اسورة الأنعام قال العوفي وعكرمة وعطاء عن ابن عباس أنزلت سورة الأنعام بمكة. وقال
الطبراني: حدثنا علي بن عبدالعزيز حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة عن علي
بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: نزلت الأنعام بمكة ليلا جملة واحدة حولها
سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح وقال سفيان الثوري عن ليث عن شهر بن حوشب عن
أسماء بنت يزيد قالت: نزلت سورة الأنعام على النبي صلى الله عليه وسلم جملة وأنا
آخذة بزمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة.
وقال شريك عن ليث عن شهر عن أسماء قالت: نزلت سورة الأنعام على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو في مسير في زجل من الملائكة وقد طبقوا ما بين السماء والأرض. وقال
السدي عن مرة عن عبدالله قال: نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفا من الملائكة
وروي نحوه من وجه آخر عن ابن مسعود. وقال الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو عبدالله
محمد بن يعقوب الحافظ وأبو الفضل الحسن بن يعقوب العدل قالا: حدثنا محمد بن
عبدالوهاب العبدي أخبرنا جعفر بن عون حدثنا إسماعيل بن عبدالرحمن السدي حدثنا محمد
بن المنكدر عن جابر قال: لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال { لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق } ثم قال صحيح على شرط مسلم.
وقال أبو بكر بن مردوية: حدثنا محمد بن عمر حدثنا إبراهيم بن دستوريه الفارسي حدثنا
أبو بكر بن أحمد بن محمد بن سالم حدثنا ابن أبي فديك حدثني عمر بن طلحة الرقاشي عن
نافع بن مالك بن أبي سهيل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح
والأرض بهم ترتج } ورسول الله يقول { سبحان الله العظيم سبحان الله العظيم } ثم روى
ابن مردوية عن الطبراني عن إبراهيم بن نائلة عن إسماعيل بن عمر عن يوسف بن عطية عن
ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { نزلت علي سورة
الأنعام جملة واحدة وشيعها سبعون ألفا من الملائكة لهم زجل بالتسبيح والتحميد }.
يقول الله تعالى مادحا نفسه الكريمة وحامدا لها على خلقه السموات والأرض قرارا
لعباده. وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم فجمع لفظ الظلمات ووحد
لفظ النور لكونه أشرف كقوله تعالى { عن اليمين والشمائل } وكما قال في آخر هذه السورة
{ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ثم قال تعالى
{ ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } أي ومع هذا كله كفر به بعض عباده وجعلوا له شريكا
وعدلا واتخذوا له صاحبة وولدا تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا.
وقوله تعالى { هو الذي خلقكم من طين{ يعني أباهم آدم الذي هو أصلهم ومنه خرجوا
فانتشروا في المشارق والمغارب وقوله { ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده } قال سعيد بن جبير
عن ابن عباس { ثم قضى أجلا } يعني الموت { وأجل مسمى عنده } يعني الآخرة وهكذا روي عن
مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك وزيد بن أسلم وعطية والسدي
ومقاتل بن حيان وغيرهم وقول الحسن في رواية عنه { ثم قضى أجلا } وهو ما بين أن يخلق
إلى أن يموت { وأجل مسمى عنده } وهو ما بين أن يموت إلى أن يبعث هو يرجع إلى ما تقدم
وهو تقدير الأجل الخاص وهو عمر كل إنسان وتقدير الأجل العام وهو عمر الدنيا بكمالها
ثم انتهائها وانقضائها وزوالها وانتقالها والمصير إلى الدار الآخرة وعن ابن عباس
ومجاهد { ثم قضى أجلا } يعني مدة الدنيا { وأجل مسمى عنده } يعني عمر الإنسان إلى حين
موته وكأنه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم
بالنهار } الآية وقال عطية عن ابن عباس { ثم قضى أجلا } يعني النوم يقبض فيه الروح ثم
يرجع إلى صاحبه عند اليقظة { وأجل مسمى عنده } يعني أجل موت الإنسان وهذا قول غريب
ومعني قوله { عنده } أي لا يعلمه إلا هو كقوله { إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها
إلا هو } وكقوله { يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها }
وقوله تعالى { ثم أنتم تمترون } قال السدي وغيره: يعني تشكون في أمر الساعة.
وقوله تعالى { وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم } اختلف مفسرو هذه
الآية على أقوال بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية الأول القائلين تعالى عن قولهم
علوا كبيرا بأنه في كل مكان حيث حملوا الآية على ذلك فالأصح من الأقوال أنه المدعو
الله في السموات وفى الأرض أي يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في
الأرض ويسمونه الله ويدعونه رغبا ورهبا إلا من كفر من الجن والإنس وهذه الآية على
هذا القول كقوله تعالى { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } أي هو إله من في
السماء وإله من في الأرض وعلى هذا فيكون قوله { يعلم سركم وجهركم } خبرا أو حالا.
{ والقول الثاني } أن المراد أنه الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض من سر
وجهر فيكون قوله يعلم متعلقا بقوله { في السموات وفي الأرض } تقديره وهو الله يعلم
سركم وجهركم في السموات وفي الأرض ويعلم ما تكسبون والقول الثالث أن قوله { وهو الله
في السموات } وقف تام ثم استأنف الخبر فقال { وفي الأرض يعلم سركم وجهركم } وهذا
اختيار ابن جرير وقوله { ويعلم ما تكسبون } أي جميع أعمالكم خيرها وشرها.
يقول تعالى مخبرا عن المشركين المكذبين المعاندين أنهم كلما أتتهم آية أي دلالة
ومعجزة وحجة من الدلالات على وحدانية الله وصدق رسله الكرام فإنهم يعرضون عنها فلا
ينظرون إليها ولا يبالون بها.
وهذا تهديد لهم ووعيد شديد على تكذيبهم بالحق بأنه لا بد أن يأتيهم خبر ما هم فيه
من التكذيب وليجدن غبه وليذوقن وباله. ثم قال تعالى واعظا لهم أن يصيبهم من العذاب
والنكال الدنيوي ما حل بأشباههم ونظرائهم من القرون السالفة الذين كانوا أشد منهم
قوة وأكثر جمعا وأكثر أموالا وأولادا واستعلاء في الأرض وعمارة لها.
