقولك زيدا فاضرب ; أي زيدا اضرب , فالفاء زائدة .
فيه ثمانية أقوال : أحدهما أن المراد بالثياب العمل . الثاني القلب . الثالث النفس
. الرابع الجسم . الخامس الأهل . السادس الخلق . السابع الدين . الثامن الثياب الملبوسات
على الظاهر . فمن ذهب إلى القول الأول قال : تأويل الآية وعملك فأصلح ; قاله مجاهد
وابن زيد . وروى منصور عن أبي رزين قال : يقول وعملك فأصلح ; قال : وإذا كان الرجل
خبيث العمل قالوا إن فلانا خبيث الثياب , وإذا كان حسن العمل قالوا إن فلانا طاهر
الثياب ; ونحوه عن السدي . ومنه قول الشاعر : لاهم إن عامر بن جهم أوذم حجا في ثياب
دسم ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يحشر المرء في ثوبيه
اللذين مات عليهما ) يعني عمله الصالح والطالح ; ذكره الماوردي . ومن ذهب إلى القول
الثاني قال : إن تأويل الآية وقلبك فطهر ; قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ; دليله قول
امرئ القيس : فسلي ثيابي من ثيابك تنسل أي قلبي من قلبك . قال الماوردي : ولهم في
تأويل الآية وجهان : أحدهما : معناه وقلبك فطهر من الإثم والمعاصي ; قاله ابن عباس
وقتادة . الثاني : وقلبك فطهر من الغدر ; أي لا تغدر فتكون دنس الثياب . وهذا مروي عن
ابن عباس , واستشهد بقول غيلان بن سلمة الثقفي : فإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست
ولا من غدرة أتقنع ومن ذهب إلى القول الثالث قال : تأويل الآية ونفسك فطهر ; أي من
الذنوب . والعرب تكني عن النفس بالثياب ; قاله ابن عباس . ومنه قول عنترة : فشككت
بالرمح الطويل ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم وقال امرؤ القيس : فسلي ثيابي من
ثيابك تنسل وقال : ثياب بني عوف طهارى نقية وأوجههم بيض المسافر غران أي أنفس بني
عوف . ومن ذهب إلى القول الرابع قال : تأويل الآية وجسمك فطهر ; أي عن المعاصي
الظاهرة . ومما جاء عن العرب في الكناية عن الجسم بالثياب قول ليلى , وذكرت إبلا :
رموها بأثياب خفاف فلا ترى لها شبها إلا النعام المنفرا أي ركبوها فرموها بأنفسهم .
ومن ذهب إلى القول الخامس قال : تأويل الآية وأهلك فطهرهم من الخطايا بالوعظ
والتأديب ; والعرب تسمي الأهل ثوبا ولباسا وإزارا ; قال الله تعالى : { هن لباس لكم
وأنتم لباس لهن } [ البقرة : 187 ] . الماوردي : ولهم في تأويل الآية وجهان : أحدهما
: معناه ونساءك فطهر , باختيار المؤمنات العفائف . الثاني : الاستمتاع بهن في القبل
دون الدبر , في الطهر لا في الحيض . حكاه ابن بحر . ومن ذهب إلى القول السادس قال :
تأويل الآية وخلقك فحسن قاله الحسن والقرظي ; لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله
اشتمال ثيابه على نفسه . وقال الشاعر : ويحيى لا يلام بسوء خلق ويحيى طاهر الأثواب
حر أي حسن الأخلاق . ومن ذهب إلى القول السابع قال : تأويل الآية ودينك فطهر . وفي
الصحيحين عنه عليه السلام قال : ( ورأيت الناس وعليهم ثياب , منها ما يبلغ الثدي ,
ومنها ما دون ذلك , ورأيت عمر بن الخطاب وعليه إزار يجره ) . قالوا : يا رسول الله
فما أولت ذلك ؟ قال : الدين . وروى ابن وهب عن مالك أنه قال : ما يعجبني أن أقرأ
القرآن إلا في الصلاة والمساجد لا في الطريق , قال الله تعالى : { وثيابك فطهر }
يريد مالك أنه كنى عن الثياب بالدين . وقد روى عبد الله بن نافع عن أبي بكر بن عبد
العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن مالك بن أنس في قوله تعالى : { وثيابك فطهر
{ أي لا تلبسها على غدرة ; ومنه قول أبي كبشة : ثياب بني عوف طهارى نقية وأوجههم
بيض المسافر غران يعني بطهارة ثيابهم : سلامتهم من الدناءات , ويعني بغرة وجوههم
تنزيههم عن المحرمات , أو جمالهم في الخلقة أو كليهما ; قاله ابن العربي . وقال
سفيان بن عيينة : لا تلبس ثيابك على كذب ولا جور ولا غدر ولا إثم ; قاله عكرمة
. ومنه قول الشاعر : أوذم حجا في ثياب دسم أي قد دنسها بالمعاصي . وقال النابغة :
رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب ومن ذهب إلى القول الثامن قال
: إن المراد بها الثياب الملبوسات , فلهم في تأويله أربعة أوجه : أحدهما : معناه
وثيابك فأنق ; ومنه قول امرئ القيس : ثياب بني عوف طهارى نقية الثاني : وثيابك فشمر
وقصر , فإن تقصير الثياب أبعد من النجاسة , فإذا انجرت على الأرض لم يؤمن أن يصيبها
ما ينجسها , قاله الزجاج وطاوس . الثالث : { وثيابك فطهر }{ من النجاسة بالماء ;
قاله محمد بن سيرين وابن زيد والفقهاء . الرابع : لا تلبس ثيابك إلا من كسب حلال
لتكون مطهرة من الحرام . وعن ابن عباس : لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طاهر .
ابن العربي وذكر بعض ما ذكرناه : ليس بممتنع أن تحمل الآية على عموم المراد فيها
بالحقيقة والمجاز , وإذا حملناها على الثياب المعلومة الطاهرة فهي تتناول معنيين :
أحدهما : تقصير الأذيال ; لأنها إذا أرسلت تدنست , ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي
الله عنه لغلام من الأنصار وقد رأى ذيله مسترخيا : ارفع إزارك فإنه أتقى وأنقى
وأبقى . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه , لا
جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين , ما كان أسفل من ذلك ففي النار ) فقد جعل النبي
صلى الله عليه وسلم الغاية في لباس الإزار الكعب وتوعد ما تحته بالنار , فما بال
رجال يرسلون أذيالهم , ويطيلون ثيابهم , ثم يتكلفون رفعها بأيديهم , وهذه حالة
الكبر , وقائدة العجب , ( وأشد ما في الأمر أنهم يعصون وينجسون ويلحقون أنفسهم )
بمن لم يجعل الله معه غيره ولا ألحق به سواه . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا
ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء ) ولفظ الصحيح : ( من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله
إليه يوم القيامة ) . قال أبو بكر : يا رسول الله ! إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن
أتعاهد ذلك منه ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لست ممن يصنعه خيلاء ) فعم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي , واستثنى الصديق , فأراد الأدنياء إلحاق
أنفسهم بالرفعاء , وليس ذلك لهم . والمعنى الثاني : غسلها من النجاسة وهو ظاهر منها
, صحيح فيها . المهدوي : وبه استدل بعض العلماء على وجوب طهارة الثوب ; قال ابن
سيرين وابن زيد : لا تصل إلا في ثوب طاهر . واحتج بها الشافعي على وجوب طهارة الثوب
. وليست عند مالك وأهل المدينة بفرض , وكذلك طهارة البدن , ويدل على ذلك الإجماع على
جواز الصلاة بالاستجمار من غير غسل . وقد مضى هذا القول في سورة }{ التوبة }{ مستوفى .
