يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسولالقول في تفسير السورة التي يذكر فيها
الأنفال { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال } اختلف أهل التأويل في معنى الأنفال التي
ذكرها الله في هذا الموضع , فقال بعضهم : هي الغنائم , وقالوا : معنى الكلام :
يسألك أصحابك يا محمد عن الغنائم التي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدر لمن هي , فقل هي
لله ولرسوله . ذكر من قال ذلك . 12136 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا وكيع , قال :
ثنا سويد بن عمرو , عن حماد بن زيد , عن عكرمة : { يسألونك عن الأنفال } قال :
الأنفال : الغنائم . 12137 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا
عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال : الأنفال
: الغنائم . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي
نجيح , عن مجاهد , قال : الأنفال : المغنم . 12138 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا
أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك : { يسألونك عن الأنفال } قال : الغنائم .
* - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ,
قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { الأنفال } قال : يعني الغنائم . 12139 - حدثني
المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن
ابن عباس , قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال : الأنفال : الغنائم . * - حدثني
محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن
عباس : { يسألونك عن الأنفال } الأنفال : الغنائم . 12140 - حدثنا بشر , قال : ثنا
يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , في قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال :
الأنفال : الغنائم . 12141 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن
زيد : الأنفال : الغنائم . 12142 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال
: ثنا ابن المبارك , عن ابن جريج , عن عطاء : { يسألونك عن الأنفال } قال : الغنائم
. وقال آخرون : هي أنفال السرايا . ذكر من قال ذلك . 12143 - حدثني الحارث , قال :
ثنا عبد العزيز , قال : ثنا علي بن صالح بن حي , قال : بلغني في قوله : { يسألونك
عن الأنفال } قال : السرايا . وقال آخرون : الأنفال ما شذ من المشركين إلى المسلمين
من عبد أو دابة وما أشبه ذلك . ذكر من قال ذلك . 12144 - حدثنا أبو كريب , قال :
ثنا جابر بن نوح , عن عبد الملك , عن عطاء , في قوله : { يسألونك عن الأنفال قل
الأنفال لله والرسول } قال : هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال دابة أو
عبد أو متاع , ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء . * - حدثنا ابن وكيع
, قال : ثنا ابن نمير , عن عبد الملك , عن عطاء : { يسألونك عن الأنفال } قال : هي
ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع أو نفل , فهو
للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء . 12145 - قال : ثنا عبد الأعلى , عن
معمر , عن الزهري , أن ابن عباس سئل عن الأنفال , فقال : السلب والفرس . 12146 -
حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن
ابن عباس , ويقال : الأنفال : ما أخذ مما سقط من المتاع بعدما تقسم الغنائم , فهي
نفل لله ولرسوله . 12147 - حدثني القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال
: قال ابن جريج : أخبرني عثمان بن أبي سليمان , عن محمد بن شهاب أن رجلا قال لابن
عباس : ما الأنفال ؟ قال : الفرس والدرع والرمح . 12148 - حدثني الحارث , قال : ثنا
عبد العزيز , قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد , قال : قال ابن جريج , قال عطاء :
الأنفال : الفرس الشاذ , والدرع , والثوب . 12149 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال
: ثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن الزهري , عن ابن عباس , قال : كان ينفل الرجل فرس
الرجل وسلبه . 12150 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني مالك بن
أنس , عن ابن شهاب , عن القاسم بن محمد , قال : سمعت رجلا سأل ابن عباس عن الأنفال
, فقال ابن عباس : الفرس من النفل , والسلب من النفل . ثم عاد لمسألته , فقال ابن
عباس ذلك أيضا , ثم قال الرجل : الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي ؟ قال القاسم
: فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه , فقال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا ؟ مثل صبيغ
الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا
عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري , عن القاسم بن محمد , قال : قال ابن
عباس : كان عمر رضي الله عنه إذا سئل عن شيء قال : لا آمرك ولا أنهاك . ثم قال ابن
عباس : والله ما بعث الله نبيه عليه السلام إلا زاجرا آمرا محللا محرما . قال
القاسم : فسلط على ابن عباس رجل يسأله عن الأنفال , فقال ابن عباس : كان الرجل ينفل
فرس الرجل وسلاحه . فأعاد عليه الرجل , فقال له مثل ذلك , ثم أعاد عليه حتى أغضبه ,
فقال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا ؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر حتى سالت الدماء على
عقبيه , أو على رجليه , فقال الرجل : أما أنت فقد انتقم الله لعمر منك . * - حدثنا
أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا ابن المبارك , عن عبد الملك , عن
عطاء : { يسألونك عن الأنفال } قال : يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في
غير قتال من دابة أو عبد , فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : النفل
: الخمس الذي جعله الله لأهل الخمس . ذكر من قال ذلك . 12151 - حدثني الحارث , قال
: ثنا عبد العزيز , قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : {
يسألونك عن الأنفال } قال : هو الخمس . قال المهاجرون : لم يرفع عنا هذا الخمس ؟ لم
يخرج منا ؟ فقال الله : هو لله والرسول . 12152 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا
أبو أحمد , قال : ثنا عباد بن العوام , عن الحجاج , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد :
أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس , فنزلت : {
يسألونك عن الأنفال } . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى الأنفال
قول من قال : هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم ; إما من سلبه على
حقوقهم من القسمة , وإما مما وصل إليه بالنفل , أو ببعض أسبابه , ترغيبا له وتحريضا
لمن معه من جيشه على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين , أو صلاح أحد الفريقين . وقد
يدخل في ذلك ما قال ابن عباس من أنه الفرس والدرع ونحو ذلك , ويدخل فيه ما قاله
عطاء من أن ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس ; لأن ذلك أمره إلى
الإمام إذا لم يكن ما وصلوا إليه لغلبة وقهر , يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام , وقد
يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقهر . وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب , لأن
النفل في كلام العرب إنما هو الزيادة على الشيء , يقال منه : نفلتك كذا , وأنفلتك :
إذا زدتك , والأنفال : جمع نفل ; ومنه قول لبيد بن ربيعة : إن تقوى ربنا خير نفل
وبإذن الله ريثي وعجل فإذ كان معناه ما ذكرنا , فكل من زيد من مقاتلة الجيش على
سهمه من الغنيمة , إن كان ذلك لبلاء أبلاه أو لغناء كان منه عن المسلمين , بتنفيل
الوالي ذلك إياه , فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل , فهو منفل ما زيد من
ذلك ; لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة في بعض الأحوال بحق , فليست من الغنيمة التي
تقع فيها القسمة , وكذلك كل ما رضخ لمن لا سهم له في الغنيمة فهو نفل , لأنه وإن
كان مغلوبا عليه فليس مما وقعت عليه القسمة . فالفصل إذ كان الأمر على ما وصفنا بين
الغنيمة والنفل , أن الغنيمة هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة
وقهر نفل منه منفل أو لم ينفل ; والنفل : هو ما أعطيه الرجل على البلاء والغناء عن
الجيش على غير قسمة . وإذ كان ذلك معنى النفل , فتأويل الكلام : يسألك أصحابك يا
محمد عن الفضل من المال الذي تقع فيه القسمة من غنيمة كفار قريش الذين قتلوا ببدر
لمن هو قل لهم يا محمد : هو لله ولرسوله دونكم , يجعله حيث شاء . واختلف في السبب
الذي من أجله نزلت هذه الآية , فقال بعضهم : نزلت في غنائم بدر ; لأن النبي صلى
الله عليه وسلم كان نفل أقواما على بلاء , فأبلى أقوام وتخلف آخرون مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم , فاختلفوا فيها بعد انقضاء الحرب , فأنزل الله هذه الآية على
رسوله , يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فماض جائز . ذكر من
قال ذلك . 12153 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا معتمر بن سليمان , قال :
سمعت داود بن أبي هند يحدث , عن عكرمة , عن ابن عباس , أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " من أتى مكان كذا وكذا , فله كذا وكذا , أو فعل كذا وكذا , فله كذا وكذا " .
فتسارع إليه الشبان , وبقي الشيوخ عند الرايات . فلما فتح الله عليهم , جاءوا
يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم , فقال لهم الأشياخ : لا تذهبوا به
دوننا ! فأنزل الله عليه الآية : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } . * - حدثنا
المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , قال :
ثنا داود , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : لما كان يوم بدر , قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : من صنع كذا وكذا , فله كذا وكذا " قال : فتسارع في ذلك شبان
الرجال , وبقيت الشيوخ تحت الرايات ; فلما كانت الغنائم , جاءوا يطلبون الذي جعل
لهم , فقالت الشيوخ : لا تستأثروا علينا , فإنا كنا ردءا لكم , وكنا تحت الرايات ,
ولو انكشفتم لفئتم إلينا ! فتنازعوا , فأنزل الله : { يسألونك عن الأنفال قل
الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم
مؤمنين } . * - حدثني إسحاق بن شاهين , قال : ثنا خالد بن عبد الله , عن داود , عن
عكرمة , عن ابن عباس , قال : لما كان يوم بدر , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من فعل كذا فله كذا وكذا من النفل " قال : فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات ,
فلم يبرحوا , فلما فتح عليهم , قالت المشيخة : كنا ردءا لكم , فلو انهزمتم انحزتم
إلينا , لا تذهبوا بالمغنم دوننا ! فأبى الفتيان وقالوا : جعله رسول الله صلى الله
عليه وسلم لنا فأنزل الله : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } قال :
فكان ذلك خيرا لهم , وكذلك أيضا : أطيعوني فإني أعلم . 12154 - حدثنا محمد بن
المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن عكرمة في هذه الآية : {
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } قال : لما كان يوم بدر قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " من صنع كذا فله من النفل كذا " فخرج شبان من الرجال فجعلوا
يصنعونه , فلما كان عند القسمة , قال الشيوخ : نحن أصحاب الرايات , وقد كنا ردءا
لكم ! فأنزل الله في ذلك : { قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم
وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } . 12155 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق ,
قال : ثنا يعقوب الزبيري , قال : ثني المغيرة بن عبد الرحمن , عن أبيه , عن سليمان
بن موسى , عن مكحول مولى هذيل , عن أبي سلام , عن أبي أمامة الباهلي , عن عبادة بن
الصامت , قال : أنزل الله حين اختلف القوم في الغنائم يوم بدر : { يسألونك عن
الأنفال } إلى قوله : { إن كنتم مؤمنين } فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم
عن سواء . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن محمد , قال : ثني عبد الرحمن
بن الحارث وغيره من أصحابنا , عن سليمان بن موسى الأسدي , عن مكحول , عن أبي أمامة
الباهلي , قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال , فقال : فينا معشر أصحاب بدر
نزلت حين اختلفنا في النفل , وساءت فيه أخلاقنا , فنزعه الله من أيدينا , فجعله إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين
عن سواء , يقول : على السواء , فكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله صلى الله عليه
وسلم وصلاح ذات البين . وقال آخرون : إنما نزلت هذه الآية لأن بعض أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم سأله من المغنم شيئا قبل قسمتها , فلم يعطه إياه , إذ كان شركا
بين الجيش , فجعل الله جميع ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك .
12156 - حدثني إسماعيل بن موسى السدي , قال : ثنا أبو الأحوص , عن عاصم , عن مصعب
بن سعد , عن سعد , قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسيف , فقلت : يا
رسول الله هذا السيف قد شفى الله به من المشركين ! فسألته إياه , فقال : " ليس هذا
لي ولا لك " . قال : فلما وليت , قلت : أخاف أن يعطيه من لم يبل بلائي . فإذا رسول
الله صلى الله عليه وسلم خلفي , قال : فقلت : أخاف أن يكون نزل في شيء ! قال : " إن
السيف قد صار لي " . قال : فأعطانيه , ونزلت : { يسألونك عن الأنفال } . 12157 -
حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر , قال : ثنا عاصم , عن مصعب بن سعد , عن سعد بن
مالك , قال : لما كان يوم بدر , جئت بسيف , قال : فقلت : يا رسول الله , إن الله قد
شفى صدري من المشركين أو نحو هذا , فهب لي هذا السيف ! فقال لي : " هذا ليس لي ولا
لك " . فرجعت فقلت : عسى أن يعطي هذا من لم يبل بلائي ! فجاءني الرسول , فقلت : حدث
في حدث : فلما انتهيت , قال : " يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي , وإنه قد صار لي
فهو لك " . ونزلت : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } . * - حدثنا ابن
وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن سماك بن حرب , عن مصعب بن سعد , عن أبيه ,
قال : أصبت سيفا يوم بدر , فأعجبني , فقلت : يا رسول الله هبه لي ! فأنزل الله : {
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } . * - حدثنا ابن المثنى وابن وكيع ,
قال ابن المثنى , ثني معاوية , وقال ابن وكيع : ثنا أبو معاوية , قال : ثنا
الشيباني , عن محمد بن عبيد الله , عن سعد بن أبي وقاص , قال : لما كان يوم بدر قتل
أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص , وأخذت سيفه , وكان يسمى ذا الكتيفة , فجئت به إلى
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اذهب فاطرحه في القبض ! ( فطرحته ورجعت وبي ما لا
يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي , قال : فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت عليه
سورة الأنفال , فقال : " اذهب فخذ سيفك " . ولفظ الحديث لابن المثنى . 12158 -
حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يونس بن بكير , وحدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة جميعا
, عن محمد بن إسحاق , قال : ثني عبد الله بن أبي بكر , عن قيس بن ساعدة , قال :
سمعت أبا أسيد بن مالك بن ربيعة يقول : أصبت سيف ابن عائد يوم بدر , وكان السيف
يدعى المرزبان ; فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوا ما في أيديهم من
النفل , أقبلت به فألقيته في النفل , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع
شيئا يسأله , فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي , فسأله رسول الله صلى الله عليه
وسلم , فأعطاه إياه . 12159 - حدثني يحيى بن جعفر , قال : ثنا أحمد بن أبي بكر , عن
يحيى بن عمران , عن جده عثمان بن الأرقم , عن عمه , عن جده , قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم بدر : " ردوا ما كان من الأنفال ! " فوضع أبو أسيد الساعدي
سيف ابن عائد المرزبان , فعرفه الأرقم فقال . هبه لي يا رسول الله ! قال : فأعطاه
إياه . 12160 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة ,
عن سماك بن حرب , عن مصعب بن سعد , عن أبيه , قال : أصبت سيفا . قال : فأتى به رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله نفلنيه ! فقال : " ضعه ! " ثم قام
فقال : يا رسول الله نفلنيه ! قال : " ضعه ! " قال : ثم قام فقال : يا رسول الله
نفلنيه ! أجعل كمن لا غناء له ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ضعه من حيث
أخذته ! " فنزلت هذه الآية { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } . * -
حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا إسرائيل , عن سماك , عن مصعب
بن سعد , عن سعد , قال : أخذت سيفا من المغنم , فقلت : يا رسول الله هب لي هذا !
فنزلت : { يسألونك عن الأنفال } . 12161 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز ,
قال : ثنا إسرائيل , عن إبراهيم بن مهاجر , عن مجاهد , في قوله : { يسألونك عن
الأنفال } قال : قال سعد : كنت أخذت سيف سعيد بن العاص بن أمية , فأتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم , فقلت : أعطني هذا السيف يا رسول الله ! فسكت , فنزلت : {
يسألونك عن الأنفال } إلى قوله : { إن كنتم مؤمنين } قال : فأعطانيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم . وقال آخرون : بل نزلت لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر فأعلمهم الله أن ذلك لله ولرسوله دونهم ليس لهم
فيه شيء . وقالوا : معنى " عن " في هذا الموضع " من " وإنما معنى الكلام : يسألونك
من الأنفال , وقالوا : قد كان ابن مسعود يقرؤه : " يسألونك الأنفال " على هذا
التأويل . ذكر من قال ذلك . 12162 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا
سفيان , عن الأعمش , قال : كان أصحاب عبد الله يقرءونها : " يسألونك الأنفال " .
12163 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا المحاربي , عن جويبر , عن الضحاك , قال : هي في
قراءة ابن مسعود " يسألونك الأنفال " . ذكر من قال ذلك . 12164 - حدثني المثنى ,
قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { يسألونك
عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } قال : الأنفال : المغانم كانت لرسول الله صلى
الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء , ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به ,
فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول . فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يعطيهم منها , قال الله : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال } لي ; جعلتها لرسولي
ليس لكم فيها شيء { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم
مؤمنين } , ثم أنزل الله : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } 8
41 ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن سمي في الآية . 12165 -
حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج : { يسألونك عن
الأنفال } قال : نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرا . قال : واختلفوا فكانوا
أثلاثا . قال : فنزلت : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } وملكه الله
رسوله , فقسمه كما أراه الله . 12166 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد ,
قال : ثنا عباد بن العوام , عن الحجاج , عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده : أن
الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر , فنزلت : { يسألونك عن
الأنفال } . 12167 - قال : ثنا عباد بن العوام , عن جويبر , عن الضحاك : { يسألونك
عن الأنفال } قال : يسألونك أن تنفلهم . 12168 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا
حماد بن زيد , قال : ثنا أيوب , عن عكرمة , في قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال :
يسألونك الأنفال . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله
تعالى أخبر في هذه الآية عن قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنفال أن
يعطيهموها , فأخبرهم الله أنها لله وأنه جعلها لرسوله . وإذا كان ذلك معناه جاز أن
يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها , وجائز أن
يكون كان من أجل مسألة من سأله السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه , وجائز أن
يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بين الجيش . واختلفوا فيها , أمنسوخة هي أم غير
منسوخة ؟ فقال بعضهم : هي منسوخة , وقالوا : نسخها قوله : { واعلموا أنما غنمتم من
شيء فأن لله خمسه وللرسول } 8 41 الآية . ذكر من قال ذلك . 12169 - حدثنا ابن وكيع
, قال : ثنا أبي , عن جابر , عن مجاهد وعكرمة , قالا : كانت الأنفال لله وللرسول
فنسختها : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } 8 41 . 12170 -
حدثني محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : {
يسألونك عن الأنفال } قال : أصاب سعد بن أبي وقاص يوم بدر سيفا , فاختصم فيه وناس
معه , فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم , فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم منهم ,
فقال الله : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } الآية , فكانت الغنائم
يومئذ للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة , فنسخها الله بالخمس . 12171 - حدثنا القاسم
, قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : أخبرني سليم مولى أم
محمد , عن مجاهد , في قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال : نسختها : { واعلموا أنما
غنمتم من شيء فأن لله خمسه } 8 41 . * - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد
, قال : ثنا شريك , عن جابر , عن مجاهد وعكرمة , أو عكرمة وعامر , قالا : نسخت
الأنفال : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } 8 41 . وقال آخرون : هي
محكمة وليست منسوخة . وإنما معنى ذلك : قل الأنفال لله , وهي لا شك لله مع الدنيا
بما فيها والآخرة , وللرسول يضعها في مواضعها التي أمره الله بوضعها فيه . ذكر من
قال ذلك . 12172 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في
قوله : { يسألونك عن الأنفال } فقرأ حتى بلغ : { إن كنتم مؤمنين } فسلموا لله
ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا ويضعانها حيث أرادا , فقالوا : نعم . ثم جاء بعد
الأربعين : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } 8 41 الآية , ولكم
أربعة أخماس , وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : " وهذا الخمس مردود على
فقرائكم يصنع الله ورسوله في ذلك الخمس ما أحبا , ويضعانه حيث أحبا , ثم أخبرنا
الله الذي يجب من ذلك " ثم قرأ الآية : { لذي القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم } 59 7 . قال أبو جعفر : والصواب من القول
في ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه أخبر أنه جعل الأنفال لنبيه صلى الله عليه وسلم
ينفل من شاء , فنفل القاتل السلب , وجعل للجيش في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث
بعد الخمس , ونفل قوما بعد سهمانهم بعيرا بعيرا في بعض المغازي . فجعل الله تعالى
ذكره حكم الأنفال إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ينفل على ما يرى مما فيه صلاح
المسلمين , وعلى من بعده من الأئمة أن يستنوا بسنته في ذلك , وليس في الآية دليل
على أن حكمها منسوخ لاحتمالها ما ذكرت من المعنى الذي وصفت , وغير جائز أن يحكم
بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها , فقد دللنا في غير موضع
من كتبنا على أن لا منسوخ إلا ما أبطل حكمه حادث حكم بخلافه ينفيه من كل معانيه ,
أو يأتي خبر يوجب الحجة أن أحدهما ناسخ الآخر . وقد ذكر عن سعيد بن المسيب أنه كان
ينكر أن يكون التنفيل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلا منه لقول الله
تعالى : { قل الأنفال لله والرسول } . 12173 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبدة بن
سليمان , عن محمد بن عمرو , قال : أرسل سعيد بن المسيب غلامه إلى قوم سألوه عن شيء
, فقال : إنكم أرسلتم إلي تسألوني عن الأنفال , فلا نفل بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم . وقد بينا أن للأئمة أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في
مغازيهم بفعله , فينفلوا على نحو ما كان ينفل , إذا كان التنفيل صلاحا للمسلمين
.فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكمالقول في تأويل قوله تعالى : { فاتقوا الله وأصلحوا
ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } . يقول تعالى ذكره : فخافوا الله
أيها القوم , واتقوه بطاعته واجتناب معاصيه , وأصلحوا الحال بينكم . واختلف أهل
التأويل في الذي عني بقوله : { وأصلحوا ذات بينكم } فقال بعضهم : هو أمر من الله
للذين غنموا الغنيمة يوم بدر وشهدوا الوقعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
اختلفوا في الغنيمة أن يردوا ما أصابوا منها بعضهم على بعض . ذكر من قال ذلك .
12174 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : {
فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } قال : كان نبي الله ينفل الرجل من المؤمنين سلب
الرجل من الكفار إذا قتله , ثم أنزل الله : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم }
أمرهم أن يرد بعضهم على بعض . 12175 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني
حجاج , عن ابن جريج , قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الرجل على
قدر جده وغنائه على ما رأى , حتى إذا كان يوم بدر وملأ الناس أيديهم غنائم , قال
أهل الضعف من الناس : ذهب أهل القوة بالغنائم ! فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه
وسلم , فنزلت : { قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } ليرد أهل
القوة على أهل الضعف . وقال آخرون : هذا تحريج من الله على القوم , ونهي لهم عن
الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة وغيره . ذكر من قال ذلك . 12176 - حدثني
محمد بن عمارة , قال : ثنا خالد بن يزيد , وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو
أحمد , قالا : ثنا أبو إسرائيل , عن فضيل , عن مجاهد , في قول الله : { فاتقوا الله
وأصلحوا ذات بينكم } قال : حرج عليهم . 12177 - حدثني الحارث , قال : ثنا القاسم ,
قال : ثنا عباد بن العوام , عن سفيان بن حسين , عن مجاهد , عن ابن عباس : { فاتقوا
الله وأصلحوا ذات بينكم } قال هذا تحريج من الله على المؤمنين أن يتقوا ويصلحوا ذات
بينهم . قال عباد , قال سفيان : هذا حين اختلفوا في الغنائم يوم بدر . 12178 -
حدثني محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : {
فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } أي لا تستبوا . واختلف أهل العربية في وجه تأنيث
البين , فقال بعض نحويي البصرة : أضاف ذات إلى البين وجعله ذاتا , لأن بعض الأشياء
يوضع عليه اسم مؤنث , وبعضا يذكر نحو الدار , والحائط أنث الدار وذكر الحائط . وقال
بعضهم : إنما أراد بقوله : { ذات بينكم } الحال التي للبين فقال : وكذلك " ذات
العشاء " يريد الساعة التي فيها العشاء . قال : ولم يضعوا مذكرا لمؤنث ولا مؤنثا
لمذكر إلا لمعنى . قال أبو جعفر : هذا القول أولى القولين بالصواب للعلة التي
ذكرتها له .وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنينوأما قوله : { وأطيعوا الله ورسوله }
فإن معناه : وانتهوا أيها القوم الطالبون الأنفال إلى أمر الله وأمر رسوله فيما
أفاء الله عليكم , فقد بين لكم وجوهه وسبله . { إن كنتم مؤمنين } يقول : إن كنتم
مصدقين رسول الله فيما آتاكم به من عند ربكم . كما : 12179 - حدثني يونس , قال :
أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله
ورسوله إن كنتم مؤمنين } فسلموا لله ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا , ويضعانها حيث
أرادا .
القول في تأويل قوله : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ليس المؤمن
بالذي يخالف الله ورسوله، ويترك اتباعَ ما أنـزله إليه في كتابه من حدوده وفرائضه،
والانقياد لحكمه, ولكن المؤمن هو الذي إذا ذكر الله وَجِل قلبه، وانقاد لأمره، وخضع
لذكره، خوفًا منه، وفَرَقًا من عقابه, وإذا قرئت عليه آيات كتابه صدّق بها، (46)
وأيقن أنها من عند الله, فازداد بتصديقه بذلك، إلى تصديقه بما كان قد بلغه منه قبل
ذلك، تصديقًا. وذلك هو زيادة ما تلى عليهم من آيات الله إيَّاهم إيمانًا (47) = "
وعلى ربهم يتوكلون "، يقول: وبالله يوقنون، في أن قضاءه فيهم ماضٍ، فلا يرجون غيره،
ولا يرهبون سواه. (48) * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال
ذلك: 15684- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن
عباس قوله: " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم "، قال: المنافقون، لا
يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه, ولا يؤمنون بشيء من آيات الله, ولا
يتوكلون على الله, ولا يصلّون إذا غابوا, ولا يؤدُّون زكاة أموالهم. فأخبر الله
سبحانه أنهم ليسوا بمؤمنين, ثم وصف المؤمنين فقال: " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر
الله وجلت قلوبهم "، فأدوا فرائضه= " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا "،
يقول: تصديقًا= " وعلى ربهم يتوكلون "، يقول: لا يرجون غيره. 15685- حدثنا ابن وكيع
قال، حدثنا عبد الله, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد: " الذين إذا ذكر
الله وجلت قلوبهم "، قال: فَرِقت. 15686-. . . . قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن
السدي: " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم "، قال: إذا ذكر الله عند الشيء وجِلَ
قلبه. 15687 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط,
عن السدي: " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم "، يقول: إذا ذكر الله
وَجِل قلبه. 15688 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن
ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: " وجلت قلوبهم "، قال: فرقت. 15689 - حدثني
المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وجلت
قلوبهم "، فرقت. 15690- . . . . قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك, عن سفيان
قال: سمعت السدي يقول في قوله: " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم "،
قال: هو الرجل يريد أن يظلم = أو قال: يهمّ بمعصية = أحسبه قال: فينـزع عنه. 15691-
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري, عن عبد الله بن عثمان
بن خثيم, عن شهر بن حوشب, عن أبي الدرداء في قوله: " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر
الله وجلت قلوبهم "، قال: الوجل في القلب كإحراق السَّعَفة, (49) أما تجد له
قشعريرة؟ قال: بلى! قال: إذا وجدت ذلك في القلب فادع الله, فإن الدعاء يذهب بذلك.
15692- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " إنما المؤمنون
الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم "، قال: فرقًا من الله تبارك وتعالى, ووَجلا من
الله, وخوفًا من الله تبارك وتعالى. * * * وأما قوله: " زادتهم إيمانًا "، فقد ذكرت
قول ابن عباس فيه. (50) * * * وقال غيره فيه, ما:- 15693- حدثني المثنى قال، حدثنا
إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " وإذا تليت عليهم
آياته زادتهم إيمانًا "، قال: خشية. 15694- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا
سعيد, عن قتادة: " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون "، قال:
هذا نعت أهل الإيمان, فأثبت نَعْتهم, ووصفهم فأثبت صِفَتهم.
----------------------الهوامش :(46) انظر تفسير " التلاوة " فيما سلف ص : 252 ،
تعليق 2 ، والمراجع هناك .(47) انظر تفسير " زيادة الإيمان " فيما سلف 7 : 405
.(48) انظر تفسير " الوكيل " فيما سلف 12 : 563 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(49)
" السعفة " { بفتحتين } ورق جريد النخل إذا يبس .(50) يعني رقم : 15684 .
القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا قال أبو جعفر: يقول تعالى
ذكره: الذين يؤدون الصلاة المفروضة بحدودها, وينفقون مما رزقهم الله من الأموال
فيما أمرهم الله أن ينفقوها فيه، من زكاة وجهاد وحج وعمرة ونفقةٍ على من تجب عليهم
نفقته, فيؤدُّون حقوقهم= " أولئك "، يقول: هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال (51) = "
هم المؤمنون "، لا الذين يقولون بألسنتهم: " قد آمنا " وقلوبهم منطوية على خلافه
نفاقًا, لا يقيمون صلاة ولا يؤدُّون زكاة. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
التأويل. * ذكر من قال ذلك: -------------------------الهوامش :(51) انظر تفسير : "
إقامة الصلاة " ، و " الرزق " ، و " النفقة " فيما سلف من فهارس اللغة { قوم } ، (
رزق } ، { نفق } .
15695- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي, عن
ابن عباس: " الذين يقيمون الصلاة "، يقول: الصلوات الخمس= " ومما رزقناهم ينفقون "،
يقول: زكاة أموالهم (52) = " أولئك هم المؤمنون حقًّا "، يقول: برئوا من الكفر. ثم
وصف الله النفاق وأهله فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ
وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ : إلى قوله: أُولَئِكَ
هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [سورة النساء: 150-151] فجعل الله المؤمن مؤمنًا حقًّا,
وجعل الكافر كافرًا حقًّا, وهو قوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ
وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [سورة التغابن: 2] . 15696- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال،
حدثنا سعيد, عن قتادة: " أولئك هم المؤمنون حقًّا "، قال: استحقُّوا الإيمان بحق,
فأحقه الله لهم. * * * القول في تأويل قوله : لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " لهم درجات
"، لهؤلاء المؤمنين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم= " درجات ", وهي مراتب رفيعة. (53) *
* * ثم اختلف أهل التأويل في هذه " الدرجات " التي ذكر الله أنها لهم عنده، ما هي؟
فقال بعضهم: هي أعمال رفيعة، وفضائل قدّموها في أيام حياتهم. * ذكر من قال ذلك:
15697- حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل, عن أبي يحيى
القتات, عن مجاهد: " لهم درجات عند ربهم "، قال: أعمال رفيعة. (54) * * * وقال
آخرون: بل ذلك مراتب في الجنة. * ذكر من قال ذلك: 15698- حدثنا أحمد بن إسحاق قال،
حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن هشام عن جبلة, عن عطية, عن ابن محيريز: " لهم
درجات عند ربهم "، قال: الدرجات سبعون درجة, كل درجة حُضْر الفرس الجواد المضمَّر
سبعين سنة. (55) * * * وقوله: " ومغفرة "، يقول: وعفو عن ذنوبهم، وتغطية عليها (56)
= " ورزق كريم "، قيل: الجنة= وهو عندي: ما أعد الله في الجنة لهم من مزيد المآكل
والمشارب وهنيء العيش. (57) 15699- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق, عن هشام, عن
عمرو, عن سعيد, عن قتادة: " ومغفرة "، قال: لذنوبهم= " ورزق كريم "، قال: الجنة.
-------------------الهوامش :(52) انظر تفسير " حقا " فيما سلف من فهارس اللغة (
حقق } .(53) انظر تفسير " الدرجة " فيما سلف 12 : 289 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك
.(54) الأثر : 15697 - " أبو يحيى القتات " ، ضعيف ، مضى برقم : 12139 .(55) الأثر
: 15698 - " سفيان " هو ، الثوري . و " هشام " هو : " هشام بن حسان القردوسي " ،
مضى برقم : 2827 ، 7287 ، 9837 ، 10258. و " جبلة " هو " جبلة بن سحيم التيمي " ،
مضى برقم : 3003 ، 10258 ، زكان في المطبوعة والمخطوطة : " هشام بن جبلة " ، وهو
خطأ صرف . وأما " عطية " ، فلا أعرف من يكون ، وأنا في شك منه . و " ابن محيريز " ،
هو : " عبد الله بن محيريز الجمحي " ، مضى برقم : 8720 ، 10258 . وهذا الخبر ، روى
مثله في تفسير غير هذه الآية ، فيما سلف برقم : 10258 قال : " حدثنا علي بن الحسين
الأزدي ، قال حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن هشام بن حسان ، عن جبلة ابن سحيم ، عن
ابن محيريز " ، ليس فيه " ابن عطية " هذا الذي هنا . و " الحضر " { بضم فسكون } ،
ارتفاع الفرس في عدوه . و " المضمر "، هو الذي أعد للسباق والركض .(56) انظر تفسير
" المغفرة " فيما سلف من فهارس اللغة { غفر } .(57) انظر تفسير " كريم " فيما سلف 8
: 259 .
القول في تأويل قوله : كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ
فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في
الجالب لهذه " الكاف " التي في قوله: " كما أخرجك "، وما الذي شُبِّه بإخراج الله
نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق. فقال بعضهم: شُبِّه به في الصلاح للمؤمنين,
اتقاؤهم ربهم, وإصلاحهم ذات بينهم, وطاعتهم الله ورسوله. وقالوا: معنى ذلك: يقول
الله: وأصلحوا ذات بينكم, فإن ذلك خير لكم, كما أخرج الله محمدًا صلى الله عليه
وسلم من بيته بالحقّ، فكان خيرًا له. (58) * ذكر من قال ذلك: 15700- حدثنا محمد بن
المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود, عن عكرمة: فَاتَّقُوا اللهَ
وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ"، الآية، أي: إن
هذا خيرٌ لكم, كما كان إخراجك من بيتك بالحق خيرًا لك * * * وقال آخرون: معنى ذلك:
كما أخرجك ربك، يا محمد، من بيتك بالحق على كره من فريق من المؤمنين، كذلك هم
يكرهون القتال, فهم يجادلونك فيه بعد ما تبين لهم. * ذكر من قال ذلك:
-------------------------الهوامش :(58) في المطبوعة ، والمخطوطة : " كان خيرًا له
" ، بغير فاء ، والصواب ما أثبت ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة .
15701- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح,
عن مجاهد: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "، قال: كذلك يجادلونك في الحق. 15702 -
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: "
كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "، كذلك يجادلونك في الحقِّ, القتالِ. 15703- . . . .
قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد في قوله: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "، قال: كذلك أخرجك ربك. (59) 15704-
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال:
أنـزل الله في خروجه = يعني خروج النبي صلى الله عليه وسلم= إلى بدر، ومجادلتهم
إياه فقال: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون "، لطلب
المشركين, " يجادلونك في الحق بعد ما تبين " . * * * واختلف أهل العربية في ذلك.
فقال بعض نحويي الكوفيين: ذلك أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يمضي لأمره
في الغنائم, على كره من أصحابه, كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العِير وهم
كارهون. (60) * * * وقال آخرون منهم: معنى ذلك: يسألونك عن الأنفال مجادلةً، كما
جادلوك يوم بدر فقالوا: " أخرجتنا للعِير, ولم تعلمنا قتالا فنستعدَّ له ". وقال
بعض نحويي البصرة، يجوز أن يكون هذا " الكاف " في { كما أخرجك}، على قوله: أُولَئِكَ
هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ، { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق). وقال: " الكاف "
بمعنى " على ". (61) * * * وقال آخرون منهم (62) هي بمعنى القسم. قال: ومعنى
الكلام: والذي أخرجك ربّك. (63) * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي
بالصواب، قولُ من قال في ذلك بقول مجاهد, وقال: معناه: كما أخرجك ربك بالحقّ على
كره من فريق من المؤمنين, كذلك يجادلونك في الحق بعد ما تبين= لأن كلا الأمرين قد
كان, أعني خروج بعض من خرج من المدينة كارهًا, وجدالهم في لقاء العدو وعند دنوِّ
القوم بعضهم من بعض, فتشبيه بعض ذلك ببعض، مع قرب أحدهما من الآخر، أولى من تشبيهه
بما بَعُد عنه. * * * وقال مجاهد في " الحق " الذي ذكر أنهم يجادلون فيه النبيّ صلى
الله عليه وسلم بعد ما تبينوه: هو القتال. 15705- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا
أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: { يجادلونك في الحق}، قال:
القتال. 15706 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي
نجيح, عن مجاهد, مثله. 15707 - حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد, مثله. * * * وأما قوله: { من بيتك}، فإن بعضهم قال: معناه: من
المدينة. * ذكر من قال ذلك: 15708- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا
شبل, عن ابن أبي بزة: { كما أخرجك ربك من بيتك}، المدينة، إلى بدر. 15709- حدثنا
القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، أخبرني محمد بن عباد
بن جعفر في قوله: { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق}، قال: من المدينة إلى بدر. * * *
وأما قوله: { وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون}، فإن كراهتهم كانت، كما:- 15710-
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن مسلم الزهري,
وعاصم بن عمر بن قتادة, وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان, عن عروة بن الزبير
وغيرهم من علمائنا, عن عبد الله بن عباس, قالوا: لما سمع رَسول الله صلى الله عليه
وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشأم, ندب إليهم المسلمين, (64) وقال: هذه عير قريش فيها
أموالهم, (65) فاخرجوا إليها، لعل الله أن ينفِّلكموها! فانتدب الناس, فخفّ بعضهم
وثقُل بعضهم, وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربًا. (66)
15711- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن
السدي: { وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون}، لطلب المشركين. * * * ثم اختلف أهل
التأويل في الذين عنوا بقوله: { يجادلونك في الحق بعد ما تبين). فقال بعضهم: عُني
بذلك: أهلُ الإيمان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا معه حين
توجَّه إلى بدر للقاء المشركين. * ذكر من قال ذلك: 15712- حدثني محمد بن سعد قال،
حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال، لما شاور
النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء القوم, وقال له سعد بن عبادة ما قال، وذلك يوم
بدر, أمرَ الناس, فتعبَّوْا للقتال, (67) وأمرهم بالشوكة, وكره ذلك أهل الإيمان,
فأنـزل الله: { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون
يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) . 15713- حدثني
ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال: ثم ذكر القومَ= يعني أصحابَ رسول الله
صلى الله عليه وسلم = ومسيرَهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , حين عرف القوم أن
قريشًا قد سارت إليهم, وأنهم إنما خرجوا يريدون العيرَ طمعًا في الغنيمة, فقال:
{ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق}، إلى قوله: { لكارهون}، أي كراهيةً للقاء القوم,
وإنكارًا لمسير قريش حين ذُكِروا لهم. (68) * * * وقال آخرون: عُني بذلك المشركون.
* ذكر من قال ذلك: 15714- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
قوله: { يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}، قال:
هؤلاء المشركون، جادلوه في الحق (69) = " كأنما يساقون إلى الموت "، حين يدعون إلى
الإسلام={ وهم ينظرون}، قال: وليس هذا من صفة الآخرين, هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر.
15715- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعقوب بن محمد قال، حدثني عبد
العزيز بن محمد, عن ابن أخي الزهري, عن عمه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم يفسر: { كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}، خروجَ رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى العِير. (70) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما
قاله ابن عباس وابن إسحاق, من أن ذلك خبرٌ من الله عن فريق من المؤمنين أنهم كرهوا
لقاء العدو, وكان جدالهم نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم أن قالوا: " لم يُعلمنا أنا
نلقى العدو فنستعد لقتالهم, وإنما خرجنا للعير ". ومما يدلّ على صحته قولُه (71)
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ
أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ، ففي ذلك الدليلُ الواضح لمن فهم
عن الله، أن القوم قد كانوا للشوكة كارهين، وأن جدالهم كان في القتال، كما قال
مجاهد, كراهيةً منهم له= وأنْ لا معنى لما قال ابن زيد, لأن الذي قبل قوله:
{ يجادلونك في الحق}، خبرٌ عن أهل الإيمان, والذي يتلوه خبرٌ عنهم, فأن يكون خبرًا
عنهم، أولى منه بأن يكون خبرًا عمن لم يجرِ له ذكرٌ. * * * وأما قوله: { بعد ما
تبين}، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: معناه: بعد ما تبين لهم أنك
لا تفعل إلا ما أمرك الله. * ذكر من قال ذلك: 15816- حدثنا محمد بن الحسين قال،
حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: بعد ما تبين أنك لا تصنع إلا ما
أمرك الله به. * * * وقال آخرون: معناه: يجادلونك في القتال بعدما أمرت به. * ذكر
من قال ذلك: 15717- رواه الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس. (72) * * * وأما قوله:
{ كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}، فإن معناه: كأن هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء
العدوّ، من كراهتهم للقائهم إذا دعوا إلى لقائهم للقتال، " يساقون إلى الموت ". * *
* وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15718- حدثنا ابن حميد
قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: { كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}، أي
كراهةً للقاء القوم, وإنكارًا لمسير قريش حين ذكروا لهم. (73)
----------------------الهوامش :(59) هكذا في المخطوطة والمطبوعة ، ولعل الصواب : "
قال : كذلك يجادلونك " ، وهو ما تدل عليه الآثار السالفة عن مجاهد .(60) انظر معاني
القرآن للفراء 1 : 403(61) في المطبوعة : " وقيل : الكاف ... " ، كأنه قول آخر ،
والصواب ما في المخطوطة . ولعل قائل هذا هو الأخفش ، لأنه الذي قال : " الكاف بمعنى
: على " ، وزعم أن من كلام العرب إذا قيل لأحدهم : " كيف أصبحت " ، أن يقول : "
كخير " ، والمعنى : على خير . وانظر تفسير " كما " فيما سلف 3 : 209 ، في قوله
تعالى : " كما أرسلنا فيكم رسولا " [ سورة البقرة : 151 ] .(62) في المطبوعة : "
وقال آخرون " ، جمعًا ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب ، وقائل ذلك هو أبو
عبيدة معمر بن المثنى .(63) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 240 ، 241 .(64) " ندب
الناس إلى حرب أو معونة ، فانتدبوا " ، أي : دعاهم فاستجابوا وأسرعوا إليه .(65) "
العير " ، { بكسر العين } : القافلة ، وكل ما امتاروا عليه من أبل وحمير وبغال .
وهي قافلة تجارة قريش إلى الشام .(66) الأثر: 15710 - سيرة ابن هشام 2 :257 ،
258.(67) " عبى الجيش " و " عبأة " بالهمز ، واحد . و " تعبوا للقتال " و " تعبأوا
" ، تهيأوا له .(68) الأثر : 15713- سيرة ابن هشام 2 : 322 ، وهو تابع الأثر السالف
رقم : 15655 .(69) في المطبوعة : " جادلوك " ، وأثبت الصواب الجيد من المخطوطة
.(70) الأثر : 15715 - " يعقوب بن محمد الزهري " ، مضى قريبًا برقم 15654 ، وهو
يروي عن ابن أخي الزهري مباشرة ، ولكنه روى عنه هنا بالواسطة . و" عبد العزيز بن
محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي " ثقة ، روى له الجماعة ، مضى برقم : 10676 . و
" ابن أخي الزهري " ، هو " محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري " ، ثقة ، متكلم فيه ،
روى له الجماعة . يروي عن عمه " ابن شهاب الزهري " .(71) في المطبوعة والمخطوطة : "
على صحة قوله " ، والصواب ما أثبت .(72) الأثر : 15717 - هكذا جاء في المخطوطة
والمطبوعة ، لم يذكر نصًا ، وكأن صواب العبارة : " رواه الكلبي ... " .(73) الأثر :
15718 - سيرة بن هشام 2 : 322 ، وهو جزء من الخبر السالف رقم : 15713 .
القول في تأويل قوله : وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ
أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ قال
أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكروا، أيها القوم={ إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}،
يعني إحدى الفرقتين, (74) فرقة أبي سفيان بن حرب والعير, وفرقة المشركين الذين
نَفَروا من مكة لمنع عيرهم. * * * وقوله: { أنها لكم}، يقول: إن ما معهم غنيمة
لكم={ وتودون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم}، يقول: وتحبون أن تكون تلك الطائفة التي
ليست لها شوكة= يقول: ليس لها حدٌّ، (75) ولا فيها قتال= أن تكون لكم. يقول:
تودُّون أن تكون لكم العيرُ التي ليس فيها قتال لكم، دون جماعة قريش الذين جاءوا
لمنع عيرهم، الذين في لقائهم القتالُ والحربُ. * * * وأصل " الشوكة " من " الشوك ".
* * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15719- حدثنا علي
بن نصر, وعبد الوارث بن عبد الصمد قالا حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا
أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة, عن عروة: أن أبا سفيان أقبل ومن معه من
رُكبان قريش مقبلين من الشأم, (76) فسلكوا طريق الساحل. فلما سمع بهم النبي صلى
الله عليه وسلم، ندب أصحابه, وحدّثهم بما معهم من الأموال، وبقلة عددهم. فخرجوا لا
يريدون إلا أبا سفيان والركب معه، لا يرونها إلا غنيمة لهم, لا يظنون أن يكون كبيرُ
قتالٍ إذا رأوهم. وهي التي أنـزل الله فيها (77) { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون
لكم) . (78) 15720- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن
مسلم الزهري, وعاصم بن عمر بن قتادة, وعبد الله بن أبي بكر, ويزيد بن رومان, عن
عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا, (79) عن عبد الله بن عباس, كُلٌّ قد حدثني بعض
هذا الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سُقت من حديث بدر, قالوا: لما سمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشأم، ندب المسلمين إليهم وقال: هذه عير قريش،
فيها أموالهم, فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفِّلكموها! فانتدب الناس, فخف بعضهم
وثقل بعض, وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربًا. وكان
أبو سفيان يستيقن حين دنا من الحجاز ويتحسس الأخبار، (80) ويسأل من لقي من الركبان،
تخوفًا على أموال الناس, (81) حتى أصاب خبرًا من بعض الركبان: " أن محمدًا قد
استنفر أصحابه لك ولعِيرك "! (82) فحذر عند ذلك, واستأجر ضمضم بن عمرو الغِفاري,
فبعثه إلى مكة, وأمره أن يأتي قريشًا يستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدًا قد
عرض لها في أصحابه. فخرج ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة. (83) وخرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم في أصحابه حتى بلغ واديًا يقال له " ذَفِرَان ", فخرج منه, (84) حتى
إذا كان ببعضه، نـزل، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عِيرهم, فاستشار النبي
صلى الله عليه وسلم الناسَ, وأخبرهم عن قريش. فقام أبو بكر رضوان الله عليه، فقال
فأحسن. ثم قام عمر رضي الله عنه، فقال فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول
الله، امض إلى حيث أمرك الله، فنحن معك, والله، لا نقول كما قالت بنو إسرائيل
لموسى: { اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }، [سورة
المائدة: 24]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون! فوالذي بعثك بالحق،
لئن سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد = يعني: مدينة الحبشة (85) = لجالدنا معك مَن دونه
حتى تبلغه! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا, ثم دعا له بخيرٍ, ثم قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا عليّ أيها الناس!= وإنما يريد الأنصار, وذلك
أنهم كانوا عَدَدَ الناس, وذلك أنهم حين بايعوه على العقبة قالوا: " يا رسول الله،
إنا برآء من ذِمامك حتى تصل إلى ديارنا, فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا, (86) نمنعك
مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا "، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا
تكون الأنصار ترى عليها نُصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه, (87) وأن ليس عليهم
أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم= قال: فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
, قال له سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل! قال: فقد آمنا بك
وصدَّقناك, وشهدنا أن ما جئت به هو الحق, وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على
السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت, فوالذي بعثك بالحق إن استعرضتَ بنا هذا
البحرَ فخضته لخُضناه معك، (88) ما تخلف منا رجل واحد, وما نكره أن تلقى بنا عدونا
غدًا, (89) إنا لصُبُرٌ عند الحرب, صُدُقٌ عند اللقاء, (90) لعلّ الله أن يريك منا
ما تَقرُّ به عينك, فسر بنا على بركة الله! فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقول سعد، ونشطه ذلك, ثم قال: سيروا على بركة الله وأبشروا, فإن الله قد وعدني إحدى
الطائفتين, (91) والله لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم غدًا ". (92) 15721- حدثني
محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أن أبا
سفيان أقبل في عير من الشأم فيها تجارة قريش, وهي اللَّطيمة, (93) فبلغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنها قد أقبلت، فاستنفر الناس, فخرجوا معه ثلثمائة وبضعة عشر
رجلا. فبعث عينًا له من جُهَينة, حليفًا للأنصار، يدعى " ابن أريقط", (94) فأتاه
بخبر القوم. وبلغ أبا سفيان خروج محمد صلى الله عليه وسلم , فبعث إلى أهل مكة
يستعينهم, فبعث رجلا من بني غِفار يدعى ضمضم بن عمرو, فخرج النبي صلى الله عليه
وسلم ولا يشعر بخروج قريش, فأخبره الله بخروجهم, فتخوف من الأنصار أن يخذلوه
ويقولوا: " إنا عاهدنا أن نمنعك إن أرادك أحد ببلدنا "! فأقبل على أصحابه فاستشارهم
في طلب العِير, فقال له أبو بكر رحمة الله عليه: إنّي قد سلكت هذا الطريق, فأنا
أعلم به, وقد فارقهم الرجل بمكان كذا وكذا, فسكت النبي صلى الله عليه وسلم , ثم عاد
فشاورهم, فجعلوا يشيرون عليه بالعير. فلما أكثر المشورة, تكلم سعد بن معاذ، فقال:
يا رسول الله, أراك تشاور أصحابك فيشيرون عليك، وتعود فتشاورهم, فكأنك لا ترضى ما
يشيرون عليك، وكأنك تتخوف أن تتخلف عنك الأنصار! أنت رسول الله, وعليك أنـزل
الكتاب, وقد أمرك الله بالقتال، ووعدك النصر, والله لا يخلف الميعاد, امض لما أمرت
به، فوالذي بعثك بالحق لا يتخلف عنك رجل من الأنصار! ثم قام المقداد بن الأسود
الكندي فقال: يا رسول الله، إنا لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: { اذْهَبْ
أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }، [سورة المائدة: 24]،
ولكنا نقول: أقدم فقاتل، إنا معك مقاتلون! ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك،
وقال: إن ربي وعدني القوم، وقد خرجوا، فسيروا إليهم! فساروا. 15722- حدثنا بشر بن
معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: { وإذ يعدكم الله إحدى
الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}، قال: الطائفتان إحداهما
أبو سفيان بن حرب إذ أقبل بالعير من الشأم, والطائفة الأخرى أبو جهل معه نفر من
قريش. فكره المسلمون الشوكة والقتال, وأحبوا أن يلقوا العير, وأراد الله ما أراد.
15723- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي
طلحة, عن ابن عباس قوله: { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}، قال: أقبلت عير أهل مكة
= يريد: من الشأم (95) = فبلغ أهل المدينة ذلك, فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة, فسارعوا السير إليها، لا يغلب عليها
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين, فكانوا أن يلقوا العير أحبَّ إليهم، وأيسر شوكة،
وأحضر مغنمًا. فلما سبقت العير وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم , سار رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم, فكره القوم مسيرهم لشوكةٍ في القوم.
15724- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه,
عن ابن عباس قوله: { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات
الشوكة تكون لكم}، قال: أرادوا العير. قال: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة في شهر ربيع الأول, فأغار كُرْز بن جابر الفهري يريد سَرْح المدينة حتى بلغ
الصفراء, (96) فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فركب في أثره, فسبقه كرز بن جابر.
فرجع النبي صلى الله عليه وسلم , فأقام سنَتَه. ثم إن أبا سفيان أقبل من الشأم في
عير لقريش, حتى إذا كان قريبًا من بدر, نـزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم
فأوحى إليه: { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة
تكون لكم}، فنفر النبي صلى الله عليه وسلم بجميع المسلمين, وهم يومئذ ثلاثمئة
وثلاثة عشر رجلا منهم سبعون ومئتان من الأنصار, وسائرهم من المهاجرين. وبلغ أبا
سفيان الخبر وهو بالبطم, (97) فبعث إلى جميع قريش وهم بمكة, فنفرت قريش وغضبت.
15725- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: { وإذ يعدكم
الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}، قال: كان جبريل
عليه السلام قد نـزل فأخبره بمسير قريش وهي تريد عيرها, ووعده إما العيرَ, وإما
قريشًا وذلك كان ببدر, وأخذوا السُّقاة وسألوهم, فأخبروهم, فذلك قوله: { وتودون أن
غير ذات الشوكة تكون لكم}، هم أهل مكة. 15726- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال،
قال ابن زيد في قوله: { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}، إلى آخر الآية، خرج
النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهم يريدون يعترضون عِيرًا لقريش. قال: وخرج
الشيطان في صورة سُرَاقة بن جعشم, حتى أتى أهل مكة فاستغواهم، وقال: إنّ محمدًا
وأصحابه قد عرضوا لعيركم! وقال: لا غالبَ لكم اليوم من الناس من مثلكم, وإنّي جار
لكم أن تكونوا على ما يكره الله! فخرجوا ونادوا أن لا يتخلف منا أحد إلا هدمنا داره
واستبحناه! وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالروحاء عينًا للقوم,
فأخبره بهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد وعدكم العير أو القوم!
فكانت العير أحبّ إلى القوم من القوم, كان القتال في الشوكة, والعير ليس فيها قتال,
وذلك قول الله عز وجل: { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}، قال: " الشوكة "،
القتال, و " غير الشوكة "، العير. 15727- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا
يعقوب بن محمد الزهري قال، حدثنا عبد الله بن وهب, عن ابن لهيعة, عن ابن أبي حبيب,
عن أبي عمران, عن أبي أيوب قال: أنـزل الله جل وعز: { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين
أنها لكم}، فلما وعدنا إحدى الطائفتين أنها لنا، طابت أنفسنا: و " الطائفتان "،
عِير أبي سفيان, أو قريش. (98) 15728 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال،
أخبرنا ابن المبارك, عن ابن لهيعة, عن يزيد بن أبي حبيب, عن أسلم أبي عمران
الأنصاري, أحسبه قال: قال أبو أيوب=: { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم
وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}، قالوا: " الشوكة " القوم و " غير الشوكة "
العير، فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين، إما العير وإما القوم, طابت أنفسنا. (99)
15729- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني يعقوب بن محمد قال، حدثني غير
واحد في قوله: { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}، إن " الشوكة "، قريش. 15730-
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت
الضحاك يقول في قوله: { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}، هي عير أبي سفيان, ودّ
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العير كانت لهم، وأن القتال صُرِف عنهم.
15731- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: { وتودون أن غير ذات الشوكة
تكون لكم}، أي الغنيمة دون الحرب. (100) * * * وأما قوله: { أنها لكم}، ففتحت على
تكرير " يعد ", وذلك أن قوله: { يعدكم الله}، قد عمل في " إحدى الطائفتين ". فتأويل
الكلام: { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين}، يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم, كما قال:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً . [سورة الزخرف : 66
]. (101) * * * قال: { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}، فأنث " ذات "، لأنه مراد
بها الطائفة. (102) ومعنى الكلام: وتودون أن الطائفة التي هي غير ذات الشوكة تكون
لكم, دون الطائفة ذات الشوكة. القول في تأويل قوله : وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ
يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) * * * قال
أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويريد الله أن يحق الإسلام ويعليه (103) = " بكلماته ",
يقول: بأمره إياكم، أيها المؤمنون، بقتال الكفار, وأنتم تريدون الغنيمة، والمال
(104) وقوله: { ويقطع دابر الكافرين}، يقول: يريد أن يَجُبَّ أصل الجاحدين توحيدَ
الله. * * * وقد بينا فيما مضى معنى " دابر ", وأنه المتأخر, وأن معنى: " قطعه "،
الإتيان على الجميع منهم. (105) * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر
من قال ذلك: 15731- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد, في قول الله:
{ ويريد الله أن يحق الحق بكلماته}، أن يقتل هؤلاء الذين أراد أن يقطع دابرهم, هذا
خيرٌ لكم من العير. 15732- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: { ويريد
الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين}، أي: الوقعة التي أوقع بصناديد قريش
وقادتهم يوم بدر. (106) ----------------------الهوامش :(74) انظر تفسير " الطائفة
" فيما سلف 12 : 560 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .(75) " الحد " { بفتح الحاء } هو
: الحدة { بكسر الحاء } ، والبأس الشديد ، والنكاية .(76) " الركبان " و " الركب "
، أصحاب الإبل في السفر ، وهو اسم جمع لا واحد له .(77) في المطبوعة : " وهي ما
أنزل الله " ، وفي المخطوطة : " وهي أنزل الله " ، وأثبت ما في تاريخ الطبري .(78)
الأثر : 15719 - " علي بن نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضي " ، الثقة الحافظ ، شيخ
الطبري ، روى عنه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم
، والبخاري ، في غير الجامع الصحيح . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3 1 207 . و
" عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري " ، شيخ الطبري . ثقة ، مضى برقم
: 2340 . وأبوه : " عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري " ، ثقة ، مضى مرارًا
كثيرة . و " أبان العطار " ، هو " أبان بن يزيد العطار " ، ثقة ، مضى برقم : 3832 ،
9656 . وهذا الخبر رواه أبو جعفر ، بإسناده هذا في التاريخ 2 : 267 ، مطولا مفصلا ،
وهو كتاب من عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان . وكتاب عروة إلى عبد الملك بن
مروان كتاب طويل رواه الطبري مفرقًا في التاريخ ، وسأخرجه مجموعًا في تعليقي على
الأثر 16083 . (79) القائل " من علمائنا ... " إلى آخر السياق ، هو محمد بن إسحاق
.(80) في المطبوعة ، وفي تاريخ الطبري ، وفي سيرة ابن هشام : " وكان أبو سفيان حين
دنا من الحجاز يتحسس " ، ليس فيها " يستقين " ، وليس فيها واو العطف في " يتحسس " ،
ولكن المخطوطة واضحة ، فأثبتها . وكان في المطبوعة : " يتجسس " بالجيم ، وإنما هي
بالحاء المهملة ، و " تحسس الخبر " ، تسمعه بنفسه وتبحثه وتطلبه .(81) في المطبوعة
: " تخوفًا من الناس " ، وفي سيرة ابن هشام : " تخوفًا على أمر الناس " ، وأثبت ما
في تاريخ الطبري .(82) " استنفر الناس " ، استنجدهم واستنصرهم ، وحثهم على الخروج
للقتال .(83) عند هذا الموضع انتهي ما في سيرة ابن هشام 2 : 257 ، 258 ، وسيصله
بالآتي في السيرة بعد 2 : 266 ، وعنده انتهي الخبر في تاريخ الطبري 2 : 270 ،
وسيصله بالآتي في التاريخ أيضًا 2 : 273 . وانظر التخريج في آخر هذا الخبر . (84)
في السيرة وحدها " فجزع فيه " ، وهي أحق بهذا الموضع ، ولكني أثبت ما في لمطبوعة
والمخطوطة والتاريخ . و " جزع الوادي " ، قطعه عرضًا .(85) " برك الغماد " ، " برك
" { بفتح الباء وكسرها } ، و " الغماد " ، { بكسر الغين وضمها " . قال الهمداني : "
برك الغماد " ، في أقاصي اليمن { معجم ما استعجم : 244 ) .(86) " الذمام " و "
الذمة " ، العهد والكفالة والحرمة .(87) في المطبوعة " خاف أن لا تكون الأنصار " ،
وأثبت ما في سيرة ابن هشام ، وتاريخ الطبري . و " يتخوف " ساقطة من المخطوطة . و "
دهمه " { بفتح الهاء وكسرها } : إذا فاجأه على غير استعداد .(88) " استعرض البحر ،
أو الخطر " : أقبل عليه لا يبالي خطره . وهذا تفسير للكلمة ، استخرجته ، لا تجده في
المعاجم .(89) في المطبوعة : " أن يلقانا عدونا غدًا " ، لم يحسن قراءة المخطوطة ،
وهذا هو الموافق لما في سيرة ابن هشام ، وتاريخ الطبري .(90) " صدق " { بضمتين }
جمع " صدوق " ، مجازه : أن يصدق في قتاله أو عمله ، أي يجد فيه جدًا ، كالصدق في
القول الذي لا يخالطه كذب ، أي ضعف .(91) قوله في آخر الجملة الآتية " غدًا " ،
ليست في سيرة ابن هشام ولا في التاريخ ، ولكنها ثابتة في المخطوطة .(92) الأثر :
15720 - هذا الخبر ، روى صدر منه فيما سلف : 15710 . وهو في سيرة ابن هشام مفرق 2 :
257 ، 258 ، ثم 2 : 266 ، 267 . وفي تاريخ الطبري 2 : 270 ثم 2 : 273 ، ثم تمامه
أيضًا في : 273 . (93) " اللطيمة " ، هو الطيب ، و " لطيمة المسك " ، وعاؤه ثم سموا
العير التي تحمل الطيب والعسجد ، ونفيس بز التجار : " اللطيمة " .(94) في المطبوعة
: " ابن الأريقط " ، وأثبت ما في المخطوطة .(95) في المخطوطة : " يريد الشأم " ،
وما في المطبوعة هو الصواب .(96) " السرح " ، المال يسام في المرعى ، من الأنعام
والماشية ترعى . و " الصفراء " قرية فويق ينبع ، كثيرة المزارع والنخل ، وهي من
المدينة على ست مراحل ، وكان يسكنها جهينة والأنصار ونهد .(97) هكذا جاء في
المطبوعة والمخطوطة ، ولم أجد مكانًا ولا شيئا يقال له " البطم " ، وأكاد أقطع أنه
تحريف محض ، وأن صوابه { بِإضَمٍ } . و " إضم " واد بجبال تهامة ، وهو الوادي الذي
فيه المدينة . يسمى عند المدينة " قناة " ، ومن أعلى منها عند السد يسمى " الشظاة "
، ومن عند الشظاة إلى أسفل يسمى " إضما " . وقال ابن السكيت : " إضم " ، واد يشق
الحجاز حتى يفرغ في البحر ، وأعلى إضم " القناة " التي تمر دوين المدينة . و " إضم
" من بلاد جهينة . والمعروف في السير أن أبا سفيان في تلك الأيام ، نزل على ماء كان
عليه مجدى بن عمير الجهني ، فلما أحس بخبر المسلمين ، ضرب وجه عيره ، فساحل بها ،
وترك بدرًا بيسار . فهو إذن قد نزل بأرض جهينة ، و " إضم " من أرضهم ، وهو يفرغ إلى
البحر ، فكأن هذا هو الطريق الذي سلكه . ولم أجد الخبر في مكان حتى أحقق ذلك
تحقيقًا شافيًا .(98) الأثر : 15727 - " يعقوب بن محمد الزهري " ، سلف قريبًا رقم :
15715 . و" عبد الله بن وهب المصري " ، الثقة ، مضى برقم 6613 ، 10330 . و " ابن
لهيعة " ، مضى الكلام في توثيقه مرارًا . و " ابن أبي حبيب " ، هو " يزيد بن أبي
حبيب المصري " ، ثقة مضى مرارًا كثيرة . و " أبو عمران " هو : " أسلم أبو عمران " ،
" أسلم بن يزيد التجيبي " ، روى عن أبي أيوب ، تابعي ثقة ، وكان وجيهًا بمصر .
