« Prev

2. Surah Al-Baqarah سورة البقرة

Next »


تفسير البغوي - البقرة - Al-Baqara -
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِسْم ِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الم
الأية
1
 
{ بسم الله الرحمن الرحيم * الم ، { قال الشعبي وجماعة: آلم وسائر حروف الهجاء في أوائل السور من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه وهي سر القرآن. فنحن نؤمن بظاهرها ونكل العلم فيها إلى الله تعالى. وفائدة ذكرها طلب الإيمان بها. قال أبو بكر الصديق: في كل كتاب سر وسر الله تعالى في القرآن أوائل السور، وقال علي: لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف ( التهجي ) وقال داود بن أبي هند: كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور فقال: يا داود إن لكل كتاب سراً وإن سر القرآن فواتح السور فدعها وسل عما سوى ذلك. وقال جماعة هي معلومة المعاني فقيل: كل حرف منها مفتاح اسم من أسمائه كما قال ابن عباس في كهيعص: الكاف من كافي والهاء من هادي والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق. وقيل في المص أنا الله الملك الصادق، وقال الربيع بن أنس في آلم: الألف مفتاح اسمه الله واللام مفتاح اسمه اللطيف، والميم مفتاح اسمه المجيد. وقال محمد بن كعب : الألف آلاء الله واللام لطفه، والميم ملكه، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال معنى آلم: أنا الله أعلم: ومعنى آلمص: أنا الله أعلم وأفضل ومعنى آلر: أنا الله أرى، ومعنى آلمر: أنا الله أعلم وأرى. قال الزجاج: وهذا حسن فإن العرب تذكر حرفاً من كلمة يريدها كقولهم: قلت لها: قفى لنا قالت: قاف. أي: وقفت، وعن سعيد بن جبير قال هي أسماء الله تعالى (مقطعة) لو علم الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم.ألا ترى أنك تقول آلر، وحم، ون، فتكون الرحمن، وكذلك سائرها إلا أنا لا نقدر على وصلها، وقال قتادة : هذه الحروف أسماء القرآن. وقال مجاهد و ابن زيد : هي أسماء (السور)، وبيانه: أن القائل إذا قال: قرأت آلمص عرف السامع أنه قرأ السورة التي افتتحت بالمص. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها أقسام، وقال الأخفش : إنما أقسم الله بهذه الحروف لشرفها وفضلها لأنها( مبادئ ) كتبه المنزلة، ومباني أسمائه الحسنى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
الأية
2
 
قوله تعالى : { ذلك الكتاب } ، أي هذا الكتاب وهو القرآن، وقيل: هذا فيه مضمر أي هذا ذلك الكتاب. قال الفراء : كان الله قد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، فلما أنزل القرآن قال هذا (ذلك) الكتاب الذي وعدتك أن أنزله عليك في التوراة والإنجيل وعلى لسان النبيين من قبلك (( وهذا )) للتقريب ((وذلك)) للتبعيد، وقال ابن كيسان : إن الله تعالى أنزل قبل سورة البقرة سوراً كذب بها المشركون ثم أنزل سورة البقرة فقال (ذلك الكتاب) يعنى ما تقدم البقرة من السور لا شك فيه. والكتاب مصدر وهو بمعنى المكتوب كما يقال للمخلوق خلق،وهذا الدرهم ضرب فلان أي مضروبه. وأصل الكتب: الضم والجمع، ويقال للجند: كتيبة لاجتماعها، وسمي الكتاب كتاباً لأنه جمع حرف إلى حرف. قوله تعالى } : لا ريب فيه } ، أي لا شك فيه أنه من عند الله عز وجل وأنه الحق والصدق، وقيل هو خبر بمعنى النهي أي لا ترتابوا فيه كقوله تعالى ، { فلا رفث ولا فسوق } (197-البقرة) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا. قرأ ابن كثير فيه بالإشباع في الوصل وكذلك كل هاء كناية قبلها ساكن يشبعها وصلاً ما لم يلقها ساكن ثم إن كان الساكن قبل الهاء ياء يشبعها بالكسرة ياء وإن كان غير ياء يشبعها بالضم واواً ووافقه حفص في قوله ، { فيه مهاناً } (69-الفرقان) (فيشبعه). قوله تعالى } : هدى للمتقين ، { يدغم الغنة عند اللام والراء أبو جعفر و ابن كثير و حمزة و الكسائي ، زاد حمزة و الكسائي عند الياء وزاد حمزة عند الواو والآخرون لا يدغمونها ويخفي أبو جعفر النون والتنوين عند الخاء والغين (هدى للمتقين) أي هو هدى أي رشد وبيان لأهل التقوى، وقيل هو نصب على الحال أي هادياً تقديره لا ريب في هدايته للمتقين والهدى ما يهتدي به الإنسان، للمتقين أي للمؤمنين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: المتقي من يتقي الشرك والكبائر والفواحش وهو مأخوذ من الاتقاء. وأصله الحجز بين الشيئين ومنه يقال اتقى بترسه أي جعله حاجزاً بين نفسه وبين ما يقصده. وفي الحديث: (( كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم )) أي إذا اشتد الحرب جعلناه حاجزاً بيننا وبين العدو، فكأن المتقي يجعل امتثال أمر الله والاجتناب عما نهاه حاجزاً بينه وبين العذاب. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكعب الأحبار: حدثني عن التقوى فقال: هل أخذت طريقاً ذا شوك قال: نعم. قال فما عملت فيه قال: حذرت وشمرت: قال كعب: ذلك التقوى. وقال شهر بن حوشب : المتقي الذي يترك ما لا بأس به حذراً لما به بأس وقال عمر بن عبد العزيز: التقوى ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فما رزق الله بعد ذلك فهو خير إلى خير. وقيل هو الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث: (( جماع التقوى في قوله تعالى ، { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } (90-النحل) الآية )) وقال ابن عمر: التقوى أن لا ترى نفسك خيراً من أحد. وتخصيص المتقين بالذكر تشريف لهم أو لأنهم هم المتقون بالهدى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
الأية
3
 
قوله تعالى : { الذين يؤمنون ، { موضع الذين خفض نعتاً للمتقين. يؤمنون: يصدقون [ ويترك الهمزة أبو عمرو وورش، والآخرون يهمزونه وكذلك يتركان كل همزة ساكنة هي فاء الفعل نحو يؤمن ومؤمن إلا أحرفاً معدودة ]. وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب، قال الله تعالى ، { وما أنت بمؤمن لنا } (17-يوسف) [ أي بمصدق لنا ] وهو في الشريعة: الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان، فسمي الإقرار والعمل إيماناً، لوجه من المناسبة، لأنه من شرائعه. والإسلام: هو الخضوع والانقياد، فكل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيماناً، إذا لم يكن معه تصديق، قال الله تعالى } : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } (14- الحجرات) وذلك لأن الرجل قد يكون مستسلماً في الظاهر غير مصدق في الباطن. وقد يكون مصدقاً في الباطن غيرمنقاد في الظاهر. وقد اختلف جواب النبي صلى الله عليه وسلم عنهما حين سأله جبريل عليه السلام وهو ما أخبرنا أبو طاهر محمد ابن علي بن محمد بن علي بن محمد بن بويه الزراد البخاري: أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ثنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي ثنا أبو أحمد عيسى / بن أحمد العسقلاني أنا يزيد بن هارون أنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال. كان أول من تكلم في القدر، يعني بالبصرة، معبداً الجهني فخرجت أنا و حميد بن عبد الرحمن نريد مكة فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقوله هؤلاء فلقينا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فعلمت أنه سيكل الكلام إلي فقلت: يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يتقفرون هذا العلم ويطلبونه يزعمون أن لا قدر إنما الأمر أنف قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريء شيئاً حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ثم قال. حدثنا عمر بن الخطاب قال } : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ما يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فأقبل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم [وركبته تمس ركبته] فقال: يامحمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا فقال: صدقت فتعجبنا من سؤاله وتصديقه. ثم قال: فما الإيمان قال: أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسوله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار وبالقدر خيره وشره فقال: صدقت. ثم قال: فما الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك قال: صدقت ثم قال: فأخبرني عن الساعة فقال ما المسؤول عنها بأعلم بها من السائل قال: صدقت قال: فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في بنيان المدر قال: صدقت ثم انطلق فلما كان بعد ثالثة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر هل تدري من الرجل؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها إلا في صورته هذه }. فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الإسلام في هذا الحديث إسماً لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين، ولذلك قال ذاك جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم. والدليل على أن الأعمال من الإيمان ما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاه ثنا أبو أحمد بن محمد بن قريش بن سليمان ثنا بشر بن موسى ثنا خلف بن الوليد عن جرير الرازي عن سهل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان }. وقيل: الإيمان مأخوذ من الأمان، فسمي المؤمن مؤمناً لأنه يؤمن نفسه من عذاب الله، والله تعالى مؤمن لأنه يؤمن العباد من عذابه. قوله تعالى ، { بالغيب }: والغيب مصدر وضع موضع الاسم فقيل للغائب غيب [ كما قيل للعادل عدل وللزائر زور. والغيب ما كان مغيباً عن العيون قال ابن عباس: الغيب هاهنا كل ما أمرت بالإيمان به فيما غاب عن بصرك مثل الملائكة والبعث والجنة والنار والصراط والميزان. وقيل الغيب هاهنا: هو الله تعالى، وقيل: القرآن،وقال الحسن: بالآخرة وقال زر بن حبيش وابن جريح: بالوحي. نظيره ، { أعنده علم الغيب } (35-النجم) وقال ابن كيسان : بالقدر وقال عبد الرحمن بن يزيد: كنا عند عبد الله بن مسعود فذكرنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم [وما سبقونا به] فقال عبد الله: إن أمر محمد كان بيناً لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ ، { الم * ذلك الكتاب ، { إلى قوله { المفلحون }. قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وورش يومنون بترك الهمزة وكذلك أبو جعفر بترك كل همزة ساكنة إلا في أنبئهم ونبئهم ونبئنا ويترك أبو عمرو كلها إلا أن تكون علامة للجزم نحو نبئهم وأنبئهم وتسؤهم وإن نشأ وننسأها ونحوها أو يكون خروجاً من لغة إلى أخرى نحو مؤصدة ورئياً. ويترك ورش كل همزة ساكنة كانت فاء الفعل إلا تؤوي وتؤويه ولا يترك من عين الفعل: إلا الرؤيا وبابه، إلا ما كان على وزن فعل. مثل: ذئب]. قوله تعالى } : ويقيمون الصلاة } ، أي يديمونها ويحافظون عليها في مواقيتها بحدودها، وأركانها وهيئاتها يقال: قام بالأمر، وأقام الأمر إذا أتى به معطىً حقوقه، والمراد بها الصلوات الخمس ذكر بلفظ (الواحد) كقوله تعالى } : فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق } (213-البقرة) يعني الكتب. والصلاة في اللغة: الدعاء، قال الله تعالى } : وصل عليهم } (103-التوبة) أي ادع لهم، وفي الشريعة اسم لأفعال مخصوصة من قيام وركوع وسجود وقعود ودعاء وثناء. وقيل في قوله تعالى ، { إن الله وملائكته يصلون على النبي } (56-الأحزاب) الآية إن الصلاة من الله في هذه الآية الرحمة ومن الملائكة الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء. قوله تعالى } : ومما رزقناهم } (أي) أعطيناهم والرزق اسم لكل ما ينتفع به حتى الولد والعبد وأصله في اللغة الحظ والنصيب ، { ينفقون ، { يتصدقون. قال قتادة : ينفقون في سبيل الله وطاعته. وأصل الإنفاق: الإخراج عن اليد والملك، ومنه نفاق السوق، لأنه تخرج فيه السلعة عن اليد، ومنه: نفقت الدابة إذا أخرجت روحها. فهذه الآية في المؤمنين من مشركي العرب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
الأية
4
 
قوله تعالى : { والذين يؤمنون بما أنزل إليك } ، يعني القرآن ، { وما أنزل من قبلك ، { من التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ويترك أبو جعفر و ابن كثير وقالون (وأبو عمرو) وأهل البصرة ويعقوب كل مدة تقع بين كل كلمتين. والآخرون يمدونها. وهذه الآية في المؤمنين من أهل الكتاب. قوله تعالى ، { وبالآخرة } ، أي بالدار الآخرة سميت الدنيا دنيا لدنوها من الآخرة وسميت الآخرة آخرة لتأخرها وكونها بعد الدنيا ، { هم يوقنون } ، أي يستيقنون أنها كائنة، من الإيقان: وهو العلم. وقيل: الإيقان واليقين: علم عن استدلال. ولذلك لا يسمى الله موقناً ولاعلمه يقيناً إذ ليس علمه عن استدلال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
الأية
5
 
قوله تعالى : { أولئك } ، أي أهل هذه الصفة وأولاء كلمة معناها الكناية عن جماعة نحو: هم، والكاف للخطاب كما في حرف ذلك ، { على هدى } ، أي رشد وبيان وبصيرة ، { من ربهم، وأولئك هم المفلحون } ، أي الناجون / والفائزون فازوا بالجنة ونجوا من النار، ويكون الفلاح بمعنى البقاء أي باقون في النعيم المقيم وأصل الفلاح القطع والشق ومنه سمي الزراع فلاحاً لأنه يشق الأرض وفي المثل: الحديد بالحديد يفلح أي يشق فهم (مقطوع) لهم بالخير في الدنيا والآخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
الأية
6
 
{ قوله ، { إن الذين كفروا } ، يعني مشركي العرب قال الكلبي : يعني اليهود. والكفر هو الجحود وأصله من الكفر وهو الستر ومنه سمي الليل كافراً لأنه يستر الأشياء بظلمته وسمي الزارع كافراً لأنه يستر الحب بالتراب والكافر يستر الحق بجحوده. والكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر عناد، وكفر نفاق. فكفر الإنكار: أن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به، وكفر الجحود هو: أن يعرف الله تعالى بقلبه ولا يقر بلسانه ككفر إبليس (وكفر) اليهود. قال الله تعالى } : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } (89-البقرة) وكفر العناد هو: أن يعرف الله بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به ككفر أبي طالب حيث يقول: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً وأما كفر النفاق: فهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بالقلب، وجميع هذه الأنواع سواء في أن من لقي الله تعالى بواحد منها لا يغفر له. قوله ، { سواء عليهم } ، أي: متساو لديهم ، { أأنذرتهم ، { خوفتهم وحذرتهم والإنذار إعلام مع تخويف وتحذير وكل منذر معلم وليس كل معلم منذراً وحقق ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي الهمزتين في ((أأنذرتهم)) وكذلك كل همزتين تقعان في أول الكلمة والآخرون يلينون الثانية { أم ، { حرف عطف على الاستفهام { لم ، { حرف جزم لا تلي إلا الفعل لأن الجزم يختص بالأفعال { تنذرهم لا يؤمنون ، { وهذه الآية في أقوام حقت عليهم الشقاوة في سابق علم الله ثم ذكر سبب تركهم الإيمان فقال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
الأية
7
 
{ فقال ، { ختم الله ، { طبع الله ، { على قلوبهم ، { فلا تعي خيراً ولا تفهمه. وحقيقة الختم الاستيثاق من الشيء كيلا يدخله ما خرج منه ولا يخرج عنه ما فيه، ومنه الختم على الباب. قال أهل السنة: أي حكم على قلوبهم بالكفر، لما سبق من علمه الأزلي فيهم، وقال المعتزلة: جعلعلى قلوبهم علامة تعرفهم الملائكة بها. { وعلى سمعهم }: أي: على موضع سمعهم فلا يسمعون الحق ولا ينتفعون به، وأراد على أسماعهم كما قال } : على قلوبهم ، { وإنما وحده لأنه مصدر، والمصدر لا يثنى ولا يجمع. { وعلى أبصارهم غشاوة ، { هذا ابتداء كلام. غشاوة أي: غطاء، فلا يرون الحق. وقرأ أبو عمرو و الكسائي أبصارهم بالامالة وكذا كل ألف بعدها راء مجرورة في الأسماء كانت لام الفعل يميلانها ويميل حمزة منها ما يتكرر فيه الراء كالقرار ونحوه. زاد الكسائي إمالة جبارين والجوار والجار وبارئكم ومن أنصاري ونسارع وبابه. وكذلك يميل هؤلاء كل ألف بمنزلة لام الفعل، أو كان علماً للتأنيث، إذا كان قبلها راء، فعلم التأنيث مثل: الكبرى والأخرى. ولام الفعل: مثل ترى وافترى، يكسزون الراء فيها. { ولهم عذاب عظيم } ، أي: في الآخرة، وقيل: القتل والأسر في الدنيا والعذاب الدائم في العقبى. والعذاب كل ما يعني الإنسان ويشق عليه. قال الخليل : العذاب ما يمنع الإنسان عن مراده، ومنه: الماء العذب، لأنه يمنع العطش.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ
الأية
8
 
{ قوله } : ومن الناس من يقول آمنا بالله ، { نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، ومعتب بن قشير، وجد بن قيس وأصحابهم حيث أظهروا كلمة الإسلام ليسلموا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واعتقدوا خلافها وأكثرهم من اليهود، والناس جمع انسان سمي به لأنه عهد إليه فنسي كما قال الله تعالى ، { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } (115-طه) وقيل لظهوره من قولهم آنست أي أبصرت، وقيل لأنه يستأنس به ، { وباليوم الآخر } ، أي بيوم القيامة. قال الله تعالى } : وما هم بمؤمنين } ، أي يخالفون الله.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
الأية
9
 
{ يخادعون الله } ، أي يخالفون الله وأصل الخدع في اللغة الإخفاء ومنه المخدع للبيت الذي يخفى فيه المتاع فالمخادع يظهر خلاف ما يضمر والخدع من الله في قوله { وهو خادعهم } (182-النساء) أي يظهر لهم ويعجل لهم من النعيم في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم من عذاب الآخرة. وقيل: أصل الخدع: الفساد، معناه يفسدون ما أظهروا من الإيمان بما أضمروا من الكفر. وقوله: '' وهو خادعهم } ، أي: يفسد عليهم نعيمهم في الدنيا بما يصيرهم إليه من عذاب الآخرة فإن قيل ما معنى قوله ، { يخادعون الله ، { والمفاعلة للمشاركة وقد جل الله تعالى عن المشاركة في المخادعة؟ قيل: قد ترد المفاعلة لا على معنى المشاركة كقولك عافاك الله وعاقبت فلاناً، وطارقت النعل. وقال الحسن : معناه يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى } : إن الذين يؤذون الله } (57- الأحزاب) أي أولياء الله، وقيل: ذكر الله هاهنا تحسين والقصد بالمخادعة الذين آمنوا كقوله تعالى ، { فأن لله خمسه وللرسول } (41- الأنفال) وقيل معناه يفعلون في دين الله ما هو خداع في دينهم ، { والذين آمنوا } ، أي و يخادعون المؤمنين بقولهمإذا رأوهم آمنا وهم غير مؤمنين. { وما يخدعون ، { قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو وما يخادعون كالحرف الأول وجعلوه من المفاعلة التي تختص بالواحد. وقرأ الباقون: وما يخدعون على الأصل. { إلا أنفسهم ، { لأن وبال خداعهم راجع إليهم لأن الله تعالى يطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على نفاقهم فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب في العقبى ، { وما يشعرون } ، أي لا يعلمون أنهم يخدعون أنفسهم وأن وبال خداعهم يعود عليهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
الأية
10
 
{ في قلوبهم مرض ، { شك ونفاق وأصل المرض الضعف. وسمي الشك في الدين مرضاً لأنه يضعف الدين كالمرض يضعف البدن. { فزادهم الله مرضاً ، { لأن الآيات كانت تنزل تترى، آية بعد آية، كلما كفروا بآية ازدادوا كفراً ونفاقاً وذلك معنى قوله تعالى ، { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم } (125-التوبة) وقرأ ابن عامر و حمزة فزادهم بالإمالة وزاد حمزة إمالة زاد حيث وقع وزاغ وخاب وطاب وحاق وضاق، والآخرون لا يميلونها ، { ولهم عذاب أليم ، { مؤلم يخلص وجعه إلى قلوبهم ، { بما كانوا يكذبون ، { ما للمصدر أي بتكذيبهم الله ورسوله في السر. قرأ الكوفيون يكذبون بالتخفيف أي بكذبهم (إذ) قالوا آمنا وهم غير مؤمنين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
الأية
11
 
