سورة هود: قال الحافظ أبو يعلى حدثنا خلف بن هشام البزار حدثنا أبو الأحوص عن أبي
إسحاق عن عكرمة قال: قال أبو بكر سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم ما شيبك ؟ قال
{ شيبتني هود والواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت } وقال أبو عيسى الترمذي حدثنا
أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة عن
ابن عباس قال: قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت قال { شيبتني هود والواقعة والمرسلات
وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت }. وفي رواية { هود وأخواتها }. وقال الطبراني حدثنا
عبدان بن أحمد حدثنا حجاج بن الحسن حدثنا سعيد بن سلام حدثنا عمر بن محمد عن أبي
حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم { شيبتني هود وأخواتها:
الواقعة والحاقة وإذا الشمس كورت } وفي رواية { هود وأخواتها } وقد روى من حديث ابن
مسعود نحوه فقال الحافظ أبن القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في معجمه الكبير حدثنا
محمد بن عثمان بن أبي شبيب حدثنا أحمد بن طارق الرابشي حدثنا عمرو بن ثابت عن أبي
إسحاق عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن أبا بكر قال يا رسول الله ما شيبك ؟ قال
{ هود والواقعة }. عمرو بن ثابت متروك وأبو إسحاق لم يدرك ابن مسعود والله أعلم. بسم
الله الرحمن الرحيم قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم
من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسرها حكاه القرطبي في
تفسـره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وقاله عامر
الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خيثم واختاره أبو حاتم بن حبان. ومنهم من فسرها
واختلف هؤلاء في معناها فقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم إنما هي أسماء السور. قال
العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره وعليه إطباق الأكثر ونقل عن
سيبويه أنه نص عليه ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة { الم } السجدة و { هل أتى على
الإنسان } وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: الم وحم والمص وص.
فواتح افتتح الله بها القرآن وكذا وأما قوله { أحكمت آياته ثم فصلت } أي هي محكمة في
لفظها مفصلة في معناها فهو كامل صورة ومعنى ; هذا معنى ما روى عن مجاهد وقتادة
واختاره ابن جرير ومعنى قوله { من لدن حكيم خبير } أي من عند الله الحكيم في أقواله
وأحكامه خبير بعواقب الأمور.
{ ألا تعبدوا إلا الله } أي نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة الله وحده لا شريك
له كقوله تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا
فاعبدون } وقال { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقوله
{ إنني لكم منه نذير وبشير } أي إني لكم نذير من العذاب إن خالفتموه وبشير بالثواب إن
أطعتموه كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلي الله عليه وسلم صعد الصفا فدعا
بطون قريش الأقرب ثم الأقرب فاجتمعوا فقال { يا معشر قريش أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا
تصبحكم ألستم مصدقي ؟ } فقالوا ما جربنا عليك كذبا قال { فإنى نذير لكم بين يدي عذاب
شديد }.
وقوله { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي
فضل فضله } أي وآمركم بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى الله عز وجل
فيما تستقبلونه وأن تستمروا على ذلك { يمتعكم متاعا حسنا } أي في الدنيا { إلى أجل
مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله } أي في الدار الآخرة قاله قتادة كقوله { من عمل صالحا من
ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } الآية. وقد جاء في الصحيح أن رسول الله
صلي الله عليه وسلم قال لسعد { وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها
حتى ما تجعل في في امرأتك } وقال ابن جرير حدثني المسيب بن شريك عن أبي بكر عن سعيد
بن جبير عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { ويؤت كل ذي فضل فضله } قال من عمل سيئة
كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في
الدنيا بقيت له عشر حسنات وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة
وبقيت له تسع حسنات ثم يقول هلك من غلب آحاده على أعشاره وقوله { وإن تولوا فإني
أخاف عليكم عذاب يوم كبير } هذا تهديد شديد لمن تولى عن أوامر الله تعالى وكذب رسله
فإن العذاب يناله يوم القيامة لا محالة.
{ إلى الله مرجعكم } أي معادكم يوم القيامة { وهو على كل شيء قدير } أي وهو القادر على
ما يشاء من إحسانه إلى أوليائه وانتقامه من أعدائه وإعادة الخلائق يوم القيامة وهذا
مقام الترهيب كما أن الأول مقام ترغيب.
قال ابن عباس كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم وحال وقاعهم فأنزل الله هذه
الآية روى البخاري من طريق ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر أن ابن عباس قرأ ألا
إنهم تثنوني صدورهم الآية فقلت يا أبا العباس ما تثنوني صدورهم؟ قال الرجل كان
يجامع امرأته فيستحي أو يتخلى فيستحي فنزلت { ألا إنهم تثنوني صدورهم } وفي لفظ آخر
له قال ابن عباس أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا
نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم ثم قال: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا
عمرو قال قرأ ابن عباس { ألا إنهم تثنوني صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون
ثيابهم } قال البخاري: وقال غيره عن ابن عباس { يستغشون } يغطون رؤوسهم وقال ابن عباس
في رواية أخرى في تفسير هذه الآية يعني به الشك في الله وعمل السيئات وكذا روى عن
مجاهد والحسن وغيرهم أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئا أو عملوه فيظنون
أنهم يستخفون من الله بذلك فأخبرهم الله تعالى أنهم حين يستغشون ثيابهم عند منامهم
في ظلمة الليل { يعلم ما يسرون } من القول { وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور } أي يعلم
ما تكن صدورهم من النيات والضمائر والسرائر وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في
معلقته المشهورة: فلا تكتمن الله ما في قلوبكم ليخفى ومهما يكتم الله يعلم يؤخر
فيوضع في كتاب فيدخر ليوم حساب أو يعجل فينقم فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود
الصانع وعلمه بالجزئيات وبالمعاد وبالجزاء وبكتابة الأعمال في الصحف ليوم القيامة
وقال عبدالله بن شداد: كان أحدهم إذا مر برسول الله صلي الله عليه وسلم ثنى عنه
صدره وغطى رأسه فأنزل الله ذلك وعود الضمير إلى الله أولى لقوله { ألا حين يستغشون
ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون } وقرأ ابن عباس ألا إنهم تثنوني صدورهم يرفع
الصدور على الفاعلية وهو قريب المعنى.
أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها بحريها
وبريها وأنه يعلم مستقرها ومستودعها أي يعلم أبن منتهى سيرها في الأرض وأين تأوى
إليه من وكرها وهو مستودعها. وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس { ويعلم
مستقرها } أي حيث تأوى { ومستودعها } حيث تموت وعن مجاهد { مستقرها } في الرحم.
{ ومستودعها } في الصلب كالتي في الأنعام وكذا روى عن ابن عباس والضحاك وجماعة وذكر
ابن أبي حاتم أقوال المفسرين ههنا كما ذكره عند تلك الآية فالله أعلم وأن جميع ذلك
مكتوب في كتاب عند الله مبين عن جميع ذلك كقوله { وما من دابه في الأرض ولا طائر
يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون } وقوله
{ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا
يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين }.
يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وأن عرشه كان
على الماء قيل ذلك كما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن جامع بن
شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم
{ اقبلوا البشرى يا بني تميم } قالوا قد بشرتنا فأعطنا قال { اقبلوا البشري يا أهل
اليمن } قالوا قد قبلنا فأخبرنا عن أول هذا ألأمر كيف كان؟ قال { كان الله قبل كل شيء
وكان عرشه على الماء وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء }. قال: فأتاني آت فقال يا
عمران انحلت ناقتك من عقالها قال فخرجت في إثرها فلا أدري ما كان بعدي; وهذا الحديث
مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة فمنها قالوا جئناك نسألك عن أول هذا
الأمر فقال { كان الله ولم يكن شيء قبله وفي رواية - غيره- وفي رواية - معه- وكان
عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض } وفي صحيح مسلم عن
عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم { إن الله قدر
مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء }
وقال البخاري في تفسير هذه الآية: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب أخبرنا أبو الزناد
عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال { قال
الله عز وجل أنفق أنفق عليك }. وقال { يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل
والنهار } وقال { أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه
وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع }. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن
هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين واسمه
لقيط بن عامر بن المنتفق العقيلي قال: قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق
خلقه؟ قال { كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق العرش بعد ذلك }. وقد
رواه الترمذي في التفسير وابن ماجه في السنن من حديث يزيد بن هارون به وقال الترمذي
هذا حديث حسن وقال مجاهد { وكان عرشه على الماء } قبل أن يخلق شيئا وكذا قال وهب بن
منبه وضمرة وقتادة وابن جرير وغير واحد وقال قتادة في قوله { وكان عرشه على الماء }
ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض وقال الربيع بن أنس { وكان عرشه
على الماء } فلما خلق السموات والأرض قسم ذلك الماء قسمين فجعل نصفا تحت العرش وهو
البحر المسجور. وقال ابن عباس إنما سمي العرش عرشا لارتفاعه وقال إسماعيل بن أبي
خالد سمعت سعدا الطائي يقول: العرش ياقوتة حمراء وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى
{ هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء } فكان كما وصف نفسه
تعالى إذ ليس إلا الماء وعليه العرش وعلى العرش ذو الجلال والإكرام والعزة والسلطان
والملك والقدرة والحلم والعلم والرحمة والنعمة الفعال لما يريد ; وقال الأعمش عن
المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قول الله { وكان عرشه علي
الماء } على أي شيء كان الماء؟ قال على متن الريح وقوله تعالى { ليبلوكم أيكم أحسن
عملا } أي خلق السموات والأرض لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا
ولم يخلق ذلك عبثا كقوله { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين
كفروا فويل للذين كفروا من النار } وقال تعالى { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم
إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم } وقال تعالى
{ ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } الآية ; وقوله { ليبلوكم } أي ليختبركم { أيكم أحسن
عملا } ولم يقل أكثر عملا بل أحسن عملا ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عز
وجل على شريعة رسول الله فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين حبط وبطل. وقوله
{ ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت } الآية. يقول تعالى ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء
المشركين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم مع أنهم يعملون أن الله تعالى هو
الذي خلق السموات والأرض كما قال تعالى { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } { ولئن
سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله } وهم مع هذا ينكرون
البعث والمعاد يوم القيامة الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون من البداءة كما قال
تعالى { وهو الذي يبدا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } وقال تعالى { ما خلقكم ولا
بعثكم إلا كنفس واحدة } وقولهم { إن هذا إلا سحر مبين } أي يقولون كفرا وعنادا ما
نصدقك على وقوع البعث وما يذكر ذلك إلا من سحرته فهو يتبعك على ما تقول.
وقوله { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة } الآية. يقول تعالى ولئن أخرنا
العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود وأمد محصور وأوعدناهم إلى مدة
مضروبة ليقولن تكذيبا واستعجالا: ما يحبسه أي يؤخر هذا العذاب عنا فإن سجاياهم قد
ألفت التكذيب والشك فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد. والأمة تستعمل في القرآن والسنة
في معان متعددة فيراد بها الأمد كقوله في هذه الآية { إلى أمة معدودة } وقوله في يوسف
{ وقال الذي نجا منهما واذكر بعد أمة } وتستعمل في الإمام المقتدى به كقوله { إن
إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين } وتستعمل في الملة والدين
كقوله أخبارا عن المشركين إنهم قالوا { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم
مقتدون } وتستعمل في الجماعة كقوله { ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون }
وقوله { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى
{ ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون } والمراد من الأمة
ههنا الذين يبعث فيهم الرسول مؤمنهم وكافرهم كما في صحيح مسلم { والذي نفسي بيده لا
يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار } وأما أمة
الاتباع فهم المصدقون للرسل كما قال تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس } وفي الصحيح
{ فأقول أمتي أمتي } وتستعمل الأمة في الفرقة والطائقة كقوله تعالى { ومن قوم موسى أمة
يهدون بالحق وبه يعدلون } وكقوله { من أهل الكتاب أمة قائمة } الآية.
يخبر تعالى عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة إلا من رحم الله من عباده
المؤمنين أنه إذا أصابته شدة بعد نعمة حصل له يأس وقنوط من الخير بالنسبة إلى
المستقبل وكفر وجحود لماضي الحال كأنه لم ير خيرا ولم يرج بعد ذلك فرجا.
قال الله تعالى { إلا الذين صبروا } أي على الشدائد والمكاره { وعملوا الصالحات } أي في
الرخاء والعافية { أولئك لهم مغفرة } أي بما يصيبهم من الضراء { وأجر كبير } بما أسلفوه
في زمن الرخاء كما جاء في الحديث { والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن هم ولا غم ولا
نصب ولا وصب ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله عنه بها من خطاياه } وفي
الصحيحين { والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له: إن أصابته
سراء فشكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له وليس ذلك لأحد غير المؤمن }
ولهذا قال الله تعالى { والعصر إن الأنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } وقال تعالى { إن الإنسان خلق هلوعا } الآيات.
يقول تعالى مسليا لرسوله الله صلي الله عليه وسلم عما كان يتعنت به المشركون فيما
كانوا يقولونه عن الرسول كما أخبر تعالى عنهم في قوله { وقالوا ما لهذا الرسول يأكل
الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو
تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا } . فأمر الله تعالى
رسوله صلوات الله تعالى وسلامه عليه وأرشده إلى أن لا يضيق بذلك منهم صدره ولا
يصدنه ذلك ولا يثنينه عن دعائهم إلى الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار كما قال
تعالى { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون } الآية وقال ههنا { فلعلك تارك بعض ما
يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا } أي لقولهم ذلك فإنما أنت نذير ولك أسوة بإخوانك
من الرسل قبلك فإنهم كذبوا وأوذوا فصبروا حتى أتاهم نصر الله عز وجل.
ثم بين تعالى إعجاز القرآن وأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله ولا بعشر سور مثله ولا
بسورة من مثله لأن كلام الرب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين كما أن صفاته لا تشبه
صفات المحدثات. وذاته لا يشبهها شيء تعالى وتقدس وتنزه لا إله إلا هو ولا رب سواه.
ثم قال تعالى فإن { لم يستجيبوا لكم } أي فإن لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم إليه
فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك وأن هذا الكلام منزل من عند الله متضمن علمه وأمره
ونهيه { وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون }.
قال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا وذلك
أنهم لا يظلمون نقيرا يقول من عمل صالحا التماس الدنيا صوما أو صلاة أو تهجدا
بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا يقول الله تعالى: أوفيه الذي التمس في الدنيا من
المثابة وحبط عمله الذي كان يعمله لالتماس الدنيا وهو في الآخرة من الخاسرين. وهكذا
روى عن مجاهد والضحاك وغير واحد وقال أنس بن مالك والحسن:نزلت في اليهود والنصارى
وقال مجاهد وغيره: نزلت في أهل الرياء وقال قتادة من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته
جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء وأما
المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة وقد ورد في الحديث المرفوع
نحو من هذا.
وقال تعالى { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم
يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم
مشكورا كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا
بعضهم على بعض وللأخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا }. وقال تعالى { من كان يريد حرث
الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من
نصيب }.
يخبر تعالى عن حال المؤمنين الذين هم علي فطرة الله تعالى التي فطر عليها عبادة من
الاعتراف له بأنه لا إلا إلا هو كما قال تعالى { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله
التي فطر عليها } الآية وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم { كل مولود يولد علي الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد
البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ } الحديث وفي صحيح مسلم عن عياض بن
حماد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال { يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء
فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا
بي ما لم أنزل به سلطانا { وفي المسند والسنن { كل مولود يولد علي هذه الملة حتي
يعرب عنه لسانه } الحديث فالمؤمن باق علي هذه الفطرة وقوله { ويتلوه شاهد منه } أي
وجاءه شاهد من الله وهو ما أوحاه إلي الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المعظمة
المختتمة بشريعة محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين لهذا قال ابن عباس
ومجاهد وعكرمة وأبوا العالية والضحاك وإبراهيم النخعي والسدي وغير واحد في قوله
تعالى { ويتلوه شاهد منه } أنه جبريل عليه السلام وعن علي رضي الله عنه والحسن وقتادة
هو محمد صلي الله عليه وسلم وكلاهما قريب في المعني لأن كلا من جبريل ومحمد صلوات
الله عليهما بلغ رسالة الله تعالى فجبريل إلي محمد ومحمد إلي الأمة وقيل هو علّي
وهو ضعيف لا يثبت له قائل ولأول هو الحق وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة وما يشهد من
حيث الجملة والتفاصيل تؤخذ من الشريعة والفطرة تصدقها وتؤمن بها لهذا قال تعالى
{ أفمن كان علي بينة من ربه ويتلوه شاهد منه } وهو القرآن بلغه جبريل إلي النبي صلي
الله عليه وسلم وبلغه النبي محمد صلي الله عليه وسلم إلي أمته ثم قال تعالى { ومن
قبله كتاب موسي } أي ومن قبل القرآن كتاب موسي وهو التوراة { إماما ورحمة } أي أنزل
الله تعالى إلي تلك الأمة إماما لهم وقدوة يقتدون بها ورحمة من الله بهم فمن آمن
بها حق الإيمان قادة ذلك إلى الإيمان بالقرآن ولهذا قال تعالى { أولئك يؤمنون به } ثم
قال تعالى متوعدا لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه { ومن يكفر به من الأحزاب فالنار
موعده } أي ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الأرض مشركهم وكافرهم وأهل الكتاب وغيرهم
ومن سائر طوائف بني آدم علي اختلاف ألوانهم وأشكالهم وأجناسهم ممن بلغه القرآن كما
قال تعالى { لأنذركم به ومن بلغ } وقال تعالى { قل يا أيها الناس إني رسول إليكم جميعا
{ وقال تعالى { ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده } وفي صحيح مسلم من حديث شعبة عن
أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله
عليه وسلم قال { والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لا
يؤمن بي إلا دخل النار } وقال أيوب السختياني عن سعيد بن جبير قال: كنت لا أسمع
بحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم علي وجهه إلا وجدت مصداقه أو قال تصديقه في
القرآن فبلغني أن النبي صلي الله عليه وسلم قال { لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي
ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار } فجعلت أقول أين مصداقه في كتاب الله؟ وقال
وقلما سمعت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا وجدت له تصديقا في القرآن حتي وجدت
هذه الآية { ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده } قال من الملل كلها وقوله { فلا تك
في مريه منه إنه الحق من ربك } الآية أي القرآن حق من الله لا مرية ولا شك فيه قال
تعالى { ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العاليمن } وقال تعالى { ألم ذلك الكتاب لا
ريب فيه } وقوله { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } كقوله تعالي { وما أكثر الناس ولو حرصت
بمؤمنين } وقال تعالى { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } وقال تعالى
{ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين.
يبين تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة علي رءوس الخلائق من
الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان كما قال الإمام أحمد حدثنا بهز وعفان
قالا أخبرنا همام حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذا بيد ابن عمر إذا عرض
له رجل قال كيف سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في النجوي يوم القيامة ؟
قال سمعته يقول { إن الله عز وجل يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره
بذنوبه ويقول له أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه
ورأى في نفسه أنه قد هلك قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم
ثم يعطى كتاب حسناته وأما الكفار والمنافقون فيقول { الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على
ربهم ألا لعنة الله على الظالمين } الآية. أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث
قتادة.
وقوله { الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا } أي يردون الناس عن اتباع الحق
وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عز وجل ويجنبونهم الجنة { ويبغونها عوجا } أي
ويريدون أن يكون طريقهم عوجا غير معتدلة { وهم بالآخرة هم كافرون } أي جاحدون بها
مكذبون بوقوعها وكونها.
{ أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء } أي بل كانوا
تحت قهره وغلبته وفي قبضته وسلطانه وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل
الآخرة { ولكن يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار وفي الصحيحين { إن الله ليملي للظالم حتي
إذا أخذه لم يفلته } ولهذا قال تعالى { يضاعف لهم العذاب } الآية. أي يضاعف عليهم
العذاب وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا
أبصارهم ولا أفئدتهم بل كانوا صما عن سماع الحق عميا عن اتباعه كما أخبر تعالى عنهم
حين دخولهم النار كقوله { وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير } وقال
تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب } الآية ولهذا
يعذبون على كل أمر تركوه وعلى كل نهي ارتكبوه ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون
بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الآخرة.
أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا نارا حامية فهم معذبون فيما لا يفتر عنهم من عذابها
طرفة عين كما قال تعالى { كلما خبت زدناهم سعيرا } { وضل عنهم } أي ذهب عنهم { ما كانوا
يفترون } من دون الله من الأنداد والأصنام فلم تجد عنهم شيئا بل ضرتهم كل الضرر كما
قال تعالى { إذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } وقال تعالى
{ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم
ضدا } وقال الخليل لقومه { إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة
الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكن من
ناصرين } وقوله { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم
الأسباب إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم ودمارهم.
ولهذا قال { لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون } يخبر تعالى عن مآلهم أنهم أخسر
الناس صفقة في الدار الآخرة لأنهم استبدلوا الدركات عن الدرجات واعتاضوا عن نعيم
الجنان بحميم آن وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم وظل من يحموم وعن الحور العين
بطعام من غسلين وعن القصور العالية بالهاوية وعن قرب الرحمن ورؤيتة بغضب الديان
وعقوبته فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون.
لما ذكر تعالى حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات
فآمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولا وفعلا من الإتيان بالطاعات وترك
المنكرات وبهذا ورثوا الجنات المشتملة على الغرف العاليات والسرر المصفوفات والقطوف
الدانيات والفرش المرتفعات والحسان الخيرات والفواكه المتنوعات والمآكل المشتهيات
والمشارب المستلذات والنظر إلى خالق الأرض والسموات وهم في ذلك خالدون لا يموتون
ولا يهرمون ولا يمرضون ولا ينامون ولا يتغوطون ولا يبصقون ولا يتمخطون إن هو إلا
رشح مسك يعرقون ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين.
فقال { مثل الفريقين } أي الذين وصفهم أولا بالشقاء والمؤمنين بالسعادة فأولئك
كالأعمى والأصم وهؤلاء كالبصير والسميع فالكافر أعمى عن وجه الحق في الدنيا والآخرة
لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه أصم عن سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به { ولو علم الله
فيهم خيرا لأسمعهم } الآية وأما المؤمن ففطن ذكي لبيب بصير بالحق يميز بينه وبين
الباطل فيتبع الخير ويترك الشر سميع للحجة يفرق بينها وبين الشبهة فلا يروج عليه
باطل فهل يستوي هذا وهذا؟ { أفلا تذكرون } أفلا تعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء كما
قال في الآية الأخري { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون }
وكقوله { وما يستوي الأعمي والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحور وما
يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت
إلا نذير إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير }.
يخبر تعالى عن نوح عليه السلام وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض من المشركين
عبدة الأصنام أنه قال لقومه { إنى لكم نذير مبين } أي ظاهر النذارة لكم من عذاب الله
إن أنتم عبدتم غير الله.
ولهذا قال { أن لا تعبدوا إلا الله } وقوله { إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم } أي إن
استمررتم على ما أنتم عليه عذبكم الله عذابا أليما موجعا شاقا في الدار الآخرة.
فقال { الملأ الذين كفروا من قومه } والملأ هم السادة والكبراء من الكافرين منهم { ما
نراك إلا بشرا مثلنا } أي لست بملك ولكنك بشر فكيف أوحي إليك من دوننا ثم ما نراك
اتبعك إلا الذين هم أراذلنا كالباعة والحاكة وأشباههم ولم يتبعك الأشراف ولا
الرؤساء منا ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم يكن عن ترّو منهم ولا فكر ولا نظر بل بمجرد
ما دعوتهم أجابوك فاتبعوك ولهذا قالوا { وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي
الرأي } أي في أول بادئ { وما نرى لكم علينا من فضل } يقولون ما رأينا لكم علينا فضيلة
في خلق ولا خلق ولا رزق ولا حال لما دخلتم في دينكم هذا { بل نظنكم كاذبين } أي فيما
تدعونه لكم من البر والصلاح والعبادة والسعادة في الدار الآخرة إذ صرتم إليها هذا
اعتراض الكافرين على نوح عليه السلام وأتباعه وهو دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم
فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه فإن الحق في نفسه صحيح سواء اتبعه الأشراف
أو الأراذل بل الحق الذي لا شك فيه أن اتباع الحق هم الأشراف ولو كانوا فقراء
والذين يأبونه هم الأراذل ولو كانوا أغنياء ثم الواقع غالبا أن ما يتبع الحق ضعفاء
الناس. والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته كما قال تعالى { وكذلك ما أرسلنا من
قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم
مقتدون } ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي صلي الله عليه
وسلم قال له فيما قال: أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟ قال بل ضعفاؤهم. فقال هرقل
هم أتباع الرسل وقولهم { بادي الرأي } ليس بمذمة ولا عيب لأن الحق إذا وضح لا يبقى
للرأي ولا للفكر مجال بل لا بد من اتباع الحق والحالة هذه لكل ذي زكاء وذكاء بل لا
يفكر ههنا إلا غبي أو عيي والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إنما جاءوا بأمر
جلي واضح. وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال { ما دعوت أحدا
إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم } أي ما تردد ولا تروى
لأنه رأى أمرا جليا عظيما واضحا فبادر إليه وسارع. وقوله { وما نرى لكم علينا من
فضل } هم لا يرون ذلك لأنهم عمي عن الحق لا يسمعون ولا يبصرون بل هم في ريبهم
يترددون في ظلمات الجهل يعمهون وهم الأفاكون الكاذبون الأقلون الأرذلون وهم في
الآخرة هم الأخسرون.
يقول تعالى مخبرا عما رد به نوح على قومه في ذلك { أرأيتم إن كنت على بينة من ربي }
أي على يقين وأمر جلي ونبوة صادقة وهي الرحمة العظيمة من الله به وبهم { فعميت
عليكم } أي خفيت عليكم فلم تهتدوا إليها ولا عرفتم قدرها بل بادرتم إلى تكذيبها
وردها { أنلزمكموها } أي نغصبكم بقبولها وأنتم لها كارهون.
يقول لقومه لا أسألكم على نصحي لكم ما لا أجرة آخذها منكم إنما أبتغي الأجر من الله
عز وجل { وما أنا بطارد الذين آمنوا } كأنهم طلبوا منه أن يطرد المؤمنين عنه احتشاما
ونفاسة منهم أن يجلسوا معهم.
كما سأل أمثالهم خاتم الرسل صلي الله عليه وسلم أن يطرد عنهم جماعة من الضعفاء
ويجلس معهم مجلسا خاصا فأنزل الله تعالى { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة
والعشي } الآية. وقال تعالى { وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من
بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين } الآية.
ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين
تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن
الظالمينيخبرهم أنه رسول من الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له بإذن الله له
في ذلك ولا يسألهم على ذلك أجرا بل هو يدعو من لقيه من شريف ووضيع فمن استجاب له
فقد نجا ويخبرهم أنه لا قدرة له على التصرف في خزائن الله ولا يعلم من الغيب إلا ما
أطلعه الله عليه وليس هو بملك من الملائكة بل هو بشر مرسل مؤيد بالمعجزات ولا أقول
عن هؤلاء الذين تحقرونهم وتزدرونهم إنهم ليس لهم عند الله ثواب على أعمالهم الله
أعلم بما في أنفسهم فإن كانوا مؤمنين باطنا كما هو الظاهر من حالهم فلهم جزاء
الحسنى ولو قطع لهم أحد بشر بعد ما آمنوا لكان ظالما قائلا ما لا علم له به .
يقول تعالى مخبرا عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه والبلاء موكل بالمنطق.
{ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا } أي حاججتنا فأكثرت من ذلك ونحن لا نتبعك
{ فأتنا بما تعدنا } أي من النقمة والعذاب ادع علينا بما شئت فليأتنا ما تدعو به { إن
كنت من الصادقين }.
{ ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } أي أي شيء يجدي
عليكم إبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي { إن كان الله يريد أن يغويكم } أي إغواءكم
ودماركم { هو ربكم وإليه ترجعون } أي هو مالك أزمة الأمور المتصرف الحاكم العادل الذي
لا يجور له الخلق وله الأمر وهو المبدئ المعيد مالك الدنيا والآخرة.
هذا كلام معترض في وسط هذه القصة مؤكد لها مقرر لها يقول تعالى لمحمد صلي الله عليه
وسلم أم يقول هؤلاء الكافرون الجاحدون افترى هذا وافتعله من عنده { قل إن افتريته
فعلي إجرامي } أي فإثم ذلك علي { وأنا بريء مما تجرمون } أي ليس ذلك مفتعلا ولا مفترى
لأني أعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه.
يخبر تعالى أنه أوحى إلى نوح لما استعجل قومه نقمة الله بهم وعذابه لهم فدعا عليهم
نوح دعوته التي قال الله تعالى مخبرا عنه أنه قال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين
ديارا } { فدعا ربه أني مغلوب فانتصر } فعند ذلك أوحى الله إليه { أنه لا يؤمن من قومك
إلا من قد آمن } فلا تحزن عليهم ولا يهمنك أمرهم.
{ واصنع الفلك } يعني السفينة { بأعيننا } أي بمرأى منا { ووحينا } أي تعليمنا لك ما
تصنعه { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } فقال بعض السلف أمره الله تعالى أن
يغرز الخشب ويقطعه وييبسه فكان ذلك في مائة سنة ونجرها في مائة سنة أخرى وقيل في
أربعين سنة والله أعلم. وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة أن الله أمره أن يصنعها من
خشب الساج وأن يجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا وأن يطلي باطنها وظاهرها
بالقار وأن يجعل لها جؤجؤا أزورا يشق الماء وقال قتادة كان طولها ثلثمائة ذراع في
عرض خمسين وعن الحسن طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلثمائة وعنه مع ابن عباس طولها ألف
ومائتا ذراع في عرض ستمائة وقيل طولها ألفا ذراع وعرضها مائة ذراع فالله أعلم قالوا
كلهم وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعا ثلاث طبقات كل طبقة عشرة أذرع فالسفلى
للدواب والوحوش والوسطى للإنس والعليا للطيور وكان بابها في عرضها ولها غطاء من
فوقها مطبق عليها وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير أثرا غريبا من حديث علي بن زيد
بن جدعان عن يوسف بن مهران عن عبدالله بن عباس أنه قال: قال الحواريون لعيسى ابن
مريم لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها قال فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب
من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه فقال أتدرون ما هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم
قال هذا كعب حام بن نوح قال فضرب الكثيب بعصاه قال قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض
التراب عن رأسه قد شاب قال له عيسى عليه السلام أهكذا هلكت ؟ قال لا. ولكني مت وأنا
شاب ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت قال حدثنا عن سفينة نوح ؟ قال كان طولها ألف
ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحوش
وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير فلما كثر روث الدواب أوحي الله عز وجل إلى نوح
عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فلما
وقع الفأر بجوف السفينة يقرضها وحبالها أوحى الله إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب
فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفأر ; فقال له عيسى عليه السلام كيف علم
نوح أن البلاد قد غرفت ؟ قال بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا
عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت قال ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها
وطين برجليها فعلم أن البلاد قد غرقت قال فطوقها الخصرة التي في عنقها ودعا لها أن
تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت قال: فقلنا يا رسول الله ألا ننطلق به إلى
أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال: فقال له عد بإذن
الله فعاد ترابا.
وقوله { ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه } أي يهزءون به ومكذبون بما
يتوعدهم به من الغرق { قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم } الآية. وعيد شديد وتهديد
أكيد.
هذه موعدة من الله تعالى لنوح عليه السلام إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة
والهتان الذي لا يقلع ولا يفتر بل هو كما قال تعالى { ففتحنا أبواب السماء بماء
منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر
تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر } وأما قوله { وفار التنور } فعن ابن عباس التنور وجه
الأرض أي صارت الأرض عيونا تفور حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار صارت
تفور ماء وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
التنور فلق الصبح وتنوير الفجر وهو ضياؤه وإشراقه والأول أظهر وقال مجاهد والشعبي
كان هذا التنور بالكوفة وعن ابن عباس عين بالهند وعن قتادة عين بالجزيرة يقال لها
عين الوردة وهذه أقوال غريبة فحينئذ أمر الله نوحا عليه السلام أن يحمل معه في
السفينة من كل زوجين اثنين من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح قيل وغيرها من النباتات
اثنين ذكرا وأنثي فقيل كان أول من أدخل من الطيور الدرة وآخر من أدخل من الحيوانات
الحمار فتعلق إبليس بذنبه وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه فجعل
يقول له نوح عليه السلام: مالك ويحك ادخل فينهض ولا يقدر فقال ادخل وإن كان إبليس
معك فدخلا في السفينة ; وذكر بعض السلف أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد حتى
ألقيت عليه الحمى. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبدالله بن صالح كاتب الليث
حدثني الليث حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلي الله عليه
وسلم قال { لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه وكيف تطمئن المواشي
ومعها الأسد ؟ فسلط الله عليه الحمى فكانت أول حمى نزلت في الأرض ثم شكوا الفأرة
فقالوا الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحى الله إلى الأسد فعطس فخرجت الهرة
منه فتخبأت الفأرة منها }. وقوله { وأهلك إلا من سبق عليه القول } أي واحمل فيها أهلك
وهم أهل بيته وقرابته إلا من سبق عليه القول منهم ممن لم يؤمن بالله فكان منهم ابنه
يام الذي انعزل وحده وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله وقوله { ومن آمن } أي من
قومك { وما آمن معه إلا قليل } أي نزر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة
إلا خمسين عاما فعن ابن عباس كانوا ثمانين نفسا منهم نساؤهم وعن كعب الأحبار كانوا
اثنين وسبعين نفسا وقيل كانوا عشرة وقيل إنما كان نوح وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث
وكنائنه الأربع نساء هؤلاء الثلاثة وامرأة يام وقيل بل امرأة نوح كانت معهم في
السفينة وهذا فيه نظر بل الظاهر أنها هلكت لأنها كانت على دين قومها فأصابها ما
أصابهم كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قومها والله أعلم وأحكم.
يقول تعالى إخبارا عن نوح عليه السلام انه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة
{ اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها } أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء وبسم
الله يكون منتهى سيرها وهو رسّوها وقرأ أبو رجاء العطاردي { بسم الله مجريها
ومرسيها } وقال الله تعالى { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي
نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين } ولهذا
تستحب التسمية في ابتداء الأمور عند الركوب على السفينة وعلى الدابة كما قال تعالى
{ والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره
الآية وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه كما سيأتي في سورة الزخرف إن شاء الله
وبه الثقة وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا إبراهيم بن هشام البغوي حدثنا محمد بن
أبي بكر المقدمي وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا محمد بن موسى الجرثي قالا حدثنا
عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلي
الله عليه وسلم قال { أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا بسم الله
الملك { وما قدروا الله حق قدره } الآية. { بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور
رحيم } وقوله { إن ربي لغفور رحيم } مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم
أجمعين فذكر أنه غفور رحيم كقوله { إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم } وقال { وإن
ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب } إلى غير ذلك من الآيات التي
يقرن فيها بين رحمته وانتقامه.
وقوله { وهي تجري بهم في موج كالجبال } أي السفينة سائرة بهم علي وجه الماء الذي قد
طبق جميع الأرض حتى طفت على رؤوس الجبال وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعا وقيل بثمانين
ميلا وهذه السفينة جارية على وجه الماء سائرة بإذن الله وتحت كنفه وعنايته وحراسته
وامتنانه كما قال تعالى { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة
وتعيها أذن واعية } وقال تعالى { وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن
كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر } وقوله { ونادى نوح ابنه } الآية هذا هو الابن
الرابع واسمه يام وكان كافرا دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا
يغرق مثل ما يغرق الكافرون.
{ قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء } وقيل إنه اتخذ له مركبا من زجاج وهذا من
الإسرائيليات والله أعلم بصحته والذي نص عليه القرآن أنه قال { سآوي إلى جبل يعصمني
من الماء } اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال وأنه لو تعلق في رأس جبل
لنجاه ذلك من الغرق فقال لها أبوه نوح عليه السلام { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا
من رحم } أي ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله وقيل إن عاصما بمعنى معصوم كما يقال
طاعم وكاس بمعني مطعوم ومكسو { وحال بينهما الموج فكان من المغرقين }.
يخبر تعالى أنه لما أغرق أهل الأرض كلهم إلا أصحاب السفينة أمر الأرض أن تبلع ماءها
الذي نبع منها واجتمع عليها وأمر السماء أن تقلع عن المطر { وغيض الماء } أي شرع في
النقص { وقضي الأمر } أي فرغ من أهل الأرض قاطبة ممن كفر بالله لم يبق منهم ديار
{ واستوت } السفينة بمن فيها { على الجودي } قال مجاهد وهو جبل بالجزيرة تشامخت الجبال
يومئذ من الغرق وتطاولت وتواضع هو لله عز وجل فلم يغرق وأرست عليه سفينة نوح عليه
السلام وقال قتادة استوت عليه شهرا حتى نزلوا منها; قال قتادة: قد أبقى الله سفينة
نوح عليه السلام على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى رآها أوائل هذه الأمة وكم
من سفينة قد كانت بعدها فهلكت وصارت رمادا. وقال الضحاك: الجودي جبل بالموصل وقال
بعضهم هو الطور وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عمرو بن رافع حدثنا محمد بن
عبيد عن توبة بن سالم قال رأيت زر بن حبيش يصلي في الزاوية حين يدخل من أبواب كندة
على يمينك فسألته إنك لكثير الصلاة ههنا يوم الجمعة قال بلغني أن سفينة نوح أرست من
ههنا. وقال علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون
رجلا معهم أهلوهم وأنهم كانوا فيها مائة وخمسين يوما وإن الله وجه السفينة إلى مكة
فطافت بالبيت أربعين يوما ثم وجهها الله إلى الجودي فاستقرت عليه فبعث نوح الغراب
ليأتيه بخبر الأرض فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون
فلطخت رجليها بالطين فعرف نوح عليه السلام أن الماء قد نضب فهبط إلى أسفل الجودي
فابتنى قرية وسماها ثمانين فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة
إحداها اللسان العربي فكان بعضهم لا يفقه كلام بعض فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم.
وقال كعب الأحبار: إن السفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن تستقر على الجودي
وقال قتادة وغيره ركبوا في عاشر شهر رجب فساروا مائه وخمسين يوما واستقرت بهم على
الجودي شهرا وكان خروجهم من السفينة في عاشوراء من المحرم وقد ورد نحو هذا في حديث
مرفوع رواه ابن جرير وأنهم صاموا يومهم ذلك والله أعلم. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو
جعفر حدثنا عبدالصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه حبيب بن عبدالله عن شبل عن أبي هريرة
قال: مر النبي صلي الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء فقال { ما
هذا الصوم ؟ } قالوا هذا اليوم الذي نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق وغرق
فيه فرعون وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصام نوح وموسى عليهما السلام
شكرا لله عز وجل: فقال النبي صلي الله عليه وسلم { أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا
اليوم }. فصام وقال لأصحابه { من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه ومن كان أصاب من
غذاء أهله فليتم بقية يومه } وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولبعضه شاهد في الصحيح
وقوله { وقيل بعدا للقوم الظالمين } أي هلاكا وخسارا لهم وبعدا من رحمة الله فإنهم قد
هلكوا عن آخرهم فلم يبق لهم بقية وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير والحبر أبو محمد
بن أبي حاتم في تفسيريهما من حديث يعقوب بن موسى الزمعي عن قائد مولى عبيدالله بن
أبي رافع بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله
عليه وآله وسلم أخبرته أن النبي صلي الله عليه وسلم قال { لو رحم الله من قوم نوح
أحدا لرحم أم الصبي } قال رسول الله صلي الله عليه وسلم { كان نوح عليه السلام مكث في
قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يعني وغرس مائة سنة الشجر فعظمت وذهبت كل مذهب ثم
قطعها ثم جعلها سفينة ويمرون عليه ويسخرون منه ويقولون تعمل سفينة في البر فكيف
تجري ؟ قال سوف تعلمون فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك خشيت أم الصبي عليه وكانت
تحبه حبا شديدا فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت
ثلثيه فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعته
بيديها فغرقا فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي }. وهذا حديث غريب من هذا الوجه
وقد روى عن كعب الأحبار ومجاهد بن جبير قصة هذا الصبي وأمه بنحو من هذا.
هذا سؤال استعلام وكشف من نوح عليه السلام عن حال ولده الذي غرق { قال رب إن ابني من
أهلي } أي وقد وعدتني بنجاة أهلي ووعدك الحق الذي لا يخلف فكيف غرق وأنت أحكم
الحاكمين ؟.
{ قال يا نوح إنه ليس من أهلك } أي الذين وعدت إنجاءهم لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن
من أهلك ولهذا قال وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم } فكان هذا الولد ممن سبق عليه
القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوح عليه السلام وقد نص غير واحد من
الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه وإنما كان ابن زنية ويحكى
القول بأنه ليس بابنه وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد والحسن وعبيد بن عمير وأبي
جعفر الباقر وابن جريج واحتج بعضهم بقوله { إنه عمل غير صالح } وبقوله { فخانتاهما }
فممن قاله الحسن البصري احتج بهاتين الآيتين وبعضهم يقول ابن امرأته وهذا يحتمل أن
يكون أراد ما أراد الحسن أو أراد أنه نسب إليه مجازا لكونه كان ربيبا عنده فالله
أعلم. وقال ابن عباس وغير واحد من السلف ما زنت امرأة نبي قط قال: وقوله { إنه ليس
من أهلك } أي الذين وعدتك نجاتهم وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه فإن
الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله علي الذين رموا
أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي صلي الله عليه وسلم وأنكر على المؤمنين
الذين تكلموا بهذا وأشاعوه ولهذا قال تعالى { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا
تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره
منهم له عذاب عظيم - إلى قوله - إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به
علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم. وقال عبدالرزاق أخبرنا معمر عن قتادة وغيره
عن عكرمة عن أبن عباس قال: هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية قال عكرمة في بعض
الحروف إنه عمل عملا غير صالح والخيانة تكون على غير باب وقد ورد في الحديث أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ بذلك فقال الإمام أحمد. حدثنا يزيد بن هارون
حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ { إنه عمل غير صالح } وسمعته يقول { يا عبادي الذين
أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } ولا يبالي
{ إنه هو الغفور الرحيم } وقال أحمد أيضا حدثنا وكيع حدثنا هارون النحوي عن ثابت
البناني عن شهر بن حوشب عن أم سلمة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قرأها { إنه عمل
غير صالح } أعاده أحمد أيضا في مسنده أم سلمة هي أم المؤمنين والظاهر والله أعلم
أنها أسماء بنت يزيد فإنها تكنى بذلك أيضا وقال عبدالرزاق أيضا أنا الثوري عن ابن
عيينة عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قبة قال سمعت ابن عباس سئل وهو إلى جنب
الكعبة عن قول الله { فخانتاهما } قال أما إنه لم يكن بالزنا ولكن كانت هذه تخبر
الناس أنه مجنون وكانت هذه تدل على الأضياف ثم قرأ { إنه عمل غير صالح } قال ابن
عيينة وأخبرني عمار الذهبي أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال: كان ابن نوح إن الله
لا يكذب. قال تعالى { ونادى نوح ابنه } قال: وقال بعض العلماء ما فجرت امرأة نبي قط.
وكذا روى عن مجاهد أيضا وعكرما والضحاك وميمون بن مهران وثابت بن الحجاج وهو اختيار
أبي جعفر بن جرير وهو الصواب الذي لا شك فيه.
{ قال يا نوح إنه ليس من أهلك } أي الذين وعدت إنجاءهم لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن
من أهلك ولهذا قال وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم } فكان هذا الولد ممن سبق عليه
القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوح عليه السلام وقد نص غير واحد من
الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه وإنما كان ابن زنية ويحكى
القول بأنه ليس بابنه وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد والحسن وعبيد بن عمير وأبي
جعفر الباقر وابن جريج واحتج بعضهم بقوله { إنه عمل غير صالح } وبقوله { فخانتاهما }
فممن قاله الحسن البصري احتج بهاتين الآيتين وبعضهم يقول ابن امرأته وهذا يحتمل أن
يكون أراد ما أراد الحسن أو أراد أنه نسب إليه مجازا لكونه كان ربيبا عنده فالله
أعلم. وقال ابن عباس وغير واحد من السلف ما زنت امرأة نبي قط قال: وقوله { إنه ليس
من أهلك } أي الذين وعدتك نجاتهم وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه فإن
الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله علي الذين رموا
أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي صلي الله عليه وسلم وأنكر على المؤمنين
الذين تكلموا بهذا وأشاعوه ولهذا قال تعالى { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا
تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره
منهم له عذاب عظيم - إلى قوله - إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به
علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم. وقال عبدالرزاق أخبرنا معمر عن قتادة وغيره
عن عكرمة عن أبن عباس قال: هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية قال عكرمة في بعض
الحروف إنه عمل عملا غير صالح والخيانة تكون على غير باب وقد ورد في الحديث أن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ بذلك فقال الإمام أحمد. حدثنا يزيد بن هارون
حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ { إنه عمل غير صالح } وسمعته يقول { يا عبادي الذين
أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } ولا يبالي
{ إنه هو الغفور الرحيم } وقال أحمد أيضا حدثنا وكيع حدثنا هارون النحوي عن ثابت
البناني عن شهر بن حوشب عن أم سلمة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قرأها { إنه عمل
غير صالح } أعاده أحمد أيضا في مسنده أم سلمة هي أم المؤمنين والظاهر والله أعلم
أنها أسماء بنت يزيد فإنها تكنى بذلك أيضا وقال عبدالرزاق أيضا أنا الثوري عن ابن
عيينة عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قبة قال سمعت ابن عباس سئل وهو إلى جنب
الكعبة عن قول الله { فخانتاهما } قال أما إنه لم يكن بالزنا ولكن كانت هذه تخبر
الناس أنه مجنون وكانت هذه تدل على الأضياف ثم قرأ { إنه عمل غير صالح } قال ابن
عيينة وأخبرني عمار الذهبي أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال: كان ابن نوح إن الله
لا يكذب. قال تعالى { ونادى نوح ابنه } قال: وقال بعض العلماء ما فجرت امرأة نبي قط.
وكذا روى عن مجاهد أيضا وعكرما والضحاك وميمون بن مهران وثابت بن الحجاج وهو اختيار
أبي جعفر بن جرير وهو الصواب الذي لا شك فيه.
يخبر تعالى عما قيل لنوح عليه السلام حين أرست السفينة على الجودي من السلام عليه
وعلى من معه من المؤمنين وعلى كل مؤمن من ذريته إلى يوم القيامة كما قال محمد بن
كعب دخل في هذا السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة وكذلك في العذاب والمتاع كل
كافر وكافرة إلى يوم القيامة وقال محمد بن إسحاق لما أراد الله أن يكف الطوفان أرسل
ريحا على وجه الأرض فسكن الماء وانسدت ينابيع الأرض الغمر الأكبر وأبواب السماء
يقول الله تعالى { وقيل يا أرض ابلعي ماءك } الآية. فجعل الماء ينقص ويغيض ويدير وكان
استواء الفلك على الجودي فيما يزعم أهل التوراة في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت
منه في أول يوم من الشهر العاشر رأى رؤوس الجبال فلما مضى بعد ذلك أربعون يوما فتح
نوح كوة الفلك التي ركب فيها ثم أرسل الغراب لينظر له ما صنع الماء فلم يرجع إليه
فأرسل الحمامة فرجعت إليه لم تجد لرجليها موضعا فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها ثم
مضى سبعة أيام ثم أرسلها لتنظر له فرجعت حين أمست وفي فيها ورق زيتون فعلم نوح أن
الماء قد قل عن وجه الأرض ثم مكث سبعة أيام ثم أرسلها فلم ترجع فعلم نوح أن الأرض
فد برزت فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة
ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين برز وجه الأرض وظهر البر وكشف نوح غطاء
الفلك وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في ست وعشرين ليلة منه { قيل يا نوح اهبط
بسلام منا } الآية.
يقول تعالى لنبيه صلي الله عليه وسلم هذه القصة وأشباهها { من أنباء الغيب } يعني من
أخبار الغيوب السالفة نوحيها إليك على وجهها كأنك شاهدها نوحيها إليك أي نعلمك بها
وحيا منا إليك { ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا } أي لم يكن عندك ولا عند أحد
من قومك علم بها حتى يقول من يكذبك إنك تعلمتها منه بل أخبرك الله بها مطابقة لما
كان عليه الأمر الصحيح كما تشهد به كتب الأنبياء قبلك فاصبر على تكذيب من كذبك من
قومك وأذاهم لك فإنا سننصرك ونحوطك بعنايتنا ونجعل العاقبة لك ولأتبعاك في الدنيا
والآخرة كما فعلنا بالمرسلين حيث نصرناهم على أعدائهم { إنا لننصر رسلنا والذين
آمنوا } الآية. وقال تعالى { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم
المنصورون{ الآية. وقال تعالى { فاصبر إن العاقية للمتقين }.
وأخبرهم أنه لا يريد منهم أجرة على هذا النصح والبلاغ من الله إنما يبغي ثوابه من
الله الذي فطره أفلا تعقلون من يدعوكم إلي ما يصلحكم في الدنيا والآخرة من غير
أجرة.
ثم أمرهم بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة وبالتوبة عما يستقبلون ومن اتصف
بهذه الصفة يسر الله عليه رزقه وسهل عليه أمره وحفظ شأنه ولهذا قال { يرسل السماء
عليكم مدرارا } وفي الحديث { من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق
مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب }.
يخبر تعالى أنهم قالوا لنبيهم { ما جئتنا ببينة } أي بحجة وبرهان على ما تدعيه { وما
نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } أي بمجرد قولك اتركوهم نتركهم { وما نحن لك بمؤمنين }
بمصدقين.
{ إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } يقولون ما نظن إلا أن بعض الآلهة أصابك بجنون
وخبل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها { قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء
مما تشركون من دونه } يقول إني بريء من جميع الأنداد والأصنام.
وقوله { إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } أي تحت قهره
وسلطانه وهو الحاكم العادل الذي لا يجور في حكمه فإنه على صراط مستقيم قال الوليد
بن مسلم عن صفوان بن عمرو عن أيفع بن عبدالكلاعي أنه قال في قوله تعالى { ما من دابة
إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم } قال فيأخذ بنواصي عباده فيلقن المؤمن
حتى يكون له أشفق من الوالد لولده ويقول { ما غرك بربك الكريم } وقد تضمن هذا المقام
حجة بالغة ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام
التي لا تنفع ولا تضر بل هي جماد لا تسمع ولا تبصر ولا توالي ولا تعادي وإنما يستحق
إخلاص العبادة الله وحده لا شريك له الذي بيده الملك وله التصرف وما من شيء إلا تحت
ملكه وقهره وسلطانه فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
يقول لهم هود فإن تولوا عما جئتكم به من عبادة الله ربكم وحده لا شريك له فقد قامت
عليكم الحجة بإبلاغي إياكم رسالة الله التي بعثني بها { ويستخلف ربي قوما غيركم }
يعبدونه وحده لا يشركون به ولا يبالي بكم فإنكم لا تضرونه بكفركم بل يعود وبال ذلك
عليكم { إن ربي على كل شيء حفيظ } أي شاهد وحافظ لأقوال عباده وأفعالهم ويجزيهم عليها
إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
{ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم } كفروا بها وعصوا رسل الله وذلك أن من كفر بنبي فقد كفر
بجميع الأنبياء لأنه لا فرق بين أحد منهم في وجوب الإيمان به ; فعاد كفروا بهود
فنزل كفرهم منزلة من كفر بجميع الرسل { واتبعوا أمر كل جبار عنيد } تركوا اتباع
رسولهم الرشيد واتبعوا أمر كل جبار عنيد.