قال مجاهد وعكرمة : يعني الأوثان ; دليله قوله تعالى : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان
" [ الحج : 30 ] . قاله ابن عباس وابن زيد . وعن ابن عباس أيضا : والمأثم فاهجر ; أي
فاترك . وكذا روى مغيرة عن إبراهيم النخعي قال : الرجز الإثم . وقال قتادة : الرجز :
إساف ونائلة , صنمان كانا عند البيت . وقيل : الرجز العذاب , على تقدير حذف المضاف
; المعنى : وعمل الرجز فاهجر , أو العمل المؤدي إلى العذاب . وأصل الرجز العذاب ,
قال الله تعالى : { لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك } [ الأعراف : 134 ] . وقال تعالى
: { فأرسلنا عليهم رجزا من السماء } [ الأعراف : 162 ] . فسميت الأوثان رجزا ; لأنها
تؤدي إلى العذاب . وقراءة العامة }{ الرجز }{ بكسر الراء . وقرأ الحسن وعكرمة ومجاهد
وابن محيصن وحفص عن عاصم }{ والرجز }{ بضم الراء وهما لغتان مثل الذكر والذكر . وقال
أبو العالية والربيع والكسائي : الرجز بالضم : الصنم , وبالكسر : النجاسة والمعصية
. وقال الكسائي أيضا : بالضم : الوثن , وبالكسر : العذاب . وقال السدي : الرجز بنصب
الراء : الوعيد .
فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { ولا تمنن تستكثر }{ فيه أحد عشر تأويلا ;
الأول : لا تمنن على ربك بما تتحمله من أثقال النبوة , كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب
الغير . الثاني : لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها ; قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة
. قال الضحاك : هذا حرمه الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه مأمور بأشرف
الآداب وأجل الأخلاق , وأباحه لأمته ; وقاله مجاهد . الثالث : عن مجاهد أيضا لا
تضعف أن تستكثر من الخير ; من قولك حبل منين إذا كان ضعيفا ; ودليله قراءة ابن
مسعود }{ ولا تمنن تستكثر من الخير } . الرابع : عن مجاهد أيضا والربيع : لا تعظم
عملك في عينك أن تستكثر من الخير , فإنه مما أنعم الله عليك . قال ابن كيسان : لا
تستكثر عملك فتراه من نفسك , إنما عملك منة من الله عليك ; إذ جعل الله لك سبيلا
إلى عبادته . الخامس : قال الحسن : لا تمنن على الله بعملك فتستكثره . السادس : لا
تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجرا تستكثر به . السابع : قال القرظي
: لا تعط مالك مصانعة . الثامن : قال زيد بن أسلم : إذا أعطيت عطية فأعطها لربك .
التاسع : لا تقل دعوت فلم يستجب لي . العاشر : لا تعمل طاعة وتطلب ثوابها , ولكن
اصبر حتى يكون الله هو الذي يثيبك عليها . الحادي عشر : لا تفعل الخير لترائي به
الناس . الثانية : هذه الأقوال وإن كانت مرادة فأظهرها قول ابن عباس : لا تعط لتأخذ
أكثر مما أعطيت من المال ; يقال : مننت فلانا كذا أي أعطيته . ويقال للعطية المنة ;
فكأنه أمر بأن تكون عطاياه لله , لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها ; لأنه عليه
السلام ما كان يجمع الدنيا , ولهذا قال : ( ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس
والخمس مردود عليكم ) . وكان ما يفضل من نفقة عياله مصروفا إلى مصالح المسلمين ;
ولهذا لم يورث ; لأنه كان لا يملك لنفسه الادخار والاقتناء , وقد عصمه الله تعالى
عن الرغبة في شيء من الدنيا ; ولذلك حرمت عليه الصدقة وأبيحت له الهدية , فكان
يقبلها ويثيب عليها . وقال : ( لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت )
ابن العربي : وكان يقبلها سنة ولا يستكثرها شرعة , وإذا كان لا يعطي عطية يستكثر
بها فالأغنياء أولى بالاجتناب ; لأنها باب من أبواب المذلة , وكذلك قول من قال : إن
معناها لا تعطي عطية تنتظر ثوابها , فإن الانتظار تعلق بالأطماع , وذلك في حيزه
بحكم الامتناع , وقد قال الله تعالى له : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا
منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى } [ طه : 131 ] . وذلك جائز
لسائر الخلق ; لأنه من متاع الدنيا , وطلب الكسب والتكاثر بها . وأما من قال أراد به
العمل أي لا تمنن بعملك على الله فتستكثره فهو صحيح ; فإن ابن آدم لو أطاع الله
عمره من غير فتور لما بلغ لنعم الله بعض الشكر الثالثة : قوله تعالى : { ولا تمنن }
قراءة العامة بإظهار التضعيف . وقرأ أبو السمال العدوي وأشهب العقيلي والحسن }{ ولا
تمن }{ مدغمة مفتوحة . { تستكثر } : قراءة العامة بالرفع وهو في معنى الحال , تقول :
جاء زيد يركض أي راكضا ; أي لا تعط شيئا مقدرا أن تأخذ بدله ما هو أكثر منه . وقرأ
الحسن بالجزم على جواب النهي وهو رديء ; لأنه ليس بجواب . ويجوز أن يكون بدلا من }
تمنن }{ كأنه قال : لا تستكثر . وأنكره أبو حاتم وقال : لأن المن ليس بالاستكثار
فيبدل منه . ويحتمل أن يكون سكن تخفيفا كعضد . أو أن يعتبر حال الوقف . وقرأ الأعمش
ويحيى }{ تستكثر }{ بالنصب , توهم لام كي , كأنه قال : ولا تمنن لتستكثر . وقيل : هو
بإضمار }{ أن }{ كقوله : ( ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ) ويؤيده قراءة ابن مسعود }
ولا تمنن أن تستكثر } . قال الكسائي : فإذا حذف }{ أن }{ رفع وكان المعنى واحدا . وقد
يكون المن بمعنى التعداد على المنعم عليه بالنعم , فيرجع إلى القول [ الثاني ] ,
ويعضده قوله تعالى : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } [ البقرة : 264 ] وقد يكون
مرادا في هذه الآية . والله أعلم .
أي ولسيدك ومالكك فاصبر على أداء فرائضه وعبادته . وقال مجاهد : على ما أوذيت . وقال
ابن زيد : حملت أمرا عظيما ; محاربة العرب والعجم , فاصبر عليه لله . وقيل : فاصبر
تحت موارد القضاء لأجل الله تعالى . وقيل : فاصبر على البلوى ; لأنه يمتحن أولياءه
وأصفياءه . وقيل : على أوامره ونواهيه . وقيل : على فراق الأهل والأوطان .
إذا نفخ في الصور . والناقور : فاعول من النقر , كأنه الذي من شأنه أن ينقر فيه
للتصويت , والنقر في كلام العرب : الصوت ; ومنه قول امرئ القيس أخفضه بالنقر لما
علوته ويرفع طرفا غير خاف غضيض وهم يقولون : نقر باسم الرجل إذ دعاه مختصا له
بدعائه . وقال مجاهد وغيره : هو كهيئة البوق , ويعني به النفخة الثانية . وقيل :
الأولى ; لأنها أول الشدة الهائلة العامة . وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في }{ النمل
{ و }{ الأنعام }{ وفي كتاب }{ التذكرة } , والحمد لله . وعن أبي حبان قال : أمنا
زرارة بن أوفى فلما بلغ }{ فإذا نقر في الناقور }{ خر ميتا .
أي فذلك اليوم يوم شديد و }{ يومئذ }{ نصب على تقدير فذلك يوم عسير يومئذ . وقيل : جر
بتقدير حرف جر , مجازه : فذلك في يومئذ . وقيل : يجوز أن يكون رفعا إلا أنه بني على
الفتح لإضافته إلى غير متمكن .
عَلَى الْكَافِرِينَ أي على من كفر بالله وبأنبيائه صلى الله عليهمغَيْرُ يَسِيرٍ
أي غير سهل ولا هين ; وذلك أن عقدهم لا تنحل إلا إلى عقدة أشد منها , بخلاف
المؤمنين الموحدين المذنبين فإنها تنحل إلى ما هو أخف منها حتى يدخلوا الجنة برحمة
الله تعالى .
( ذرني ) أي دعني ; وهي كلمة وعيد وتهديد . { ومن خلقت }{ أي دعني والذي خلقته وحيدا
; ف }{ وحيدا }{ على هذا حال من ضمير المفعول المحذوف , أي خلقته وحده , لا مال له
ولا ولد , ثم أعطيته بعد ذلك ما أعطيته . والمفسرون على أنه الوليد بن المغيرة
المخزومي , وإن كان الناس خلقوا مثل خلقه . وإنما خص بالذكر لاختصاصه بكفر النعمة
وإيذاء الرسول عليه السلام , وكان يسمى الوحيد في قومه . قال ابن عباس : كان الوليد
يقول : أنا الوحيد بن الوحيد , ليس لي في العرب نظير , ولا لأبي المغيرة نظير ,
وكان يسمى الوحيد ; فقال الله تعالى : { ذرني ومن خلقت }{ بزعمه }{ وحيدا }{ لا أن
الله تعالى صدقه بأنه وحيد . وقال قوم : إن قوله تعالى : { وحيدا }{ يرجع إلى الرب
تعالى على معنيين : أحدهما : ذرني وحدي معه فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم
. والثاني أني انفردت بخلقه ولم يشركني فيه أحد , فأنا أهلكه ولا أحتاج إلى ناصر في
إهلاكه ; ف }{ وحيدا }{ على هذا حال من ضمير الفاعل , وهو التاء في }{ خلقت }{ والأول
قول مجاهد , أي خلقته وحيدا في بطن أمه لا مال له ولا ولد , فأنعمت عليه فكفر ;
فقوله : { وحيدا }{ على هذا يرجع إلى الوليد , أي لم يكن له شيء فملكته . وقيل : أراد
بذلك ليدله على أنه يبعث وحيدا كما خلق وحيدا . وقيل : الوحيد الذي لا يعرف أبوه ,
وكان الوليد معروفا بأنه دعي , كما ذكرنا في قوله تعالى : { عتل بعد ذلك زنيم } [
القلم : 13 ] وهو في صفة الوليد أيضا .
أي خولته وأعطيته مالا ممدودا , وهو ما كان للوليد بين مكة والطائف من الإبل
والحجور والنعم والجنان والعبيد والجواري , كذا كان ابن عباس يقول : وقال مجاهد :
غلة ألف دينار , قاله سعيد بن جبير وابن عباس أيضا . وقال قتادة : ستة آلاف دينار .
وقال سفيان الثوري وقتادة : أربعة آلاف دينار . الثوري أيضا : ألف ألف دينار . مقاتل
: كان له بستان لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا . وقال عمر رضى الله عنه : { وجعلت له
مالا ممدودا }{ غلة شهر بشهر . النعمان بن سالم : أرضا يزرع فيها . القشيري : والأظهر
أنه إشارة إلى ما لا ينقطع رزقه , بل يتوالى كالزرع والضرع والتجارة .
أي حضورا لا يغيبون عنه في تصرف . قال مجاهد وقتادة : كانوا عشرة . وقيل : اثنا عشر ;
قاله السدي والضحاك . قال الضحاك : سبعة ولدوا بمكة وخمسة ولدوا بالطائف . وقال سعيد
بن جبير : كانوا ثلاثة عشر ولدا . مقاتل : كانوا سبعة كلهم رجال , أسلم منهم ثلاثة :
خالد وهشام والوليد بن الوليد . قال : فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان
من ماله وولده حتى هلك . وقيل : شهودا , أي إذا ذكر ذكروا معه ; قاله ابن عباس .
وقيل : شهودا , أي قد صاروا مثله في شهود ما كان يشهده , والقيام بما كان يباشره
. والأول قول السدي , أي حاضرين مكة لا يظعنون عنه في تجارة ولا يغيبون .
أي بسطت له في العيش بسطا , حتى أقام ببلدته مطمئنا مترفها يرجع إلى رأيه .
والتمهيد عند العرب : التوطئة والتهيئة ; ومنه مهد الصبي . وقال ابن عباس : { ومهدت
له تمهيدا }{ أي وسعت له ما بين اليمن والشام وقاله مجاهد . وعن مجاهد أيضا في }
ومهدت له تمهيدا }{ أنه المال بعضه فوق بعض كما يمهد الفراش .
أي ثم إن الوليد يطمع بعد هذا كله أن أزيده في المال والولد . وقال الحسن وغيره : أي
ثم يطمع أن أدخله الجنة , وكان الوليد يقول : إن كان محمد صادقا فما خلقت الجنة إلا
لي ; فقال الله تعالى ردا عليه وتكذيبا له : { كلا }{ أي لست أزيده , فلم يزل يرى
النقصان في ماله وولده حتى هلك . و }{ ثم }{ في قوله تعالى : { ثم يطمع }{ ليست بثم
التي للنسق ولكنها تعجيب , وهي كقوله تعالى : { وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا
بربهم يعدلون ) [ الأنعام : 1 ] وذلك كما تقول : أعطيتك ثم أنت تجفوني ; كالمتعجب
من ذلك . وقيل يطمع أن أترك ذلك في عقبه ; وذلك أنه كان يقول : إن محمدا مبتور ; أي
أبتر وينقطع ذكره بموته . وكان يظن أن ما رزق لا ينقطع بموته . وقيل : أي ثم يطمع أن
أنصره على كفره .
كلا }{ أي ليس يكون ذلك مع كفره بالنعم . و }{ كلا }{ قطع للرجاء عما كان يطمع فيه
من الزيادة ; فيكون متصلا بالكلام الأول . وقيل : { كلا }{ بمعنى حقا ويكون ابتداء }
إنه }{ يعني الوليد }{ كان لآياتنا عنيدا }{ أي معاندا للنبي صلى الله عليه وسلم وما
جاء به ; يقال : عاند فهو عنيد مثل جالس فهو جليس ; قاله مجاهد . وعند يعند بالكسر
أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند . والعاند : البعير الذي يحور عن الطريق
ويعدل عن القصد والجمع عند مثل راكع وركع ; وأنشد أبو عبيدة قول الحارثي : إذا ركبت
فاجعلاني وسطا إني كبير لا أطيق العندا وقال أبو صالح : { عنيدا }{ معناه مباعدا ;
قال الشاعر : أرانا على حال تفرق بيننا نوى غربة إن الفراق عنود قتادة : جاحدا
. مقاتل : معرضا . ابن عباس : جحودا . وقيل : إنه المجاهر بعدوانه . وعن مجاهد أيضا
قال : مجانبا للحق معاندا له معرضا عنه . والمعنى كله متقارب . والعرب تقول : عند
الرجل إذا عتا وجاوز قدره . والعنود من الإبل : الذي لا يخالط الإبل , إنما هو في
ناحية . ورجل عنود إذا كان يحل وحده لا يخالط الناس والعنيد من التجبر . وعرق عاند :
إذا لم يرقأ دمه . كل هذا قياس واحد وقد مضى في سورة }{ إبراهيم } . وجمع العنيد عند
, مثل رغيف ورغف .