فقال { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم } أي من
الأموال والأولاد والأعمار والجاه العريض والسعة والجنود ولهذا قال { وأرسلنا السماء
عليهم مدرارا } أي شيئا بعد شيء { وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم } أي كثرنا عليهم
أمطار السماء وينابيع الأرض أي استدراجا وإملاء لهم { فأهلكناهم بذنوبهم } أي
بخطاياهم وسيئاتهم التي اجترموها { وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } أي فذهب الأولون
كأمس الذاهب وجعلناهم أحاديث { وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين } أي جيلا آخر لنختبرهم
فعملوا مثل أعمالهم فأهلكوا كإهلاكهم فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما
أصابهم فما أنتم بأعز على الله منهم والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم
فأنتم أولى بالعذاب ومعاجلة العقوبة منهم لولا لطفه وإحسانه.
يقول تعالى مخبرا عن المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق ومباهتتهم ومنازعتهم فيه { ولو
نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم } أي عاينوه ورأوا نزوله وباشروا ذلك لقال
{ الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين } وهذا كما قال تعالى مخبرا عن مكابرتهم للمحسوسات
{ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن
قوم مسحورون } وكقوله تعالى { وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم } .
{ وقالوا لولا أنزل عليه ملك } أي ليكون معه نذيرا قال الله تعالى { ولو أنزلنا ملكا
لقضي الأمر ثم لا ينظرون } أي لو نزلت الملائكة على ما هم عليه لجاءهم من الله
العذاب.كما قال الله تعالى { ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين }
وقوله { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين } الآية.
أي لو أنزلنا مع الرسول البشري ملكا أي لو بعثنا إلى البشر رسولا ملكيا لكان على
هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر
كما هم يلبسون علي أنفسهم في قبول رسالة البشري كقوله تعالى { قل لو كان في الأرض
ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا } فمن رحمته تعالى بخلقه
أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلا منه ليدعو بعضهم بعضا وليمكن بعضهم أن ينتفع
ببعض في المخاطبة والسؤال كما قال تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم
رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم } الآية قال الضحاك عن ابن عباس في الآية:
يقول لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة
من النور { وللبسنا عليهم ما يلبسون } أي ولخلطنا عليهم ما يخلطون وقال الوالبي عنه:
ولشبهنا عليهم.
أي فكروا في أنفسكم وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية الذين كذبوا رسله وعاندوهم
من العذاب والنكال والعقوبة في الدنيا مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم في الآخرة
وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين.
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض ومن فيهما وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة
كما ثبت في الصحيحين من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش إن
رحمتي تغلب غضبي وقوله { ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه } هذه اللام هي الموطئة
للقسم فأقسم بنفسه الكريمة ليجمعن عباده { إلى ميقات يوم معلوم } وهو يوم القيامة
الذي لا ريب فيه أي لا شك فيه عند عباده المؤمنين فأما الجاحدون المكذبون فهم في
ريبهم يترددون وقال ابن مردوية عن تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم
حدثنا عبيد الله بن أحمد بن عقبة حدثنا عباس بن محمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا محصن
بن عتبة اليماني عن الزبير بن شبيب عن عثمان بن حاضر عن ابن عباس قال: سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء قال { والذي نفسي
بيده إن فيه لماء إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ويبعث الله تعالى سبعين ألف
ملك في أيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء } هذا حديث غريب. وفي
الترمذي { إن لكل نبي حوضا وأرجو أن أكون أكثرهم واردا } وقوله { الذين خسروا
أنفسهم{ أي يوم القيامة { فهم لا يؤمنون } أي لا يصدقون بالمعاد ولا يخافون شر ذلك
اليوم.
ثم قال تعالى { وله ما سكن في الليل والنهار } أي كل دابة في السموات والأرض الجميع
عباده وخلقه وتحت قهره وتصرفه وتدبيره لا إله إلا هو { وهو السميع العليم } أي السميع
لأقوال عباده العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم ثم قال تعالى لعبده ورسوله محمد
صلى الله عليه وسلم الذي بعثه بالتوحيد العظيم وبالشرع القويم وأمره أن يدعو الناس
إلى صراط الله المستقيم.
{ قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض } كقوله { قل أفغير الله تأمروني أعبد
أيها الجاهلون } والمعنى: لا أتخذ وليا إلا الله وحده لا شريك له فإنه فاطر السموات
والأرض أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق { وهو يطعم ولا يطعم } أي وهو الرزاق
لخلقه من غير احتياج إليهم كما قال تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } الآية
وأقر بعضهم ههنا { وهو يطعم ولا يطعم } أي لا يأكل وفي حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله
عليه وسلم على طعام فانطلقنا معه فلما طعم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يديه قال
{ الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ومن علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا من الشراب وكسانا
من العري وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله غير مودع ربي ولا مكافئ ولا مكفور ولا
مستغنى عنه الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب وكسانا من العري
وهدانا من الضلال وبصرنا من العمى وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا الحمد لله رب
العالمين } { قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم } أي من هذه الأمة.
{ من يصرف عنه } أي العذاب { يومئذ فقد رحمه } يعني فقد رحمه الله { وذلك هو الفوز
المبين } كقوله { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } والفوز حصول الربح ونفي
الخسارة.
يقول تعالى مخبرا أنه مالك الضر والنفع وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء لا معقب
لحكمه ولا راد لقضائه { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو
على كل شيء قدير } كقوله تعالى { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك
فلا مرسل له من بعده } وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول { لا
مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد }.
ولهذا قال تعالى { وهو القاهر فوق عباده } أي هو الذي خضعت له الرقاب وذلت له
الجبابرة وعنت له الوجوه وقهر كل شيء ودانت له الخلائق وتواضعت لعظمة جلاله
وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته على الأشياء واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت قهره
وحكمه { وهو الحكيم{ أي في جميع أفعاله { الخبير } بمواضع الأشياء ومحالها فلا يعطي إلا
من يستحق ولا يمنع إلا من يستحق.
ثم قال { قل أي شيء أكبر شهادة } أي من أعظم الأشياء شهادة { قل الله شهيد بيني
وبينكم } أي هو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلون لي { وأوحي إلي هذا القرآن
لأنذركم به ومن بلغ } أي هو نذير لكل من بلغه كقوله تعالى { ومن يكفر به من الأحزاب
فالنار موعده } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع وأبو أسامة وأبو
خالد عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب في قوله { ومن بلغ } من بلغه القرآن فكأنما رأى
النبي صلى الله عليه وسلم زاد أبو خالد وكلمه. ورواه ابن جرير من طريق أبي معشر عن
محمد بن كعب قال: من بلغه القرآن فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم وقال عبدالرزاق
عن معمر عن قتادة في قوله تعالى { لأنذركم به ومن بلغ } أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال { بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله } وقال
الربيع بن أنس حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو كالذي دعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأن ينذر بالذي أنذر وقوله { أئنكم لتشهدون } أيها المشركون
أي { أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد } كقوله { فإن شهدوا فلا تشهد معهم } { قل إنما هو
إله واحد وإنني بريء مما تشركون }.
ثم قال تعالى مخبرا عن أهل الكتاب أنهم يعرفون هذا الذي جئتهم به كما يعرفون
أبناءهم بما عندهم من الأخبار والأنباء عن المرسلين المتقدمين والأنبياء فإن الرسل
كلهم بشروا بوجود محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفتة وبلده ومهاجره وصفة أمته
ولهذا قال بعده { الذين خسروا أنفسهم } أي خسروا كل الخسارة { فهم لا يؤمنون } بهذا
الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء ونوهت به في قديم الزمان وحديثه.
ثم قال { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته } أي لا أظلم ممن تقول على
الله فادعى أن الله أرسله ولم يكن أرسله ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله وحججه
وبراهينه ودلالاته { إنه لا يفلح الظالمون } أي لا يفلح هذا ولا هذا لا المفتري ولا
المكذب.
يقول تعالى مخبرا عن المشركين { يوم نحشرهم جميعا } يوم القيامة فيسألهم عن الأصنام
والأنداد التي كانوا يعبدونها قائلا لم { أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون } كقوله
تعالى في سورة القصص { ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون }.
وقوله تعالى { ثم لم تكن فتنتهم } أي حجتهم إلا أن قالوا { والله ربنا ما كنا مشركين }
قال الضحاك عن ابن عباس { ثم لم تكن فتنتهم } أي حجتهم. وقال عطاء الخراساني عنه أي
معذرتهم. وكذا قال قتادة وقال ابن جريج عن ابن عباس أي قيلهم وكذا قال الضحاك وقال
عطاء الخراساني { ثم لم تكن فتنتهم } بليتهم حين ابتلوا { إلا أن قالوا والله ربنا ما
كنا مشركين } وقال ابن جرير: والصواب ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم اعتذارا عما
سلف منهم الشرك بالله { إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } وقال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو يحيى الرازي عن عمرو بن أبي قيس عن مطرف عن المنهال
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال يا ابن عباس سمعت الله يقول { والله
ربنا ما كنا مشركين } قال: أما قوله { والله ربنا ما كنا مشركين } فإنهم رأوا أنه لا
يدخل الجنة إلا أهل الصلاة فقالوا تعالوا فلنجحد فيجحدون فيختم الله على أفواههم
وتشهد أيديهم وأرجلهم ولا يكتمون الله حديثا فهل في قلبك الآن شيء؟ إنه ليس من
القرآن شيء إلا ونزل فيه شيء ولكن لا تعلمون وجهه. وقال الضحاك عن ابن عباس: هذه في
المنافقين وفيه نظر فإن هذه الآية مكية والمنافقون إنما كانوا بالمدينة والتي نزلت
في المنافقين آية المجادلة { يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له{ الآية.
وقوله { ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن
يروا كل آية لا يؤمنوا بها } أي يجيئون ليستمعوا قراءتك ولا تجزي عنهم شيئا لأن الله
{ جعل على قلوبهم أكنة } أي أغطية لئلا يفقهوا القرآن { وفي آذانهم وقرا } أي صما عن
السماع النافع لهم كما قال تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا
دعاء ونداء الآية. وقوله { وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها } أي مهما رأوا من الآيات
والدلالات والحجج البينات والبراهين لا يؤمنوا بها فلا فهم عندهم ولا إنصاف كقوله
تعالى { ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم } الآية وقوله تعالى { حتى إذا جاءوك
يجادلونك } أي يحاجونك ويناظرونك في الحق بالباطل { يقول الذين كفروا إن هذا إلا
أساطير الأولين } أي ما هذا الذي جئت به إلا مأخوذ من كتب الأوائل ومنقول عنهم.
وقوله { وهم ينهون عنه وينأون عنه } في معنى ينهون عنه قولان { أحدهما } أن المراد أنهم
ينهون الناس عن اتباع الحق وتصديق الرسول والانقياد للقرآن { وينأون عنه } أي
ويبعدونهم عنه فيجمعون بين الفعلين القبيحين لا ينتفعون ولا يدعون أحدا ينتفع قال
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { وهم ينهون عنه } يردون الناس عن محمد صلى الله عليه
وسلم أن يؤمنوا به. وقال محمد بن الحنفية: كان كفار قريش لا يأتون النبي صلى الله
عليه وسلم وينهون عنه وكذا قال قتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد وهذا القول أظهر
والله أعلم وهو اختيار ابن جرير. { والقول الثاني } رواه سفيان الثوري عن حبيب بن أبي
ثابت عمن سمع ابن عباس يقول في قوله { وهم ينهون عنه } قال: نزلت في أبي طالب كان
ينهى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذى. وكذا قال القاسم بن مخيمرة وحبيب
بن أبي ثابت وعطاء بن دينار وغيره أنها نزلت في أبي طالب. وقال سعيد بن أبي هلال:
نزلت في عمومة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا عشرة فكانوا أشد الناس معه في
العلانية وأشد الناس عليه في السر رواه ابن أبي حاتم وقال محمد بن كعب القرظي { وهم
ينهون } عنه أي ينهون الناس عن قتله وقوله { وينأون عنه } أي يتباعدون منه { وإن يهلكون
إلا أنفسهم وما يشعرون } أي وما يهلكون بهذا الصنيع ولا يعود وباله إلا عليهم وهم لا
يشعرون.
يذكر تعالى حال الكفار إذا وقفوا يوم القيامة على النار وشاهدوا ما فيها من السلاسل
والأغلال ورأوا بأعينهم تلك الأمور العظام والأهوال فعند ذلك قالوا { يا ليتنا نرد
ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين } يتمنون أن يردوا إلى الدار الدنيا ليعملوا
عملا صالحا ولا يكذبوا بآيات ربهم ويكونوا من المؤمنين.
قال الله تعالى { بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } أي بل ظهر لهم حينئذ ما كانوا
يخفون في أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة وإن أنكروها في الدنيا أو في الآخرة
كما قال قبله بيسير { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر
كيف كذبوا على أنفسهم } ويحتمل أنهم ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما
جاءتهم به الرسل في الدنيا وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه كقوله مخبرا عن موسى
أنه قال لفرعون { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر } الآية وقوله
تعالى مخبرا عن فرعون وقومه { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } ويحتمل أن
يكون المراد بهؤلاء المنافقين الذين كانوا يظهرون الإيمان للناس ويبطنون الكفر
ويكون هذا إخبارا عما يكون يوم القيامة من كلام طائفة من الكفار ولا ينافي هذا كون
هذه السورة مكية والنفاق إنما كان من بعض أهل المدينة ومن حولها من الأعراب فقد ذكر
الله وقوع النفاق في سورة مكية وهي العنكبوت فقال { وليعلمن الله الذين آمنوا
وليعلمن المنافقين } وعلى هذا فيكون إخبارا عن قول المنافقين في الدار الآخرة حين
يعاينون العذاب فظهر لهم حينئذ غب ما كانوا يبطنون من الكفر والنفاق والشقاق والله
أعلم وأما معنى الإضراب في قوله { بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } فإنهم ما طلبوا
العود إلى الدنيا رغبة ومحبة في الإيمان بل خوفا من العذاب الذي عاينوه جزاء ما
كانوا عليه من الكفر فسألوا الرجعة إلى الدنيا ليتخلصوا مما شاهدوا من النار ولهذا
قال { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون } أي في طلبهم الرجعة رغبة ومحبة
في الإيمان ثم قال مخبرا عنهم أنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه
من الكفر والمخالفة { وإنهم لكاذبون } إي في قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا
ونكون من المؤمنين.
ثم قال مخبرا عنهم أنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر
والمخالفة { وإنهم لكاذبون } إي في قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من
المؤمنين أي لعادوا لما نهوا عنه ولقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا أي ما هي إلا هذه
الحياة الدنيا لا معاد بعدها ولهذا قال { وما نحن بمبعوثين }.
ثم قال { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم } أي أوقفوا بين يديه قال { أليس هذا بالحق } أي
أليس هذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تظنون { قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب
بما كنتم تكفرون } أي بما كنتم تكذبون به فذوقوا اليوم مسه { أفسحر هذا أم أنتم لا
تبصرون }.
يقول تعالى مخبرا عن خسارة من كذب بلقائه وعن خيبته إذا جاءته الساعة بغتة وعن
ندامته على ما فرط من العمل وما أسلف من قبح الفعل ولهذا قال { حتى إذا جاءتهم
الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها } وهذا الضمير يحتمل عوده على الحياة
وعلى الأعمال وعلى الدار الآخرة أي في أمرها وقوله { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم
ألا ساء ما يزرون } أي يحملون وقال قتادة يعملون وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد
الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي مرزوق قال: يستقبل الكافر أو
الفاجر عند خروجه من قبره كأقبح صورة رأيتها وأنتنه ريحا فيقول من أنت فيقول أو ما
تعرفني فيقول لا والله إلا إن الله قبح وجهك وأنتن ريحك فيقول أنا عملك الخبيث هكذا
كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه فطالما ركبتني في الدنيا هلم أركبك فهو قوله { وهم
يحملون أوزارهم على ظهورهم } الآية وقال أسباط عن السدي أنه قال: ليس من رجل ظالم
يدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح وعليه ثياب دنسة حتى يدخل
معه قبره فإذا رآه قال: ما أقبح وجهك قال كذلك كان عملك قبيحا قال ما أنتن ريحك قال
كذلك كان عملك منتنا قال ما أدنس ثيابك قال فيقول إن عملك كان دنسا قال له من أنت ؟
قال عملك قال فيكون معه في قبره فإذا بعث يوم القيامة قال له: إني كنت أحملك في
الدنيا باللذات والشهوات وأنت اليوم تحملني قال فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله
النار; فذلك قوله { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون }.
يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه { قد
نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } أي قد أحطنا علما بتكذيبهم ولك وحزنك وتأسفك عليهم
كقوله { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } كما قال تعالى في الآية الأخرى { لعلك باخع نفسك
أن لا يكونوا مؤمنين } { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا }
وقوله { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } أي لا يتهمونك بالكذب في
نفس الأمر { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } أي ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه
بصدورهم كما قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال: قال أبو
جهل للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل
الله { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } رواه الحاكم من طريق
إسرائيل عن أبي إسحاق. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال ابن أبي
حاتم: حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة حدثنا بشر بن المبشر الواسطي عن سلام بن
مسكين عن أبي يزيد المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فصافحه قال له
رجل ألا أراك تصافح هذا الصابئ؟ فقال والله إني لأعلم إنه لنبي ولكن متى كنا لبني
عبد مناف تبعا؟ وتلا أبو يزيد { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون }
وقال أبو صالح وقتادة: يعلمون أنك رسول الله و يجحدون; وذكر محمد بن إسحاق عن
الزهري في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل هو
وأبو سفيان صخر بن حرب والأخنس بن شريق ولا يشعر أحد منهم بالآخر فاستمعوها إلى
الصباح فلما هجم الصبح تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال كل منهم للآخر ما جاء بك ؟ فذكر
له ما جاء به ثم تعاهدوا أن لا يعودوا لما يخافون من علم شباب قريش بهم لئلا
يفتتنوا بمجيئهم فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظنا أن صاحبيه لا يجيئان لما
سبق من العهود فلما أصبحوا جمعتهم الطريق فتلاوموا ثم تعاهدوا أن لا يعودوا فلما
كانت الليلة الثالثة جاءوا أيضا فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودوا لمثلها ثم تفرقوا
فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته فقال:
أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد قال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت
أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال
الأخنس: وأنا والذي حلفت به ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه في بيته فقال
يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال ماذا سمعت؟ قال تنازعنا نحن وبنو عبد
مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب
وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه؟ والله لا
نؤمن به أبدا ولا نصدقه قال فقام عنه الأخنس وتركه. وروى ابن جرير من طريق أسباط عن
السدي في قوله { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين
بآيات الله يجحدون } لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة إن
محمدا ابن أختكم فأنتم أحق من ذب عن ابن أخته فإنه إن كان نبيا لم تقاتلوه اليوم
وإن كان كاذبا كنتم أحق من كف عن ابن أخته قفوا حتى ألقى أبا الحكم فإن غلب محمد
رجعتم سالمين وإن غلب محمد فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئا - فيومئذ سمى الأخنس وكان
اسمه أبي - فالتقى الأخنس بأبي جهل فخلا به فقال يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق
هو أم كاذب فإنه ليس ههنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا؟ فقال أبو جهل ويحك
والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية
والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ؟ فذلك قوله { فإنهم لا يكذبونك ولكن
الظالمين بآيات الله يجحدون } فآيات الله محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا } هذه
تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له فيمن كذبه من قومه وأمر له بالصبر كما
صبر أولو العزم من الرسل ووعد له بالنصر كما نصروا وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة
بعدما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ ثم جاءهم النصر في الدنيا كما لهم
النصر في الآخرة ولهذا قال { ولا مبدل لكلمات الله } أي التي كتبها بالنصر في الدنيا
والآخرة لعباده المؤمنين كما قال { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم
المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون } وقال تعالى { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله
قوي عزيز } وقوله { ولقد جاءك من نبأ المرسلين } أي من خبرهم كيف نصروا وأيدوا على من
كذبهم من قومهم فلك فيهم أسوة وبهم قدوة.
ثم قال تعالى { وإن كان كبر عليك إعراضهم } أي إن كان شق عليك إعراضهم عنك { فإن
استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء } قال علي بن أبي طلحة عن ابن
عباس: النفق السرب فتذهب فيه فتأتيهم بآية أو تجعل لك سلما في السماء فتصعد فيه
فتأتيهم بآية أفضل مما أتيتهم به فافعل وكذا قال قتادة والسدي وغيرهما; وقوله { ولو
شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين } كقوله تعالى { ولو شاء ربك لآمن
من في الأرض كلهم جميعا } الآية قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { ولو شاء
الله لجمعهم على الهدى } قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن جميع
الناس ويتابعوه على الهدى فأخبر الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة
في الذكر الأول.
وقوله تعالى { إنما يستجيب الذين يسمعون } أي إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع
الكلام ويعيه ويفهمه كقوله { لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين } وقوله
{ والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون } يعني بذلك الكفار لأنهم موتى القلوب فشبههم
الله بأموات الأجساد فقال { والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون } وهذا من باب التهكم
بهم والازدراء عليهم.
يقول تعالى مخبرا عن المشركين أنهم كانوا يقولون لولا نزل عليه آية من ربه أي خارق
على مقتضى ما كانوا يريدون ومما يتعنتون كقولهم { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض
ينبوعا } الآيات { قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون } أي هو
تعالى قادر على ذلك ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك لأنه لو أنزل وفق ما طلبوا ثم
لم يؤمنوا لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السالفة كما قال تعالى { وما منعنا أن
نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل
بالآيات إلا تخويفا } وقال تعالى { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها
خاضعين }.
وقوله { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } قال مجاهد: أى
أصناف مصنفة تعرف بأسمائها. وقال قتادة الطير أمة والإنس أمة والجن أمة وقال السدي
{ إلا أمم أمثالكم } أي خلق أمثالكم. وقوله { ما فرطنا في الكتاب من شيء } أي الجميع
علمهم عند الله ولا ينسى واحدا من جميعها من رزقه وتدبيره سواء كان بريا أو بحريا
كقوله { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في
كتاب مبين } أي مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها وحاصر لحركاتها وسكناتها وقال تعالى
{ وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم } وقد قال
الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد حدثني
محمد بن عيسى بن كيسان حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله قال: قل الجراد في
سنة من سني عمر رضي الله عنه التي ولي فيها فسأل عنه فلم يخبر بشيء فاغتم لذلك
فأرسل راكبا إلى كذا وآخر إلى الشام وآخر إلى العراق يسأل هل رؤي من الجراد شيء أم
لا؟ قال فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد فألقاها بين يديه فلما رآها
كبر ثلاثا ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { خلق الله عز وجل ألف
أمة منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد
فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه }. وقوله { ثم إلى ربهم يحشرون } قال ابن
أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبيه عن عكرمة عن
ابن عباس في قوله { ثم إلى ربهم يحشرون } قال حشرها الموت وكذا رواه ابن جرير من طريق
إسرائيل عن سعيد بن مسروق عن عكرمة عن ابن عباس قال: موت البهائم حشرها وكذا رواه
العوفي عنه. قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والضحاك مثله. { والقول الثاني } أن
حشرها بعثها يوم القيامة لقوله { وإذا الوحوش حشرت } وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن
جعفر حدثنا شعبة عن سليمان عن منذر الثوري عن أشياخ لهم عن أبي ذر أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان فقال { يا أبا ذر هل تدري فيم تنتطحان ؟ } قال لا
قال لكن الله يدري وسيقضي بينهما ورواه عبدالرزاق عن معمر عن الأعمش عمن ذكره عن
أبي ذر قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انتطحت عنزان فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أتدرون فيم انتطحتا؟ قالوا لا ندري قال { لكن الله يدري
وسيقضي بينهما } رواه ابن جرير ثم رواه من طريق منذر الثوري عن أبي ذر فذكره وزاد
قال أ بو ذر ولقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في
السماء إلا ذكر لنا منه علما وقال عبدالله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه حدثني عباس
بن محمد وأبو يحيى البزار قالا: حدثنا حجاج بن نصير حدثنا شعبة عن العوام بن مزاحم
من بني قيس بن ثعلبة عن أبي عثمان النهدي عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال { إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة } وقال عبدالرزاق: أخبرنا
معمر عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة في قوله { إلا أمم أمثالكم ما
فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة
البهائم والدواب والطير وكل شيء فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء
ثم يقول: كوني ترابا فلذلك يقول الكافر { يا ليتني كنت ترابا } وقد روي هذا مرفوعا في
حديث الصور.
وقوله { والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات } أي مثلهم في جهلهم وقلة علمهم
وعدم فهمهم كمثل أصم وهو الذي لا يسمع أبكم وهو الذي لا يتكلم وهو مع هذا في ظلمات
لا يبصر فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق أو يخرج مما هو فيه كقوله { مثلهم كمثل الذي
استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم
عمي فهم لا يرجعون } وكما قال تعالى { أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من
فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا
فما له من نور } ولهذا قال { من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم } أي هو
المتصرف في خلقه بما يشاء.
يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد المتصرف في خلقه بما يشاء وأنه لا معقب لحكمه ولا
يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه بل هو وحده لا شريك له الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء
ولهذا قال { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة } أي أتاكم هذا أو هذا
{ أغير الله تدعون إن كنتم صادقين } أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع
ذلك سواه ولهذا قال { إن كنتم صادقين } أي في اتخاذكم آلهة معه.
{ بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون } أي في وقت الضرورة لا
تدعون أحدا سواه وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم كقوله { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من
تدعون إلا إياه } الآية.
وقوله { ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء } يعني الفقر والضيق في العيش
{ والضراء } وهي الأمراض والأسقام والآلام { لعلهم يتضرعون } أي يدعون الله ويتضرعون
إليه ويخشعون.
قال الله تعالى { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا
إلينا وتمسكنوا لدينا { ولكن قست قلوبهم } أي ما رقت ولا خشعت { وزين لهم الشيطان ما
كانو يعملون } أي من الشرك والمعاندة والمعاصي { فلما نسوا ما ذكروا به } أي أعرضوا
عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } أي فتحنا عليهم أبواب
الرزق من كل ما يختارون وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم عياذا بالله من مكروه
ولهذا قال { حتى إذا فرحوا بما أوتوا } من الأموال والأولاد والأرزاق { أخذناهم بغتة }
أي على غفلة { فإذا هم مبلسون } أي آيسون من كل خير قال الوالبي عن ابن عباس المبلس
الآيس. وقال الحسن البصري من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له ومن قتر
عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له.
ثم قرأ { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا
أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } قال مكر بالقوم ورب الكعبة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا
رواه ابن أبي حاتم وقال قتادة: بغت القوم أمر الله وما أخذ الله قوما قط إلا عند
سكرتهم وغرتهم ونعمتهم فلا تغتروا بالله فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون
رواه ابن أبي حاتم أيضا. وقال مالك عن الزهري { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } قال أرجاء
الدنيا وسترها. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا رشدين - يعني ابن
سعد أبا الحجاج المهري - عن حرملة بن عمران التجيبي عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن
عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على
معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فلما نسوا ما
ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم
مبلسون } ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حرملة وابن لهيعة عن عقبة بن مسلم عن
عقبة بن عامر به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا هشام بن عمار حدثنا عراك بن خالد بن
يزيد حدثني أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يقول { إذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف وإذا
أراد الله بقوم اقتطاعا فتح لهم أو فتح عليهم باب خيانة } { حتى إذا فرحوا بما أوتوا
أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون }.كما قال { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب
العالمين } ورواه أحمد وغيره.
يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين { أرأيتم
إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم } أي سلبكم إياها كما أعطاكموها كما قال تعالى { هو الذي
أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار } الآية ويحتمل أن يكون هذا عبارة عن منع الانتفاع
بهما الانتفاع الشرعي ولهذا قال { وختم على قلوبكم } كما قال { أمن يملك السمع
والأبصار } وقال { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } وقوله { من إله غير الله
يأتيكم به } أي هل أحد غير الله يقدر على رد ذلك إليكم إذا سلبه الله منكم لا يقدر
على ذلك أحد سواه ولهذا قال { انظر كيف نصرف الآيات } أي نبينها ونوضحها ونفسرها دالة
على أنه لا إله إلا الله وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلال ثم هم يصدفون أي ثم هم
مع هذا البيان يصدفون أي يعرضون عن الحق ويصدون الناس عن اتباعه. قال العوفي عن ابن
عباس: يصدفون أي يعدلون. وقال مجاهد وقتادة: يعرضون. وقال السدي: يصدون.
وقوله تعالى { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة } أي وأنتم لا تشعرون به حتى بغتكم
وفجأكم { أو جهرة } أي ظاهرا عيانا { هل يهلك إلا القوم الظالمون } أي إنما كان يحيط
بالظالمين أنفسهم بالشرك بالله وينجو الذين كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له فلا
خوف عليهم ولا هم يحزنون كقوله { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } الآية.
وقوله { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين } أي مبشرين عباد الله المؤمنين
بالخيرات ومنذرين من كفر بالله النقمات والعقوبات ولهذا قال { فمن آمن وأصلح } أي فمن
آمن قلبه بما جاءوا به وصلح عمله باتباعه إياهم { فلا خوف عليهم } أي بالنسبة لما
يستقبلونه { ولا هم يحزنون } أي بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر
الدنيا وصنيعها الله وليهم فيما خلفوه وحافظهم فيما تركوه.
ثم قال { والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون } أي ينالهم العذاب بما
كفروا بما جاءت به الرسل وخرجوا عن أوامر الله وطاعته وارتكبوا من مناهيه ومحارمه
وانتهاك حرماته.
يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله } أي
لست أملكها ولا أتصرف فيها { ولا أعلم الغيب } أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب إنما
ذاك من علم الله عز وجل ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه ولا أقول لكم إني ملك
أي ولا أدعي أني ملك إنما أنا بشر من البشر يوحى إلي من الله عز وجل شرفني بذلك
وأنعم علي به ولهذا قال { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } أي لست أخرج عنه قيد شبر ولا
أدنى منه { قل هل يستوي الأعمى والبصير } أي هل يستوي من اتبع الحق وهدى إليه ومن ضل
عنه فلم ينقد له { أفلا تتفكرون } وهذه كقوله تعالى { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك
الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب }.
وقوله { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } أي
وأنذر بهذا القرآن يا محمد { الذين هم من خشية ربهم مشفقون الذين يخشون ربهم ويخافون
سوء الحساب } { الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } أي يوم القيامة { ليس لهم } أي يومئذ
{ من دونه ولي ولا شفيع } أي لا قريب لهم ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم { لعلهم
يتقون } أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا الله عز وجل { لعلهم يتقون } فيعملون
في هذه الدار عملا ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه ويضاعف لهم به الجزيل من
ثوابه.
وقوله تعالى { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه{ أي لا تبعد
هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك كقوله { واصبر نفسك مع
الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة
الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا } وقوله { يدعون
ربهم } أي يعبدونه ويسألونه { بالغداة والعشي } قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن
وقتادة المراد به الصلاة المكتوبة وهذا كقوله { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } أي
أتقبل منكم وقوله { يريدون وجهه } أي يريدون بذلك العمل وجه الله الكريم وهم مخلصون
فيما هم فيه من العبادات والطاعات وقوله { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك
عليهم من شيء } كقول نوح عليه السلام في جواب الذين { قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون
قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون } أي إنما حسابهم
على الله عز وجل وليس علي من حسابهم من شيء كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء
وقوله { فتطردهم فتكون من الظالمين } أي إن فعلت هذا والحالة هذه قال الإمام أحمد:
حدثنا أسباط هو ابن محمد حدثني أشعث عن كردوس عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار فقالوا: يا
محمد أرضيت بهؤلاء ؟ فنزل فيهم القرآن { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم }
إلى قوله { أليس الله بأعلم بالشاكرين } ورواه ابن جرير من طريق أشعث عن كردوس عن ابن
مسعود قال: مر الملأ من قريش برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده صهيب وبلال
وعمار وخباب وغيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك ؟
أهؤلاء الذين من الله عليهم من بينا؟ أنحن نصير تبعا لهؤلاء ؟ اطردهم فلعلك إن
طردتهم أن نتبعك فنزلت هذه الآية { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون
وجهه - وكذلك فتنا بعضهم ببعض } إلى آخر الآية وقال ابن أبي حاتم: حدثنا ابن سعيد بن
يحيى بن سعيد القطان حدثنا عمرو بن محمد العنقزي حدثنا أسباط بن نصر عن السدي عن
أبي سعيد الأزدي - وكان قارئ الأزد - عن أبي الكنود عن خباب في قول الله عز وجل { لا
تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن
حصن الفزاري فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدا
في ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم في
نفر في أصحابه فأتوه فخلوا به وقالوا إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به
العرب فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فإذا نحن
جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال { نعم } قالوا فاكتب لنا عليك
كتابا قال فدعا بصحيفة ودعا عليا ليكتب ونحن قعود في ناحية فنزل جبريل فقال { ولا
تطرد الذين يدعون ربهم } الآية فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة من يده
ثم دعانا فأتيناه ورواه ابن جرير من حديث أسباط به وهذا حديث غريب فإن هذه الآية
مكية والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر وقال سفيان الثوري عن
المقدام بن شريح عن أبيه قال: قال سعد نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم منهم ابن مسعود قال كنا نستبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وندنو منه ونسمع منه فقالت قريش: تدني هؤلاء دوننا فنزلت { ولا تطرد الذين يدعون
ربهم بالغداة والعشي } رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان وقال على شرط الشيخين
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقدام بن شريح به.
وقوله { وكذلك فتنا بعضهم ببعض } أي ابتلينا واختبرنا وامتحنا بعضهم ببعض { ليقولوا
أهؤلاء من الله عليهم من بيننا } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غالب من
اتبعه في أول بعثته ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء ولم يتبعه من
الأشراف إلا قليل كما قال قوم نوح لنوح { وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي
الرأي } الآية وكما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان حين سأله عن تلك المسائل فقال له:
فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقال: بل ضعفاؤهم. فقال هم أتباع الرسل. والغرض
أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم ويعذبون من يقدرون عليه منهم وكانوا
يقولون أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ؟ أي ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير لو
كان ما صاروا إليه خيرا ويدعنا كقولهم { لو كان خيرا ما سبقونا إليه } وكقوله تعالى
{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما
وأحسن نديا } قال الله تعالى في جواب ذلك { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا
ورئيا } وقال في جوابهم حين قالوا { أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم
بالشاكرين } أي أليس هو أعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم فيوفقهم
ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم
كما قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين { وفي
الحديث الصحيح إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم
وأعمالكم } وقال ابن جرير: حدثنا القاسم حدثنا الحسين عن حجاج عن ابن جريج عن عكرمة
في قوله { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } الآية قال: جاء عتبة بن ربيعة
وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحارث بن نوفل وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل في أشراف
من بني عبد مناف من أهل الكفر إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب لو أن ابن أخيك
محمدا يطرد عنه موالينا وحلفاءنا فإنما هم عبيدنا وعتقاؤنا كان أعظم في صدورنا
وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له قال فأتى أبو طالب النبي صلى الله
عليه وسلم فحدثه بذلك فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو فعلت ذلك حتى تنظر ما
الذي يريدون وإلى ما يصيرون من قولهم فأنزل الله عز وجل هذه الآية { وأنذر به الذين
يخافون أن يحشروا إلى ربهم } إلى قوله { أليس الله بأعلم بالشاكرين } قال: وكانوا
بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى أبي حذيفة وصبيحا مولى أسيد ومن الحلفاء ابن مسعود
والمقداد بن عمرو ومسعود بن القارئ وواقد بن عبدالله الحنظلي وعمرو بن عبد عمرو وذو
الشمالين ومرثد بن أبي مرثد وأبو مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبدالمطلب وأشباههم من
الحلفاء فنزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء { وكذلك فتنا بعضهم ببعض
ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا } الآية فلما نزلت أقبل عمر رضي الله عنه
فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر من مقالته;.
