تقدم أن المزمل والمدثر بمعنى واحد، وأن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم،
بالاجتهاد في عبادة الله القاصرة والمتعدية، فتقدم هناك الأمر له بالعبادات الفاضلة
القاصرة، والصبر على أذى قومه، .
وأمره هنا بإعلان الدعوة ، والصدع بالإنذار، فقال: { قُمِ } [أي] بجد ونشاط {
فَأَنْذِرْ } الناس بالأقوال والأفعال، التي يحصل بها المقصود، وبيان حال المنذر
عنه، ليكون ذلك أدعى لتركه، .
{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } يحتمل أن المراد بثيابه، أعماله كلها، وبتطهيرها تخليصها
والنصح بها، وإيقاعها على أكمل الوجوه، وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات، والمنقصات
من شر ورياء، [ونفاق]، وعجب، وتكبر، وغفلة، وغير ذلك، مما يؤمر العبد باجتنابه في
عباداته.ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة، فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال
خصوصا في الصلاة، التي قال كثير من العلماء: إن إزالة النجاسة عنها شرط من شروط
الصلاة.ويحتمل أن المراد بثيابه، الثياب المعروفة، وأنه مأمور بتطهيرها عن [جميع]
النجاسات، في جميع الأوقات، خصوصا في الدخول في الصلوات، وإذا كان مأمورا بتطهير
الظاهر، فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن.
{ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } يحتمل أن المراد بالرجز الأصنام والأوثان، التي عبدت مع
الله، فأمره بتركها، والبراءة منها ومما نسب إليها من قول أو عمل. ويحتمل أن المراد
بالرجز أعمال الشر كلها وأقواله، فيكون أمرا له بترك الذنوب، صغيرها وكبيرها ،
ظاهرها وباطنها، فيدخل في ذلك الشرك وما دونه.
{ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } أي: لا تمنن على الناس بما أسديت إليهم من النعم
الدينية والدنيوية، فتتكثر بتلك المنة، وترى لك [الفضل] عليهم بإحسانك المنة، بل
أحسن إلى الناس مهما أمكنك، وانس [عندهم] إحسانك، ولا تطلب أجره إلا من الله تعالى
واجعل من أحسنت إليه وغيره على حد سواء.وقد قيل: إن معنى هذا، لا تعط أحدا شيئا،
وأنت تريد أن يكافئك عليه بأكثر منه، فيكون هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
{ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } أي: احتسب بصبرك، واقصد به وجه الله تعالى، فامتثل رسول
الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه، وبادر إليه، فأنذر الناس، وأوضح لهم بالآيات
البينات جميع المطالب الإلهية، وعظم الله تعالى، ودعا الخلق إلى تعظيمه، وطهر
أعماله الظاهرة والباطنة من كل سوء، وهجر كل ما يبعد عن الله من الأصنام وأهلها،
والشر وأهله، وله المنة على الناس -بعد منة الله- من غير أن يطلب منهم على ذلك جزاء
ولا شكورا، وصبر لله أكمل صبر، فصبر على طاعة الله، وعن معاصي الله، وعلى أقدار
الله المؤلمة ، حتى فاق أولي العزم من المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم
أجمعين.
{ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } لأنهم قد أيسوا من كل خير، وأيقنوا بالهلاك
والبوار. ومفهوم ذلك أنه على المؤمنين يسير، كما قال تعالى: { يَقُولُ
الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } .
هذه الآيات، نزلت في الوليد بن المغيرة، معاند الحق، والمبارز لله ولرسوله
بالمحاربة والمشاقة، فذمه الله ذما لم يذمه غيره، وهذا جزاء كل من عاند الحق
ونابذه، أن له الخزي في الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى، فقال: { ذَرْنِي وَمَنْ
خَلَقْتُ وَحِيدًا } أي: خلقته منفردا، بلا مال ولا أهل، ولا غيره، فلم أزل أنميه
وأربيه .
{ كَلَّا } أي: ليس الأمر كما طمع، بل هو بخلاف مقصوده ومطلوبه، وذلك لأنه { كَانَ
لِآيَاتِنَا عَنِيدًا } أي: معاندا، عرفها ثم أنكرها، ودعته إلى الحق فلم ينقد لها
ولم يكفه أنه أعرض وتولى عنها، بل جعل يحاربها ويسعى في إبطالها.
{ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ } أي: ما
هذا كلام الله، بل كلام البشر، وليس أيضا كلام البشر الأخيار، بل كلام الفجار منهم
والأشرار، من كل كاذب سحار.فتبا له، ما أبعده من الصواب، وأحراه بالخسارة
والتباب!!كيف يدور في الأذهان، أو يتصوره ضمير كل إنسان، أن يكون أعلى الكلام
وأعظمه، كلام الرب العظيم، الماجد الكريم، يشبه كلام المخلوقين الفقراء
الناقصين؟!أم كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد، على وصفه كلام المبدئ المعيد .
{ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ } أي: ما
هذا كلام الله، بل كلام البشر، وليس أيضا كلام البشر الأخيار، بل كلام الفجار منهم
والأشرار، من كل كاذب سحار.فتبا له، ما أبعده من الصواب، وأحراه بالخسارة
والتباب!!كيف يدور في الأذهان، أو يتصوره ضمير كل إنسان، أن يكون أعلى الكلام
وأعظمه، كلام الرب العظيم، الماجد الكريم، يشبه كلام المخلوقين الفقراء
الناقصين؟!أم كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد، على وصفه كلام المبدئ المعيد .
فما حقه إلا العذاب الشديد والنكال، ولهذا قال تعالى:{ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا
أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ } أي: لا تبقي من الشدة، ولا على
المعذب شيئا إلا وبلغته.