سأرهقه }{ أي سأكلفه . وكان ابن عباس يقول : سألجئه ; والإرهاق في كلام العرب : أن
يحمل الإنسان على الشيء . { صعودا } ( الصعود : جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا
ثم يهوي كذلك فيه أبدا ) رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم , خرجه
الترمذي وقال فيه حديث غريب . وروى عطية عن أبي سعيد قال : صخرة في جهنم إذا وضعوا
عليها أيديهم ذابت فإذا رفعوها عادت , قال : فيبلغ أعلاها في أربعين سنة يجذب من
أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع , حتى إذا بلغ أعلاها رمى به إلى أسفلها , فذلك
دأبه أبدا . وقد مضى هذا المعنى في سورة }{ قل أوحي } [ الجن : 1 ] وفي التفسير أنه
صخرة ملساء يكلف صعودها فإذا صار في أعلاها حدر في جهنم , فيقوم يهوي ألف عام من
قبل أن يبلغ قرار جهنم , يحترق في كل يوم سبعين مرة ثم يعاد خلقا جديدا . وقال ابن
عباس : المعنى سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له فيه ونحوه عن الحسن وقتادة . وقيل
: إنه تصاعد نفسه للنزع وإن لم يتعقبه موت , ليعذب من داخل جسده كما يعذب من خارجه
.
يعني الوليد فكر في شأن النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن و }{ قدر }{ أي هيأ الكلام
في نفسه , والعرب تقول : قدرت الشيء إذا هيأته , وذلك أنه لما نزل : { حم . تنزيل
الكتاب من الله العزيز العليم } [ غافر : 1 ] إلى قوله : { إليه المصير }{ سمعه
الوليد يقرؤها فقال : والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام
الجن , وإن له لحلاوة , وإن عليه لطلاوة , وإن أعلاه لمثمر , وإن أسفله لمغدق ,
وإنه ليعلو ولا يعلى عليه , وما يقول هذا بشر . فقالت قريش : صبا الوليد لتصبون قريش
كلها . وكان يقال للوليد ريحانة قريش ; فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه . فمضى إليه
حزينا ؟ فقال له : ما لي أراك حزينا . فقال له : وما لي لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك
نفقة يعينونك بها على كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد , وتدخل على ابن أبي كبشة
وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهما ; فغضب الوليد وتكبر , وقال : أنا أحتاج إلى
كسر محمد وصاحبه , فأنتم تعرفون قدر مالي , واللات والعزى ما بي حاجة إلى ذلك ,
وإنما أنتم تزعمون أن محمدا مجنون , فهل رأيتموه قط يخنق ؟ قالوا : لا والله , قال
: وتزعمون أنه شاعر , فهل رأيتموه نطق بشعر قط ؟ قالوا : لا والله . قال : فتزعمون
أنه كذاب فهل جربتم عليه كذبا قط ؟ قالوا : لا والله . قال : فتزعمون أنه كاهن فهل
رأيتموه تكهن قط , ولقد رأينا للكهنة أسجاعا وتخالجا فهل رأيتموه كذلك ؟ قالوا : لا
والله . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمى الصادق الأمين من كثرة صدقه . فقالت قريش
للوليد : فما هو ؟ ففكر في نفسه , ثم نظر , ثم عبس , فقال ما هو إلا ساحر ! أما
رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ؟ فذلك قوله تعالى : { إنه فكر }{ أي في
أمر محمد والقرآن }{ وقدر }{ في نفسه ماذا يمكنه أن يقول فيهما .
فقتل }{ أي لعن . وكان بعض أهل التأويل يقول : معناها فقهر وغلب , وكل مذلل مقتل ;
قال الشاعر : وما ذرفت عيناك إلا لتقدحي بسهميك في أعشار قلب مقتل وقال الزهري :
عذب ; وهو من باب الدعاء }{ كيف قدر }{ قال ناس : { كيف }{ تعجيب ; كما يقال للرجل
تتعجب من صنيعه : كيف فعلت هذا ؟ وذلك كقوله : { انظر كيف ضربوا لك الأمثال } [
الإسراء : 48 ] .
ثُمَّ عَبَسَ أي قطب بين عينيه في وجوه المؤمنين ; وذلك أنه لما حمل قريشا على ما
حملهم عليه من القول في محمد صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر , مر على جماعة من
المسلمين , فدعوه إلى الإسلام , فعبس في وجوههم . . قيل : عبس وبسر على النبي صلى
الله عليه وسلم حين دعاه . والعبس مخففا مصدر عبس يعبس عبسا وعبوسا : إذا قطب
. والعبس ما يتعلق بأذناب الإبل من أبعارها وأبوالها ; قال أبو النجم : كأن في
أذنابهن الشول من عبس الصيف قرون الأيل وَبَسَرَ أي كلح وجهه وتغير لونه ; قاله
قتادة والسدي ; ومنه قول بشر بن أبي خازم : صبحنا تميما غداة الجفار بشهباء ملمومة
باسره وقال آخر : وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبسورها وقيل : إن
ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة , وظهور البسور في الوجه قبل المحاورة . وقال قوم
: { بسر }{ وقف لا يتقدم ولا يتأخر . قالوا : وكذلك يقول أهل اليمن إذا وقف المركب ,
فلم يجئ ولم يذهب : قد بسر المركب , وأبسر أي وقف وقد أبسرنا . والعرب تقول : وجه
باسر بين البسور : إذا تغير واسود .
فقال إن هذا }{ أي ما هذا الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم }{ إلا سحر يؤثر }
أي يأثره عن غيره . والسحر : الخديعة . وقد تقدم بيانه في سورة ( البقرة ) . وقال
قوم : السحر : إظهار الباطل في صورة الحق . والأثرة : مصدر قولك : أثرت الحديث آثره
إذا ذكرته عن غيرك ; ومنه قيل : حديث مأثور : أي ينقله خلف عن سلف ; قال امرؤ القيس
: ولو عن نثا غيره جاءني وجرح اللسان كجرح اليد لقلت من القول ما لا يزا ل يؤثر عني
يد المسند يريد : آخر الدهر , وقال الأعشى : إن الذي فيه تماريتما بين للسامع
والآثر ويروى : بين .
أي ما هذا إلا كلام المخلوقين , يختدع به القلوب كما تختدع بالسحر , قال السدي :
يعنون أنه من قول سيار عبد لبني الحضرمي , كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ,
فنسبوه إلى أنه تعلم منه ذلك . وقيل : أراد أنه تلقنه من أهل بابل . وقيل : عن
مسيلمة . وقيل : عن عدي الحضرمي الكاهن . وقيل : إنما تلقنه ممن ادعى النبوة قبله ,
فنسج على منوالهم . قال أبو سعيد الضرير : إن هذا إلا أمر سحر يؤثر ; أي يورث .
أي سأدخله سقر كي يصلى حرها . وإنما سميت سقر من سقرته الشمس : إذا أذابته ولوحته ,
وأحرقت جلدة وجهه . ولا ينصرف للتعريف والتأنيث . قال ابن عباس : هي الطبق السادس من
جهنم . وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سأل موسى ربه فقال :
أي رب , أي عبادك أفقر ؟ قال صاحب سقر ) ذكره الثعلبي .
ثم فسر حالها فقال : { لا تبقي ولا تذر }{ أي لا تترك لهم عظما ولا لحما ولا دما إلا
أحرقته . وكرر اللفظ تأكيدا . وقيل : لا تبقي منهم شيئا ثم يعادون خلقا جديدا , فلا
تذر أن تعاود إحراقهم هكذا أبدا . وقال مجاهد : لا تبقي من فيها حيا ولا تذره ميتا
, تحرقهم كلما جددوا . وقال السدي : لا تبقي لهم لحما ولا تذر لهم عظما .