فأنزل الله عز وجل { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا } الآية وقوله { وإذا جاءك الذين
يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم } أي فأكرمهم برد السلام عليهم وبشرهم برحمة الله
الواسعة الشاملة لهم ولهذا قال { كتب ربكم على نفسه الرحمة } أي أوجبها على نفسه
الكريمة تفضلا منه وإحسانا وامتنانا { أنه من عمل منكم سوءا بجهالة } قال بعض السلف
كل من عصى الله فهو جاهل وقال معتمر بن سليمان عن الحكم عن أبان عن عكرمة في قوله
{ من عمل منكم سوءا بجهالة } قال الدنيا كلها جهالة رواه ابن أبي حاتم { ثم تاب من
بعده وأصلح } أي رجع عما كان عليه من المعاصي وأقلع وعزم على أن لا يعود وأصلح العمل
في المستقبل { فأنه غفور رحيم } قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن همام
بن منبه قال هذا ما حدثنا به أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لما
قضى الله على الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي } أخرجاه في
الصحيحين وهكذا رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ورواه موسى عن عقبة عن الأعرج
عن أبي هريرة وكذا رواه الليث وغيره عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقد روى ابن مردوية من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا فرغ الله من القضاء بين
الخلق أخرج كتابا من تحت العرش إن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين فيقبض قبضة
أو قبضتين فيخرج من النار خلقا لم يعملوا خيرا مكتوب بين أعينهم عتقاء الله } وقال
عبدالرزاق: أخبرنا معمر عن عاصم بن سليمان عن أبي عثمان النهدي عن سليمان في قوله
كتب ربكم على نفسه الرحمة قال: إنا نجد في التوراة عطفتين إن الله خلق السموات
والأرض وخلق مائة رحمة أو جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق ثم خلق الخلق فوضع بينهم
رحمة واحدة وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة قال فيها يتراحمون وبها يتعاطفون وبها
يتباذلون وبها يتزاورون وبها تحن الناقة وبها تبح البقرة وبها تثغو الشاة وبها
تتتابع الطير وبها تتتابع الحيتان في البحر فإذا كان يوم القيامة جمع الله تلك
الرحمة إلى ما عنده ورحمته أفضل وأوسع وقد روي هذا مرفوعا من وجه آخر وسيأتي كثير
من الأحاديث الموافقة لهذه عند قوله { ورحمتي وسعت كل شيء } ومما يناسب هذه الآية من
الأحاديث أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل { أتدري ما حق الله على العباد؟
أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا } ثم قال { أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا
ذلك ؟ أن لا يعذبهم } وقد رواه الإمام أحمد من طريق كميل بن زياد عن أبي هريرة رضي
الله عنه.
يقول تعالى وكما بينا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل على طريق الهداية والرشاد
وذم المجادلة والعناد { كذلك نفصل الآيات } أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها
{ ولتستبين سبيل المجرمين } أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل وقرئ { ولتستبين
سبيل المجرمين } أي ولتستبين يا محمد أو يا مخاطب سبيل المجرمين.
وقوله { قل إني على بينة من ربي } أي على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إلي
{ وكذبتم به } أي بالحق الذي جاءني من الله { ما عندي ما تستعجلون به } أي من العذاب
{ إن الحكم إلا لله } أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله إن شاء عجل لكم ما سألتموه من
ذلك وإن شاء أنظركم وأجلكم لما له في ذلك من الحكمة العظيمة ولهذا قال { يقص الحق
وهو خير الفاصلين } أي وهو خير من فصل القضايا وخير الفاتحين في الحكم بين عباده.
وقوله { قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم } أي لو كان مرجع ذلك
إلي لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك { والله أعلم بالظالمين } فإن قيل فما الجمع بين
هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عروة عن
عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان
أشد من يوم أحد؟ فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة إذ عرضت
نفسي على ابن عبد ياليل ابن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على
وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني فنظرت فإذا
فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد
بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال
يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت إن
شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله
من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا وهذا لفظ مسلم فقد عرض عليه عذابهم
واستئصالهم فاستأنى بهم وسأل لهم التأخير لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك
به شيئا فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الآية { قل لو أن عندي ما
تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين } فالجواب والله أعلم أن
هذه الآية دلت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبونه حال طلبهم له لأوقعه
بهم وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم بل عرض عليه ملك الجبال أنه
إن شاء أطبق عليهم الأخشبين وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوبا وشمالا فلهذا
استأنى بهم وسأل الرفق لهم.
وقوله تعالى { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } قال البخاري: حدثنا عبدالعزيز بن
عبدالله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم بن عبدالله عن أبيه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله { إن الله عنده علم
الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس
بأي أرض تموت إن الله عليم خبير } وفي حديث عمر أن جبريل حين تبدى له في صورة أعرابي
فسأل عن الإيمان والإسلام والإحسان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فيما قال له
{ خمس لا يعلمهن إلا الله } ثم قرأ { إن الله عنده علم الساعة } الآية. وقوله { ويعلم ما
في البر والبحر } أي يحيط علمه الكريم بجميع الموجودات بريها وبحريها لا يخفى عليه
من ذلك شيء ولا مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وما أحسن ما قال الصرصري: فلا
بخفي عليه الذر إما تراءى للنواظر أو توارى وقوله { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } أي
ويعلم الحركات حتى من الجمادات فما ظنك بالحيوانات ولا سيما المكلفون منهم من جنهم
وإنسهم كما قال تعالى { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور }.وقال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق حدثنا حسان
النمري عن ابن عباس في قوله { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } قال ما من شجرة في بر
ولا بحر إلا وملك موكل بها يكتب ما يسقط منها رواه ابن أبي حاتم وقوله { ولا حبة في
ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبدالله
بن محمد بن عبدالرحمن بن المسور الزهري حدثنا مالك بن سعير حدثنا الأعمش عن يزيد بن
أبي زياد عن عبدالله بن الحارث قال: ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبرة إلا وعليها
ملك موكل يأتي الله بعلمها رطوبتها إذا رطبت ويبوستها إذا يبست وكذا رواه ابن جرير
عن أبي الخطاب زياد بن عبدالله الحساني عن مالك بن سعير به. ثم قال ابن أبي حاتم
ذكر عن أبي حذيفة حدثنا سفيان عن عمرو بن قيس عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال: خلق الله النون وهي الدواة وخلق الألواح فكتب فيها أمر الدنيا حتى ينقضي ما
كان من خلق مخلوق أو رزق حلال أو حرام أو عمل بر أو فجور وقرأ هذه الآية { وما تسقط
من ورقة إلا يعلمها } إلى آخر الآية قال محمد بن إسحاق عن يحيى بن النضر عن أبيه
سمعت عبدالله بن عمرو بن العاص يقول إن تحت الأرض الثالثة وفوق الرابعة من الجن ما
لو أنهم ظهروا يعني لكم لم تروا معهم نورا على كل زاوية من زوايا الأرض خاتم من
خواتيم الله عز وجل على كل خاتم ملك من الملائكة يبعث الله عز وجل إليه في كل يوم
ملكا من عنده أن احتفظ بما عندك.
يقول تعالى إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل وهذا هو التوفي الأصغر كما قال تعالى
{ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي } وقال تعالى { الله يتوفى الأنفس حين
موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل
مسمى } فذكر في هذه الآية الوفاتين الكبرى والصغرى وهكذا ذكر في هذا المقام حكم
الوفاتين الصغرى ثم الكبرى فقال { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار }
أي ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى
بخلقه في ليلهم ونهارهم في حال سكونهم وحال حركتهم كما قال { سواء منكم من أسر القول
ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بال&