{ وإذا قيل ، { قرأ الكسائي : (( قيل )) و (( غيض )) و (( جيء )) و (( حيل )) و (( سيق )) و (( سيئت )) بروم أوائلهن الضم - ووافق ابن عامر في (( سيق )) و (( حيل )) و (( سيئ )) و (( سيئت )) - ووافق أهل المدينة في: سيء وسيئت لأن أصلها قول بضم القاف وكسر الواو، مثل قتل وكذل في أخواته فأشير إلى الضمة لتكون دالة على الواو المنقلبة وقرأ الباقون بكسر أوائلهن، استثقلوا الحركة على الواو فنقلوا كسرتها إلى فاء الفعل وانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها / { وإذا قيل لهم } ، يعني للمنافقين، وقيل لليهود أي قال لهم المؤمنون ، { لا تفسدوا في الأرض ، { بالكفر وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. وقيل معناه لا تكفروا، والكفر أشد فساداً في الدين ، { قالوا إنما نحن مصلحون ، { يقولون هذا القول كذباً كقولهم آمنا وهم كاذبون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ
الأية
12
 
{ ألا ، { كلمة تنبيه ينبه بها المخاطب ، { إنهم هم المفسدون ، { أنفسهم بالكفر والناس بالتعويق عن الإيمان ، { ولكن لا يشعرون } ، أي لا يعلمون أنهم مفسدون لأنهم يظنون أن الذي هم عليه من إبطان الكفر صلاح. وقيل: لا يعلمون ما أعد الله لهم من العذاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ
الأية
13
 
{ وإذا قيل لهم } ، أي للمنافقين وقيل لليهود ، { آمنوا كما آمن الناس ، { عبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب وقيل كما آمن المهاجرون والأنصار ، { قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء } ، أي الجهال فإن قيل كيف يصح النفاق مع ( المهاجرة ) بقولهم أنؤمن كما آمن السفهاء قيل أنهم كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم لا عند المؤمنين. فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بذلك فرد الله عليهم فقال ، { ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ، { أنهم كذلك فالسفيه خفيف العقل رقيق الحلم من قولهم: ثوب سفيه أي رقير وقيل السفيه الكذاب الذي يتعمد (الكذب) بخلاف ما يعلم. قرأ أهل الكوفة والشام (السفهاء ألا) بتحقيق الهمزتين وكذلك كل همزتين وقعتا في كلمتين اتفقتا أو اختلفتا والآخرون يحققون الأولى ويلينون الثانية في المختلفتين طلباً للخفة فإن كانتا متفقتين مثل: هؤلاء، وأولياء، وأولئك، وجاء أمر ربك - قرأها أبو عمرو و البزي عن ابن كثير بهمزة واحدة وقرأ أبو جعفر وورش والقواش و يعقوب بتحقيق الأولى وتليين الثانية وقرأ قالون بتخفيف الأولى وتحقيق الثانية لأن ما يستأنف أولى بالهمزة مما يسكت عليه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ
الأية
14
 
{ وإذا لقوا الذين آمنوا } ، يعني هؤلاء المنافقين إذا لقوا المهاجرين والأنصار ، { قالوا آمنا ، { كإيمانكم ، { وإذا خلوا ، { رجعوا. ويجوز أن يكون من الخلوة ، { إلى } ، بمعنى الباء أي بشياطينهم وقيل: إلى بمعنى مع كما قال ( الله تعالى ) { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } ( 2-النساء) أي مع أموالكم ، { شياطينهم } ، أي رؤسائهم وكهنتهم قال ابن عباس رضي الله عنهما: وهم حمسة نفر من اليهود كعب بن الأشرف بالمدينة، وأبو بردة في بني أسلم وعبد الدار في جهينة، وعوف بن عامر في بني أسد، وعبد الله بن السوداء بالشام. ولا يكون كاهن إلا ومعه شيطان تابع له.والشيطان : المتمرد العاتي من الجن والإنس ومن كل شيء وأصله البعد ، يقال بئر شطون أي : بعيدة العمق ، سمي الشيطان شيطانا لامتداده في الشر وبعده عن الخير . وقال مجاهد : إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين ، { قالوا إنا معكم } ، أي : على دينكم ، { إنما نحن مستهزئون ، { بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما نظهر من الإسلام . قرأ أبو جعفر مستهزون ويستهزون وقل استهزوا وليطفوا وليواطوا ويستنبونك وخاطين وخاطون ومتكن ومتكون فمالون والمنشون بترك الهمزة فيهن.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
الأية
15
 
{ الله يستهزئ بهم } ، أي يجازيهم جزاء استهزائهم سمي الجزاء باسمه لأنه في مقابلته كما قال الله تعالى } : وجزاء سيئة سيئة مثلها } (40-الشورى) قال ابن عباس: هو أن يفتح لهم باب من الجنة فإذا انتهوا إليه سد عنهم، وردوا إلى النار وقيل هو أن يضرب للمؤمنين نور يمشون به على الصراط فإذا وصل المنافقون إليه حيل بينهم وبين المؤمنين كما قال الله تعالى } : وحيل بينهم وبين ما يشتهون } (54-سبأ) قال الله تعالى } : فضرب بينهم بسور له باب ، { الآية (13-الحديد) وقال الحسن معناه الله يظهر المؤمنين على نفاقهم ، { ويمدهم ، { يتركهم ويمهلهم والمد والإمداد واحد، وأصله الزيادة إلا أن المد أكثر ما يأتي في الشر والإمداد في الخير قال الله تعالى في المد ، { ونمد له من العذاب مداً } (79-مريم) وقال في الإمداد ، { وأمددناكم بأموال وبنين } (6 ـ الإسراء ) { وأمددناهم بفاكهة } (22-الطور) { في طغيانهم } ، أي في ضلالتهم وأصله مجاوزة الحد. ومنه طغى الماء ، { يعمهون } ، أي يترددون في الضلالة متحيرين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
الأية
16
 
{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } ، أي استبدلوا الكفر بالإيمان ، { فما ربحت تجارتهم } ، أي ما ربحوا في تجارتهم أضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها كما تقول العرب: ربح بيعك وخسرت صفقتك ، { وما كانوا مهتدين ، { من الضلالة، وقيل مصيبين في تجارتهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ
الأية
17
 
{ مثلهم ، { شبههم، وقيل صفتهم. والمثل: قول سائر في عرف الناس يعرف به معنى الشيء وهو أحد أقسام القرآن السبعة ، { كمثل الذي } ، يعني الذين بدليل سياق الآية. ونظيره ، { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون } (33-الزمر) { استوقد ، { أوقد ، { ناراً فلما أضاءت ، { النار ، { ما حوله } ، أي حول المستوقد. وأضاء: لازم ومتعد يقال أضاء الشيء بنفسه وأضاءه غيره وهو هاهنا متعد ، { ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، { قال ابن عباس و قتادة و مقاتل و الضحاك و السدي نزلت في المنافقين. يقول: مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد ناراً في ليلة مظلمة في مفازة فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف فبينا هو كذلك إذا طفيت ناره فبقي في ظلمة طائفاً متحيراً فكذلك المنافقون بإظهار كلمة الإيمان أمنوا على أموالهم وأولادهم وناكحوا المؤمنين ووارثوهم وقاسموهم الغنائم فذلك نورهم فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف. وقيل: ذهاب نورهم في القبر. وقيل: في القيامه حيث يقولون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم. وقيل: ذهاب نورهم بإظهارعقيدتهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فضرب النار مثلاً ثم لم يقل أطفأ الله نارهم لكن عبر بإذهاب النور عنه لأن النار نور وحرارة فيذهب نورهم وتبقى الحرارة عليهم. وقال مجاهد : إضاءة النار إقبالهم إلى المسلمين والهدى وذهاب نورهم إقبالهم إلى المشركين والضلالة وقال عطاء و محمد بن كعب : نزلت في اليهود. وانتظارهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستفتاحهم به على مشركي العرب فلما خرج كفروا به ثم وصفهم الله فقال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ
الأية
18
 
{ صم } ، أي هم صم عن الحق لا يقبلونه وإذا لم يقبلوا فكأنهم لم يسمعوا ، { بكم ، { خرس عن الحق لا يقولونه أو أنهم لما أبطنوا خلاف ما أظهروا فكأنهم لم ينطقوا بالحق ، { عمي } ، أي لا بصائر لهم ومن لا بصيرة له كمن لا بصر له ، { فهم لا يرجعون ، { عن الضلالة إلى الحق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
الأية
19
 
{ أو كصيب } ، أي كأصحاب صيب وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى للمنافقين بمعنىآخر إن شئت مثلهم بالمستوقد وإن شئت بأهل الصيب وقيل / أو بمعنى الواو يريد وكصيب كقوله تعالى } : أو يزيدون } ، بمعنى ويزيدون والصيب المطر وكل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب فيعل من صاب يصوب أي نزل من السماء أي من السحاب قيل هي السماء بعينها والسماء كل ما علاك فأظلك وهي من أسماء الأجناس يكون واحداً وجمعاً ، { فيه } ، أي في الصيب وقيل في السماء أي من السحاب ولذلك ذكره وقيل السماء يذكر ويؤنث قال الله تعالى } : السماء منفطر به } (18-المزمل) وقال ، { إذا السماء انفطرت } (1-الانفطار) { ظلمات ، { جمع ظلمة ، { ورعد ، { هو الصوت الذي يسمع من السحاب ، { وبرق ، { وهو النار التي تخرج منه. قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين رضي الله عنهم: الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب. وقيل الصوت زجر السحاب وقيل تسبيح الملك. وقيل الرعد نطق الملك والبرق ضحكه. وقال مجاهد الرعد اسم الملك ويقال لصوته أيضاً رعد والبرق مصع ملك يسوق السحاب وقال شهر بن حوشب : الرعد ملك يزجي السحاب فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق، وقيل الرعد صوت انحراف الريح بين السحاب والأول أصح. { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق ، { جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه. ويقال لكل عذاب مهلك: صاعقة، وقيل الصاعقة قطعة عذاب ينزلها الله تعالى على من يشاء. روي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال } : اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك }.قوله ، { حذر الموت } ، أي مخافة الهلاك ، { والله محيط بالكافرين } ، أي عالم بهم وقيل جامعهم. وقال مجاهد : يجمعهم فيعذبهم. وقيل: مهلكهم، دليله قوله تعالى } : إلا أن يحاط بكم } (66-يوسف) أي تهلكوا جميعاً. ويميل أبو عمرو و الكسائي الكافرين في محل النصب والخفض ولا يميلان } : أول كافر به } (41-البقرة).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
الأية
20
 
{ يكاد البرق } ، أي يقرب، يقال: كاد يفعل إذا قرب ولم يفعل ، { يخطف أبصارهم ، { يختلسها والخطف استلاب بسرعة ، { كلما ، { كل حرف جملة ضم إلى ما الجزاء فصار أداة للتكرار ومعناهما متى ما ، { أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا } ، أي وقفوا متحيرين، فالله تعالى شبههم في كفرهم ونفاقهم بقوم كانوا في مفازة في ليلة مظلمة أصابهم مطر فيه ظلمات من صفتها أن الساري (لا يمكنه) المشي فيها، ورعد من صفته أن يضم السامعون أصابعهم إلى آذانهم من هوله، وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويعميها من شدة توقده، فهذا مثل ضربه الله للقرآن وصنيع الكافرين والمنافقين معه، فالمطر القرآن لأنه حياة الجنان كما أن المطر حياة الأبدان، والظلمات ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك، والرعد ما خوفوا به من الوعيد، وذكر النار والبرق ما فيه من الهدى والبيان والوعد وذكر الجنة. والكافرون يسدون آذانهم عند قراءة القرآن مخافة ميل القلب إليه لأن الإيمان عندهم كفر والكفر موت ، { يكاد البرق يخطف أبصارهم } ، أي القرآن يبهر قلوبهم. وقيل هذا مثل ضربه الله للإسلام فالمطر الإسلام والظلمات ما فيه من البلاء والمحن، والرعد: ما فيه من الوعيد والمخاوف في الآخرة، والبرق ما فيه من الوعد والوعيد ، { يجعلون أصابعهم في آذانهم } ، يعني أن المنافقين إذا رأوا في الإسلام بلاء وشدة هربوا حذراً من الهلاك ، { والله محيط بالكافرين ، { جامعهم يعني لا ينفعهم هربهم لأن الله تعالى من ورائهم يجمعهم فيعذبهم. يكاد البرق يعنى دلائل الإسلام تزعجهم إلى النظر لولا ما سبق لهم من الشقاوة. { كلما أضاء لهم مشوا فيه } ، يعني أن المنافقين إذا أظهروا كلمة الإيمان آمنوا فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة. وقيل معناه كلما نالواغنيمة وراحة في الإسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم ، { وإذا أظلم عليهم قاموا } ، يعني: رأوا شدة وبلاء تأخروا وقاموا أي وقفوا كما قال تعالى ، { ومن الناس من يعبد الله على حرف } (11-الحج) { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } ، أي بأسماعهم ، { وأبصارهم ، { الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة، وقيل لذهب بما استفادوا من العز والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر. { إن الله على كل شيء قدير }: قادر. قرأ عامر وحمزة شاء وجاء حيث كان بالإمالة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
الأية
21
 
قوله تعالى : { يا أيها الناس ، { قال ابن عباس رضي الله عنهما: ياأيها الناس خطاب أهل مكة، ويا أيها الذين آمنوا خطاب أهل المدينة وهو هاهنا عام إلا من حيث أنه لا يدخله الصغار والمجانين. { اعبدوا ، { وحدوا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناها التوحيد ، { ربكم الذي خلقكم ، { الخلق: اختراع الشيء على غير مثال سبق ، { والذين من قبلكم } ، أي وخلق الذين من قبلكم ، { لعلكم تتقون ، { لكي تنجوا من العذاب وقيل معناه كونوا على رجاء التقوى بأن تصيروا في ستر ووقاية من عذاب الله، وحكم الله من ورائكم يفعل ما يشاء كما قال } : فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } (44-طه) أي ادعواه إلى الحق وكونا على رجاء التذكر، وحكم الله من ورائه يفعل ما يشاء، قال سيبويه : لعل وعسى حرفا ترج وهما من الله واجب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
الأية
22
 
{ الذي جعل لكم الأرض فراشاً } ، أي بساطاً وقيل مناماً وقيل وطاء أي ذللها ولم يجعلها حزنة لايمكن القرار عليها قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنه قال: '' سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي ذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهوخلقك قلت: إن ذلك عظيم. ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك . قلت: ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك ، { والجعل هاهنا بمعنى الخلق ، { والسماء بناء ، { وسقفاً مرفوعاً. { وأنزل من السماء } ، أي من السحاب ، { ماء ، { وهو المطر ، { فأخرج به من الثمرات ، { من ألوان الثمرات وأنواع النبات ، { رزقاً لكم ، { طعاماً لكم وعلفاً لدوابكم ، { فلا تجعلوا لله أنداداً } ، أي أمثالاً تعبدونهم كعبادة الله. قال أبو عبيدة: الند الضد وهو من الأضداد والله تعالى بريء من المثل والضد. { وأنتم تعلمون ، { أنه واحد خالق هذه الأشياء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
الأية
23
 
{ وإن كنتم في ريب } ، أي (وإن) كنتم في شك، لأن الله تعالى علم أنهم شاكون ، { مما نزلنا } ، يعني القرآن ، { على عبدنا ، { محمد ، { فأتوا ، { أمر تعجيز ، { بسورة ، { والسورة قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر من أسأرت أي أفضلت، حذفت الهمزة، وقيل: السورة اسم للمنزلة الرفيعة / ومنه سور البناءلارتفاعه سميت سورة لأن القارئ ينال بقراءتها منزلة رفيعة حتى يستكمل المنازل باستكماله سور القرآن ، { من مثله } ، أي مثل القرآن (( ومن )) صلة، كقوله تعالى } : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } (30-النور) وقيل: الهاء في مثله راجعة لمحمد صلى الله عليه وسلم يعني: من مثل محمد صلى الله عليه وسلم أمي لا يحسن الخط والكتابة [ قال محمود هاهنا من مثله دون سائر السور، لأن من للتبعيض وهذه السورة أول القرآن بعد الفاتحة فأدخل من ليعلم أن التحدي واقع على جميع سور القرآن، ولو أدخل من في سائر السور كان التحدي واقعاً على جميع سور القرآن، ولو أدخل خفي سائر السور كان التحدي واقعاً على بعض السور ]. { وادعوا شهداءكم } ، أي واستعينوا بآلهتكم التي تعبدونها ، { من دون الله ، { وقال مجاهد : ناساً يشهدون لكم ، { إن كنتم صادقين ، { أن محمداً صلى الله عليه وسلم يقوله من تلقاء نفسه فلما تحداهم عجزوا فقال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
الأية
24
 
{ فإن لم تفعلوا ، { فيما مضى ، { ولن تفعلوا ، { أبداً فيما بقي. وإنما قال ذلك لبيان الإعجاز وأن القرآن كان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث عجزوا عن الإتيان بمثله. { فاتقوا النار } ، أي فآمنوا واتقوا بالإيمان النار. { التي وقودها الناس والحجارة ، { قال ابن عباس وأكثر المفسرين يعني حجارة الكبريت لأنها أكثر التهاباً، وقيل جميع الحجارة وهودليل على عظمة تلك النار وقيل: أراد بها الأصنام لأن أكثر أصنامهم كانت منحوتة من الحجارة كما قال ، { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } (98-الأنبياء) { أعدت ، { هيئت ، { للكافرين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الأية
25
 