فما حقه إلا العذاب الشديد والنكال، ولهذا قال تعالى:{ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا
أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ } أي: لا تبقي من الشدة، ولا على
المعذب شيئا إلا وبلغته.
فما حقه إلا العذاب الشديد والنكال، ولهذا قال تعالى:{ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا
أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ } أي: لا تبقي من الشدة، ولا على
المعذب شيئا إلا وبلغته.
{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً } وذلك لشدتهم وقوتهم. {
وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } يحتمل أن
المراد: إلا لعذابهم وعقابهم في الآخرة، ولزيادة نكالهم فيها، والعذاب يسمى فتنة،
[كما قال تعالى: { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } ] ويحتمل أن المراد:
أنا ما أخبرناكم بعدتهم، إلا لنعلم من يصدق ومن يكذب، ويدل على هذا ما ذكر بعده في
قوله: { لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ
آمَنُوا إِيمَانًا } فإن أهل الكتاب، إذا وافق ما عندهم وطابقه، ازداد يقينهم
بالحق، والمؤمنون كلما أنزل الله آية، فآمنوا بها وصدقوا، ازداد إيمانهم، { وَلَا
يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ } أي: ليزول عنهم الريب
والشك، وهذه مقاصد جليلة، يعتني بها أولو الألباب، وهي السعي في اليقين، وزيادة
الإيمان في كل وقت، وكل مسألة من مسائل الدين، ودفع الشكوك والأوهام التي تعرض في
مقابلة الحق، فجعل ما أنزله الله على رسوله محصلا لهذه الفوائد الجليلة، ومميزا
للكاذبين من الصادقين، ولهذا قال: { وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
} أي: شك وشبهة ونفاق. { وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا }
وهذا على وجه الحيرة والشك، والكفر منهم بآيات الله، وهذا وذاك من هداية الله لمن
يهديه، وإضلاله لمن يضل ولهذا قال:{ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } فمن هداه الله، جعل ما أنزله الله على رسوله رحمة في حقه،
وزيادة في إيمانه ودينه، ومن أضله، جعل ما أنزله على رسوله زيادة شقاء عليه وحيرة،
وظلمة في حقه، والواجب أن يتلقى ما أخبر الله به ورسوله بالتسليم، فإنه لا يعلم
جنود ربك من الملائكة وغيرهم { إلَّا هُوَ } فإذا كنتم جاهلين بجنوده، وأخبركم بها
العليم الخبير، فعليكم أن تصدقوا خبره، من غير شك ولا ارتياب، { وَمَا هِيَ إِلَّا
ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } أي: وما هذه الموعظة والتذكار مقصودا به العبث واللعب، وإنما
المقصود به أن يتذكر [به] البشر ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه.
فمن شاء منكم أن يتقدم، فيعمل بما يقربه من ربه، ويدنيه من رضاه، ويزلفه من دار
كرامته، أو يتأخر [عما خلق له و] عما يحبه الله [ويرضاه]، فيعمل بالمعاصي، ويتقرب
إلى نار جهنم، كما قال تعالى: { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ
فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } الآية.
{ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ } أي: في جنات قد حصل لهم بها
جميع مطلوباتهم، وتمت لهم الراحة والطمأنينة، حتى أقبلوا يتساءلون، فأفضت بهم
المحادثة، أن سألوا عن المجرمين، أي: حال وصلوا إليها، وهل وجدوا ما وعدهم الله
تعالى؟ فقال بعضهم لبعض: " هل أنتم مطلعون عليهم " فاطلعوا عليهم في وسط الجحيم
يعذبون .
{ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ } أي: في جنات قد حصل لهم بها
جميع مطلوباتهم، وتمت لهم الراحة والطمأنينة، حتى أقبلوا يتساءلون، فأفضت بهم
المحادثة، أن سألوا عن المجرمين، أي: حال وصلوا إليها، وهل وجدوا ما وعدهم الله
تعالى؟ فقال بعضهم لبعض: " هل أنتم مطلعون عليهم " فاطلعوا عليهم في وسط الجحيم
يعذبون .
{ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } هذا آثار الخوض بالباطل، [وهو] التكذيب
بالحق، ومن أحق الحق، يوم الدين، الذي هو محل الجزاء على الأعمال، وظهور ملك الله
وحكمه العدل لسائر الخلق.
{ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى،
وهؤلاء لا يرضى الله أعمالهم . فلما بين الله مآل المخالفين، ورهب مما يفعل بهم،
عطف على الموجودين بالعتاب واللوم.
{ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } أي: من صائد ورام يريدها، أو من أسد ونحوه، وهذا من
أعظم ما يكون من النفور عن الحق، ومع هذا الإعراض وهذا النفور، يدعون الدعاوى
الكبار.
فـ { يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً } نازلة
عليه من السماء، يزعم أنه لا ينقاد للحق إلا بذلك، وقد كذبوا، فإنهم لو جاءتهم كل
آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، فإنهم جاءتهم الآيات البينات التي تبين الحق
وتوضحه، فلو كان فيهم خير لآمنوا.
{ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ } فإن مشيئته نافذة عامة، لا يخرج
عنها حادث قليل ولا كثير، ففيها رد على القدرية، الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت
مشيئة الله، والجبرية الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة، ولا فعل حقيقة، وإنما هو
مجبور على أفعاله، فأثبت تعالى للعباد مشيئة حقيقة وفعلا، وجعل ذلك تابعا لمشيئته،
{ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } أي: هو أهل أن يتقى ويعبد، لأنه
الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وأهل أن يغفر لمن اتقاه واتبع رضاه. تم تفسير
سورة المدثر ولله الحمد .
نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer