سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ
لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ
الأية 1
سبحان الذي أسرى بعبدهالقول في تأويل قوله تعالى { سبحان الذي أسرى بعبده } قال أبو
جعفر محمد بن جرير الطبري : يعني تعالى ذكره بقوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده
ليلا } تنزيها للذي أسرى بعبده وتبرئة له مما يقول فيه المشركون من أن له من خلقه
شريكا , وأن له صاحبة وولدا , وعلوا له وتعظيما عما أضافوه إليه , ونسبوه من
جهالاتهم وخطأ أقوالهم . وقد بينت فيما مضى قبل , أن قوله { سبحان } اسم وضع موضع
المصدر , فنصب لوقوعه موقعه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقد كان بعضهم يقول
: نصب لأنه غير موصوف , وللعرب في التسبيح أماكن تستعمله فيها . فمنها الصلاة , كان
كثير من أهل التأويل يتأولون قول الله : { فلولا أنه كان من المسبحين } : 37 143
فلولا أنه كان من المصلين . ومنها الاستثناء , كان بعضهم يتأول قول الله تعالى : {
ألم أقل لكم لولا تسبحون } : 68 28 لولا تستثنون , وزعم أن ذلك لغة لبعض أهل اليمن
, ويستشهد لصحة تأويله ذلك بقوله : { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون } 68
17 : 18 قال : { قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون } 68 28 فذكرهم تركهم
الاستثناء . ومنها النور , وكان بعضهم يتأول في الخبر الذي روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم : " لولا ذلك لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيء " أنه عنى بقوله : سبحات
وجهه : نور وجهه . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : { سبحان الذي أسرى بعبده } قال
أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 16613 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد
الرزاق , قال : أخبرنا الثوري , عن عثمان بن موهب , عن موسى بن طلحة , عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان : سبحان الله , قال : " إنزاه
الله عن السوء " . 16614 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا عبدة بن
سليمان , عن الحسن بن صالح , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله : سبحان الله : قال :
إنكاف لله . وقد ذكرنا من الآثار في ذلك ما فيه الكفاية فيما مضى من كتابنا هذا قبل
. والإسراء والسرى : سير الليل . فمن قال : أسرى , قال : يسري إسراء ; ومن قال :
سرى , قال : يسري سرى , كما قال الشاعر : وليلة ذات دجى سريت ولم يلتني عن سراها
ليت ويروى : ذات ندى سريت .ليلاويعني بقوله : { ليلا } من الليل . وكذلك كان حذيفة
بن اليمان يقرؤها . 16615 - حدثنا أبو كريب , قال : سمعت أبا بكر بن عياش ورجل يحدث
عنده بحديث حين أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : لا تجيء بمثل عاصم ولا زر
, قال : قرأ حذيفة : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى " وكذا قرأ عبد الله .من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصىوأما قوله : { من
المسجد الحرام } فإنه اختلف فيه وفي معناه , فقال بعضهم : يعني من الحرم , وقال :
الحرم كله مسجد . وقد بينا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا . وقال : وقد ذكر لنا أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان نائما في بيت أم
هانئ ابنة أبي طالب . ذكر من قال ذلك : 16616 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة ,
قال : ثنا محمد بن إسحاق , قال : ثني محمد بن السائب , عن أبي صالح بن باذام عن أم
هانئ بنت أبي طالب , في مسرى النبي صلى الله عليه وسلم , أنها كانت تقول : ما أسري
برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة , فصلى العشاء
الآخرة , ثم نام ونمنا , فلما كان قبيل الفجر , أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
, فلما صلى الصبح وصلينا معه قال : " يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما
رأيت لهذا الوادي , ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه , ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن
كما ترين " . وقال آخرون : بل أسري به من المسجد , وفيه كان حين أسري به . ذكر من
قال ذلك : 16617 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا محمد بن جعفر بن عدي , عن سعيد
بن أبي عروبة , عن قتادة , عن أنس بن مالك , عن مالك بن صعصعة , وهو رجل من قومه
قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان
, إذ سمعت قائلا يقول , أحد الثلاثة , فأتيت بطست من ذهب فيها من ماء زمزم , فشرح
صدري إلى كذا وكذا " قال قتادة : قلت : ما يعني به ؟ قال : إلى أسفل بطنه ; قال : "
فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه , ثم حشي إيمانا وحكمة , ثم أتيت بدابة
أبيض " , وفي رواية أخرى : " بدابة بيضاء يقال له البراق , فوق الحمار ودون البغل ,
يقع خطوه منتهى طرفه , فحملت عليه , ثم انطلقنا حتى أتينا إلى بيت المقدس فصليت فيه
بالنبيين والمرسلين إماما , ثم عرج بي إلى السماء الدنيا " . ... فذكر الحديث . * -
حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا خالد بن الحارث , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , عن أنس
بن مالك , عن مالك , يعني ابن صعصعة رجل من قومه , عن النبي صلى الله عليه وسلم ,
نحوه . * - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا ابن أبي عدي , عن سعيد , عن قتادة , عن
أنس بن مالك , عن مالك بن صعصعة رجل من قومه , قال : قال نبي الله صلى الله عليه
وسلم , ثم ذكر نحوه . 16618 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : قال محمد بن
إسحاق : ثني عمرو بن عبد الرحمن , عن الحسن بن أبي الحسن , قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم في الحجر جاءني جبريل فهمزني بقدمه , فجلست فلم
أر شيئا , فعدت لمضجعي , فجاءني الثانية فهمزني بقدمه , فجلست فلم أر شيئا , فعدت
لمضجعي , فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه , فجلست , فأخذ بعضدي فقمت معه , فخرج بي إلى
باب المسجد , فإذا دابة بيضاء بين الحمار والبغل , له في فخذيه جناحان يحفز بهما
رجليه , يضع يده في منتهى طرفه , فحملني عليه ثم خرج معي , لا يفوتني ولا أفوته " .
16619 - حدثنا الربيع بن سليمان , قال : أخبرنا ابن وهب , عن سليمان بن بلال , عن
شريك بن أبي نمر , قال : سمعت أنسا يحدثنا عن ليلة المسرى برسول الله صلى الله عليه
وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد
الحرام , فقال أولهم : أيهم هو ؟ قالا أوسطهم : هو خيرهم , فقال أحدهم : خذوا خيرهم
, فكانت تلك الليلة , فلم يرهم حتى جاءوا ليلة أخرى فيما يرى قلبه - والنبي صلى
الله عليه وسلم تنام عيناه , ولا ينام قلبه . وكذلك الأنبياء تنام أعينهم , ولا
تنام قلوبهم - فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم , فتولاه منهم جبرائيل
عليه السلام , فشق ما بين نحره إلى لبته , حتى فرغ من صدره وجوفه , فغسله من ماء
زمزم حتى أنقى جوفه , ثم أتي بطست من ذهب فيه تور محشو إيمانا وحكمة , فحشا به جوفه
وصدره ولغاديده , ثم أطبقه ثم ركب البراق , فسار حتى أتى به إلى بيت المقدس فصلى
فيه بالنبيين والمرسلين إماما , ثم عرج به إلى السماء الدنيا , فضرب بابا من
أبوابها , فناداه أهل السماء : من هذا ؟ قال : هذا جبرائيل , قيل : من معك ؟ قال :
محمد , قيل : أوقد بعث إليه ؟ قال : نعم , قالوا : فمرحبا به وأهلا , فيستبشر به
أهل السماء , لا يعلم أهل السماء بما يريد الله بأهل الأرض حتى يعلمهم , فوجد في
السماء الدنيا آدم , فقال له جبرائيل : هذا أبوك , فسلم عليه , فرد عليه , فقال :
مرحبا بك وأهلا يا بني , فنعم الابن أنت , ثم مضى به إلى السماء الثانية , فاستفتح
جبرائيل بابا من أبوابها , فقيل : من هذا ؟ فقال : جبرائيل , قيل : ومن معك ؟ قال :
محمد , قيل : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم قد أرسل إليه , فقيل : مرحبا به وأهلا ,
ففتح لهما ; فلما صعد فيها فإذا هو بنهرين يجريان , فقال : ما هذان النهران يا
جبرائيل ؟ قال : هذا النيل والفرات عنصرهما ; ثم عرج به إلى السماء الثالثة ,
فاستفتح جبرائيل بابا من أبوابها , فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل , قيل : ومن معك
؟ قال : محمد , قيل : أوقد بعث إليه ؟ قال : نعم قد بعث إليه , قيل : مرحبا به
وأهلا , ففتح له فإذا هو بنهر عليه قباب وقصور من لؤلؤ وزبرجد وياقوت , وغير ذلك ما
لا يعلمه إلا الله , فذهب يشم ترابه , فإذا هو مسك أذفر , فقال : يا جبرائيل ما هذا
المهر ؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك في الآخرة ; ثم عرج به إلى الرابعة ,
فقالوا به مثل ذلك ; ثم عرج به إلى الخامسة , فقالوا له مثل ذلك ; ثم عرج به إلى
السادسة , فقالوا له مثل ذلك ; ثم عرج به إلى السابعة , فقالوا له مثل ذلك , وكل
سماء فيها أنبياء قد سماهم أنس , فوعيت منهم إدريس في الثانية , وهارون في الرابعة
, وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه , وإبراهيم في السادسة , وموسى في السابعة بتفضيل
كلامه الله , فقال موسى : رب لم أظن أن يرفع علي أحد ! ثم علا به فوق ذلك بما لا
يعلمه إلا الله , حتى جاء سدرة المنتهى , ودنا باب الجبار رب العزة , فتدلى فكان
قاب قوسين أو أدنى , فأوحى إلى عبده ما شاء , وأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاة على
أمته كل يوم وليلة , ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه , فقال : يا محمد ماذا عهد إليك
ربك ؟ قال : " عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة " ; قال : إن أمتك لا
تستطيع ذلك , فارجع فليخفف عنك وعنهم , فالتفت إلى جبرائيل كأنه يستشيره في ذلك ,
فأشار إليه أن نعم , فعاد به جبرائيل حتى أتى الجبار عز وجل وهو مكانه , فقال : "
رب خفف عنا , فإن أمتي لا تستطيع هذا " , فوضع عنه عشر صلوات ; ثم رجع إلى موسى
عليه السلام فاحتبسه , فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات , ثم
احتبسه عند الخمس , فقال : يا محمد قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه
الخمس , فضعفوا وتركوه , فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبصارا وأسماعا , فارجع فليخفف
عنك ربك , كل ذلك يلتفت إلى جبرائيل ليشير عليه , ولا يكره ذلك جبرائيل , فرفعه عند
الخمس , فقال : " يا رب إن أمتي ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم , فخفف عنا
" , قال الجبار جل جلاله : يا محمد , قال : " لبيك وسعديك " , فقال : إني لا يبدل
القول لدي كما كتبت عليك في أم الكتاب , ولك بكل حسنة عشر أمثالها , وهي خمسون في
أم الكتاب , وهي خمس عليك ; فرجع إلى موسى , فقال : كيف فعلت ؟ فقال : " خفف عني ,
أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها " , قال : قد والله راودني بني إسرائيل على أدنى من
هذا فتركوه فارجع فليخفف عنك أيضا , قال : " يا موسى قد والله استحييت من ربي مما
أختلف إليه " , قال : فاهبط باسم الله , فاستيقظ وهو في المسجد الحرام . وأولى
الأقوال في ذلك بالصواب , أن يقال : إن الله عز وجل أخبر أنه أسرى بعبده من المسجد
الحرام , والمسجد الحرام هو الذي يتعارفه الناس بينهم إذا ذكروه , وقوله : { إلى
المسجد الأقصى } يعني : مسجد بيت المقدس , وقيل له : الأقصى , لأنه أبعد المساجد
التي تزار , وينبغي في زيارته الفضل بعد المسجد الحرام . فتأويل الكلام تنزيها لله
, وتبرئة له ما نحله المشركون من الإشراك والأنداد والصاحبة , وما يجل عنه جل جلاله
, الذي سار بعبده ليلا من بيته الحرام إلى بيته الأقصى . ثم اختلف أهل العلم في صفة
إسراء الله تبارك وتعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى , فقال بعضهم : أسرى الله بجسده , فسار به ليلا على البراق من بيته الحرام
إلى بيته الأقصى حتى أتاه , فأراه ما شاء أن يريه من عجائب أمره وعبره وعظيم سلطانه
, فجمعت له به الأنبياء , فصلى بهم هنالك , وعرج به إلى السماء حتى صعد به فوق
السماوات السبع , وأوحى إليه هنالك ما شاء أن يوحي ثم رجع إلى المسجد الحرام من
ليلته , فصلى به صلاة الصبح . ذكر من قال ذلك , وذكر بعض الروايات التي رويت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيحه : 16620 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى , قال :
أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , قال : أخبرني ابن
المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به على
البراق , وهي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام , يقع حافرها موضع
طرفها , قال : فمرت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية , فنفرت العير , وفيها
بعير عليه غرارتان : سوداء , وزرقاء , حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيلياء
فأتي بقدحين : قدح خمر , وقدح لبن , فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح اللبن ,
فقال له جبرائيل : هديت إلى الفطرة , لو أخذت قدح الخمر غوت أمتك . قال ابن شهاب :
فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي هناك إبراهيم وعيسى ,
فنعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : " فأما موسى فضرب رجل الرأس كأنه من
رجال شنوءة , وأما عيسى فرجل أحمر كأنما خرج من ديماس , فأشبه من رأيت به عروة بن
مسعود الثقفي ; وأما إبراهيم فأنا أشبه ولده به " ; فلما رجع رسول الله صلى الله
عليه وسلم , حدث قريشا أنه أسري به . قال عبد الله : فارتد ناس كثير بعد ما أسلموا
, قال أبو سلمة : فأتى أبو بكر الصديق , فقيل له : هل لك في صاحبك , يزعم أنه أسري
به إلى بيت المقدس ثم رجع في ليلة واحدة , قال أبو بكر : أوقال ذلك ؟ قالوا : نعم ,
قال : فأشهد إن كان قال ذلك لقد صدق , قالوا : أفتشهد أنه جاء الشام في ليلة واحدة
؟ قال : إني أصدقه بأبعد من ذلك , أصدقه بخبر السماء . قال أبو سلمة : سمعت جابر بن
عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لما كذبتني قريش قمت
فمثل الله لي بيت المقدس , فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه " . 16621 - حدثني
يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري , عن أبيه ,
عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص , عن أنس بن مالك , قال : لما جاء
جبرائيل عليه السلام بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكأنها ضربت
بذنبها , فقال لها جبرائيل : مه يا براق , فوالله إن ركبك مثله ; فسار رسول الله
صلى الله عليه وسلم , فإذا هو بعجوز ناء عن الطريق : أي على جنب الطريق . قال أو
جعفر : ينبغي أن يقال : نائية , ولكن أسقط منها التأنيث . فقال : " ما هذه يا
جبرائيل ؟ " قال : سر يا محمد , فسار ما شاء الله أن يسير , فإذا شيء يدعوه متنحيا
عن الطريق يقول : هلم يا محمد , قال جبرائيل : سر يا محمد , فسار ما شاء الله أن
يسير ; قال : ثم لقيه خلق من الخلائق , فقال أحدهم : السلام عليك يا أول , والسلام
عليك يا آخر , والسلام عليك يا حاشر , فقال له جبرائيل : اردد السلام يا محمد , قال
: فرد السلام ; ثم لقيه الثاني , فقال له مثل مقالة الأولين حتى انتهى إلى بيت
المقدس , فعرض عليه الماء واللبن والخمر , فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللبن , فقال له جبرائيل : أصبت يا محمد الفطرة , ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك
, ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك . ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء , فأمهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة , ثم قال له جبرائيل : أما العجوز التي
رأيت على جانب الطريق , فلم يبق من الدنيا إلا بقدر ما بقي من عمر تلك العجوز ,
وأما الذي أراد أن تميل إليه , فذاك عدو الله إبليس , أراد أن تميل إليه ; وأما
الذين سلموا عليك , فذاك إبراهيم وموسى وعيسى . 16622 - حدثني علي بن سهل , قال :
ثنا حجاج , قال : أخبرنا أبو جعفر الرازي , عن الربيع بن أنس , عن أبي العالية
الرياحي , عن أبي هريرة أو غيره - شك أبو جعفر - في قول الله عز وجل : { سبحان الذي
أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله , لنريه من
آياتنا إنه هو السميع البصير } قال . جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ومعه ميكائيل , فقال جبرائيل لميكائيل : ائتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه ,
وأشرح له صدره , قال : فشق عن بطنه , فغسله ثلاث مرات , واختلف إليه ميكائيل بثلاث
طسات من ماء زمزم , فشرح صدره , ونزع ما كان فيه من غل , وملأه حلما وعلما وإيمانا
ويقينا وإسلاما , وختم بين كتفيه بخاتم النبوة , ثم أتاه بفرس فحمل عليه كل خطوة
منه منهى طرفه وأقصى بصره . قال : فسار وسار معه جبرائيل عليه السلام , فأتى على
قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم , كلما حصدوا عاد كما كان , فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : " يا جبرائيل ما هذا ؟ " قال : هؤلاء المجاهدون في سبيل الله , تضاعف
لهم الحسنة بسبع مائة ضعف , وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ; ثم أتى
على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر , كلما رضخت عادت كما كانت , لا يفتر عنهم من ذلك شيء ,
فقال : " ما هؤلاء يا جبرائيل ؟ " قال : هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة
المكتوبة ; ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع , وعلى أدبارهم رقاع , يسرحون كما تسرح
الإبل والغنم , ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها , قال : " ما هؤلاء يا
جبرائيل ؟ " قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم , وما ظلمهم الله شيئا , وما
الله بظلام للعبيد ; ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدور , ولحم آخر نيء
قذر خبيث , فجعلوا يأكلون من النيء , ويدعون النضيج الطيب , فقال : " ما هؤلاء يا
جبرائيل ؟ " قال : هذا الرجل من أمتك , تكون عنده المرأة الحلال الطيب , فيأتي
امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح , والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا , فتأتي
رجلا خبيثا , فتبيت معه حتى تصبح . قال : ثم أتى على خشبة في الطريق لا يمر بها ثوب
إلا شقته , ولا شيء إلا خرقته , قال : " ما هذا يا جبرائيل ؟ " قال : هذا مثل أقوام
من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه . ثم قرأ : { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون
وتصدون } 7 86 الآية . ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها , وهو
يزيد عليها , فقال : " ما هذا يا جبرائيل ؟ " قال : هذا الرجل من أمتك تكون عنده
أمانات الناس لا يقدر على أدائها , وهو يزيد عليها , ويريد أن يحملها , فلا يستطيع
ذلك ; ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد , كلما قرضت عادت كما
كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء , قال : " ما هؤلاء يا جبرائيل ؟ " فقال : هؤلاء
خطباء أمتك خطباء الفتنة يقولون ما لا يفعلون ; ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور
عظيم , فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع , فقال : " ما هذا يا
جبرائيل ؟ " قال : هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة , ثم يندم عليها , فلا يستطيع
أن يردها ; ثم أتى على واد , فوجد ريحا طيبة باردة , وفيه ريح المسك , وسمع صوتا ,
فقال : " يا جبرائيل ما هذه الريح الطيبة الباردة وهذه الرائحة التي كريح المسك ,
وما هذا الصوت ؟ " قال : هذا صوت الجنة تقول : يا رب آتني ما وعدتني , فقد كثرت
غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقري , ولؤلئي ومرجاني , وفضتي وذهبي , وأكوابي
وصحافي وأباريقي , وفواكهي ونخلي ورماني , ولبني وخمري , فآتني ما وعدتني , فقال :
لك كل مسلم ومسلمة , ومؤمن ومؤمنة , ومن آمن بي وبرسلي , وعمل صالحا ولم يشرك بي ,
ولم يتخذ من دوني أندادا , ومن خشيني فهو آمن , ومن سألني أعطيته , ومن أقرضني
جزيته , ومن توكل علي كفيته , إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد , وقد
أفلح المؤمنون , وتبارك الله أحسن الخالقين , قالت : قد رضيت ; ثم أتى على واد فسمع
صوتا منكرا , ووجد ريحا منتنة , فقال : وما هذه الريح يا جبرائيل وما هذا الصوت ؟ "
قال : هذا صوت جهنم , تقول : يا رب آتني ما وعدتني , فقد كثرت سلاسلي وأغلالي ,
وسعيري وجحيمي , وضريعي وغساقي , وعذابي وعقابي , وقد بعد قعري واشتد حري , فآتني
ما وعدتني , قال : لك كل مشرك ومشركة , وكافر وكافرة , وكل خبيث وخبيثة , وكل جبار
لا يؤمن بيوم الحساب , قالت : قد رضيت ; قال : ثم سار حتى أتى بيت المقدس , فنزل
فربط فرسه إلى صخرة , ثم دخل فصلى مع الملائكة ; فلما قضيت الصلاة . قالوا : يا
جبرائيل من هذا معك ؟ قال : محمد , فقالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم , قالوا :
حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء ; قال : ثم
لقي أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم , فقال إبراهيم : الحمد لله الذي اتخذني خليلا
وأعطاني ملكا عظيما , وجعلني أمة قانتا لله يؤتم بي , وأنقذني من النار , وجعلها
علي بردا وسلاما ; ثم إن موسى أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي كلمني تكليما ,
وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي , وجعل من أمتي قوما يهدون بالحق وبه
يعدلون ; ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه , فقال : الحمد لله الذي جعل لي ملكا
عظيما وعلمني الزبور , وألان لي الحديد , وسخر لي الجبال يسبحن والطير , وأعطاني
الحكمة وفصل الخطاب ; ثم إن سليمان أثنى على ربه , فقال : الحمد لله الذي سخر لي
الرياح , وسخر لي الشياطين , يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب ,
وقدور راسيات , وعلمني منطق الطير , وآتاني من كل شيء فضلا , وسخر لي جنود الشياطين
والإنس والطير , وفضلني على كثير من عباده المؤمنين , وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي
لأحد من بعدي , وجعل ملكي ملكا طيبا ليس علي فيه حساب ; ثم إن عيسى عليه السلام
أثنى على ربه , فقال : الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب
, ثم قال له : كن فيكون , وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل , وجعلني أخلق
من الطين هيئة الطير , فأنفخ فيه , فيكون طيرا بإذن الله , وجعلني أبرئ الأكمة
والأبرص , وأحيي الموتى بإذن الله , ورفعني وطهرني , وأعاذني وأمي من الشيطان
الرجيم , فلم يكن للشيطان علينا سبيل ; قال : ثم إن محمدا صلى الله عليه وسلم أثنى
على ربه , فقال : " كلكم أثنى على ربه , وأنا مثن على ربي " , فقال : " الحمد لله
الذي أرسلني رحمة للعالمين , وكافة للناس بشيرا ونذيرا , وأنزل علي الفرقان فيه
تبيان كل شيء , وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس , وجعل أمتي وسطا , وجعل أمتي هم
الأولون وهم الآخرون , وشرح لي صدري , ووضع عني وزري ورفع لي ذكري , وجعلني فاتحا
خاتما " قال إبراهيم : بهذا فضلكم محمد - قال : أبو جعفر : وهو الرازي : خاتم
النبوة , وفاتح بالشفاعة يوم القيامة - ثم أتى إليه بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها ,
فأتي بإناء منها فيه ماء , فقيل : اشرب , فشرب منه يسيرا ; ثم دفع إليه إناء آخر
فيه لبن , فقيل له : اشرب , فشرب منه حتى روي ; ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر ,
فقيل له : اشرب , فقال : " لا أريده قد رويت " فقال له جبرائيل صلى الله عليه وسلم
: أما إنها ستحرم على أمتك , ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا القليل , ثم عرج
به إلى سماء الدنيا , فاستفتح جبرائيل بابا من أبوابها , فقيل : من هذا ؟ قال :
جبرائيل , قيل : ومن معك ؟ فقال : محمد , قالوا : أوقد أرسل إليه , قال : نعم ,
قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء ;
فدخل فإذا هو برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء , كما ينقص من خلق الناس , على
يمينه باب يخرج منه ريح طيبة , وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة , إذا نظر إلى
الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر , وإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى وحزن ,
فقلت : " يا جبرائيل من هذا الشيخ التام الخلق الذي لم ينقص من خلقه شيء , وما هذان
البابان ؟ " قال : هذا أبوك آدم , وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة , إذا نظر
إلى من يدخله من ذريته ضحك واستبشر , والباب الذي عن شماله باب جهنم , إذا نظر إلى
من يدخله من ذريته بكى وحزن ; ثم صعد به جبرائيل صلى الله عليه وسلم إلى السماء
الثانية فاستفتح , فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل , قيل : ومن معك ؟ قال : محمد
رسول الله , فقالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم , قالوا : حياه الله من أخ ومن
خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء , قال : فإذا هو بشابين , فقال :
" يا جبرائيل من هذان الشبان ؟ " قال : هذا عيسى ابن مريم , ويحيى بن زكريا ابنا
الخالة , قال : فصعد به إلى السماء الثالثة , فاستفتح , فقالوا : من هذا ؟ قال :
جبرائيل , قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد , قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ,
قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء ,
قال : فدخل فإذا هو برجل قد فضل على الناس كلهم في الحسن , كما فضل القمر ليلة
البدر على سائر الكواكب , قال : " من هذا يا جبرائيل الذي فضل على الناس في الحسن ؟
" قال : هذا أخوك يوسف ; ثم صعد به إلى السماء الرابعة , فاستفتح , فقيل : من هذا ؟
قال جبرائيل , قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد , قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال : نعم
, قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء جاء ;
قال : فدخل , فإذا هو برجل , قال : " من هذا يا جبرائيل ؟ " قال : هذا إدريس رفعه
الله مكانا عليا . ثم صعد به إلى السماء الخامسة , فاستفتح جبرائيل , فقالوا : من
هذا ؟ فقال : جبرائيل , قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد , قالوا : أوقد أرسل إليه ؟
قال : نعم , قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم
المجيء جاء ; ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم , قال : " من هذا يا
جبرائيل ومن هؤلاء الذين حوله ؟ " قال : هذا هارون المحبب في قومه , وهؤلاء بنو
إسرائيل ; ثم صعد به إلى السماء السادسة , فاستفتح جبرائيل , فقيل له : من هذا ؟
قال : جبرائيل , قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد , قالوا : أوقد أرسل إليه ؟ قال :
نعم , قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة , ونعم المجيء
جاء ; فإذا هو برجل جالس , فجاوزه , فبكى الرجل , فقال : " يا جبرائيل من هذا ؟ "
قال : موسى , قال : " فما باله يبكي ؟ " قال : تزعم بنو إسرائيل أني أكرم بنى آدم
على الله , وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا , وأنا في أخرى , فلو أنه بنفسه
لم أبال , ولكن مع كل نبي أمته ; ثم صعد به إلى السماء السابعة , فاستفتح جبرائيل ,
فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل , قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد , قالوا : أوقد أرسل
إليه ؟ قال : نعم , قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة , فنعم الأخ ونعم الخليفة ,
ونعم المجيء جاء , قال : فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي ,
وعنده قوم جلوس بيض الوجوه , أمثال القراطيس , وقوم في ألوانهم شيء , فقام هؤلاء
الذين في ألوانهم شيء , فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه , فخرجوا وقد خلص , من ألوانهم
شيء , ثم دخلوا نهرا آخر , فاغتسلوا فيه , فخرجوا وقد خلص , من ألوانهم شيء , ثم
دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه , فخرجوا وقد خلص , ألوانهم شيء , فصارت مثل ألوان
أصحابهم , فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم , فقال : " يا جبرائيل من هذا الأشمط , ثم من
هؤلاء البيض وجوههم , ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء , وما هذه الأنهار التي دخلوا
, فجاءوا وقد صفت ألوانهم ؟ " قال : هذا أبوك إبراهيم أول من شمط على الأرض , وأما
هؤلاء البيض الوجوه : فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم , وأما هؤلاء الذين . في ألوانهم
شيء , فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا , فتابوا , فتاب الله عليهم , وأما الأنهار
: فأولها رحمة الله , وثانيها : نعمة الله , والثالث : سقاهم ربهم شرابا طهورا ;
قال : ثم انتهى إلى السدرة , فقيل له : هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك
على سنتك , فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن , وأنهار من لبن لم
يتغير طعمه , وأنهار من خمر لذة للشاربين , وأنهار من عسل مصفى , وهي شجرة يسير
الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها , والورقة منها مغطية للأمة كلها , قال :
فغشيها نور الخلاق عز وجل , وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة ,
قال : فكلمه عند ذلك , فقال له : سل , فقال : " اتخذت إبراهيم خليلا , وأعطيته ملكا
عظيما , وكلمت موسى تكليما , وأعطيت داود ملكا عظيما , وألنت له الحديد , وسخرت له
الجبال , وأعطيت سليمان ملكا عظيما , وسخرت له الجن والإنس والشياطين , وسخرت له
الرياح , وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده , وعلمت عيسى التوراة والإنجيل ,
وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص , ويحيي الموتى بإذن الله , وأعذته وأمه من الشيطان
الرجيم , فلم يكن للشيطان عليهما سبيل " . فقال له ربه : قد اتخذتك حبيبا وخليلا ,
وهو مكتوب في التوراة : حبيب الله ; وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا , وشرحت
لك صدرك , ووضعت عنك وزرك , ورفعت لك ذكرك , فلا أذكر إلا ذكرت معي , وجعلت أمتك
أمة وسطا , وجعلت أمتك هم الأولون والآخرون , وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة , حتى
يشهدوا أنك عبدي ورسولي , وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم , وجعلتك أول
النبيين خلقا , وآخرهم بعثا , وأولهم يقضى له , وأعطيتك سبعا من المثاني , لم يعطها
نبي قبلك , وأعطيتك الكوثر , وأعطيتك ثمانية أسهم الإسلام والهجرة , والجهاد ,
والصدقة , والصلاة , وصوم رمضان , والأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر , وجعلتك
فاتحا وخاتما , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فضلني ربي بست : أعطاني فواتح
الكلم وخواتيمه , وجوامع الحديث , وأرسلني إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا , وقذف في
قلوب عدوي الرعب من مسيرة شهر , وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي , وجعلت لي
الأرض كلها طهورا ومسجدا , قال : وفرض علي خمسين صلاة " ; فلما رجع إلى موسى , قال
: بم أمرت يا محمد , قال : " بخمسين صلاة " , قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ,
فإن أمتك أضعف الأمم , فقد لقيت من بني إسرائيل شدة , قال : فرجع النبي صلى الله
عليه وسلم إلى ربه فسأله التخفيف , فوضع عنه عشرا , ثم رجع إلى موسى , فقال : بكم
أمرت ؟ قال : " بأربعين " , قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فإن أمتك أضعف
الأمم , وقد لقيت من بنى إسرائيل شدة , قال : فرجع إلى ربه , فسأله التخفيف , فوضع
عنه عشرا , فرجع إلى موسى , فقال : بكم أمرت ؟ قال : " أمرت بثلاثين " , فقال له
موسى : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فإن أمتك أضعف الأمم , وقد لقيت من بني
إسرائيل شدة , قال : فرجع إلى ربه فسأله التخفيف , فوضع عنه عشرا , فرجع إلى موسى
فقال : بكم أمرت ؟ قال : " بعشرين " , قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فإن
أمتك أضعف الأمم , وقد لقيت من بني إسرائيل شدة , قال : فرجع إلى ربه فسأله التخفيف
, فوضع عنه عشرا , فرجع إلى موسى , فقال : بكم أمرت ؟ قال : " بعشر " , قال : ارجع
إلى ربك فاسأله التحفيف , فإن أمتك أضعف الأمم , وقد لقيت من بني إسرائيل شدة , قال
: فرجع على حياء إلى ربه فسأله التخفيف , فوضع عنه خمسا , فرجع إلى موسى , فقال :
بكم أمرت ؟ قال : " بخمس " , قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فإن أمتك أضعف
الأم , وقد لقيت من بني إسرائيل شدة , قال : " قد رجعت إلى ربي حتى استحييت فما أنا
راجع إليه " , فقيل له : أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات فإنهن يجزين عنك
خمسين صلاة فإن كل حسنة بعشر أمثالها , قال : فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل
الرضا , فكان موسى أشدهم عليه حين مر به , وخيرهم له حين رجع إليه . * - حدثني محمد
بن عبيد الله , قال : أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم , قال : ثنا أبو جعفر الرازي
, عن الربيع بن أنس , عن أبي العالية أو غيره - شك أبو جعفر - عن أبي هريرة في قوله
: { سبحان الذي أسرى بعبده } . ... إلى قوله : { إنه هو السميع البصير } قال : جاء
جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فذكر نحو حديث علي بن سهل , عن حجاج , إلا
أنه قال : جاء جبرائيل ومعه مكائيل , وقال فيه : وإذا بقوم يسرحون كما تسرح الأنعام
يأكلون الضريع والزقوم , وقال في كل موضع قال علي : " ما هؤلاء " , " من هؤلاء يا
جبرائيل " , وقال في موضع " تقرض ألسنتهم " " تقص ألسنتهم " , وقال أيضا في موضع
قال علي فيه : " ونعم الخليفة " . قال في ذكر الخمر , فقال : " لا أريده قد رويت "
, قال جبرائيل : قد أصبت الفطرة يا محمد , إنها ستحرم على أمتك , وقال في سدرة
المنتهى أيضا : هذه السدرة المنتهى , إليها ينتهي كل أحد خلا على سبيلك من أمتك ;
وقال أيضا في الورقة منها : " تظل الخلق كلهم , تغشاها الملائكة مثل الغربان حين
يقعن على الشجرة , من حب الله عز وجل " وسائر الحديث مثل حديث علي . 16623 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن أبي هارون العبدي , عن
أبي سعيد الخدري ; وحدثني الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : ثنا
معمر , قال : أخبرنا أبو هارون العبدي , عن أبي سعيد الخدري , واللفظ لحديث الحسن
بن يحيى , في قوله : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى } قال : ثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به فقال نبي الله صلى
الله عليه وسلم : " أتيت بدابة هي أشبه الدواب بالبغل , له أذنان مضطربتان وهو
البراق , وهو الذي كان تركبه الأنبياء قبلي , فركبته , فانطلق بي يضع يده عند منتهى
بصره , فسمعت نداء عن يميني : يا محمد على رسلك أسألك , فمضيت ولم أعرج عليه ; ثم
سمعت نداء عن شمالي : يا محمد على رسلك أسألك , فمضيت ولم أعرج عليه ; ثم استقبلت
امرأة في الطريق , فرأيت عليها من كل زينة من زينة الدنيا رافعة يدها , تقول : يا
محمد على رسلك أسألك , فمضيت ولم أعرج عليها , ثم أتيت بيت المقدس , أو قال المسجد
الأقصى , فنزلت عن الدابة فأوثقتها بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها , ثم دخلت
المسجد فصليت فيه , فقال له جبرائيل : ماذا رأيت في وجهك , فقلت : سمعت نداء عن
يميني أن يا محمد على رسلك أسألك , فمضيت ولم أعرج عليه , قال : ذاك داعي اليهود ,
أما لو أنك وقفت عليه لتهودت أمتك , قال : ثم سمعت نداء عن يساري أن يا محمد على
رسلك أسألك , فمضيت ولم أعرج عليه , قال : ذاك داعي النصارى , أما إنك لو وقفت عليه
لتنصرت أمتك , قلت : ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة من زينة الدنيا رافعة
يدها تقول على رسلك , أسألك , فمضيت ولم أعرج عليها , قال : تلك الدنيا تزينت لك ,
أما إنك لو وقفت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة , ثم أتيت بإناءين أحدهما
فيه لبن , والآخر فيه خمر , فقيل لي : اشرب أيهما شئت , فأخذت اللبن فشربته , قال :
أصبت الفطرة أو قال : أخذت الفطرة " . قال معمر : وأخبرني الزهري , عن ابن المسيب
أنه قيل له : أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك . قال أبو هارون في حديث أبي سعيد : "
ثم جيء بالمعراج الذي تعرج فيه أرواح بني آدم فإذا هو أحسن ما رأيت ألم تر إلى
الميت كيف يحد بصره إليه فعرج بنا فيه حتى انتهينا إلى باب السماء الدنيا , فاستفتح
جبرائيل , فقيل من هذا ؟ قال : جبرائيل ؟ قيل : ومن معك ؟ قال : محمد , قيل : أوقد
أرسل إليه ؟ قال : نعم , ففتحوا وسلموا علي , وإذا ملك موكل يحرس السماء يقال له
إسماعيل , معه سبعون ألف ملك مع كل ملك منهم مائة ألف , ثم قرأ : { وما يعلم جنود
ربك إلا هو } 74 31 وإذا أنا برجل كهيئته يوم خلقه الله لم يتغير منه شيء , فإذا هو
تعرض عليه أرواح ذريته , فإذا كانت روح مؤمن , قال : روح طيبة , وريح طيبة , اجعلوا
كتابه في عليين ; وإذا كان روح كافر قال : روح خبيثة وريح خبيثة , اجعلوا كتابه في
سجيل , فقلت : يا جبرائيل من هذا ؟ قال : أبوك آدم , فسلم علي ورحب بي ودعا لي بخير
وقال : مرحبا بالنبي الصالح والولد الصالح , ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر
كمشافر الإبل , وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم , ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار
يخرج من أسافلهم , قلت : يا جبرائيل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال
اليتامى ظلما . ثم نظرت فإذا أنا بقوم يحذى من جلودهم ويرد في أفواههم , ثم يقال :
كلوا كما أكلتم , فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلك , قلت : من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال
: هؤلاء الهمازون اللمازون الذين يأكلون لحوم الناس , ويقعون في أعراضهم بالسب ; ثم
نظرت فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم , وإذا حولهم
جيف , فجعلوا يميلون على الجيف يأكلون منها ويدعون ذلك اللحم , قلت : من هؤلاء يا
جبرائيل ؟ قال : هؤلاء الزناة عمدوا إلى ما حرم الله عليهم , وتركوا ما أحل الله
لهم ; ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم بطون كأنها البيوت وهي على سابلة آل فرعون , فإذا
مر بهم آل فرعون ثاروا , فيميل بأحدهم بطنه فيقع , فيتوطئوهم آل فرعون بأرجلهم ,
وهم يعرضون على النار غدوا وعشيا ; قلت : من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال : هؤلاء أكلة
الربا , ربا في بطونهم , فمثلهم كمثل الذي يتخبطه الشيطان من المس ; ثم نظرت , فإذا
أنا بنساء معلقات بثديهن , ونساء منكسات بأرجلهن , قلت : من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال
: هن اللاتي يزنين ويقتلن أولادهن قال : ثم صعدنا إلى السماء الثانية , فإذا أنا
بيوسف وحوله تبع من أمته , ووجهه كالقمر ليلة البدر , فسلم علي ورحب بي , ثم مضينا
إلى السماء الثالثة , فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى , يشبه أحدهما صاحبه ,
ثيابهما وشعرهما , فسلما علي , ورحبا بي ; ثم مضينا إلى السماء الرابعة , فإذا أنا
بإدريس , فسلم علي ورحب وقد قال الله : { ورفعناه مكانا عاليا } ; ثم مضينا إلى
السماء الخامسة , فإذا أنا بهارون المحبب في قومه , حوله تبع كثير من أمته " فوصفه
النبي صلى الله عليه وسلم : " طويل اللحية تكاد لحيته تمس سرته , فسلم علي ورحب ;
ثم مضينا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى بن عمران " فوصفه النبي صلى الله عليه
وسلم فقال : " كثير الشعر لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما ; قال موسى : تزعم
الناس أني أكرم الخلق على الله , فهذا أكرم على الله مني , ولو كان وحده لم أكن
أبالي , ولكن كل نبي ومن تبعه من أمته ; ثم مضينا إلى السماء السابعة , فإذا أنا
بإبراهيم وهو جالس مسند ظهره إلى البيت المعمور فسلم علي وقال : مرحبا بالنبي
الصالح والولد الصالح , فقيل : هذا مكانك ومكان أمتك , ثم تلا : { إن أولى الناس
بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا , والله ولي المؤمنين } ; ثم دخلت
البيت المعمور فصليت فيه , وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إلى يوم
القيامة ; ثم نظرت فإذا أنا بشجرة إن كانت الورقة منها لمغطية هذه الأمة , فإذا في
أصلها عين تجري قد تشعبت شعبتين , فقلت : ما هذا يا جبرائيل ؟ قال : أما هذا : فهو
نهر الرحمة , وأما هذا : فهو الكوثر الذي أعطاكه الله , فاغتسلت في نهر الرحمة فغفر
لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر , ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة , فإذا فيها ما
لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر , وإذا فيها رمان كأنه جلود الإبل
المقتبة , وإذا فيها طير كأنها البخت " فقال أبو بكر : إن تلك الطير لناعمة , قال :
" أكلتها أنعم منها يا أبا بكر , وإني لأرجو أن تأكل منها , ورأيت فيها جارية ,
فسألتها : لمن أنت ؟ فقالت : لزيد بن حارثة " فبشر بها رسول الله صلى الله عليه
وسلم زيدا ; قال : " ثم إن الله أمرني بأمره , وفرض علي خمسين صلاة , فمررت على
موسى , فقال : بم أمرك ربك ؟ قلت : فرض علي خمسين صلاة , قال : ارجع إلى ربك فأسأله
التخفيف , فإن أمتك لن يقوموا بهذا , فرجعت إلى ربي فسألته فوضع عني عشرا , ثم رجعت
إلى موسى , فلم أزل أرجع إلى ربي إذا مررت لموسى حتى فرض علي خمس صلوات , فقال موسى
: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف , فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييت " أو قال : "
قلت : ما أنا براجع , فقيل لي : إن لك بهذه الخمس صلوات خمسين صلاة , الحسنة بعشر
أمثالها , ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة , ومن عملها كتبت له عشرا , ومن هم
بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا , فإن عملها كتبت واحدة " . * - حدثنا ابن حميد ,
قال : ثنا سلمة , عن محمد بن إسحاق , قال : ثني روح بن القاسم , عن أبي هارون عمارة
بن جوين العبدي , عن أبي سعيد الخدري ; وحدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال :
وثني أبو جعفر , عن أبي هارون , عن أبي سعيد , قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول : " لما فرغت مما كان في بيت المقدس , أتي بالمعراج , ولم أر شيئا قط أحسن منه
, وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر , فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى إلى باب من
الأبواب يقال له باب الحفظة , عليه ملك يقال له إسماعيل , تحت يديه اثنا عشر ألف
ملك , تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين حدث هذا الحديث : " ما يعلم جنود ربك إلا هو " ثم ذكر نحو حديث معمر , عن أبي
هارون إلا أنه قال في حديثه : قال : " ثم دخل بي الجنة فرأيت فيها جارية , فسألتها
لمن أنت ؟ وقد أعجبتني حين رأيتها , فقالت : لزيد بن حارثة " فبشر بها رسول الله
صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ثم انتهى حديث ابن حميد عن سلمة إلى ههنا . * -
حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري ,
عن ابن المسيب , عن أبي هريرة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه ليلة
أسري به إبراهيم وموسى وعيسى فقال : " أما إبراهيم فلم أر رجلا أشبه بصاحبكم منه .
وأما موسى فرجل آدم طوال جعد أقنى , كأنه من رجال شنوءة . وأما عيسى فرجل أحمر بين
القصير والطويل سبط الشعر كثير خيلان الوجه , كأنه خرج من ديماس كأن رأسه يقطر ماء
, وما به ماء , أشبه من رأيت به عروة بن مسعود " . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا
سلمة , عن محمد , عن الزهري , عن سعيد بن المسيب , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنحوه , ولم يقل عن أبي هريرة . 16624 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد
الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , عن أنس , أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي
بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه , فاستصعب عليه , فقال له جبرائيل : ما
يحملك على هذا , فوالله ما ركبك أحد أكرم على الله منه ! قال : فارفض عرقا . 16625
- حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , في قوله : { سبحان
الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله } أسري
بنبي الله عشاء من مكة إلى بيت المقدس , فصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فيه ,
فأراه الله من آياته وأمره بما شاء ليلة أسري به , ثم أصبح بمكة . ذكر لنا أن نبي
الله صلى الله عليه وسلم قال : " حملت على دابة يقال لها البراق , فوق الحمار ودون
البغل , يضع حافره عند منتهى طرفه " فحدث نبي الله بذلك أهل مكة , فكذب به المشركون
وأنكروه وقالوا : يا محمد تخبرنا أنك أتيت بيت المقدس , وأقبلت من ليلتك , ثم أصبحت
عندنا بمكة , فما كنت تجيئنا به , وتأتي به قبل هذا اليوم مع هذا ! فصدقه أبو بكر ,
فسمي أبو بكر الصديق من أجل ذلك . 16626 - حدثنا ابن أبي الشوارب , قال : ثنا عبد
الواحد بن زياد , قال : ثنا سليمان الشيباني , عن عبد الله بن شداد , قال : لما كان
ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابة يقال لها البراق , دون البغل
وفوق الحمار , تضع حافرها عند منتهى ظفرها ; فلما أتى بيت المقدس أتي بإناءين :
إناء من لبن , وإناء من خمر , فشرب اللبن . قال : فقال له جبرائيل : هديت وهديت
أمتك . وقال آخرون من قال : أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى
بنفسه وجسمه أسرى به عليه السلام , غير أنه لم يدخل بيت المقدس , ولم يصل فيه , ولم
ينزل عن البراق حتى رجع إلى مكة . ذكر من قال ذلك : 16627 - حدثنا محمد بن بشار ,
قال : ثنا يحيى بن سعيد القطان , قال : ثنا سفيان , قال : ثني عاصم بن بهدلة عن زر
بن حبيش , عن حذيفة بن اليمان , أنه قال في هذه الآية : { سبحان الذي أسرى بعبده
ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } قال : لم يصل فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم , ولو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه , كما كتب عليكم الصلاة عند الكعبة
. * - حدثنا أبو كريب , قال : سمعت أبا بكر بن عياش , ورجل يحدث عنده بحديث حين
أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم , فقال له : لا تجيء بمثل عاصم ولا زر ; قال : قال
حذيفة لزر بن حبيش ; قال : وكان زر رجلا شريفا من أشراف العرب , قال : قرأ حذيفة {
سبحان الذي أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا
حوله , لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير } وكذا قرأ عبد الله , قال : وهذا كما
يقولون : إنه دخل المسجد فصلى فيه , ثم دخل فربط دابته , قال : قلت : والله قد دخله
, قال : من أنت فإني أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك , قال : قلت : زر بن حبيش , قال :
ما عملك هذا ؟ قال : قلت : من قبل القرآن , قال : من أخذ بالقرآن أفلح , قال : فقلت
: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا
حوله } قال : فنظر إلي فقال : يا أصلع , هل ترى دخله ؟ قال : قلت : لا والله , قال
حذيفة : أجل والله الذي لا إله إلا هو ما دخله , ولو دخله لوجبت عليكم صلاة فيه ,
لا والله ما نزل عن البراق حتى رأى الجنة والنار , وما أعد الله في الآخرة أجمع ;
وقال : تدري ما البراق ؟ قال : دابة دون البغل وفوق الحمار , خطوه مد البصر . وقال
آخرون : بل أسري بروحه , ولم يسر بجسده . ذكر من قال ذلك : 16628 - حدثنا ابن حميد
, قال : ثنا سلمة , عن محمد بن إسحاق , قال : ثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن
الأخنس أن معاوية بن أبي سفيان , كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : كانت رؤيا من الله صادقة . 16629 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن
محمد , قال : ثني بعض آل أبي بكر , أن عائشة كانت تقول : ما فقد جسد رسول الله صلى
الله عليه وسلم , ولكن الله أسرى بروحه . 16630 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة
, قال ابن إسحاق : فلم ينكر ذلك من قولها الحسن أن هذه الآية نزلت { وما جعلنا
الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } 17 60 ولقول الله في الخبر عن إبراهيم , إذ
قال لابنه : { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى } 37 102 ثم مضى
على ذلك , فعرفت أن الوحي يأتي بالأنبياء من الله أيقاظا ونياما , وكان رسول صلى
الله عليه وسلم يقول : " تنام عيني وقلبي يقظان " فالله أعلم أي ذلك كان قد جاءه
وعاين فيه من أمر الله ما عاين على أي حالاته كان نائما أو يقظانا كل ذلك حق وصدق .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله أسرى بعبده محمد صلى الله عليه
وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى , كما أخبر الله عباده , وكما تظاهرت به
الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , أن الله حمله على البراق حين أتاه به ,
وصلى هنالك بمن صلى من الأنبياء والرسل , فأراه ما أراه من الآيات ; ولا معنى لقول
من قال : أسري بروحه دون جسده , لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون
ذلك دليلا على نبوته , ولا حجة له على رسالته , ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من
أهل الشرك , وكانوا يدفعون به عن صدقه فيه , إذ لم يكن منكرا عندهم , ولا عند أحد
من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة ,
فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل ؟ وبعد , فإن الله إنما .
|
|