{ وبشر الذين آمنوا } ، أي أخبر والبشارة كل خبر صدق تتغير به بشرة الوجه، ويستعمل في الخير والشر، وفي الخير أغلب ، { وعملوا الصالحات } ، أي الفعلات الصالحات يعني المؤمنين الذين من أهل الطاعات قال عثمان بن عفان رضي الله عنه ، { وعملوا الصالحات } ، أي أخلصوا الأعمال كما قال ، { فليعمل عملاً صالحاً } (110-الكهف) أي خالياً عن الرياء. قال معاذ: العمل الصالح الذي فيه أربعة أشياء: العلم، والنية، والصبر، والاخلاص. { أن لهم جنات ، { جمع الجنة، والجنة البستان الذي فيه أشجار مثمرة، سميت بها لاجتنابها وتسترها بالأشجار. وقال الفراء : الجنة ما فيه النخيل، والفردوس ما فيه الكرم. { تجري من تحتها } ، أي من تحت أشجارها ومساكنها ، { الأنهار } ، أي المياه في الأنهار لأن النهر لا يجري وقيل (من تحتها) أي بأمرهم لقوله تعالى حكاية عن فرعون ، { وهذه الأنهار تجري من تحتي } (51-الزخرف) أي بأمري والأنهار جمع نهر سمي به لسعته وضيائه. ومنه النهار. وفي الحديث (( أنهار الجنة في غير أخدود )) { كلما ، { متى ما ، { رزقوا ، { أطعموا ، { منها } ، أي من الجنة من ثمرة أي ثمرة و ، { من ، { صلة ، { رزقاً ، { طعاماً ، { قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ، { وقبل رفع على الغاية. قال الله تعالى } : لله الأمر من قبل ومن بعد } (4-الروم) قيل: من قبل في الدنيا وقيل: الثمار في الجنة متشابهة في اللون، مختلفة في الطعم، فإذا رزقوا ثمرة بعد أخرى ظنوا أنها الأولى ، { وأتوا به ، { بالرزق ، { متشابهاً ، { قال ابن عباس و مجاهد و الربيع : متشابهاً في الأوان، مختلفاً في الطعوم. وقال الحسن و قتادة : متشابهاً. أي يشبه بعضها بعضاً في الجودة، أي كلها خيار لا رذالة فيها. وقال محمد بن كعب : يشبه ثمر الدنيا غير أنها أطيب. وقيل متشابهاً في الاسم مختلفاً في الطعم. قال: ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسامي. أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا محمد بن كثير أنا سفيان الثوري عن الأعمش عن ابي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبزقون، يلهمون الحمد والتسبيح، كما تلهمون النفس، طعامهم الجشاء، ورشحهم المسك }. قوله تعالى } : ولهم فيها ، { في الجنان ، { أزواج ، { نساء وجواري يعني من الحور العين ، { مطهرة ، { من الغائط، والبول، والحيض، والنفاس، والبصاق، والمخاط والمني، والولد، وكل قذر. قال إبراهيم النخعي : في الجنة جماع ما شئت ولا ولد. وقال الحسن هن عجائزكم الغمص العمش طهرن من قذرات الدنيا. وقيل: مطهرة عن مساوئ الأخلاق ، { وهم فيها خالدون ، { دائمون لا يموتون فيها ولا يخرجون منها. أنا أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف الفربري ، أنا محمد بن إسماعيل البخاري أنا قتيبة بن سعيد ، أنا جرير عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء }. أنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا فضيل هو ابن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : أول زمرة تدخل الجنة يوم القيامة صورة وجوههم مثل صورة القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن الكواكب في السماء لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقهن دون لحومها ودمائها وحللها }. أنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي المروزي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا اسماعيل بن جعفر بن أبي كثير المدني عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم } : لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينهما ولملئت ما بينهما ريحاً، ولتاجها على رأسها خير من الدنيا وما فيها }. أنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني أنا أبو محمد محمد بن شريك الشافعي أنا عبد الله بن محمد بن مسلم أنا أبو بكر الجوربذي أنا أحمد بن الفرج الحمصي أنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار أنا محمد بن المهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : ألا هل من مشمر للجنة، وإن الجنة لا خطر لها وهي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز، وقصر مشيد ونهر مطرد، وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام أبد في دار / سليمة وفاكهة خضرة، وحبرة، ونعمة في محلة عالية بهية قالوا: نعم يا رسول الله نحن المشمرون لها فقال: قولوا إن شاء الله قال القوم: إن شاء الله. { وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: '' أهل الجنة جرد مرد كحل لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم }. أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا الحاكم أبو الفضل الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى ابن خالد أنا إسحاق الحنظلي أنا أبو معاوية أنا عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعيد عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إن في الجنة لسوقاً ليس فيه بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها، إن فيها لمجتمع الحور العين ينادين، بصوت لم يسمع الخلائق مثله: نحن الخالدات فلا نبيد أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، فطوبى لمن كان لنا وكنا له ونحن له ، { ورواه أبو عيسى عن هناد و أحمد بن منيع عن أبي نعاوية مرفوعاً وقال: هذا حديث غريب. أنا أسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبارالبصري أنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلهم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً فيقولون وأنتم والله لقد زدتم بعدنا حسناً وجمالاً }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
الأية
26
 
{ قوله تعالى ، { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ، { سبب نزول هذه الآية أن الله تعالى لما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت فقال } : إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له } (73-الحج) وقال } : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً } (41-العنكبوت) قالت اليهود: ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟ وقيل: قال المشركون: إنا لا نعبد إلهاً يذكر مثل هذه الأشياء فأنزل الله تعالى ، { إن الله لا يستحيي } ، أي لا يترك ولا يمنعه الحياء ، { أن يضرب مثلاً ، { يذكر شبهاً ، { ما بعوضة ، { ما: صلة، أي مثلاً بالبعوضة، وبعوضة نصب بدل عن المثل. والبعوض صغار البق سميت بعوضة كأنها بعض البق ، { فما فوقها ، { يعنى الذباب والعنكبوت وقال أبو عبيدة أي فما دونها كما يقال وفوق ذلك أي وأجهل ، { فأما الذين آمنوا ، { بمحمد والقرآن ، { فيعلمون أنه } ، يعني: المثل هو ، { الحق ، { الصدق ، { من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً { ؟ أي بهذا المثل فلما حذف الألف واللام نصبه على الحال والقطع ثم أجابهم فقال ، { يضل به } ، أي بهذا المثل ، { كثيراً ، { من الكفار وذلك أنهم يكذبونه فيزدادون ضلالاً ، { ويهدي به } ، أي بهذا المثل ، { كثيراً ، { من المؤمنين فيصدقونه، والإضلال: هو الصرف عن الحق إلى الباطل. وقيل: هو الهلاك يقال ضل الماء في اللبن إذا هلك ، { وما يضل به إلا الفاسقين ، { الكافرين وأصل الفسق الخروج يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها قال الله تعالى } : ففسق عن أمر ربه } (50-الكهف) أي خرج ثم وصفهم فقال:

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
الأية
27
 
{ الذين ينقضون ، { يخالفون ويتركون وأصل النقض الكسر ، { عهد الله ، { أمر الله الذي عهد إليهم يوم الميثاق بقوله } : ألست بربكم؟ قالوا بلى } ( 173-الأعراف) وقيل: أراد به العهد الذي أخذه على النبيين وسائر الأمم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم في قوله } : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } (81-آل عمران) الآية وقيل: أراد به العهد الذي عهد إليهم في التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويبينوا نعته ، { من بعد ميثاقه ، { توكيده. والميثاق: العهد المؤكد ، { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، { يعنى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبجميع الرسل عليهم السلام لأنهم قالوا: نؤمن ببعض ونكفر ببعض وقال المؤمنون ، { لا نفرق بين أحد من رسله } (285-البقرة) وقيل: أراد به الأرحام ، { ويفسدون في الأرض ، { بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن ، { أولئك هم الخاسرون ، { المغبونون، ثم قال لمشركي العرب على وجه التعجب

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
الأية
28
 
{ كيف تكفرون بالله ، { بعد نصب الدلائل ووضوح البراهين ثم ذكر الدلائل فقال } : وكنتم أمواتاً ، { نطفاً في أصلاب آبائكم ، { فأحياكم ، { في الأرحام والدنيا ، { ثم يميتكم ، { عند انقضاء آجالكم ، { ثم يحييكم ، { للبعث ، { ثم إليه ترجعون } ، أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم. قرأ يعقوب (( ترجعون )) في كل القرآن بفتح الياء والتاء على تسمية الفاعل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
الأية
29
 
{ قوله تعالى ، { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ، { لكي تعتبروا وتستدلوا وقيل لكي تنتفعوا ، { ثم استوى إلى السماء ، { قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء. وقال ابن كيسان و الفراء وجماعة من النحويين: أي أقبل على خلق السماء. وقيل: قصد لأنه خلق الأرض أولاً ثم عمد إلى خلق السماء ، { فسواهن سبع سماوات ، { خلقهن مستويات لا فطور فيها ولا صدع ، { وهو بكل شيء عليم ، { قرأ أبو جعفر و أبو عمرو و الكسائي و قالون وهو وهي بسكون الهاء إذا كان قبل الهاء واو أو فاء أو لام، زاد الكسائي و قالون : ثم هو و قالون ، { أن يمل هو } (282-البقرة).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الأية
30
 
قوله تعالى : { وإذ قال ربك } ، أي وقال ربك وإذ زائدة وقيل معناه واذكر إذ قال ربك وكذلك كل ما ورد في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله وإذ وإذا حرفا توقيت إلا أن إذ للماضي وإذا للمستقبل وقد يوضع أحدهما موضع الآخر قال المبرد : إذا جاء (إذ) مع المستقبل كان معناه ماضياً كقوله تعالى ، { وإذ يمكر بك الذين } (30-الأنفال) يريد وإذ مكروا وإذا جاء (إذا ) مع الماضي كان معناه مستقبلاً كقوله } : فإذا جاءت الطامة } (34-النازعات) { إذا جاء نصر الله } (1-النصر) أي يجيء ، { للملائكة ، { جمع ملك وأصله مألك من المألكة والألوكة والوك، وهي: الرسالة فقلبت فقيل ملأك ثم حذفت الهمزة طلباً للخفة لكثرة استعماله ونقلت حركتها إلى اللام فقيل ملك. وأراد بهم الملائكة الذين كانوا في الأرض وذلك أن الله تعالى خلق السماء والأرض وخلق الملائكة والجن فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن الأرض فغبروا فعبدوا دهراً طويلاً في الأرض، ثم ظهر فيهم الحسد والبغي فأفسدوا وقتلوا فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة يقال لهم: الجن، وهم خزان الجنان اشتق لهم من الجنة رأسهم إبليس وكان رئيسهم ومرشدهم وأكثرهم علماً فهبطوا إلى الأرض فطردوا الجن إلى شعوب الجبال (وبكون الأودية) وجزائر البحور وسكنوا الأرض وخفف الله عنهم العبادة فأعطى الله إبليس ملك الأرض، وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة وكان يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة فدخله العجب فقال في نفسه: ما أعطاني الله هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه فقال الله تعالى / له ولجنده } : إني جاعل ، { خالق. { في الأرض خليفة } ، أي بدلاً منكم ورافعكم إلي، فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة. والمراد بالخليفة هاهنا آدم سماه لأنه خلف الجن أي جاء بعدهم وقيل لأنه يخلفه غيره والصحيح أنه خليفة الله في أرضه لإقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه ، { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ، { بالمعاصي. { ويسفك الدماء ، { بغير حق أي كما فعل بنو الجان فقاسوا الشاهد على الغائب وإلا فهم ما كانوا يعلمون الغيب ، { ونحن نسبح بحمدك ، { قال الحسن: نقول سبحان الله وبحمده وهو صلاة الخلق (وصلاة البهائم وغيرهما) سوى الآدميين، وعليها يرزقون.أخبرنا اسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا زهير بن حرب أنا حبان بن هلال أنا وهيب أنا سعيد الجريري عن أبي عبد الله الجسري عن عبادة بن الصامت عن أبي ذر أن رسول صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل قال } : ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده ، { وقيل: ونحن نصلي بأمرك، قال ابن عباس: كل ما في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة ، { ونقدس لك } ، أي نثني عليك بالقدس والطهارة وقيل: ونطهر أنفسنا لطاعتك وقيل: وننزهك. واللام صلة وقيل: لم يكن هذا في الملائكة على طريق الاعتراض والعجب بالعمل بل على سبيل التعجب وطلب وجه الحكمة فيه ، { قال ، { الله ، { إني أعلم ما لا تعلمون ، { من المصلحة فيه، وقيل: إني أعلم أن في ذريته من يطيعني ويعبدني من الأنبياء والأولياء والعلماء وقيل: إني أعلم أن فيكم من يعصيني، وهو إبليس، وقيل إني أعلم أنهم يذنبون وأنا أغفر لهم. قرأ أهل الحجاز والبصرة إني أعلم بفتح الياء وكذلك كل ياء إضافة استقبلها ألف مفتوحة إلا في مواضع معدودة ويفتحون في بعض المواضع عند الألف المضمومة والمكسورة (وعند غير الألف) وبين القراء في تفصيله اختلاف.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
الأية
31
 
{ قوله } : وعلم آدم الأسماء كلها ، { سمي آدم لأنه خلق أديم الأرض، وقيل: لأنه كان آدم اللون وكنيته أبو محمد وأبو البشر فلما خلقه الله تعالى علمه أسماء الأشياء وذلك أن الملائكة قالوا: لما قال الله تعالى: (( إني جاعل في الأرض خليفة )): ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقاً أكرم عليه منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره. فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم وفيه دليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلاً كما ذهب إليه أهل السنة والجماعة قال ابن عباس و مجاهد و قتادة : علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة وقيل: اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وقال الربيع بن أنس: أسماء الملائكة وقيل: أسماء ذريته، وقيل: صنعة كل شيء قال أهل التأويل: إن الله عز وجل علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرقوا في البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة. { ثم عرضهم على الملائكة ، { إنما قال عرضهم ولم يقل عرضها لأن المسميات إذا جمعت من يعقل ومالا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور وقال مقاتل خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة فالكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال عرضهم ، { فقال أنبئوني ، { أخبروني ، { بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ، { في أني لا أخلق خلقاً إلا وكنتم أفضل وأعلم منه فقالت الملائكة إقراراً بالعجز

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
الأية
32
 
{ قالوا سبحانك ، { تنزيهاً لك ، { لا علم لنا إلا ما علمتنا } ، معناه فإنك أجل من أن نحيط بشئ من علمك إلا ما علمتنا ، { إنك أنت العليم ، { بخلقك ، { الحكيم ، { في أمرك والحكيم له ومعنيان: أحدهما الحاكم وهو القاضي العدل والثاني المحكم للأمر كي لا لا يتطرق إليه الفساد وأصل الحكمة في اللغة: المنع فهي تمنع صاحبها من الباطل ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها من الاعوجاج فلما ظهر عجزهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
الأية
33
 
{ قال ، { الله تعالى } : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، { أخبرهم بأسمائهم فسمى آدم كل شئ باسمه وذكر الحكمة التي لأجلها خلق ، { فلما أنبأهم بأسمائهم قال ، { الله تعالى ، { ألم أقل لكم ، { يا ملائكتي ، { إني أعلم غيب السماوات والأرض ، { ما كان منهما وما يكون لأنه قد قال لهم ، { إني أعلم ما لا تعلمون } (30 - البقرة ) { وأعلم ما تبدون ، { قال الحسن وقتادة: يعني قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها { وما كنتم تكتمون ، { قولكم لن يخلق الله خلقاً أكرم عليه منا، قال ابن عباس رضي الله عنهما هو أن إبليس مر على جسد آدم وهو ملقى بين مكة والطائف لا روح فيها فقال: لأمر ما خلق هذا ثم دخل في فيه وخرج من دبره وقال: إنه خلق لا يتماسك لأنه أجوف ثم قال للاملائكة الذين معه أرايتم إن فضل هذا عليكم وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون ؟ قالوا: نطيع أمر ربنا، فقال إبليس في نفسه: والله لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط علي لأعصينه فقال الله تعالى } : وأعلم ما تبدون } ، يعني ما تبديه الملائكة من الطاعة ، { وما كنتم تكتمون } ، يعني إبليس من المعصية.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
الأية
34
 
{ وقوله تعالى } : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، { قرأ أبو جعفر (( للملائكة اسجدوا )) بضم التاء على جوار ألف اسجدوا وكذلك قرأ ، { قال رب احكم بالحق } (112-الأنبياء) بضم الباء وضعفه النحاة جداً ونسبوه إلى الغلط فيه واختلفوا في أن هذا الخطاب مع أي الملائكة فقال بعضهم: مع الذين كانوا سكان الأرض. والأصح: أنه مع جميع الملائكة لقوله تعالى } : فسجد الملائكة كلهم أجمعون } (30-الحجر) وقوله: (اسجدوا) فيه قولان: الأصح أن السجود كان لآدم على الحقيقة، وتضمن معنى الطاعة لله عز وجل بامتثال أمره، وكان ذلك سجود تعظيم وتحية لا سجود عبادة، كسجود إخوة يوسف له في قوله عز وجل ، { وخروا له سجداً } (100-يوسف) ولم يكن فيه وضع الوجه على الأرض، إنما كان الانحناء، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام. وقيل: معنى قوله ، { اسجدوا لآدم } ، أي إلى آدم قبلة، والسجود لله تعالى، كما جعلت الكعبة قبلةً للصلاة والصلاة لله عز وجل. { فسجدوا } ، يعني: الملائكة ، { إلا إبليس ، { وكان اسمه عزازيل بالسريانية، وبالعربية: الحارث، فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل: إبليس، لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أي يئس. واختلفوا فيه فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين: كان إبليس من الملائكة، وقال الحسن : كان من الجن ولم يكن من الملائكة لقوله تعالى ، { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } (50-الكهف) فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من النور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة، والأول أصح لأن خطاب السجود كان مع الملائكة، وقوله ، { كان من الجن } ، أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة. وقال سعيد بن جبير: من الذين يعملون في الجنة، وقال: قوم من الملائكة الذين يصوغون حلي أهل الجنة، وقيل: إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار سموا جناً لاستتارهم عن الأعين، وإبليس كان منهم. والدليل عليه قوله تعالى ، { وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً } (158-الاصافات) وهو قولهم: الملائكة / بنات الله، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية. قوله } : أبى } ، أي امتنع فلم يسجد ، { واستكبر } ، أي تكبر عن السجود (لآدم) { وكان } ، أي: صار ، { من الكافرين ، { وقال أكثر المفسرين: وكان في سابق علم الله من الكافرين الذين وجبت لهم الشقاوة. أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا ابن الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد أنا اسحاق بن ابراهيم الحنظلي أنا جرير ووكيع وأبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
الأية
35
 
{ قوله تعالى ، { وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ، { وذلك أن آدم لم يكن له في الجنة من يجانسه فنام نومة فخلق الله زوجته حواء من قصيراء من شقه الأيسر، وسميت حواء لأنها خلقت من حي، خلقها الله عز وجل من غير أن أحس به آدم ولا وجد له ألماً، ولو وجد ألماً لما عطف رجل على امرأة قط فلما هب من نهومه رآها جالسة عند رأسه (كأحسن ما في) خلق الله فقال لها: من أنت؟ قالت زوجتك خلقني الله لك تسكن إلي وأسكن إليك ، { وكلا منها رغداً ، { واسعاً كثيراً ، { حيث شئتما ، { كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما ، { ولا تقربا هذه الشجرة } ، يعني للأكل، وقال بعض لاعلماء: وقع النهي على جنس من الشجر. وقالى آخرون: على شجرة مخصوصة، واختلفوا في تلك الشجرة، قال ابن عباس و محمد بن كعب و مقاتل : هي السنبلة وقال ابن مسعود: هي شجرة العنب. وقال ابن جريج : شجرة التين، وقال قتادة : شجرة العلم وفيها من كل شيء، وقال علي رضي الله عنه: شجرة الكافور ، { فتكونا ، { فتصيرا ، { من الظالمين } ، أي: الضارين بأنفسكما بالمعصية، وأصل الظلم، وضع الشيء في غير موضعه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
الأية
36
 
{ فأزلهما ، { استزل ، { الشيطان ، { آدم وحواء أي دعاهما إلى الزلة: وقرأ حمزة: فأزالهما، أي نحاهما (( الشيطان )) فيعال من شطن، أي: بعد، سمي به لبعده عن الخير وعن الرحمة ، { عنها ، { عن الجنة ، { فأخرجهما مما كانا فيه ، { من النعيم، وذلك أن إبليس أراد أن يدخل ليوسوس ( إلى ) آدم وحواء فمنعته الخزنة فأتى الحية وكانت صديقةً لإبليس وكانت من أحسن الدواب، لها أربع قوائم كقوائم البعير، وكانت من خزان الجنة. فسألهما إبليس أن تدخله فمها فأدخلته ومرت به على الخزانة وهم لا يعلمون فأدخلته الجنة، وقال الحسن : إنما رآهما على باب الجنة لأنهما كانا يخرجان منها وقد كان آدم حين دخل الجنة ورأى ما فيها من النعيم قال: لو أن خلداً، فاغتنم ذلك منه الشيطان فأتاه من قبل الخلد فلما دخل الجنة وقف بين يدي آدم وحواء وهما لا يعلمان أنه إبليس فبكى وناح نياحة أحزنتهما، وهو أول من ناح فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة. فوقع ذلك في أنفسهما فاغتما ومضى إبليس ثم أتاهما بعد ذلك وقال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد؟ فأبى أن يقبل منه، وقاسمهما بالله إنه لهما لمن الناصحين، فاغترا وما ظنا أن أحداً يحلف بالله كاذباً، فبادرت حواء إلى أكل الشجرة ثم ناولت آدم حتى أكلها. وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته فأكل. قال إبراهيم بن أدهم : أورثتنا تلك الأكلة حزناً طويلاً. قال ابن عباس و قتادة : قال الله عز وجل لآدم: ألم يكن فيما أبحتك من الجنة مندوحة عن الشجرة؟ قال: بلى يا رب وعزتك، ولكن ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً، قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كداً فأهبطا من الجنة وكانا يأكلان فيها رغداً فعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث فحرث فيها وزرع ثم سقى حتى إذا بلغ حصد ثم داسه ثم ذراه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء. قال سعيد بن جبير : عن ابن عباس: إن آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها قال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت قال يا رب زينته لي حواء قال: فإني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرهاً ولا تضع إلا كرهاً ودميتها في الشهر مرتين، فرنت حواء عند ذلك فقيل: عليك الرنة وعلى بناتك، فلما أكلا (تهافت) عنهما ثيابهما وبدت سوآتهما وأخرجا من الجنة، فذلك قوله تعالى } : وقلنا اهبطوا } ، أي انزلوه إلى الأرض يعني آدم وحواء وإبليس والحية، فهبط آدم بسرنديب من أرض الهند على جبل يقال له نود، وحواء بجدة وإبليس بالآيلة والحية بأصفهان ، { بعضكم لبعض عدو ، { أراد العداوة التي بين درية آدم والحية وبين المؤمنين من ذرية آدم وبين إبليس، قال الله تعالى } : إن الشيطان لكما عدو مبين } (22-الأعراف). أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد محمد الصفار حدثنا منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال عكرمة: لا أعلمه إلا رفع الحديث، أنه كان يأمر بقتل الحيات وقال: من تركهن خشية أو مخافة ثائر فليس منا وزاد موسى بن مسلم عن عكرمة في الحديث: ما سالمناهن منذ حاربناهن [وروي أنه نهى عن ذوات البيوت، وروى أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم } : إن بالمدينة جناً قد أسلموا فإن رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان }]. قوله تعالى } : ولكم في الأرض مستقر ، { موضع قرار ، { ومتاع ، { بلغة ومستمتع ، { إلى حين ، { إلى انقضاء آجالكم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
الأية
37
 