مترجم في التهذيب ، والكبير 1 2 25 ، وابن أبي حاتم 1 1 307 . وسيأتي في هذا الخبر
بإسناد آخر ، في الذي يليه . ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6 : 73 ، 74 مطولا ،
وقال : " رواه الطبراني ، وإسناده حسن ".(99) الأثر : 15728 - " أسلم ، أبو عمران
الأنصاري " ، هو الذي سلف في الإسناد السابق ، وسلف تخريجه .(100) الأثر : 15731 -
سيرة ابن هشام 2 : 322 ، وهو تابع الأثريين السالفين ، رقم : 15713 ، 15718 .(101)
انظر معاني القرآن للفراء 1 : 404 ، وزاد " فأن ، في موضع نصب كما نصب الساعة "
.(102) انظر ما قاله آنفًا في " ذات بينكم " ص : 384 .(103) انظر تفسير " حق " فيما
سلف من فهارس اللغة { حقق } .(104) انظر تفسير " كلمات الله " فيما سلف 11 : 335 ،
وفهارس اللغة { كلم } .(105) انظر تفسير " قطع الدابر " 11 : 363 ، 364 12 : 523 ،
524 .(106) الأثر : 15731 - سيرة ابن هشام 2 : 322 ، وهو تابع الأثر السالف رقم :
15730.
القول في تأويل قوله : لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُجْرِمُونَ (8) قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويريد الله أن يقطع دابر
الكافرين، كيما يحق الحق, كيما يُعبد الله وحده دون الآلهة والأصنام, ويعزّ
الإسلام, وذلك هو " تحقيق الحق "={ ويبطل الباطل}، يقول ويبطل عبادة الآلهة والأوثان
والكفر، ولو كره ذلك الذين أجرموا فاكتسبوا المآثم والأوزار من الكفار. (107)
15733- حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: { ليحق الحق ويبطل
الباطل ولو كره المجرمون}، هم المشركون. * * * وقيل: إن " الحق " في هذا الموضع،
الله عز وجل. ------------------------الهوامش: (107) انظر تفسير " المجرم " فيما
سلف ص : 70 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
القول في تأويل قوله : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي
مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) قال أبو جعفر: يقول تعالى
ذكره: وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ، حين تستغيثون ربكم= ف " إذْ" من صلة " يبطل ". * * *
ومعنى قوله: { تستغيثون ربكم}، تستجيرون به من عدوكم, وتدعونه للنصر عليهم=" فاستجاب
لكم " فأجاب دعاءكم، (1) بأني ممدكم بألف من الملائكة يُرْدِف بعضهم بعضًا، ويتلو
بعضهم بعضًا. (2) * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت الرواية عن
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . * ذكر الأخبار بذلك: 15734- حدثني محمد بن
عبيد المحاربي قال، حدثنا عبد الله بن المبارك, عن عكرمة بن عمار قال، حدثني سماك
الحنفي قال، سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان
يوم بدر، ونظرَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وعِدّتهم, ونظر إلى
أصحابه نَيِّفا على ثلاثمئة, فاستقبل القبلة, فجعل يدعو يقول: " اللهم أنجز لي ما
وعدتني! اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض! "، فلم يزل
كذلك حتى سقط رداؤه, وأخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوضع رداءه عليه, ثم التزمه
من ورائه, (3) ثم قال: كفاك يا نبي الله، بأبي وأمي، مناشدتَك ربك, فإنه سينجز لك
ما وعدك! فأنـزل الله: { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة
مردفين) . (4) 15735- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي,
عن ابن عباس قال: لما اصطفَّ القوم, قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره! ورفع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في
الأرض أبدا! 15736- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني
أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم ربنا
أنـزلت علي الكتاب, وأمرتني بالقتال, ووعدتني بالنصر, ولا تخلف الميعاد! فأتاه
جبريلُ عليه السلام, فأنـزل الله: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ
بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْـزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا
وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ
بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ، (5) [سورة آل عمران: 124-125]
. 15737- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن أبي إسحاق, عن زيد
بن يُثَيْع قال: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في العريش, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: اللهم انصر هذه العصابة, فإنك
إن لم تفعل لن تعبد في الأرض! قال: فقال أبو بكر: بعضَ مناشدتك مُنْجِزَك ما وعدك.
(6) 15738- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن
السدي قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويستغيثه ويستنصره, فأنـزل
الله عليه الملائكة. 15739- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن
ابن جريج قوله: { إذ تستغيثون ربكم}، قال: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم . 15740-
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: { إذ تستغيثون ربكم}، أي: بدعائكم،
حين نظروا إلى كثرة عدوهم وقلة عددهم= " فاستجاب لكم "، بدعاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم ودعائكم معه. (7) 15741- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو
بكر بن عياش, عن أبي حصين, عن أبي صالح قال: لما كان يوم بدر جعل النبي صلى الله
عليه وسلم يناشد ربه أشد النِّشدة يدعو، (8) فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال: يا رسول الله، بعض نِشْدَتك, فوالله ليفيَنَّ الله لك بما وعدك! * * * وأما
قوله: { أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}، فقد بينا معناه. (9) * * * وبنحو الذي
قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15742- حدثني محمد بن سعد قال،
حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: { أني ممدكم بألف
من الملائكة مردفين}، يقول: المزيد, كما تقول: " ائت الرجل فزده كذا وكذا ". 15743-
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أحمد بن بشير, عن هارون بن عنترة [عن أبيه]، عن أبيه, عن
ابن عباس: { مردفين}، قال: متتابعين. (10) 15744- . . . . قال، حدثني أبي, عن سفيان,
عن هارون بن عنترة, [عن أبيه]، عن ابن عباس, مثله. (11) 15745- حدثني سليمان بن عبد
الجبار قال، حدثنا محمد بن الصلت قال، حدثنا أبو كدينة, عن قابوس, عن أبيه, عن ابن
عباس: { ممدكم بألف من الملائكة مردفين}، قال: وراء كل ملك ملك. (12) 15746 - حدثني
ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن أبي كدينة يحيى بن المهلب, عن قابوس, عن أبيه,
عن ابن عباس: { مردفين}، قال: متتابعين. (13) 15747- . . . . قال، حدثنا هانئ بن
سعيد, عن حجاج بن أرطأة, عن قابوس قال: سمعت أبا ظبيان يقول: { مردفين}، قال:
الملائكة، بعضهم على إثر بعض. (14) 15748- . . . . قال، حدثنا المحاربي, عن جويبر,
عن الضحاك قال: { مردفين}، قال: بعضهم على إثر بعض. 15749- حدثني المثنى قال، حدثنا
إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله. 15750-
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله:
{ مردفين}، قال: ممدِّين= قال ابن جريج, عن عبد الله بن كثير قال: { مردفين}، "
الإرداف "، الإمداد بهم. 15751- حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا
سعيد, عن قتادة: { بألف من الملائكة مردفين}، أي متتابعين. 15752- حدثنا [محمد بن
عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور] قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط,
عن السدي: { بألف من الملائكة مردفين}، يتبع بعضهم بعضًا. (15) 15753- حدثنا يونس
قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: { مردفين}، قال: " المردفين "، بعضهم
على إثر بعض, يتبع بعضهم بعضًا. 15754- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال،
حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: { بألف من الملائكة مردفين}،
يقول: متتابعين، يوم بدر. * * * واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة أهل
المدينة: " مُرْدَفِينَ"، بنصب الدال. * * * وقرأه بعض المكيين وعامة قرأة الكوفيين
والبصريين: { مُرْدِفِينَ) . * * * وكان أبو عمرو يقرؤه كذلك, ويقول فيما ذكر عنه:
هو من " أردف بعضهم بعضًا ". * * * وأنكر هذا القول من قول أبي عمرو بعض أهل العلم
بكلام العرب وقال: إنما " الإرداف "، أن يحمل الرجل صاحبه خلفه. قال: ولم يسمع هذا
في نعت الملائكة يوم بدر. * * * واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى ذلك إذا قرئ
بفتح الدال أو بكسرها. فقال بعض البصريين والكوفيين: معنى ذلك إذا قرئ بالكسر: أن
الملائكة جاءت يتبع بعضهم بعضًا، على لغة من قال: " أردفته ". وقالوا: العرب تقول:
" أردفته ". و " رَدِفته ", بمعنى " تبعته " و " أتبعته "، واستشهد لصحة قولهم ذلك
بما قال الشاعر: (16) إِذَا الْجَـــوْزَاءُ أرْدَفَــتِ الثُّرَيَّــا ظَنَنْــتُ
بِــآلِ فَاطِمَــةَ الظُّنُونَـا (17) قالوا: فقال الشاعر: " أردفت ", وإنما أراد
" ردفت "، جاءت بعدها, لأن الجوزاء تجئ بعد الثريا. وقالوا معناه إذا قرئ{ مردَفين}،
أنه مفعول بهم, كأن معناه: بألف من الملائكة يُرْدِف الله بعضهم بعضًا. (18) * * *
وقال آخرون: معنى ذلك، إذا كسرت الدال: أردفت الملائكة بعضها بعضًا= وإذا قرئ
بفتحها: أردف الله المسلمين بهم. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك
عندي، قراءة من قرأ: { بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ }، بكسر الدال،
لإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من تأويلهم، أن معناه: يتبع بعضهم بعضًا،
ومتتابعين= ففي إجماعهم على ذلك من التأويل، الدليلُ الواضح على أن الصحيح من
القراءة ما اخترنا في ذلك من كسر الدال, بمعنى: أردف بعض الملائكة بعضًا, ومسموع من
العرب: " جئت مُرْدِفًا لفلان "، أي: جئت بعده. وأما قول من قال: معنى ذلك إذا قرئ
" مردَفين " بفتح الدال: أن الله أردفَ المسلمين بهم= فقولٌ لا معنى له، إذ الذكر
الذي في " مردفين " من الملائكة دون المؤمنين. وإنما معنى الكلام: أن يمدكم بألف من
الملائكة يُرْدَف بعضهم ببعض. ثم حذف ذكر الفاعل, وأخرج الخبر غير مسمَّى فاعلُه,
فقيل: { مردَفين}، بمعنى: مردَفٌ بعض الملائكة ببعض. ولو كان الأمر على ما قاله من
ذكرنا قوله، وجب أن يكون في " المردفين " ذكر المسلمين، لا ذكر الملائكة. وذلك خلاف
ما دلّ عليه ظاهر القرآن. وقد ذكر في ذلك قراءة أخرى, وهي ما:- 15755- حدثني المثنى
قال، حدثنا إسحاق قال، قال عبد الله بن يزيد: " مُرَدِّفِينَ" و " مُرِدِّفِينَ" و
" مُرُدِّفِينَ", مثقَّل (19) على معنى: " مُرْتَدِفين ". 15756- حدثنا المثنى قال،
حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال، حدثني عبد العزيز بن عمران عن
الزمعي, عن أبي الحويرث, عن محمد بن جبير, عن علي رضي الله عنه قال: نـزل جبريل في
ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر رضي الله عنه,
ونـزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم ,
وأنا فيها. (20) ----------------------الهوامش :(1) انظر تفسير " استجاب " فيما
سلف ص : 321 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .(2) انظر تفسير " الإمداد " فيما سلف 1 :
307 ، 308 7 : 181 .(3) " التزمه " ، احتضنه أو اعتنقه .(4) الأثر : 15734 - "
عكرمة بن عمار اليمامي العجلي " ، ثقة ، مضى برقم : 849 ، 2185 ، 8224 ، 13832 . و
" سماك الحنفي " ، هو " سماك بن الوليد الحنفي " ، " أبو زميل " ، ثقة . مضى برقم :
13832 . وهذا الخبر ، رواه مسلم في صحيحه 12 : 84 - 87 ، مطولا من طريق هناد بن
السري ، عن عبد الله بن المبارك ، عن عكرمة . رواه أحمد في مسنده رقم : 208 ، 221 ،
من طريق أبي نوح قراد ، عن عكرمة ابن عمار . مطولا . وروى بعضه أبو داود في سننه 3
: 82 . ورواه الترمذي في كتاب التفسير ، مختصرًا ، من طريق محمد بن بشار ، عن عمر
بن يونس اليمامي ، عن عكرمة ، وقال " هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه من حديث
عمر ، إلا من حديث عكرمة بن عمار ، عن أبي زميل " . ورواه أبو جعفر الطبري في
تاريخه ، من الطريق نفسها 2 : 280 .(5) الأثر : 15736 - هذا الخبر لم يذكره أبو
جعفر في تفسير آية سورة آل عمران 7 : 173 - 190 .(6) الأثر : 15737 - " أبو إسحاق "
، هو الهمداني السبيعي ، وكان في المطبوعة " ابن إسحاق " غير ما في المخطوطة ،
فأساء . و " زيد بن يثيع الهمداني " ، ويقال : " ... أثيع " و " أثيل " . آخره لام
. روى عن أبي بكر الصديق ، وعلي ، وحذيفة ، وأبي ذر ، وعنه أبو إسحاق السبيعي فقط .
ذكره ابن حبان في الثقات ، مترجم في التهذيب ، وابن سعد : 155 ، والكبير 2 1 373 ،
وابن أبي حاتم 1 2 573 في " زيد بن نفيع الهمداني " ، وهو خطأ ، والصواب ما أثبتناه
، ولكن العجب أنه كان هناك في المطبوعة والمخطوطة ، " زيد بن نفيع " أيضًا . و "
يثيع " بالياء والثاء، مصغرًا ، هكذا ضبط . وقال ابن دريد في كتاب الاشتقاق : 249 :
"يثيع" "يفعل" من "ثاع، يثيع" ، إذا اتسع وانبسط .(7) الأثر : 15740 - سيرة ابن
هشام 2 : 322 ، 323 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15731 ، وليس في سيرة ابن هشام "
معه " ، في آخر الخبر .(8) " النشدة " { بكسر فسكون } مصدر : " نشدتك الله " ، أي
سألتك به واستحلفتك .(9) انظر ما سلف ص : 409 .(10) الأثر : 15743 - " أحمد بن بشير
الكوفي " ، مضى برقم 7819 ، 11084 . و " هارون بن عنترة بن عبد الرحمن " ، مضى
مرارًا كثيرة آخرها : 11084 . وأبوه " عنترة بن عبد الرحمن " ، مضى أيضًا ، انظر
رقم 11084 .(11) الأثر : 15744 . زيادة " عن أبيه " بين قوسين ، هو ما أرجح أنه
الصواب ، وأن إسقاطها من الناسخ . انظر الإسناد السالف .(12) الأثر : 15745 - "
سليمان بن عبد الجبار بن زريق الخياط " ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 5994 ، 9745 . و
" محمد بن الصلت بن الحجاج الأسدي " ، مضى برقم : 3002 ، 5994 ، 9745 . و " أبو
كدينة " ، " يحيى بن المهلب البجلي " ، مضى برقم : 4193 ، 5994 ، 9745 . و " قابوس
بن أبي ظبيان الجنبي " ، مضى برقم : 9745 ، 10683 . وأبوه " أبو ظبيان " ، هو : "
حصين بن جندب الجنبي " ، مضى برقم : 9745 ، 10683 .(13) الأثر : 15746 - انظر رجال
الأثر السالف .(14) الأثر : 15747 - " هانئ بن سعيد النخعي " ، شيخ ابن وكيع ، سلف
برقم : 13159 ، 13965 ، 14836 .(15) الأثر : 15752 - صدر هذا الإسناد خطأ لا شك فيه
. وهو كما وضعته بين القوسين ، جاء في المطبوعة . أما المخطوطة ، فهو فيها هكذا : "
حدثنا محمد بن عبد الله قال ، حدثنا محمد ابن ثور قال ، حدثنا بن عبد الأعلى قال
حدثنا أحمد بن المفضل ... " ، وهو خلط لا ريب ، وهما إسنادان . فالإسناد الأول ، هو
: " حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد ثور ، عن معمر ... " ، وهو إسناد
دائر في التفسير . والإسناد الثاني ، وهو هذا كما يجب أن يكون : " حدثنا محمد بن
الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل ... " ، وهو إسناد دائر في التفسير ، أقربه رقم
: 15738 . وظاهر أنه قد سقط تمام إسناد " محمد بن عبد الأعلى " .(16) هو : حزيمة بن
نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ، من قدماء الشعراء في
الجاهلية . و " حزيمة " بالحاء المهملة المفتوحة ، وكسر الزاي ، هكذا ضبطه في تاج
العروس ، وقال : " وحزيمة بن نهد " في قضاعة . وهو في كتب كثيرة " خزيمة بن نهد " ،
أو " خزيمة بن مالك بن نهد " { اللسان : ردف } . وقد قرأت في جمهرة الأنساب لابن
حزم : 418 ، أن " نهد بن زيد " ، ولد " خزيمة " و " حزيمة " ، فهذا يقتضي التوقف
والنظر في ضبطه ، وأيهما كان صاحب القصة والشعر . وإن كان الأرجح هو الأول .(17)
الأغاني 13 : 78 ، معجم ما استعجم : 19 ، سمط اللآلئ : 100 ، شرح ديوان أبي ذؤيب :
145 . المعارف لا بن قتيبة : 302 ، الأزمنة والأمكنة 2 : 130 ، جمهرة الأمثال : 31
، الأمثال للميداني 1 : 65 ، اللسان { ردف } ، { قرظ } . وسبب هذا الشعر : أن حزيمة
بن نهد كان مشئومًا فاسدًا متعرضًا للنساء ، فعلق فاطمة بنت يذكر ابن عنزة بن أسد
بن ربيعة بن نزار ، { وهو أحد القارظين المضروب بهما المثل } ، فاجتمع قومه وقومها
في مربع ، فلما انقضى الربيع ، ارتحلت إلى منازلها فقيل له : يا حزيمة : لقد ارتحلت
فاطمة ! قال : أما إذا كانت حية ففيها أطمع ! ثم قال في ذلك : إِذَا
الْجَـــوْزَاءُ أرْدَفَــتِ الثُّرَيَّــا ظَنَنْــتُ بِـــآلِ فَاطِمَــةَ
الظُّنُونَـا ظَنَنْـتُ بِهَـا , وَظَـنُّ المـرء حُوبٌ وَإنْ أَوْفَــى , وَإِنْ
سَــكَنَ الحَجُونـا وَحَــالَتْ دُونَ ذَلِـكَ مِـنْ هُمُـومِي هُمُــومٌ
تُخْــرِيُج الشَّـجَنَ الدَّفينَـا أَرَى ابْنَـةَ يَذْكُــرٍ ظَعَنَـتْ
فَحَـلَّتْ جَـنُوبَ الْحَـزْنِ , يـا شَـحَطًا مُبِينَا ! فبلغ ذلك ربيعة ، فرصدوه
، حتى أخذوه فضربوه . فمكث زمانًا ، ثم أن حزيمة قال ليذكر ابن عنزة : أحب أن تخرج
حتى نأتي بقرظ . فمرا بقليب فاستقيا ، فسقطت الدلو ، فنزل يذكر ليخرجها . فلما صار
إلى البئر ، منعه حزيمة الرشاء ، وقال : زوجني فاطمة ! فقال : على هذه الحال ،
اقتسارًا ! أخرجني أفعل ! قال : لا أخرجك ! فتركه حتى مات فيها . فلما رجع وليس هو
معه ، سأله عنه أهله ، فقال : فارقني ، فلست أدري أين سلك ! فاتهمته ربيعة ، وكان
بينهم وبين قومه قضاعة في ذلك شر ، ولم يتحقق أمر فيؤخذ به ، حتى قال حزيمة :
فَتَــاةٌ كَــأَنَّ رُضَــابَ العَبِــيرِ بِفِيهَــا , يُعَــلُّ بِــهِ
الزَّنْجَــبِيلُ قَتَلْــتُ أَبَاهَــا عَــلَى حُبِّهَــا , فَتَبْخَـــلُ إنْ
بَخِـــلَتْ أوْ تُنِيــلُ عندئذ ، ثارت الحرب بين قضاعة وربيعة . قال أبو بكر بن
السراج في معنى بيت الشاهد : " إن الجوزاء تردف الثريا في اشتداد الحر ، فتتكبد
السماء في آخر الليل ، وعند ذلك تنقطع المياه وتجف ، فيتفرق الناس في طلب المياه ،
فتغيب عنه محبوبته ، فلا يدري أين مضت ، ولا أين نزلت " . وانظر أيضًا شرحه في
الأزمنة والأمكنة 2 : 130 ، 131 .(18) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 404 ، ومجاز
القرآن لأبي عبيدة 1 : 241 .(19) ضبطها القرطبي في تفسيره 7 : 371 .(20) الطبري :
15756 - " عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري
" ، الأعرج ، يعرف " بابن أبي ثابت " ، كان صاحب نسب وشعر ، ولم يكن صاحب حديث ،
وكان يشتم الناس ويطعن في أحسابهم . قال البخاري " منكر الحديث ، لا يكتب حديثه " ،
وقال ابن أبي حاتم : " منكر الحديث جدًا " . مضى برقم : 8012 . و" الزمعي " ، هو "
موسى بن يعقوب الزمعي القرشي " ، ثقة ، متكلم فيه مضى برقم : 9923 ، زكان في
المطبوعة هناك " الربعي " ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وهذا صوابه ، وهو الذي
يروى عن أبي الحويرث . و " أبو الحويرث " هو : " عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث
الأنصاري الزرقي " ، ثقة ، متكلم فيه حتى قالوا : " لا يحتج بحديثه ، مترجم في
التهذيب ، وابن أبي حاتم 2/2/284 ، و"محمد بن جبير بن مطعم" ، ثقة تابعي مضى برقم:
9269. وهو إسناد ضعيف جداً .
القول في تأويل قوله : وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ
قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ (10) قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لم يجعل الله إردافَ الملائكة بعضها
بعضًا وتتابعها بالمصير إليكم، أيها المؤمنون، مددًا لكم= " إلا بشرى " لكم، أي:
بشارة لكم، تبشركم بنصر الله إياكم على أعدائكم (21) = " ولتطمئن به قلوبكم "،
يقول: ولتسكن قلوبكم بمجيئها إليكم, وتوقن بنصرة الله لكم (22) = " وما النصر إلا
من عند الله "، يقول: وما تنصرون على عدوكم، أيها المؤمنون، إلا أن ينصركم الله
عليهم, لا بشدة بأسكم وقواكم, بل بنصر الله لكم, لأن ذلك بيده وإليه, ينصر من يشاء
من خلقه= " إن الله عزيز حكيم " يقول: إن الله الذي ينصركم، وبيده نصرُ من يشاء من
خلقه= " عزيز "، لا يقهره شيء, ولا يغلبه غالب, بل يقهر كل شيء ويغلبه, لأنه خلقه=
" حكيم "، يقول: حكيم في تدبيره ونصره من نصر, وخذلانه من خذل من خلقه, لا يدخل
تدبيره وهن ولا خَلل. (23) * * * وروي عن عبد الله بن كثير عن مجاهد في ذلك، ما:-
15757- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج قال، أخبرني
ابن كثير: انه سمع مجاهدًا يقول: ما مدّ النبي صلى الله عليه وسلم مما ذكر الله
غيرُ ألف من الملائكة مردفين, وذكر " الثلاثة " و " الخمسة " بشرى, ما مدُّوا بأكثر
من هذه الألف الذي ذكر الله عز وجل في " الأنفال "، وأما " الثلاثة " و " الخمسة ",
فكانت بشرَى. * * * وقد أتينا على ذلك في " سورة آل عمران "، بما فيه الكفاية. (24)
--------------------الهوامش :(21) انظر تفسير " البشرى " فيما سلف ص : 303 ، تعليق
: 2 ، المراجع هناك .(22) انظر تفسير " الاطمئنان " فيما سلف 5 : 492 9 : 165 11 :
224 .(23) انظر تفسير " عزيز " و " حكيم " فيما سلف من فهارس اللغة { عزز } ، { حكم
) .(24) انظر ما سلف 7 : 173 - 192 .
القول في تأويل قوله : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَـزِّلُ
عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ
الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ، " إِذْ
يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ"، ويعني بقوله: { يغشيكم النعاس}، يلقي عليكم النعاس (25)
={ أمنة) يقول: أمانًا من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم, وكذلك النعاس في الحرب أمنة
من الله عز وجل. * * * 15758- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان,
عن عاصم, عن أبي رزين, عن عبد الله قال: النعاس في القتال، أمنةٌ من الله عز وجل,
وفي الصلاة من الشيطان. (26) 15759 - حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق
قال، أخبرنا الثوري في قوله: " يغشاكم النعاس أمنة منه ", (27) عن عاصم, عن أبي
رزين, عن عبد الله, بنحوه, قال: قال عبد الله، فذكر مثله. 15760 - حدثنا ابن وكيع
قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن عاصم, عن أبي رزين, عن عبد الله بنحوه. * * * و "
الأمنة " مصدر من قول القائل: " أمنت من كذا أمَنَة، وأمانًا، وأمْنًا " وكل ذلك
بمعنى واحد. (28) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك:
15761- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح,
عن مجاهد: { أمنة منه}، أمانًا من الله عز وجل. 15762 - . . . . قال، حدثنا إسحاق
قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: { أمنة}، قال: أمنًا من
الله. 15763- حدثني يونس قال، حدثنا ابن وهب قال، قال ابن زيد قوله: { إذ يغشيكم
النعاس أمنة منه}، قال: أنـزل الله عز وجل النعاس أمنة من الخوف الذي أصابهم يوم
أحد. فقرأ: ثُمَّ أَنْـزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا
[سورة آل عمران: 154] . * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: " إذ يغشيكم النعاس
أمنة منه "، فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة: " يُغْشِيكُمُ النُّعَاسَ " بضم الياء
وتخفيف الشين، ونصب " النعاس ", من: " أغشاهم الله النعاس فهو يغشيهم ". * * *
وقرأته عامة قرأة الكوفيين: { يُغَشِّيكُمُ}، بضم الياء وتشديد الشين، من: " غشّاهم
الله النعاس فهو يغشِّيهم ". * * * وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين: " يَغْشَاكُمُ
النُّعَاسُ"، بفتح الياء ورفع " النعاس ", بمعنى: " غشيهم النعاس فهو يغشاهم ".
واستشهد هؤلاء لصحة قراءتهم كذلك بقوله في "آل عمران ": يَغْشَى طَائِفَةً [سورة آل
عمران: 154] . * * * قال أبو جعفر: وأولى ذلك بالصواب: { إِذْ يُغَشِّيكُمْ}، على ما
ذكرت من قراءة الكوفيين, لإجماع جميع القراء على قراءة قوله: { وينـزل عليكم من
السماء ماء}، بتوجيه ذلك إلى أنه من فعل الله عز وجل, فكذلك الواجب أن يكون كذلك
{ يغشيكم}، إذ كان قوله: { وينـزل}، عطفًا على " يغشي", ليكون الكلام متسقًا على نحو
واحد. * * * وأما قوله عز وجل: { وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به}، فإن ذلك
مطرٌ أنـزله الله من السماء يوم بدر ليطهر به المؤمنين لصلاتهم، لأنهم كانوا أصبحوا
يومئذ مُجْنبِين على غير ماء. فلما أنـزل الله عليهم الماء اغتسلوا وتطهروا، وكان
الشيطان قد وسوس إليهم بما حزنهم به من إصباحهم مجنبين على غير ماء, فأذهب الله ذلك
من قلوبهم بالمطر. فذلك ربطه على قلوبهم، وتقويته أسبابهم، وتثبيته بذلك المطر
أقدامهم, لأنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملة ميثثاء، (29) فلبَّدها المطر، حتى
صارت الأقدام عليها ثابتة لا تسوخ فيها, توطئةً من الله عز وجل لنبيه عليه السلام
وأوليائه، أسبابَ التمكن من عدوهم والظفر بهم. * * * وبمثل الذي قلنا تتابعت
الأخبار عن [أصحاب] رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل العلم. (30) * ذكر
الأخبار الواردة بذلك: 15764- حدثنا هارون بن إسحاق قال، حدثنا مصعب بن المقدام
قال، حدثنا إسرائيل قال، حدثنا أبو إسحاق, عن حارثة, عن علي رضي الله عنه قال:
أصابنا من الليل طَشّ من المطر (31) = يعني الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر =
فانطلقنا تحت الشجر والحَجَف نستظل تحتها من المطر, (32) وبات رسول الله صلى الله
عليه وسلم يدعو ربه: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض!" فلما أن طلع
الفجر، نادى: " الصلاة عبادَ الله!"، فجاء الناس من تحت الشجر والحجف, فصلى بنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم , وحرض على القتال. (33) 15765- حدثنا ابن وكيع قال،
حدثنا حفص بن غياث وأبو خالد, عن داود, عن سعيد بن المسيب: { ماء ليطهركم به}، قال:
طش يوم بدر. 15766 - حدثني الحسن بن يزيد قال، حدثنا حفص, عن داود, عن سعيد, بنحوه.
(34) 15767- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن أبي عدي وعبد الأعلى, عن داود, عن
الشعبي وسعيد بن المسيب, قالا طش يوم بدر. 15768- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن
أبي عدي, عن داود, عن الشعبي وسعيد بن المسيب في هذه الآية: { ينـزل عليكم من السماء
ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان}، قالا طشٌّ كان يوم بدر, فثبَّت الله به
الأقدام. 15769- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة
قوله: " إذ يغشاكم النعاس أمنة منه " الآية, ذكر لنا أنهم مُطِروا يومئذ حتى سال
الوادي ماءً, واقتتلوا على كثيب أعفر, (35) فلبَّده الله بالماء, وشرب المسلمون
وتوضأوا وسقوْا, وأذهب الله عنهم وسواس الشيطان. 15770- حدثني المثنى قال، حدثنا
عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قال، نـزل النبي صلى الله عليه
وسلم = يعني: حين سار إلى بدر= والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دَعْصَة ، (36)
فأصاب المسلمين ضعف شديد, وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ, فوسوس بينهم: تزعمون أنكم
أولياء الله وفيكم رسوله, وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلُّون مُجْنِبين!
فأمطر الله عليهم مطرًا شديدًا, فشرب المسلمون وتطهروا, وأذهب الله عنهم رجز
الشيطان، وثبت الرمل حين أصابه المطر, ومشى الناس عليه والدوابّ، فساروا إلى القوم,
وأمدّ الله نبيه بألف من الملائكة, فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة
مجنِّبةً, وميكائيل في خمسمائة مجنبةً. (37) 15771 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني
أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " إذ يغشاكم النعاس
أمنة منه " إلى قوله: { ويثبت به الأقدام}، وذلك أن المشركين من قريش لما خرجوا
لينصروا العير ويقاتلوا عنها, نـزلوا على الماء يوم بدر, فغلبوا المؤمنين عليه,
فأصاب المؤمنين الظمأ, فجعلوا يصلون مجنبين مُحْدِثين, حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنـزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي, فشرب
المسلمون، وملئوا الأسقية, وسقوا الرِّكاب، واغتسلوا من الجنابة, فجعل الله في ذلك
طهورًا, وثبت الأقدام. وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رَملة، فبعث الله عليها
المطر، فضربها حتى اشتدَّت, وثبتت عليها الأقدام. 15772 - حدثني محمد بن الحسين
قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: بينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم والمسلمون, فسبقهم المشركون إلى ماء بدر فنـزلوا عليه, وانصرف أبو
سفيان وأصحابه تِلْقاء البحر, فانطلقوا. قال: فنـزلوا على أعلى الوادي, ونـزل محمد
صلى الله عليه وسلم في أسفله. فكان الرجل من أصحاب محمد عليه السلام يُجْنِب فلا
يقدر على الماء, فصلي جُنُبًا, فألقى الشيطان في قلوبهم فقال: كيف ترجون أن تظهروا
عليهم، وأحدكم يقوم إلى الصلاة جنبًا على غير وضوء!، قال: فأرسل الله عليهم المطر,
فاغتسلوا وتوضأوا وشربوا, واشتدّت لهم الأرض, وكانت بطحاء تدخل فيها أرجلهم, (38)
فاشتدت لهم من المطر، واشتدُّوا عليها. 15773- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال،
حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: غلب المشركون المسلمين في أول أمرهم
على الماء، فظمئ المسلمون وصلوا مجنبين محدثين, وكانت بينهم رمال, فألقى الشيطان في
قلوب المؤمنين الحَزَن, فقال: تزعمون أن فيكم نبيًّا، وأنكم أولياء الله, وقد غلبتم
على الماء، وتصلون مُجْنبين محدثين! قال: فأنـزل الله عز وجل ماء من السماء, فسال
كل وادٍ, فشرب المسلمون وتطهروا, وثبتت أقدامهم, وذهبت وسوسة الشيطان. 15774- حدثني
محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في
قوله: { ماء ليطهركم به}، قال: المطر، أنـزله عليهم قبل النعاس={ رجز الشيطان}، قال:
وسوسته. قال: فأطفأ بالمطر الغبار, والتبدت به الأرض, (39) وطابت به أنفسهم, وثبتت
به أقدامهم. 15775 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي
نجيح, عن مجاهد: { ماء ليطهركم به}، أنـزله عليهم قبل النعاس, طبَّق بالمطر الغبار,
ولبّد به الأرض, وطابت به أنفسهم, وثبتت به الأقدام. 15776 - حدثني المثنى قال،
حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: { ماء ليطهركم به}،
قال: القطر={ ويذهب عنكم رجز الشيطان}، وساوسه. أطفأ بالمطر الغبار, ولبد به الأرض,
(40) وطابت به أنفسهم, وثبتت به أقدامهم. 15777- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة
قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " رجز الشيطان "، وسوسته. 15778- حدثني
يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: { وينـزل عليكم من السماء ماء
ليطهركم به}، قال: هذا يوم بدر أنـزل عليهم القطر={ وليذهب عنكم رجز الشيطان}، الذي
ألقى في قلوبكم: ليس لكم بهؤلاء طاقة!={ وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) .
15779- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان
قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: { إذ يغشاكم النعاس أمنة منه}، إلى قوله: { ويثبت به
الأقدام}، إن المشركين نـزلوا بالماء يوم بدر, وغلبوا المسلمين عليه, فأصاب
المسلمين الظمأ, وصلوا محدثين مجنبين, فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزَن,
ووسوس فيها: إنكم تزعمون أنكم أولياء الله، وأن محمدًا نبي الله, وقد غلبتم على
الماء، وأنتم تصلون محدثين مجنبين! فأمطر الله السماء حتى سال كل واد, فشرب
المسلمون وملأوا أسقيتهم، (41) وسقوا دوابهم، واغتسلوا من الجنابة, وثبت الله به
الأقدام. وذلك أنهم كان بينهم وبين عدوهم رملة لا تجوزها الدواب, ولا يمشي فيها
الماشي إلا بجَهد, فضربها الله بالمطر حتى اشتدت، وثبتت فيها الأقدام. 15780- حدثنا
ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: " إذ يغشاكم النعاس أمنة منه "، أي:
أنـزلت عليكم الأمنة حتى نمتم لا تخافون,= " وينـزل عليكم من السماء ماء "، للمطر
الذي أصابهم تلك الليلة, (42) فحبس المشركون أن يسبقوا إلى الماء, وخلَّي سبيل
المؤمنين إليه={ ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به
الأقدام}، ليذهب عنهم شك الشيطان، بتخويفه إياهم عدوهم, واستجلاد الأرض لهم, (43)
حتى انتهوا إلى منـزلهم الذي سبق إليه عدوهم. (44) 15781- حدثني محمد بن الحسين
قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: ثم ذكر ما ألقى الشيطان
في قلوبهم من شأن الجنابة، وقيامهم يصلون بغير وضوء, فقال: " إذ يغشيكم النعاسَ
أمنة منه وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على
قلوبكم ويثبت به الأقدام "، حتى تشتدون على الرمل, وهو كهيئة الأرض. 15782- حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا داود بن أبي هند قال: قال رجل عند
سعيد بن المسيب= وقال مرة: قرأ={ وينـزل عليكم من السماء ماء ليطهِّركم به}، (45)
فقال سعيد: إنما هي: " وَيُنَـزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ". قال: وقال الشعبي: كان ذلك طشًا يوم بدر. * * * وقد زعم
بعض أهل العلم بالغريب من أهل البصرة, أن مجاز قوله: { ويثبت به الأقدام}، ويفرغ
عليهم الصبر وينـزله عليهم, فيثبتون لعدوهم. (46) وذلك قولٌ خِلافٌ لقول جميع أهل
التأويل من الصحابة والتابعين, وحَسْبُ قولٍ خطًأ أن يكون خلافًا لقول من ذكرنا،
وقد بينا أقوالهم فيه, وأن معناه: ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرمل حتى لا
تسوخ فيه أقدامهم وحوافر دوابِّهم. (47) ------------------الهوامش :(25) انظر
تفسير " يغشى " فيما سلف 1 : 265 ، 266 12 : 436 : 483 . = وتفسير " النعاس " فيما
سلف 7 : 316 .(26) الأثر : 15758 - انظر هذا الخبر بإسناد آخر فيما سلف رقم : 8083
.(27) قوله : " يغشاكم النعاس " قراءة أخرى في الآية ، و سأثبتها كما جاءت في
المخطوطة بعد.(28) انظر تفسير " أمنة " فيما سلف 7 : 315 ، تعليق : 1 ، والمراجع
هناك .(29) في المطبوعة : " على رملة هشاء " ، ولا أصل لذلك في اللغة ، كلام لا
يقال . وهو في المخطوطة سيء الكتابة قليلا ، صواب قراءته ما أثبت . و " الرملة
الميثاء " ، اللينة السهلة . قد تسوخ فيها الرجل قليلاً .(30) هذه الزيادة بين
القوسين لا بد منها ، والأخبار الآتية تدل عل صحة ذلك . وكان في المخطوطة أمام هذا
السطر حرف { ط } دلالة على الخطأ والشك .(31) " الطش " ، المطر القليل ، وهو فوق "
الرذاذ " .(32) في المطبوعة : " تحت الشجر " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب جيد
. = و " الحجف " { بفتحتين } جمع " جحفة " . وهي الترس ، يكون من الجلود ليس فيه
خشب ولا عقب ، وهو مثل " الدرقة " .(33) الأثر : 15764 - " هارون بن إسحاق الهمداني
" ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 3001 ، 10873 . و " مصعب بن المقدام الخثمي " ، ثقة
مضى برقم : 1291 ، 3001 ، 10873 ، وغيرها . و " إسرائيل " هو " إسرائيل بن يونس بن
إسحاق السبيعي " ثقة حافظ ، مضى مرارًا كثيرة . و " حارثة " هو " حارثة بن مضرب
العبدي " ، من ثقات التابعين ، مضى برقم : 2057 ، 8597 . وهو خبر صحيح الإسناد ،
خرجه السيوطي مختصرًا بغير هذا اللفظ ، ونسبة إلى ابن جرير ، وأبي الشيخ ، وابن
مردويه . الدر المنثور 3 : 171 .(34) الأثر : 15766 - " الحسن بن يزيد " ، لم أجد
في شيوخ أبي جعفر ، وفيمن روى عن حفص بن غياث ، من يقال له " الحسن بن يزيد " ،
وأرجح أنه : " الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي " ، شيخ أبي جعفر ، نسبه إلى جده ، وقد
مضى برقم : 9373 ، 12581 .(35) " الأعفر " ، الرمل الأحمر .(36) " رملة دعصة " ،
هكذا جاء في التفسير ، في المخطوطة والمطبوعة ، وفي ابن كثير ، وضبطته بفتح الدال ،
لأني رجوت أن يكون صفة ، كقولهم : " الدعصاء " ، وهي أرض سهلة فيها رملة تحمي عليها
الشمس ، فتكون رمضاؤها أشد من غيرها ، قال : وَالمُسْــتَجِيرُ بِعَمْـرٍو عِنْـدَ
كُرْبَتِـهِ كَالمُسْـتَجِيرِ مِـنَ الدَّعْصَـاءِ بِالنَّـارِ ولكن كتب اللغة لم
تذكر " دعصة " ، هذه . وفي بعض الأخبار الأخرى " رملة دهسة " . و " الدهس " ، و "
الدهاس " ، أرض سهلة لينة يثقل فيها المشي .(37) " المجنبة " { بتشديد النون مكسورة
) ، هي الكتيبة التي تأخذ إحدى ناحيتي الجيش ، " المجنبة اليمنى " ، و " المجنبة
اليسرى " و هي : " الميمنة " و " الميسرة " .(38) " البطحاء " ، تراب لين جرته
السيول ، وهو " الأبطح " ، يكون في مسيل الوادي .(39) في المخطوطة : " واصـ به "
غير منقوطة ، كأنها " وأثبتت به " ، بالبناء للمجهول ، والذي في المطبوعة جيد ،
وقريب أن يكون قد حرفه الناسخ .(40) في المخطوطة : " تطفي بالمطر الغبار ، وبدت به
الأرض " ، وهو محرف ، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب .(41) في المخطوطة : " وبلوا
أسقيتهم " . كأنها تقرأ " وبلوا " ، والذي في المطبوعة جيد ، قد مضى مثله في
الأخبار .(42) في المطبوعة : " ونزل عليكم من السماء المطر الذي أصابهم ... " ، وفي
المخطوطة : ونزلت عليكم من السماء المطر الذي أصابهم ... " ، وأثبت ما في سيرة ابن
هشام وهو الجيد .(43) " استجلاد الأرض " : من " الجلد " { بفتحتين } ، وهي الأرض
الصلبة ، يعني أنها صارت أرضًا صلبة غليظة ، بعد أن كانت رملة ميثاء لينة . و "
استجلدت الأرض " ، مما لم تذكره معاجم اللغة ، وهو عريق فصيح .(44) الأثر : 15780 -
سيرة ابن هشام 2 : 323 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15740 . وكان في المطبوعة : "
الذي سبق " ، غير ما كان في المخطوطة ، وهو المطابق لما في سيرة ابن هشام ، وهو
الصواب .(45) في المطبوعة كتب " ليطهركم بها " ، غير ما في المخطوطة ، ولا أدري من
أين جاء بها ، ولم أجد قراءة كهذه القراءة ، بل المعروف أن قراءة عامة القرأة "
ليطهركم به " بتشديد الهاء مكسورة ، من " طهر " مضعفًا ، وأن سعيد بن المسيب ، قد
انفرد بقراءة " ليطهركم " ، كما ضبطتها ، بضم الياء ، وسكون الطاء وكسر الهاء . من
" أطهر " ، وهي قراءة شاذة . انظر شواذ القراءات لابن خالويه : 49 ، وتفسير أبي
حيان 4 : 468(46) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 242 .(47) انظر تفسير " تثبيت
الأقدام " فيما سلف 5 : 354 7 : 272 ، 273 . * * * هذا ، وقد أغفل أبو جعفر هنا
إفراد تفسير " يذهب عنكم رجز الشيطان " و " وليربط على قلوبكم " وانظر تفسير "
الرجز " فيما سلف : ص : 179 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
وأما قوله: { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم}، أنصركم (48) ={ فثبتوا الذين
آمنوا}، يقول: قوُّوا عزمهم, وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين. (49) * * *
وقد قيل: إن تثبيت الملائكة المؤمنين، كان حضورهم حربهم معهم. * * * وقيل: كان ذلك
معونتهم إياهم بقتال أعدائهم. * * * وقيل: كان ذلك بأن الملك يأتي الرجلَ من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت هؤلاء القوم= يعني المشركين= يقولون: والله
لئن حملوا علينا لننكشفن! (50) فيحدِّث المسلمون بعضهم بعضًا بذلك, فتقوى أنفسهم.
قالوا: وذلك كان وحي الله إلى ملائكته. * * * وأما ابن إسحاق, فإنه قال بما:-
15783- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: { فثبتوا الذين آمنوا}، أي:
فآزروا الذين آمنوا. (51) * * * القول في تأويل قوله : سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ
الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ
كُلَّ بَنَانٍ (12) قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: سَأرْعِبُ قلوب الذين كفروا بي،
أيها المؤمنون، منكم, وأملأها فرقًا حتى ينهزموا عنكم (52) = " فاضربوا فوق الأعناق
". * * * واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: { فوق الأعناق). فقال بعضهم: معناه:
فاضربوا الأعناق. * ذكر من قال ذلك: 15784- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس,
عن أبيه, عن عطية: { فاضربوا فوق الأعناق}، قال: اضربوا الأعناق. 15785- . . . .
قال، حدثنا أبي, عن المسعودي, عن القاسم, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إني لم أبعث لأعذِّب بعذاب الله, إنما بعثت لضرب الأعناق وشدِّ الوَثَاق. 15786-
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت
الضحاك يقول في قوله: { فاضربوا فوق الأعناق}، يقول: اضربوا الرقاب. * * * واحتج
قائلو هذه المقالة بأن العرب تقول: " رأيت نفس فلان ", بمعنى: رأيته. قالوا: فكذلك
قوله: { فاضربوا فوق الأعناق}، إنما معناه: فاضربوا الأعناق. * * * وقال آخرون: بل
معنى ذلك، فاضربوا الرؤوس. * ذكر من قال ذلك: 15787- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا
يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرمة: { فاضربوا فوق الأعناق}، قال:
الرؤوس. * * * واعتلّ قائلو هذه المقالة بأن الذي " فوق الأعناق "، الرؤوس. قالوا:
وغير جائز أن تقول: " فوق الأعناق ", فيكون معناه: " الأعناق ". قالوا: ولو جاز
ذلك، جاز أن يقال (53) " تحت الأعناق ", فيكون معناه: " الأعناق ". قالوا: وذلك
خلاف المعقول من الخطاب, وقلبٌ لمعاني الكلام. (54) * * * وقال آخرون: معنى ذلك:
فاضربوا على الأعناق، وقالوا: " على " و " فوق " معناهما متقاربان, فجاز أن يوضع
أحدهما مكان الآخر. (55) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: أن
الله أمر المؤمنين، مُعَلِّمَهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف: أن يضربوا فوق
الأعناق منهم والأيدي والأرجل. وقوله: { فوق الأعناق}، محتمل أن يكون مرادًا به
الرؤوس, ومحتمل أن يكون مرادًا له: من فوق جلدة الأعناق, (56) فيكون معناه: على
الأعناق. وإذا احتمل ذلك، صح قول من قال، معناه: الأعناق. وإذا كان الأمر محتملا ما
ذكرنا من التأويل, لم يكن لنا أن نوجِّهه إلى بعض معانيه دون بعض، إلا بحجة يجب
التسليم لها, ولا حجة تدلّ على خصوصه, فالواجب أن يقال: إن الله أمر بضرب رؤوس
المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم، أصحابَ نبيه صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا
معه بدرًا. * * * وأما قوله: { واضربوا منهم كل بنان}، فإن معناه: واضربوا، أيها
المؤمنون، من عدوكم كل طَرَف ومَفْصِل من أطراف أيديهم وأرجلهم. * * * و " البنان
": جمع " بنانة ", وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين, ومن ذلك قول الشاعر: (57) أَلا
لَيْتَنِــي قَطَّعْــتُ مِنِّــي بَنَانَـةً وَلاقَيْتُـهُ فِـي الْبَيْـتِ
يَقْظَـانَ حاذِرَا (58) يعني ب " البنانة " واحدة " البنان ". * * * وبنحو الذي
قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15788- حدثنا أبو السائب قال،
حدثنا ابن إدريس, عن أبيه, عن عطية: { واضربوا منهم كل بنان}، قال: كل مفصِل. 15789
- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس, عن أبيه, عن عطية: { واضربوا منهم كل بنان}،
قال: المفاصل. 15790- . . . . قال: حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك: { واضربوا
منهم كل بنان}، قال: كل مفصل. 15791- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال،
حدثنا الحسين, عن يزيد, عن عكرمة: { واضربوا منهم كل بنان}، قال: الأطراف. ويقال: كل
مفصل. 15792- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن
عباس: { واضربوا منهم كل بنان}، يعني: بالبنان، الأطراف. 15793- حدثنا القاسم قال،
حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله: { واضربوا منهم كل بنان}، قال:
الأطراف. 15794- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن
سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: { واضربوا منهم كل بنان}، يعني: الأطراف.
-------------------------الهوامش :(48) انظر تفسير " مع " فيما سلف 3 : 214 5 :
353 .(49) انظر تفسير " التثبيت " فيما سلف 5 : 354 7 272 ، 273 ، ومادة { ثبت } في
فهارس اللغة .(50) " الانكشاف " ، الانهزام .(51) الأثر : 15783 - سيرة ابن هشام 2
: 323 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15780 .(52) انظر تفسير " إلقاء الرعب " فيما
سلف 7 : 279 .(53) في المطبوعة والمخطوطة : " ولو جاز ذلك كان أن يقال " ، وهو فاسد
، صوابه ما أثبت .(54) في المطبوعة والمخطوطة : " وقلب معاني الكلام " ، صواب
السياق ما أثبت .(55) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 242 .(56) في المطبوعة حذف "
من " ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة .(57) هو العباس بن مرداس السلمي .(58) مجاز
القرآن لأبي عبيدة 1 : 242 ، اللسان { بنن } ، ولم أجده في مكان آخر . وقال أبو
عبيدة بعد البيت : " يعني أبا ضب ، رجلاً من هذيل ، قتل هريم بن مرداس وهو نائم ،
وكان جاورهم بالربيع " . وقد روى أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني 13 : 66 { ساسى }
، عن أبي عبيدة أن هريم بن مرداس كان مجاورًا في خزاعة ، في جوار رجل منهم يقال له
عامر ، فقتله رجل من خزاعة يقال له خويلد . فالذي قاله أبو عبيدة هنا مضطرب ، وهو
زيادة بين قوسين في النسخة المطبوعة ، فأخشى أن لا تكون من قول أبي عبيدة . و أما "
أبو ضب " الرجل من هذيل ، فهو شاعر معروف من بني لحيان ، من هذيل ، له شعر في بقية
أشعار الهذليين وأخبار ، انظر رقم : 13 ، 14 من الشعر . وجاء أيضًا في البقية من
شعر هذيل 43 ، ما نصه : " وقال عباس بن مرداس ، وأخواله بنو لحيان " : لا
تَــأْمَنَنْ بالعَـادِ والخِـلْفِ بَعْدَهَـا جِــوَارَ أُنـاسٍ يَبِتَنُـونَ
الحَصَـائِرَاِ ذكر " جوارًا " كان في بني لحيان ، فأجابه رجل من بني لحيان ، يذكر
عقوقه أخواله ، ويتهدده بالقتل . جَـزَى اللـه عَبَّاسًـا عَـلَى نَأْي دَارِهِ
عُقُوقًــا كَحَـرِّ النَّـارِ يـأتِي المَعَاشِرَا فَوَاللـهِ لَـوْلا أَنْ يُقـال
: ابْـنُ أخْتِهِ ! لَفَقَّرْتُــهُ , إنِّــي أُصِيـبُ المَفـاقِرَا فِــدًي
لأَبِـي ضَـبٍّ تِـلادِي , فإنَّنَـا تَكَلْنَــا عَلَيْــهِ دَاخِــلا
ومُجَـاهِرَا وَمَطْعَنَــهُ بالسَّـيْفِ أحْشَـاءَ مـالِكٍ بِمــا كـانَ مَنَّـي
أوْرَدُوهُ الجَـرَائِرَا فقد ذكر في هذا الشعر " أبا ضب " ، ومقتله " مالكا " . لم
أقف بعد على " مالك " هذا ، ولكني أظن أن شعر عباس هذا ، يدخل في خبر مقتل " مالك "
الذي قتله " أبو ضب " ، لا في خبر مقتل أخيه " هريم بن مرداس " ، فذاك خبر معروف
رجاله . وقوله " حاذرا " ، أي : مستعدًا حذرًا متيقظًا . وقال شمر : " الحاذر " ،
المؤدي الشاك السلاح ، وفي شعر العباس بن مرداس ما يشعر بذلك : وَإنِّــي حــاذِرٌ
أَنْمِــى سِـلاحِي إلـــى أَوْصــالِ ذَيَّــالٍ مَنِيــع وكان في المطبوعة : "
قطعت منه بنانة " ، فأفسد الشعر إفسادًا ، إذ غير الصواب المحض الذي في المخطوطة ،
متابًعًا خطأ الرواية المحرفة في لسان العرب .
القول في تأويل قوله : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ
يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) قال أبو
جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: { ذلك بأنهم}، هذا الفعل من ضرب هؤلاء الكفرة فوق
الأعناق وضرب كل بنان منهم, جزاءٌ لهم بشقاقهم الله ورسوله, وعقاب لهم عليه. * * *
ومعنى قوله: { شاقوا الله ورسوله}، فارقوا أمرَ الله ورسوله وعصوهما, وأطاعوا أمرَ
الشيطان. (59) * * * ومعنى قوله: { ومن يشاقق الله ورسوله}، ومن يخالف أمرَ الله
وأمر رسوله ففارق طاعتهما (60) ={ فإن الله شديد العقاب}، له. وشدة عقابه له: في
الدنيا، إحلالُه به ما كان يحلّ بأعدائه من النقم, وفي الآخرة، الخلودُ في نار
جهنم= وحذف " له " من الكلام، لدلالة الكلام عليها. -----------------------الهوامش
:(59) انظر تفسير " الشقاق " فيما سلف 3 : 115 ، 116 ، 336 8 : 319 9 : 204.(60) في
المخطوطة والمطبوعة : " وفارق " ، والسياق يقتضي ما أثبت .
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) قال أبو جعفر: يعني تعالى
ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله={ إذا لقيتم الذين كفروا) في القتال={ زحفًا}،
يقول: متزاحفًا بعضكم إلى بعض= و " التزاحف "، التداني والتقارب (64) = " فلا
تولوهم الأدبار "، يقول: فلا تولوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم, ولكن اثبتوا لهم، فإن
الله معكم عليهم (65) .-----------------الهوامش :(64) هذا الشرح لقوله : " التزاحف
" ، لا تجده في معاجم اللغة ، فيقيد .(65) انظر تفسير " التولي " فيما سلف من فهارس
اللغة { ولى } . = وتفسير " الدبر " فيما سلف 7 : 109 ، 110 10 : 170 .
ومن يولهم يومئذ دبره "، يقول: ومن يولهم منكم ظهره ={ إلا متحرفًا لقتال}، يقول:
إلا مستطردًا لقتال عدوه، يطلب عورةً له يمكنه إصابتها فيكرّ عليه ={ أو متحيزًا إلى
فئة) أو: إلا أن يوليهم ظهره متحيزًا إلى فئة, يقول: صائرًا إلى حَيِّز المؤمنين
الذين يفيئون به معهم إليهم لقتالهم، (66) ويرجعون به معهم إليهم. (67) * * * وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 15795- حدثنا ابن وكيع قال،
حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: { إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى
فئة}، قال: " المتحرف "، المتقدم من أصحابه ليرى غِرَّة من العدوّ فيصيبها. قال، و
" المتحيز "، الفارّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وكذلك من فرّ اليوم إلى
أميره أو أصحابه. قال الضحاك: وإنما هذا وعيد من الله لأصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم، أن لا يفروا. وإنما كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام و أصحابه فئتَهم. (68)
15796- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن
السدي: { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة}، أما "
المتحرف "، يقول: إلا مستطردًا, يريد العودة={ أو متحيزًا إلى فئة}، قال: " المتحيز
"، إلى الإمام وجنده إن هو كرّ فلم يكن له بهم طاقة, ولا يُعذَر الناس وإن كثروا أن
يُوَلُّوا عن الإمام. * * * واختلف أهل العلم في حكم قول الله عز وجل: { ومن يولهم
يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه
جهنم}، هل هو خاص في أهل بدر, أم هو في المؤمنين جميعًا؟ فقال قوم: هو لأهل بدر
خاصة, لأنه لم يكن لهم أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدوه وينهزموا
عنه، فأما اليومَ فلهم الانهزام. * ذكر من قال ذلك: 15797- حدثنا محمد بن المثنى
قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود, عن أبي نضرة في قول الله عز وجل: { ومن
يولهم يومئذ دبره}، قال: ذاك يوم بدر, ولم يكن لهم أن ينحازوا, ولو انحاز أحدٌ لم
ينحز إلا إلي (69) = قال أبو موسى: يعني: إلى المشركين. 15798- حدثنا إسحاق بن
شاهين قال، حدثنا خالد, عن داود, عن أبي نضرة, عن أبي سعيد قوله عز وجل: { ومن يولهم
يومئذ دبره}، ثم ذكر نحوه= إلا أنه قال: ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين, ولم يكن
يومئذ مسلم في الأرض غيرهم. 15799- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن مفضل
قال، حدثنا داود, عن أبي نضرة, عن أبي سعيد قال: نـزلت في يوم بدر: { ومن يولهم
يومئذ دبره) . 15800 - حدثني ابن المثنى, وعلي بن مسلم الطوسي= قال ابن المثنى:
حدثني عبد الصمد= وقال علي: حدثنا عبد الصمد= قال، حدثنا شعبة, عن داود, يعني ابن
أبي هند, عن أبي نضرة, عن أبي سعيد: { ومن يولهم يومئذ دبره}، قال: يوم بدر= قال أبو
موسى: حدثت أن في كتاب غندر هذا الحديث: عن داود, عن الشعبي, عن أبي سعيد. 15801 -
حدثنا أحمد بن محمد الطوسي قال، حدثنا علي بن عاصم, عن داود بن أبي هند, عن أبي
نضرة, عن أبي سعيد الخدري قال: إنما كان ذلك يوم بدر، لم يكن للمسلمين فئة إلا رسول
الله صلى الله عليه وسلم. فأما بعد ذلك, فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض. (70) 15802 -
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود, عن أبي نضرة: { ومن يولهم
يومئذ دبره}، قال: هذه نـزلت في أهل بدر. 15803- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية,
عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن قوله: { ومن يولهم يومئذ دبره}، أكان ذلك
اليوم، أم هو بعد؟ قال: وكتب إليّ: " إنما كان ذلك يوم بدر ". 15804- حدثنا علي بن
سهل قال، حدثنا زيد, عن سفيان, عن جويبر, عن الضحاك قال: إنما كان الفرار يوم بدر,
ولم يكن لهم ملجأ يلجأون إليه. فأما اليوم، فليس فرارً. 15805 - حدثنا ابن وكيع
قال، حدثنا أبي, عن الربيع, عن الحسن: { ومن يولهم يومئذ دبره}، قال: كانت هذه يوم
بدر خاصة, ليس الفرار من الزحف من الكبائر. 15806- . . . . قال، حدثنا أبي, عن
سفيان, عن رجل, عن الضحاك: { ومن يولهم يومئذ دبره}، قال: كانت هذه يوم بدر خاصة.
