Prev  

17. Surah Al-Isrâ' سورة الإسراء

  Next  



تفسير البغوي - الإسراء - Al-Isra -
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
    +/- -/+  
الأية
1
 
{ مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية . { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ، { سبحان الله : تنزيه الله تعالى من كل سوء ، ووصفه بالبراءة من كل نقص على طريق المبالغة ، ويكون ، { سبحان } ، بمعنى التعجب ، { أسرى بعبده } ، أي : سيره ، وكذلك سرى به ، والعبد هو : محمد صلى الله عليه وسلم . { من المسجد الحرام ، { ، قيل : كان الإسراء من مسجد مكة ، روى قتادة عن أنس عن مالك ابن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق ، { ، فذكر حديث المعراج . وقال قوم : عرج به من دار أم هانئ بنت أبي طالب ، ومعنى قوله : { من المسجد الحرام } ، أي : من الحرم . قال مقاتل : كانت ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة . ويقال : كان في رجب . وقيل : كان في شهر رمضان. { إلى المسجد الأقصى ، { ، يعني : بيت المقدس ، وسمي أقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار . وقيل : لبعده من المسجد الحرام . { الذي باركنا حوله ، { ، بالأنهار والأشجار والثمار . وقال مجاهد : سماه مباركاً لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحي ، ومنه يحشر الناس يوم القيامة . { لنريه من آياتنا ، { ، من عجائب قدرتنا، وقد رأى هناك الأنبياء والآيات الكبرى . { إنه هو السميع البصير ، { ، ذكر ( السميع ) لينبه على أنه المجيب لدعائه ، وذكر ( البصير ) لينبه على أنه الحافظ له في ظلمة الليل . وروى عن عائشة رضي الله عنه أنها كانت تقول : ما فقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه . والأكثرون على أنه بجسده في اليقظة ، وتواترت الأخبار الصحيحة على ذلك . أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يوسف ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة (ح) قال البخاري : وقال لي خليفة العصفري : حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد و هشام . قال : حدثنا قتادة ( ح ) عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، حدثهم عن ليلة أسرى به ، (ح) قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس عن ابن شهاب عن أنس قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ح) ، وأخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا أبو الحسن عبد الغفار بن محمد [ الفارسي أنبأنا أبو الحسين محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ] بن سفيان ، حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - [ دخل حديث بعضهم في بعض - قال أبو ذر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ] { فرج عني سقف بيتي ، وأنا بمكة ، فنزل جبريل ففرج صدري ، ثم غسله بماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمةً وإيماناً ، فأفرغه في صدري ، ثم أطبقه } . وقال مالك بن صعصعة : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال : { بينما أنا في الحطيم ، وربما قال في الحجر ، بين النائم واليقظان ، وذكر بين رجلين ، فأتيت بطست من ذهب مملوء حكمة وإيماناً فشق من النحر إلى مراق البطن ، واستخرج قلبي فغسل ثم حشي ، ثم أعيد } . وقال سعيد و هشام : ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيماناً وحكمةً ، ثم أوتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض طويل ، فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، فركبته فانطلقت مع جبريل حتى أتيت بيت المقدس ، قال : فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ،قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت ،فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن ، فقال جبريل : اخترت الفطرة ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ،قيل من هذا ؟ قال : جبريل : قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، فإذا فيها آدم ، فقال لي : هذا أبوك آدم ، فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد السلام ، ثم قال : مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح . وفي حديث أبي ذر : علونا السماء الدنيا ، فإذا رجل قاعد عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة ، إذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى ، فقال : مرحباً بالنبي الصالح ، والابن الصالح . قلت لجبريل : من هذا ؟ قال : هذا آدم وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نسم بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنة ، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى . ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ،قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، إذا بيحيى وعيسى ، عليهما السلام ، وهما ابنا خالة ،قال : هذا يحيى وعيسى ، فسلم عليهما، فسلمت فردا ، ثم قالا : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قال : ومن معك ؟ قال محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت ، فإذا يوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، قال : هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد علي ، ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح ،والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت فإذا إدريس ، قال هذا إدريس فسلم عليه. فسلمت عليه ،فرد ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي والصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا هارون ، قال : هذا هارون فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح ،والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل: مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا موسى ، قال : هذا موسى فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ثم قال : مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح ، فلما جاوزت بكى قيل له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي . ثم صعد بي إلى السماء السابعة ،فاستفتح جبريل ، قيل : من هذا ؟ قال جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا إبراهيم ، قال : هذا أبوك إبراهيم ، فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : مرحباً بالنبي الصالح ، والابن الصالح ، فرفع لي البيت المعمور ، فسألت جبريل ؟ فقال: هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ،إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم . وقال ثابت عن أنس : فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور ، إذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ،ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، قال : فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، في أصلها أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذان يا جبريل ؟ فقال : أما الباطنان ، فنهران في الجنة ، وأما الظاهرات فالنيل والفرات . وأوحى إلي ما أوحى ، ففرض علي خمسين صلاةً في كل يوم وليلة ، فنزلت إلى موسى ،فقال: ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ، قال : فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف على أمتي ، فحط عني خمساً ، فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمسة ، قال : إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . قال : فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال : يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة ،لكل صلاة عشر ، هي خمس وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي ،ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن علمها كتبت له عشراً ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة . قال : فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . فقلت : سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم ،قال : فلما جاوزت نادى مناد : أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك . قال ابن شهاب : فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري ، كانا يقولان : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوىً فيه صريف الأقلام } . قال ابن حزم و أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ففرض الله على أمتي خمسين صلاة } . وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم : { أتي بالبراق ليلة أسرى به ملجماً مسرجاً ، فاستصعب عليه ، فقال جبريل : أبمحمد تفعل هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه ، فارفض عرقاً }. وقال ابن بريده عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بأصبعه ، فخرق بها الحجر وشد بها البراق }. أنبأنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني محمود ، أنبأنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليلة أسرى بي لقيت موسى، قال : فنعته ، فإذا هو رجل- حسبته قال : مضطرب - رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة . قال : ولقيت عيسى ،فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ربعة ، أحمر ، كأنما خرج من ديماس ، يعني : الحمام ، ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به ،قال : وأتيت بإناءين : أحدهما لبن ، والآخر فيه خمر ، فقيل له : خذ أيهما شئت ،فأخذت اللبن فشربته ،فقيل لي : هديت الفطرة [ أو أصبت الفطرة ] ، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك } . أنبأنا عبد الواحد المليحي ، حدثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } ، قال : هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به إلى بيت المقدس . قال : والشجرة الملعونة في القرآن قال : هي شجرة الزقوم }. أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني سليمان ، عن شريك بن عبد الله قال : سمعت أنس بن مالك يقول : ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر ، قبل أن يوحى إليه ، وهو نائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم : أيهم هو ؟ فقال : أوسطهم هو خيرهم ، فقال آخرهم : خذوا خيرهم ، فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه ، وتنام عينه ، ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ، ولا تنام قلوبهم ، فلم يكلموه حتى احتملوه ووضعوه عند بئر زمزم ، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله من ماء زمزم بيده . وساق حديث المعراج بقصته . فقال : فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان ، قال : هذا النيل والفرات ، عنصرهما واحد ، ثم مضى به في السماء الثانية ، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر ، قال : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك . وساق الحديث ، وقال : ثم عرج بي إلى السماء السابعة ، وقال : قال موسى : رب لم أظن أن ترفع علي أحداً ، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعمله إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إليه فيما يوحى إليه الله خمسين صلاة كل يوم وليلة ، وقال : فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ، ثم احتبسه موسى عند الخمس ، فقال : يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه ، فأمتك أضعف قلوباً وأجساداً وأبداناً وأبصاراً وأسماعاً ، فارجع فليخفف عنك ربك ، كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ، ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة ، فقال : يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا ، فقال الجبار : يا محمد ، قال : لبيك وسعديك ،قال : إنه لا يبدل القول لدي ، كما فرضت عليك في أم الكتاب ، فكل حسنة بعشر أمثالها ، فهي خمسون في أم الكتاب ، وهي خمس عليك ، فقال موسى : ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه ، قال : فاهبط بسم الله. فاستيقظ وهو في المسجد الحرام . وروى مسلم هذا الحديث مختصراً عن هارون بن سعيد الإيلي ، عن ابن وهب ، عن سليمان ابن بلال . قال شيخنا الإمام رضي الله عنه : قد قال بعض أهل الحديث ما وجدنا ل محمد بن إسماعيل و ل مسلم في كتابيهما شيئاً لا يحتمل مخرجاً إلا هذا ،وأحال الأمر فيه إلى شريك بن عبد الله ، وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحى إليه ، واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثنتي عشرة سنة قبل الهجرة بسنة . وفيه أيضاً : ( أن الجبار دنا فتدلى ) . وذكرت عائشة أن الذي دنا فتدلى جبريل عليه السلام . قال شيخنا الإمام رضي الله عنه : وهذا الاعتراض عندي لا يصح ، لأن هذا كان رؤيا في النوم ، أراه الله عز وجل قبل الوحي ، بدليل آخر الحديث : قال فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ، ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة بسنة تحقيقاً لرؤياه من قبل،كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ، ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله عز وجل : { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } ( الفتح - 27 ) وروي أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وكان بذي طوى قال : يا جبريل إن قومي لا يصدقوني ، قال : يصدقك أبو بكر وهو الصديق . قال ابن عباس ، وعائشة ، رضي الله عنهم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما كانت ليلة أسري بي فأصبحت بمكة فضقت بأمري وعرفت أن الناس مكذبي ، فروي أنه عليه الصلاة و السلام قعد معتزلاً حزيناً ، فمر به أبو جهل فجلس إليه فقال له كالمستهزئ : هل استفدت من شيء ؟ قال : نعم إني أسري بي الليلة قال : إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس ، قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ، قال : نعم ، فلم ير أبو جهل أنه ينكر ، مخافة أن يجحده الحديث ، قال : أتحدث قومك ما حدثتني ؟ قال : نعم ، قال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا ، قال : فانفضت إليه المجالس فجاؤوا حتى جلسوا إليهما ، قال : فحدث قومك ما حدثتني قال : نعم إني أسري بي الليلة ، قالوا إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس ، قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : نعم ،قال: فمن بين مصفق ، ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً ، وارتد ناس ممن كان آمن به وصدقه ، وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر فقال : هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، قال : أوقد قال ذلك ؟ قال : نعم ، قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا : وتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق . قال : وفي القوم من قد أتى المسجد الأقصى ،فقالوا : هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد ؟ قال : نعم ، قال : ذهبت أنعت وأنعت ،فمازلت أنعت حتى التبس علي [ بعض النعت ] ، قال : فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد ، وأنا أنظر إليه ، فقال القوم : أما النعت فوالله لقد أصاب ، ثم قالوا : يا محمد أخبرنا عن عيرنا هي أهم إلينا، فهل لقيت منها شيئاً ؟ قال : نعم مررت على عير بني فلان ،وهي بالروحاء ، وقد أضلوا بعيرا لهم ،وهم في طلبه، وفي رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته فشربته ، ثم وضعته كما كان فسلوهم هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا إليه ؟ قالوا : هذه آية ، قال : ومررت بعير بني فلان ، وفلان وفلان راكبان قعوداً لهما بذي طوى ، فنفر بعيرهما مني فرمى بفلان ، فانكسرت يده ،فسلوهما عن ذلك ، قالوا : وهذه آية . قالوا : فأخبرنا عن عيرنا نحن ؟ قال : مررت بها بالتنعيم ، قالوا : فما عدتها وأحمالها وهيئتها ومن فيها ؟ فقال : نعم ، هيئتها كذا وكذا ، وفيها فلان وفلان ، يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان ، تطلع عليكم عند طلوع الشمس ، قالوا وهذه آية . ثم خرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون : والله لقد قص محمد شيئا وبينه حتى أتوا كدىً ، فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذبونه ، إذ قال قائل منهم : والله هذه الشمس قد طلعت ، وقال آخر : وهذه والله الإبل قد طلعت ، يقدمها بعير أورق ، فيها فلان وفلان ، كما قال لهم ، فلم يؤمنوا ، ، { وقالوا : إن هذا إلا سحر مبين } . أنبأنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ،حدثني زهير بن حرب ، حدثنا حجر بن المثنى ، أنبأنا عبد العزيز وهو ابن أبي سلمة - عن عبد الله بن الفضل ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لقد رأيتني في الحجر ، وقريش تسألني عن مسراي ،فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها ، فكربت كرباً ما كربت مثله قط ، قال : فرفعه الله لي أنظر إليه ، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به ،ولقد رأيتني في جماعة من الأنبياء ، فإذا موسى قائم يصلي ،فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى قائم يصلي ، أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا إبراهيم قائم يصلي ، أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فجاءت الصلاة فأممتهم ، فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل : يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه . فالتفت إليه فبدأني بالسلام }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا
    +/- -/+  
الأية
2
 
{ قوله عز وجل : { وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل أن لا ، { ، بأن لا ، ، { تتخذوا من دوني وكيلاً ، { ، رباً وكفيلاً . قال أبو عمرو ( لا تتخذوا ) بالياء ، لأنه خبر عنهم ، والآخرون : بالتاء ، يعني : قلنا لهم لا تتخذوا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا
    +/- -/+  
الأية
3
 
{ ذرية من حملنا ، { ، قال مجاهد : هذا نداء ، يعني : يا ذرية من حملنا ، ، { مع نوح ، { ، في السفينة فأنجيناهم من الطوفان ، ، { إنه كان عبداً شكوراً ، { ، كان نوح عليه السلام إذا أكل طعاماً أو شرب شراباً أو لبس ثوباً قال : الحمد لله فسمي عبداً شكوراً ، أي : كثير الشكر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
4
 
{ قوله عز وجل : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ، { الآيات . روى سفيان بن سعيد الثوري عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن بني إسرائيل لما اعتدوا وقتلوا الأنبياء بعث الله عليهم ملك فارس ( بختنصر ) ، وكان الله ملكه سبعمائة سنة ، فسار إليهم حتى دخل بيت المقدس ، فحاصرها وفتحها ، وقتل على دم يحيى بن زكريا عليه السلام سبعين ألفاً ، ثم سبى أهلها [ والأبناء ] ، وسلب حلي بيت المقدس ، واستخرج منها سبعين ألفاً ومائة ألف عجلة من حلي ،قلت : يا رسول الله كان بيت المقدس عظيماً؟ قال : أجل بناه سليمان بن داود من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ، وكان عمده ذهباً ، أعطاه الله ذلك ، وسخر له الشياطين ، يأتونه بهذه الأشياء في طرفة عين ، فسار بها بختنصر حتى نزل بابل فأقام بنو إسرائيل في يده مائة سنة يستعبدهم المجوس وأبناء المجوس ، فيهم الأنبياء ، ثم إن الله رحمهم فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له ( كورش ) ، وكان مؤمناً ، أن يسير إليهم ليستنقذ بقايا بني إسرائيل ، فسار كورش لبني إسرائيل وأخذ حلي بيت المقدس حتى ردها إليه ، فأقام بنو إسرائيل بها مطيعين لله تعالى مائة سنة ، ثم إنهم عادوا في المعاصي فسلط الله عليهم ملكاً يقال له ( أنطيانوس ) فغزا بني إسرائيل حتى أتاهم بيت المقدس ، فسبى أهلها وأحرق بيت المقدس ، وقال لهم : يا بني إسرائيل إن عدتم في المعاصي عدنا عليكم ثانياً [ بالسبي ] ، فعادوا ، فسلط الله عليهم ملك رومية يقال له ( فاقس بن أستيانوس ) ، فغزاهم في البر والبحر فسباهم وسبى حلي بيت المقدس وأحرق بيت المقدس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا من صفة حلي بيت المقدس ، ويرده المهدي إلى بيت المقدس ، وهو ألف وسبعمائة سفينة يرمي بها على يافا حتى تنقل إلى بيت المقدس ،وبها يجمع الله الأولين والآخرين } . قال محمد بن إسحاق : كانت بنو إسرائيل فيهم الأحداث والذنوب وكان الله في ذلك متجاوزاً عنهم محسنا ً إليهم ، وكان أول ما نزل بهم بسبب ذنوبهم كما أخبر على لسان موسى عليه السلام ، أن ملكاً منهم كان يدعى ( صديقة ) وكان الله تعالى إذا ملك الملك عليهم بعث معه نبياً يسدده ويرشده ، لا ينزل عليهم الكتب ، إنما يؤمرون باتباع التوراة والأحكام التي فيها . فلما ملك ذلك الملك بعث الله معه ( شعياء بن أصفيا ) . وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام ، و( شعياء ) هو الذي بشر بعيسى ومحمد عليهما السلام ، فقال : أبشري أورشليم ، الآن يأتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير ، فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زماناً فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث وشعياء معه ، بعث الله عليهم ( سنجاريب) ملك بابل ، معه ستمائة ألف راية ، فأقبل سائراً حتى نزل حول بيت المقدس ، والملك مريض ، في ساقه قرحة ، فجاء النبي شعياء وقال له : يا ملك بني إسرائيل إن سنجاريب ملك بابل قد نزل بك ، هو وجنوده بستمائة ألف راية ، وقد هابهم الناس وفرقوا، فكبر ذلك على الملك ، فقال: يا نبي الله هل أتاك وحي من الله فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا وبسنجاريب وجنوده ؟ فقال : لم يأتني وحي، فبينما هم على ذلك أوحى الله إلى شعياء النبي أن ائت ملك بني إسرائيل فمره أن يوصي وصيته ويستخلف - على ملكه من يشاء من أهل بيته - فأتى شعياء ملك بني إسرائيل ( صديقة ) فقال له : إن ربك قد أوحى إلي أن آمرك أن توصي وصيتك ، وتستخلف من شئت على ملكك من أهل بيتك ، فإنك ميت ، فلما قال ذلك شعياء لصديقة أقبل على القبلة فصلى ودعا وبكى ، فقال وهو يبكي وتضرع إلى الله بقلب مخلص : اللهم رب الأرباب ، وإله الآلهة ، يا قدوس المتقدس يا رحمن ، يا رحيم ، يا رؤوف ، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، اذكرني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني إسرائيل ، وذلك كله كان منك وأنت أعلم به مني ، سري وعلانيتي لك وأنت الرحمن . فاستجاب له وكان عبداً صالحاً ، فأوحى الله تعالى إلى شعياء أن يخبر صديقه أن ربه قد استجاب له ورحمه ، وأخر له أجله خمس عشرة سنة ، وأنجاه من عدوه سنجاريب ، فأتاه شعياء فأخبره بذلك ، فلما قال له ذلك ذهب عنه الوجع وانقطع عنه الحزن ، وخر ساجداً ، وقال : يا إلهي وإله آبائي ، لك سجدت وسبحت ، وكبرت ، وعظمت ، أنت الذي تعطي الملك لمن شاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء وتذل من تشاء ، عالم الغيب والشهادة ،أنت الأول والآخر ،والظاهر والباطن ، وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين ، وأنت الذي أجبت دعوتي ورحمت تضرعي . فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعياء أن قل للملك صديقه فيأمر عبداً من عبيده فيأتيه بماء التنين فيجعله على قرحته فيشفى ، يصبح وقد برأ ، ففعل وشفي. وقال الملك لشعياء : سل ربك أن يجعل لنا علماً بما هو صانع بعدونا هذا . قال الله لشعياء : قل له : إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم ، وإنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنجاريب وخمسة نفر من كتابه . فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة ، يا ملك بني إسرائيل إن الله قد كفاك عدوك ، فاخرج فإن سنجاريب ومن معه قد هلكوا ، فلما خرج الملك التمس سنجاريب فلم يوجد في الموتى ، فبعث الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بختنصر فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم إلى ملك بني إسرائيل ، فلما رآهم خر ساجداً من حين طلعت الشمس إلى العصر ، ثم قال لسنجاريب : كيف ترى فعل ربنا بكم ؟ ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون ؟ . فقال سنجاريب له : قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي يرحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشداً ، ولم يلقني في الشقوة إلا [ ذلة في الدنيا وعذاب في الآخرة ] ، فلو سمعت أو عقلت ما غزوتكم . فقال صديقه : الحمد لله رب العالمين الذي كفاناكم بما شاء ، وإن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ،ولكنه إنما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذاباً في الآخرة ، ولتخبروا من وراءكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذروا من بعدكم ، ولولا ذلك لقتلكم ولدمك ولدم من معك أهون على الله من دم قراد ،لو قتلت . ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع فطاف بهم سبعين يوماً حول بيت المقدس وإيليا ، وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم ، فقال سنجاريب لملك بني إسرائيل : القتل خير مما تفعل بنا. فأمر بهم الملك إلى سجن القتل ، فأوحى الله إلى شعياء عليه السلام : أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سنجاريب ومن معه لينذروا من وراءهم ، وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم ، فبلغ شعياء الملك ذلك ففعل [ الملك صديقه ] ما أمر به . فخرج سنجاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده ، فقال له كهانه وسحرته : يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا ،وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم ، وكان أمر سنجاريب تخويفاً لهم ثم كفاهم الله ، تذكرة وعبرة . ثم لبث سنجاريب بعد ذلك سبع سنين ، ثم مات واستخلف بختنصر ، ابن ابنه ، على ما كان عليه جده يعمل عمله ، فلبث سبع عشرة سنة ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقه ، فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك حتى قتل بعضهم بعضاً ،ونبيهم شعياء معهم ولا يقبلون منه ،فلما فعلوا ذلك قال الله لشعياء قم في قومك أوحي على لسانك ، فلما قام النبي شعياء أنطق الله لسانه بالوحي ، فقال : يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته ،واصطنعهم لنفسه ، وخصهم بكرامته ، وفضلهم على عباده ، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها،فآوى شاردتها ، وجمع ضالتها ، وجبر كسرها ، وداوى مريضها ، وأسمن مهزولها ، وحفظ سمينها ، فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت كباشها ، فقتل بعضها بعضاً ، حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير ، فويل لهذه الآمة الخاطئة الذين لا يدرون أنى جاءهم الخير أن البعير مما يذكر وطنه فينتابه وأن الحمار مما يذكر الأري الذي شبع عليه فيراجعه ، وأن الثور مما يذكر المرج الذي سمن فيه فينتابه ، وأن هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الخير وهم أولوا الألباب والعقول ، ليسوا ببقر ولا حمير وأني ضارب لهم مثلاً فليسمعوه ، قل لهم : كيف ترون في أرض كانت خواءً زماناً ، خراباً ، مواتاً ، لا عمران فيها ، وكان لها رب حكيم ، فأحاط عليها جداراً ، وشيد فيها قصوراً ، وأنبط نهراً ، وصنف فيها غراساً من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها ، وولى ذلك واستحفظه ذا رأي وهمة حفيظاً قوياً أميناً ، فلما أطلعت جاء طلعها خروباً ؟ قالوا بئست الأرض هذه فنرى أن يهدم جدارها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض قيمها ويحرق غرسها حتى تصير كما كانت أول مرة خراباً مواتاً لا عمران فيها ، قال الله : قال لهم : فإن الجدار ديني ،وإن القصر شريعتي ، وإن النهر كتابي ، وإن القيم نبيي ، وإن الغراس هم ، وإن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيث ، وأني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم ، وإنه مثل ضربته لهم ، يتقربون إلي بذبح البقر والغنم ، وليس ينالني اللحم ولا آكله ، ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرمتها فأيديهم مخضوبة منها وثيابهم متزملة بدمائها ، يشيدون لي البيوت مساجد ، ويطهرون أجوافها وينجسون قلوبهم وأجسادهم ويدنسونها ، ويزوقون إلي المساجد ، ويزينونها ، ويخربون عقولهم وأحلامهم ويفسدونها فأي حاجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها ؟ وأي حاجة لي إلى تزويق المساجد ولست أدخلها ؟ إنما أمرت برفعها لأذكر وأسبح فيها. يقولون : صمنا فلم يرفع صيامنا [ وصلينا فلم تنور صلاتنا ] وتصدقنا فلم يزك صدقتنا ، ودعونا بمثل حنين الحمام وبكينا مثل عواء الذئاب في كل ذلك لا يستجاب لنا. قال الله : فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجب لهم ؟ ألست أسمع السامعين وأبصر الناظرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين ؟ فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور ويتقوون عليه بطعمة الحرام ؟ أم كيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني وينتهك محارمي ؟ أم كيف تزكى عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم ؟ إنماآجر عليها أهلها المغصوبين ؟ أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم ، والفعل من ذلك بعيد ، إنما أستجيب للداعي اللين ، وإنما أسمع قول المستعفف المسكين ، وإن من علامة رضاي رضا المساكين . يقولون لما سمعوا كلامي وبلغتهم رسالتي : إنها أقاويل منقولة ، وأحاديث متوارثة ،وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة ، وزعموا أنهم لو شاؤوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا ، ولو شاؤوا أن يطلعوا على علم الغيب بما يوحي إليهم الشياطين اطلعوا، وإني قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاءً أثبته وحتمته على نفسي ، وجعلت دونه أجلاً مؤجلاً لا بد أنه واقع ، فإن صدقوا فيما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه ؟ أو في أي زمان يكون ؟ وإن كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاؤون ، فليأتوا بمثل هذه القدرة التي بها أمضيت فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وإن كانوا يقدرون على أن يقولوا ما يشاؤون فليقولوا مثل الحكمة التي بها أدبر أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين ، وإني قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء ، وأن أجعل الملك في الرعاء ، والعز في الأذلاء والقوة في الضعفاء ، والغنى في الفقراء ، والعلم في الجهالة ، والحكمة في الأميين فسلهم متى هذا ومن القائم به ، ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون ، فإني باعث لذلك نبياً أمياً أميناً ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحش ، ولا قوال للخنا أسدده لكل جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، أجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة معقوله ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والعدل سيرته ، [ والحق شريعته ] والهدى [ والقرآن] إمامه ،والإسلام ملته وأحمد اسمه ، أهدي به بعد الضلالة ، وأعلم به بعد الجهالة وأرفع به بعد الخمالة ،وأشهر به بعد النكره وأكثر به بعد القلة ، و أغني به بعد العيلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأؤلف به بين قلوب مختلفة ، وأهواء متشتة وأمم متفرقة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، توحيداً لي وإيماناً وإخلاصاً لي يصلون قياماً وقعوداً وركعاً وسجوداً ، ويقاتلون في سبيلي صفوفاً وزحوفاً ، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني ألهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد و المدحة والتمجيد في مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومناقبهم ومثواهم ، يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأشراف ويطهرون لي الوجوه والأطراف يعقدون لي الثياب على الأنصاف ، قربانهم دماؤهم ، وأناجيلهم في صدورهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم . فلما فرغ شعياء من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم ، فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها ، فأدركه الشيطان ، فأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها ، فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها. واستخلف الله على بني إسرائيل بعد ذلك رجلاً منهم يقال له ناشية بن أموص ، وبعث لهم أرمياء بن حلقيا نبياً ، وكان من سبط هارون بن عمران . وذكر ابن إسحاق أنه الخضر واسمه أرمياء ، سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء . فبعث الله أرمياء إلى ذلك الملك ليسدده ويرشده ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل وركبوا المعاصي واستحلوا المحارم ، فأوحى الله إلى أرمياء أن ائت قومك من بني إسرائيل فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتي وعرفهم بأحداثهم ، فقال أرمياء : يا رب إني ضعيف إن لم تقوني ، عاجز إن لم تبلغني ، مخذول إن لم تنصرني ،قال الله تعالى : أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي ، وأن القلوب والألسنة بيدي أقلبها كيف شئت ، إني معك ولن يصل إليك شيء معي ، فقام أرمياء فيهم ولم يدر ما يقول فألهمه الله عز وجل في الوقت خطبة بليغة ،بين فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية ، وقال في آخرها عن الله تعالى : وإني حلفت بعزتي لأقيضن لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولأسلطن عليهم جباراً قاسياً ألبسه الهيبة ، وأنزع من صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم ، ثم أوحى الله إلى أرمياء : إني مهلك بني إسرائيل بيافث ، ويافث من أهل بابل - على ما ذكرنا في سورة البقرة - فسلط الله عليهم بختنصر فخرج في ستمائة ألف راية ، ودخل بيت المقدس بجنوده ووطئ الشام ، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم ، وخرب بيت المقدس ، وأمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه تراباً ثم يقذفه في بيت المقدس ، ففعلوا ذلك حتى ملؤوه ، ثم أمرهم أن يجمعوا من في بلدان بيت المقدس كلهم ، فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل ، فاختار منهم سبعين ألف صبي فلما خرجت غنائم جنده ، وأراد أن يقسمها فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه : أيها الملك لك غنائمنا كلها ، واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بني إسرائيل ، فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فأصاب كل رجل مهم أربعة غلمان ، وفرق من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق ، فثلثاً أقر بالشام ، وثلثاً سبي ، وثلثاً قتل ، وذهب بناشئة بيت المقدس وبالصبيان السبعين الألف حتى أقدمهم بابل فكانت هذه الوقعة الأولى التي أنزل الله ببني إسرائيل بظلمهم ، فذلك قوله تعالى : { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد } ، يعني : بختنصر وأصحابه . ثم إن بختنصر أقام في سلطانه ما شاء الله ثم رأى رؤيا أعجبته ، إذ رأى شيئاً أصابه فأنساه الله الذي رأى ، فدعاه دانيال وحنانيا وعزازيا و ميشائيل ، وكانوا من ذراري الأنبياء وسألهم عنها قالوا أخبرنا بها نخبرك بتأويلها ، قال : ما أذكرها ولئن لم تخبروني بها وبتأويلها لأنزعن أكتافكم ، فخرجوا من عنده فدعوا الله وتضرعوا إليه ، فأعلمهم بالذي سألهم عنه ، فجاؤوه وقالوا : رأيت تمثالاً قدماه وساقاه من فخار ، وركبتاه وفخذاه من نحاس ، وبطنه من فضة ، وصدره من ذهب ، ورأسه وعنقه من حديد ، قال : صدقتم ، قالوا : فبينما أنت تنظر إليه وقد أعجبك أرسل الله تعالى صخرة من السماء فدقته فهي التي أنستكها ، قال : صدقتم ، قال :فما تأويلها ؟ قالوا تأويلها أنك رأيت ملك الملوك، فبعضهم كان ألين ملكاً وبعضهم كان أحسن ملكاً وبعضهم كان أشد ملكاً ، الفخار أضعفه ، ثم فوقه النحاس أشد منه ، ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلك وأفضل ، والذهب أحسن من الفضة وأفضل ، ثم الحديد ملكك فهو أشد وأعز مما كان قبله ، والصخرة التي رأيت أرسل الله من السماء فدقته نبي يبعثه الله من السماء فيدق ذلك أجمع ويصير الأمر إليه . ثم إن أهل بابل قالوا لبختنصر : أرأيت هؤلاء الغلمان من بني إسرائيل الذين كنا سألناك أن تعطيناهم ففعلت، فإنا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا ، لقد رأينا نساءنا انصرفت عنا وجوههن إليهم فأخرجهم من بين أظهرنا أو اقتلهم ، قال شأنكم بهم ، فمن أحب منكم أن يقتل من كان في يده فليفعل . فلما قربوهم للقتل بكوا إلى الله تعالى وقالوا : يا رب أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعد الله أن يجيبهم ، فقتلوا إلا من استبقى بختنصر منهم دانيال وحنانيا وعزازيا وميشائيل . ثم لما أراد الله هلاك بختنصر انبعث فقال لمن في يده من بني إسرائيل : أرأيتم هذا البيت الذي خربته والناس الذين قتلت منهم ؟ وما هذا البيت ؟ قالوا : هذا بيت الله ، وهؤلاء أهله ، كانوا من ذراري الأنبياء ، فظلموا وتعدوا فسلطت عليهم بذنوبهم ، وكان ربهم ، رب السموات والأرض ورب الخلق كلهم ، يكرمهم ويعزهم ، فلما فعلوا ما فعلوا أهلكهم الله وسلط عليهم غيرهم ، فاستكبر وظن أنه يجبروته فعل ذلك ببني إسرائيل . قال : فأخبروني كيف لي أن أطلع إلى السماء العليا فأقتل من فيها وأتخذها ملكاً لي فإني قد فرغت من الأرض ، قالوا : ما يقدر عليها أحد من الخلائق ، قال : لتفعلن أو لأقتلنكم عن آخركم ، قبكوا وتضرعوا إلى الله تعالى فبعث الله عليه بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتى عضت بأم دماغه ، فما كان يقر ولا يسكن حتى يوجأ له رأسه على أم دماغه ، فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه ليري الله العباد قدرته ، ونجى الله من بقي من بني إسرائيل في يديه ، فردوهم إلى الشام فبنوا فيه وكثروا حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه . ويزعمون : أن الله تعالى أحيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم ، ثم إنهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم عهد من الله تعالى وكانت التوراة قد احترقت ، وكان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل فرجع إلى الشام يبكي عليها ليله ونهاره ، وقد خرج من الناس ، فهو كذلك إذ أقبل إليه رجل فقال يا عزير مايبكيك ؟ قال أبكي على كتاب الله وعهده الذي كان بين أظهرنا ، الذي لا يصلح دنيانا وآخرتنا غيره ، قال : أفتحب أن يرد إليك ؟ ارجع فصم وتطهر ، وطهر ثيابك ، ثم موعدك هذا المكان غداً ، فرجع عزير فصام وتطهر وطهر ثيابه ، ثم عمد إلى المكان الذي وعده فجلس فيه ، فأتاه ذلك الرجل بإناء فيه ماء ، وكان ملكاً بعثه الله إليه فسقاه من ذلك الإناء ،فمثلت التوراة في صدره فرجع إلى بني إسرائيل فوضع لهم التوراة فأحبوه حتى لم يحبوا حبه شيئاً قط ، ثم قبضه الله وجعلت بنو إسرائيل بعد ذلك يحدثون الأحداث ويعود الله عليهم ويبعث فيهم الرسل ، ففريقاً يكذبون وفريقاً يقتلون حتى كان آخر من بعث الله فيهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى ، وكانوا من بيت آل داود ، فمات زكريا ، وقيل قتل زكريا ، فلما رفع الله عيسى من بين أظهرهم ، وقتلوا يحيى ، بعث الله عليهم ملكاً من ملوك بابل يقال له خردوش ، فسار إليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم الشام فلما ظهر عليهم أمر رأساً من رؤوس جنوده يدعى بيورزاذان صاحب القتل ، فقال : إني قد كنت حلفت بإلهي لئن أنا ظفرت على أهل بيت المقدس لأقتلنهم حتى تسيل دماؤهم في وسط عسكري ، إلا أني لا أجد أحداً أقتله ، فأمره أن يقتلهم حتى بلغ ذلك منهم بيورزاذان ، ودخل بيت المقدس فقام في البقعة التي كانوا يقربون فيها قربانهم فوجد دماً يغلي فسألهم ،فقال : يا بني إسرائيل ما شأن هذا الدم يغلي ؟ أخبروني خبره ، قالوا: هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فلذلك يغلي ، ولقد قربنا منذ ثمانمائة سنة القربان فيقبل منا إلا هذا ، فقال : ما صدقتموني ، فقالوا: لو كان كأول زماننا لتقبل منا ، ولكن قد انقطع منا الملك والنبوة والوحي فلذلك لم يقبل منا ، فذبح منهم بيورزاذان على ذلك الدم سبعمائة وسبعين زوجاً من رؤوسهم ، فلم يهدأ ، فأمر فأتي بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ ، فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم يبرد ، فلما رأى بيورزاذان الدم لا يهدأ قال لهم : يا بني إسرائيل ويلكم اصدقوني ، واصبروا على أمر ربكم ، فقد طال ما ملكتم في الأرض تفعلون فيها ما شئتم قبل أن لا أترك منكم نافخ نار أنثى ولا ذكر إلا قتلته ، فلما رأوا الجهد وشدة القتل صدقوه الخبر ، فقالوا : إن هذا الدم دم نبي كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله فلو أنا أطعناه فيها لكان أرشد لنا وكان يخبرنا بأمركم فلم نصدقه ، فقتلناه فهذا دمه ، فقال لهم بيورزاذان : ما كان اسمه ؟ قالوا : يحيى بن زكريا ، قال الآن صدقتموني ، لمثل هذا انتقم ربكم منكم . فلما رأى بيورزاذان أنهم صدقوه خر ساجداً وقال لمن حوله : أغلقوا أبواب المدينة ، وأخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوش ، وخلا في بني إسرائيل ، ثم قال : يا يحيى بن زكريا قد علم ربي وربك ما قد أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدأ بإذن ربك قبل أن لا أبقى من قومك أحداً ، فهدأ الدم بإذن الله ، ورفع بيورزاذان عنهم القتل ، وقال آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل وأيقنت أنه لا رب غيره ،وقال لبني إسرائيل :إن خردوش أمرني أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره ، وإني لست أستطيع [ أن أعصيه ] ، قالوا له : افعل ما أمرت به ، فأمرهم فحفروا خندقاً ، وأمر بأموالهم من الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم فذبحها حتى سال الدم في العسكر ، وأمر بالقتلى الذين قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم ، فلم يظن خردوش إلا أن ما في الخندق من بني إسرائيل ، فلما بلغ الدم عسكره أرسل إلى بيورزاذان أن ارفع عنهم القتل . ثم انصرف إلى بابل ، وقد أفنى بني إسرائيل أو كاد [ أن يفنيهم ] ، وهي الوقعة الأخيرة التي أنزل الله ببني إسرائيل ، وذلك قوله : { لتفسدن في الأرض مرتين ، { ، فكانت الوقعة الأولى بختنصر وجنوده ، [ والأخرى خردوش وجنوده ]. وكانت أعظم الوقعتين فلم تقم لهم بعد ذلك راية ، وانتقل الملك بالشام ونواحيها إلى الروم اليونانية إلا أن بقايا من بني إسرائيل كثروا ، وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على غير وجه الملك ، وكانوا في نعمة إلى أن بدلوا وأحدثوا الأحداث فسلط الله عليهم ططيوس بن اسبيانوس الرومي ، فأخرب بلادهم وطردهم عنها ونزع الله عنهم الملك والرياسة وضربت عليهم الذلة فليسوا في أمة إلا وعليهم الصغار والجزية ، وبقي بيت المقدس خراباً إلى أيام عمر بن الخطاب فعمره المسلمون بأمره . قال قتادة : بعث الله عليهم جالوت في الأولى فسبى وقتل وخرب ، { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } ، يعني في زمان داود ، فإذا جاء وعد الآخرة بعث الله عليهم بختنصر فسبى وخرب ، ثم قال : { عسى ربكم أن يرحمكم ، { فعاد الله عليهم بالرحمة ثم عاد القوم بشر ما بحضرتهم ، فبعث الله عليهم ما شاء من نقمته وعقوبته ، ثم بعث الله عليهم العرب كما قال ، { وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ، { ، فهم في العذاب إلى يوم القيامة. وذكر السدي بإسناده : أن رجلاً من بني إسرائيل رأى في النوم أن خراب بيت المقدس على يدي غلام يتيم ابن أرملة من أهل بابل ، يدعى بختنصر ، وكانوا يصدقون فتصدق رؤياهم ، فأقبل ليسأل عنه حتى نزل على أمه وهو يحتطب ، فجاء وعلى رأسه حزمة حطب ، فألقاها ثم قعد ، فكلمه ثم أعطاه ثلاثة دراهم ، فقال : اشتر بهذا طعاماً وشراباً ، فاشتري بدرهم لحماً ، وبدرهم خبزاً ، وبدرهم خمراً ، فأكلوا وشربوا ، وفعل في اليوم الثاني كذلك وفي اليوم الثالث كذلك ،ثم قال : إني أحب أن تكتب لي أماناً إن أنت ملكت يوماً من الدهر ،[ فقال : تسخر مني ؟ فقال : إني لا أسخر منك ، ولكن ما عليك أن تتخذ بها عندي يداً ، فكتب له أماناً ، وقال : أرأيت ] إن جئت والناس حولك قد حالوا بيني وبينك ، قال : ترفع صحيفتك على قصبة فأعرفك ، فكتب له وأعطاه ،ثم إن ملك بنى إسرائيل كان يكرم يحيى بن زكريا ويدني مجلسه وأنه هوى ابنة امرأته ، وقال ابن عباس : ابنة أخته ، فسأل يحيى بن زكريا عن تزويجها فنهاه عن نكاحها فبلغ ذلك أمها فحقدت على يحيى بن زكريا ، وعمدت حين جلس الملك على شرابه فألبستها ثياباً رقاقاً حمراً ، وطيبتها وألبستها الحلي وأرسلتها إلى الملك وأمرتها أن تسقيه ، فإن أرادها عن نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته ، فإذا أعطاها سألت رأس يحيى بن زكريا أن يؤتى به في طست ،ففعلت ، فلما أرادها قالت لا أفعل حتى تعطيني ما أسألك ، قال : ما تسأليني ؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا في هذا الطست ، فقال : ويحك سليني غير هذا ،فقالت : ما أريد إلا هذا ، فلما أصبح إذا دمه يغلي فأمر بتراب فألقى عليه فرقى الدم يعني صعد الدم يغلي ،ويلقي عليه من التراب حتى بلغ سور المدينة وهو في ذلك يغلي ، فبعث صخابين ملك بابل جيشاً إليهم وأمر عليهم بختنصر ، فسار بختنصر وأصحابه حتى بلغوا ذلك المكان تحصنوا منه في مدائنهم ، فلما اشتد عليهم المقام أراد الرجوع فخرجت إليه عجوز من عجائز بني إسرائيل ، فقالت : تريد أن ترجع قبل فتح المدينة ؟ قال : نعم ، قد طال مقامي وجاع أصحابي ، قالت : أرأيت إن فتحت لك المدينة تعطيني ما أسألك فتقتل من أمرتك بقتله وتكف إذا أمرتك أن تكف ؟ قال : نعم ، قالت : إذا أصبحت تقسم جندك أربعة أرباع ، ثم أقم على كل زاوية ربعاً ، ثم ارفعوا أيديكم إلى السماء فنادوا : إنا نستفتحك يا الله بدم يحيى بن زكريا ، فإنها سوف تتساقط ، ففعلوا فتساقطت المدينة ودخلوا من جوانبها ، فقالت : كف يدك وانطلقت به إلى دم يحيى بن زكريا وقالت : اقتل على هذا الدم حتى يسكن فقتل عليه سبعين ألفاً حتى سكن ، فلما سكن قالت : كف يدك ، فإن الله لم يرض إذا قتل نبي حتى يقتل من قتله ومن رضي بقتله ، وأتاه صاحب الصحيفة بصحيفته فكف عنه وعن أهل بيته ، فخرب بيت المقدس وطرح فيه الجيف ، وأعانه على خرابه الروم من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا ، وذهب معه بوجوه بني إسرائيل وذهب بدانيال وقوم من أولاد الأنبياء وذهب معه برأس جالوت ، فلما قدم بابل وجد صخابين قد مات فملك مكانه ، وكان أكرم الناس عنده دانيال وأصحابه ، فحسدهم المجوس ووشوا بهم إليه وقالوا : إن دانيال وأصحابه لا يعبدون إلهك ولا يأكلون ذبيحتك ، فسألهم فقالوا : أجل إن لنا رباً نعبده ، ولسنا نأكل من ذبيحتكم فأمر الملك بخد فخد لهم فألقوا فيه وهم ستة ، وألقى معهم بسبع ضار ليأكلهم ، فذهبوا ثم راحوا فوجدوهم جلوساً والسبع مفترش ذراعيه معهم لم يخدش منهم أحداً ، ووجدوا معهم رجلاً سابعاً ، فقال : ما هذا السابع إنما كانوا ستة فخرج السابع وكان ملكاً فلطمه لطمة فصار في الوحوش ، ومسخه الله سبع سنين . وذكر وهب : أن الله مسخ بختنصر نسراً في الطير ثم مسخه ثوراً في الدواب ، ثم مسخه أسداً في الوحوش ،فكان مسخه سبع سنين،وقلبه في ذلك قلب إنسان ، ثم رد الله إليه ملكه فآمن ،فسئل وهب أكان مؤمناً ؟ فقال : وجدت أهل الكتاب اختلفوا فيه فمنهم من قال مات مؤمناً ومنهم من قال أحرق بيت المقدس وكتبه وقتل الأنبياء ، فغضب الله عليه فلم يقبل توبته . وقال السدي : ثم إن بختنصر لما رجع إلى صورته بعد المسخ ورد الله إليه ملكه كان دانيال وأصحابه أكرم الناس عليه فحسدهم المجوس ، وقالوا لبختنصر : إن دانيال إذا شرب الخمر لم يملك نفسه أن يبول وكان ذلك فيهم عاراً فجعل لهم طعاماً وشراباً فأكلوا وشربوا ،وقال للبواب : انظر أول من يخرج ليبول فاضربه بالطبرزين ،فإن قال أنابختنصر ،فقل : كذبت ، بختنصر أمرني ، فكان أول من قام للبول بختنصر فلما رآه البواب شد عليه ، فقال : ويحك أنا بختنصر ، فقال : كذبت ، بختنصر أمرني ، فضربه فقتله ، هذا ما ذكره في المبتدأ ، إلا أن رواية من روى أن بختنصر غزا بني إسرائيل عند قتلهم يحيى بن زكريا غلط عند أهل السير ، بل هم مجمعون على أن بختنصر إنما غزا بني إسرائيل عند قتلهم شعياء في عهد أرمياء ، ومن وقت أرمياء وتخريب بختنصر بيت المقدس إلى مولد يحيى بن زكريا أربعمائة وإحدى وستون سنة ، وذلك أنهم كانوا يعدون من لدن تخريب بختنصر بيت المقدس إلى حين عمارته في عهد كيرش بن أخشورش بن أصيهيد ببابل من قبل بهمن بن اسفنديار [ سبعين سنة ، ثم من بعد عمارته إلى ظهور الاسكندر على بيت المقدس ثمان وثمانون سنة، ثم من بعد مملكته ] إلى مولد يحيى بن زكريا ثلثمائة وستون سنة . والصحيح من ذلك ما ذكر محمد بن إسحاق . قوله عز وجل : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } ، أي : أعلمناهم وأخبرناهم فيما آتيناهم من الكتب أنهم سيفسدون . والقضاء على وجوه : يكون أمراً ، كقوله : { وقضى ربك } ( الإسراء - 23 ) ويكون حكماً ،كقوله : { إن ربك يقضي بينهم } ( يونس - 93 ، والنحل - 78 ) ويكون خلقاً كقوله : { فقضاهن سبع سماوات } ( فصلت - 2 ) وقال ابن عباس و قتادة : يعني وقضينا عليهم ، و ( إلى ) بمعنى ( على ) ، والمراد بالكتاب: اللوح المحفوظ . { لتفسدن ، { ، لام القسم ، مجازه : والله لتفسدن ، ، { في الأرض مرتين ، { ، بالمعاصي ، والمراد بالأرض : أرض الشام وبيت المقدس ، { ولتعلن ، { ، و لتستكبرن ، ولتظلمن الناس ، ، { علواً كبيراً } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا
    +/- -/+  
الأية
5
 
{ فإذا جاء وعد أولاهما ، { ، يعني : أولى المرتين. قال قتادة : إفسادهم في المرة الأولى ما خالفوا من أحكام التوراة ، وركبوا المحارم . وقال ابن إسحاق إفسادهم في المرة الأولى قتل شعياء بين الشجرة وارتكابهم المعاصي . { بعثنا عليكم عباداً لنا ، { ، قال قتادة يعني جالوت الخزري وجنوده ، وهو الذي قتله داود . وقال سعيد بن جبير : يعني سنجاريب من أهل نينوى . وقال ابن إسحاق : بختنصر البابلي وأصحابه . وهو الأظهر . { أولي بأس ، { ، ذوي بطش ، ، { شديد ، { ، في الحرب ، ، { فجاسوا ، { ، أي : فطافوا وداروا ، ، { خلال الديار ، { ، وسطها يطلبونكم ويقتلونكم ، والجوس طلب الشيء بالاستقصاء . قال الفراء : جاسوا قتلوكم بين بيوتكم . { وكان وعداً مفعولاً ، { ، قضاء كائناً لا خلف فيه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا
    +/- -/+  
الأية
6
 
{ ثم رددنا لكم الكرة ، { ، يعني : الرجعة والدولة ، ، { عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً ، { ، عدداً ، أي : من ينفر معهم وعاد البلد أحسن مما كان.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
7
 
{ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ، { ، أي : لها ثوابها ، ، { وإن أسأتم فلها ، { ، أي : فعليها ، كقوله تعالى : { فسلام لك } ( الواقعة - 91 ) أي : عليك . وقيل : فلها الجزاء والعقاب . { فإذا جاء وعد الآخرة } ، أي : المرة الآخرة من إفسادكم ، وذلك قصدهم قتل عيسى عليه السلام حين رفع ، وقتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلام ، فسلط الله عليهم الفرس والروم ، خردوش وطيطوس حتى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم ، فذلك قوله تعالى } : ليسوءوا وجوهكم ، { ، أي : تحزن وجوهكم ، وسوء الوجه بإدخال الغم والحزن قرأ الكسائي [ و يعقوب ] . { بسوء ، { بالنون وفتح الهمزة على التعظيم ، كقوله : { وقضينا ، { و ، { بعثنا ، { وقرأ ابن عامر و حمزة بالياء [ وفتح ] الهمزة [ على التوحيد ] ، أي : ليسوء الله وجوهكم ، وقيل : ليسوء الوعد وجوهكم . وقرأ الباقون بالياء وضم الهمزة على الجمع ، أي ليسوء العباد أولو البأس الشديد وجوهكم . { وليدخلوا المسجد ، { ، يعني : بيت المقدس ونواحيه ، ، { كما دخلوه أول مرة وليتبروا ، { ، وليهلكوا ، ، { ما علوا } ، أي : ما غلبوا عليه من بلادكم ، { تتبيراً } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
8
 
{ عسى ربكم ، { ، يا بني إسرائيل ، ، { أن يرحمكم ، { ،بعد انتقامه منكم ، فيرد الدولة إليكم ، ، { وإن عدتم عدنا ، { ، أي : إن عدتم إلى المعصية عدنا إلى العقوبة . قال قتادة : فعادوا فبعث الله عليهم محمداً صلى الله عليه وسلم فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون . { وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً ، { ، سجناً ومحبساً من الحصر وهو الحبس . قال الحسن : حصيراً أي : فراشاً . وذهب إلى الحصير الذي يبسط ويفرش.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
9
 
{ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ، { ، أي : إلى الطريقة التي هي أصوب . وقيل : الكلمة التي هي أعدل وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، ، { ويبشر ، { ، يعني : القرآن ، ، { المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم ، { ، بأن لهم ، ، { أجراً كبيراً ، { ، وهو الجنة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
10
 
{ وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً ، { ، وهو النار.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا
    +/- -/+  
الأية
11
 
{ وقوله تعالى : { ويدع الإنسان ، { ، حذف الواو لفظاً لاستقبال اللام الساكنة كقوله : { سندع الزبانية } ( العلق - 18 ) ، وحذف في الخط أيضاً وهي غير محذوفة في المعنى . ومعناه : ويدعو الإنسان على ماله وولده ونفسه ، ، { بالشر ، { ، فيقول عند الغضب : اللهم العنه وأهلكه ونحوهما ، ، { دعاءه بالخير ، { ، أي : كدعائه ربه [ بالخير ] أن يهب له النعمة والعافية ولو استجاب الله دعاءه على نفسه لهلك ، ولكن الله لا يستجيب بفضله ، { وكان الإنسان عجولاً ، { بالدعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه . قال جماعة من أهل التفسير ، وقال ابن عباس : ضجراً ، لا صبر له على السراء والضراء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا
    +/- -/+  
الأية
12
 
{ قوله عز وجل : { وجعلنا الليل والنهار آيتين ، { ، أي : علامتين دالتين على وجودنا ووحدانيتنا وقدرتنا ، ، { فمحونا آية الليل ، { ، قال ابن عباس : جعل الله نور الشمس سبعين جزءاً ،ونور القمر كذلك ، فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءاً فجعلها مع نور الشمس . وحكى أن الله تعالى أمر جبريل فأمر جناحه على وجه القمر ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور . سأل ابن الكواء علياً عن السواد الذي في القمر ؟ قال : هو أثر محو . { وجعلنا آية النهار مبصرةً ، { ، منيرة مضيئة ، يعني يبصر بها . قال الكسائي : تقول العرب أبصر النهار إذا أضاء بحيث يبصر بها ، ، { لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ، { ، أي : لو ترك الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يعرف الليل من النهار ، ولم يدر الصائم متى يفطر ، ولم يدر وقت الحج ولا وقت حلول الآجال ولا وقت السكون والراحة . { وكل شيء فصلناه تفصيلاً } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا
    +/- -/+  
الأية
13
 
{ قوله عز وجل : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ، { ، قال ابن عباس : عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان . وقال الكلبي و مقاتل : خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسبه به . وقال الحسن : يمنه وشؤمه . وعن مجاهد : ما من مولود إلا في عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد . وقال أهل المعاني : أراد بالطائر ما قضى الله عليه أنه عامله وما هو صائر إليه من سعادة أو شقاوة سمي ( طائراً ) على عادة العرب فيما كانت تتفاءل وتتشاءم به من سوانح الطير وبوارحها . وقال أبو عبيدة و القتيبي : أراد بالطائر حظه من الخير والشر ، من قولهم : طار سهم فلان بكذا ، وخص العنق من بين سائر الأعضاء لأنه موضع القلائد والأطواق وغيرهما مما يزين أو يشين ، فجرى على كلام العرب بتشبيه الأشياء اللازمة إلى الأعناق . { ونخرج له ، { ، يقول الله تعالى : ونحن نخرج له ، ، { يوم القيامة كتاباً ، { ، وقرأ الحسن و مجاهد و يعقوب : { ونخرج له ، { بفتح الياء وضم الراء ، معناه : ويخرج له الطائر يوم القيامة كتاباً . وقرأ أبو جعفر ، { يخرج ، { بالياء وضمها وفتح الراء . { يلقاه ، { ، قرأ ابن عامر و أبو جعفر ، { يلقاه ، { بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف ، يعني : يلقى الإنسان ذلك الكتاب ، أي : يؤتاه . وقرأ الباقون بفتح الياء خفيفة أي لا يراه ، { منشوراً ، { ، وفي الآثار : إن الله تعالى يأمر الملك بطي الصحيفة إذا تم عمر العبد فلا تنشر إلى يوم القيامة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
    +/- -/+  
الأية
14
 
{ اقرأ كتابك ، { ، أي : يقال له : اقرأ كتابك ، قوله تعالى : { كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ، { ، محاسباً . قال الحسن : لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك . قال قتادة سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئاً في الدنيا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا
    +/- -/+  
الأية
15
 
{ من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، { ، لها ثوابه ، ، { ومن ضل فإنما يضل عليها ، { ، لأن عليها عقابه . { ولا تزر وازرة وزر أخرى ، { ، أي : لا تحمل حاملة حمل أخرى من الآثام ، أي : لا يؤخذ أحد بذنب أحد ، ، { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ، { ، إقامةً للحجة وقطعاً للعذر ، وفيه دليل على أن ما وجب وجب بالسمع لا بالعقل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا
    +/- -/+  
الأية
16
 
{ وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ، { ، قرأ مجاهد : { أمرنا ، { بالتشديد أي : سلطنا شرارها فعصوا ، وقرأ الحسن و قتادة و يعقوب ، { أمرنا ، { بالمد ، أي : أكثرنا . وقرأ الباقون مقصوراً مخففاً ، أي : أمرناهم بالطاعة فعصوا ، ويحتمل أن يكون معناه جعلناهم أمراء ، ويحتمل أن تكون بمعنى أكثرنا ، يقال : أمرهم الله أي كثرهم الله . وفي الحديث : ( خير المال مهرة مأمورة ) أي كثيرة النسل . ويقال : منه أمر القوم يأمرون أمراً إذا كثروا ، وليس من الأمر بمعنى الفعل ، فإن الله لا يأمر بالفحشاء . واختار أبو عبيدة قراءة العامة وقال : لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها يعني الأمر والإمارة والكثرة . { مترفيها ، { منعميها وأغنياءها ، { ففسقوا فيها فحق عليها القول ، { ، وجب عليها العذاب ، ، { فدمرناها تدميراً ، { ، أي :خربناها وأهلكنا من فيها . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن بكر ، حدثنا الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان ، عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً وهو يقول : { لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها قالت زينب فقلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
17
 
{ قوله : { وكم أهلكنا من القرون } ، أي : المكذبة ، ، { من بعد نوح ، { ، يخوف كفار مكة ، ، { وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً ، { ، قال عبد الله بن أبي أوفى : القرن مائة وعشرون سنة ، فبعث الله صلى الله عليه وسلم في أول قرن ، وكان في آخره يزيد بن معاوية . وقيل : مائة سنة . وروي عن محمد بن القاسم عن عبد الله بن بسر المازني { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال : سيعيش هذا الغلام قرناً ، { قال محمد بن القاسم فما زلنا نعد له حتى تم له مائة سنة ، ثم مات . قال الكلبي : ثمانون سنة . وقيل : أربعون سنة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا
    +/- -/+  
الأية
18
 
{ من كان يريد العاجلة ، { ، يعني الدنيا ، أي : الدار العاجلة ، ، { عجلنا له فيها ما نشاء ، { ، من البسط والتقتير ، ، { لمن نريد ، { ، أن نفعل به ذلك أو إهلاكه ، ، { ثم جعلنا له ، { في الآخرة ، ، { جهنم يصلاها ، { ، يدخل نارها ، ، { مذموماً مدحوراً ، { ، مطروداً مبعداً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا
    +/- -/+  
الأية
19
 
{ ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها ، { ، عمل عملها ، { وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً ، { ، مقبولاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا
    +/- -/+  
الأية
20
 
{ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء ، { ، أي : نمد كلا الفريقين من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة ، ، { من عطاء ربك ، { ، أي : يرزقهما جميعا ثم يختلف بهما الحال في المآل ، ، { وما كان عطاء ربك ، { ، رزق ربك ، ، { محظوراً ، { ، ممنوعاً عن عباده ،فالمراد من العطاء : العطاء في الدنيا وإلا فلا حظ للكفار في الآخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا
    +/- -/+  
الأية
21
 
{ انظر ، { ، يا محمد ، ، { كيف فضلنا بعضهم على بعض ، { ، في الرزق والعمل [ الصالح ] يعني : طالب العاجلة وطالب الآخرة ، ، { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا
    +/- -/+  
الأية
22
 
{ لا تجعل مع الله إلهاً آخر ، { ، الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره . وقيل : معناه لا تجعل أيها الإنسان [ مع الله إلهاً آخر ] ، ، { فتقعد مذموماً مخذولاً ، { ، مذموماً من غير حمد ، مخذولاً من غير نصر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا
    +/- -/+  
الأية
23
 
{ قوله عز وجل : { وقضى ربك ، { ، وأمر ربك ، قاله ابن عباس و قتادة و الحسن . قال الربيع بن أنس : وأوجب ربك . قال مجاهد : وأوصى ربك . وحكى عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأها ووصى ربك . وقال : إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصارت قافاً . { أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ، { ، أي : وأمر بالوالدين إحساناً براً بهما وعطفاً عليهما . { إما يبلغن عندك الكبر ، { ،قرأ حمزة و الكسائي بالألف على التثنية فعلى هذا قوله : { أحدهما أو كلاهما } ، كلام مستأنف ، كقوله تعالى ، { ثم عموا وصموا كثير منهم } ( المائدة - 71 ) وقوله ، { وأسروا النجوى الذين ظلموا ، { ، وقوله : { الذين ظلموا ، { ابتداء وقرأ الباقون ، { يبلغن ، { على التوحيد . { فلا تقل لهما أف ، { ، فيه ثلاث لغات ، قرأ ابن كثير و ابن عامر ، و يعقوب : بفتح الفاء ،وقرأ أبو جعفر ، و نافع ، و حفص بالكسر والتنوين والباقون بكسر الفاء غير منون ، ومعناها واحد وهي كلمة كراهية . قال أبو عبيدة : أصل التف والأف الوسخ على الأصابع إذا فتلتها . وقيل : ( الأف ) : ما يكون في المغابن من الوسخ ، و( التف ) : ما يكون في الأصابع . وقيل : ( الأف ) : وسخ الأذن و( التف ) وسخ الأظافر . وقيل : ( الأف ) : وسخ الظفر ، و ( التف ) : ما رفعته بيدك من الأرض من شيء حقير . { ولا تنهرهما ، { ، ولا تزجرهما . { وقل لهما قولاً كريماً ، { ، حسناً جميلاً ليناً ، قال ابن المسيب : كقول العبد المذنب للسيد الفظ . وقال مجاهد : لا تسميهما ، ولا تكنهما ، وقل : يا أبتاه [ يا أماه ] . وقال مجاهد : في هذه الآية أيضاً : إذا بلغا عندك من الكبر ما يبولان فلا تتقذرهما ، ولا تقل لهما أف حين تميط عنهما الخلاء والبول كما كانا يميطانه عنك صغيراً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
    +/- -/+  
الأية
24
 
{ واخفض لهما جناح الذل ، { ، أي ألن جانبك لهما واخضع . قال عروة بن الزبير لن لهما حتى لا تمتنع عن شيء أحباه ، { من الرحمة ، { ، من الشفقة ، ، { وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ، { ، أراد : إذا كانا مسلمين .قال ابن عباس : هذا منسوخ بقوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } ( التوبة - 13 ) . أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن يزيد عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن - يعني السلمي - عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ إن شئت أو ضيع } . أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي الزراد ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إدريس الجرجاني ، أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين الماليني ، أخبرنا حسن بن سفيان ، حدثنا يحيى بن حبيب بن عدي ، حدثنا خالد بن الحارث ، عن شعبة ، عن يعلي بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { رضا الله في رضا الوالد ، وسخط الله في سخط الوالد } . أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب بن تمام الضبي ، حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يدخل الجنة منان ، ولا عاق ، ولا مدمن خمر } . أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن باموية الأصفهاني ، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن زياد البصري ، أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا ربعي بن علية ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ،ورغم أنف رجل أتى عليه شهر رمضان فلم يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك أبويه الكبر فلم يدخلاه الجنة }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا
    +/- -/+  
الأية
25
 
{ ربكم أعلم بما في نفوسكم ، { ، من بر الوالدين وعقوقهما ، ، { إن تكونوا صالحين ، { ، أبراراً مطيعين بعد تقصير كما كان منكم في القيام بما لزمكم من حق الوالدين وغير ذلك ، ، { فإنه كان للأوابين ، { بعد المعصية ، { غفوراً } . قال سعيد بن جبير في هذه الآية : هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير فإنه لا يؤاخذ به . قال سعيد بن المسيب : ( الأواب ) الذي يذنب ثم يتوب ، ثم يذنب ثم يتوب . قال سعيد بن جبير : الرجاع إلى الخير . وعن ابن عباس قال : هو الرجاع إلى الله فيما يحزبه وينوبه . وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس : هم المسبحون ، دليله قوله : { يا جبال أوبي معه } ( سبأ - 10 ) قال قتادة : هم المصلون . قال عوف بن عقيل : هم الذين يصلون صلاة الضحى . أخبرنا أبو الحسن طاهر بن الحسين الروقي الطوسي ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب ، أخبرنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف ، حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع عن هشام صاحب الدستوائي ، عن قتادة ، عن القاسم بن عوف ، عن زيد بن أرقم قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون صلاة الضحى ، فقال : { صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى } . وقال محمد بن المنكدر : ( الأواب ) : الذي يصلي بي المغرب والعشاء . وروي عن ابن عباس أنه قال : إن لملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء ، وهي صلاة الأوابين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا
    +/- -/+  
الأية
26
 
{ قوله تعالى : { وآت ذا القربى حقه ، { ، يعني صلة الرحم ، وأراد به : قرابة الإنسان ، وعليه الأكثرون . عن علي بن الحسين : أراد به قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم . { والمسكين وابن السبيل ، ولا تبذر تبذيراً ، { ، أي : لا تنفق مالك في المعصية . وقال مجاهد : لو أنفق الإنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيراً ، ولو أنفق مداً في باطل كان تبذيراً . وسئل ابن مسعود عن التبذير فقال : إنفاق المال في غير حقه . قال شعبة : كنت أمشي مع أبي إسحاق في طريق الكوفة ، فأتى على باب دار بني بجص وآجر ، فقال : هذا التبذير . وفي قول عبد الله: إنفاق المال من غير حقه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا
    +/- -/+  
الأية
27
 
{ إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ، { ، أي : أولياءهم ، والعرب تقول لكل ملازم سنة قوم هو أخوهم . { وكان الشيطان لربه كفوراً ، { ، جحوداً لنعمة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا
    +/- -/+  
الأية
28
 
{ وإما تعرضن عنهم ، { ، نزلت في مهجع ، وبلال ، وصهيب ، وسالم ، وخباب ، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في الأحايين ما يحتاجون إليه ، ولا يجد ، فيعرض عنهم حياءً منهم ويمسك عن القول ، فنزل ، { وإما تعرضن عنهم ، { ، وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرك أن تؤتيهم ، ، { ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ، { ، انتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك ، ، { فقل لهم قولاً ميسوراً ، { ليناً ، وهي العدة ،أي : عدهم وعداً جميلاً . وقيل : القول الميسور أن تقول : يرزقنا الله وإياك.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا
    +/- -/+  
الأية
29
 
{ ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ، { ، قال جابر : أتى صبي فقال : يا رسول الله إن أمي تستكسيك درعاً ،ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميصه ، فقال للصبي : من ساعة إلى ساعة يظهر ، فعد وقتاً آخر ، فعاد إلى أمه فقالت : قل له : إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره فنزع قميصه فأعطاه إياه ، وقعد عرياناً ، فأذن بلال للصلاة ، فانتظروه فلم يخرج ، فشغل قلوب أصحابه ، فدخل عليه بعضهم فرآه عرياناً ، فأنزل الله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } ، يعني : ولا تمسك يدك عن النفقة في الحق كالمغلولة يده لا يقدر على مدها . { ولا تبسطها ، { ، بالعطاء ، { كل البسط ، { ، فتعطي جميع ما عندك ، ، { فتقعد ملوماً ، { ، يلومك [ سائلوك ] بالإمساك إذا لم تعطهم . و ( الملوم ) الذي أتى بما يلوم نفسه ، أو يلومه غيره ، ، { محسوراً ، { منقطعاً بك ، لا شيء عندك تنفقه . يقال : حسرته بالمسألة إذا ألحفت عليه ، ودابة حسيرة إذا كانت كالة رازحة . قال قتادة : ( محسوراً ) نادماً على ما فرط منك.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
30
 
{ إن ربك يبسط ، { ، يوسع ، { الرزق لمن يشاء ويقدر ، { ، أي : يقتر ويضيق ، ، { إنه كان بعباده خبيراً بصيراً } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
31
 
{ قوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ، { ، فقر ، ، { نحن نرزقهم وإياكم ، { ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يئدون بناتهم خشية الفاقة فنهوا عنه ،وأخبروا أن رزقهم ورزق أولادهم على الله تعالى ، ، { إن قتلهم كان خطأ كبيرا ، { ، قرأ ابن عامر و أبو جعفر ، { خطأ ، { بفتح الخاء والطاء مقصوراً . وقرأ ابن كثير بكسر الخاء ممدوداً وقرأ الآخرون بكسر الخاء وجزم الطاء ، ومعنى الكل واحد ، أي : إثماً كبيراً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا
    +/- -/+  
الأية
33
 
{ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، { ، وحقها ما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إيمانه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل نفساً بغير نفس فيقتل بها } . { ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً ، { ، أي : قوةً وولاية على القاتل بالقتل ، قال مجاهد . وقال الضحاك : سلطانه هو أنه بتخير ، فإن شاء استقاد منه ، وإن شاء أخذ الدية ، وإن شاء عفا . { فلا يسرف في القتل ، { ، قرأ حمزة و الكسائي : { ولا تسرفوا ، { بالتاء يخاطب ولي القتيل ، وقرأ الآخرون : بالياء على الغائب أي : لا يسرف الولي في القتل . واختلفوا في هذا الإسراف الذي منع منه ، فقال ابن عباس ، وأكثر المفسرين : معناه لا يقتل غير القاتل وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتى يقتلوا أشرف منه . قال سعيد بن جبير : إذا كان القاتل واحداً فلا يقتل جماعة بدل واحد ، وكان أهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفاً لا يرضون بقتل القاتل [ وحده ] حتى يقتلوا معه جماعة من أقربائه . وقال قتادة : معناه لا يمثل بالقاتل . { إنه كان منصوراً ، { ، فالهاء راجعة إلى المقتول في قوله : { ومن قتل مظلوماً } ، يعني : إن المقتول منصور في الدنيا بإيجاب القود على قاتله ، وفي الآخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله ، هذا قول مجاهد . وقال قتادة : الهاء راجعة إلى ولي المقتول ، معناه : إنه منصور على القاتل باستيفاء منه أو الدية . وقيل في قوله : { فلا يسرف في القتل ، { إنه أراد به القاتل المعتدي ، يقول : لا يتعدى بالقتل بغير الحق ، فإنه إن فعل ذلك فولي المقتول منصور من قبلي عليه باستيفاء القصاص منه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا
    +/- -/+  
الأية
34
 
{ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ، وأوفوا بالعهد ، { ، بالإتيان بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه . وقيل : أراد بالعهد ما يلتزمه الإنسان على نفسه . { إن العهد كان مسؤولا ، { ، قال السدي : كان مطلوباً . وقيل : العهد يسأل عن صاحب العهد ، فيقال : فيم نقضت ، كالمؤودة تسأل فيم قتلت ؟

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
    +/- -/+  
الأية
35
 
{ وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس ، { ، قرأ حمزة و الكسائي و حفص ، { بالقسطاس ، { بكسر القاف والباقون بضمه ، وهما لغتان وهو الميزان صغر أو كبر أي : بميزان العدل . وقال الحسن : هو القبان . قال مجاهد : هو رومي . وقال غيره : هو عربي مأخوذ من القسط وهو العدل ، أي : زنوا بالعدل . { المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلاً ، { ، أي : عاقبةً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا
    +/- -/+  
الأية
36
 
{ ولا تقف ما ليس لك به علم ، { ، قال قتادة : لا تقل : رأيت ، ولم تره ، وسمعت ، ولم تسمعه ، وعلمت ، ولم تعلمه . وقال مجاهد : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم . وقال القتيبي : لا تتبعه بالحدس والظن . وهو في اللغة اتباع الأثر ، يقال: قفوت فلاناً أقفوه وفقيته ، وأقفيته إذا اتبعت أثره ، وبه سميت القافية لتتبعهم الآثار . قال القتيبي : هو مأخوذ من القفا كأنه يقفو الأمور ، يكون في إقفائها يتبعها ويتعرفها . وحقيقة المعنى : لا تتكلم [ أيها الإنسان ] بالحدس والظن . { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ، { ، قيل: معناه يسأل المرء عن سمعه وبصره وفؤاده. وقيل : يسأل السمع والبصر والفؤاد عما فعله المرء . وقوله : { كل أولئك } ، أي : كل هذه الجوارح والأعضاء . وعلى القول الأول يرجع ، { أولئك } [ إلى ] أربابها . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن الحسين ، أخبرنا أبو علي حامد ابن محمد الرفاء ، حدثنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز ، أخبرنا الفضل بن دكين ، حدثنا سعد بن أوس العبسي ، حدثني بلال بن يحيى العبسي أن شتير بن شكل أخبره عن أبيه شكل بن حميد قال : '' أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا نبي الله علمني تعويذاً أتعوذ به ، فأخذ بيدي ثم قال : قل : اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ، وشر بصري ، وشر لساني ، وشر قلبي ، وشر مني قال : فحفظتها ، قال سعد : المني ماؤه }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا
    +/- -/+  
الأية
37
 
{ ولا تمش في الأرض مرحاً ، { ، أي بطراً وكبراً وخيلاء ، وهو تفسير المشي ، فلذلك أخرجه على المصدر ، ، { إنك لن تخرق الأرض } ، أي : لن تقطعها بكبرك حتى تبلغ آخرها ، ، { ولن تبلغ الجبال طولاً } ، أي: لا تقدر أن تطاول الجبال وتساويها بكبرك . معناه : أن الإنسان لا ينال بكبره وبطره شيئاً ، كمن يريد خرق الأرض ومطاولة الجبال لا يحصل على شيء . وقيل : ذكر ذلك لأن من مشى مختالاً يمشي مرة على عقبيه ومرة على صدور قدميه ، فقيل له : إنك لن تنقب الأرض إن مشيت على عقبيك ، ولن تبلغ الجبال طولاً إن مشيت على صدور قدميك . أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أخبرنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ،حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن عثمان بن مسلم بن هرمز ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن علي قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى يتكفأ تكفؤاً ، كأنما ينحط من صبب } . أخبرنا أبو محمد الجرجاني ، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي ، أخبرنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا قتيبة بن سعد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي يونس ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأن الشمس تجري في وجهه ، وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له ، إنا لنجهد أنفسنا ، وإنه لغير مكترث }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا
    +/- -/+  
الأية
38
 
{ كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً ، { ، قرأ ابن عامر وأهل الكوفة : برفع الهمزة وضم الهاء ، على الإضافة ، ومعناه : كل الذي ذكرنا من قوله : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } { كان سيئه } ، أي : سئ ما عددنا عليك عند ربك مكروهاً ، لأنه قد عد أموراً حسنة كقوله : { وآت ذا القربى حقه } { واخفض لهما جناح الذل ، { وغير ذلك . وقرأ الآخرون : { سيئة ، { منصوبة منونة يعني : كل الذي ذكرنا من قوله : { ولا تقتلوا أولادكم ، { إلى هذا الموضع سيئة لا حسنة فيه ، إذ الكل يرجع إلى المنهي عنه دون غيره ، ولم يقل مكروهة لأن فيه تقديماً وتأخيراً ، وتقديره : كل ذلك كان مكروهاً سيئةً : [ وقوله ، { مكروهاً ، { على التكرير ، لا على الصفة ، مجازه : كل ذلك كان سيئةً وكان مكروهاً ] ، أو رجع إلى المعنى دون اللفظ ، لأن السيئة الذنب وهو مذكر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا
    +/- -/+  
الأية
39
 
{ ذلك ، { الذي ذكرنا ، ، { مما أوحى إليك ربك من الحكمة } . وكل ما أمر الله به أو نهى عنه فهو حكمه . { ولا تجعل مع الله إلهاً آخر ، { ، خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات والمراد منه الأمة ، ، { فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً ، { ، مطروداً مبعداً من كل خير.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
40
 
{ قوله عز وجل : { أفأصفاكم ربكم ، { ، أي : اختاركم فجعل لكم الصفوة ولنفسه ما ليس بصفوة ، يعني : اختاركم ، ، { بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً ، { لأنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله ، ، { إنكم لتقولون قولاً عظيماً ، { ، يخاطب مشركي مكة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا
    +/- -/+  
الأية
41
 
{ قوله عز وجل : { ولقد صرفنا في هذا القرآن ، { ، يعني : [ ما ذكر من ] العبر ، والحكم ، والأمثال ، والأحكام ، والحجج ، والإعلام ، والتشديد للتكثير والتكرير ، ، { ليذكروا } ، أي : ليتذكروا ويتعظوا ، وقرأ حمزة و الكسائي بإسكان الذال وضم الكاف وكذلك في الفرقان . { وما يزيدهم ، { ، تصريفنا وتذكرينا ، ، { إلا نفوراً ، { ، ذهاباً وتباعداً عن الحق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
42
 
{ قل ، { ، يا محمد لهؤلاء المشركين ، ، { لو كان معه آلهة كما يقولون ، { ، قرأ حفص و ابن كثير ، { يقولون ، { بالياء وقرأ الآخرون بالتاء ، ، { إذاً لابتغوا ، { ، لطلبوا يعني الآلهة ، { إلى ذي العرش سبيلاً ، { ، بالمبالغة والقهر ليزيلوا ملكه ، كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض . وقيل : معناه لطلبوا إلى ذي العرش سبيلاً بالتقرب إليه . قال قتادة : ليعرفوا الله وفضله وابتغوا ما يقربهم إليه . والأول أصح . ثم نزه نفسه ، فقال عز من قائل :

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
43
 
{ سبحانه وتعالى عما يقولون ، { ، قرأ حمزة و الكسائي ، { تقولون ، { بالتاء والآخرون بالياء ، ، { علواً كبيراً } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا
    +/- -/+  
الأية
44
 
{ تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن ، { ، قرأ أبو عمرو ، و حمزة ، و الكسائي ، حفص ، و يعقوب : { تسبح ، { بالتاء وقرأ الآخرون بالياء للحائل بين الفعل والتأنيث . { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، { ، روي عن ابن عباس أنه قال : وإن من شيء حي إلا يسبح بحمده . وقال قتادة : يعني الحيوانات والناميات . وقال عكرمة : الشجرة تسبح ،والأسطوانة لا تسبح . وعن المقدام بن معد يكرب قال : إن التراب يسبح ما لم يبتل ، فإذا ابتل ترك التسبيح ، وإن الخرزة تسبح ما لم ترفع من موضعها، فإذا رفعت تركت التسبيح ، وإن الورقة لتسبح ما دامت على الشجرة فإذا سقطت تركت التسبيح ، وإن الثوب ليسبح ما دام جديداً فإذا وسخ ترك التسبيح ، وإن الماء يسبح مادام جارياً فإذا ركد ترك التسبيح ، وإن الوحش والطير تسبح إذا صاحت فإذا سكنت تركت التسبيح . وقال إبراهيم النخعي : وإن من شيء جماد وحي إلا يسبح بحمده حتى صرير الباب ونقيض السقف . وقال مجاهد : كل الأشياء تسبح ، حياً كان أو ميتاً أو جماداً ، وتسبيحها سبحان الله وبحمده . أخبرنا عبد الواحد المليحي ،أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن المثنى ، أخبرنا أبو أحمد الزبير ، أخبرنا إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : { كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفاً ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال : اطلبوا فضلة من ماء ، فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ثم قال : حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله ، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل } . وقال بعض أهل المعاني : تسبح السموات والأرض والجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء ما دلت بلطيف تركيبها وعجيب هيئتها على خالقها، فيصير ذلك بمنزلة التسبيح منها . والأول هو المنقول عن السلف . واعلم أن الله تعالى علماً في الجمادات لا يقف عليه غيره ، فينبغي أن يوكل علمه إليه . { ولكن لا تفقهون تسبيحهم ، { ، أي لا تعلمون تسبيح ما عدا من يسبح بلغاتكم وألسنتكم ، ، { إنه كان حليماً غفوراً } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا
    +/- -/+  
الأية
45
 
{ قوله عز وجل : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً ، { ، يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به . قال قتادة : هو الأكنة ، والمستور بمعنى الساتر كقوله : { إنه كان وعده مأتياً } ( مريم - 61 ) مفعول بمعنى الفاعل . وقيل : مستور عن أعين الناس فلا يرونه . وفسره بعضهم بالحجاب عن الأعين الظاهرة ، كما روي عن سعيد بن جبير أنه ، { لما نزلت : { تبت يدا أبي لهب ، { جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر، والنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ، فلم تره ، فقالت لأبي بكر : أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني ؟ فقال : والله ما ينطق بالشعر ، ولا يقوله ، فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه ، فقال أبو بكر : ما رأتك يا رسول الله ، قال : لا ، لم يزل ملك بيني وبينها يسترني } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا
    +/- -/+  
الأية
46
 
{ وجعلنا على قلوبهم أكنة ، { ، أغطية ، ، { أن يفقهوه ، { ، كراهية أن يفقهوه . وقيل : لئلا يفقهوه ، ، { وفي آذانهم وقراً ، { ، ثقلاً لئلا يسمعوه . { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ، { ، يعني إذا قلت:لا إله إلا الله في القرآن وأنت تتلوه ، ، { ولوا على أدبارهم نفوراً ، { ، جمع ( نافر ) ، مثل : قاعد ، وقعود، وجالس ، وجلوس ، أي نافرين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا
    +/- -/+  
الأية
47
 
{ نحن أعلم بما يستمعون به ، { ، قيل : ( به ) صلة ، أي : يطلبون سماعه ، ، { إذ يستمعون إليك ، { ، وأنت تقرأ القرآن ، ، { وإذ هم نجوى ، { ، يتناجون في أمرك . وقيل : ذوو نجوى ، فبعضهم يقول : هذا مجنون ، وبعضهم يقول : كاهن ، وبعضهم يقول : ساحر ، وبعضهم يقول : شاعر . { إذ يقول الظالمون ، { ، يعني : الوليد بن المغيرة وأصحابه ، ، { إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً ، { ، مطبوباً . [ وقال مجاهد ] : مخدوعاً . وقيل : مصروفاً عن الحق . يقال : ما سحرك عن كذا أي ما صرفك ؟ وقال أبو عبيدة : أي رجلاً له سحر ، والسحر :الرئة ، أي : إنه بشر مثلكم معلل بالطعام والشراب يأكل ويشرب قال الشاعر أرانا موضعين لحتم غيب ونسحر بالطعام وبالشراب أي : نغذى ونعلل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا
    +/- -/+  
الأية
48
 
{ انظر ، { ، يا محمد ، ، { كيف ضربوا لك الأمثال ، { ، الأشباه ، قالوا : شاعر وساحر وكاهن ومجنون ، ، { فضلوا ، { ، فحاروا وحادوا ، ، { فلا يستطيعون سبيلاً } ، أي : وصولاً إلى طريق الحق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا
    +/- -/+  
الأية
49
 
{ وقالوا أإذا كنا عظاما ، { بعد الموت ، ، { ورفاتاً ، { قال مجاهد : تراباً . وقيل : حطاماً . و ( الرفات ) : كل ما تكسر وبلى من كل شيء ، كالفتات والحطام . { أإنا لمبعوثون خلقا جديدا } .