{ فتلقى ، { تلقى والتلقي: هو قبول عن فطنة وفهم، وقيل: هو التعلم ، { آدم من ربه كلمات ، { قراءة العامة: آدم برفع الميم وكلمات بخفض التاء. قرأ ابن كثير: آدم بالنصب، كلمات برفع التاء يعني جاءت الكلمات آدم من ربه، وكانت سبب توبته. واختلفوا في تلك الكلمات قال سعيد بن جبير و مجاهد و الحسن : هي قوله ، { ربنا ظلمنا أنفسنا ، { الآية. وقال مجاهد و محمد بن كعب القرظي : هي قوله لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت ( التواب الرحيم ). لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين وقال عبيد بن عمير : هي أن آدم قال يا رب أرأيت ما أتيت أشيء ابتدعته من تلقاء نفسي أم شيء قدرته علي قبل أن تخلقني؟ قال الله تعالى: بل شيء قدرته عليك قبل أن أخلقك. قال يارب فكما قدرته قبل أن تخلقني فاغفر لي. وقيل: هي ثلاثة أشياء الحياء والدعاء والبكاء، قال ابن عباس بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوماً، ولم يقرب آدم/ حواء مائة سنة، وروى المسعودي عن يونس بن خباب وعلقمة بن مرثد قالوا: لو أن دموع أهل الأرض جمعت (لكانت) دموع داود أكثر حيث أصاب الخطيئة ولو أن دموع داود ودموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع آدم أكثر حيث أخرجه الله من الجنة قال شهر بن حوشب : بلغني أن آدم لما (هبط) إلى الأرض مكث ثلثمائة سنة لا يرفع رأسه حياء من الله تعالى. قوله } : فتاب عليه ، { فتجاوز عنه ، { إنه هو التواب ، { يقبل توبة عباده ، { الرحيم ، { بخلقه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الأية
38
 
{ وقوله تعالى } : قلنا اهبطوا منها جميعاً } ، يعني هؤلاء الأربعة. وقيل الهبوط الأول من الجنة إلى السماء الدنيا والهبوط (الآخر) من السماء الدنيا إلى الأرض ، { فإما يأتينكم } ، أي فإن يأتكم ياذرية آدم ، { مني هدى } ، أي رشد وبيان شريعة، وقيل كتاب ورسول ، { فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، { قرأ يعقوب : فلا خوف بالفتح في كل القرآن والآخرون بالضم والتنوين فلا خوف عليهم فيما [يستقبلون هم] { ولا هم يحزنون ، { على ما خلفوا. وقيل: لا خوف عليهم في الدنيا ولا هم يحزنون في الآخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الأية
39
 
{ والذين كفروا } (يعني جحدوا) { وكذبوا بآياتنا ، { بالقرآن ، { أولئك أصحاب النار ، { يوم القيامة ، { هم فيها خالدون ، { لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
الأية
40
 
قوله تعالى : { يا بني إسرائيل ، { يا أولاد يعقوب. ومعنى اسرائيل: عبد الله، ((وإيل)) هو الله تعالى، وقيل صفوة الله، وقرأ أبو جعفر : إسرائيل بغير همز ، { اذكروا ، { احفظوا، والذكر: يكون بالقلب ويكون باللسان وقيل: أراد به الشكر، وذكر بلفظ الذكر لأن في الشكر ذكراً وفي الكفران نسياناً، قال الحسن : ذكر النعمة شكرها ، { نعمتي } ، أي: نعمي، لفظها واحد ومعناها جمع كقوله تعالى ، { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } (34-ابراهيم) { التي أنعمت عليكم } ، أي على أجدادكم وأسلافكم. قال قتادة : هي النعم التي خصت بها بنو اسرائيل: من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه وتظليل الغمام عليهم في التيه، وإنزال المن والسلوى وإنزال التوراة، في نعم كثيرة لا تحصى، وقال غيره: هي جميع النعم التي لله عز وجل على عباده ، { وأوفوا بعهدي } ، أي بامتثال أمري ، { أوف بعهدكم ، { بالقبول والثواب. قال قتادة و مجاهد : أراد بهذا العهد ما ذكر في سورة المائدة ، { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا { إلى أن قال - { لأكفرن عنكم سيئاتكم } (12-المائدة) فهذا قوله } : أوف بعهدكم }. وقال الحسن هو قوله ، { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة } (63-البقرة) فهو شريعة التوراة، وقال مقاتل هو قوله ، { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } (83-البقرة) وقال الكلبي : عهد الله إلى بني اسرائيل على لسان موسى: إني باعث من بني اسماعيل نبياً أمياً فمن اتبعه وصدق بالنور الذي يأتي به غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين: وهو قوله } : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس } (187-آل عمران) يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم. { وإياي فارهبون ، { فخافوني في نقض العهد. وأثبت يعقوب الياءات المحذوفة في الخط مثل فارهبوني، فاتقوني، واخشوني، والآخرون يحذفونها على الخط.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ
الأية
41
 
{ وآمنوا بما أنزلت } ، يعني القرآن ، { مصدقاً لما معكم } ، أي موافقاً لما معكم يعني: التوراة، في التوحيد والنبوة والأخبار ونعت النبي صلى الله عليه وسلم، نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه من علماء اليهود ورؤسائهم ، { ولا تكونوا أول كافر به } ، أي بالقرآن يريد من أهل الكتاب، لأن قريشاً كفرت قبل اليهود بمكة، معناه: ولا تكونوا أول من كفر بالقرآن فيتابعكم اليهود على ذلك فتبوؤا بآثامكم وآثامهم ، { ثمناً قليلاً } ، أي عرضاً يسيراً من الدنيا وذلك أن رؤساء اليهود وعلماءهم كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وجهالهم يأخذون منهم كل عام شيئاً معلوماً من زروعهم وضروعهم ونقودهم فخافوا إن هم بينوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل فغيروا نعته وكتموا اسمه فاختاروا الدنيا على الآخرة ، { وإياي فاتقون ، { فاخشوني.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
الأية
42
 
{ ولا تلبسوا الحق بالباطل } ، أي لا تخلطوا، يقال: لبس الثوب يلبس لبساً، ولبس عليه الأمر يلبس لبساً أي خلط. يقول: لا تخلطوا الحق الذي، أنزلت عليكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم بالباطل الذي تكتبونه بأيديكم من تغيير صفة محمد صلى الله عليه وسلم. والأكثرون على أنه أراد: لا تلبسوا الإسلام باليهودية والنصرابية. وقال مقاتل : إن اليهود أقروا ببعض صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتموا بعضاً ليصدقوا في ذلك فقال: ولا تلبسوا الحق الذي تقرون به بالباطل يعني بما تكتمونه، فالحق: بيانهم، والباطل: كتمانهم وتكتموا الحق أي لا تكتموه، يعني: نعت محمد صلى الله عليه وسلم. { وأنتم تعلمون ، { أنه نبي مرسل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
الأية
43
 
{ وأقيموا الصلاة } ، يعني الصلوات الخمس بمواقيتها وحدودها ، { وآتوا الزكاة ، { أدوا زكاة أموالكم المفروضة. والزكاة مأخزذة من زكا الزرع إذا نما وكثر. وقيل: من تزكى أي تطهر، وكلا المعنيين موجود في الزكاة، لأن فيها تطهيراً وتنمية للمال ، { واركعوا مع الراكعين } ، أي صلوا مع المصلين: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذكر بلفظ الركوع لأنه ركن من أركان الصلاة، ولأن صلاة اليهود لم يكن فيها ركوع، فكأنه قال: صلوا صلاة ذات ركوع، قيل: إعادته بعد قوله ، { وأقيموا الصلاة ، { لهذا، أي صلوا مع الذين في صلاتهم ركوع، فالأول مطلق في حق الكل، وهذا في حق أقوام مخصوصين. وقيل: هذا حث على إقامة الصلاة جماعة كأنه قال لهم: صلوا مع المصلين الذين سبقوكم بالإيمان.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
الأية
44
 
{ أتأمرون الناس بالبر } ، أي بالطاعة، نزلت في علماء اليهود، وذلك أن الرجل منهم كان يقول لقريبه وحليفه من المسلمين إذا سأله عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم: اثبت على دينه فإن أمره حق وقوله صدق. وقيل: هو خطاب لأحبارهم حيث أمروا أتباعهم بالتمسك بالتوراة، ثم خالفوا وغيروا نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، { وتنسون أنفسكم } ، أي تتركون أنفسكم فلا تتبعونه ، { وأنتم تتلون الكتاب ، { تقرؤون التوراة فيها نعته وصفته ، { أفلا تعقلون ، { أنه حق فتتبعونه؟. والعقل مأخوذ من عقال الدابة، وهو ما يشد به ركبة البعير فيمنعه من الشرود، فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والجحود. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني أنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة أنا الحسين بن الفضل البجلي أنا عفان أنا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا علي بن عبد الله أنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال: قال أسامة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول } : يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه (أي تنقطع أمعاؤه) في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ، { وقال شعبة عن الأعمش (( فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه )).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
الأية
45
 
{ واستعينوا ، { على ما يستقبلكم من أنواع البلاء وقيل: على طلب الآخرة ، { بالصبر والصلاة ، { أراد حبس النفس عن المعاصي. وقيل: أراد: الصبر على أداء الفرائض، وقال مجاهد : الصبر الصوم، ومنه سمي شهر رمضان شهر الصبر، وذلك لأن الصوم يزهده في الدنيا، والصلاة ترغبه في الآخرة، وقيل: الواو بمعنى على، أي: واستعينوا بالصبر على الصلاة، كما قال الله تعالى } : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } (132-طه) { وإنها ، { ولم يقل وانهما رداً للكناية إلى كل واحد منهما أي وإن كل خصلة منها. كما قال } : كلتا الجنتين آتت أكلها } (33-الكهف) أي كل واحدة منهما. وقيل: معناه ، { واستعينوا بالصبر ، { وإنه لكبير وبالصلاة وإنها لكبيرة، فحذف أحدهما اختصاراً، وقال المؤرج : رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعم كقوله تعالى } : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها } (34-التوبة) رد الكناية إلى الفضة لأنها أعم. وقيل: رد الكناية إلى الصلاة لأن الصبر داخل فيها. كما قال الله تعالى } : والله ورسوله أحق أن يرضوه } (62-التوبة) ولم يقل يرضوهما لأن رضا الرسول داخل في رضا الله تعالى. وقال الحسين بن الفضل : رد الكناية إلى الاستعانة ، { لكبيرة } ، أي: لثقيلة ، { إلا على الخاشعين } ، يعني: المؤمنين، وقال الحسن : الخائفين وقيل: المطيعين وقال مقاتل بن حيان : المتواضعين، وأصل الخشوع السكون قال الله تعالى } : وخشعت الأصوات للرحمن } (108-طه) فالخاشع ساكن إلى طاعة الله تعالى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
الأية
46
 
{ الذين يظنون ، { يستيقنون [أنهم مبعوثون وأنهم محاسبون وأنهم راجعون إلى الله تعالى، أي: يصدقون بالبعث، وجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر رجوعاً إليه]. والظن من الأضداد يكون شكاً ويقيناً وأملاً، كالرجاء يكون خوفاً وأملاً وأمناً ، { أنهم ملاقوا ، { معاينو ، { ربهم ، { في الآخرة وهورؤية الله تعالى وقيل: المراد من اللقاء الصيرورة إليه ، { وأنهم إليه راجعون ، { فيجزيهم بأعمالهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ
الأية
47
 
{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين } ، أي عالمي زمانكم، وذلك التفضيل وإن كان في حق الآباء، لكن به الشرف للأبناء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
الأية
48
 
{ واتقوا يوماً ، { واخشوا عقاب يوم ، { لا تجزي نفس ، { لا تقضي نفس ، { عن نفس شيئاً } ، أي حقاً لزمها وقيل: لا تغني، وقيل: لا تكفي شيئاً من الشدائد ، { ولا يقبل منها شفاعة ، { قرأ ابن كثير و يعقوب بالتاء لتأنيث الشفاعة، وقرأ الباقون بالياء لأن الشفع والشفاعة بمعنى واحد كالوعظ والموعظة، فالتذكير على المعنى، والتأنيث على اللفظ، كقوله تعالى } : قد جاءتكم موعظة من ربكم } (57-يونس) وقال في موضع آخر ، { فمن جاءه موعظة من ربه } (275-البقرة) أي لا تقبل منها شفاعة إذا كانت كافرة ، { ولا يؤخذ منها عدل } ، أي فداء وسمي به لأنه مثل المفدي. والعدل: المثل ، { ولا هم ينصرون ، { يمنعون من عذاب الله.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ
الأية
49
 
{ وإذ نجيناكم } ، يعني: أسلافكم وأجدادكم فاعتدها منةً عليهم لأنهم نجوا بنجاتهم ، { من آل فرعون }: أتباعه وأهل دينه، وفرعون هو الوليد مصعب بن الريان وكان من القبط العماليق وعمر أكثر من أربعمائة سنة ، { يسومونكم ، { يكلفونكم ويذيقونكم ، { سوء العذاب ، { أشد العذاب وأسوأه وقيل: يصرفونكم في العذاب مرة هكذا ومرة هكذا كالإبل السائمة في البرية، وذلك أن فرعون جعل بني إسرائيل خدماً وخولاً وصنفهم في الأعمال فصنف يبنون، وصنف يحرثون ويزرعون، وصنف يخدمونه، ومن لم يكن منهم في عمل وضع عليه الجزية. وقال وهب: كانوا أصنافاً في أعمال فرعون، فذوو القوة ينحتون السواري من الجبال حتى قرحت أعناقهم وأيديهم ودبرت ظهورهم من قطعها ونقلها، وطائفة ينقلون الحجارة، وطائفة يبنون له القصور، وطائفة منهم يضربون اللبن ويطبخون الآجر، وطائفة نجارون وحدادون، والضعفة منهم يضرب عليهم الخراج ضريبة يؤدونها كل يوم، فمن غربت عليه الشمس قبل أن يؤدي ضريبته غلت يمينه إلى عنقه شهراً، والنساء يغزلن الكتان وينسجن، وقيل: تفسيره ذكر ما بعده } : يذبحون أبناءكم ، { فهو مذكور على وجه البدل من قوله - يسومونكم سوء العذاب ، { ويستحيون نساءكم ، { يتركونهن أحياء، وذلك أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً أقبلت من بيت المقدس وأحاطت بمصر وأحرقت كل قبطي بها ولم تتعرض لبني إسرائيل فهاله ذلك وسأل الكهنة عن رؤياه؟ فقالوا: يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك وزوال ملكك، فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل وجمع القوابل فقال لهن: لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتل ولاجارية إلا تركت، ووكل بالقوابل، فكن يفعلن ذلك حتى قيل: إنه قتل في بني إسرائيل اثنى عشر ألف صبي في طلب موسى. وقال وهب: بلغني أنه ذبح في طلب موسى عليه السلام تسعين ألف وليد. قالوا: وأسرع الموت في مشيخه بني إسرائيل فدخل رؤوس القبط على فرعون وقالوا: إن الموت قد وقع في بني إسرائيل أفتذبح صغارهم ويموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا؟ فأمر فرعون أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة، فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها، وموسى في السنة التي يذبحون فيها. { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ، { قيل: البلاء المحنة، أي في سومهم إياكم سوء العذاب محنة عظيمة، وقيل: البلاء النعمة أي في إنجائي إياكم منهم نعمة عظيمة، فالبلاء يكون بمعنى النعمة وبمعنى الشدة، فالله تعالى قد يختبر على النعمة بالشكر، وعلى الشدة بالصبر وقال: الله تعالى } : ونبلوكم بالشر والخير فتنة } (35-الأنبياء).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
الأية
50
 
{ وإذ فرقنا بكم البحر ، { قيل: معناه فرقنا لكم وقيل: فرقنا البحر بدخولكم إياه وسمي البحر بحراً لاتساعه، ومنه قيل للفرس: بحر إذا اتسع في جريه، وذلك أنه لما دنا هلاك فرعون أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل من مصر ليلاً فأمر موسى قومه أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح، وأخرج الله تعالى كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إليهم، وكل ولد زنا في بني إسرائيل/ من القبط إلى القبط حتى رجع كل إلى أبيه، وألقى الله الموت على القبط فمات كل بكر لهم واشتغلوا بدفنهم حتى أصبحوا وطلعت الشمس، وخرج موسى عليه السلام في ستمائة ألف وعشرين مقاتل، لا يعدون ابن العشرين لصغره، ولا ابن الستين لكبره، وكانوا يوم دخلوا مصر مع يعقوب اثنين وسبعين إنساناً ما بين رجل وامرأة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان أصحاب موسى ستمائة ألف وسبعين ألفاً. وعن عمرو بن ميمون قال: كانوا ستمائة ألف فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون فدعا موسى مشيخه بني إسرائيل وسألهم عن ذلك فقالوا: إن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ على إخوته عهداً أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه من مصر حتى يخرجوه معهم فلذلك انسد علينا الطريق، فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا فقام موسى ينادي: أنشد الله كل من يعلم أين موضع قبر يوسف عليه السلام إلا أخبرني به؟ ومن لم يعلم به فصمت أذناه عن قولي! وكان يمر بين الرجلين ينادي فلا يسمعان صوته حتى سمعته عجوز لهم فقالت: أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كل ما سألتك؟ فأبى عليها وقال: حتى أسأل ربي (فأمره) الله تعالى بإتيانها سؤلها فقالت: إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل غرفة من الجنة إلا نزلتها معك قال: نعم قالت: إنه في جوف الماء في النيل فادع الله حتى يحسر عنه الماء، فدعا الله تعالى فحسر عنه الماء، ودعا أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف عليه السلام، فحفر موسى عليه السلام ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من مرمر، وحمله حتى دفنه بالشام، ففتح لهم الطريق فساروا وموسى عليه السلام على ساقتهم وهارون على مقدمتهم، ونذر بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى يصيح الديك،فوالله ما صاح ديك تلك الليلة، فخرج فرعون في طلب بني إسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف، وكان فيهم شبعون ألفاً من دهم الخيل سوى سا ئرالشيات [وقال محمد بن كعب رضي الله عنه: كان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم سوى سائر الشيات] وكان فرعون يكون في الدهم وقيل: كان فرعون في سبعة آلاف ألف، وكان بين يديه مائة ألف ناشب، ومائة ألف أصحاب حراب، ومائة ألف أصحاب الأعمدة، فسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر والماء في غاية الزيادة فنظروا فإذا هم بفرعون حين أشرقت الشمس فبقوا متحيرين فقالوا: يا موسى كيف نصنع؟ وأين ما وعدتنا؟ هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا! والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا؟ قال الله تعالى } : فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين } (61-62الشعراء). فأوحى الله إليه أن أضرب بعصاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله إليه أن كنه فضربه وقال: انفلق يا أبا خالد بإذن الله تعالى، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، وظهر فيه اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبساً فخاضت بنو إس رائيل البحر، كل سبط في طريق، وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً، فخافوا وقال كل سبط: قد قتل إخواننا فأوحى الله تعالى إلى جبال الماء: أن تشبكي، فصار الماء شبكات كالطبقات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك قولم تعالى ، { وإذ فرقنا بكم البحر }. { فأنجيناكم ، { من آل فرعون والغرق ، { وأغرقنا آل فرعون ، { وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منغلقاً قال لقومه: انظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك عبيدي الذين أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوه وقيل: قالوا له إن كنت رباً فادخل البحر كما دخل موسى، وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى فجاء جبريل على فرس أنثى وديق فتقدمهم وخاض البحر فلما شم أدهم فرعون ريحها اقتحم البحر في أثرها وهم لا يرونه ولم يملك فرعون من أمره شيئاً وهو لايرى فرس جبريل واقتحمت الخيول جملة خلفه في البحر، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشحذهم ويسوقهم حتى لا يشذ رجل منهم ويقول لهم: الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر، وخرج جبريل من البحر، وهم أولهم بالخروج فأمر الله تعالى البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم وغرقهم أجمعين، وكان بين طرفي البحر أربعة فراسخ وهو بحر قلزم، طرف من بحر فارس، قال قتادة : بحر من وراء مصر يقال له إساف، وذلك بمرأى من بني إسرائيل فذلك قوله تعالى } : وأنتم تنظرون ، { إلى مصارعهم وقيل: إلى هلاكهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ
الأية
51
 
{ وإذ واعدنا ، { هو من المفاعلة التي تكون من الواحد كقولهم: عافاك الله، وعاقبت اللص، وطارقت النعل. وقال الزجاج : كان من الله الأمر ومن موسى القبول، فلذلك ذكر بلفظ المواعدة، وقرأ أهل البصرة (وإذ وعدنا) من الوعد ، { موسى ، { اسم عربي عرب (( ومو )) بالعبرانية الماء (( وشى )) الشجرة، سمي به لأنه أخذ من بين الماء والشجر، ثم قلبت الشين المعجمة سيناً في العربية ، { أربعين ليلة } ، أي انقضاؤها: ثلاثين من ذي القعدة وعشر من ذي الحجة، وقرن التاريخ بالليل دون النهار لأن شهور العرب وضعت على سير القمر، والهلال إنما يهل بالليل وقيل: لأن الظلمة أقدم من الضوء، وخلق الليل قبل النهار، قال الله تعالى } : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } (37-يس) وذلك أن بني إسرائيل لما أمنوا من عدوهم ودخلوا مصر لم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليهما، فوعد الله موسى أن ينزل عليه التوراة فقال موسى لقومه: إني ذاهب لميقات ربكم آتيكم بكتاب فيه بيان ما تأتون وما تذرون، وواعدهم أربعين ليلة، ثلاثين من ذي القعدة وعشراً من من ذي الحجة، واستخلف عليهم أخاه هارون فلما أتى الوعد جاء جبريل على فرس يقال له فرس الحياة لا يصيب شيئاً إلا حيي ليذهب بموسى إلى ربه، فلما رآه السامري وكان رجلاً صائغاً من أهل باجرمى واسمه ميخا - وقال سعيد بن جبير : كان من أهل كرمان، وقال ابن عباس: اسمه موسى بن مظفر، وقال قتادة : كان من بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة - وكان منافقاً أظهر الإسلام، وكان من قوم يعبدون البقر، فلما رأى جبرائيل على ذلك الفرس ورأى مواضع قدم الفرس تخضر في الحال قال: إن لهذا شأناً فأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبرائيل عليه السلام. قال عكرمة : ألقي في روعه أنه إذا ألقى في شيء غيره، وكانت بنو إسرائيل قد استعاروا حلياً كثيرة من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر بعلة عرس لهم، فأهلك الله فرعون وبقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل، فلما فصل موسى قال السامري لبني إسرائيل: إن الحلي التي استعرتموها من قزم فرعون غنيمة لا تحل لكم، فاحفروا حفرة فادفنوها فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه. وقال السدي : إن هارون عليه السلام أمرهم أن يلقوها في حفيرة، حتى يرجع موسى ففعلوا، / فلما اجتمعت الحلي صاغها السامري عجلاً في ثلاثة أيام ثم ألقى فيها القبضة التي أخذها من تراب فرس جبرائيل عليه السلام، فخرج عجلاً من ذهب مرصعاً بالجواهر كأحسن ما يكون، وخار خورة، وقال السدي : كان يخور ويمشي فقال السامري ، { هذا إلهكم وإله موسى فنسي } (88-طه) أي فتركه هاهنا وخرج يطلبه. وكانت بنو إسرائيل قد أخلفوا الوعد فعدوا اليوم مع الليلة يومين فلما مضت عشرون يوماً ولم يرجع موسى وقعوا في الفتنة. وقيل: كان موسى قد وعدهم ثلاثين ليلة ثم زيدت العشرة فكانت فتنتهم في تلك العشرة فلما مضت الثلاثون ولم يرجع موسى ظنوا أنه قد مات ورأوا العجل وسمعوا قول السامري عكف ثمانية آلاف رجل منهم على العجل يعبدونه وقيل: كلهم عبدوه إلا هارون وحده فذلك قوله تعالى ، { ثم اتخذتم العجل } ، أي إلهاً ، { من بعده ، { أظهر ابن كثير و حفص الذال من أخذت واتخذت والآخرون يدغمونها ، { وأنتم ظالمون ، { ضارون لأنفسكم بالمعصية واضعون العبادة في غير موضعها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
الأية
52
 
{ ثم عفونا عنكم ، { محونا ذنوبكم ، { من بعد ذلك ، { من بعد عبادتكم العجل ، { لعلكم تشكرون ، { لكي تشكروا عفوي عنكم وصنيعي إليكم، قيل: الشكر هو الطاعة بجميع الجوارح في السر والعلانية قال الحسن : شكر النعمة ذكرها قال الله تعالى ، { وأما بنعمة ربك فحدث } (11-الضحى) قال الفضيل : شكر كل نعمة أن لا يعصي الله بعد تلك النعمة. وقيل: حقيقة الشكر العجز عن الشكر. حكي أن موسى عليه السلام قال: إلهي أنعمت علي النعم السوابغ، وأمرتني بالشكر وإنما شكري إياك نعمة منك، قال الله تعالى: يا موسى تعلمت العلم الذي لا يفوقه شيء من علم، حسبي من عبدي أن يعلم أن ما به من نعمة فهو مني، وقال داود عليه السلام: سبحان من جعل اعتراف العبد بالعجز عن شكره شكراً، كما جعل اعترافه بالعجز عن معرفته معرفة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
الأية
53
 
قوله تعالى : { وإذ آتينا موسى الكتاب } ، يعني التوراة ، { والفرقان ، { قال مجاهد : هو التوراة أيضاً ذكرها باسمين، وقال الكسائي : الفرقان نعت الكتاب والواو زائدة، يعني: الكتاب المفرق بين الحلال والحرام، وقال يمان بن رباب: أراد بالفرقان انفراق البحر كما قال ، { وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم } { لعلكم تهتدون ، { بالتوراة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
الأية
54
 
{ وإذ قال موسى لقومه ، { الذين عبدوا العجل ، { يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم ، { ضررتم بأنفسكم ، { باتخاذكم العجل ، { إلهاً قالوا: فأي شيء نصنع؟ قال } : فتوبوا ، { فارجعوا ، { إلى بارئكم ، { خالقكم قالوا: كيف نتوب؟ قال ، { فاقتلوا أنفسكم } ، يعني ليقتل البريء منكم المجرم ، { ذلكم } ، أي القتل ، { خير لكم عند بارئكم ، { فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا: نصبر لأمر الله فجلسوا بالأفنية محتبين وقيل لهم: من مد حبوته أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردودة توبته، وأصلت القوم عليهم الخناجر، فكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله تعالى، قالوا: يا موسى كيف نفعل؟ فأرسل الله تعالى عليهم ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضاً فكانوا يقتلونهم إلى المساء، فلما كثر القتل دعا موسى وهارون عليهما السلام وبكيا وتضرعا وقالا: يارب هلكت بنو إسرائيل، البقية البقية، فكشف الله تعالى السحابة وأمرهم أن يكفوا عن القتل فتكشفت عن ألوف من القتلى. روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: كان عدد القتلى سبعين ألفاً فاشتد ذلك على موسى فأوحى الله تعالى إليه: أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول في الجنة، فكان من قتل شهيداً، ومن بقي مكفراً عنه ذنوبه، فذلك قوله تعالى ، { فتاب عليكم } ، أي ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم فتجاوز عنكم ، { إنه هو التواب ، { القابل التوبة ، { الرحيم ، { بخلقه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
الأية
55
 
قوله تعالى : { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، { وذلك أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل من عبادة العجل، فاختار موسى سبعين رجلاً من قومه من خيارهم، فقال لهم: صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، ففعلوا، فخرج بهم موسى إلى طور سيناء لميقات ربه، فقالوا لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربنا، فقال لهم: أفعل، فلما دنا موسى إلى طور سيناء من الجبل وقع عليه عمود الغمام وتغشى الجبل كله،فدخل في الغمام وقال للقوم: ادنوا فدنوا حتى دخلوا في الغمام وخروا سجداً، وكان موسى إذا كلمه ربه وقع علىوجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه، فضرب دونهم الحجاب وسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه وأسمعهم الله: أني أنا الله لا إله إلا أنا ذو بكة أخرجتكم من أرض مصر بيد شديدة فاعبدوني ولا تعبدوا غيري، فلما فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم فقالوا: له (( لن نؤمن حتى نرى الله جهرة )) معاينة وذلك أن العرب تجعل العلم بالقلب رؤية، فقال جهرة ليعلم أن المراد منه العيان ، { فأخذتكم الصاعقة } ، أي الموت، وقيل: نار جاءت من السماء فأحرقتهم ، { وأنتم تنظرون } ، أي ينظر بعضكم إلى بعض حين أخذكم الموت. وقيل: تعلمون، والنظر يكون بمعنى العلم، فلما هلكوا جعل موسى يبكي ويتضرع ويقول: ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم؟ ، { لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } (155-الأعراف) فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم الله تعالى رجلاً بعد رجل بعدما ماتوا يوماً وليلة، ينظر بعضهم إلى بعض، كيف يحيون فذلك

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
الأية
56
 
قوله تعالى : { ثم بعثناكم ، { أحييناكم، والبعث: إثارة الشيء عن محله يقال: بعثت البعير وبعثت النائم فانبعث ، { من بعد موتكم ، { قال قتادة : أحياهم ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم ولو ماتوا بآجالهم لم يبعثوا إلى يوم القيامة ، { لعلكم تشكرون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
الأية
57
 
{ وظللنا عليكم الغمام ، { في التيه يقيكم حر الشمس، والغمام من الغم وأصله التغطية والستر سمي السحاب غماماً لأنه يغطي وجه الشمس وذلك أنه لم يكن لهم في التيه كن يسترهم فشكوا إلى موسى فأرسل الله تعالى غماماً أبيض رقيقاً أطيب من غمام المطر، وجعل لهم عموداً من نور يضيء لهم الليل إذا لم يكن لهم قمر ، { وأنزلنا عليكم المن والسلوى } ، أي في التيه، الأكثرون على أن المن هو الترنجبين، وقال مجاهد : هو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار طعمه كالشهد، وقال وهب: هو الخبز الرقاق، قال الزجاج : جملة المن ما يمن الله به من غير تعب. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا أبو نعيم أنا أبو سفيان عن عبد الملك هو ابن عمير عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم } : الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين }. قالوا فكان المن كل ليلة يقع على أشجارهم مثل الثلج، لكل إنسان منهم صاع، فقالوا: يا موسى قتلنا هذا المن بحلاوته فادع لنا ربك أن يطعمنا اللحم فأنزل الله تعالى عليهم السلوى وهو طائر يشبه السماني، وقيل: هو السماني بعينه، بعث الله سحابة فمطرت السماني في عرض ميل وطول رمح في السماء، بعضه على بعض والسلوى: العسل، فكان الله ينزل عليهم المن والسلوى كل صباح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فيأخذ كل واحد منهم ما يكفيه يوماً وليلة وإذا كان يوم الجمعة أخذ كل واحد منهم ما يكفيه ليومين لأنه لم يكن ينزل يوم السبت. { كلوا } ، أي: وقلنا لهم: كلوا ، { من طيبات ، { حلالات ، { ما رزقناكم ، { ولا تدخروا لغد،ن ففعلوا، فقطع الله ذلك عنهم، ودود وفسد ما ادخروا، فقال الله تعالى } : وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } ، أي وما بخسوا بحقنا، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون باستيجابهم عذابي، وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مؤنة في الدنيا ولا حساب في العقبى. أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أ[و بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : لولا بنو اسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ
الأية
58
 
{ وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ، { سميت القرية لأنها تجمع أهلها، ومنه المقراة: للحوض، لأنها تجمع الماء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي أريحا وهي قرية الجبارين كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم عوج بن عنق، وقيل: بلقاء، وقال مجاهد : بيت المقدس، وقال الضحاك : هي الرملة والأردن وفلسطين وتدمر، وقال مقاتل : إليا، وقال ابن كيسان : الشام ، { فكلوا منها حيث شئتم رغداً ، { موسعاً عليكم ، { وادخلوا الباب } ، يعني باباً من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب ، { سجداً } ، أي ركعاً خضعاً منحنين، وقال وهب : فإذا دخلتموه فاسجدوا شكراً لله تعالى ، { وقولوا حطة ، { قال قتادة : حط عنا خطايانا، أمروا بالاستغفار، قال ابن عباس: لا إله إلا الله، لأنها تحط الذنوب، ورفعها على تقدير: قولوا مسألتنا حطة ، { نغفر لكم خطاياكم ، { من الغفر وهو الستر، فالمغفرة تستر الذنوب، وقرأ أهل المدينة و نافع بالياء وضمها وفتح الفاء، وقرأها ابن عامر بالتاء وضمها وفتح الفاء، وفي الأعراف قرأ جميعاً و يعقوب بالتاء وضمها، وقرأ الآخرون فيهما بنصب النون وكسر الفاء ، { وسنزيد المحسنين ، { ثواباً من فضلنا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
الأية
59
 
{ فبدل ، { فغير ، { الذين ظلموا ، { أنفسهم وقالوا ، { قولاً غير الذي قيل لهم ، { وذلك أنهم بدلوا قول الحطة بالحبطة، فقالوا بلسانهم: حطانا سمقاثاً أي حنطة حمراء، استخفافاً بأمر الله تعالى، وقال مجاهد : طؤطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فأبوا أن يدخلوها سجداً فدخلوا على أساههم مخالفة في الفعل كما بدلوا القول وقالوا قولاً غير الذي قيل لهم. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن اسماعيل أنا اسحاق بن نصر أنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة }. { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء ، { قيل: أرسل الله عليهم طاعوناً فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً ، { بما كانوا يفسقون ، { يعصون ويخرجون من أمر الله تعالى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ
الأية
60
 
{ وإذ استسقى موسى ، { طلب السقيا ، { لقومه ، { وذلك أنهم عطشوا في التيه فسألوا موسى أن يستسقي لهم ففعل فأوحى الله إليه كما قال } : فقلنا اضرب بعصاك ، { وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى عليه السلام ولها شعبتان تتقدان في الظلمة نوراً، واسمها عليق حملها، آدم عليه السلام من الجنة فتوارثها الأنبياء حتى وصلت إلى شعيب عليه السلام فأعطاها موسى عليه السلام. قال مقاتل : اسم العصا بنعته. قوله تعالى ، { الحجر ، { اختلفوا فيه قال وهب : لم يكن حجراً معيناً بل كان موسى يضرب أي حجر كان من عرض الحجارة فينفجر عيوناً لكل سبط عين، وكانوا اثنى عشر سبطاً ثم تسيل كل عين في جدول إلى السبط الذي أمر أن يسقيهم، وقال الآخرون: كان حجراً معيناً بدليل أنه عرف بالألف واللام، قال ابن عباس: كان حجراً خفيفاً مربعاً على قدر رأس الرجل كان يضعه في مخلاته فإذا احتاجوا إلى الماء وضعه وضربه بعصاه، وقال عطاء : كان للحجر أربعة وجوه لكل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين وقيل: كان الحجر رخاماً، وقيل: كان من الكذان فيه اثنتا عشرة حفرة، ينبع من كل حفرة عين ماء عذب، فإذا فرغوا وأراد موسى حمله ضربه بعصاه فيذهب الماء، وكان يسقس كل يوم ستمائة ألف، وقال سعيد بن جبير : هو الحجر الذي وضع موسى ثوبه عليه ليغتسل ففر بثوبه ومر به على ملأ من بني اسرائيل حين رموه بالأدرة فلما أتاه جبريل فقال: إن الله تعالى يقول: ارفع هذا الحجر فلي فيه قدرة، ولك فيه معجزة، فرفعه ووضعه في مخلاته، قال عطاء : كان يضربه موسى اثنتي عشرة ضربة فيظهر على موضع كل ضربة مثل ثدي المرأة ثم يتفجر الأنهار، ثم تسيل. وأكثر أهل التفسير يقولون: انبجست وانفجرت واحد، وقال أبو عمرو بن العلاء: انبجست وانفجرت، أي: سالت، فذلك قوله تعالى } : فانفجرت } ، أي فضرب فانفجرت أي سالت منه ، { اثنتا عشرة عيناً ، { على عدد الأسباط ، { قد علم كل أناس مشربهم ، { موضع شربهم لا يدخل سبط على غيره في شربه ، { كلوا واشربوا من رزق الله } ، أي وقلنا لهم كلوا من المن والسلوى، واشربوا من الماء فهذا كله من رزق الله الذي يأتيكم بلا مشقة ، { ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، { والعبث: أشد الفساد يقال عثى يعثي عيثاً، وعثا يعثو عثواً وعاث يعيث عيثاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ
الأية
61
 
قوله تعالى : { وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ، { وذلك أنهم أجمعوا وسئموا من اكل المن والسلوى، وإنما قال ، { على طعام واحد ، { وهما اثنان لأن العرب تعبر عن الاثنين بلفظ الواحد كما تعبر عن الواحد بلفظ الاثنين، كقوله تعالى/ { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } (22-الرحمن) وإنما يخرج من المالح دون العذب وقيل: كانوا يأكلون أحدهما بالآخر فكانا كطعام واحد، وقال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم: كانوا يعجنون المن بالسلوى فيصيران واحداً ، { فادع لنا ، { فاسأل لأجلنا ، { ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ، { قال ابن عباس: والفوم الخبز: وقال عطاء ، الحنطة وقال القتيبي رحمه الله تعالى: الحبوب التي تؤكل كلها وقال الكلبي : { وعدسها وبصلها قال ، { لهم موسى عليه السلام ، { أتستبدلون الذي هو أدنى ، { أخس وأردى ، { بالذي هو خير ، { أشرف وأفضل وجعل الحنطة أدنى في القيمة وإن كان هو خيراً من المن والسلوى، أو أراد أنها أسهل وجوداً على العادة، ويجوز أن يكون الخير راجعاً إلى اختيار الله لهم واختيارهم لأنفسهم ، { اهبطوا مصراً ، { يعنى: فإن أبيتم إلا ذلك فانزلوا مصراً من الأمصار، وقال الضحاك : هو مصر موسى وفرعون، والأول أصح، لأنه لأنه لو أراده لم يصرفه ، { فإن لكم ما سألتم ، { من نبات الأرض ، { وضربت عليهم ، { جعلت عليهم وألزموا ، { الذلة ، { الذل والهوان قيل: بالجزية، وقال عطاء بن السائب : هو الكستيج والزنار وزي اليهودية ، { والمسكنة ، { الفقر، سمي الفقير مسكيناً لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة، فترى اليهود وإن كانوا مياسير كأنهم فقراء، وقيل: الذلة هي فقر القلب فلا ترى في أهل الملل أذل وأحرص على المال من اليهود. { وباءوا بغضب من الله ، { رجعوا ولا يقال: (( باؤوا إلا بشر )) وقال أبو عبيدة: احتملوا وأقروا به، ومنه الدعاء: أبوء (لك) بنعمتك علي وأبوء بذنبي، أقر ، { ذلك } ، أي الغضب ، { بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ، { بصفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة ويكفرون بالإنجيل والقرآن ، { ويقتلون النبيين ، { تفرد نافع بهمز النبي وبابه، فيكون معناه المخبرمن أنبأ ينبيء ونبأ ينبئ، والقراءة المعروفة ترك الهمزة، وله وجهان: أحدهما هو أيضاً من الإنباء، تركت الهمزة فيه تخفيفاً لكثرة الاستعمال، والثاني هو بمعنى الرفيع مأخوذ من النبوة وهي المكان المرتفع، فعلى هذا يكون النبيين على الأصل ، { بغير الحق } ، أي بلا جرم فإن قيل: فلم قال: بغير الحق وقتل النبيين لا يكون إلا بغير الحق؟ قيل ذكره وصفاً للقتل، والقتل تارة يوصف بغير الحق وهو مثل قوله تعالى } : قال رب احكم بالحق } (112-الأنبياء) ذكر الحق وصفاً للحكم لا أن حكمه ينقسم إلى الجور والحق، ويروى أن اليهود قتلت سبعين نبياً في أول النهار وقامت سوق بقتلهم في آخر النهار ، { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، { يتجاوزون أمري ويرتكبون محارمي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الأية
62
 
{ إن الذين آمنوا والذين هادوا } ، يعني اليهود سموا به لقولهم: إنا هدنا إليك أي ملنا إليك، وقيل: لأنهم هادوا أي تابوا عن عبادة العجل، وقيل: لأنهم مالوا عن دين الإسلام، وعن دين موسى عليه السلام، وقال أبو عمرو بن العلاء: لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة ويقولون: إن السموات والآرض تحركت حين آتى الله موسى التوراة ، { والنصارى ، { سموا به لقول الحواريين: نحن أنصار الله، وقال مقاتل : لأنهم نزلوا قرية يقال لها ناصرة، لآعتزائهم إلى نصرة وهي قرية كان ينزلها بعيسى عليه السلام. { والصابئين ، { قرأ أهل المدينة: والصابين والصابون بترك الهمزة والباقون بالهمزة، وأصله: الخروج، يقال: صبأ فلان أي خرج من دين إلى دين آخر، وصبأت النجوم إذا خرجت من مطاعها، وصبأ ناب البعير إذا خرج، فهؤلاء سموا به لخروجهم من دين إلى دين، قال عمر وابن عباس: هم قوم من أهل الكتاب، قال عمر رضي الله عنه: ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب، وقال ابن عباس: لا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم، وقال مجاهد : هم قبيلة نحو الشام بين اليهود والمجوس، وقال الكلبي : هم قوم بين اليهود والنصارى يحلقون أوساط رؤوسهم ويجبون مذاكيرهم، وقال قتادة : قوم يقرؤون الزبور ويعبدون الملائكة، ويصلون إلى الكعبة ويقرون بالله تعالى، أخذوا من كل دين شيئاً، قال عبد العزيز بن يحيى : انقرضوا. { من آمن بالله واليوم الآخر ، { فإن قيل: كيف يستقيم قوله ( من آمن بالله ) وقد ذكر في ابتداء الآية (إن الذين آمنوا)؟ قيل: اختلفوا في حكم الآية فقال بعضهم: أراد بقوله ( إن الذين آمنوا ) على التحقيق ثم اختلفوا في هؤلاء المؤمنين فقال قوم: هم الذين آمنوا قبل المبعث وهم طلاب الدين مثل حبيب النجار، وقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، والبراء السني، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وبحيرا الراهب، ووفد النجاشي، فمنهم من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم (وبايعه)،ن ومنهم من لم يدركه. وقيل: هم المؤمنون من الأمم الماضية، وقيل: هم المؤمنين من هذه الأمة (والذين هادوا) الذين كانوا على دين موسى عليه السلام، ولم يبدلوا، والنصارى، الذين كانوا على دين عيسى عليه السلام ولم يغيروا وماتوا على ذلك، قالوا: وهذان الاسمان لزماهم زمن موسى وعيسى عليهما السلام حيث كانوا على الحق، كالإسلام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والصابئون زمن استقامة أمرهم ، { من آمن } ، أي من مات منهم وهو مؤمن لأن حقيقة الإيمان بالموافاة، ويجوز أن يكون الواو مضمراً أي: ومن آمن بعدك يا محمد إلى يوم القيامة، وقال بعضهم: إن المذكورين بالإيمان في أول الآية على طريق المجاز دون الحقيقة، ثم اختلفوا فيهم فقال بعضهم: الذين آمنوا بالأنبياء الماضين ولم يؤمنوا بك وقيل: أراد بهم المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم، واليهود والنصارى الذين اعتقدوا اليهودية والنصرانية بعد التبديل والصابئون بعض أصناف الكفار ، { من آمن بالله واليوم الآخر ، { من هذه الأصناف بالقلب واللسان ، { وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ، { وإنما ذكر بلفظ الجمع لأن (من) يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ، { ولا خوف عليهم ، { في الدنيا ، { ولا هم يحزنون ، { في الآخرة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
الأية
63
 
{ قوله تعالى ، { وإذ أخذنا ميثاقكم ، { عهدكم يا معشر اليهود ، { ورفعنا فوقكم الطور ، { وهو الجبل بالسريانية في قول بعضهم، وهو قول مجاهد ، وقيل: ما من لغة في الدنيا إلا وهي في القرآن، وقال الأكثرون: ليس في القرآن لغة غير لغة العرب لقوله تعالى } : قرآناً عربياً ، { وإنما هذا وأشباهه وقع وفاقاً بين اللغتين، وقال ابن عباس: أمر الله تعالى جبلاً من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم، وذلك لأن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام فأمر موسى قومه أن يقبلوها ويعملوا بأحكامها فأبوا أن يقبلوها للآصار والأثقال التي هي فيها، وكانت شريعة ثقيلة فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام فقلع جبلاً على قدر عسكرهم، وكان فرسخاً في فرسخ، فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل كالظلة، وقال لهم: إن لم تقبلوا التوراة أرسلت هذا الجبل عليكم، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: رفع / الله فوق رؤوسهم الطور، وبعث ناراً من قبل وجوههم، وأتاهم البحر المالح من خلفهم ، { خذوا } ، أي قلنا لهم خذوا ، { ما آتيناكم ، { أعطيناكم ، { بقوة ، { بجد واجتهاد ومواظبة ، { واذكروا ، { وادرسوا ، { ما فيه ، { وقيل: احفظوه واعملوا به ، { لعلكم تتقون ، { لكي تنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى، فإن فإن قبلتم وإلا رضختم بهذا الجبل وأغرقتكم في هذا البحر وأحرقتكم بهذه النار، فلما رأوا أن لا مهرب لهم عنها قبلوا وسجدوا وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود، فصار سنةً لليهود، ولا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم، ويقولون: بهذا السجود رفع العذاب عنا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ
الأية
64
 
{ ثم توليتم ، { أعرضتم ، { من بعد ذلك ، { من بعد ما قبلتم التوراة ، { فلولا فضل الله عليكم ورحمته } ، يعني بالإمهال واإدراج وتأخير العذاب عنكم ، { لكنتم ، { لصرتم ، { من الخاسرين ، { من المغبونين بالعقوبة وذهاب الدنيا والآخرة وقيل: من المعذبين في الحال لأنه رحمهم بالإمهال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ
الأية
65
 
قوله تعالى : { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت } ، أي جازوا الحد، وأصل السبت: القطع، قيل: سمي يوم السبت بذلك لأن الله تعالى قطع فيه الخلق، وقيل لأن اليهود أمروا فيه بقطع الأعمال، والقصة فيه: أنهم كانوا زمن داود عليه السلام بأرض يقال لها أيلة حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت، فكان إذا دخل السبت لم يبق حوت في البحر إلا اجتمع هناك حتى يخرجن خراطيمهن من الماء لأمنها، حتى لا يرى الماء من كثرتها، فإذا مضى السبت تغرقن ولزمن مقل البحر، فلا يرى شيء منها فذلك قوله تعالى ، { إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم } (163-الأعراف). ثم ان الشيطان وسوس إليهم وقال: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فعمد رجال فحفروا الحياض حول البحر، وشرعوا منها إليها الأنهار، فإذا كانت عشية الجمعة فتحوا تلك الأنهار، فأقبل الموج بالحيتان إلى الحياض، فلا يقدرن على الخروج لبعد عمقها وقلة مائها، فإذا كان يوم الأحد أخذوها، وقيل: كانوا يسوقون الحيتان إلى (الحياض) يوم السبت ولا يأخذونها ثم يأخذوها يوم الأحد، وقيل: كانوا ينصبون الحبائل والشخوص يوم الجمعة ويخرجونها يوم الأحد ففعلوا ذلك زماناً ولم تنزل عليهم عقوبة فتجرؤوا على الذنب وقالوا: ما نرى السبت إلا وقد أحل لنا فأخذوا وأكلوا وملحوا وباعوا واشتروا وكثر مالهم، فلما فعلوا ذلك صار أهل القرية، وكان نحواً من سبعين ألفاً، ثلاثة أصناف: صنف أمسك ونهى، وصنف أمسك ولم ينه، وصنف انتهك الحرمة، وكان الناهون اثني عشر ألفاً، فلما أبى المجرمون قبول نصحهم قالوا: والله لا نساكنكم في قرية واحدة فقسموا القرية بجدار وعبروا بذلك سنتين، فلعنهم داود عليه السلام، وغضب الله عليهم لإصرارهم على المعصية فخرج الناهون ذات يوم من بابهم ولم يخرج من المجرمين أحد ولم يفتحوا بابهم، فلما أبطؤوا تسوروا عليهم الحائط فإذا هم جميعاً قردة لها أذناب يتعاوون، قال قتادة : صار الشبان قردة والشيوخ خنازير فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا ولم يمكث مسخ ثلاثة أيام ولم يتوالدوا. قال الله تعالى } : فقلنا لهم كونوا قردة ، { أمر تحويل وتكوين ، { خاسئين ، { مبعدين مطرودين، وقيل: فيه تقديم وتأخير أي كونوا خاسئين قردة ولذلك لم يقل خاسئات، والخسأ الطرد والإبعاد، وهو لازم ومتعد يقال: خسأته خسأً فخسأ خسوءاً مثل: رجعته رجعاً فرجع رجوعاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ
الأية
66
 
{ فجعلناها } ، أي جعلنا عقوبتهم بالمسخ ، { نكالاً } ، أي عقوبة وعبرة، والنكال اسم لكل عقوبة ينكل الناظر من فعل ما جعلت العقوبة جزاء عليه، ومنه النكول عن اليمين وهو الامتناع، وأصله من النكل وهو القيد ويكون جمعه: أنكالاً ، { لما بين يديها ، { قال قتادة : أراد بما بين يديها يعني ما سبقت من الذنوب، أي جعلنا تلك العقوبة جزاء لما تقدم من ذنوبهم قبل نهيهم عن أخذ الصيد ، { وما خلفها ، { ما حضر من الذنوب التي أخذوا بها، وهي العصيان بأخذ الحيتان، وقال أبو العالية و الربيع : عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لمن بعدهم أن يستنوا بسنتهم، و (ما) الثانية بمعنى من، وقيل: (جعلناها) أي جعلنا قرية أصحاب السبت عبرة لما بين يديها أي القرى التي كانت مبنية في الحال ، { وما خلفها ، { وما يحدث من القرى من بعد ليتعظوا، وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: فجعلناها وما خلفها، أي ما أعد لهم من العذاب في الآخرة، نكالاً وجزاء لما بين يديها أي لما تقدم من ذنوبهم باعتدائهم في السبت ، { وموعظة للمتقين }: للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يفعلون مثل فعلهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ
الأية
67
 
قوله تعالى : { وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ، { البقرة هي الأنثى من البقر يقال: هي مأخوذة من البقر وهو الشق، سميت به لأنها تشق الأرض للحراثة. والقصة فيه أنه كان في بني إسرائيل رجل غني وله ابن عم فقير لا وارث له سواه، فلما طال عليه موته قتله ليرثه، وحمله إلى قرية أخرى وألقاه بفنائهم، ثم أصبح يطلب ثأره وجاء بناس إلى موسى يدعي عليهم القتل، فسألهم موسى فجحدوا، واشتبه أمر القتيل على موسى، قال الكلبي : وذلك قبل نزول القسامة في التوراة، فسألوا موسى أن يدعو الله ليبين لهم بدعائه، فأمرهم الله بذبح بقرة فقال لهم موسى: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ، { قالوا أتتخذنا هزواً } ، أي: تستهزئ بنا، نحن نسألك عن أمر القتيل وتأمرنا بذبح بقرة!! وإنما قالوا ذلك لبعد بين الأمرين في الظاهر، ولم يدروا ما الحكمة فيه، قرأ حمزة هزوا وكفوا بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتثقيل، وبترك الهمزة حفص ، { قال ، { موسى ، { أعوذ بالله ، { أمتنع بالله ، { أن أكون من الجاهلين } ، أي من المستهزئين بالمؤمنين وقيل: من الجاهلين بالجواب لا على وفق السؤال لأن الجواب لا على وفق السؤال جهل، فلما علم (القوم) أن ذبح البقرة عزم من الله عز وجل استوصفوها، ولو أنهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم وكانت تحته حكمة، وذلك أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح له (ابن) طفل وله عجلة أتى بها إلى غيضة وقال: اللهم إني أستودعك هذه العجلة لابني حتى تكبر، ومات الرجل فصارت العجلة في الغيضة عواناً، وكانت تهرب من كل من رآها فلما كبر الابن وكان باراً بوالدته، وكان يقسم الليل ثلاثة أثلاث يصلي ثلثاً وينام ثلثاً، ويجلس عند رأس أمه ثلثاً، فإذا أصبح انطلق فاحتطب على ظهره فيأتي به إلى السوق فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه، ويأكل بثلثه، ويعطي والدته ثلثه، فقالت له أمه يوماً: إن أباك ورثك عجلة استودعها الله في غيضة كذا فانطلق وادع إله إبراهيم واسماعيل واسحاق أن يردها عليك وعلامتها أنك إذا نظرت إليها يخيل إليك أنها شعاع الشمس يخرج من جلدها، وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفرتها، فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها وقال: أعزم بإله ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب أن تأتي إلي فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه فقبض على عنقها يقودها، فتكلمت البقرة بإذن الله تعالى فقالت: أيها الفتى البار بوالدتك اركبني فإن ذلك أهون عليك، فقال الفتى: إن أمي لم تأمرني بذلك ولكن قالت: خذ بعنقها، فقالت البقرة: بإله بني اسرائيل لوركبتني ما كنت تقدر علي أبداً، فانطلق فإنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل لبرك بأمك، فسار الفتى بها إلى أمه فقالت له: إنك فقير لا مال لك فيشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل فانطلق فبع هذه البقرة، قال: بكم أبيعها؟ قالت: بثلاثة دنانير ولا تبع بغير مشورتي وكان ثمن البقرة يومئذ ثلاثة دنانير، فانطلق بها إلى السوق، فبعث الله ملكاً ليرى خلقه قدرته وليختبر الفتى كيف بر بوالدته، وكان الله به خبيراً فقال له الملك: بكم تبيع هذه البقرة؟ قال: بثلاثة دنانير وأشترط عليك رضى والدتي فقال الملك: لمك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك فقال الفتى: لو أعطيتني وزنها ذهباً لم آخذه إلا برضى أمي فردها إلى أمه فأخبرها بالثمن فقالت: ارجع فبعها بستة دنانير على رضى مني، فانطلق بها إلى السوق وأتى الملك فقال: استأمرت أمك فقال الفتى: إنها أمرتني أن لا أنقصها عن ستة على أن أستأمرها فقال الملك: فإني أعطيك اثني عشر على أن لا تستأمرهاا، فأبى الفتى، فرجع إلى أمه فأخبرها، فقالت إن الذي يأتيك ملك بصورة آدمي ليختبرك فإذا آتاك فقل له: أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا؟ (ففعل) فقال له الملك: اذهب إلى أمك وقل لها أمسكي هذه البقرة فإن موسى بن عمران عليه السلام يشتريها منك لقتيل يقتل في بني إسرائيل فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير، فأمسكوها، وقدر الله تعالى على بني اسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها فما زالوا يستوصفون موسى حتى وصف لهم تلك البقرة، مكافأة له على بره بوالدته فضلاً منه ورحمة ( فذلك ): قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ
الأية
68
 
{ قوله تعالى ، { قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي } ، أي (ما صفاتها) { قال ، { موسى ، { إنه يقول } ، يعني أن الله تعالى يقول ، { إنها بقرة لا فارض ولا بكر } ، أي لا كبيرة ولا صغيرة، والفارض المسنة التي لا تلد، يقال منه: فرضت تفرض فروضاً، والبكر الفتاة الصغيرة التي لم تلد قط، وحذفت (الهاء) منهما للاختصاص بالإناث كالحائض ، { عوان ، { وسط نصف ، { بين ذلك } ، أي بين السنين يقال عونت المرأة تعويناً: إذا زادت على الثلاثين، قال الأخفش (العوان: التي لم تلد قط، وقيل: ) العوان التي نتجت مراراً وجمعها عون ، { فافعلوا ما تؤمرون ، { من ذبح البقرة ولا تكثروا السؤال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ
الأية
69
 
{ قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال: إنه يقول: إنها بقرة صفراء فاقع لونها ، { قال ابن عباس: شديد الصفرة، وقال قتادة : صاف، وقال الحسن : الصفراء الوداء، والأول أصح لأنه لا يقال أسود فاقعإنما يقال: أصفر فاقع، وأسود (حالك) وأحمر قانئ وأخضر ناضر، وأبيض بقق للمبالغة ، { تسر الناظرين }: إليها يعجبهم حسنها وصفاء لونها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ
الأية
70
 
{ قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ، { أسائمة أم عاملة ، { إن البقر تشابه علينا ، { ولم يقل تشابهت لتذكير لفظ البقر كقوله تعالى } : أعجاز نخل منقعر } (20-القمر) وقال الزجاج : أي جنس البقر تشابه، أي التبس واشتبه أمره علينا فلا نهتدي إليه ، { وإنا إن شاء الله لمهتدون ، { إلى وصفها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " (والله) لو لم يستثنوا لما بينت لهم إلى آخر الأبد }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ
الأية
71
 
{ قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول ، { مذللة بالعمل يقال: رجل ذلول بين الذل، ودابة ذلول بينة الذل ، { تثير الأرض ، { تقلبها للزراعة ، { ولا تسقي الحرث } ، أي ليست بساقية ، { مسلمة ، { بريئة من العيوب ، { لا شية فيها ، { لا لون لها سوى لون جميع جلدها قال عطاء : لاعيب فيها، وقال مجاهد : لا بياض فيها ولا سواد ، { قالوا: الآن جئت بالحق } ، أي بالبيان التام الشافي الذي لا إشكال فيه، وطلبوها فلم يجدوا بكمال وصفها إلا مع الفتى فاشتروها بملء مسكها ذهباً ، { فذبحوها وما كادوا يفعلون ، { من غلاء ثمنها وقال محمد بن كعب: وما كادوا يجدونها باجتماع أوصافها، وقيل ، { وما كادوا يفعلون ، { من شدة اضطرابهم واختلافهم فيها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
الأية
72
 
قوله عز وجل : { وإذ قتلتم نفساً ، { هذا أول القصة وإن كانت مؤخرة في التلاوة، واسم القتيل (عاميل) { فادارأتم فيها ، { أصله تدارأتم فأدغمت التاء في الدال وأدخلت الألف، مثل قوله } : اثاقلتم } ، قال ابن عباس: و مجاهد : معناه فاختلفتم، وقال الربيع بن أنس: تدافعتم، أي يحيل بعضكم على بعض من الدرء وهو الدفع، فكان كل واحد يدفع عن نفسه ، { والله مخرج } ، أي مظهر ، { ما كنتم تكتمون ، { فإن القاتل كان يكتم القتل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
الأية
73
 
{ فقلنا اضربوه } ، يعني القتيل ، { ببعضها } ، أي ببعض البقرة، واختلفوا في ذلك البعض، قال ابن عباس رضي الله عنه وأكثر المفسرين: ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف وهو المقتل، وقال مجاهد و سعيد بن جبير : بعجب الذنب لأنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى، ويركب عليه الخلق، وقال الضحاك : بلسانها، وقال الحسين بن الفضل : هذا أدل بها لأنه آلة الكلام، وقال الكلبي و عكرمة : بفخذها الأيمن، وقيل: بعضو منها لا بعينه، ففعلوا ذلك فقام القتيل حياً بإذن الله تعالى وأوداجه، أي عروق العنق، تشخب دماً وقال قتلني فلان، ثم سقط ومات مكانه فحرم قاتله الميراث، وفي الخبر: (( ما ورث قاتل بعد صاحب البقرة )) وفيه إضمار تقديره: فضرب فحيي ، { كذلك يحيي الله الموتى ، { كما أحيا عاميل ، { ويريكم آياته لعلكم تعقلون ، { قيل تمنعون أنفسكم من المعاصي. أما حكم هذه المسألة في الإسلام: إذا وجد قتيل في موضع ولا يعرف قاتله فإن كان ثم ( لوث ) على إنسان - واللوث: أن يغلب على القلب صدق المدعي، بأن اجتمع جماعة في بيت أو صحراء فتفرقوا عن قتيل يغلب على القلب أن القاتل فيهم، أو وجد قتيل في محلة أو قرية كلهم أعداء للقتيل لا يخالطهم غيرهم، فيغلب على القلب أنهم قتلوه - فادعى الولي على بعضهم، يحلف المدعي خمسين يميناً على من يدعي عليه، وإن كان الأولياء جماعة توزع الأيمان عليهم، ثم بعدما حلفوا أخذوا الدية من عاقلة المدعى عليه إن ادعوا قتل خطأ، وإن ادعوا قتل عمد فمن ماله، ولا قود على قول الأكثرين وذهب بعضهم إلى وجوب القود، وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه قال مالك و أحمد ، وإن لم يكن على المدعى عليه لوث فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ثم هل يحلف يميناً واحدة أم خمسين يميناً؟ فيه قولان: (أحدهما) يميناً واحدة كما في سائر الدعاوي ( والثاني) يحلف خمسين يميناً تغليظاً لأمر الدم، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: لا حكم للوث [ولا يزيد بيمين المدعي] وقال: إذا وجد قتيل في محلة يختار الإمام خمسين رجلاً من صلحاء أهلها فيحلفهم أنهم ما قتلوه ولا عرفوا له قاتلاً، ثم يأخذ الدية من سكانها، والدليل على أن البداية بيمين المدعي عند وجود اللوث: [ ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يحيى بن سعيد عن بشير ابن يسار ] عن سهل بن أبي حثمة { أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر لحاجتهما فقتل عبد الله بن سهل فانطلق هو وعبد الرحمن / أخو المقتول وحويصة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له قتل عبد الله بن سهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم فقالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتبرئكم يهود بخمسين يميناً فقالوا يارسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فعزم النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده }[ وفي لفظ آخر فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده ] قال بشير بن يسار: قال سهل لقد ركضتني فريضة تلك الفرائض في مربد لنا، وفي رواية: لقد ركضتني ناقة حمراء من تلك الفرائض في مربد لنا )) أخرجه مسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب . وجه الدليل من الخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بأيمان المدعين لتقوي جانبهم باللوث، وهو أن عبد الله بن سهل وجد قتيلاً في خيبر، وكانت العداوة ظاهرة بين الأنصار وأهل خيبر، وكان يغلب على القلب أنهم قتلوه،ن واليمين أبداً تكون حجة لمن يقوى جانبه وعند عدم اللوث يقوى جانب المدعى عليه من حيث أن الأصل براءة ذمته وكان القول قوله مع يمينه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
الأية
74
 
قوله تعالى : { ثم قست قلوبكم ، { يبست وجفت، جفاف القلب: خروج الرحمة واللين عنه، وقيل: غلظت، وقيل: اسودت ، { من بعد ذلك ، { من بعد ظهور الدلالات. قال الكلبي : قالوا بعد ذلك: نحن لم نقتله، فلم يكونوا قط أعمى قلباً ولا أشد تكذيباً لنبيهم منهم عند ذلك ، { فهي } ، أي في الغلظة والشدة ، { كالحجارة أو أشد قسوة ، { قيل: أو بمعنى بل وقيل: بمعنى الواو كقوله تعالى } : مائة ألف أو يزيدون } (147-الصافات) أي: بل يزيدون أو ويزيدون، وإنما لم يشبهها بالحديد مع أنه أصلب من الحجارة، لأن الحديد قابل للين فإنه يلين بالنار، وقد لان لداود عليه السلام، والحجارة لا تلين قط، ثم فضل الحجارة على القلب القاسي فقال } : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ، { قيل: أراد به (جميع) الحجارة، وقيل: أراد به الحجر الذي كان يضرب عليه موسى للأسباط ، { وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ، { أراد به عيوناً دون الأنهار ، { وإن منها لما يهبط ، { ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله ، { من خشية الله ، { وقلوبكم لا تلين ولا تخشع يا معشر اليهود. فإن قيل: جماد لا يفهم، فكيف (يخشى)؟ قيل: الله يفهمه ويلهمه فيخشى بإلهامه. ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خلق علماً في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقل، لا يقف عليه غيره، فلها صلاة وتسبيح وخشية كما قال جل ذكره } : وإن من شيء إلا يسبح بحمده } (44-الاسراء) وقال ، { والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه } (41-النور) وقال } : ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر } (18-الحج) الآية، فيجب (المؤمن) الإيمان به ويكل علمه إلى الله تعالى سبحانه وتعالى، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على ثبير والكفار يطلبونه فقال الجبل: انزل عني فإني أخاف أن تؤخذ علي فيعاقبني الله بذلك فقال له جبل حراء: إلي يا رسول الله )). أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب النيسابوري أنا محمد بن اسماعيل الصائغ أنا يحيى بن أبي بكر أنا ابراهيم ابن طهمان عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن } [ هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكر وصح عن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع على أحد فقال: هذا جبل يحبنا و نحبه { وروي عن أبي هريرة يقول ، { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم أقبل على الناس بوجهه وقال: بينما رجل يسوق بقرة إذ عيي فركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا لحراثة الأرض فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم!؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أومن به أنا وأبو بكر ,عمر وماهما ثم ، { وقال } : بينما رجل في غنم له إذ عدا الذئب على شاة منها فأدركها صاحبها فاستنفذها، فقال الذئب: فمن لها يوم السبع؟ أي يوم القيامة، يوم لا راعي لها غيري فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم؟ فقال: أومن به أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم } ، وصح عن أبي هريرة قال: { كان رسول صلى الله عليه وسلم على حراء وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اهدأ. أي: اسكن. فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ، { صحيح أخرجه مسلم . أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أ[و سعيد يحيى بن أحمد بن علي الصانع أنا أبو الحسن علي بن اسحاق بن هشام الرازي أنا محمد بن أيوب بن ضريس البجلي الرازي أنا محمد بن الصباح عن الوليد ابن أبي ثور عن السدي عن عباد بن أبي يزيد ] عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال } : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في نواحيها خارجاً من مكة بين الجبال والشجر، فلم يمر بشجرة ولا جبل إلا قال السلام عليك يارسول الله }. أنا أبو الحسن عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول } : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية وحنت كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكنت }. قال مجاهد : لا ينزل حجر من أعلى إلى الأسفل إلا من خشية الله، ويشهد لما قلنا قوله تعالى } : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون } (21-الحشر). قوله عز وجل ، { وما الله بغافل } (بساه) { عما تعملون ، { وعيد وتهديد، وقيل: بتارك عقوبة ما تعملون، بل يجازيكم به، قرأ ابن كثير يعملون بالياء والآخرون بالتاء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
الأية
75
 
{ قوله تعالى ، { أفتطمعون ، { أفترجون؟ يريد: محمداً وأصحابه ، { أن يؤمنوا لكم ، { تصدقكم اليهود بما تخبرونهم به ، { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله } ، يعني التوراة ، { ثم يحرفونه ، { يغيرون ما فيها من الأحكام ، { من بعد ما عقلوه ، { علموه كما غيروا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم ، { وهم يعلمون ، { أنهم كاذبون، هذا قول مجاهد و قتادة و عكرمة و السدي وجماعة، وقال ابن عباس و مقاتل : نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وذلك أنهم لما رجعوا - بعد ما سمعوا كلام الله - إلى قومهم رجع الناس إلى قولهم، وأما الصادقون منهم فأدوا كما سمعوا، وقالت طائفة منهم: سمعنا الله يقول في آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا، فهذا تحريفهم وهم يعلمون أنه الحق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
الأية
76
 
{ وإذا لقوا الذين آمنوا ، { قال ابن عباس و الحسن و قتادة : يعني منافقي اليهود الذين آمنوا بألسنتهم إذا لقوا المؤمنين المخلصين ، { قالوا: آمنا ، { كإيمانكم ، { وإذا خلا ، { رجع ، { بعضهم إلى بعض } - كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا وغيرهم من رؤساء اليهود - لأمرهم على ذلك ، { قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ، { بما قص الله عليكم في كتابكم: أن محمداً حق وقوله صدق. والفتاح القاضي. وقال الكسائي : بما بينه الله لكم [ من العلم بصفة النبي صلى الله عليه وسلم ونعته، وقال: ] الواقدي : بما أنزل الله عليكم، ونظيره } : لفتحنا عليهم بركات من السماء } (44-الأنعام) أي أنزلنا، وقال أبو عبيدة: بما من الله عليكم وأعطاكم ، { ليحاجوكم به ، { ليخاصموكم، يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يحتجوا بقولكم (عليكم) فيقولوا قد أقررتم أنه نبي حق في كتابكم ثن لا تتبعونه!! وذلك أنهم قالوا لأهل المدينة حين شاورهم في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم: آمنوا به فإنه حق ثم قال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم لتكون لهم الحجة عليكم ، { عند ربكم ، { في الدنيا والآخرة، وقيل: إنهم أخبروا المؤمنين بما عذبهم الله به على الجنايات فقال بعضهم لبعض: [ أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم من العذاب ليحاجوكم به عند ربكم، ليروا الكرامة لأنفسهم عليكم عند الله وقال مجاهد : هو قول يهود بني قريظة قال بعضهم لبعض ] حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم } : يا إخوان القردة والخنازير ، { فقالوا: من أخبرمحمد بهذا؟ ما خرج هذا إلا منكم ، { أفلا تعقلون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
الأية
77
 
قال الله تعالى : { أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون ، { يخفون ، { وما يعلنون ، { يبدون يعني اليهود.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ
الأية
78
 
{ وقوله تعالى } : ومنهم أميون } ، أي من اليهود أميون لا يحسنون القراءة والكتابة، جمع أمي منسوب إلى الأم كأنه باق على ما انفصل من الأم لم يتعلم كتابة ولا قراءة. [ وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ، { إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب } ] وقيل: هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة ، { لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، { قرأ أبو جعفر: أماني بتخفيف الياء كل القرآن حذف إحدى الياءين (تخفيفاً)، وقراءة العامة بالتشديد، وهي جمع الأمنية وهي التلاوة، قال الله تعالى } : إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } (52-الحج) أي في قراءته، قال أبو عبيدة: [ إلا تلاوته وقراءته ] عن ظهر القلب لا يقرؤونه من كتاب، وقيل: يعلمونه حفظاً وقراءة لا يعرفون معناه. وقال ابن عباس: يعني غير عارفين بمعاني الكتاب، وقال مجاهد و قتادة : إلا كذباً وباطلاً، قال الفراء : الأماني: الأحاديث المفتعلة، قال عثمان رضي الله عنه: ما تمنيت منذ أسلمت (أي ما كذبت)، وأراد بها الأشياء التي كتبها علماؤهم من عند أنفسهم ثم / أضافوها إلى الله عز وجل من تغيير نعت النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وقال الحسن و أبو العالية : هي من التمني، وهي أمانيهم الباطلة التي تمنوها على الله عز وجل مثل قولهم } : لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } (111-البقرة) وقولهم } : لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } (80-البقرة) وقولهم ، { نحن أبناء الله وأحباؤه } (18- المائدة) فعلى هذا تكون (إلا) بمعنى (لكن) أي لا يعلمون الكتاب لكن يتمنون أشياء تحصل لهم ، { وإن هم ، { وما هم ، { إلا يظنون ، { وما هم إلا يظنون ظناً وتوهماً لا يقيناً، قاله قتادة و الربيع ، قال مجاهد : يكذبون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ
الأية
79
 
قوله تعالى : { فويل ، { قال الزجاج : ويل كلمة يقولها كل واقع في هلكة، وقيل: هو دعاء الكفار على أنفسهم بالويل والثبور، وقال ابن عباس: شدة العذاب، وقال سعيد بن المسيب: ويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدة حره. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو اسحاق ابراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد [ عن عمرو بن الحارث أنه حدث عن أبي السمح عن أبي الهيثم ] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره، والصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فهو كذلك }. { للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ، { وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الايمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة، وكانت صفته فيها: حسن الوجه، حسن الشعر، أكحل العينين، ربعة، فغيروها وكتبوا مكانها طوال أزرق سبط الشعر فإذا سألهم سفلتهم عن صفته قرؤوا ما كتبوا فيجدونه مخالفاً لصفته فيكذبونه وينكرونه، قال الله تعالى ، { فويل لهم مما كتبت أيديهم } ، يعني ما كتبوا بأنفسهم اختراعاً من تغيير نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، { وويل لهم مما يكسبون ، { من المآكل ويقال: من المعاصي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
الأية
80
 
{ وقالوا } ، يعني اليهود ، { لن تمسنا النار } [لن يصيبنا النار] { إلا أياماً معدودة ، { قدراً مقدراً ثم يزول عنا العذاب ويعقبه النعيم واختلفوا في هذه الآية، قال ابن عباس و مجاهد : كانت اليهود يقولون: هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً واحداً ثم ينقطع العذاب بعد سبعة آيام. وقال قتادة و عطاء : يعنون أربعين يوماً التي عبد فيها آباؤهم العجل، وقال الحسن و أ[و العالية : قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمر، فأقسم ليعذبنا أربعين يوماً فلن تمسنا النار إلا أربعين يوماً تحلة القسم، فقال الله عز وجل تكذيباً لهم } : قل ، { يا محمد ، { أتخذتم عند الله ، { ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، عند الله ، { عهداً { ؟ موثقاً أن لايعذبكم إلا هذه المدة ، { فلن يخلف الله عهده ، { ووعده قال ابن مسعود: عهداً بالتوحيد، يدل عليه قوله تعالى } : إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } (87-مريم) يعني: قول لا إله إلا الله ، { أم تقولون على الله ما لا تعلمون ، { ثم قال

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بَلَىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الأية
81
 
{ بلى ، { وبل وبلى: حرفا استدراك ومعناهما نفي الخبر الماضي وإثبات الخبر المستقبل ، { من كسب سيئة } ، يعني الشرك ، { وأحاطت به خطيئته ، { قرأ أهل المدينة خطيئاته بالجمع، والإحاطة الإحداق بالشيء من جميع نواحيه، قال ابن عباس و عطاء و الضحاك و أبو العالية و الربيع وجماعة: هي الشرك يموت عليه، وقيل: السيئة الكبيرة. والاحاطة به أن يصر عليها فيموت غير تائب، قال عكرمة و الربيع بن خيثم وقال مجاهد : هي الذنوب تحيط القلب، كلما أذنب ذنباً ارتفعت (حتى تغشى) القلب وهي الرين. قال الكلبي : أوبقته ذنوبه، دليله قوله تعالى ، { إلا أن يحاط بكم } (66-يوسف) أي تهلكوا ، { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الأية
82
 
قوله تعالى : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ
الأية
83
 
قوله تعالى : { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ، { في التوراة، والميثاق العهد الشديد ، { لا تعبدون إلا الله ، { قرأ ابن كثير و حمزة و الكسائي (لا يعبدون) بالياء وقرأ الخرون بالتاء لقوله تعالى ، { وقولوا للناس حسناً } ، معناه ألا تعبدوا فلما حذف أن صار الفعل مرفوعاً، وقرأ أبي بن كعب: لا تعبدوا إلا الله على النهي ، { بالوالدين إحساناً } ، أي ووصيناهم بالوالدين إحساناً، براً بهما وعطفاً عليهما ونزولاً عند أمرهما، فيما لا يخالف أمر الله تعالى ، { وذي القربى } ، أي وبذي القرابة والقربى مصدر كالحسنى ، { واليتامى ، { جمع يتيم وهو الطفل الذي لا أب له ، { والمساكين } ، يعني الفقراء ، { وقولوا للناس حسناً ، { صدقاً وحقاً في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فمن سألكم عنه فاصدقوه وبينوا صفته ولاتكتموا أمره، هذا قول ابن عباس و سعيد بن جبير و ابن جريج و مقاتل ، وقال سفيان الثوري : مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، وقيل: هو اللين في القول والمعاشرة بحسن الخلق. وقرأ حمزة و الكسائي و يعقوب : حسناً بفتح الحاء والسين أي قولاً حسناً ، { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم ، { أعرضتم عن العهد والميثاق ، { إلا قليلاً منكم ، { وذلك أن قوماً منهم آمنوا ، { وأنتم معرضون ، { كإعراض آبائكم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
الأية
84
 
{ قوله عز وجل ، { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم } ، أي لا تريقون دماءكم أي: لا يسفك بعضكم دم بعض، وقيل: لا تسفكوا دماء غيركم فتسفك دماؤكم، فكأنكم سفكتم دماء أنفسكم ، { ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } ، أي لا يخرج بعضكم بعضاً من داره، وقيل: لا تسيئوا جوار من جاوركم فتلجؤوهم إلى الخروج بسوء جواركم ، { ثم أقررتم ، { بهذا العهد أنه حق وقبلتم ، { وأنتم تشهدون ، { اليوم على ذلك يا معشر اليهود وتقرون بالقبول.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
الأية
85
 
{ قوله عز وجل ، { ثم أنتم هؤلاء } ، يعني: يا هؤلاء، وهؤلاء للتنبيه ، { تقتلون أنفسكم } ، أي (يقتل) بعضكم بعضاً ، { وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم ، { بتشديد الظاء أي تتظاهرون أدغمت التاء في الظاء، وقرأ عاصم و حمزة و الكسائي بتخفيف الظاء فحذفوا تاء التفاعل وأبقوا تاء الخطاب كقوله تعالى } : ولا تعاونوا } ، معناهما جميعاً: تتعاونون، والظهير: العون ، { بالإثم والعدوان ، { المعصية والظلم ، { وإن يأتوكم أسارى ، { وقرأ حمزة : أسرى، وهما جمع أسير، ومعناهما واحد ، { تفادوهم ، { بالمال وتنقذوهم وقرأ أهل المدينة و عاصم و الكسائي و يعقوب ( تفادوهم ) أي تبادلوهم، أراد: مفاداة الأسيربالأسير، وقيل: معنى القراءتين واحد. ومعنى الآية قال السدي : إن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه، فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، وكانوا يقتتلون في حرب سمير؟ فيقاتل بنو قريظة وحلفاؤهم وبنو النضير وحلفاؤهم وإذا غلبوا أخربوا ديارهم وأخرجوهم منها، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه وإن كان الأسير من عدوهم، فتعيرهم الاعرب وتقول: كيف تقاتلونهم وتفدونهم قالوا:إنا أمرنا أن نفديهم فيقولون: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحيي أن يستذل حلفاؤنا، فعيرهم الله تعالى بذلك فقال } : ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ، { وفي الآية تقديم وتأخير ونظمها (وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان) { وهو محرم عليكم إخراجهم ، { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم، فكأن الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود: ترك القتال، وترك الاخراج، وترك المظاهرة عليهم مع أعدائهم، وفداء أسراهم، فأعرضوا عن الكل إلا الفداء. قال الله تعالى ، { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ، { قال مجاهد : يقول إن وجدته في يد غيرك فديته وأنت تقتله بيدك ، { فما جزاء من يفعل ذلك منكم ، { يا معشر اليهود ، { إلا خزي ، { عذاب وهوان ، { في الحياة الدنيا ، { فكان خزي قريظة القتل والسبي وخزي النضير الجلاء والنفي من منازلهم إلى أذرعات وأريحاء من الشام ، { ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ، { وهو عذاب النار ، { وما الله بغافل عما تعملون ، { قرأ ابن كثير و نافع وأبو بكر بالياء، والباقون بالتاء قوله عز وجل } : أولئك الذين اشتروا }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ
الأية
86
 
{ أولئك الذين اشتروا ، { استبدلوا ، { الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف ، { يهون ، { عنهم العذاب ولا هم ينصرون ، { يمنعون من عذاب الله عز وجل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ
الأية
87
 
{ قوله تعالى : { ولقد آتينا ، { أعطينا ، { موسى الكتاب ، { التوراة ، جملة واحده ، { وقفينا ، { وأتبعنا ، { من بعده بالرسل ، { رسولا بعد رسول ، { وآتينا عيسى ابن مريم البينات ، { الدلالات الواضحات وهي ما ذكر الله في سورة آل عمران والمائدة وقيل : أراد الإنجيل ، { وأيدناه ، { قويناه ، { بروح القدس ، { قرأ ابن كثير القدس بسكون الدال والآخرون بضمها وهما لغتان مثل الرعب و الرعب ، واخبلفوا في روح القدس ، قال الربيع وغيره : أراد بالروح الروح الذي نفخ فيه ، والقدس هو الله أضافه إلى نفسه تكريماً وتخصيصاً نحو بيت الله ، وناقة الله ، كما قال : { فنفخنا فيه من روحنا } ( 12- التحريم ) { وروح منه } (171-النساء) وقيل : أراد بالقدس الطهارة ، يعني الروح الطاهرة ، سمى روحه قدساً ، لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحولة ، وام تشتمل عليه أرحام الطوامث ، إنما كان أمراً من الله تعالى ، قال قتادة و السدي و الضحاك : روح القدس جبريل عليه السلام قيل : وصف جبريل بالقدس أي بالطهارة لأنه لم يقترف ذنباً ، قال الحسن : القدس هو الله وروحه جبريل قال الله تعالى : { قل نزله روح القدس من ربك بالحق }( 102- النحل ) وتأييد عيسى بجبريل عليهما السلام أنه أمر أن يسير معه حيث سار حتى صعد به الله ( الى السماء ) وقيل : سمي جبريل عليه السلام روحاً للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب ، وقال ابن عباس و سعيد بن جبير : روح القدس هو إسم الله تعالى الأعظم به كان يحيي الموتى ويرى الناس به العجائب ، وقيل : هو الإنجيل جعل له روحا كما ( جعل القرآن روحا لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه سبب لحياة القلوب ) قال تعالى : { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } ( 52- الشورى ) فلما سمع اليهود ذكر عيسى عليه السلام قالوا : يامحمد لا مثل عيسى _ كما تزعم _ عملت ، ولا كما تقص علينا من الأنبياء فعلت ، فأتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقا . قال الله تعالى : { أفكلما جاءكم ، { يا معشر اليهود ، { رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ، { تكبرتم وتعظمتم عن الإيمان ، { ففريقاً ، { طائفة ، { كذبتم ، { مثل عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، { وفريقا تقتلون } ، أي قتلتم مثل زكريا ويحيى وشعيا وسائر من قتلوه من الأنبياء عليهم السلام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ
الأية
88
 
{ وقالوا } ، يعني اليهود ، { قلوبنا غلف ، { جمع الاغلف وهو الذي عليه غشاء ، معناه عليها غشاوة فلا تعي ولا تفقه ما تقول ، قاله مجاهد و قتادة ، نظيره قوله تعالى ، { وقالوا قلوبنا في أكنة } ( 5 - فصلت ) وقرأ ابن عباس غلف بضم اللام وهي قراءة الأعرج وهو جمع غلاف أي قلوبنا أوعية لكل علم فلا تحتاج إلى علمك قاله ابن عباس و عطاء وقال الكلبي : معناه أوعية لكل علم فلا تسمع حديثاً إلا تعيه إلا حديثك لا تعقله ولا تعيه ولو كان فيه خير لوعته وفهمته . قال الله عز وجل : { بل لعنهم الله ، { طردهم الله وأبعدهم عن كل خير ، { بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون ، { قال قتادة : معناه لن يؤمن منهم إلا قليل لأن من آمن من المشركين أكثر ممن آمن من اليهود ، أي فقليلاً يؤمنون ، ونصب قليلاً [ على الحال وقال معمر : لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم ويكفرون بأكثره ، أي فقليل يؤمنون ونصب قليلاً ] بنزع الخافض ، و(ما) صلة على قولهما ، وقال الواقدي : معناه لا يؤمنون قليلاً ولا كثيراً كقول الرجل للآخر : ما أقل ما تفعل كذا أي لا تفعله أصلاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
الأية
89
 
{ ولما جاءهم كتاب من عند الله } ، يعني القرآن ، { مصدق ، { موافق ، { لما معهم } ، يعني التوراة ، { وكانوا } ، يعني اليهود ، { من قبل ، { من قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، { يستفتحون ، { يستنصرون ، { على الذين كفروا ، { على مشركي العرب، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو: اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان، الذي نجد صفته في التوراة، فكانوا ينصرون، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وثمود وإرم ، { فلما جاءهم ما عرفوا } ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم من غير بني اسرائيل وعرفوا نعته وصفته ، { كفروا به ، { بغياً وحسداً. { فلعنة الله على الكافرين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ
الأية
90
 
{ بئسما اشتروا به أنفسهم ، { بئس ونعم: فعلان ماضيان وضعا للمدح والذم، لا يتصرفان تصرف الأفعال، معناه: بئس الذي اختاروا لأنفسهم حين استبدلوا الباطل بالحق. وقيل: الاشتراء هاهنا بمعنى البيع والمعنى بئس ما باعوا به حظ أنفسهم أي حين اختاروا الكفر (وبذلوا أنفسهم للنار) { أن يكفروا بما أنزل الله } ، يعني القرآن ، { بغياً } ، أي حسداً وأصل البغي: الفساد ويقال بغى الجرح إذا فسد والبغي: الظلم، وأصله الطلب، والباغي طالب الظلم، والحاسد يظلم المحسود جهده، طلباً لإزالة نعمة الله تعالى عنه ، { أن ينزل الله من فضله } ، أي النبوة والكتاب ، { على من يشاء من عباده ، { محمد صلى الله عليه وسلم، قرأ أهل مكة والبصرة ينزل بالتخفيف إلا ( في سبحان الذي ) في موضعين ، { وننزل من القرآن } (93-الإسراء) و ، { حتى تنزل } (93-الإسراء) فإن ابن كثير يشددهما، وشدد البصريون في الأنعام ، { على أن ينزل آية } (37-الأنعام) زاد يعقوب تشديد (بما ينزل) في النحل ووافق حمزة و الكسائي في تخفيف (وينزل الغيث) في سورة لقمان وحم وعسق، والآخرون يشددون الكل، ولم يختلفوا في تشديد ، { وما ننزله إلا بقدر ، { في الحجر (21) { وباءوا بغضب } ، أي رجعوا بغضب ، { على غضب ، { قال ابن عباس و مجاهد : الغضب الأول بتضييعهم التوراة وتبديلهم، والثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، وقال قتادة : الأول بكفرهم بعيسى والإنجيل، والثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، وقال السدي : الأول بعبادة العجل والثاني بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، { وللكافرين }: الجاحدين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم ، { عذاب مهين ، { مخز يهانون فيه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
الأية
91
 
{ قوله تعالى ، { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله } ، يعني القرآن ، { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } ، يعني التوراة، يكفينا ذلك ، { ويكفرون بما وراءه } ، أي بما سواه من الكتب كقوله عز وجل ، { فمن ابتغى وراء ذلك } (7-المؤمنون) أي سواه، وقال أبو عبيدة: [بما وراءه] أي: بما سواه من الكتب ، { وهو الحق } ، يعني القرآن ، { مصدقاً ، { نصب على الحال ، { لما معهم ، { من التوراة ، { قل ، { لهم يا محمد ، { فلم تقتلون } ، أي قتلتم ، { أنبياء الله من قبل ، { ولم: أصله لما فحذفت الألف فرقاً بين الجر والاستفهام كقولهم فيم وبم؟ ، { إن كنتم مؤمنين ، { بالتوراة، وقد نهيتم فيها عن قتل الأنبياء عليهم السلام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ
الأية
92
 
{ قوله عز وجل ، { ولقد جاءكم موسى بالبينات ، { بالدلالات الواضحة والمعجزات الباهرة/ { ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
الأية
93
 
{ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا } ، أي استجيبوا وأطيعوا سميت الطاعة والإجابة سمعاً على المجاورة لأنه سبب للطاعة والإجابة ، { قالوا سمعنا ، { قولك ، { وعصينا ، { أمرك، وقيل: سمعنا بالأذن وعصينا بالقلوب، قال أهل المعاني: إنهم لم يقولوا هذا بألسنتهم ولكن لما سمعوا وتلقوه بالعصيان فنسب ذلك إلى القول اتساعاً ، { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } ، أي حب العجل، أي معناه: أدخل في قلوبهم حب العجل وخالطها، كإشراب اللون لشدة الملازمة يقال: فلان مشرب اللون إذا اختلط بياضه بالحمرة، وفي القصص: أن موسى أمر أن يبرد العجل بالمبرد ثم يذره في النهر وأمرهم (بالشرب) منه فمن بقي في قلبه شيء من حب العجل ظهرت سحالة الذهب على شاربه. قوله عز وجل ، { قل بئسما يأمركم به إيمانكم ، { أن تعبدوا العجل من دون الله أي بئس إيمان يأمركم بعبادة العجل ، { إن كنتم مؤمنين ، { بزعمكم، وذلك أنهم قالوا: (نؤمن بما أنزل علينا) فكذبهم الله عز وجل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
الأية
94
 
{ قوله تعالى ، { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله ، { وذلك أن اليهود ادعوا دعاوى باطلة مثل قولهم ، { لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } (80-البقرة) { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } (111-البقرة) وقولهم ، { نحن أبناء الله وأحباؤه } (18-المائدة) فكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فقال: قل لهم يا محمد (إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله) يعني الجنة عند الله ، { خالصة } ، أي خاصة ، { من دون الناس فتمنوا الموت } ، أي فأريدوه واسألوه لأن من علم أن الجنة مأواه حن إليها ولا سبيل إلى دخولها إلا بعد الموت فاستعجلوه بالتمني ، { إن كنتم صادقين ، { في قولكم، وقيل: فتمنوا الموت أي ادعوا بالموت على الفرقة الكاذبة. وروي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : لو تمنوا الموت لغص كل انسان منهم بريقه وما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
الأية
95
 
قال الله تعالى : { ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم ، { لعلمهم أنهم في دعواهم كاذبون وأراد (بما قدمت أيديهم) أي ما قدموه من الأعمال وأضافها إلى اليد [دون سائر الأعضاء] لأن أكثر جنايات الانسان تكون باليد فأضيف إلى اليد أعماله وإن لم يكن لليد فيها عمل ، { والله عليم بالظالمين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
الأية
96
 
{ ولتجدنهم ، { اللام لام القسم والنون تأكيد للقسم، تقديره: والله لتجدنهم يا محمد يعني اليهود ، { أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ، { قيل: هو متصل بالأول، وأحرص من الذين أشركوا، وقيل: ثم الكلام بقوله (على حياة) ثم ابتدأ ( من الذين أشركوا ) وأراد بالذين أشركوا المجوس قاله أبو العالية و الربيع سموا مشركين لأنهم يقولون بالنور والظلمة. { يود ، { يريد ويتمنى ، { أحدهم لو يعمر ألف سنة } ، يعني تعمير ألف سنة وهي تحية المجوس فيما بينهم يقولون عش ألف سنة وكل ألف نيروز ومهرجان، يقول الله تعالى: اليهود أحرص على الحياة من المجوس الذين يقولون ذلك ، { وما هو بمزحزحه ، { مباعده ، { من العذاب ، { من النار ، { أن يعمر } ، أي طول عمره لا ينقذه. [زحزحه وتزحزح] من العذاب أو زحزح: لازم ومتعد، ويقال زحزحته فتزحزح ، { والله بصير بما يعملون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
الأية
97
 
قوله عز وجل : { قل من كان عدواً لجبريل ، { قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن حبراً من أحبار اليهود يقال له عبد الله بن صوريا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي ملك (نزل) من السماء؟ قال (جبريل) قال: ذلك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لآمنا بك، إن جبريل ينزل بالعذاب والقتال والشدة وإنه عادانا مراراً وكان من أشد ذلك علينا، [أن الله تعالى أنزل على نبينا] أن بيت المقدس سيخرب على يد رجل يقال له بختنصر، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل في طلبه لقتله فانطلق حتى لقيه ببابل غلاماً مسكيناً فأخذه ليقتله فدفع عنه جبريل وكبر بختنصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدواً فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مقاتل : قالت اليهود: إن جبريل عدونا لأنه أمر بجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا، وقال قتادة و عكرمة و السدي : كان لعمر بن الخطاب أرض بأعلى المدينة وممرها على مدارس اليهود فكان إذا أتى أرضه يأتيهم ويسمع منهم (كلاماً) فقالوا له: ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك، إنهم يمرون علينا فيؤذوننا وأنت لا تؤذينا وإنا لنطمع فيك فقال عمر: والله ما آتيكم لحبكم ولا أسألكم لأني شاك في ديني وإنما أدخل عليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأرى آثاره في كتابكم [وأنتم تكتمونها] فقالوا: من صاحب ممحمد الذي يأتيه من الملائكة؟ قال: جبريل فقالوا: ذلك عدونا يطلع محمداً على أسرارنا وهو صاحب كل عذاب وخسف وسنة وشدة، وإن ميكائيل إذا جاء جاء بالخصب والمغنم فقال لهم عمر: تعرفون جبريل وتنكرون محمداً؟ قالوا: نعم قال: فأخبروني عن منزلة جبريل ووميكائيل من الله عز وجل؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره قال عمر: فإني أشهد أن من كان عدواً لجبريل فهو عدو لميكائيل، ومن كان عدواً لميكائيل فإنه لجبريل، ومن كان عدواً له، ثم رجع عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال (( لقد وافقك ربك يا عمر )) فقال عمر: لقد رأيتني بعد ذلك، في دين الله أصلب من الحجر. قال الله تعالى ، { قل من كان عدواً لجبريل فإنه } ، يعني: جبريل ، { نزله } ، يعنى: القرآن، كناية عن غير مذكور ، { على قلبك ، { يا محمد ، { بإذن الله ، { بأمر الله ، { مصدقاً ، { موافقاً ، { لما بين يديه ، { لما قبله من الكتب ، { وهدىً وبشرى للمؤمنين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ
الأية
98
 
قوله عز وجل : { من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ، { خصهما بالذكر من جملة الملائكة مع دخولهما في قوله ، { وملائكته ، { تفضيلاً وتخصيصاً،ن كقوله تعالى } : فيهما فاكهة ونخل ورمان } (68-الرحمن) خص النخل والرمان بالذكر مع دخولهما في ذكر الفاكهة، والواو فيهما بمعنى: أو، يعني من كان عدواً لأحد هؤلاء فإنه عدو للكل، لأن الكافر بالواحد كافر بالكل ، { فإن الله عدو للكافرين ، { قال عكرمة : جبر وميك واسراف هي العبد بالسريانية، وايل هو الله تعالى ومعناهما عبد الله وعبد الرحمن. وقرأ ابن كثير جبريل بفتح الجيم غير مهموز بوزن فعليل قال حسان: وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء وقرأ حمزة و الكسائي بالهمز زالاشباع بوزن سلسبيل، وقرأ أبو بكر بالاختلاس، وقرأ الآخرون بكسر الجيم غير مهموز،ن وميكاييل قرأ أبو عمرو ويعقوب وحفص ميكال بغير همز قال جرير: عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد وبجبرائيل وكذبوا ميكالاً وقال آخر: ويوم بدر لقيناكم لنا مدد فيه مع النصر جبريل وميكال وقرأ نافع : بالهمز والاختلاس، بوزن ميفاعل، وقرأ الآخرون: بالهمز والاشباع بوزن ميكائيل، وقال ابن صوريا: ما جئتنا بشيء نعرفه، فأنزل الله تعالى

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ
الأية
99
 
{ ولقد أنزلنا إليك آيات بينات ، { واضحات مفصلات بالحلال والحرام والحدود والأحكام ، { وما يكفر بها إلا الفاسقون ، { الخارجون عن أمر الله عز وجل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
الأية
100
 
{ قوله تعالى ، { أو كلما ، { واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام ، { عاهدوا عهداً } ، يعني اليهود عاهدوا لئن خرج محمد ليومنن به، فلما خرج كفروا به. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخذ الله عليهم (من الميثاق) وعهد إليهم في محمد أن يؤمنوا، به قال مالك بن الصيف: والله ما عهد إلينا في محمد عهد، فأنزل الله تعالى هذهالآية، يدل عليه قراءة أبي رجاء العطاردي (( أو كلما عوهدوا )) فجعلهم مفعولين، وقال عطاء : هي العهود التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود / أن لا يعاونوا المشركين على قتاله فنقضوها كفعل بني قريظة والنضير، دليله قوله تعالى ، { الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم } (56-الأنفال)، ، { نبذه ، { طرحه ونقضه ، { فريق ، { طوائف ، { منهم ، { من اليهود ، { بل أكثرهم لا يؤمنون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
الأية
101
 
{ ولما جاءهم رسول من عند الله } ، يعني محمداً ، { مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم } ، يعني التوراة وقيل: التوراة وقيل: القرآن ، { كأنهم لا يعلمون ، { قال الشعبي : كانوا يقرؤون التوراة ولا يعلمون بها، وقال سفيان بن عينية : أدرجوها في الحرير والديباج وحلوها بالذهب والفضة ولم يعملوا بها فذلك نبذهم لها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
الأية
102
 
قوله تعالى : { واتبعوا } ، يعني اليهود ، { ما تتلوا الشياطين } ، أي: ماتلت، والعرب تضع المستقبل موضع الماضي، والماضي موضع المستقبل، وقيل: ما كنت تتلو أي تقرأ، قال ابن عباس رضي الله عنه: تتبع وتعمل به، وقال عطاء تحدث وتكلم به ، { على ملك سليمان } ، أي: ملكه وعهده. وقصة الآية: أن الشياطين كتبوا السحر والنيرنجيات على لسان آصف بن برخيا هذا ما علم آصف بن برخيا سليمان الملك، ثم دفنوها تحت مصلاه حتى نزع الله الملك عنه ولم يشعر بذلك سليمان فلما مات استخرجوها وقالوا للناس: إنما ملكهم سليمان بها فتعلموه فأما علماء بني اسرائيل وصلحاؤهم فقالوا: معاذ الله أن يكون هذا من علم الله، وأما السفلة، فقالوا: هذا علم سليمان، وأقبلوا على تعلمه، ورفضوا كتب أنبيائهم، وفشت الملامة على سليمان فلم يزل هذا حالهم وفعلهم حتى بعث الله محمدأ صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه براءة سليمان، هذا قول الكلبي . وقال السدي : كانت الشياطين تصعد إلى السماء، فيسمعون كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت وغيره، فيأتون الكهنة ويخلطون بما يسمعون في كل كلمة سبعين كذبة ويخبرونهم بها [فكتب ذلك] وفشا في بني إسرائيل أن الجن يعلمون الغيب، فبعث سليمان في الناس وجمع تلك الكتب وجعلها في صندوق ودفنه تحت كرسيه وقال: لا أسمع أحداً يقول إن الشيطان يعلم الغيب إلا ضربت عنقه، فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان ودفنه الكتب، وخلف بعدهم من خلف، تمثل الشيطان على صورة إنسان فأتى نفراً من بني إسرائيل فقال: أدلكم علىكنز لا تأكلونه أبداً قالوا: نعم فذهب معهم فأراهم المكان الذي تحت كرسيه، فحفروا فأقام ناحية فقالوا له: أدن وقال: لا أحضر، فإن لم تجدوه فاقتلوني، وذلك أنه لم يكن أحد من الشياطين يدنو من الكرسي إلا احترق، فحفروا وأخرجوا تلك ال