أي مغيرة من لاحه إذا غيره . وقراءة العامة }{ لواحة }{ بالرفع نعت ل }{ سقر }{ في قوله
تعالى : { وما أدراك ما سقر } . وقرأ عطية العوفي ونصر بن عاصم وعيسى بن عمر }{ لواحة
{ بالنصب على الاختصاص , للتهويل . وقال أبو رزين : تلفح وجوههم لفحة تدعها أشد
سوادا من الليل ; وقاله مجاهد . والعرب تقول : لاحه البرد والحر والسقم والحزن : إذا
غيره , ومنه قول الشاعر : تقول ما لاحك يا مسافر يا ابنة عمي لاحني الهواجر وقال
آخر : وتعجب هند أن رأتني شاحبا تقول لشيء لوحته السمائم وقال رؤبة بن العجاج : لوح
منه بعد بدن وسنق تلويحك الضامر يطوى للسبق وقيل : إن اللوح شدة العطش ; يقال :
لاحه العطش ولوحه أي غيره . والمعنى أنها معطشة للبشر أي لأهلها ; قاله الأخفش ;
وأنشد : سقتني على لوح من الماء شربة سقاها بها الله الرهام الغواديا يعني باللوح
شدة العطش , والتاح أي عطش , والرهام جمع رهمة بالكسر وهي المطر الضعيف وأرهمت
السحابة أتت بالرهام . وقال ابن عباس : { لواحة }{ أي تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة
عام . الحسن وابن كيسان : تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانا . نظيره : { وبرزت الجحيم
للغاوين } [ الشعراء : 91 ] وفي البشر وجهان : أحدهما أنه الإنس من أهل النار ;
قاله الأخفش والأكثرون . الثاني أنه جمع بشرة , وهي جلدة الإنسان الظاهرة ; قاله
مجاهد وقتادة , وجمع البشر أبشار , وهذا على التفسير الأول , وأما على تفسير ابن
عباس فلا يستقيم فيه إلا الناس لا الجلود ; لأنه من لاح الشيء يلوح , إذا لمع .
أي على سقر تسعة عشر من الملائكة يلقون فيها أهلها . ثم قيل : على جملة النار تسعة
عشر من الملائكة هم خزنتها ; مالك وثمانية عشر ملكا . ويحتمل أن تكون التسعة عشر
نقيبا , ويحتمل أن يكون تسعة عشر ملكا بأعيانهم . وعلى هذا أكثر المفسرين . الثعلبي :
ولا ينكر هذا , فإذا كان ملك واحد يقبض أرواح جميع الخلائق كان أحرى أن يكون تسعة
عشر على عذاب بعض الخلائق . وقال ابن جريج : نعت النبي صلى الله عليه وسلم خزنة
جهنم فقال : ( فكأن أعينهم البرق , وكأن أفواههم الصياصي , يجرون أشعارهم , لأحدهم
من القوة مثل قوة الثقلين , يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل , فيرميهم في النار ,
ويرمي فوقهم الجبل ) . قلت : وذكر ابن المبارك قال : حدثنا حماد بن سلمة , عن الأزرق
بن قيس , عن رجل من بني تميم قال : كنا عند أبي العوام , فقرأ هذه الآية : { وما
أدراك ما سقر . لا تبقي ولا تذر . لواحة للبشر . عليها تسعة عشر }{ فقال ما تسعة عشر ؟
تسعة عشر ألف ملك , أو تسعة عشر ملكا ؟ قال : قلت : لا بل تسعة عشر ملكا . فقال :
وأنى تعلم ذلك ؟ فقلت : لقول الله عز وجل : { وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا
{ قال : صدقت هم تسعة عشر ملكا , بيد كل ملك منهم مرزبة لها شعبتان , فيضرب الضربة
فيهوي بها في النار سبعين ألفا . وعن عمرو بن دينار : كل واحد منهم يدفع بالدفعة
الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر . خرج الترمذي عن جابر بن عبد الله . قال : قال
ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : هل يعلم نبيكم عدد خزنة
جهنم ؟ قالوا : لا ندري حتى نسأل نبينا . فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : يا محمد غلب أصحابك اليوم ; فقال : ( وماذا غلبوا ) ؟ قال : سألهم يهود : هل
يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم ؟ قال : ( فماذا قالوا ) قال : قالوا لا ندري حتى نسأل
نبينا . قال : ( أفغلب قوم سئلوا عما لا يعلمون , فقالوا لا نعلم حتى نسأل نبينا ؟
لكنهم قد سألوا نبيهم فقالوا أرنا الله جهرة , علي بأعداء الله ! إني سائلهم عن
تربة الجنة وهي الدرمك ) . فلما جاءوا قالوا : يا أبا القاسم كم عدد خزنة جهنم ؟ قال
: ( هكذا وهكذا ) في مرة عشرة وفي مرة تسعة . قالوا : نعم . قال لهم النبي صلى الله
عليه وسلم : ( ما تربة الجنة ) قال : فسكتوا هنيهة ثم قالوا : أخبزة يا أبا القاسم
؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الخبز من الدرمك ) . قال أبو عيسى : هذا
حديث غريب , إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد عن الشعبي عن جابر . وذكر ابن
وهب قال : حدثنا عبد الرحمن بن زيد , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في
خزنة جهنم : ( ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب ) . وقال ابن عباس : ما
بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة , وقوة الواحد منهم أن يضرب بالمقمع فيدفع بتلك
الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم . قلت : والصحيح إن شاء الله أن هؤلاء التسعة
عشر , هم الرؤساء والنقباء , وأما جملتهم فالعبارة تعجز عنها ; كما قال الله تعالى
: { وما يعلم جنود ربك إلا هو }{ وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام
سبعون ألف ملك يجرونها ) . وقال ابن عباس وقتادة والضحاك : لما نزل : { عليها تسعة
عشر }{ قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم ! أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة جهنم
تسعة عشر , وأنتم الدهم - أي العدد - والشجعان , فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا
بواحد منهم ! قال السدي : فقال أبو الأسود بن كلدة الجمحي : لا يهولنكم التسعة عشر
, أنا أدفع بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة , وبمنكبي الأيسر التسعة , ثم تمرون إلى
الجنة ; يقولها مستهزئا . في رواية أن الحارث بن كلدة قال أنا أكفيكم سبعة عشر ,
واكفوني أنتم اثنين . وفي }{ تسعة عشر }{ سبع قراءات : قراءة العامة }{ تسعة عشر }
. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وطلحة بن سليمان }{ تسعة عشر }{ بإسكان العين . وعن ابن
عباس }{ تسعة عشر }{ بضم الهاء . وعن أنس بن مالك }{ تسعة وعشر }{ وعنه أيضا }{ تسعة
وعشر } . وعنه أيضا }{ تسعة أعشر }{ ذكرها المهدوي وقال : من قرأ }{ تسعة عشر }{ أسكن
العين لتوالي الحركات . ومن قرأ }{ تسعة وعشر }{ جاء به على الأصل قبل التركيب , وعطف
عشرا على تسعة , وحذف التنوين لكثرة الاستعمال , وأسكن الراء من عشر على نية السكوت
عليها . ومن قرأ }{ تسعة عشر }{ فكأنه من التداخل ; كأنه أراد العطف وترك التركيب ,
فرفع هاء التأنيث , ثم راجع البناء وأسكن . وأما }{ تسعة أعشر } : فغير معروف , وقد
أنكرها أبو حاتم . وكذلك }{ تسعة وعشر }{ لأنها محمولة على }{ تسعة أعشر }{ والواو بدل
من الهمزة , وليس لذلك وجه عند النحويين . الزمخشري : وقرئ : { تسعة أعشر }{ جمع عشير
, مثل يمين وأيمن .
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وقيل : إن أبا جهل قال
أفيعجز كل مائة منكم أن يبطشوا بواحد منهم , ثم تخرجون من النار ؟ فنزل قوله تعالى
: { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة }{ أي لم نجعلهم رجالا فتتعاطون مغالبتهم
. وقيل : جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن والإنس , فلا يأخذهم ما يأخذ
المجانس من الرأفة والرقة , ولا يستروحون إليهم ; ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله
وبالغضب له , فتؤمن هوادتهم ; ولأنهم أشد خلق الله بأسا وأقواهم بطشا . وَمَا
جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي بلية . وروي عن ابن
عباس من غير وجه قال : ضلالة للذين كفروا , يريد أبا جهل وذويه . وقيل : إلا عذابا ,
كما قال تعالى : { يوم هم على النار يفتنون . ذوقوا فتنتكم } [ الذاريات : 14 ] . أي
جعلنا ذلك سبب كفرهم وسبب العذاب . لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ أي
ليوقن الذين أعطوا التوراة والإنجيل أن عدة خزنة جهنم موافقة لما عندهم ; قاله ابن
عباس وقتادة والضحاك ومجاهد وغيرهم . ثم يحتمل أنه يريد الذين آمنوا منهم كعبد الله
بن سلام . ويحتمل أنه يريد الكل . وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا بذلك ;
لأنهم كلما صدقوا بما في كتاب الله آمنوا , ثم ازدادوا إيمانا لتصديقهم بعدد خزنة
جهنم . وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ }{ ولا يرتاب
{ أي ولا يشك }{ الذين أوتوا الكتاب }{ أي اعطوا الكتاب }{ والمؤمنون }{ أي المصدقون من
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أن عدة خزنة جهنم تسعة عشر . وَلِيَقُولَ
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ أي في صدورهم شك ونفاق من منافقي
أهل المدينة , الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة ولم يكن بمكة نفاق وإنما
نجم بالمدينة . وقيل : المعنى ; أي وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان
بعد الهجرة . { والكافرون }{ أي اليهود والنصارى وقال الحسين بن الفضل : السورة مكية
ولم يكن بمكة نفاق ; فالمرض في هذه الآية الخلاف و }{ الكافرون }{ أي مشركو العرب
. وعلى القول الأول أكثر المفسرين . ويجوز أن يراد بالمرض : الشك والارتياب ; لأن أهل
مكة كان أكثرهم شاكين , وبعضهم قاطعين بالكذب وقوله تعالى إخبارا عنهم : { ماذا
أراد الله }{ أي ما أراد }{ بهذا }{ العدد الذي ذكره حديثا , أي ما هذا من الحديث
. مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يعني بعدد خزنة جهنم . وقال الحسين بن
الفضل : السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق ; فالمرض في هذه الآية الخلاف و }{ الكافرون
{ أي مشركو العرب . وعلى القول الأول أكثر المفسرين . ويجوز أن يراد بالمرض : الشك
والارتياب ; لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين , وبعضهم قاطعين بالكذب وقوله تعالى
إخبارا عنهم : { ماذا أراد الله }{ أي ما أراد }{ بهذا }{ العدد الذي ذكره حديثا , أي
ما هذا من الحديث . قال الليث : المثل الحديث ; ومنه : { مثل الجنة التي وعد
المتقون }{ أي حديثها والخبر عنهاكَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي
مَنْ يَشَاءُ }{ كذلك }{ أي كإضلال الله أبا جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم }{ يضل
الله }{ أي يخزي ويعمي }{ من يشاء ويهدي }{ أي ويرشد }{ من يشاء }{ كإرشاد أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم . وقيل : { كذلك يضل الله }{ عن الجنة }{ من يشاء ويهدي }{ إليها }
من يشاء } . وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ أي وما يدري عدد ملائكة ربك
الذين خلقهم لتعذيب أهل النار }{ إلا هو }{ أي إلا الله جل ثناؤه وهذا جواب لأبي جهل
حين قال : أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر ! وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يقسم غنائم حنين , فأتاه جبريل فجلس عنده , فأتى ملك فقال : إن ربك يأمرك
بكذا وكذا , فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون شيطانا , فقال : ( يا جبريل
أتعرفه ) ؟ فقال : هو ملك وما كل ملائكة ربك أعرف . وقال الأوزاعي : قال موسى : { يا
رب من في السماء ؟ قال ملائكتي . قال كم عدتهم يا رب ؟ قال : اثني عشر سبطا . قال :
كم عدة كل سبط ؟ قال : عدد التراب }{ ذكرهما الثعلبي . وفي الترمذي عن النبي صلى الله
عليه وسلم : ( أطت السماء وحق لها أن تئط , ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع
جبهته لله ساجدا ) . وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ يعني الدلائل والحجج
والقرآن . وقيل : { وما هي }{ أي وما هذه النار التي هي سقر }{ إلا ذكرى }{ أي عظة }
للبشر }{ أي للخلق . وقيل : نار الدنيا تذكرة لنار الآخرة . قاله الزجاج . وقيل : أي
ما هذه العدة }{ إلا ذكرى للبشر }{ أي ليتذكروا ويعلموا كمال قدرة الله تعالى , وأنه
لا يحتاج إلى أعوان وأنصار ; فالكناية على هذا في قوله تعالى : { وما هي }{ ترجع إلى
الجنود ; لأنه أقرب مذكور .
قال الفراء : { كلا }{ صلة للقسم , التقدير أي والقمر . وقيل : المعنى حقا والقمر ;
فلا يوقف على هذين التقديرين على }{ كلا }{ وأجاز الطبري الوقف عليها , وجعلها ردا
للذين زعموا أنهم يقاومون خزنة جهنم ; أي ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يقاوم خزنة
النار . ثم أقسم على ذلك جل وعز بالقمر وبما بعده , فقال : { والليل إذا أدبر } .
أي ولى وكذلك }{ دبر } . وقرأ نافع وحمزة وحفص }{ إذ أدبر }{ الباقون }{ إذا }{ بألف و }
دبر }{ بغير ألف وهما لغتان بمعنى ; يقال دبر وأدبر , وكذلك قبل الليل وأقبل . وقد
قالوا : أمس الدابر والمدابر ; قال صخر بن عمرو بن الشريد السلمي : ولقد قتلناكم
ثناء وموحدا وتركت مرة مثل أمس الدابر ويروى المدبر . وهذا قول الفراء والأخفش .
وقال بعض أهل اللغة : دبر الليل : إذا مضى , وأدبر : أخذ في الإدبار . وقال مجاهد :
سألت ابن عباس عن قوله تعالى : { والليل إذا دبر }{ فسكت حتى إذا دبر قال : يا مجاهد
, هذا حين دبر الليل . وقرأ محمد بن السميقع }{ والليل إذا أدبر }{ بألفين , وكذلك في
مصحف عبد الله وأبي بألفين . وقال قطرب من قرأ }{ دبر }{ فيعني أقبل , من قول العرب
دبر فلان : إذا جاء من خلفي . قال أبو عمرو : وهي لغة قريش . وقال ابن عباس في رواية
عنه : الصواب : { أدبر } , إنما يدبر ظهر البعير . واختار أبو عبيد : { إذا أدبر }
قال : لأنها أكثر موافقة للحروف التي تليه ; ألا تراه يقول : { والصبح إذا أسفر } ,
فكيف يكون أحدهما }{ إذ }{ والآخر }{ إذا }{ وليس في القرآن قسم تعقبه }{ إذ }{ وإنما
يتعقبه }{ إذا } .