15807- . . . . قال، حدثنا روح بن عبادة, عن حبيب بن الشهيد, عن الحسن: { ومن يولهم
يومئذ دبره}، قال: نـزلت في أهل بدر. 15808- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال
حدثنا سعيد, عن قتادة: { ومن يولهم يومئذ دبره}، قال: ذلكم يوم بدر. 15809 - حدثني
المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك. عن المبارك بن فضالة, عن الحسن:
{ ومن يولهم يومئذ دبره}، قال: ذلك يوم بدر. فأما اليوم، فإن انحاز إلى فئة أو مصر =
أحسبه قال: فلا بأس به. 15810 - حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا
سفيان, عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع: { ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: إنما هذا يوم
بدر. 15811- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، حدثنا ابن المبارك, عن ابن
لهيعة قال، حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النارَ. قال:
{ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من
الله}، فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ
بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ [سورة آل عمران: 155] . ثم
كان حنين، بعد ذلك بسبع سنين فقال: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [سورة التوبة:
25]: ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ [سورة التوبة:
27] . 15812- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن عون, عن محمد, أن عمر
رحمة الله عليه بلغه قتل أبي عبيدٍ فقال: لو تحيز إليّ! إنْ كنتُ لَفِئَةً! (71)
15813- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، حدثنا ابن المبارك, عن جرير بن حازم قال،
حدثني قيس بن سعد قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: { ومن يولهم يومئذ دبره}،
قال: هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال: الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ
أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا
مِائَتَيْنِ ، [سورة الأنفال: 66]. قال: وليس لقوم أن يفرُّوا من مثلَيْهم. قال:
ونسخت تلك إلا هذه العِدّة. (72) 15814 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا
ابن المبارك, عن سليمان التيمي, عن أبي عثمان قال: لما قتل أبو عبيد، جاء الخبر إلى
عمر فقال: يا أيها الناس، أنا فئتكم. (73) 15815- . . . . قال: ابن المبارك, عن
معمر وسفيان الثوري وابن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: قال عمر رضي الله
عنه: أنا فئة كل مسلم. * * * وقال آخرون: بل هذه الآية حكمها عام في كل من ولى
الدبر عن العدو منهزمًا. * ذكر من قال ذلك: 15816- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد
الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قال: أكبر
الكبائر الشرك بالله, والفرار من الزحف، لأن الله عز وجل يقول: { ومن يولهم يومئذ
دبره... فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) . * * * قال أبو جعفر:
وأولى التأويلين في هذه الآية بالصواب عندي قولُ من قال: حكمها محكم, وأنها نـزلت
في أهل بدر, وحكمها ثابت في جميع المؤمنين, وأن الله حرّم على المؤمنين إذا لقوا
العدو، أن يولوهم الدبر منهزمين إلا لتحرفٍ القتال, أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين
حيث كانت من أرض الإسلام, وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف لقتالٍ منهزمًا بغير نية
إحدى الخلتين اللتين أباح الله التولية بهما, فقد استوجب من الله وعيده، إلا أن
يتفضل عليه بعفوه. وإنما قلنا هي محكمة غير منسوخة, لما قد بينا في غير موضع من
كتابنا هذا وغيره: (74) أنه لا يجوز أن يحكم لحكم آية بنسخ، وله في غير النسخ وجه،
إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر يقطع العذر، أو حجة عقل, ولا حجة من هذين
المعنيين تدل على نسخ حكم قول الله عز وجل: { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا
لقتال أو متحيزًا إلى فئة) . * * * وأما قوله: { فقد باء بغضب من الله}، يقول: فقد
رجع بغضب من الله (75) ={ ومأواه جهنم}، يقول: ومصيره الذي يصير إليه في معاده يوم
القيامة جهنم (76) = " وبئس المصير ", يقول: وبئس الموضع الذي يصير إليه ذلك
المصير. (77) -------------------الهوامش :(66) انظر تفسير " فئة " فيما سلف 9 : 7
، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(67) في المطبوعة : " يرجعون به معهم إليهم " ، وأثبت
ما في المخطوطة .(68) في المطبوعة : حذف " و أصحابه " ، تحكمًا .(69) وقف على قوله
: " إلى " ، كأنه يشير بيده إلى الفئة الأخرى ، والتي فسرها أبو موسى ، وهو ابن
المثنى ، بقوله : يعني : إلى المشركين .(70) الآثار : 15797 - 15801 - " داود " هو
" ابن أبي هند " مضى مرارًا . و " أبو نضرة " هو " المنذر بن مالك بن قطعة العبدي "
، ثقة ، مضى مرارًا آخرها رقم : 14664 . و " أبو سعيد " ، هو أبو سعيد الخدري ،
صاحب رسول الله . وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2 : 327 ، من طريق شعبة ، عن
داود بن أبي هند ، بمثله ، وقال : " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه " ،
ووافقه الذهبي .(71) الأثر : 15812 - " أبو عبيدة بن مسعود الثقفي " ، صحابي وهو
صاحب يوم الجسر المعروف بجسر أبي عبيد . وكان عمر ولى الخلافة ، عزل خالد بن الوليد
عن العراق والأعنة ، وولى أبا عبيد بن مسعود الثقفي سنة 13 . ولما وجه يزدجر جموعه
إلى جيش أبي عبيد ، عبر أبو عبيد الجسر في المضيق ، فاقتتلوا قتالا شديدًا ، وأنكى
أبو عبيد في الفرس : وضرب أبو عبيد مشفر الفيل ، فبرك عليه الفيل فقتله . واستشهد
من المسلمين يومئذ ألف وثمانمائة ، ويقال أربعة آلاف ، ما بين قتيل وغريق . انظر
الاستيعاب : 671، وتاريخ الطبري 4: 67 – 70 . وانظر الأثر رقم : 15814 ، 15815 .
وفي كثير من الكتب " أبو عبيدة " في هذا الخبر ، وهو خطأ . وكان في المطبوعة هنا :
" لو تحيز إلى لكنت له فئة " ، غير ما في المخطوطة بلا أمانة ولا معرفة .(72) الأثر
: 15813 - " قيس بن سعد المكي " ، ثقة ، مضى برقم : 2943 ، 9413 ، وكان في المخطوطة
والمطبوعة : " قيس بن سعيد " ، وهو خطأ .(73) الأثر : 15814 - " أبو عثمان " ،
مجهول ، روى عن أنس بن مالك ، ومعقل بن يسار . روى عنه " سليمان التيمي " ، قال ابن
المديني : " لم يرو عنه غيره ، وهو مجهول " مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 4 2
408 .(74) انظر ما قاله في " النسخ " ، في فهارس الموضوعات ، وفي فهارس اللغة
والنحو وغيرها .(75) انظر تفسير " باء " فيما سلف 10 : 216 ، تعليق : 2 ، والمراجع
هناك .(76) انظر تفسير " مأوى " فيما سلف 10 : 481 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك
.(77) انظر تفسير " المصير " فيما سلف 9 : 205 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .
القول في تأويل قوله : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا
رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ
مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) قال أبو جعفر: يقول
تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله، ممن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقاتل أعداء دينه معه من كفار قريش: فلم تقتلوا المشركين، أيها المؤمنون، أنتم,
ولكن الله قتلهم. * * * وأضاف جل ثناؤه قتلهم إلى نفسه, ونفاه عن المؤمنين به الذين
قاتلوا المشركين, إذ كان جل ثناؤه هو مسبِّب قتلهم, وعن أمره كان قتالُ المؤمنين
إياهم. ففي ذلك أدلُّ الدليل على فساد قول المنكرين أن يكون لله في أفعال خلقه
صُنْعٌ به وَصَلوا إليها. وكذلك قوله لنبيه عليه السلام: { وما رميت إذ رميت ولكن
الله رمى}، فأضاف الرميَ إلى نبي الله, ثم نفاه عنه, وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي,
إذ كان جل ثناؤه هو الموصل المرميَّ به إلى الذين رُمُوا به من المشركين, والمسبِّب
الرمية لرسوله. فيقال للمنكرين ما ذكرنا (1) قد علمتم إضافة الله رَمْيِ نبيه صلى
الله عليه وسلم المشركين إلى نفسه، بعد وصفه نبيَّه به، وإضافته إليه، وذلك فعلٌ
واحد، (2) كان من الله تسبيبه وتسديده, (3) ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحذفُ والإرسال, فما تنكرون أن يكون كذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة: من الله
الإنشاء والإنجاز بالتسبيب, ومن الخلق الاكتسابُ بالقُوى؟ فلن يقولوا في أحدهما
قولا إلا ألزموا في الآخر مثله. * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر
من قال ذلك: 15817- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن
ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: { فلم تقتلوهم}، لأصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم حين قال هذا: " قتلت ", وهذا: " قتلت "={ وما رميت إذ رميت}، قال لمحمد حين
حَصَب الكفار. 15818 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد,بنحوه. 15819- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن
ثور, عن معمر عن قتادة: { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}، قال: رماهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالحصباء يوم بدر. 15820- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا
محمد بن ثور, عن معمر, عن أيوب, عن عكرمة قال: ما وقع منها شيء إلا في عين رجل.
15821 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا أبي قال، حدثنا
أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة قال: لما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدرًا قال: هذه مصارعهم! ووَجد المشركون النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إليه
ونـزل عليه, فلما طلعوا عليه زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هذه قريش قد
جاءت بجَلَبتها وفخرها، تحادُّك وتكذب رسولك, اللهم إني أسألك ما وعدتني! ". فلما
أقبلوا استقبلهم, فحثا في وجوههم, فهزمهم الله عز وجل. (4) 15822- حدثنا أحمد بن
منصور قال، حدثنا يعقوب بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز بن عمران قال، حدثنا موسى بن
يعقوب بن عبد الله بن زمعة, عن يزيد بن عبد الله, عن أبي بكر بن سليمان بن أبي
حثمة, عن حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر, سمعنا صوتًا وقع من السماء كأنه صوت
حصاة وقعت في طَسْت, ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية فانهزمنا. (5)
15823- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن محمد بن قيس،
ومحمد بن كعب القرظي قالا لما دنا القوم بعضهم من بعض, أخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم, وقال: " شاهت الوجوه!"، فدخلت في أعينهم
كلهم, وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم, وكانت هزيمتهم
في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنـزل الله: { وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى}، الآية, إلى: { إن الله سميع عليم) . 15824- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد
قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: { وما رميت إذ رميت}، الآية, ذكر لنا أن نبي الله
صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاثة أحجار ورمى بها وجوه الكفار, فهزموا عند
الحجر الثالث. 15825- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا
أسباط, عن السدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين التقى الجمعان يوم بدر
لعلي: " أعطني حصًا من الأرض "، فناوله حصى عليه تراب، فرمى به وجوه القوم, فلم يبق
مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء، ثم رَدِفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم،
(6) فذكر رميةَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما
رميت إذ رميت ولكن الله رمى) . 15826- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن
زيد في قوله: { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}، قال: هذا يوم بدر, أخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات, فرمى بحصاة في ميمنة القوم، وحصاة في ميسرة القوم،
وحصاة بين أظهرهم، وقال: " شاهت الوجوه! "، وانهزموا, فذلك قول الله عز وجل: { وما
رميت إذ رميت ولكن الله رمى) . 15827- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني
معاوية, عن علي, عن ابن عباس قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يوم بدر
فقال: يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا! فقال له جبريل: خذ قبضة
من التراب! فأخذ قبضة من التراب, فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا
أصابَ عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة, فولُّوا مدبرين. 15728- حدثنا ابن
حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال: قال الله عز وجل في رمي رسول الله صلى
الله عليه وسلم المشركين بالحصباء من يده حين رماهم: { وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى}، أي: لم يكن ذلك برميتك، لولا الذي جعل الله فيها من نصرك, وما ألقى في صدور
عدوك منها حين هزمهم الله. (7) * * * وروي عن الزهري في ذلك قول خلاف هذه الأقوال,
وهو ما:- 15829- حدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن
الزهري: { وما رميت إذ رميت}، قال: جاء أبي بن خلف الجمحي إلى النبي صلى الله عليه
وسلم بعظم حائل, فقال: " آلله محيي هذا، يا محمد، وهو رميم؟ "، وهو يفتُّ العظم،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يحييه الله, ثم يميتك, ثم يدخلك النار! قال: فلما
كان يوم أحد قال: والله لأقتلن محمدًا إذا رأيته! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله. (8) * * * وأما قوله: { وليبلي المؤمنين منه
بلاء حسنًا}، فإنّ معناه: وكي ينعم على المؤمنين بالله ورسوله بالظفر بأعدائهم, (9)
ويغنّمهم ما معهم, ويكتب لهم أجور أعمالهم وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
. (10) * * * وذلك " البلاء الحسن ", رمي الله هؤلاء المشركين، ويعني ب " البلاء
الحسن "، النعمة الحسنة الجميلة, وهي ما وصفت وما في معناه. (11) 15830- حدثنا ابن
حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال في قوله: { وليبلي المؤمنين منه بلاء
حسنًا}، أي ليعرِّف المؤمنين من نعمه عليهم، في إظهارهم على عدوهم مع كثرة عددهم
وقلة عددهم, ليعرفوا بذلك حقه، وليشكروا بذلك نعمته. (12) * * * وقوله: { إن الله
سميع عليم}، يعني: إن الله سميع، أيها المؤمنون، لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم،
ومناشدته ربه، ومسألته إياه إهلاكَ عدوه وعدوكم، فقيل له: إنْ يَكُ إلا جحْش ! قال:
أليسَ قال: أنا أقتلك؟ والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا!" ولقِيلكم وقيل جميع
خلقه= " عليم "، بذلك كله، وبما فيه صلاحكم وصلاح عباده, وغير ذلك من الأشياء، محيط
به, فاتقوه وأطيعوا أمرَه وأمر رسوله. (13) ----------------------الهوامش :(1) في
المطبوعة والمخطوطة : " للمسلمين ما ذكرنا " ، وهو خطأ صرف ، وظاهر أن كاتب النسخة
التي نقل عنها ناسخ المخطوطة ، قد وصل " راء " المنكرين بالياء والنون ، ولم يضع
شرطة الكاف كعادتهم ، فقرأها خطأ ، ونقلها خطأ .(2) في المطبوعة والمخطوطة : " ذلك
" بغير واو ، والكلام لا يستقيم بغيرها .(3) في المطبوعة والمخطوطة : " بتسبيبه "
وهو خطأ من الناسخ ، صوابه ما أثبت بغير باء في أوله ، كما يدل عليه السياق .(4)
الأثر : 15821 - " أبان العطار " ، هو " أبان بن يزيد العطار " ، ثقة ، مضى : 3832
، 9656 ، 13518 ، 15719 . وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه 2 : 268 في أثناء خبر
طويل ، قد مضى بعضه برقم : 15719 ، وهو من كتاب عروة إلى عبد الملك بن مروان ، رواه
أبو جعفر مفرقًا في التاريخ ، سأخرجه مجموعًا في تخريج الأثر رقم : 16083 . وكان في
المطبوعة هنا : " قد جاءت بخيلائها وفخرها " ، وهو تصرف قبيح . وأثبت ما في
المخطوطة ، وهو مطابق لما في التاريخ . و " الجلبة " ، هو اختلاط الناس إذ تجمعوا ،
وصاح بعضهم ببعض يذمره ويستحثه ، كالذي يكون في اجتماع الجيوش .(5) الأثر : 15822 -
" أحمد بن منصور بن سيار بن المعارك الرمادي " ، شيخ الطبري ، ثقة . مضى برقم :
10260 ، 10521 . و " يعقوب بن محمد الزهري " ، مختلف فيه ، وهو صدوق ، لكن لا يبالي
عمن حدث . مضى برقم : 2867 ، 8012 ، 15654 ، 15714 . و " عبد العزيز بن عمران بن
عبد العزيز الزهري " ، الأعرج ، يعرف بابن أبي ثابت . ضعيف ، كان صاحب نسب ، لم يكن
من أصحاب الحديث . مضى برقم : 8012 ، 15756 . و " موسى بن يعقوب بن عبد الله بن
وهيب بن زمعة الأسدي القرشي " ، ثقة ، متكلم فيه ، وقال أحمد : " لا يعجبني حديثه "
، وقال أبو داود : " له مشايخ مجهولون " . مضى برقم : 9923 ، 15756 . و " يزيد بن
عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي القرشي " ، روى عنه ابن أخيه " موسى بن يعقوب " .
مترجم في الكبير 4 2 346 ، وابن أبي حاتم 4 2 276 ، ولم يذكرا فيه جرحًا . و " أبو
بكر بن سليمان بن أبي حثمة العدوي " ، كان من علماء قريش . ثقة . مترجم في التهذيب
، والكني البخاري : 13 ، وابن أبي حاتم 4 2 341 . وهذا خبر ضعيف الإسناد ، لضعف "
عبد العزيز بن عمران الزهري " ، وذكره ابن كثير في تفسيره 4 : 32 ، وقال : " غريب
من هذا الوجه " ، فقصر في بيان إسناده . بيد أن الهيثمي ذكره في مجمع الزائد 6 : 84
، وقال : " رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وإسناده حسن " ، فلعله إسناد غير هذا
، فإنه قد ضعف عبد العزيز بن عمران في هذا الباب مرارًا كثيرة . وخرجه السيوطي في
الدر المنثور 3 : 174 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه
.(6) " ردفه " { بفتح فكسر } : اتبعه ودهمه .(7) الأثر : 15828 - سيرة ابن هشام 2 :
323 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15783 . وكان في المطبوعة والمخطوطة ، أغفل ذكر
" وما رميت إذ رميت " ، وأتى ببقية الآية . وكان في المخطوطة " حين هزمهم " ، بغير
ذكر لفظ الجلالة ، فغيرها في المطبوعة فقال : " فهزمتهم " . وأثبت ما في سيرة ابن
هشام .(8) أخشى أن يكون في هذا الموضع من التفسير نقص ، فإني وجدت ابن كثير ( 4 :
32 ) قد ذكر في تفسير هذه الآية ما نسبه إلى ابن جرير ، وهذا نصه بترتيبه وتعليقه :
وههنا قولان آخران غريبان جدًّا : أحدهما : قال ابن جرير : حدثني محمد بن عوف
الطائي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان بن عمرو ، حدثنا عبد الرحمن بن جبير : أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ابن أبي الحقيق بخيبر ، دعَا بقوس ، فأتِىَ بقوسٍ
طويلة ، وقال : جيئوني بقوس غيرها . فجاؤوه بقوسٍ كَبْداء ، فرمى النبيّ صلى الله
عليه وسلم الحصن ، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق ، وهو في فراشه ، فأنزل
الله " وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى " . وهذا غريب ،
وإسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، ولعله اشتبه عليه ، أو أنه أراد أن
الآية تعم هذا كله ، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدرٍ لا مَحالة ،
وهذا مما لا يخفي على أئمة العلم ، والله أعلم . والثاني : روى ابن جرير أيضًا ،
والحاكم في مستدركه ، بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيّب والزهري أنهما قالا : أنزلت
في رمية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ أُبَيَّ بن خلفٍ بالحربة في لأْمَته ،
فخدشه في تَرْقُوَته ، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارًا . حتى كانت وفاتُه بعد أيام قاسى
فيها العذاب الأليمَ ، موصولا بعذابِ البرزخ، المتصل بعذاب الآخرة . وهذا القول عن
هذين الإمامين غريب أيضًا جدًّا ، ولعلهما أرادَا أن الآية تتناوله بعمومها، لا
أنها نزلت فيه خاصة، كما تقدم، والله أعلم " . قلت : والخبر الأول منهما ، رواه
الواحدي في أسباب النزول : 174 من طريق " صفوان بن عمرو ، عن عبد العزيز بن جبير "
، وقوله : " عبد العزيز " ، خطأ ، صوابه ما في تفسير ابن كثير . ثم إن السيوطي في
الدر المنثور 3 : 175 ، خرج هذين الخبرين منسوبين إلى ابن جرير أيضًا ، وزاد نسبته
الأول منهما إلى ابن أبي حاتم . وذكر الثاني وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي
حاتم . ثم زاد السيوطي في الدر المنثور، وهذان الخبران أنقلهما أيضًا بنصهما منه :
الأول : " أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن المسيّب قال
: لما كان يوم أُحُد ، أخذ أبيُّ بن خلفٍ يركض فرسه حتى دنا من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، واعترض رجالٌ من المسلمين لأبيّ بن خلف ليقتلوه . فقال لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم : استأخروا ! استأخرُوا ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
حربته في يده فرمى بها أبيّ بن خلف ، وكسر ضِلْعًا من أضلاعه ، فرجع أبيّ بن خلف
إلى أصحابه ثقيلا ، فاحتملوه حين وَلَّوا قافلين ، فطفقوا يقولون : لا بأس ! فقال
أبيّ حين قالوا ذلك : والله لو كانت بالناس لقتلتهم ! ألم يقلْ : إنِّي أقتلك إن
شاء الله ؟ فانطلق به أصحابه يَنْعَشونه حتى مات ببعض الطريق ، فدفنوه . قال ابن
المسيب : وفي ذلك أنزل الله تعالى : " وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ
اللهَ رَمَى الآية" . الثاني : " وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن الزهري في قوله
: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى . قال : حيث رمَى أبيَّ
بنَ خلف يوم أُحُدٍ بحربته ، فهذا كله ، يوشك أن يرجح سقوط شيء من أخبار أبي جعفر
في هذا الموضع . إلا أن تكون هذه الأخبار ستأتي فيما بعد في غير هذا الموضع . أما
فيما سلف ، فإن خبر " أبي بن خلف " قد مضى في حديث السدى رقم : 7943 { ج 7 : 255 )
والخبر الأول رواه الحاكم في المستدرك 2 : 327 ، من طريق محمد بن فليح ، عن موسى بن
عقبة ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .(9) في المطبوعة : " ولينعم " ، وأثبت ما في المخطوطة
.(10) في المطبوعة : " ويثبت لهم أجور أعمالهم " ، وهو لا معنى له ، ولم يحسن قراءة
المخطوطة ، لخطأ في نقطها .(11) انظر تفسير " البلاء " فيما سلف ص : 85 ، تعليق : 5
، والمراجع هناك .(12) الأثر : 15830 - سيرة ابن هشام 2 : 323 ، 324 ، وهو تابع
الأثر السالف رقم : 15828 . وفي السيرة سقط من السياق قوله : " مع كثرة عددهم " ،
فيصحح هناك .(13) انظر تفسير " سميع " و " عليم " فيما سلف من فهارس اللغة { سمع }
، { علم } .
القول في تأويل قوله : ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: { ذلكم}، هذا الفعل من قتل المشركين ورميهم حتى
انهزموا, وابتلاء المؤمنين البلاء الحسن بالظفر بهم، وإمكانهم من قتلهم وأسرهم=
فعلنا الذي فعلنا={ وأنّ الله موهن كيد الكافرين}، يقول: واعلموا أن الله مع ذلك
مُضْعِف (14) = " كيد الكافرين ", يعنى: مكرهم, (15) حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق،
أو يُهْلَكوا. (16) * * * وفى فتح " أن " من الوجوه ما في قوله: ذَلِكُمْ
فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ، [سورة الأنفال: 14]، وقد بينته هنالك. (17) *
* * وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله: { موهن) . فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض
المكيين والبصريين: " مُوَهِّنُ" بالتشديد, من: " وهَّنت الشيء "، ضعَّفته. * * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: { مُوهِنُ}، من أوهنته فأنا موهنه ", بمعنى: أضعفته. *
* * قال أبو جعفر: والتشديد في ذلك أعجبُ إليّ، لأن الله تعالى كان ينقض ما يبرمه
المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, عقدًا بعد عَقْدٍ, وشيئًا بعد
شيء, وإن كان الآخرُ وجهًا صحيحًا. --------------------الهوامش :(14) انظر تفسير "
الوهن " فيما سلف 7 : 234 ، 269 9 : 170 .(15) انظر تفسير " الكيد " فيما سلف ص :
322 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .(16) في المخطوطة : " ويهلكوا " ، وصواب السياق
ما أثبت .(17) انظر ما سلف ص : 434 .
القول في تأويل قوله : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ
تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ
فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) قال
أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمشركين الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ببدر: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، يعني: إن تستحكموا الله على أقطع الحزبين
للرحم، وأظلم الفئتين, وتستنصروه عليه, فقد جاءكم حكم الله، ونصرُه المظلوم على
الظالم, والمحق على المبطل. (18) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *
ذكر من قال ذلك: 15831- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي, عن جويبر, عن الضحاك:
{ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء. 15832- . . . .
قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبي, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن عكرمة: { إن تستفتحوا
فقد جاءكم الفتح}، قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء. 15833- حدثنا ابن المثنى قال،
حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: { إن تستفتحوا
فقد جاءكم الفتح}، يعني بذلك المشركين: إن تستنصروا فقد جاءكم المدد. 15834- حدثنا
القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن
كثير, عن ابن عباس قوله: { إن تستفتحوا}، قال: إن تستقضوا القضاء= وإنه كان يقول:
{ وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا}، قلت:
للمشركين؟ قال: لا نعلمه إلا ذلك (19) 15835- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو
عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: { إن تستفتحوا فقد جاءكم
الفتح}، قال: كفار قريش في قولهم: " ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه "! ففُتح
بينهم يوم بدر. 15836 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد, نحوه. 15837- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن
ثور, عن معمر, عن الزهري: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، قال: استفتح أبو جهل
فقال: اللهم = يعني محمدًا ونفسه = " أيُّنا كان أفجرَ لك، اللهم وأقطعَ للرحم،
فأحِنْه اليوم "! (20) قال الله: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) . 15838 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الزهري في قوله: { إن
تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، قال: استفتح أبو جهل بن هشام فقال: " اللهم أيُّنا كان
أفجر لك وأقطعَ للرحم، فأحنه اليوم!" يعني محمدًا عليه الصلاة والسلام ونفسه. قال
الله عز وجل: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، فضربه ابنا عفراء: عوف ومعوِّذ,
وأجهزَ عليه ابن مسعود. 15839- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث
قال، حدثنى عقيل, عن ابن شهاب قال، أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير العدوي،
حليف بني زهرة, أن المستفتح يومئذ أبو جهل, وأنه قال حين التقى القوم: " أينا أقطعُ
للرحم، وآتانا بما لا يُعرف، فأحِنْه الغداة "! فكان ذلك استفتاحه, فأنـزل الله في
ذلك: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، الآية. (21) 15840- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد
قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: { تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، الآية, يقول: قد
كانت بدرٌ قضاءً وعِبْرةً لمن اعتبر. 15841- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد
بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى
الله عليه وسلم من مكة, أخذوا بأستار الكعبة واستنصروا الله وقالوا: " اللهم انصر
أعز الجندين, وأكرم الفئتين, وخير القبيلتين "! فقال الله: { إن تستفتحوا فقد جاءكم
الفتح}، يقول: نصرت ما قلتم, وهو محمد صلى الله عليه وسلم . 15842- حدثنا عن الحسين
بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في
قوله: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) إلى قوله: { وأن الله مع المؤمنين}، وذلك حين
خرج المشركون ينظرون عِيرَهم, وإن أهلَ العير، أبا سفيان وأصحابه، أرسلوا إلى
المشركين بمكة يستنصرونهم, فقال أبو جهل: " أينا كان خيرًا عندك فانصره "! وهو
قوله: { إن تستفتحوا}، يقول: تستنصروا. 15843- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال،
قال ابن زيد في قوله: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، قال: إن تستفتحوا العذاب,
فعُذِّبوا يوم بدر. قال: وكان استفتاحهم بمكة, قالوا: اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا
هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ
ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، [سورة الأنفال: 32]. قال: فجاءهم العذاب يوم بدر.
وأخبر عن يوم أحد: { وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله مع
المؤمنين) . 15844- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل, عن مطرف, عن عطية قال: قال
أبو جهل يوم بدر: " اللهم انصر أهدى الفئتين, وخير الفئتين وأفضل " فنـزلت: { إن
تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) . 15845 - . . . . قال، حدثنا عبد الأعلى, عن معمر, عن
الزهري: أن أبا جهل هو الذي استفتح يوم بدر وقال: " اللهم أينا كان أفجر وأقطع
لرحمه, فأحِنْه اليوم "! فأنـزل الله: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) . 15846 - . .
. . قال، حدثنا يزيد بن هارون, عن ابن إسحاق, عن الزهري, عن عبد الله بن ثعلبة بن
صعير: أن أبا جهل, قال يوم بدر: اللهمّ أقطعنا لرحمه, وآتانا بما لا نعرف, فأحنه
الغداة!". وكان ذلك استفتاحًا منه, فنـزلت: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، الآية.
(22) 15847 - . . . . قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن إبراهيم بن سعد, عن صالح بن
كيسان, عن الزهري, عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: كان المستفتح يوم بدر أبا
جهل, قال: " اللهم أقطعنا للرحم, وآتانا بما لا نعرف, فأحنه الغداة!"، فأنـزل الله:
{ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) . (23) 15848 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن
ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن مسلم الزهري, عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير, حليف بني
زهرة قال: لما التقى الناس, ودنا بعضهم من بعض, قال أبو جهل: " اللهم أقطعنا للرحم,
وآتانا بما لا نعرف, فأحنه الغداة!"، فكان هو المستفتح على نفسه= (24) قال ابن
إسحاق: فقال الله: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، لقول أبي جهل: " اللهم أقطعنا
للرحم, وآتانا بما لا نعرف, فأحنه للغداة!" قال: " الاستفتاح "، الإنصاف في الدعاء.
(25) 15849- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر, عن يزيد بن
رومان وغيره: قال أبو جهل يوم بدر: " اللهم انصر أحب الدينين إليك, دينَنا العتيق,
أم دينهم الحديث "! فأنـزل الله: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}، إلى قوله: { وأن
الله مع المؤمنين) . * * * وأما قوله: { وإن تنتهوا فهو خير لكم}، فإنه يقول: " وإن
تنتهوا "، يا معشر قريش، وجماعة الكفار، عن الكفر بالله ورسوله, وقتال نبيه صلى
الله عليه وسلم والمؤمنين به= " فهو خير لكم "، في دنياكم وآخرتكم (26) ={ وإن
تعودوا نعد}، يقول: وإن تعودوا لحربه وقتاله وقتال أتباعه المؤمنين= " نعد "، أي:
بمثل الواقعة التي أوقعت بكم يوم بدر. * * * وقوله: { ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو
كثرت}، يقول: وإن تعودوا نعد لهلاككم بأيدي أوليائي وهزيمتكم, ولن تغني عنكم عند
عودي لقتلكم بأيديهم وسَبْيكم وهزمكم (27) " فئتكم شيئًا ولو كثرت ", يعني: جندهم
وجماعتهم من المشركين, (28) كما لم يغنوا عنهم يوم بدر مع كثرة عددهم وقلة عدد
المؤمنين شيئًا={ وأن الله مع المؤمنين}، يقول جل ذكره: وأن الله مع من آمن به من
عباده على من كفر به منهم, ينصرهم عليهم, أو يظهرهم كما أظهرهم يوم بدر على
المشركين. (29) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك:
15850- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق في قوله: { وإن تنتهوا فهو خير
لكم}، قال: يقول لقريش= " وإن تعودوا نعد "، لمثل الواقعة التي أصابتكم يوم بدر=(
ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين}، أي: وإن كثر عددكم في
أنفسكم لن يغني عنكم شيئًا. وإني مع المؤمنين، أنصرهم على من خالفهم. (30) * * *
وقد قيل: إن معنى قوله: { وإن تعودوا نعد}، وإن تعودوا للاستفتاح، نعد لفتح محمد صلى
الله عليه وسلم . وهذا القول لا معنى له، لأن الله تعالى قد كان ضمن لنبيه عليه
السلام حين أذن له في حرب أعدائه إظهارَ دينه وإعلاءَ كلمته، من قبل أن يستفتح أبو
جهل وحزبه, فلا وجه لأن يقال والأمر كذلك: " إن تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لكم،
وإن تعودوا نعد "، لأن الله قد كان وعد نبيه صلى الله عليه وسلم الفتح بقوله:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى
نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، [سورة الحج: 39]، استفتح المشركون أو لم يستفتحوا. * ذكر من
قال ذلك: 15851- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط,
عن السدي: { وإن تعودوا نعد}، إن تستفتحوا الثانية نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم
={ ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين}، محمد وأصحابه. * * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: { وأن الله مع المؤمنين). ففتحها عامة قرأة أهل
المدينة بمعنى: ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله لمع المؤمنين= (31)
فعطف ب " أن " على موضع " ولو كثرت "، كأنه قال: لكثرتها, ولأن الله مع المؤمنين.
ويكون موضع " أن " حينئذ نصبًا على هذا القول. (32) * * * وكان بعض أهل العربية
يزعم أن فتحها إذا فتحت، على: وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ , { وأن
الله مع المؤمنين}، عطفًا بالأخرى على الأولى. * * * وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين
والبصريين: " وَإِنَّ اللهَ"، بكسر الألف على الابتداء, واعتلوا بأنها في قراءة عبد
الله: " وإنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ". * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين
بالصواب, قراءة من كسر " إن " للابتداء, لتقضِّي الخبر قبل ذلك عما يقتضي قوله:
{ وأن الله مع المؤمنين) . (33) --------------------------الهوامش :(18) انظر تفسير
" الاستفتاح " و " الفتح " فيما سلف 2 : 254 10 : 405 ، 406 12 : 563 .(19) في
المطبوعة والمخطوطة ، " لا نعلم " ، والجيد ما أثبت .(20) يقال : " أحانه الله " ،
أهلكه . و " الحين " { بفتح فسكون } : الهلاك ، أو هو أجل الهلاك على التحقيق .(21)
الأثر : 15839 - " عبد الله بن ثعلبة بن صعير العدوي " ، مسح رسول الله صلى الله
عليه وسلم وجهه ورأسه زمن الفتح ، ودعا له . وقال أبو حاتم : " رأى النبي صلى الله
عليه وسلم وهو صغير " ، وقال البخاري في التاريخ : " عبد الله بن ثعلية ، عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، مرسل ، إلا أن يكون عن أبيه ، وهو أشبه " . مترجم في الإصابة
، والتهذيب ، وأسد الغابة ، والاستيعاب : 341 ، وابن أبي حاتم 2 2 19 . وهذا الخبر
سيأتي من طريق ابن إسحاق ، عن الزهري ، برقم : 15846 ، 15848 ، ومن طريق صالح بن
كيسان ، عن الزهري ، رقم : 15847 . ورواه أحمد في مسنده 5 : 431 ، 4 من طريق يزيد
بن هارون ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، وص : 431 ، 432 ، من طريق يعقوب بن إبراهيم
بن سعد ، عن أبيه ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري . ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 328
من طريق يزيد بن هارون ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري = ثم من طريق عبد الله بن
أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن صالح بن كيسان
، عن الزهري ، وقال : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه " ، ووافقه
الذهبي . وهذا الإسناد الثاني الذي ذكره الحاكم ، لم أجده في المسند ، و " إبراهيم
بن سعد " يروي عن " صالح بن كيسان " ، وعن " الزهري " ، عن " ابن إسحاق " .(22)
الأثر : 15846 - انظر تخريج الأثر رقم : 15839 ، والخبرين التاليين .(23) الأثر :
15847 - انظر تخريج الآثار السالفة ، والذي سيليه .(24) قول : " على نفسه " ، ليست
في سيرة ابن هشام 2 : 280 . وانظر تخريج الخبر ، بعد .(25) الأثر : 15848 - هما
خبران ، أولهما إلى قوله : " المستفتح على نفسه " ، رواه ابن هشام في سيرته 2 : 280
، وسائر الخبر ، رواه في سيرته 2 : 324 ، وهو تابع الأثر : 15830 . وانظر تخريج
الأثر رقم : 15839 .(26) انظر تفسير " الانتهاء " فيما سلف 20 : 566 ، تعليق : 1
والمراجع هناك .(27) انظر تفسير " أغنى " فيما سلف 7 : 133 .(28) انظر تفسير " فئة
" فيما سلف ص : 435 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .(29) انظر تفسير " مع " فيما سلف
ص : 428 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .(30) الأثر : 15850 - سيرة ابن هشام 2 : 324
، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15848 ، في القسم الثاني منه . وكان في المطبوعة و "
إن الله مع المؤمنين ينصرهم " ، وفي المخطوطة مثله إلا أن فيها " أنصرهم " ، وأثبت
نص ما في سيرة ابن هشام ، والذي في المخطوطة بعضه سهو من الناسخ وعجلة .(31) في
المطبوعة : " مع المؤمنين " بغير لام ، وأثبت ما في المخطوطة ، وأنا في شك منه
.(32) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 407 .(33) في المطبوعة : " عما يقضي قوله " ،
والصواب ما في المخطوطة .
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ
وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) قال أبو جعفر:
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله={ أطيعوا الله ورسوله}، فيما
أمركم به وفيما نهاكم عنه={ ولا تولوا عنه}، يقول: ولا تدبروا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مخالفين أمره ونهيه (34) = " وأنتم تسمعون " أمرَه إياكم ونهيه, وأنتم به
مؤمنون، كما:- 15852- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: { يا أيها
الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون}، أي: لا تخالفوا أمره،
وأنتم تسمعون لقوله, وتزعمون أنكم منه. (35) --------------------الهوامش :(34)
انظر تفسير " التولي " فيما سلف من فارس اللغة { ولي } .(35) الأثر : 15852 - سيرة
ابن هشام 2 : 324 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15850. وكان في المطبوعة هنا "
وتزعمون أنكم مؤمنون " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو المطابق لما في سيرة ابن هشام
.