Prev  

88. Surah Al-Ghâshiyah سورة الغاشية

  Next  



تفسير القرطبي - الغاشية - Al-Ghashiya -
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ
    +/- -/+  
الأية
1
 
هل }{ بمعنى قد كقوله : { هل أتى على الإنسان } [ الإنسان : 1 ] قاله قطرب . أي قد جاءك يا محمد حديث الغاشية أي القيامة التي تغشى الخلائق بأهوالها وأفزاعها قاله أكثر المفسرين . وقال سعيد بن جبير ومحمد بن كعب : { الغاشية } : النار تغشى وجوه الكفار ورواه أبو صالح عن ابن عباس ودليله قوله تعالى : { وتغشى وجوههم النار } [ إبراهيم : 50 ] . وقيل : تغشى الخلق . وقيل : المراد النفخة الثانية للبعث ; لأنها تغشى الخلائق . وقيل : { الغاشية }{ أهل النار يغشونها , ويقتحمون فيها . وقيل : معنى { هل أتاك }{ أي هذا لم يكن من علمك , ولا من علم قومك . قال ابن عباس : لم يكن أتاه قبل ذلك على هذا التفصيل المذكور هاهنا . وقيل : إنها خرجت مخرج الاستفهام لرسوله ومعناه إن لم يكن أتاك حديث الغاشية فقد أتاك وهو معنى قول الكلبي .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ
    +/- -/+  
الأية
2
 
قال ابن عباس : لم يكن أتاه حديثهم , فأخبره عنهم , فقال : { وجوه يومئذ }{ أي يوم القيامة .{ خاشعة }{ قال سفيان : أي ذليلة بالعذاب . وكل متضائل ساكن خاشع . يقال : خشع في صلاته : إذا تذلل ونكس رأسه . وخشع الصوت : خفي قال الله تعالى : { وخشعت الأصوات للرحمن } [ طه : 108 ] . والمراد بالوجوه أصحاب الوجوه . وقال قتادة وابن زيد : { خاشعة }{ أي في النار . والمراد وجوه الكفار كلهم قاله يحيى بن سلام . وقيل : أراد وجوه اليهود والنصارى قاله ابن عباس . ثم قال .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ
    +/- -/+  
الأية
3
 
عاملة }{ فهذا في الدنيا ; لأن الآخرة ليست دار عمل . فالمعنى : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا }{ خاشعة }{ في الآخرة . قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : قد عمل يعمل عملا . ويقال للسحاب إذا دام برقه : قد عمل يعمل عملا . وذا سحاب عمل . قال الهذلي : حتى شآها كليل موهنا عمل باتت طرابا وبات الليل لم ينم }{ ناصبة }{ أي تعبة . يقال : نصب ( بالكسر )  ينصب نصبا : إذا تعب , ونصبا أيضا , وأنصبه غيره . فروى الضحاك عن ابن عباس قال : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله عز وجل , وعلى الكفر مثل عبدة الأوثان , وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم , لا يقبل الله جل ثناؤه منهم إلا ما كان خالصا له . وقال سعيد عن قتادة : { عاملة ناصبة } قال : تكبرت في الدنيا عن طاعة الله عز وجل , فأعملها الله وأنصبها في النار , بجر السلاسل الثقال , وحمل الأغلال , والوقوف حفاة عراة في العرصات , في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله في الدنيا , ولم تنصب له , فأعملها وأنصبها في جهنم . وقال الكلبي : يجرون على وجوههم في النار . وعنه وعن غيره : يكلفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم , فينصبون فيها أشد ما يكون من النصب , بمعالجة السلاسل والأغلال والخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل , وارتقائها في صعود من نار , وهبوطها في حدور منها إلى غير ذلك من عذابها . وقاله ابن عباس . وقرا ابن محيصن وعيسى وحميد , ورواها عبيد عن شبل . عن ابن كثير }{ ناصبة }{ بالنصب على الحال . وقيل : على الذم . الباقون ( بالرفع )  على الصفة أو على إضمار مبتدأ , فيوقف على }{ خاشعة } . ومن جعل المعنى في الآخرة , جاز أن يكون خبرا بعد خبر عن }{ وجوه } , فلا يوقف على }{ خاشعة } . وقيل : { عاملة ناصبة }{ أي عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة . وعلى هذا يحتمل وجوه يومئذ عاملة في الدنيا , ناصبة في الآخرة , خاشعة . قال عكرمة والسدي : عملت في الدنيا بالمعاصي . وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم : هم الرهبان أصحاب الصوامع وقاله ابن عباس . وقد تقدم في رواية الضحاك عنه . وروى عن الحسن قال : لما قدم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الشام أتاه راهب شيخ كبير متقهل , عليه سواد , فلما رآه عمر بكى . فقال له : يا أمير المؤمنين , ما يبكيك ؟ قال : هذا المسكين طلب أمرا فلم يصبه , ورجا رجاء فأخطأه , - وقرأ قول الله عز وجل - { وجوه يومئذ خاشعة . عاملة ناصبة } . قال الكسائي : التقهل : رثاثة الهيئة , ورجل متقهل : يابس الجلد سيئ الحال , مثل المتقحل . وقال أبو عمرو : التقهل : شكوى الحاجة . وأنشد : لعوا إذا لاقيته تقهلا والقهل : كفران الإحسان . وقد قهل يقهل قهلا : إذا أثنى ثناء قبيحا . وأقهل الرجل تكلف ما يعيبه ودنس نفسه . وانقهل ضعف وسقط قاله الجوهري . وعن علي - رضي الله عنه - أنهم أهل حروراء يعني الخوارج الذين ذكرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( تحقرون صلاتكم مع صلاتهم , وصيامكم مع صيامهم , وأعمالكم مع أعمالهم , يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية .. .) الحديث .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً
    +/- -/+  
الأية
4
 
تصلى }{ أي يصيبها صلاؤها وحرها .{ حامية }{ شديدة الحر أي قد أوقدت وأحميت المدة الطويلة . ومنه حمي النهار ( بالكسر )  , وحمي التنور حميا فيهما أي اشتد حره . وحكى الكسائي : اشتد حمي الشمس وحموها : بمعنى . وقرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب }{ تصلى } بضم التاء . الباقون بفتحها . وقرئ }{ تصلى }{ بالتشديد . وقد تقدم القول فيها في }{ إذا السماء انشقت } [ الانشقاق : 1 ] . الماوردي : فإن قيل فما معنى وصفها بالحمي , وهي لا تكون إلا حامية , وهو أقل أحوالها , فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة ؟ قيل : قد اختلف في المراد بالحامية هاهنا على أربعة أوجه : أحدها : أن المراد بذلك أنها دائمة الحمي , وليست كنار الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها . الثاني : أن المراد بالحامية أنها حمى من ارتكاب المحظورات , وانتهاك المحارم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن لكل ملك حمى , وإن حمى الله محارمه . ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه )  . الثالث : أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها , أو ترام مماستها كما يحمي الأسد عرينه ومثله قول النابغة : تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الحامي الرابع : أنها حامية حمي غيظ وغضب مبالغة في شدة الانتقام . ولم يرد حمي جرم وذات كما يقال : قد حمي فلان : إذا اغتاظ وغضب عند إرادة الانتقام . وقد بين الله تعالى بقوله هذا المعنى فقال : { تكاد تميز من الغيظ } [ الملك : 8 ] .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ
    +/- -/+  
الأية
5
 
الآني : الذي قد انتهى حره من الإيناء , بمعنى التأخير . ومنه ( آنيت وآذيت )  . وآناه يؤنيه إيناء , أي أحره وحبسه وأبطأه . ومنه }{ يطوفون بينها وبين حميم آن } [ الرحمن : 44 ] . وفي التفاسير }{ من عين آنية }{ أي تناهى حرها فلو وقعت نقطة منها على جبال الدنيا لذابت . وقال الحسن : { آنية }{ أي حرها أدرك أوقدت عليها جهنم منذ خلقت , فدفعوا إليها وردا عطاشا . وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : بلغت أناها , وحان شربها .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ
    +/- -/+  
الأية
6
 
ليس لهم }{ أي لأهل النار .{ طعام إلا من ضريع }{ لما ذكر شرابهم ذكر طعامهم . قال عكرمة ومجاهد : الضريع : نبت ذو شوك لاصق بالأرض , تسميه قريش الشبرق إذا كان رطبا , فإذا يبس فهو الضريع , لا تقربه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه وهو سم قاتل , وهو أخبث الطعام وأشنعه على هذا عامة المفسرين . إلا أن الضحاك روى عن ابن عباس قال : هو شيء يرمى به البحر , يسمى الضريع , من أقوات الأنعام لا الناس , فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع , وهلكت هزلا . والصحيح ما قاله الجمهور : أنه نبت . قال أبو ذؤيب : رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى وعاد ضريعا بان منه النحائص وقال الهذلي وذكر إبلا وسوء مرعاها : وحبسن في هزم الضريع فكلها حدباء دامية اليدين حرود وقال الخليل : الضريع : نبات أخضر منتن الريح , يرمى به البحر . وقال الوالبي عن ابن عباس : هو شجر من نار , ولو كانت في الدنيا لأحرقت الأرض وما عليها . وقال سعيد بن جبير : هو الحجارة , وقاله عكرمة . والأظهر أنه شجر ذو شوك حسب ما هو في الدنيا . وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الضريع : شيء يكون في النار , يشبه الشوك , أشد مرارة من الصبر , وأنتن من الجيفة , وأحر من النار , سماه الله ضريعا )  . وقال خالد بن زياد : سمعت المتوكل بن حمدان يسأل عن هذه الآية }{ ليس لهم طعام إلا من ضريع }{ قال : بلغني أن الضريع شجرة من نار جهنم , حملها القيح والدم , أشد مرارة من الصبر , فذلك طعامهم . وقال الحسن : هو بعض ما أخفاه الله من العذاب . وقال ابن كيسان : هو طعام يضرعون عنده ويذلون , ويتضرعون منه إلى الله تعالى , طلبا للخلاص منه فسمي بذلك ; لأن آكله يضرع في أن يعفى منه , لكراهته وخشونته . قال أبو جعفر النحاس : قد يكون مشتقا من الضارع , وهو الذليل أي ذو ضراعة , أي من شربه ذليل تلحقه ضراعة . وعن الحسن أيضا : هو الزقوم . وقيل : هو واد في جهنم . فالله أعلم . وقد قال الله تعالى في موضع آخر : { فليس له اليوم هاهنا حميم . ولا طعام إلا من غسلين } [ الحاقة : 35 - 36 ] . وقال هنا : { إلا من ضريع }{ وهو غير الغسلين . ووجه الجمع أن النار دركات فمنهم من طعامه الزقوم , ومنهم من طعامه الغسلين , ومنهم من طعامه الضريع , ومنهم من شرابه الحميم , ومنهم من شرابه الصديد . قال الكلبي : الضريع في درجة ليس فيها غيره , والزقوم في درجة أخرى . ويجوز أن تحمل الآيتان على حالتين كما قال : { يطوفون بينها وبين حميم آن } [ الرحمن : 44 ] . القتبي : ويجوز أن يكون الضريع وشجرة الزقوم نبتين من النار , أو من جوهر لا تأكله النار . وكذلك سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها , ولو كانت على ما نعلم ما بقيت على النار . قال : وإنما دلنا الله على الغائب عنده , بالحاضر عندنا فالأسماء متفقة الدلالة , والمعاني مختلفة . وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها . القشيري : وأمثل من قول القتبي أن نقول : إن الذي يبقي الكافرين في النار ليدوم عليهم العذاب , يبقي النبات وشجرة الزقوم في النار , ليعذب بها الكفار . وزعم بعضهم أن الضريع بعينه لا ينبت في النار , ولا أنهم يأكلونه . فالضريع من أقوات الأنعام , لا من أقوات الناس . وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع , وهلكت هزلا , فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم , وضرب الضريع له مثلا , أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع . قال الترمذي الحكيم : وهذا نظر سقيم من أهله وتأويل دنيء , كأنه يدل على أنهم تحيروا في قدرة الله تعالى , وأن الذي أنبت في هذا التراب هذا الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار , جعل لنا في الدنيا من الشجر الأخضر نارا , فلا النار تحرق الشجر , ولا رطوبة الماء في الشجر تطفئ النار فقال تعالى : { الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون } [ يس : 80 ] . وكما قيل حين نزلت }{ ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم } [ الإسراء : 97 ] : قالوا يا رسول الله , كيف يمشون على وجوههم ؟ فقال : ( الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم )  . فلا يتحير في مثل هذا إلا ضعيف القلب . أوليس قد أخبرنا أنه }{ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } [ النساء : 56 ] , وقال : { سرابيلهم من قطران } [ إبراهيم : 50 ] , وقال : { إن لدينا أنكالا } [ المزمل : 12 ] أي قيودا .{ وجحيما وطعاما ذا غصة }{ قيل : ذا شوك . فإنما يتلون عليهم العذاب بهذه الأشياء .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
    +/- -/+  
الأية
7
 
يعني الضريع لا يسمن آكله . وكيف يسمن من يأكل الشوك ! قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية قال المشركون : إن إبلنا لتسمن بالضريع , فنزلت : { لا يسمن ولا يغني من جوع " . وكذبوا , فإن الإبل إنما ترعاه رطبا , فإذا يبس لم تأكله . وقيل اشتبه عليهم أمره فظنوه كغيره من النبت النافع ; لأن المضارعة المشابهة . فوجدوه لا يسمن ولا يغني من جوع .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ
    +/- -/+  
الأية
8
 
أي ذات نعمة . وهي وجوه المؤمنين نعمت بما عاينت من عاقبة أمرها وعملها الصالح .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ
    +/- -/+  
الأية
9
 
لسعيها }{ أي لعملها الذي عملته في الدنيا .{ راضية }{ في الآخرة حين أعطيت الجنة بعملها . ومجازه : لثواب سعيها راضية . وفيها واو مضمرة . المعنى : ووجوه يومئذ , للفصل بينها وبين الوجوه المتقدمة . والوجوه عبارة عن الأنفس .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ
    +/- -/+  
الأية
10
 
أي مرتفعة ; لأنها فوق السموات حسب ما تقدم . وقيل : عالية القدر ; لأن فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين . وهم فيها خالدون .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً
    +/- -/+  
الأية
11
 
أي كلاما ساقطا غير مرضي . وقال : { لاغية } , واللغو واللغا واللاغية : بمعنى واحد . قال : عن اللغا ورفث التكلم وقال الفراء والأخفش أي لا تسمع فيها كلمة لغو . وفي المراد بها ستة أوجه : أحدها : يعني كذبا وبهتانا وكفرا بالله عز وجل قاله ابن عباس . الثاني : لا باطل ولا إثم قاله قتادة . الثالث : أنه الشتم قاله مجاهد . الرابع : المعصية قاله الحسن . الخامس : لا يسمع فيها حالف يحلف بكذب قاله الفراء . وقال الكلبي : لا يسمع في الجنة حالف بيمين برة ولا فاجرة . السادس : لا يسمع في كلامهم كلمة بلغو ; لأن أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم قاله الفراء أيضا . وهو أحسنها ; لأنه يعم ما ذكر . وقرأ أبو عمرو وابن كثير }{ لا يسمع }{ بياء غير مسمى الفاعل . وكذلك نافع , إلا أنه بالتاء المضمومة ; لأن اللاغية اسم مؤنث فأنث الفعل لتأنيثه . ومن قرأ بالياء ; فلأنه حال بين الاسم والفعل الجار والمجرور . وقرأ الباقون بالتاء مفتوحة }{ لاغية }{ نصا على إسناد ذلك للوجوه , أي لا تسمع الوجوه فيها لاغية .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ
    +/- -/+  
الأية
12
 
أي بماء مندفق , وأنواع الأشربة اللذيذة على وجه الأرض من غير أخدود . وقد تقدم في سورة }{ الإنسان }{ أن فيها عيونا . ف }{ عين } : بمعنى عيون . والله أعلم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ
    +/- -/+  
الأية
13
 
أي عالية . وروي أنه كان ارتفاعها قدر ما بين السماء والأرض , ليرى ولي الله ملكه حوله .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ
    +/- -/+  
الأية
14
 
أي أباريق وأوان . والإبريق : هو ما له عروة وخرطوم . والكوب : إناء ليس له عروة ولا خرطوم . وقد تقدم هذا في سورة }{ الزخرف }{ وغيرها .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ
    +/- -/+  
الأية
15
 
نمارق }{ أي وسائد , الواحدة نمرقة .{ مصفوفة }{ أي واحدة إلى جنب الأخرى . قال الشاعر : وإنا لنجري الكأس بين شروبنا وبين أبي قابوس فوق النمارق وقال آخر : كهول وشبان حسان وجوههم على سرر مصفوفة ونمارق وفي الصحاح : النمرق والنمرقة : وسادة صغيرة . وكذلك النمرقة ( بالكسر )  لغة حكاها يعقوب . وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة عن أبي عبيد .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ
    +/- -/+  
الأية
16
 
قال أبو عبيدة : الزرابي : البسط . وقال ابن عباس : الزرابي : الطنافس التي لها خمل رقيق , واحدتها : زربية وقال الكلبي والفراء . والمبثوثة : المبسوطة قال قتادة . وقيل : بعضها فوق بعض قاله عكرمة . وقيل كثيرة قاله الفراء . وقيل : متفرقة في المجالس قاله القتبي . قلت : هذا أصوب , فهي كثيرة متفرقة . ومنه }{ وبث فيها من كل دابة } [ البقرة : 164 ] . وقال أبو بكر الأنباري : وحدثنا أحمد بن الحسين , قال حدثنا حسين بن عرفة , قال حدثنا عمار بن محمد , قال : صليت خلف منصور بن المعتمر , فقرأ : { هل أتاك حديث الغاشية } , وقرأ فيها : { وزرابي مبثوثة } : متكئين فيها ناعمين .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
    +/- -/+  
الأية
17
 
قال المفسرون : لما ذكر الله عز وجل أمر أهل الدارين , تعجب الكفار من ذلك , فكذبوا وأنكروا فذكرهم الله صنعته وقدرته وأنه قادر على كل شيء , كما خلق الحيوانات والسماء والأرض . ثم ذكر الإبل أولا ; لأنها كثيرة في العرب , ولم يروا الفيلة , فنبههم جل ثناؤه على عظيم من خلقه قد ذلله للصغير , يقوده وينيخه وينهضه ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك , فينهض بثقيل حمله , وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره . فأراهم عظيما من خلقه , مسخرا لصغير من خلقه يدلهم بذلك على توحيده وعظيم قدرته . وعن بعض الحكماء : أنه حدث عن البعير وبديع خلقه , وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها ففكر ثم قال : يوشك أن تكون طوال الأعناق . وحين أراد بها أن تكون سفائن البر , صبرها على احتمال العطش حتى إن إظماءها ليرتفع إلى العشر فصاعدا , وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز , مما لا يرعاه سائر البهائم . وقيل : لما ذكر السرر المرفوعة قالوا : كيف نصعدها ؟ فأنزل الله هذه الآية , وبين أن الإبل تبرك حتى يحمل عليها ثم تقوم فكذلك تلك السرر تتطامن ثم ترتفع . قال معناه قتادة ومقاتل وغيرهما . وقيل : الإبل هنا القطع العظيمة من السحاب قاله المبرد . قال الثعلبي : وقيل في الإبل هنا : السحاب , ولم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة . قلت : قد ذكر الأصمعي أبو سعيد عبد الملك بن قريب , قال أبو عمرو : من قرأها }{ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت }{ بالتخفيف : عنى به البعير ; لأنه من ذوات الأربع , يبرك فتحمل عليه الحمولة , وغيره من ذوات الأربع لا يحمل عليه إلا وهو قائم . ومن قرأها بالتثقيل فقال : { الإبل } , عنى بها السحاب التي تحمل الماء والمطر . وقال الماوردي : وفي الإبل وجهان : أحدهما : وهو أظهرهما وأشهرهما : أنها الإبل من النعم . الثاني : أنها السحاب . فإن كان المراد بها السحاب , فلما فيها من الآيات الدالة على قدرته , والمنافع العامة لجميع خلقه . وإن كان المراد بها الإبل من النعم ; فلأن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان ; لأن 3 ضروبه أربعة : حلوبة , وركوبة , وأكولة , وحمولة . والإبل تجمع هذه الخلال الأربع فكانت النعمة بها أعم , وظهور القدرة فيها أتم . وقال الحسن : إنما خصها الله بالذكر ; لأنها تأكل النوى والقت , وتخرج اللبن . وسئل الحسن أيضا عنها وقالوا : الفيل أعظم في الأعجوبة : فقال : العرب بعيدة العهد بالفيل , ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه , ولا يركب ظهره , ولا يحلب دره . وكان شريح يقول : اخرجوا بنا إلى الكناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت . والإبل : لا واحد لها من لفظها , وهي مؤنثة ; لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها , إذا كانت لغير الآدميين , فالتأنيث لها لازم , وإذا صغرتها دخلتها الهاء , فقلت : أبيلة وغنيمة , ونحو ذلك . وربما قالوا للإبل : إبل , بسكون الباء للتخفيف , والجمع : آبال .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ
    +/- -/+  
الأية
19
 
أي كيف نصبت على الأرض , بحيث لا تزول وذلك أن الأرض لما دحيت مادت , فأرساها بالجبال . كما قال : { وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم } [ الأنبياء : 31 ] .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ
    +/- -/+  
الأية
20
 
أي بسطت ومدت . وقال أنس : صليت خلف علي - رضي الله عنه - فقرأ }{ كيف خلقت }{ و } رفعت }{ و }{ نصبت }{ و }{ سطحت } , بضم التاءات أضاف الضمير إلى الله تعالى . وبه كان يقرأ محمد بن السميقع وأبو العالية والمفعول محذوف , والمعنى خلقتها . وكذلك سائرها . وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو رجاء : { سطحت }{ بتشديد الطاء وإسكان التاء . وكذلك قرأ الجماعة , إلا أنهم خففوا الطاء . وقدم الإبل في الذكر , ولو قدم غيرها لجاز . قال القشيري : وليس هذا مما يطلب فيه نوع حكمة . وقد قيل : هو أقرب إلى الناس في حق العرب , لكثرتها عندهم , وهم من أعرف الناس بها . وأيضا : مرافق الإبل أكثر من مرافق الحيوانات الأخر فهي مأكولة , ولبنها مشروب , وتصلح للحمل والركوب , وقطع المسافات البعيدة عليها , والصبر على العطش , وقلة العلف , وكثرة الحمل , وهي معظم أموال العرب . وكانوا يسيرون على الإبل منفردين مستوحشين عن الناس , ومن هذا حاله تفكر فيما يحضره , فقد ينظر في مركوبه , ثم يمد بصره إلى السماء ثم إلى الأرض . فأمروا بالنظر في هذه الأشياء , فإنها أدل دليل على الصانع المختار القادر .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ
    +/- -/+  
الأية
22
 
أي بمسلط عليهم فتقتلهم . ثم نسختها آية السيف . وقرأ هارون الأعور }{ بمسيطر } ( بفتح الطاء )  , و }{ المسيطرون } [ الطور : 37 ] . وهي لغة تميم . وفي الصحاح : { المسيطر والمصيطر : المسلط على الشيء , ليشرف عليه , ويتعهد أحواله , . ويكتب عمله , وأصله من السطر ; لأن من معنى السطر ألا يتجاوز , فالكتاب مسطر , والذي يفعله مسطر ومسيطر يقال : سيطرت علينا , وقال تعالى : { لست عليهم بمسيطر } . وسطره أي صرعه .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِلَّا مَنْ تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ
    +/- -/+  
الأية
24
 
وهي جهنم الدائم عذابها . وإنما قال : { الأكبر } ; لأنهم عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والأسر والقتل . ودليل هذا التأويل قراءة ابن مسعود : { إلا من تولى وكفر فإنه يعذبه الله } . وقيل : هو استثناء متصل . والمعنى : لست بمسلط إلا على من تولى وكفر , فأنت مسلط عليه بالجهاد , والله يعذبه بعد ذلك العذاب الأكبر , فلا نسخ في الآية على هذا التقدير . وروي أن عليا أتي برجل ارتد , فاستتابه ثلاثة أيام , فلم يعاود الإسلام , فضرب عنقه , وقرأ }{ إلا من تولى وكفر } . وقرأ ابن عباس وقتادة } ألا }{ على الاستفتاح والتنبيه , كقول امرئ القيس : ألا رب يوم لك منهن صالح و }{ من { على هذا : للشرط . والجواب }{ فيعذبه الله }{ والمبتدأ بعد الفاء مضمر , والتقدير : فهو يعذبه الله ; لأنه لو أريد الجواب بالفعل الذي بعد الفاء لكان : إلا من تولى وكفر يعذبه الله .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ
    +/- -/+  
الأية
25
 
أي رجوعهم بعد الموت . يقال : آب يئوب أي رجع . قال عبيد : وكل ذي غيبة يئوب وغائب الموت لا يئوب وقرأ أبو جعفر }{ إيابهم }{ بالتشديد . قال أبو حاتم : لا يجوز التشديد , ولو جاز لجاز مثله في الصيام والقيام . وقيل : هما لغتان بمعنى . الزمخشري : وقرأ أبو جعفر المدني }{ إيابهم }{ بالتشديد ووجهه أن يكون فيعالا : مصدر أيب , قيل من الإياب . أو أن يكون أصله إوابا فعالا من أوب , ثم قيل : إيوابا كديوان في دوان . ثم فعل ما فعل بأصل سيد ونحوه .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ
    +/- -/+  
الأية
26
 
لا يوجد تفسير لهذه الأية .

نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer








© EsinIslam.Com Designed & produced by The Awqaf London. Please pray for us