ومعنى }{ أسفر } : ضاء . وقراءة العامة }{ أسفر }{ بالألف . وقرأ ابن السميقع : { سفر }
. وهما لغتان . يقال : سفر وجه فلان وأسفر : إذا أضاء . وفي الحديث : ( أسفروا بالفجر
, فإنه أعظم للأجر ) أي صلوا صلاة الصبح مسفرين , ويقال : طولوها إلى الإسفار ,
والإسفار : الإنارة . وأسفر وجهه حسنا أي أشرق , وسفرت المرأة كشفت عن وجهها فهي
سافر . ويجوز أن يكون [ من ] سفر الظلام أي كنسه , كما يسفر البيت , أي يكنس ; ومنه
السفير : لما سقط من ورق الشجر وتحات ; يقال : إنما سمي سفيرا لأن الريح تسفره أي
تكنسه . والمسفرة : المكنسة .
جواب القسم ; أي إن هذه النار }{ لإحدى الكبر }{ أي لإحدى الدواهي . وفي تفسير مقاتل
{ الكبر } : اسم من أسماء النار . وروي عن ابن عباس }{ إنها }{ أي إن تكذيبهم بمحمد
صلى الله عليه وسلم }{ لإحدى الكبر }{ أي لكبيرة من الكبائر . وقيل : أي إن قيام
الساعة لإحدى الكبر . والكبر : هي العظائم من العقوبات ; قال الراجز : يا بن المعلى
نزلت إحدى الكبر داهية الدهر وصماء الغير وواحدة ( الكبر ) , كبرى مثل الصغرى
والصغر , والعظمى والعظم . وقرأ العامة }{ لإحدى }{ وهو اسم بني ابتداء للتأنيث , وليس
مبنيا على المذكر ; نحو عقبى وأخرى , وألفه ألف قطع , لا تذهب في الوصل . وروى جرير
بن حازم عن ابن كثير }{ إنها لحدى الكبر }{ بحذف الهمزة .
يريد النار ; أي أن هذه النار الموصوفة }{ نذيرا للبشر }{ فهو نصب على الحال من
المضمر في }{ إنها }{ قاله الزجاج . وذكر ; لأن معناه معنى العذاب , أو أراد ذات إنذار
على معنى النسب ; كقولهم : امرأة طالق وطاهر . وقال الخليل : النذير : مصدر كالنكير
, ولذلك يوصف به المؤنث . وقال الحسن : والله ما أنذر الخلائق بشيء أدهى منها . وقيل
: المراد بالنذير محمد صلى الله عليه وسلم ; أي قم نذيرا للبشر , أي مخوفا لهم ف }
نذيرا }{ حال من }{ قم }{ في أول السورة حين قال : { قم فأنذر } [ المدثر : 2 ] قال
أبو علي الفارسي وابن زيد , وروي عن ابن عباس وأنكره الفراء . ابن الأنباري : وقال
بعض المفسرين معناه }{ يا أيها المدثر قم نذيرا للبشر } . وهذا قبيح ; لأن الكلام قد
طال فيما بينهما . وقيل . هو من صفة الله تعالى . روى أبو معاوية الضرير : حدثنا
إسماعيل بن سميع عن أبي رزين }{ نذيرا للبشر }{ قال : يقول الله عز وجل : أنا لكم
منها نذير فاتقوها . و ( نذيرا ) على هذا نصب على الحال ; أي }{ وما جعلنا أصحاب
النار إلا ملائكة }{ منذرا بذلك البشر . وقيل : هو حال من }{ هو }{ في قوله تعالى : { وما يعلم جنود ربك إلا هو } . وقيل : هو في موضع المصدر , كأنه قال : إنذارا للبشر
. قال الفراء : يجوز أن يكون النذير بمعنى الإنذار , أي أنذر إنذارا ; فهو كقوله
تعالى : { فكيف كان نذير }{ أي إنذاري ; فعلى هذا يكون راجعا إلى أول السورة ; أي (
قم فأنذر ) أي إنذارا . وقيل : هو منصوب بإضمار فعل . وقرأ ابن أبي عبلة }{ نذير }
بالرفع على إضمار هو . وقيل : أي إن القرآن نذير للبشر , لما تضمنه من الوعد والوعيد
.
اللام متعلقة ب }{ نذيرا } , أي نذيرا لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير والطاعة , أو
يتأخر إلى الشر والمعصية ; نظيره : { ولقد علمنا المستقدمين منكم } [ الحجر : 24 ]
أي في الخير }{ ولقد علمنا المستأخرين } [ الحجر : 24 ] عنه . قال الحسن : هذا وعيد
وتهديد وإن خرج مخرج الخبر ; كقوله تعالى : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [
الكهف : 29 ] . وقال بعض أهل التأويل : معناه لمن شاء الله أن يتقدم أو يتأخر ,
فالمشيئة متصلة بالله جل ثناؤه , والتقديم الإيمان , والتأخير الكفر . وكان ابن
عباس يقول : هذا تهديد وإعلام أن من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلى الله عليه
وسلم جوزي بثواب لا ينقطع , ومن تأخر عن الطاعة وكذب محمدا صلى الله عليه وسلم عوقب
عقابا لا ينقطع . وقال السدي : { لمن شاء منكم أن يتقدم }{ إلى النار المتقدم ذكرها
, { أو يتأخر }{ عنها إلى الجنة .
كل نفس بما كسبت رهينةأي مرتهنة بكسبها , مأخوذة بعملها , إما خلصها وإما أوبقها
. وليست }{ رهينة }{ تأنيث رهين في قوله تعالى : { كل امرئ بما كسب رهين } [ الطور :
21 ] لتأنيث النفس ; لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين ; لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي
فيه المذكر والمؤنث . وإنما هو اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم ; كأنه قيل :
كل نفس بما كسبت رهين ; ومنه بيت الحماسة : أبعد الذي بالنعف نعف كويكب رهينة رمس
ذي تراب وجندل كأنه قال رهن رمس . والمعنى : كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك .
فإنهم لا يرتهنون بذنوبهم . واختلف في تعيينهم ; فقال ابن عباس : الملائكة . علي بن
أبي طالب : أولاد المسلمين لم يكتسبوا فيرتهنوا بكسبهم . الضحاك : الذين سبقت لهم من
الله الحسنى , ونحوه عن ابن جريج ; قال : كل نفس بعملها محاسبة }{ إلا أصحاب اليمين
{ وهم أهل الجنة , فإنهم لا يحاسبون . وكذا قال مقاتل أيضا : هم أصحاب الجنة الذين
كانوا عن يمين آدم يوم الميثاق حين قال الله لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي . وقال
الحسن وابن كيسان : هم المسلمون المخلصون ليسوا بمرتهنين ; لأنهم أدوا ما كان عليهم
. وعن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : هم المسلمون . وقيل : إلا أصحاب الحق وأهل
الإيمان . وقيل : هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم . وقال أبو جعفر الباقر : نحن
وشيعتنا أصحاب اليمين , وكل من أبغضنا أهل البيت فهم المرتهنون . وقال الحكم : هم
الذين اختارهم الله لخدمته , فلم يدخلوا في الرهن , لأنهم خدام الله وصفوته وكسبهم
لم يضرهم . وقال القاسم : كل نفس مأخوذة بكسبها من خير أو شر , إلا من اعتمد على
الفضل والرحمة , دون الكسب والخدمة , فكل من اعتمد على الكسب فهو مرهون , وكل من
اعتمد على الفضل فهو غير مأخوذ به .
"ما سلككم }{ أي أدخلكم }{ في سقر }{ كما تقول : سلكت الخيط في كذا أي أدخلته فيه . قال
الكلبي : فيسأل الرجل من أهل الجنة الرجل من أهل النار باسمه , فيقول له : يا فلان
. وفي قراءة عبد الله بن الزبير }{ يا فلان ما سلكك في سقر }{ ؟ وعنه قال : قرأ عمر
بن الخطاب }{ يا فلان ما سلككم في سقر }{ وهي قراءة على التفسير ; لا أنها قرآن كما
زعم من طعن في القرآن ; قاله أبو بكر بن الأنباري . وقيل : إن المؤمنين يسألون
الملائكة عن أقربائهم , فتسأل الملائكة المشركين فيقولون لهم : { ما سلككم في سقر }
. قال الفراء : في هذا ما يقوي أن أصحاب اليمين الولدان ; لأنهم لا يعرفون الذنوب .
أي كنا نخالط أهل الباطل في باطلهم . وقال ابن زيد : نخوض مع الخائضين في أمر محمد
صلى الله عليه وسلم , وهو قولهم - لعنهم الله - كاهن , مجنون , شاعر , ساحر . وقال
السدي : أي وكنا نكذب مع المكذبين . وقال قتادة : كلما غوى غاو غوينا معه . وقيل
معناه : وكنا أتباعا ولم نكن متبوعين .
هذا دليل على صحة الشفاعة للمذنبين ; وذلك أن قوما من أهل التوحيد عذبوا بذنوبهم ,
ثم شفع فيهم , فرحمهم الله بتوحيدهم والشفاعة , فأخرجوا من النار , وليس للكفار
شفيع يشفع فيهم . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : يشفع نبيكم صلى الله عليه
وسلم رابع أربعة : جبريل , ثم إبراهيم , ثم موسى أو عيسى , ثم نبيكم صلى الله عليه
وسلم , ثم الملائكة , ثم النبيون , ثم الصديقون , ثم الشهداء , ويبقى قوم في جهنم ,
فيقال لهم : { ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين . ولم نك نطعم المسكين }{ إلى
قوله : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين }{ قال عبد الله بن مسعود : فهؤلاء هم الذين
يبقون في جهنم ; وقد ذكرنا إسناده في كتاب }{ التذكرة } .
أي فما لأهل مكة أعرضوا وولوا عما جئتم به . وفي تفسير مقاتل : الإعراض عن القرآن من
وجهين : أحدهما الجحود والإنكار , والوجه الآخر ترك العمل بما فيه . و }{ معرضين }
نصب على الحال من الهاء والميم في }{ لهم }{ وفي اللام معنى الفعل ; فانتصاب الحال
على معنى الفعل .
كأنهم }{ أي كأن هؤلاء الكفار في فرارهم من محمد صلى الله عليه وسلم }{ حمر مستنفرة
{ قال ابن عباس : أراد الحمر الوحشية . وقرأ نافع وابن عامر بفتح الفاء , أي منفرة
مذعورة ; واختاره أبو عبيد وأبو حاتم . الباقون بالكسر , أي نافرة . يقال . نفرت
واستنفرت بمعنى ; مثل عجبت واستعجبت , وسخرت واستسخرت , وأنشد الفراء : أمسك حمارك
إنه مستنفر في إثر أحمرة عمدن لغرب .
قوله تعالى : { فرت }{ أي نفرت وهربت }{ من قسورة }{ أي من رماة يرمونها . وقال بعض
أهل اللغة : إن القسورة الرامي , وجمعه القسورة . وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة
ومجاهد وقتادة والضحاك وابن كيسان : القسورة : هم الرماة والصيادون , ورواه عطاء عن
ابن عباس وأبو [ ظبيان ] عن أبي موسى الأشعري . وقيل : إنه الأسد ; قاله أبو هريرة
وابن عباس أيضا . ابن عرفة : من القسر بمعنى القهر أي ; إنه يقهر السباع , والحمر
الوحشية تهرب من السباع . وروى أبو جمرة عن ابن عباس قال : ما أعلم القسورة الأسد في
لغة أحد من العرب , ولكنها عصب الرجال ; قال : فالقسورة جمع الرجال , وأنشد : يا
بنت كوني خيرة لخيره أخوالها الجن وأهل القسوره وعنه : ركز الناس أي حسهم وأصواتهم
. و عنه أيضا : { فرت من قسورة }{ أي من حبال الصيادين . وعنه أيضا : القسورة بلسان
العرب : الأسد , وبلسان الحبشة : الرماة ; وبلسان فارس : شير , وبلسان النبط : أريا
. وقال ابن الأعرابي : القسورة : أول الليل ; أي فرت من ظلمة الليل . وقاله عكرمة
أيضا . وقيل : هو أول سواد الليل , ولا يقال لآخر سواد الليل قسورة . وقال زيد بن
أسلم : من رجال أقوياء , وكل شديد عند العرب فهو قسورة وقسور . وقال لبيد بن ربيعة :
إذا ما هتفنا هتفة في ندينا أتانا الرجال العائدون القساور .
أي يعطى كتبا مفتوحة ; وذلك أن أبا جهل وجماعة من قريش قالوا : يا محمد ! ايتنا
بكتب من رب العالمين مكتوب فيها : إني قد أرسلت إليكم محمدا , صلى الله عليه وسلم
. نظيره : { ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه } [ الإسراء : 93 ] . وقال
ابن عباس : كانوا يقولون إن كان محمد صادقا فليصبح عند كل رجل منا صحيفة فيها
براءته وأمنه من النار . قال مطر الوراق : أرادوا أن يعطوا بغير عمل . وقال الكلبي :
قال المشركون : بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح عند رأسه مكتوبا ذنبه
وكفارته , فأتنا بمثل ذلك . وقال مجاهد : أرادوا أن ينزل على كل واحد منهم كتاب فيه
من الله عز وجل : إلى فلان بن فلان . وقيل : المعنى أن يذكر بذكر جميل , فجعلت الصحف
موضع الذكر مجازا . وقالوا : إذا كانت ذنوب الإنسان تكتب عليه فما بالنا لا نرى ذلك
؟ .
كلا }{ أي ليس يكون ذلك . وقيل : حقا . والأول أجود ; لأنه رد لقولهم . { بل لا
يخافون الآخرة }{ أي لا أعطيهم ما يتمنون لأنهم لا يخافون الآخرة , اغترارا بالدنيا
. وقرأ سعيد بن جبير }{ صحفا منشرة }{ بسكون الحاء والنون , فأما تسكين الحاء فتخفيف
, وأما النون فشاذ . إنما يقال : نشرت الثوب وشبهه ولا يقال أنشرت . ويجوز أن يكون
شبه الصحيفة بالميت كأنها ميتة بطيها , فإذا نشرت حييت , فجاء على أنشر الله الميت
, كما شبه إحياء الميت بنشر الثوب , فقيل فيه نشر الله الميت , فهي لغة فيه .
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ }{ وما يذكرون }{ أي وما يتعظون }{ إلا
أن يشاء الله }{ أي ليس يقدرون على الاتعاظ والتذكر إلا بمشيئة الله ذلك لهم .
وقراءة العامة }{ يذكرون }{ بالياء واختاره أبو عبيد ; لقوله تعالى : { كلا بل لا
يخافون الآخرة } . وقرأ نافع ويعقوب بالتاء , واختاره أبو حاتم , لأنه أعم واتفقوا
على تخفيفها . هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ في الترمذي وسنن ابن
ماجه عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية : { هو
أهل التقوى وأهل المغفرة }{ قال : ( قال الله تبارك وتعالى أنا أهل أن أتقى فمن
اتقاني فلم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له ) لفظ الترمذي , وقال فيه : حديث حسن
غريب . وفي بعض التفسير : هو أهل المغفرة لمن تاب إليه من الذنوب الكبار , وأهل
المغفرة أيضا للذنوب الصغار , باجتناب الذنوب الكبار . وقال محمد بن نصر : أنا أهل
أن يتقيني عبدي , فإن لم يفعل كنت أهلا أن أغفر له وأرحمه وأنا الغفور الرحيم .
نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer