« Prev

4. Surah An-Nisâ' سورة النساء

Next »


تفسير البغوي - النساء - An-Nisa -
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِسْم ِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
الأية
1
 
{ قوله تعالى: { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، { ،يعني: آدم عليه السلام، { وخلق منها زوجها ، { ،يعني: حواء،'' وبث منهما } ، نشر وأظهر، { رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به'' ،أي: تتساءلون به ، وقرأ أهل الكوفة بتخفيف السين على حذف إحدى التاءين، كقوله تعالى : { ولا تعاونوا'' ،'' والأرحام ، { ، قراءة العامة بالنصب،أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، وقرأ حمزة بالخفض،أي: به وبالأرحام كما يقال: سألتك بالله والأرحام ، والقراءة الأولى أفصح لأن العرب لاتكاد تنسق بظاهر على مكنى إلا أن تعيد الخافض فتقول: مررت به وبزيد، إلا أنه جائز مع قلته،'' إن الله كان عليكم رقيباً'' ،أي: حافظاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا
الأية
2
 
{ قوله تعالى:'' وآتوا اليتامى أموالهم } ، قال مقاتلوالكلبي : '' نزلت في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير، فدفع إليه ماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم :من يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره، يعني: جنته، فلما قبض الفتى ماله أنفق في سبيل الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثبت الأجر وبقي الوزر فقالوا: كيف بقي الوزر ؟ فقال: ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده }. وقوله { وآتوا ، { خطاب للأولياء والأوصياء، واليتامى: جمع يتيم، واليتيم : اسم لصغير لا أب له ولا جد وإنما يدفع المال إليهم بعد البلوغ ، وسماهم يتامى ها هنا على معنى انهم كانوا يتامى. '' ولا تتبدلوا } ، أي: لا تستبدلوا ، { الخبيث بالطيب ، { ،أي: مالهم الذي هو حرام عليكم بالحلال من أموالكم ، واختلفوا في هذا التبدل ، قال سعيد بن المسيب والنخعي والسدي : كان أولياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ويجعلون مكانه الردئ فربما كان أحدهم يأخذ الشاه السمينة من مال اليتيم ويجعل مكانها المهزولة ، ويأخذ الدرهم الجيد ويجعل مكانه الزيف ، ويقول: درهم بدرهم ، فنهوا عن ذلك. وقيل: كان أهل الجاهلية لا يورثون السناء والصبيان ويأخذ الأكبر الميراث، فنصيبه من الميراث طيب، وهذا الذي يأخذه خبيث، وقالمجاهد: لا تتعجل الرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال. '' ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } ، أي: مع أموالكم ، كقوله تعالى { من أنصاري إلى الله'' أي: مع الله ، { إنه كان حوباً كبيراً'' أي: إثماً عظيماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا
الأية
3
 
{ وقوله تعالى: { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع { والآية : اختلفوا في تأويلهم ، فقال بعضهم : معناه إن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن إذا نكحتموهن فانكحوا غيرهن من الغرائب مثنى وثلاث ورباع. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عنالزهريقال: كان عروة بن الزبير يحدث أنه سأل عائشة رضي الله عنها ، { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء { قالت: هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها ، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء، قالت عائشة رضي الله عنها: ثم استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى:'' ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ، { إلى قوله تعالى ، { وترغبون أن تنكحوهن } ، فبين الله تعالى في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال أو مال، رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء،قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها. قالالحسن: كان الرجل من أهل المدينة يكون عنده الأيتام وفيهن من يحل له نكاحها فيتزوجها لأجل مالها وهي لا تعجبه كراهية ان يدخله غريب فيشاركه في مالها ، ثم يسيء صحبتها ويتربص بها أن نموت ويرثها، فعاب الله تعالى ذلك ، وأنزل الله هذه الآية. وقال عكرمة: كان الرجل من قريش يتزوج العشر من النساء والأكثر فإذا صار معدماً من مؤن نسائه مال إلى يتيمه الذي في حجره فأنفقه ، فقيل لهم: لا تزيدوا على أربع حتى لا يحوجكم إلى أخذ أموال اليتامى، وهذه رواية طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال بعضهم: كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى ويترخصون في النساء، فيتزوجون ما شاؤوا وربما عدلوا وربما لم يعدلوا، فلما أنزل الله تعالى في أموال اليتامى { وآتوا اليتامى أموالهم ، { أنزل هذه الآية ، { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ، { يقول كما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن ، لأن النساء في الضعف كاليتامى، وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي، ثم رخص في نكاح أربع فقال: { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا { فيهن'' فواحدة ، { ، وقالمجاهد: معناه إن تحرجتم من ولاية اليتامى وأموالهم إيماناً فكذلك تحرجوا من الزنا فانكحوا النساء الحلال نكاحاً طيباً ثم بين لهم عدداً، وكانوا يتزوجون ماشاؤوا من غير عدد، قوله تعالى'' فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ، أي: من طاب كقوله تعالى:'' والسماء وما بناها } (الشمس -5) أي ومن بناها ، { قال فرعون وما رب العالمين } (الشعراء-23) والعرب تضعمن وما كل واحدة موضع الأخرى ، كقوله تعالى { فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين } (النور-45) ، وطاب أي: حل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، معدولات عن اثنين وثلاث، وأربع ، ولذلك لا ينصرفن ، والواو بمعنى أو ، للتخيير، كقوله تعالى'' أن تقوموا لله مثنى وفرادى } (سبأ-46) : { أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع } (غافر-1) وهذا إجماع أن أحداً من الأمة لا يجوز له أن يزيد على أربع نسوة، وكانت الزيادة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، لا مشاركة معه لأحد من الأمة فيها ، وروي { أن قيس بن الحارث كان تحته ثمان نسوة فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :طلق أربعاً وأمسك أربعاً قال فجعلت أقول للمرأة التي لم تلد يا فلانة أدبري والتي قد ولدت يا فلانة أقبلي ، { وروي { أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشرة نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعاً وفارق سائرهن }. وإذا جمع الحر بين أربع نسوة حرائر يجوز، فأما العبد فلا يجوز له أن ينكح أكثر من امرأتين عند أكثر أهل العلم أخبرنا عبد الوهاب بن أحمد الخطيب أناعبد العزيز أحمد الخلال أناأبو العباس الأصم أناالربيع أنا الشافعي أناسفيان عنمحمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عنسليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ينكح العبد امرأتين ويطلق طلقتين وتعتد الأمة بحيضتين، فإن لم تكن تحيض فبشهرين أو شهر ونصف) وقال ربيعة: يجوز للعبد أن ينكح أربع نسوة كالحر. '' فإن خفتم } ، خشيتم، وقيل: علمتم ، { أن لا تعدلوا } ، بين الأزواج الأربع، { فواحدة } ، أي: فانكحوا واحدةً. وقرأ أبو جعفر ، { فواحدة ، { بالرفع، { أو ما ملكت أيمانكم } ، يعني السراري لا يلزم فيهن من الحقوق ما يلزم في الحرائر،ولا قسم لهن، ولا وقف في عددهن، وذكر الأيمان بيان، تقديره: أو ما ملكتم، وقال بعض أهل المعاني: أو ما ملكت أيمانكم أي: ما ينفذ فيه أقاسمكم ، جعله من يمين الحلف ، لا يمين الجارحة { ذلك أدنى'' ،أقرب ، { أن لا تعولوا } ، أي: لا تجوروا ولا تميلوا، يقال: ميزان عائل،أي: جائر مائل، هذا قول أكثر المفسرين ، وقال مجاهد :أن لا تضلوا ، وقال الفراء : أن لا تجاوزوا ما فرض الله عليكم ، وأصل العول: المجاوزة ، ومنه عول الفرائض، وقال الشافعي رحمه الله ، أن لا تكثر عيالكم ، وما قاله أحد إنما يقال من كثرة العيال: أعال يعيل إعالة ، إذا كثر عياله ، وقال أبو حاتم : كان الشافعي رضي الله عنه أعلم بلسان العرب منا ولعله لغة ، ويقال: هي لغة حمير، وقرأ طلحة بن مصرف ، { أن لا تعولوا ، { وهي حجة لقول الشافعي رضوان الله عليه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا
الأية
4
 
{ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } ، قالالكلبيومجاهد: هذا الخطاب للأولياء ، وذلك أن ولي المرأة كان إذا زوجها فإن كانت معهم في العشيرة لم يعطها من مهرها قليلاً ولا كثيراً، وإن كان زوجها غريباً حملوها إليه على بعير ولم يعطوها من مهرها غير ذلك ، فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم أن يدفعوا الحق إلى أهله. قالالحضرمي: كان أولياء النساء يعطي هذا أخته على أن يعطيه الآخر أخته، ولا مهر بينهما ، فنهوا عن ذلك وأمروا بتسمية المهر في العقد . أخبرناأبو الحسن السرخسيأنازاهر بن أحمد أناأبو اسحق الهاشميأناأبو مصعب عنمالك بن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار. { والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوج الرجل الآخر ابنته ، وليس بينهما صداق. وقال الآخرون: الخطاب للأزواج أمروا بإيتاء نسائهم الصداق، وهذا أصح لأن الخطاب فيما قبل مع الناكحين ، والصدقات : المهور، واحدها صدقة { نحلة ، { قالقتادة: فريضة ، وقال ابن جريج : فريضة مسماة ،قال أبو عبيدة: ولا تكون النحلة إلا مسماةً معلومة ، وقالالكلبي : عطية وهبة ، وقال أبو عبيدة: عن طيب نفس وقال الزجاج : تدنياً. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد أنا أحمد بن عبد الله النعيميانا محمد بن يوسف أنامحمد بن إسماعيلأناعبد الله بن يوسفأخبرناالليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عنأبي الخير عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج }. '' فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً } ، يعني: فإن طابت نفوسهن بشيء من ذلك فوهبن منكم، فنقل الفعل من النفوس إلى أصحابها فخرجت النفس مفسراً، فذلك وحد النفس، كما قال الله تعالى:'' وضاق بهم ذرعاً } (هود-77) (العنكبوت -33)'' وقري عيناً } (مريم026) وقيل: لفظها واحد ومعناها جمع،'' فكلوه هنيئاً مريئاً ، { ، سائغاً طيباً ، يقال هنأ في الطعام يهنئ بفتح النون في الماضي وكسرها في الباقي ، وقيل: الهنيء : الطيب المساغ الذي لا ينقصه شيء، والمريء: المحمود العاقبة التام الهضم الذي لا يضر ، قرأ أبو جعفر ، { هنيئا مريئا ، { بتشديد الياء فيهما من غير همز، وكذلك بري، وبريون،وبرياًوكهية والآخرون يهمزونها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا
الأية
5
 
{ قوله تعالى:'' ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً } ، اختلفوا في هؤلاء السفهاء فقال قوم: هم النساء، وقالالضحاك : النساء من أسفه السفهاء، وقالمجاهد: نهى الرجال أن يؤتوا النساء أموالهم وهن سفهاء، من كن ، أزواجاً أو بنات أو أمهات، وقال الآخرون : هم الأولاد ، قال الزهري : يقول لا تعط ولدك السفيه مالك الذي هو قيامك بعد الله تعالى فيفسده ، وقال بعضهم : هم النساء والصبيان ، وقال الحسن: هي امرأتك السفيهة وابنك السفيه، وقال ابن عباس: لا تعمد إلى مالك الذي خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك فيكونوا هم الذين يقومون عليك، ثم تنظر إلى ما في أيديهم ، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في رزقهم ومؤنتهم ، قال الكلبي:إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد فلا ينبغي أن يسلط واحداً منهما على ماله فيفسده. وقال سعيد بن جبير وعكرمة: هو مال اليتيم كيون عندك ، يقول لا تؤته إياه وأنفق عليه حتى يبلغ، وإنما أضاف إلى الأولياء فقال: { أموالكم ، { لأنهم قوامها ومدبروها. والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله هو المستحق للحجر عليه، وهو أن يكون مبذراً في ماله أو مفسداً في دينه ، فقال جل ذكره: { ولا تؤتوا السفهاء'' أي: الجهال بموضع الحق أموالكم التي جعل الله لكم قياماً. قرأنافعوابن عامر { قيماً ، { بلا ألف ، وقرأ الآخرون'' قياماً ، { وأصله : قواماً، فانقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها ، وهو ملاك الأمر وما يقوم به الأمر. وأراد ههنا قوام عيشكم الذي تعيشون به. قال الضحاك. به يقام الحج والجهاد وأعمال البر وبه فكاك الرقاب من النار. '' وارزقوهم فيها }/أي: أطعموهم،'' واكسوهم } ، لمن يجب عليكم رقه ومؤنته، وإنما قال { فيها ، { ولم يقل: منها ،لأنه أراد: اجعلوا لهم فيها رزقاً فإن الرزرق من الله : العطية من غير حد ، ومن العباد إجراء مؤقت محدود.'' وقولوا لهم قولاً معروفاً ، { عدة جميلة، وقال عطاء: إذا ربحت أعطيتك وإن غنمت جعلت لك حظاً، وقيل: هو الدعاء، وقال ابن زيد:إن لم يكن ممن تجب عليكم نفقته ، قل له: عافاك الله وإيانا ، بارك الله فيك، وقيل: قولاً ليناً تطيب به أنفسهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ۚ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا
الأية
6
 
{ قوله تعالى: '' وابتلوا اليتامى ، { ، الآية نزلت في ثابت بن رفاعة وفي عمه، وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتاً وهو صغير، فجاء عمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله ومتى أدفع إليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية'' وابتلوا اليتامى ، { اختبروهم في عقولهم وأديانهم وحفظهم أموالهم ، { حتى إذا بلغوا النكاح } ، أي: مبلغ الرجال والنساء ،'' فإن آنستم ، { ،أبصرتم، { منهم رشداً ، { ، فقال المفسرون يعني: عقلاً وصلاحاً في الدين وحفظاً للمال وعلماً بما يصلحه . وقال سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي : لا يدفع إليه ماله وإن كان شيخاً حتى يؤنس منه رشده. والابتلاء يختلف باختلاف أحوالهم فإن كان ممن يتصرف في السوق فيدفع الولي إليه شيئاً يسيراً من المال وينظر في تصرفه وإن كان ممن لا يتصرف في السوق فيختبره في نفقة داره، والإنفاق على عبيده وأجرته وتختبر المرأة في أمر بيتها وحفظ متاعها وغزلها واستغزالها ، فإذا رأى حسن تدبيره ، وتصرفه في الأمور مراراً يغلب على القلب رشده ، دفع المال إليه. واعلم أن الله تعالى علق زوال الحجر عن الصغير وجواز دفع المال إليه بشيئين: بالبلوغ والرشد، فالبلوغ يكون بأحد (أشياء أربعة) ، اثنان يشترك فيهما الرجال والسناء، واثنان تختصان بالنساء: فما يشترك فيه الرجال والنساء أحدهما السن ، والثاني الاحتلام أما السن فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة حكم ببلوغه غلاماً كان أو جارية ، لما أخبرها عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز ابن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي اخبرنا سفيان عن عيينة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فردني، ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، قال نافع: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز ، فقال: هذا فرق بين المقاتلة والذرية ، وكتب أن يفرض لابن خمس عشرة في المقاتلة ، ومن لم يبلغها في الذرية . وهذا قول أكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: بلوغ الجارية باستكمال سبع عشرة ، وبلوغ الغلام باستكمال ثماني عشرة سنة. وأما الاحتلام نفعني به نزول المني سواء كان بالاحتلام أو بالجماع، أو غيرهما، فإذا وجدت ذلك بعد استكمال تسع سنين من أيهما كان حكم ببلوغه ، لقوله تعالى:'' وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا'' وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ في الجزية حين بعثه إلى اليمن:'' خذ من كل حالم ديناراً }. وأما الإنبات : وهو نبات الشعر الخشن حول الفرج: فهو بلوغ في أولاد المشركين ، لما روي عن عطية القرظي قال: كنت من سبي قريظة ، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت ممن لم ينبت. وهل يكون ذلك بلوغاً في أولاد المسلمين؟ فيه قولان، أحدهما: يكون بلوغاً كما أولاد الكفار، والثاني: لا يكون بلوغاً أنه يمكن الوقوف على مواليد المسلمين بالرجوع إلى آبائهم ، وفي الكفار لا يوقف على مواليدهم ، ولا يقبل قول آبائهم فيه لكفرهم ، فجعل الإنبات الذي هو إمارة البلوغ بلوغاً في حقهم . وأما ما يختص بالنساء: فالحيض والحبل، فإذا حاضت المرأة بعد استكمال تسع سنين يحكم ببلوغها، وكذلك إذا ولدت يحكم ببلوغها قبل الوضع بستة أشهر لأنها أقل مدة الحمل. وأما الرشد: فهو أن يكون مصلحاً في دينه وماله ، فالصلاح في الدين هو أن يكون مجتنباً عن الفواحش والمعاصي التي تسقط العدالة ، والصلاح في المال هو أن لا يكون مبذراً ، والتبذير : هو أن ينفق ماله فيما لا يكون فيه محمدة دنيوية ولا مثوبة أخروية ، أو لا يحسن التصرف فيها ، فيغبن في البيوع فإذا بلغ الصبي وهو مفسد في دينه وغير مصلح لماله ، دام الحجر عليه، ولا يدفع إليه ماله ولا ينفذ تصرفه. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا كان مصلحاً لماله زال الحجر عنه وإن كان مفسداً في دينه ، وإذا كان مفسداً لماله قال: لا يدفع إليه حتى يبلغ خمساً وعشرين سنة ، غير أن تصرفه يكون نافذاً قبله . والقرآن حجة لمن استدام الحجر عليه ، لأن الله تعالى قال:'' حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم } ، أمر بدفع المال إليهم بعد البلوغ وإيناس الرشد، والفاسق لا يكون رشيداً وبعد بلوغه خمساً وعشرين سنة ، وهو مفسد لماله بالاتفاق غير رشيد ، فوجب أن لا يجوز دفع المال إليه كما قبل بلوغ هذا السن. وإذا بلغ وأونس منه الرشد، زال الحجر عنه ، ودفع إليه المال رجلاً كان أو امرأة تزوج أو لم يتزوج. وعند مالك رحمه الله تعالى: إن كانت امرأة لا يدفع المال إليها ما لم تتزوج ، فإذا تزوجت دفع إليها، ولكن لا ينفذ تصرفها إلا بإذن الزوج، ما لم تكبر وتجرب. فإذا بلغ الصبي رشيداً وزال الحجر عنه ثم عاد سفيهاً،نظر: فإن عاد مبذراً لماله حجر عليه ، وإن عاد مفسداً في دينه فعلى وجهين: أحدهما: يعاد الحجر عليه إذا بلغ بهذه الصفة، والثاني: لا يعاد لأن حكم الدوام أوقى من حكم الابتداء. وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: لا حجر على الحر العاقل البالغ بحال، والدليل على إثبات الحجر من اتفاق الصحابة رضي الله عنهم ما روي عن هشام بن عروة عن أبية عبد الله بن جعفر ابتاع أرضاً سبخة بستين ألف درهم ، فقال علي: لآتين عثمان فلأحجرن عليك فأتى ابن جعفر الزبير فأعلمه بذلك (فقال الزبير: أنا شريكك في بيعتك ، فأتى علي عثمان وقال: احجر على هذا) ، فقال الزبير :أنا شريكه، فقال عثمان: كيف أحجر على رجل في بيع شريكه في الزبير، فكان ذلك اتفاقاً منهم على جواز الحجر حتى احتال الزبير في دفعه. قوله تعالى :'' ولا تأكلوها ، { يا معشر الأولياء { إسرافاً ، { بغير حق،'' وبداراً } ، أي مبادرة { أن يكبروا'' و ، { أن ، { في محل النصب، يعني : لا تبادروا كبرهم ورشدهم حذراً من أن يبلغوا فيلزمكم تسليمها إليهم ، ثم بين ما يحل لهم من مالهم فقال: { ومن كان غنياً فليستعفف } ، أي ليمتنع من مال اليتيم لا يرزأه قليلاً و كثيراً، والعفة : الامتناع مما لا يحل'' ومن كان فقيراً ، { محتاجاً إلى مال اليتيم وهو يحفظه ويتعهده فليأكل/ بالمعروف. أخبرنامحمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو سهل محمد بن عمر السجزيأخبرنا الإمامأبو سليمان الخطابيأخبرنا أبو بكر بن داسة التمار أخبرناأبو داؤد السجستانيأخبرنا حميد بن مسعدة أن خالد بن الحرث حدثهم أخبرنا حسين يعني المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه { أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير وليس لي شيء ولي يتيم؟ فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل }. واختلفوا في أنه هل يلزمه القضاء؟ فذهب بعضهم إلى انه يقضي إذا أيسر، وهو المراد من قوله { فليأكل بالمعروف ، { فالمعروف القرض،أي : يستقرض من مال اليتيم إذا احتاج إليه ، فإذا أيسر قضاه، وهو قول مجاهدوسعيد بن جبير ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إني أنزلت نفسي من مال الله تعالى بمنزلة ما اليتيم : إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت. وقالالشعبي: لا يأكله إلا أن يضطر إليه كما يضطر إلى الميتة. وقال قوم: لا قضاء عليه. ثم اختلفوا في كيفية هذا الأكل بالمعروف ، فقال عطاء وعكرمة: يأكل بأطراف أصابعه ، ولا يسرف ولا يكتسي منه، ولا يلبس الكتان ولا الحلل ، ولكن ما سد الجوعة ووارى العورة. وقالالحسنوجماعة: يأكل من ثمر نخيله ولبن مواشيه بالمعروف ولا قضاء عليه، فإما الذهب والفضة فلا فإن أخذ شيئاً منه رده. وقالالكلبي: المعروف ركوب الدابة وخدمة الخادم ، ولي له أن يأكل من ماله شيئاً. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحق الهاشمي، أنا أبو مصعب عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت القاسم بن محمد يقول: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال:إن لي يتيماً وإن له إبلاً أفأشرب من لبن إبله؟ فقال: إن كنت تبغي ضالة إبله وتهناً جرباها وتليط حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب. وقال بعضهم : المعروف أن يأخذ من جميع ماله بقدر قيامه وأجره عمله ، ولا قضاء عليه، وهو قول عائشة وجماعة من أهل العلم. قوله تعالى:'' فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } ، هذا أمر إرشاد ، ليس بواجب، أمر الولي بالإشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعدما بلغ لتزول عنه التهمة وتنقطع الخصومة ، { وكفى بالله حسيباً ، { محاسباً ومجازياً وشاهداً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَفْرُوضًا
الأية
7
 
{ قوله تعالى:'' للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون'' الآية: نزلت في أوس بن ثابت الأنصاري/ توفي وترك امرأة يقال لها أم كجة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه وسويد وعرفجة ، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغار، وإن كان الصغير ذكراً وإنما كانوا يورثون الرجال، ويقولون: لا نعطي إلا من قاتل وحاز الغنيمة ، فجاءت أم كجة فقالت: يارسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك علي بنات وأنا امرأته ، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالاً حسناً ، وهو عند سويد وعرفجة ، ولم يعطياني ولا بناتي شيئاً وهن في حجري، لا يطعمن ولا يسقين فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاً ولا ينكأ عدواً ، فأنزل الله عز وجل ،'' للرجال'' يعني: للذكور من أولاد الميت وأقربائه'' نصيب ، { حظ { مما ترك الوالدان والأقربون'' من الميراث،'' وللنساء ، { ، للإناث منهم، { نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه } ، أي: من المال،'' أو كثر ، { منه'' نصيباً مفروضاً } ، نصب على القطع، وقيل: جعل ذلك نصيباً فأثبت لهن الميراث ، ولم يبين كم هو ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة لا تفرقا من مال أوس بن ثابت شيئاً ،فإن الله تعالى جعل لبناته نصيباً مما ترك ، ولم يبين كم هو حتى انظر ما ينزل فيهن، فانزل الله تعالى'' يوصيكم الله في أولادكم ، { فلما نزلت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة ، { أن ادفع إلى أم كجة الثمن مما ترك وإلى بناته الثلثين ، ولكما باقي المال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا
الأية
8
 
{ قوله تعالى:'' وإذا حضر القسمة } ، يعني: قسمة المواريث ، { أولو القربى ، { ، الذين لا يرثون، { واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } ، أي : فارضخوا لهم من المال قبل القسمة،'' وقولوا لهم قولاً معروفاً }. اختلف العلماء في حكم هذه الآية : فقال قوم : هي منسوخة ، وقال سعيد بن المسيب والضحاك كانت هذه قبل آية الميراث، فلما نزلت آية الميراث جعلت المواريث لأهلها ، ونسخت هذه الآية. وقال الآخرون: هي محكمة ، وهو قول ابن عباس و الشعبي والنخعي والزهري ، وقالمجاهد: هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم. وقالالحسن: كانوا كانوا يعطون التابوت والأواني ورث الثياب والمتاع والشئ الذي يستحيا من قسمته وإن كان بعض الورثة طفلاً فقد اختلفوا فيه ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: إن كانت الورثة كباراً رضخوا لهم ، وإن كانت صغرااً اعتذروا إليهم ، فيقول الولي والوصي: إني لا أملك هذا المال إنما هو للصغر ، ولو كان لي منه شيء لأعطيتكم ، وإن يكبروا فسيعرفون حقوقك، هذا هو القول بالمعروف. وقال بعضهم :ذلك حق واجب في أموال الصغار والكبار، فإن كانوا كباراً تولوا إعطاءهم ، وإن كانوا صغرااً أعطى وليهم. روى محمد بن سيرين أن عبيدة السلماني قسم أموال أيتام فأمر بشاة فذبحت فصنع طعاماً لأهل هذه الآية ، وقال: لولا هذه الآية لكان هذا من مالي. وقال قتادة عن يحيى بن يعمر: ثلاث آيات محكمات مدنيات تركهن الناس، هذه الآية وآية الاستئذان'' يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } (النور-58) الآية ، وقوله تعالى'' يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } (الحجرات -13) . وقال بعضهم - وهو أولى الأقاويل-: إن هذا على الندب والاستحباب ، لا على الحتم والإيجاب.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
الأية
9
 
{ قوله تعالى: '' وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً } ، أولاداً صغاراً، خافوا عليهم، الفقر، هذا في الرجل يحضره الموت، فيقول من بحضرته: انظر لنفسك فإن أولادك ورثتك لا يغنون عنك شيئاً ، قدم لنفسك، أعتق وتصدق وأعط فلاناً كذا وفلاناً كذا، حتى يأتي على عامة ماله ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، وأمرهم أن يأمروه أن ينظر لولده ولا يزيد في وصيته على الثلث، ولا يجحف بورثته كما لو كان هذا القائل هو الموصي يسره أن يحثه من بحضرته على حفظ ماله لولده، ولا يدعهم عالةً مع ضعفهم وعجزهم. وقالالكلبي: هذا الخطاب لولاة اليتامى يقول : من كان في حجرة يتيم فليحسن إليه وليأت غليه في حقه ما يحب أن يفعل بذريته من بعده. قوله تعالى:'' فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً'' ،أي: عدلاً ، والسديد : العدل ، والصواب من القول، وهو أن يأمره بأن يتصدق/ بما دون الثلث ويخلف الباقي لولده.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا
الأية
10
 
{ قوله تعالى: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ، { قال مقاتل بن حيان : نزلت في رجل من غطفان ، يقال له مرثد بن زيد ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله ، فأنزل الله تعالى فيه { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً }: حراماً بغير حق، { إنما يأكلون في بطونهم ناراً } ، أخبر عن مآله ،أي عاقبته تكون كذلك،'' وسيصلون سعيراً } ، قراءة العامة بفتح الياء، أي: يدخلونها يقال: صلي النار يصلاها صلاً، قال الله تعالى:'' إلا من هو صال الجحيم } (الصافات -163) ، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بضم الياء، أي: يدخلون النار ويحرقون ، نظيره قوله تعالى:'' فسوف نصليه ناراً }( النساء- 30) '' سأصليه سقر } (المدثر-26) وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم :'' رأيت ليلة أسري بي قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل،إحداهما قالصة على منخرية والأخرى على بطنه، وخزنة النار يلقمونهم جمر جهنم وصخرها، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
الأية
11
 
{ قوله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين'' والآية: اعلم أن الوراثة كانت في الجاهلية بالذكورة والقوة فكانوا يورثون الرجال دون النساء والصبيان ،فأبطل الله ذلك بقوله : '' للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون'' الآية، وكانت أيضاً في الجاهلية وابتداء الإسلام بالمحالفة ، قال الله تعالى:'' والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } (النساء-33) ثم صارت الوراثة بالهجرة ، قال الله تعالى ، { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } (الأنفال-72) فنسخ ذلك كله وصارت الوراثة بأحد الأمور الثلاثة النسب أو النكاح أو الولاء فالمعني بالنسب أن القرابة يرث بعضهم من بعض، لقوله تعالى { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } (الأحزاب-6)، والمعنى بالنكاح: أن أحد الزوجين يرث صاحبه ، وبالولاء :أن المعتق وعصباته يرثون المعتق، فنذكر بعون الله تعالى فصلاً وجيزاً في بيان من يرث من الأقارب . وكيفية توريث الورثة فنقول: إذا مات ميت وله مال فيبدأ بتجهيزه ثم بقضاء ديونه ثم بإنفاذ وصاياه فما فضل يقسم بين الورثة.(ثم الورثة) على ثلاثة أقسام: منهم من يرث بالفرض ومنهم من يرث بالتعصيب، ومنهم من يرث بهما جميعاً فمن يرث بالنكاح لا يرث إلا بالفرض، ومن يرث بالولاء لا يرث إلا بالتعصيب،أما من يرث بالقرابة فمنهم من يرث بالفرض كالبنات والأخوات والأمهات والجدات ، وأولاد الأم ،ومنهم من يرث بالتعصيب كالبنين والأخوة وبني الأخوة والأعمام وبنيهم، ومنهم من يرث بهما كالأب يرث بالتعصيب إذا لم يكن للميت ولد، فإن كان للميت ابن : يرث الأب بالفرض السدس ، وإن كان للميت بنت فيرث الأب السدس بالفرض ويأخذ الباقي بعد نصيب البنت بالتعصيب، وكذلك الجد، وصاحب التعصيب من يأخذ جميع المال عند الانفراد ويأخذ ما فضل عن أصحاب الفرائض. وجملة الورثة سبعة عشر: عشرة من الرجال وسبع من النساء، فمن الرجال: الابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد أبو الأب وإن علا، والأخ سواء كان لأب وأم لأب أو لأم ، وابن الأخ للأب والأم أو للأب وإن سفل والعم للأب والأم أو للأب وأبناؤهما وإن سلفوا ، والزوج ومولى العتاق ، ومن النساء البنت وبنت الابن وإن سفلت، والأم والجدة أم الأم وأم الأب، والأخت سواء كانت لأب وأم أو لأب أو لأم، والزوجة ومولاة العتاق. وستة من هؤلاء لا يلحقهم حجب الحرمات بالغير: الأبوان والولدان، والزوجان ،لأنه ليس بينهم وبين الميت واسطة. والأسباب التي توجب حرمان الميراث أربعة: اختلاف الدين والرق والقتل وعمي الموت. ونعني باختلاف الدين أن الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر، لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي الخطيب أنا عبد العزيز بن احمد الخلال أناأبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعيأنا ابن عيينة عنالزهري عن علي بن حسينعن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم }. فأما الكفار فيرث بعضهم من بعض مع اختلاف مللهم،لأن الكفر كله ملة واحدة ، لقوله تعالى: '' والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } (الأنفال -73). وذهب بعضهم إلى أن اختلاف الملل في الكفر يمنع التوارث حتى لا يرث اليهودي النصراني ولا النصراني المجوسي، وإليه ذهب الزهري والأوزاعي و احمد وإسحاق لقول النبي صلى الله عليه وسلم :'' لا يتوارث أهل ملتين شتى ، { وتأوله الآخرون على الإسلام مع الكفر فكله ملة واحدة فتوريث بعضهم من بعض لا يكون فيه إثبات التوراث بين أهل ملتين شتى. والرقيق لا يرث أحداً ولا يرثه أحد لأنه لا ملك له، ولا فرق فيه بين القن والمدبر والمكاتب وأم الولد. والقتل يمنع الميراث عمداً كان أو خطأ لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :'' القاتل لا يرث }. ونعني بعمي الموت أن المتوارثين إذا عمي موتهما بأن غرقاً في ماء أو انهدم عليهما بناء فلم يدر أيهما سبق موته فلا يورث أحدهما من الآخر، بل ميراث كل واحد منهما لمن كانت حياته يقيناً بعد موته من ورثته. والسهام المحدودة في الفرائض ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس. فالنصف فرض ثلاثة: فرض الزوج عند عدم الولد وفرض البنت الواحدة للصلب أو بنت الابن عند عدم ولد الصلب، وفرض الأخت الواحدة للأب والأم أو للأب إذا لم يكن ولد لأب وأم. والربع فرض الزوج إذا كان للميتة ولد وفرض الزوجة إذا لم يكن للميت ولد. والثمن: فرض الزوجة إذا كان للميت ولد. والثلثان فرض البنتين للصلب فصاعداً ولبنتي الابن فصاعداً عند عدم ولد الصلب، وفرض الأختين لأب وأم أو للأب فصاعداً. والثلث فرض ثلاثة: فرض الأم إذا لم يكن للميت ولد ولا اثنان من الأخوات والأخوة ، وإلا في مسألتين :إحداهما زوج وأبوان ، والثانية زوجة وأبوان،فإن للأم فيهما ثلث ما بقي بعد نصيب الزوج أو الزوجة، وفرض الاثنين فصاعداً من اولاد الأم، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء، وفرض الجد مع الإخوة إذ لم يكن في المسألة صاحب فرض، وكان الثلث خيراً للجد من المقاسمة مع الإخوة. وأما السدس ففرض سبعة: فرض الأب إذا كان للميت ولد ، وفرض الأم إذا كان للميت ولد أو اثنان من الإخوة والأخوات ، وفرض الجد إذا كان للميت ولد ومع الإخوة والأخوات إذا كان في المسألة صاحب فرض، وكان السدس خيراً للجد من المقاسمة مع الإخوة ، وفرض الجدة والجدات وفرض الواحد من أولاد الأم ذكراً أو أنثى، وفرض بنات الابن إذا كان للميت بنت واحدة للصلب تكملة / الثلثين ،وفرض الأخوات للأب إذا كان للميت أخت واحدة لأب وأم تكملة الثلثين. أخبرناعبد الواحد المليحي أناأحمد بن عبد الله النعيميأنامحمد بن يوسفأنامحمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أخبرنامسلم بن إبراهيم أناوهيبأناابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر }. وفي الحديث دليل على أن بعض الورثة يحجب البعض، والحجب نوعان حجب نقصان وحجب حرمان: فأما حجب النقصان فهو أن الولد وولد الابن يحجب الزوج من النصف إلى الربع والزوجة من الربع إلى الثمن، والأم من الثلث إلى السدس، وكذلك الاثنان فصاعداً من الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس. وحجب الحرمان هو أن الأم تسقط الجدات ، وأولاد الأم- وهم الأخوة والأخوات للأمم - يسقطون بأربعة : بالأب والجد وإن علا، وبالولد وولد الابن وإن سفل، وأولاد الأب والأم يسقطون بثلاثة بالأب والابن وابن الابن وإن سفلوا، ولا يسقطون بالجد على مذهب زيد بن ثابت ، وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد رحمهم الله. وأولاد الأب يسقطون هؤلاء الثلاثة وبالأخ للأب والأم، وذهب قوم إلى أن الاخوة جميعاً يسقطون بالجد كما يسقطون بالأب، وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس ومعاذ وأبي الدرداء وعائشة رضي الله عنهم، وبه قال الحسن وعطاء وطاووس وأبو حنيفة رحمهم الله. وأقرب العصبات يسقط الأبعد من العصوبة، وأقربهم الابن ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا، فإن كان مع الجد أحد من الإخوة أو الأخوات للأب والأم أو للأب يشتركان في الميراث، فإن لم يكن جد فالأخ للأب والأم ثم الأخ للأب ثم بنو الإخوة يقدم أقربهم سواء كان لأب وأم أو لأب، فإن استويا في الدرجة فالذي هو لأب وأم أولى ثم العم للأب والأم ثم العم للأب ثم بنوهم على ترتيب بني الإخوة ، ثم عم الأب ثم عم الجد على هذا الترتيب. فإن لم يكن أحد من عصبات النسب وعلى الميت ولاء فالميراث للمعتق ، فإن لم يكن حياً فلعصبات المعتق . وأربعة من الذكور يعصبون الإناث، الابن وابن الابن والأخ للأب والأم والأخ للأب ، حتى لو مات عن ابن وبنت أو عن أخ وأخت لأب وأم أو لأب فإنه يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، و لا يفرض للبنت والأخت. وكذلك ابن الابن يعصب من في درجته من الإناث ، ومن فوقه إذا لم يأخذ من الثلثين شيئاً حتى لو مات عن بنتين وبنت ابن فللبنتين الثلثان ولا شيء لبنت الابن، فإن كان في درجتها ابن ابن أو أسفل منها ابن ابن ابن كان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. والأخت للأب والأم وللأب تكون عصبة مع البنت حتى لو مات عن بنت وأخت كان النصف للبنت والباقي للأخت ، فلو مات عن بنتين وأخت فللبنتين الثلثان والباقي للأخت. والدليل عليه ما أخبرناعبد الواحد المليحيأناأحمد بن عبد الله النعيميأنا محمد بن يوسفأنامحمد بن إسماعيلأناآدم أناشعبةأناأبو قيس قال: سمعت هذيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن ابنة وبنت ابن وأخت فقال: للبنت النصف وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذاً وما انا من المهتدين أقضي فيها بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم :للبنت الصنف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت،فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود رضي الله عنه ، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم . رجعنا إلى تفسير الآية: واختلفوا في سبب نزولها . أخبرناعبد الواحد المليحي أن أحمد بن عبد الله النعيميأنامحمد بن يوسفأنامحمد بن إسماعيلأخبرناأبو الوليدأناشعبة عنمحمد بن المنكدر: سمعت جابراً يقول جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب علي من وضوئه فعقلت، فقلت : يارسول الله لمن الميراث إنما يرثني كلالة ؟ فنزلت آية الفرائض. وقالمقاتلوالكلبي: نزلت في أم كجة امرأة أوس بن ثابت وبناته. وقالعطاء : '' استشهد سعد بن الربيع النقيب يوم أحد وترك امرأة وبنتين وأخاً ، فأخذ الأخ المال فأتت امرأة سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتي سعد فقالت: يا رسول الله إن هاتين ابنتا سعد وإن سعد قتل يوم أحد شهيداً ، وإن عمهما أخذ مالهما ولا تنكحان إلا ولهما مال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارجعي فلعل الله سيقضي في ذلك فنزل'' يوصيكم الله'' إلى آخرها ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما فقال له: أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك ، { فهذا أول ميراث قسم في الإسلام. قوله عز وجل:'' يوصيكم الله في أولادكم'' أي: يعهد إليكم ويفرض عليكم في أولادكم أي: في أمر أولادكم إذا متم ، للذكر مثل حظ الأنثيين .'' فإن كن ، { ، يعني: المتروكات من الأولاد ،'' نساءً فوق اثنتين'' ،أي: ابنتين فصاعداً'' فوق ، { صلة، كقوله تعالة: '' فاضربوا فوق الأعناق } (الأنفال -12)، { فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت ، { ، يعني: البنت،'' واحدة } ، قراءة العامة بالنصب على خبر كان، ورفعها أهل المدينة على معنى : إن وقعت واحدة، { فلها النصف ولأبويه } ، يعني لأبوي الميت، كناية عن غير مذكور،'' لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } ، أراد أن الأب والأم يكون لكل واحد منهما سدس الميراث عند وجود الولد أو ولد الابن والأب يكون صاحب فرض'' فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } ، قرأ حمزة والكسائي { فلأمه ، { بكسر الهمزة استثقالاً للضمة بعد الكسرة ، وقرأ الآخرون بالضم على الأصل { فإن كان له إخوة ، { اثنان أو أكثر ذكوراً أو إناثاً'' فلأمه السدس } ، والباقي يكون للأب إن كان معها أب، والإخوة لا ميراث لهم مع الأب، ولكنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يحجب الإخوة الأم من الثلث إلى السدس إلا أن يكونوا ثلاثةً، وقد تفرد به ، وقال: لأن الله تعالى قال: { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } ، ولا يقال للاثنين إخوة فنقول اسم الجمع قد يقع على التثنية لأن الجمع ضم شيء إلى شيء وهو موجود في الاثنين كما قال الله تعالى:'' فقد صغت قلوبكما } (التحريم-4) ذكر القلب بلفظ الجمع، وأضافة إلى الاثنين/. قوله تعالى:'' من بعد وصية يوصي بها أو دين ، { ، قرأ ابن كثيروابن عامروأبو بكر { يوصى ، { بفتح الصاد على مالم يسم فاعله ، وكذلك الثانية ، ووافق حفص في الثانية ، وقرأ الآخرون بكسر الصاد لأنه جرى ذكر الميت من قبل ، بدليل قوله تعالى:'' من بعد وصية يوصين بها } ، و'' توصون } . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه( إنكم تقرؤون الوصية قبل الدين ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية)، وهذا إجماع أن الدين مقدم على الوصية. ومعنى الآية الجمع لا الترتيب ، وبيان أن الميراث مؤخر عن الدين والوصية جميعاً ، معنا: من بعد وصية عن كانت ، أو دين إن كان ، فالإرث مؤخر عن كل واحد منهما. '' آباؤكم وأبناؤكم } ، يعني: الذين يرثونكم آباؤكم وأبناؤكم،'' لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً'' ،أي: لا تعلمون أنهم أنفع لكم في الدين والدنيا فمنكم من يظن أن الأب أنفع له ، وأنا العالم بمن هو أنفع لكم ، وقد دبرت أمركم على ما فيه المصلحة فاتبعوه ، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:أطوعكم لله عز وجل من الآباء والأبناء أرفعكم درجة يوم القيامة ، و الله تعالى يشفع المؤمنين بعضهم في بعض، فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة رفع إليه ولده وإن كان الولد أرفع درجة رفع إليه والده لتقر بذلك أعينهم،'' فريضةً من الله } ، أي: ما قدر من المواريث ، { إن الله كان عليماً } ، بأمور العباد،'' حكيماً } ، بنصب الأحكام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ
الأية
12
 
{ قوله تعالى:'' ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين } ، وهذا في ميراث الأزواج،'' ولهن الربع } ، يعني: للزوجات الربع،'' مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } ، هذا في ميراث الزوجات وإذا كان للرجل أربع نسوة فهن يشتركن في الربع والثمن. قوله تعالى:'' وإن كان رجل يورث كلالةً أو امرأة ، { تورث كلالة ، ونظم الآية: وغن كان رجل أو امرأة يورث كلالةً وهو نصب على المصدر ، وقيل: على خبر ما لم يسم فاعله ، وتقديره : إن كان رجل يورث ماله كلالة. واختلفوا في الكلالة فذهب أكثر الصحابة إلى أن الكلالة من لا ولد له ولا والد له . وروى عنالعبيقال: سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الكلالة فقال:إني سأقول فيها قولاً برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان،أراه ما خلا الوالد والد، فلما استخلف عمر رضي الله عنهما قال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً قاله أبو بكر رضي الله عنه. وذهب طاووس إلى أن الكلالة من لا ولد له ، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وأحد القولين عن عمر رضي الله عنه، واحتج من ذهب إلى هذا بقول الله تعالى:'' قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد } ، وبيانه عند العامة مأخوذ من حديث جابر بن عبد الله ، لأن الآية نزلت فيه ولم يكن له يوم نزولها أب ولا ابن ، لأن أباه عبد الله بن حرام قتل يوم أحد، وآية الكلالة نزلت في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فصار شأن جابر بياناً لمراد الآية لنزولها فيه. واختلفوا في أن الكلالة اسم لمن؟ منهم من قال: اسم للميت ،وهو قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما، لأنه مات عن ذهاب طرفيه ، فكل عمود نسبة ، ومنهم من قال: اسم للورثة، وهو قول سعيد بن جبير ، لأنهم يتكللون الميت من جوانبه ، وليس في عمود نسبة أحد ، كالإكليل يحيط بالرأس ووسط الرأس منه خال ، وعليه يدل حديث جابر رضي الله عنه حيث قال:إنما يرثني كلالة، أي : يرثني ورثة ليسوا بولد ولا والد،. وقال النضر بن شميل: الكلالة اسم للمال، وقال أبو الخير: سأل رجل عقبة عن الكلالة فقال: ألا تعجبون من هذا يسألني عن الكلالة ، وما أعضل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيء ما أعضلت بهم الكلالة. وقال عمر رضي الله عنه ثلاث لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بينهن لنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها: الكلالة والخلافة وأبواب الربا. وقال معدان بن ابي طلحة: '' خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة ، ماراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي في الكلالة، حتى طعن بأصبعه في صدري قال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن }. وقله ألا تكفيك آية الصيف؟ أراد: أن الله عز وجل أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول سورة النساء والأخرى في الصيف، وهي التي في آخرها ، وفيها من البيان ما ليس في آية الشتاء، فلذلك أحالة عليها. قوله تعالى :'' وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ، { ، أراد به الأخ والأخت من الأم بالاتفاق، قرأ سعد بن أبي وقاص وله أخ أو أخت من أم ولم يقل لهما مع ذكر الرجل والمرأة من قبل، على عادة العرب إذا ذكرت اسمين ثم اخبرت عنهما ، وكانا في الحكم سواءً ربما أضافت إلى أحدهما ، وربما أضافت إليهما ، كقوله تعالى:'' واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة } (البقرة-153) '' فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } ، فيه إجماع أن أولاد الأم إذا كانوا اثنين فصاعداً يشتركون في الثلث ذكرهم وأنثاهم ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبته :ألا إن الآية التي أنزل الله تعالى في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها في الولد والوالد. والآية الثانية في الزوج والزوجة والإخوة من الأم ، والآية التي ختم بها سورة النساء في الإخوة والأخوات من الأب والأم ، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله،'' من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار'' أي: غير مدخل الضرر على الورثة بمجاوزته الثلث في الوصية ، قال الحسن هو أن يوصي بدين ليس عليه،'' وصيةً من الله والله عليم حليم } ، قالقتادة :كره الله الضرار في الحياة وعند الموت، ونهى عنه وقدم فيه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
الأية
13
 
{ تلك حدود الله } ، يعني: ما ذكر من الفروض المحدوده ،'' ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ
الأية
14
 
{ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } ، /قرأ أهل المدينة وابن عامر ندخله جنات ، وندخله ناراً، وفي سورة الفتح(ندخله) و(نعذبه) وفي سورة التغابن (نكفر)و(ندخله)وفي سورة الطلاق (ندخله) بالنون فيهن ، وقرأ الآخرون بالياء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا
الأية
15
 
{ قوله عز وجل: { واللاتي يأتين الفاحشة } ، يعني: الزنا،'' من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعةً منكم'' ،يعني: من المسلمين ، وهذا خطاب للحكام ،أي: فاطلبوا عليهن أربعةً من الشهود وفيه بيان أن الزنا لا يثبت إلا بأربعة من الشهود.'' فإن شهدوا فأمسكوهن } ، فاحبسوهن،'' في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً } ، وهذا كان في أول الإسلام قبل نزول الحدود ، كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، ثم نسخ في حق البكر بالجلد والتغريب، وفي حق الثيب بالجلد والرجم،. أخبرناعبد الوهاب بن محمد الخطيبأخبرناعبد العزيز بن احمد الخلالأناأبو العباس الأصمأناالربيعأخبرنا الشافعي رضي الله عنه أخبرناعبد الوهاب عنيونسعنالحسنعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { خذوا عني خذوا عني: قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ، { ، قال الشافعي رضي الله عنه : وقد حدثني الثقة أن الحسن كان يدخل بينه وبين عبادة حطان الرقاشي ، ولا أدري أدخله عبد الوهاب بينهما فنزل عن كتابي أم لا. قال شيخنا الإمام : الحديث صحيح رواه مسلم بن الحجاج عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى عن سعيد عنقتادة عنالحسن عنحطان بن عبد الله عن عبادة ، ثم نسخ الجلد في حق الثيب وبقي الرجم عند أكثر أهل العلم. وذهب طائفة إلى أنه يجمع بينهما . روي عن علي رضي الله عنه :أنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس مائة ثم رجمها يوم الجمعة، ، وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعامة العلماء على أن الثيب لا يجلد مع الرجم لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً والغامدية ولم يجلدهما. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: التغريب أيضاً منسوخ في حق البكر. وأكثر أهل العلم على أنه ثابت ، روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب ، وأن أبا بكر رضي الله عنه ضرب وغرب، وأن عمر رضي الله عنه ضرب وغرب. واختلفوا في أن الإمساك في البيت كان حداً فنسخ أم كان حبساً ليظهر الحد؟ على قولين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا
الأية
16
 
{ قوله تعالى:'' واللذان يأتيانها منكم'' ،يعني: الرجل والمرأة ،والهاء راجعة إلى الفاحشة ، قرأ ابن كثير اللذان ، واللذين ، وهاتان، وهذان مشددة النون للتأكيد، ووافقه أهل البصرة في (فذانك) والآخرون بالتخفيف، قال أبو عبيد : خص أبو عمرو (فذانك) بالتشديد لقلة الحروف في الاسم { فآذوهما'' قالعطاءوقتادة: فعيروهما باللسان: أما خفت الله؟ أما استحييت من الله حيث زنيت؟ قا ل ابن عباس رضي الله عنهما: سبوهما واشتموهما، قال ابن عباس: هو باللسان واليد يؤذى بالتعيير وضرب النعال. فإن قيل: ذكر الحبس في الآية الأولى وذكر في هذه الآية الإيذاء ، فكيف وجه الجمع؟ قيل: الآية الأولى في النساء وهذه في الرجال ،وهو قول مجاهد، وقيل: الآية الأولى في الثيب وهذه في البكر. '' فإن تابا } ، من الفاحشة'' وأصلحا ، { ، العمل فيما بعد،'' فأعرضوا عنهما } ، فلا تؤذوهما ، { إن الله كان تواباً رحيماً }. وهذا كله كان قبل نزول الحدود ، فنسخت بالجد والرجم، فالجلد في القرآن قال الله تعالى:'' الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } (النور-2) والرجم في السنة.أخبرناأبو الحسن محمد بن محمد السرخسيأخبرناأبو علي زاهر بن احمد السرخسيأناأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عنمالك عن ابن شهاب عنعبيد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما أخبراه ، { أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: اقض يا رسول الله بيننا بكتاب الله ، وقال الآخر وكان أفقههما:أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم ، قال: تكلم ، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا ، فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب سنة ، وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، أما غنمك وجاريتك فرد عليك،وجلد ابنه مائة وغربه عاماً، وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمهافاعترفت فرجمها }. أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أن أحمد بن عبد الله النعيميأنا محمد بن يوسف،أخبرنا ابن إسماعيل،أخبرناعبد العزيز بن عبد الله ،حدثنيإبراهيم بن سعد عنصالح عنابن شهاب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنه إن الله تعالى بعث محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما انزل الله تعالى آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله تعالى ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى والرجم في كتاب الله تعالى حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. وجملة حد الزنا: أن الزاني إذا كان محصناً- وهو الذي اجتمع فيه أربعة أوصاف: العقل والبلوغ والحرية والإصابة بالنكاح الصحيح- فحده الرجم، مسلماً كان أو ذمياً ، وهو المراد من الثيب المذكور في الحديث ، وذهب أصحاب الرأي إلى أن الإسلام من شرائط الإحصان، ولا يرجم الذمي ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديين زنيا، وكانا قد أحصنا. وإن كان الزاني غير محصن بأن لم تجتمع فيه هذه الأوصاف نظر:إن كان غير بالغ أو كان مجنوناً فلا حد عليه ، وإن كان حراً عاقلاً بالغاً، غير أنه لم يصب بنكاح صحيح فعليه جلد مائة وتغريب عام، وإن كان عبداً فعليه جلد خمسين، وفي تغريبه قولان،إن قلنا يغرب فيه قولان ، أصحهما نصف سنة ، كما يجلد خمسين على نصف حد الحر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
الأية
17
 
{ قوله تعالى:'' إنما التوبة على الله'' قال الحسن: يعني التوبة التي يقبلها ، فيكون على بمعنى عند، وقيل: من الله،'' للذين يعملون السوء بجهالة'' ،قالقتادة:أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل ما عصي به الله فهو جهالة عمداً كان او لم يكن وكل من عصى الله فهو جاهل .وقالمجاهد : المراد من الآية :العمد ،قالالكلبي : لم يجهل أنه ذنب /لكنه جهل عقوبته،وقيل : معنى الجهالة : اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية. '' ثم يتوبون من قريب } ، قيل: معناه قبل أن يحيط السوء بحسناته فيحبطها،وقالالسديوالكلبي: القريب: أن يتوب في صحته قبل مرض موته ،وقالعكرمة : قبل الموت، وقال الضحاك : قبل معاينة ملك الموت. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحيأناعبد الرحمن بن أبي شريحأناأبو القاسم عبد الله بن محمد ابن عبد العزيم البغويأناعلي بن الجعد أناابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عنجبير بن نفير عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر }. وأخبرناعبد الواحد بن احمد المليحيأناأبو منصور محمد بن محمد بن سمعاناناأبو جعفر محمد ابن احمد بن عبد الجبار الريانيأناحميد بن زنجويه أناأبو الأسودأناابن لهيعة عندراجعنأبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك مادامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني }. قوله تعالى:'' فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
الأية
18
 
{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات } ، يعني: المعاصي'' حتى إذا حضر أحدهم الموت } ، ووقع في النزع،'' قال إني تبت الآن ، { وهي حالة السوق حين تساق روحه ، ولا يقبل من كافر إيمان ولا من عاص توبة، قال الله تعالى:'' فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } (غافر-85) ولذلك لم ينفع إيمان فرعون حين أدركه الغرق .'' ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا } ، أي: هيأنا وأعددنا، { لهم عذاباً أليماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
الأية
19
 
{ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } ، نزلت في أهل المدينة كانوا في الجاهلية وفي أول الإسلام،إذا مات الرجل وله أمراً جاء ابنه من غيرها أو قريبه من عصبته فألقى ثوبه على تلك المرأة وعلى خبائها ، فصار أحق بها من نفسها ومن غيره، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الأول الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها غيره واخذ صداقها، وإن شاء عضلها ومنعها من الأزواج يضارها لتفتدي منه بما ورثته من الميت، أو تموت هي فيرثها،فإن ذهبت المرأة إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ولي زوجها ثوبه فهي أحق بنفسها، فكانوا على هذا حتى توفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية ، فقام ابن له من غيرها يقال له حصن، وقال مقاتل بن حيان : اسمه قيس بن أبي قيس، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ، ثم تركها ولم ينفق عليها، يضارها لتفتدي منه، فأتت كبيشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفي وورث نكاحي ابنه فلا هو ينفق علي ولا يدخل بي ولا يخلي سبيلي ، فقال: اقعدي في بيتك حتى يأتي فيك أمر الله، فأنزل الله تعالى هذه الآية:'' يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً }. قرأحمزة والكسائي:كرهاً بضم الكاف ، ها هنا وفي التوبة وقرأ الباقون بالفتح قال الكسائي : هما لغتان . قال الفراء : الكره بالفتح ما اكره عليهن وبالضم ما كان من قبل نفسه من المشقة. '' ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } ، أي: لا تمنعوهن من الأزواج لتضجر فتفتدي ببعض مالها، قيل: هذا خطاب لأولياء الميت، والصحيح انه خطاب للأزواج. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا في الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضارها لتفتدي وترد إليه ما ساق إليها من المهر، فنهى الله تعالى عن ذلك ، ثم قال: '' إلا أن يأتين بفاحشة مبينة'' فحينئذ يحل لكم إضرارهن ليفتدين منكم. واختلفوا في الفاحشة،قال ابن مسعودوقتادة: هي النشوز، وقال بعضهم وهو قولالحسن: هي الزنا،يعني: المرأة إذا نشزت،أو زنت حل للزوج أن يسألها الخلع ، وقال عطاء: كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشةً اخذ منها ما ساق إليها وأخرجها ، فنسخ الله تعالى ذلك بالحدود. وقرأابن كثيروأبو بكر'' مبينة ، { ، ، { مبينات { بفتح الياء، ووافق أهل المدينة والبصرة في { مبينات ، { والباقون بكسرها. '' وعاشروهن بالمعروف'' ،قالالحسن: رجع إلى أول الكلام، يعني'' وآتوا النساء صدقاتهن نحلة }'' وعاشروهن بالمعروف'' والمعاشرة بالمعروف: هي الإجمال في القول والمبيت والنفقة ، وقيل: هو أن يتصنع لها كما تتصنع له،'' فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } ، قيل: هو ولد صالح، أو يعطفه الله عليها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا
الأية
20
 
{ وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } ، أراد بالزوج والزوجة ولم يكن من قبلها نشوز ولا فاحشة،'' وآتيتم إحداهن قنطاراً } ، وهو المال الكثير، صداقاً،'' فلا تأخذوا منه } ، من القنطار، { شيئاً أتأخذونه } ، استفهام بمعنى التوبيخ،'' بهتاناً وإثماً مبيناً ، { ، انتصابهما من وجهين أحدهما بنزع الخافض ، والثاني بالإضمار تقديره: تصيبون في أخذه بهتاناً وإثماً ثم قال:

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
الأية
21
 
{ وكيف تأخذونه } ، على طريق الإستعظام، { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } ، أراد به المجامعة، ولكن الله حيي يكني، وأصل الإفضاء: الوصول إلى الشيء من غير واسطة. '' وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً } ، قال الحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة: هو قول الولي عند العقد: زوجتكما على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان،وقال الشعبي وعكرمة: هو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:'' اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله تعالى واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا
الأية
22
 
{ قوله عز وجل: '' ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ، كان أهل الجاهلية ينكحون أزواج آبائهم، قال الأشعث بن سوار: توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت: إني اتخذتك ولداً وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره، فأتته فأخبرته، فأنزل الله تعالى } : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } ، قيل: بعد ما سلف، وقيل: معناه لكن ما سلف، أي: ما مضى في الجاهلية فهو معفو عنه، { إنه كان فاحشةً } ، أي: إنه فاحشة، و(كان) فيه صلة، والفاحشة أقبح المعاصي، { ومقتاً } ، أي: يورث مقت الله، والمقت: أشد البغض، { وساء سبيلا ، { وبئس ذلك طريقاً وكانت العرب تقول لولد الرجل من امرأة أبيه (مقيت) وكان منهم الأشعث بن قيس وأبو معيط بن أبي عمرو بن أمية. أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو سهل محمد بن عمرو السجزي أنا الإمام أبو سليمان الخطابي أنا أحمد بن هشام الحضرمي أنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن حفص بن غياث عن أشعث ابن سوار عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: مر بي خالي ومعه لواء فقلت: أين تذهب؟ قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
الأية
23
 
{ قوله تعالى: '' حرمت عليكم أمهاتكم ، { الآيه، بين الله تعالى في هذه الآية المحرمات بسبب الوصلة، وجملة المحرمات في كتاب الله تعالى أربعة عشر: سبع بالنسب، وسبع بالسبب. فأما السبع بالسبب فمنها اثنتان بالرضاع وأربع بالصهرية والسابعة المحصنات، وهن ذوات الأزواج. وأما السبع بالنسب قوله تعالى: '' حرمت عليكم أمهاتكم ، { وهي جمع أم فيدخل فيهن الجدات وإن علون من قبل الأم ومن قبل الأب، { وبناتكم ، { جمع: البنت، فيدخل فيهن بنات الأولاد وإن سفلن، { وأخواتكم } ، جمع الأخت سواء كانت من قبل الأب والأم أو من قبل أحدهما، { وعماتكم ، { جمع العمة، ويدخل فيهن جميع أخوات آبائك وأجدادك وإن علون، { وخالاتكم'' جمع خاله، ويدخل فيهن جميع أخوات أمهاتك وجداتك، { وبنات الأخ وبنات الأخت } ، ويدخل فيهن بنات أولاد الأخ والأخت وإن سفلن،وجملته: أنه يحرم على الرجل أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل بعده، والأصول هي الأمهات والجدات، والفصول البنات وبنات الأولاد،وفصول أول أصوله هي الأخوات وبنات الإخوة والأخوات، وأول فصل من كل أصل بعده هن العمات والخالات وإن علون. وأما المحرمات بالرضاعة فقوله تعال :'' وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة }. وجملته: أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبوإسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: '' يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة }. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي قال: أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن { عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، فقالت عائشه رضي الله عنها فقلت: يا رسول الله لو كان فلان حياً - لعمها من الرضاعة - أيدخل علي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة }. وإنما تثبت حرمة الرضاعة بشرطين، أحدهما: أن يكون قبل استكمال المولود حولين، لقوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } (البقرة - 233) ور عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء ، { وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم } ، وإنما يكون هذا في حال الصغر . وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: مدة الرضاع ثلاثون شهراً لقوله تعالة: '' وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } (الأحقاف- 15)، وهو عند الأكثرين لأقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع وأقل مدة الحمل ستة أشهر. والشرط الثاني أن يوجد خمس رضعات متفرقات، يروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها، وبه قال عبد الله بن الزبير وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى. وذهب أكثر أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم، وهو قول ابن عباس وابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب وإليه ذهب سفيان الثوري،ومالك والأوزاعيوعبد الله بن المبارك وأصحاب الرأي. واحتج من ذهب إلى أن القليل لا يحرم بما أخبرناأحمد بن عبد الله الصالحيأناأبو سعيد محمد بن موسى الصيرفيأناأبو العباس الأصمأنامحمد بن عبد الله بن عبد الحكمأناأنس بن عياض عنهشام ابن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' لا تحرم المصة من الرضاع والمصتان ، { هكذا روى بعضهم هذا الحديث ورواه عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح. أخبرناأبو الحسن السرخسي أنازاهر بن أحمدأناأبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عنمالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عنعمرة بنت عبد الرحمنعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن. وأما المحرمات بالصهرية فقوله:'' وأمهات نسائكم } / وجملته :أن كل من عقد النكاح على امرأة تحرم على الناكح أمهات المنكوحة وجداتها وإن علون من الرضاعة والنسب بنفس العقد. '' وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } ، والربائب جمع : ربيبة: وهي بنت المرأة ، سميت ربيبة لتربيته إياها ، وقوله :'' في حجوركم } ، أي: في تربيتكم، يقال: فلان في حجر فلان إذا كان في تربيته،'' دخلتم بهن'' أي: جامعتموهن. ويحرم عليه أيضاً بنات المنكوحة وبنات أولادها، وإن سفلن من الرضاع والنسب بعد الدخول بالمنكوحة، حتى لو فارق المنكوحة قبل الدخول بها أو ماتت جاز له أن ينكح بنتها،(ولا يجوز له أن ينكح أمها) لأن الله تعالى أطلق تحريم الأمهات وقال في تحريم الربائب: '' فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ، { ، يعني: في نكاح بناتهن إذا فارقتموهن او متن ، وقال علي رضي الله عنه: أم المرأة لا تحرم إلا بالدخول بالبنت كالربيبة. '' وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ، يعني:أزواج أبنائكم، واحدتها: حليلة، والذكر حليل، سميا بذلك لأن كل واحد منها (حلال لصاحبه، وقيل: سميا بذلك لأن كل واحد منهما) يحل حيث يحل صاحبه من الحلول وهو النزول ، وقيل: إن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه من الحل وهو ضد العقل. وجملته:أنه يحرم على الرجل حلائل أبنائه وأبناء أولاده وإن سفلوا من الرضاع والنسب بنفس العقد، وإنما قال { من أصلابكم ، { ليعلم أن حليلة المتبنى لا تحرم على الرجل الذي تبناه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم . والرابع من المحرمات بالصهرية: حليلة الأب والجد وإن علا، فيحرم على الولد وولد الولد بنفس العقد سواء كان الأب من الرضاع أو من النسب ، لقوله تعالى:'' ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء }. وقد سبق ذكره. وكل امرأة تحرم عليك بعقد النكاح تحرم بالوطء في ملك اليمين ، والوطء بشبهة النكاح، حتى لو وطىء امرأة / بالشبهة أو جارية بملك اليمين فتحرم على الواطىء أم الموطوءة وابنتها وتحرم الموطوءة على أب الواطىء وعلى ابنه. ولو زنى بامرأة فقد اختلف فيه أهل العلم: فذهبت جماعة إلى أنه لا تحرم على الزاني أم المزني بها وابنتها، وتحرم الزانية على أب الزاني وابنه، وهو قول علي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب وعروة والزهري ، واليه ذهب مالك والشافعي رحمهم الله تعالى. وذهب قوم إلى التحريم ، يروى ذلك عن عمران بن حصين وأبي هريرة رضي الله عنهما، وبه قال جابر ابن زيد والحسن وهو قول أصحاب الرأي. ولو لمس امرأة بشهوة أو قبلها ، فهل يجل ذلك كالدخول في إثبات حرمة المصاهرة؟ وكذلك لو لمس امرأة بشهوة فهل يجعل كالوطء في تحريم الربيبة؟ فيه قولان، أصحهما وهو قول أكثر أهل العلم :أنه تثبت به الحرمة، والثاني : لا تثبت كما لا تثبت بالنظر بالشهوة. قوله تعالى:'' وأن تجمعوا بين الأختين } ، لا يجوز للرجل أن يجمع بين الأختين في النكاح سواء كانت الأخوة بينهما بالنسب أو بالرضاع، فإذا نكح امرأة ثم طلقها بائناً جاز له نكاح أختها، وكذلك لو ملك أختين بملك اليمين لم يجز له أن يجمع بينهما في الوطء فإذا وطىء إحداهما لم يحل له وطء الأخرى حتى يحرم الأولى على نفسه. وكذلك لا يجوز أن يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخاتلها، لما أخبرناأبو الحسن السرخسيأخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عنمالك عنأبي الزنادعنالأعرجعن أبي هريرة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها }. قوله تعالى:'' إلا ما قد سلف'' يعني: لكن ما مضى فهو معفو عنه، لأنهم كانوا يفعلونه قبل الإسلام ، وقالعطاءوالسدي: إلا ما كان من يعقوب عليه السلام فإنه جمع بين ليا أم يهوذا وراحيل أم يوسف ، وكانتا أختين { إن الله كان غفوراً رحيماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
الأية
24
 
{ قوله تعالى:'' والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ، يعني : ذوات الأزواج ، لا يحل للغير نكاحهن قبل مفارقة الأزواج ، وهذه السابعة من النساء اللاتي حرمت بالسبب. قال أبو سعيد الخدري: نزلت في نساء كن يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن أزواج فيتزوجهن بعض المسلمين ، ثم قدم أزواجهن مهاجرين فنهى الله المسلمين عن نكاحهن ثم استثنى فقال:'' إلا ما ملكت أيمانكم } ، يعني: السبايا اللواتي سبين ولهن أزواج في دار الحرب فيحل لمالكهن وطؤهن بعد الاستبراء، لأن بالسبي يرتفع النكاح بينها وبين زوجها. قالأبو سعيد الخدري: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين جيشاً إلى أوطاس فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين، فكرهوا غشيانهن، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقالعطاء: أراد بقوله { إلا ما ملكت أيمانكم ، { أن تكون أمته في نكاح عبده فيجوز أن ينزعها وقيل: أراد بالمحصنات الحرائر ومعناه: أن ما فوق الأربع حرام منهن إلا ما ملكت أيمانكم ، فإنه لا عدد عليكم في الجواري. قوله تعالى:'' كتاب الله عليكم } ، نصب على المصدر ، أي : كتب الله عليكم كتاب الله ، وقيل: نصب على الإغراء ، أي: ألزموا كتاب الله عليكم ، أي: فرض الله تعالى. قوله تعالى:'' وأحل لكم ما وراء ذلكم } ، قرأ أبو جعفر وحمزةوالكسائي وحفص'' أحل ، { بضم الأول وكسر الحاء، لقوله'' حرمت عليكم } ، وقرأ الآخرون بالنصب، أي: أحل الله لكم ما وراء ذلكم، أي: ما سوى ذلكم الذي ذكرت من المحرمات، { أن تبتغوا } ، تطلبوا،'' بأموالكم } ، أي تنكحوا بصداق أو تشتروا بثمن ،'' محصنين } ، أي: متزوجين متعففين،'' غير مسافحين } ، أي: غير زانين، مأخوذ من سفح الماء وصبه وهو المني،'' فما استمتعتم به منهن } ، اختلفوا في معناه، فقالالحسن ومجاهد : أراد ما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح،'' فآتوهن أجورهن'' ،أي: مهورهن وقال آخرون : هو نكاح المتعة وهو أن ينكح امرأة إلى مدة فإذا انقضت تلك المدة بانت منه بلا طلاق، وتستبرىء رحمها وليس بينهما ميراث، وكان ذلك مباحاً في ابتداء الإسلام ثم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهرأناعبد الغافر بن محمد الفارسيأنامحمد بن عيسى الجلوديأناإبراهيم بن محمد بن سفيانأنامسلم بن الحجاجأنامحمد بن عبد الله بن نميرأناأبي أناعبد العزيز بن عمرحدثني الربيع بن سبرة الجهنيأن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: { يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله تعالى قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً }. وأخبرناأبو الحسن السرخسيأنازاهر بن أحمدأناأبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عنمالكعنابن شهاب عنعبد اللهوالحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية }. وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم:أن نكاح المتعة حرام، والآية منسوخة. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يذهب إلى أن الآية محكمة ، ويرخص في نكاح المتعة. وروي عن أبي نضرة قالت سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة ، فقال: أما تقرأ في سورة النساء: { فما استمتعتم به منهن } { إلى أجل مسمى } ،قلت: لا أقرؤها هكذا، قال ابن عباس: هكذا أنزل الله ، ثلاث مرات . وقيل: إن ابن عباس رضي الله عنهما رجع عن ذلك. وروى سالم عنعبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها؟، لا أجد رجلاً نكحها إلا رجمته بالحجارة وقال: هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث. قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: لا أعلم في الإسلام شيئاً احل ثم حرم ثم احل ثم حرم غير المتعة. قوله تعالى:'' فآتوهن أجورهن'' أي: مهورهن،'' فريضةً ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } ، فمن حمل ما قبله على نكاح المتعة أراد انهما (إذا عقد عقداً إلى أجل بمال). فإذا تم الأجل فإن شاءت المرأة زادت في الأجل وزاد الرجل في الأجر ، وإن لم يتراضيا فارقها ، ومن حمل الآية على الاستمتاع بالنكاح الصحيح، قال المراد بقوله'' ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به ، { من الإبراء عن المهر والافتداء والاعتياض { إن الله كان عليماً حكيماً }. (فصل في قدر الصداق وفيما يستحب منه) اعلم أنه لا تقدير لأكثر الصداق لقوله تعالى:'' وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ، { والمتسحب أن لا يغالى فيه، قال عمر بن الخطاب: ألا لا تغالوا صدقة النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية. أخبرناأبو الحسن السرخسيأنازاهر بن أحمد أناجعفر بن محمد المفلسأناهارون بن إسحاق أنايحيى بن محمد الحارثيأناعبد العزيز بن محمدعنيزيد بن عبد الله بن الهاديعنمحمد بن إبراهيمعنأبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ قالت: كان صداقة لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشأ ، قالت:أتدري ما النش؟قلت: لا، قالت:نصف أوقية ، فتلك خمسمائة درهم، هذا صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه. أما أقل الصداق فقد اختلفوا فيه: فذهب جماعة إلى أنه لا تقدير لأقله، بل ما جاز أن يكون مبيعاً أو ثمناً جاز أن يكون صداقاً ، وهو قول ربيعة وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قال عمر بن الخطاب: في ثلاث قبضات زبيب مهر، وقال سعيد بن المسيب: لو أصدقها سوطاً جاز. وقال قوم: يتقدر: بنصاب السرقة، وهو قول مالك وأبي حنيفة ، غير أن نصاب السرقة عند مالك ثلاثة دراهم وعند أبي حنيفة عشرة دراهم. والدليل على انه لا يتقدر: ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي قال: أخبرنازاهر بن احمدأخبرناأبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك ، فقامت قياماً طويلاً فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء تصدقها؟ قال: ما عندي إلا إزاري هذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أعطيتها جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً فقال: ما أجد ، فقال: فالتمس ولو خاتماً من حديد، فالتمس فلم يجد شيئاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا- لسور سماها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد زوجتكها بما معك من القرآن }. وفيه دليل على أنه لا تقدير لأقل الصداق، لأنه قال:التمس شيئاً فهذا يدل على جواز أي شيء كان من المال ، وقال: ولو خاتماً من حديد، ولا قيمة لخاتم الحديد إلا القليل التافه. وفي الحديث دليل على أنه يجعل تعليم القرآن صداقاً وهو قول الشافعي رحمه الله ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز، وهو قول أصحاب الرأي، وكل عمل جاز الاستئجار عليه مثل البناء والخياطة وغير ذلك من الأعمال جاز أن يجعل صداقاً ، ولم يجوز أبوحنيفة رضي الله عنه أن يجعل منفعة الحر صداقاً والحديث حجة لمن جوزه بعدما أخبر الله تعالى عن شعيب عليه السلام حيث زوج ابنته من موسى عليهما السلام على العمل، فقال } : إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } (القصص-27).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ۚ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
الأية
25
 
{ قوله تعالى: '' ومن لم يستطع منكم طولاً'' ،أي: فضلاً وسعة،'' أن ينكح المحصنات } ، الحرائر { المؤمنات ، { ،قرأالكسائي'' المحصنات'' بكسر الصاد حيث كان ،إلا قوله في هذه السورة والمحصنات من النساء، وقرأ الآخرون بفتح جميعها ، { فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم ، { ،إمائكم،'' المؤمنات } ، أي: من لم يقدر على مهر الحرة المؤمنة، فليتزوج الأمة المؤمنة. وفيه دليل على أنه لا يجوز للحر نكاح الأمة إلا بشرطين، أحدهما:أن لا يجد مهر حرة، والثاني أن يكون خائفاً على نفسه من العنت، وهو الزنا، لقوله تعالى في آخر الآية :'' ذلك لمن خشي العنت منكم } ، وهو قول جابر رضي الله عنه ، وبه قال طاووس وعمرو بن دينار، وإليه ذهب مالك والشافعي . وجوز أصحاب الرأي للحر نكاح الأمة إلا أن تكون في نكاحه حرة، أما العبد فيجوز له نكاح الأمة وإن كان في نكاحه حرة أو أمة، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجوز إذا كانت تحته حرة، كما يقول في الحر. وفي الآية دليل على أنه لا يجوز للمسلم نكاح الأمة الكتابية لأنه قال ، { فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، { ، جوز نكاح الأمة بشرط أن تكون مؤمنة، وقال في موضع آخر: { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } (المائدة-5) أي: الحرائر، جوز نكاح الكتابية ، بشرط أن تكون حرة، وجوز أصحاب الرأي للمسلم نكاح الأمة الكتابية، وبالاتفاق يجوز وطؤها بملك اليمين. '' والله أعلم بإيمانكم } ، أي : لا تعترضوا للباطن في الإيمان وخذوا بالظاهر فإن الله أعلم بإيمانكم. '' بعضكم من بعض } ، قيل: بعضكم إخوة لبعض، وقيل: كلكم من نفس واحدة فلا تستنكفوا من نكاح الإماء، { فانكحوهن } ، يعني: الإماء'' بإذن أهلهن'' ،أي: مواليهن،'' وآتوهن أجورهن } ، مهورهن،'' بالمعروف ، { من غير مطل وضرار، { محصنات ، { عفائف بالنكاح،'' غير مسافحات ، { ، أي: غير زانيات،'' ولا متخذات أخدان } ، أي أحباب تزنون بهن في السر،قالالحسن: المسافحة هي ان كل من دعاها تبعته، وذات أخذان أي: تختص بواحد لا تزني إلا معه، والعرب كانت تحرم الأولى وتجوز الثانية،'' فإذا أحصن ، { ، قرأحمزةوالكسائي وأبو بكر بفتح الألف والصاد، أي :حفظن فروجهن ، وقال ابن مسعود : أسلمن ، وقرأ الآخرون : { أحصن ، { بضم الألف وكسر الصاد أي زوجن { فإن أتين بفاحشة } ، يعني: الزنا،'' فعليهن نصف ما على المحصنات ، { ، أي : ما على الحرائر الأبكار إذا زنين،'' من العذاب ، { ، يعني : الحد، فيجلد الرقيق إذا زنى خمسين جلدة، وهل يغرب؟ فيه قولان، فإن قلنا يغرب فيغرب نصف سنة على القول الأصح ولا رجم على العبيد. روي عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال:أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتية من قريش فجلدنا ولا ئد من ولائد الإمارة خمسين في الزنا. ولا فرق في حد المملوك بين من تزوج أو لم يتزوج عند أكثر أهل العلم ، وذهب بعضهم إلى أنه لا حد على من لم يتزوج من المماليك إذا زنى،لأن الله تعالى قال:'' فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات ، { وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال طاووس. ومعنى الإحصان عند الآخرين الإسلام ، وإن كان المراد منه التزويج فليس المراد منه أن التزويج شرط لوجوب الحد عليه ، بل المراد منه التنبيه على أن المملوك وإن كان محصناً بالتزويج فلا رجم عليهن إنما حده الجلد بخلافالحر، / فحد الأمة ثابت بهذه الآية ، وبيان أنه بالجلد في الخبر وهو ما أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحيأناأحمد بن عبد الله النعيميأنامحمد بن يوسف أنامحمد بن إسماعيلأناعبد العزيز بن عبد اللهحدثني الليث عن سعيديعني المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: '' إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر }. قوله تعالى:'' ذلك } ، يعني: نكاح الأمة عند عدم الطول،'' لمن خشي العنت منكم } ، ، يعني: الزنا، يريد المشقة لغلبة الشهوة،'' وأن تصبروا ، { ، عن نكاح الإماء متعففين،'' خير لكم ، { ، لئلا يخلق الولد رقيقاً'' والله غفور رحيم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
الأية
26
 
{ قوله تعالى:'' يريد الله ليبين لكم'' ،أي: أن يبين لكم ، كقوله تعالى:'' وأمرت لأعدل بينكم } (الشورى-15) أي: أن أعدل، وقوله:'' وأمرنا لنسلم لرب العالمين } (الأنعام-71) وقال في موضع آخر { وأمرت أن أسلم } (غافر -66). الآية:يريد الله أن يبين لكم،أي: يوضح لكم شرائع دينكم ومصالح أموركم، قالعطاء : يبين، لكم ما يقربكم منه، قالالكلبي : يبين لكم أن الصبر عن نكاح الإماء خير لكم ، { ويهديكم ، { ، ويرشدكم،'' سنن ، { ، شرائع،'' الذين من قبلكم } ، في تحريم الأمهات والبنات والأخوات ، فإنها كانت وقيل: ويهديكم الملة الحنيفية وهي ملة إبراهيم عليه السلام، { ويتوب عليكم ، { ، ويتجاوز عنكم ما أصبتم قبل أن يبين لكم، وقيل: يرجع بكم من المعصية التي كنتم عليها إلى طاعتهن وقيل: يوفقكم للتوبة { والله عليم ، { بمصالح عباده في أمر دينهم ودنياهم،'' حكيم ، { ، فيما دبر من أمورهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
الأية
27
 
{ والله يريد أن يتوب عليكم ، { ،إن وقع منكم تقصير في أمر دينه ، { ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا } ، عن الحق،'' ميلاً عظيماً ، { بإتيانكم ما حرم عليكم، واختلفوا في الموصوفين باتباع الشهوات ، قالالسدي : هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم : هم المجوس لأنهم يحلون نكاح الأخوات وبنات الأخ والأخت ، وقالمجاهد : هم الزناة يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون، وقيل: هم جميع أهل الباطل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا
الأية
28
 
{ يريد الله أن يخفف عنكم } ، يسهل عليكم في أحكام الشرع، وقد سهل كما قال جل ذكره } : ويضع عنهم إصرهم } (الأعراف -157) وقال النبي صلى الله عليه وسلم :'' بعثت بالحنيفية السمحة السهلة ، { ،'' وخلق الإنسان ضعيفاً } ، قالطاووسوالكلبي وغيرهما أمر النساء: لا يصبر عنهن وقال ابن كيسان:'' خلق الإنسان ضعيفاً ، { يستميله هواه وشهوته، وقال الحسن: هو انه خلق من ماء مهين، بيانه قوله تعالى:'' الله الذي خلقكم من ضعف } (الروم -54).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
الأية
29
 
{ قوله تعالى:'' يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، { ، بالحرام ،يعني: بالربا والقمار والغصب والسرقة والخيانة ونحوها، وقيل: هو العقود الفاسدة'' إلا أن تكون تجارة ، { ، قرأ أهل الكوفة { تجارة ، { نصب على خبر كان، أي: إلا أن تكون الأموال تجارة، وقر الآخرون بالرفع ،أي: إلا أن تقع تجارة، { عن تراض منكم } ، أي بطيبة نفس كل واحد منكم. وقيل: هو أن يجيز كل واحد من المتبايعين صاحبه بعد البيع، فيلزم ، وإلا فلهما الخيار مالم يتفرقا لما اخبرناأبو الحسن السرخسيأخبرنازاهر بن أحمد أناأبو إسحاق الهاشميأناأبو مصعب عنمالكعننافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ، مالم يتفرقا إلا بيع الخيار }. '' ولا تقتلوا أنفسكم } ، قال أبو عبيدة:أي لا تهلكوها، كما قال: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (البقرة -195) و: لا تقتلوا أنفسكم بأكل المال بالباطل. وقيل: أراد به قتل المسلم نفسه،أخبرناعبد الوهاب بن محمد الخطيبأناعبد العزيز بن أحمد الخلالأناأبو العباس الأصمأناالربيعأنا الشافعي أنا ابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة }. حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي أخبرنا أبو معاذ عبد الرحمن المزني أنا أبو إسحاق إبراهيم بن حماد القاضي أنا أبو موسى الزمن أنا وهب بن جرير أخبرنا أبي قال سمعت الحسن: أخبرنا جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' خرج برجل فيمن كان قبلكم أراب فجزع منه، فأخرج سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات فقال الله عز وجل: بادرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة }. وقال الحسن:'' لا تقتلوا أنفسكم } ، يعني: إخوانكم ،أي: لا يقتل بعضكم بعضاً،'' إن الله كان بكم رحيماً ، { ،أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي انا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا سليمان بن حرب أنا شعبة عن علي بن مدرك قال: سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير عن جده قال: '' قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:استنصت الناس ثم قال: لا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
الأية
30
 
{ ومن يفعل ذلك ، { ، يعني : ما سبق ذكره من المحرمات،'' عدواناً وظلماً ، { ، فالعدوان مجاوزة الحد ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه ،'' فسوف نصليه } ، ندخله في الآخرة،'' ناراً'' ،يصلى فيها، { وكان ذلك على الله يسيراً } ، هيناً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا
الأية
31
 
{ قوله تعالى:'' إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } ، اختلفوا في الكبائر التي جعل الله اجتنابها تكفيراً للصغائر :أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا احمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن مقاتل أنا النضر أخبرنا شعبة أنا فراسقال: سمعت الشعبي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { الكبائر: الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسدد أنا بشر بن المفضل أنا الجريري عنعبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً قالوا : بلى يا رسول الله ، قال :الإشراك بالله عز وجل، وعقوق الوالدين ، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور ألا وقول الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت }. أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا محمد بن كثير أنا سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور، وواصل الأحدب عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنهما قال: { قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، قلت : ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت : ثم أي ؟قال :أن تزاني حليلة جارك /فأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ، { الآية }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات }. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أكبر الكبائر: الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت جميد بن عبد الرحمن يحدث عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' من الكبائر أن يسب الرجل والديه، قالوا: كيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه }. وعن سعيد بن جبير: أن رجلاً سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الكبائر : أسبع هي ؟ قال: هن إلى السبعمائة أقرب إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار، وقال: كل شيء عصي الله به فهو كبيرة ، فمن عمل شيئاً منها فليستغفر فإن الله لا يخلد في النار من هذه الأمة إلا راجعاً عن الإسلام أو جاحداً فريضة أو مكذباً بقدر. وقال عبد الله بن مسعود: ما نهى الله تعالى عنه في هذه السورة إلى قوله تعالى:'' إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ، { فهو كبيرة. وقال علي بن أبي طلحة: هي كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقال الضحاك: ما أوعد الله عليه حداً في الدنيا أو عذاباً في الآخرة. وقال الحسن بن الفضل: ما سماه الله في القرآن كبيراً أو عظيماً نحو قوله تعالى:'' إنه كان حوباً كبيراً } (النساء-2) ، ، { إن قتلهم كان خطأ كبيرا } (الإسراء-31) ،'' إن الشرك لظلم عظيم } (لقمان-13) ،'' إن كيدكن عظيم } (يوسف-28) { هذا بهتان عظيم } (النور-16) { إن ذلكم كان عند الله عظيماً } (الأحزاب -53). قال سفيان الثوري: الكبائر ما كان فيه المظالم بينك وبين العباد، والصغائر ما كان بينك وبين الله تعالى، لأن الله كريم يعفو، واحتج بما أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي الكرماني أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد أنا الحسين بن داؤد البلخي أنا يزيد بن هارون أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' ينادى مناد من بطنان العرش يوم القيامة: يا أمة محمد إن الله عز وجل قد عفا عنكم جميعاً المؤمنين والمؤمنات، تواهبوا المظالم وادخلوا الجنة برحمتي }. وقال مالك بن مغول: الكبائر ذنوب أهل البدع، والسيئات ذنوب أهل السنة. وقيل: الكبائر ذنوب المستحلين مثل ذنب إبليس، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم عليه السلام. وقال السدي: الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبائرن والسيئات مقدماتها وتوابعها ما يجتمع فيه الصالح والفاسق، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها . قال النبي صلى الله عليه وسلم :'' العينان تزنيان، واليدان تزنيانن والرجلان تزنيان، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه }. وقيل: الكبائر ما يستحقره العباد، والصغائر ما يستعظمونه فيخافون مواقعته ، كما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو الوليد أنا مهدي عن غيلان عن أنس قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات. وقيل: الكبائر الشرك، وما يؤدي إليه ، وما دون الشرك فهو السيئات، قال الله تعالى:'' إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } (النساء-48،116). وقوله تعالى:'' إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم'' أي: من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن رمضان إلى رمضان. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن عسيد الأيلي أنا ابن وهب عن أبي صخر أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول } : الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر }. قوله تعالى:'' وندخلكم مدخلاً كريماً'' ،أي: حسناً وهو الجنة، قرأ أهل المدينة'' مدخلاً ، { بفتح الميم ها هنا وفي الحج ، وهو موضع الدخول ، وقرأ الباقون بالضم على المصدر بمعنى الإدخال.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
الأية
32
 
{ قوله تعالى:'' ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ، { الآية، قال مجاهد: قالت أم سلمة : يا رسول الله إن الرجال يغزون ولا نغزو ولهم ضعف ما لنا من الميراث، فلو كنا رجالاً غزونا كما غزوا وأخذنا من الميراث مثل ما أخذوا . فنزلت هذه الآية. وقيل: لما جعل الله عز وجل للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث، وقالت النساء: نحن أحق وأحوج إلى الزيادة من الرجال، لأنا ضعفاء وهم أقوى وأقدر على طلب المعاش، فأنزل الله تعالى: { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض }. وقال قتادة والسدي لما نزل قوله:'' للذكر مثل حظ الأنثيين } ، قال الرجال إنا لنرجو أن نفضل على السناء بحسناتنا في الآخرة فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كما فضلنا عليهن في الميراث فقال الله تعالى:'' للرجال نصيب مما اكتسبوا ، { من الأجر'' وللنساء نصيب مما اكتسبن }. معناه : أن الرجال والنساء في الأجر في الآخرة سواء، وذلك أن الحسنة تكون بعشر أمثالها يستوي فيها الرجال والسناء، وإن فضل الرجال في الدنيا على السناء. وقيل: معناه للرجال نصيب مما اكتسبوا من أمر الجهاد وللنساء نصيب ما اكتسبن من طاعة الأزواج وحفظ الفروج، يعني إن كان للرجال فضل الجهاد فللنساء فضل طاعة الأزواج وحفظ الفروج. قوله تعالى:'' واسألوا الله من فضله } ، قرأ ابن كثير و الكسائي وسلوا، وسل وفسل إذا كان قبل السين واو أو فاء بغير همز، ونقل حركة الهمزة إلى السينن والباقون بسكون السين مهموزاً. فنهى الله تعالى عن التمني لما فيه من دواعي الحسد ، والحسد أن يتمنى زوال النعمة عن صاحبه ويتمناها لنفسه ، وهو حرام، والغبطة أن يتمنى لنفسه/ مثل ما لصاحبه وهو جائز . قال الكلبي: لا يتمنى الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمه، ولكن ليقل اللهم ارزقني مثله، وهو كذلك في التوراة كذلك في القرآن. قوله'' واسألوا الله من فضله ، { قال ابن عباس: واسألوا الله من فضله: أي: من رزقه، قال سعيد بن جبير: من عبادته ، فهو سؤال التوفيق للعبادة، قال سفيان بن عيينة: لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي.'' إن الله كان بكل شيء عليماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا
الأية
33
 
{ قوله تعالى:'' ولكل جعلنا موالي'' أي: ولكل واحد من الرجال والنساء جعلنا موالي،أي: عصبة يعطون'' مما ترك الوالدان والأقربون ، { ، والوالدان والأقربون هم المورثون ، (وقيل: معناه ولكل جعلنا موالي أي: ورثة، مما ترك أي: من الذين تركهم ويكون ، { ما } ، بمعنى(من) ثم فسر'' الموالي ، { فقال: الوالدان والأقربون هم الوارثون.) '' والذين عقدت أيمانكم } ، قرأ أهل الكوفة { عقدت'' بلا ألف أي: عقدت لهم أيمانكم، وقرأ الآخرون: { عقدت أيمانكم ، { والمعاقدة: المحالفة والمعاهدة من والأيمان جمع يمين، من اليد والقسم ، وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد . ومحالفتهم أن الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من مال الحليف، وكان ذلك ثابتاً في ابتداء الإسلام فذلك قوله تعالى:'' فآتوهم نصيبهم } ، أي: أعطوهم حظهم من الميراث، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى'' وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } (الأحزاب-6). وقال إبراهيم ومجاهد: أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والرفد ولا ميراث ، وعلى هذا تكون هذه الآية غير منسوخة لقوله تعالى:'' أوفوا بالعقود } (المائدة-1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم فتح مكة } : لا تحدثوا حلفاً في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا فيه فإنه لم يزيده الإسلام إلا شدة }. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار حين قدموا المدينة وكان يتوارثون بتلك المؤاخاة دون الرحم، فلما نزلت'' ولكل جعلنا موالي ، { نسخت، ثم قال:'' والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ، { من النصر والرفادة والنصيحة ، وقد ذهب الميراث فيوصي له . وقال سعيد بن المسيب: كانوا يتوارثون بالتبني وهذه الآية فيه ثم نسخ.'' إن الله كان على كل شيء شهيداً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا
الأية
34
 
{ قوله عز وجل:'' الرجال قوامون على النساء ، { ، الآية ، { نزلت في سعد بن الربيع وكان من النقباء وفي امرأته حبيبة بن زيد بن أبي زهيرن قاله مقاتل، وقال الكلبي : امرأته حبيبة بنت محمد بن مسلمة ، وذلك إنها نشرت عليه فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم :لتقتص من زوجها، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فجاء جبريل عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم :ارجعوا هذا جبريل أتاني بشيء فأنزل الله هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم :أردنا أمراً وأراد الله أمراً ، والذي أراد الله خير ، { ورفع القصاص. قوله تعالى:'' الرجال قوامون على النساء'' أي: مسلطون على تأديبهن ، والقوام والقيم بمعنى واحد، والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب. '' بما فضل الله بعضهم على بعض } ، يعني: الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية، وقيل: بالشهادة،لقوله تعالى:'' فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } (البقرة - 282 ) وقيل: بالجهاد، وقيل: بالعبادات من الجمعة والجماعة،وقيل: هو أن الرجل ينكح أربعاً ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد ، وقيل: بأن الطلاق بيده، وقيل: بالميراث، وقيل: بالدية ، وقيل: بالنبوة. '' وبما أنفقوا من أموالهم } ، يعني: إعطاء المهر والنفقة، أخبرناأحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد ابن عيسى البرتي أنا أبو حذيفة أنا سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها }. قوله تعالى:'' فالصالحات قانتات'' ،أي: مطيعات'' حافظات للغيب } ، أي: حافظات للفروج في غيبة الأزواج ، وقيل: حافظات لسرهم'' بما حفظ الله } ، قرأ أبو جعفر { بما حفظ الله ، { بالنصب، أي: يحفظن الله في الطاعة ، وقراءة العامة بالفرع ، أي: بما حفظهن الله بإيصاء الأزواج بحقهن وأمرهم بأداء المهر والنفقة. وقيل: حافظات للغيب بحفظ الله ، أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله ابن فنجوية أخبرنا عمر بن الخطاب أنا محمد بن إسحاق المسوحي أنا الحارث بن عبد الله أنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرتك وإن أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها ، { ثم تلا:'' الرجال قوامون على النساء'' الآية. '' واللاتي تخافون نشوزهن } ، عصيانهن،وأصل النشوز: التكبر والارتفاع، ومنه النشز للموضع المرتفع،'' فعظوهن } ، ، بالتخويف من اللهو الوعظ بالقول،'' واهجروهن } ، يعني:إن لم ينزعن عن ذلك بالقول فاهجروهن'' في المضاجع } ، قال ابن عباس: يوليها ظهره في الفراش ولا يكلمها، وقال غيره: يعتزل عنها إلى فراش آخر،'' واضربوهن } ، يعني:إن لم ينزعن مع الهجران فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولا شائن، وقال عطاء: ضرباً بالسواك وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: '' حق المرأة أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت }. '' فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً } ، أي: لا تجنوا عليهن الذنوب، وقال ابن عيينة: لا تكلفوهن محبتكم فإن القلب ليس بأيديهن.'' إن الله كان علياً كبيراً } ، متعالياً من إن يكلف العباد مالا يطيقونه ، وظاهر الآية يدل على أن الزوج يجمع عليها بين الوعظ والهجران والضرب، فذهب بعضهم إلى ظاهرها وقال: إذا ظهر منها النشوز جمع بين هذه الأفعال ، وحمل الخوف في قوله'' واللاتي تخافون نشوزهن } ، على العلم كقوله تعالى:'' فمن خاف من موص جنفاً } (البقرة-182) أي :علم ،ومنهم من حمل الخوف على الخشية لا على حقيقة العلم، كقوله تعالى:'' وإما تخافن من قوم خيانةً } (الأنفال-58) وقال: هذه الأفعال على ترتيب الجرائم ، فإن خاف نشوزها بان ظهرت أمارته منها من المخاشنة وسوء الخلق وعظها،/ فإن أبدت النشوز هجرها، فإن أصرت على ذلك ضربها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا
الأية
35
 
{ قوله تعالى:'' وإن خفتم شقاق بينهما'' ،يعني: شقاقاً بين الزوجين،[والخوف بمعنى اليقين، وقيل: هو بمعنى الظن يعني: إن ظننتم شقاق بينهما. وجملته : أنه إذا ظهر بين الزوجين] شقاق واشتبه حالهما فلم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية وخرجا إلى مالا يحل قولاً وفعلاً بعث الإمام حكماً من أهله إليه وحكماً من أهلها إليها، رجلين حرين عدلين، ليستطلع كل واحد من الحكمين رأي من بعث إليه إن كانت رغبته في الوصلة أو في الفرقة ، ثم يجتمع الحكمان فينفذان ما يجتمع عليها رأيهما من الصلاح، فذلك قوله عز وجل :'' فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً } ، يعني: الحكمين،'' يوفق الله بينهما } ، يعني: بين الزوجين، وقيل: بين الحكمين،'' إن الله كان عليماً خبيراً }. [أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا الثففي عن أيوب عن ابن سيرين عن] عبيدة أنه قال في هذه الآية ، { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها } ، قال: جاء رجل وامرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومع كل أحد منهما فئام من النس ، فأمرهم علي رضي الله عنه فبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ثم قال للحكمين : أتدريان ما عليكما ؟ أن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، فقال الرجل: أما لا فرقة فلا ، فقال علي رضي الله عنه: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به. واختلف القول في جواز بعث الحكمين من غير رضا الزوجين: وأصح القولين أنه لا يجوز إلا برضاهما، ولي سلحكم الزوج أن يطلق دون رضاه، ولا لحكم المرأة أن يخالع على مالها إلا بإذنها ، وهو قول أصحاب الرأي لأن علياً رضي الله عنه ، حين قال الرجل: أما لا فرقة فلا ، قال: كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرب به. فثبت أن تنفيذ الأمر موقوف على إقرارة ورضاه. والقول الثاني: يجوز بعث الحكمين دون رضاهما، ويجوز لحكم الزوج أن يطلق دون رضاه ولحكم المرأة أن يخلق دون رضاها، إذا رأيا الصلاح ، كالحاكم يحكم بين الخصمين وإن لم يكن على وفق مرادهما، وبه قال مالك، ومن قال بهذا قال: ليس المراد من قول علي رضي الله عنه لرجل تقر: أن رضاه شرط ، بل معناه:أن المرأة رضيت بما في كتاب الله [فقال الرجل: أما الفرقة فلا ، يعني: الفرقة ليست في الكتاب الله ] فقال علي: كذبت حيث أنكرت أن الفرقة في كتاب الله ، بل هي في كتاب الله، [فإن قوله تعالى:'' يوفق الله بينهما ، { يشتمل على الفراق وغيره] لأن التوفيق أن يخرج كل واحد منهما من الوزر وذلك تارة يكون بالفرقة وتارةً بصلاح حالهما في الوصلة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
الأية
36
 
{ قوله تعالى:'' واعبدوا الله'' أي: وحدوه وأطيعوه،'' ولا تشركوا به شيئاً }[أخبرنا أبو حامد أحمد ابن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا علي أبو إسماعيل محمد بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي] عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: '' كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل تدري يا معاذ ما حق الله على الناس؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم ، قال : حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، أتدري يا معاذ ما حق الناس على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال:قلت الله ورسوله أعلم قال : فإن حق الناس على الله أن لا يعذبهم قال : قلت يا رسول الله ألا أبشر الناس قال دعهم يعملون ، { قوله تعالى:'' وبالوالدين إحساناً } ، براً بهما وعطفاً عليهما ، { وذي القربى } ، أي:أحسنوا بذي القربي،'' واليتامى والمساكين'' ،[أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمرو بن زرارة أنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل ابن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً }. [أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله ابن مبارك عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم] عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تمر عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وقرن بين أصبعيه؟ ، { قوله تعالى: { والجار ذي القربى'' أي: ذي القرابة،'' والجار الجنب } ، أي: البعيد الذي ليس بينك وبينه قرابة. [أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة عن أبي عمران الجوني قال: سمعت] طلحة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: '' يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك باباً ، { أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفراييني أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق أنا يزيد بن سنان أخبرنا عثمان بن عمر أخبرنا أبو عامر الخزاز عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : '' لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجة طلق، وإذا طبخت مرقةً فأكثر ماءها واغرف لجيرانك منها ، { أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد ابن إسماعيل أنا محمد بن منهال أنا يزيد بن زريع أنا عمر بن محمد عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه }. قوله تعالى:'' والصاحب بالجنب } ، يعني: الرفيق في لاسفر، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة وعكرمة وقتادة ، وقال علي وعبد الله والنخعي: هو المرأة تكون معه إلى جنبه ، وقال ابن جريج وابن زيد: هو الذي يصحبك رجاء نفعك. '' وابن السبيل } ، قيل: هو المسافر لأنه ملازم للسبيل، والأكثرون: على أنه الضيف ، أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفراييني أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق أنا شعيب بن عمرو الدمشقي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمعنافع بن جبير عن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' من كان يؤمن بالله واليوم الآخرفليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً لو ليصمت }. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام ، وما كان بعد ذلك فهو صدقة ، ولا يحل أن يثوي-أي: أن يقيم- عنده حتى يحرجه }. قوله تعالى:'' وما ملكت أيمانكم'' ،أي: المماليك أحسنوا إليهم ، أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو العباس الطحان أنا أبو أحمد محمد بن قريش أنا علي بن عبد العزيز الملكي أنا أبو عبيد القاسم ابن سلام أنا يزيد عن همام عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة رضي الله عنها { عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول في مرضه: الصلاة وما ملكت أيمانكم فجعل يتكلم وما يفيض بها لسانه }. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أنا محمد ابن إسماعيل أنا عمر بن حفص أنا أبي أنا الأعمش عن المعرور عن أبي ذر رضي الله عنه قال: { رأيت عليه برداً وعلى غلامه برد ، فقلت: لو أخذت هذا فلبسته كانا حلةً وأعطيته ثوباً آخر، فقال: كان بيني وبين رجل كلام وكانت أمة أعجمية فنلت منها فذكرني إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي أساببت فلاناً؟ قلت: نعم، قال: أفنلت أمة؟ قلت: نعم ، قال إنك امرؤ فيك جاهلية، قلت: على ساعتي هذه من كبر السن ؟ قال: نعم ، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا يكلفه من العمل ما يغلبه ، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه'' ؟ أخبرنا الإمام أبو الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر الزيادي أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر أنا سهل بن عمار أنا يزيد بن هارون أخبرنا صدقة بن موسى عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عن أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، { لا يدخل الجنة سيء الملكة }. '' إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً ، { المختال : المتكبر ، والفخور : الذي يفتخر على الناس بغير الحق تكبراً، ذكر هذا بعدما ذكر من الحقوق ، لأن المتكبر يمنع الحق تكبراً. أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر الزيادي أنا محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال: أنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة }. اخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن احمد أنا إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
الأية
37
 
{ الذين يبخلون } ، البخل في كلام العرب: منع السائل من فضل مالديه ، وفي الشرع: منع الواجب، { ويأمرون الناس بالبخل } ، وقرأ حمزة والكسائي'' بالبخل ، { بفتح الباء والخاء ، وكذلك في سورة الحديد ، وقرأ الآخرون بضم الباء وسكون الخاء، نزلت في اليهود بخلوا ببيان صفة محمد وكتموها. قال سعيد بن جبير: هذا في كتمان العلم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وابن زيد: نزلت في كردم بن زيد وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد ابن التابوت وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحري بن عمرو كانوا يأتون رجالاً من الأنصار ويخالطونهم فيقولون لا تنقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون فانزل الله تعالى هذه الآية: '' ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } ، يعني المال، وقيل: يعني يبتخلون بالصدقة'' وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا
الأية
38
 
{ والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } ، محل الذين نصب، عطفاً على الذين يبخلون ، وقيل: خفض عطفاً على قوله:'' وأعتدنا للكافرين'' نزلت في اليهود وقالالسدي: في المنافقين، وقيل: في مشركي مكة/ المتفقين على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم . '' ومن يكن الشيطان له قريناً } ، صاحباً وخليلاً'' فساء قريناً } ، أي: فبئس الشيطان قريناً وهو نصب على التفسير ، وقيل: على القطع بإلقاء الألف واللام كما تقول: نعم رجلاً عبد الله، وكما قال تعالى:'' بئس للظالمين بدلاً } (الكهف-50) { ساء مثلاً } (الأعراف -177).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا
الأية
39
 
{ وماذا عليهم } ، أي: ما الذي عليهم وأي شيء عليهم؟'' لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا
الأية
40
 
{ إن الله لا يظلم مثقال ذرة ، { أدخل ابن عباس يده في التراب ثم نفخ فيها وقال: كل واحد من هذه الأشياء ذرة ، والمراد أنه لا يظلم . لا قليلاً ولا كثيراً] ونظمه: وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الاخر وأنفقوا فإن الله لا يظلم أي: لا يبخس ولا ينقص أحداً من ثواب عمله مثقال ذرة، وزن ذرة، والذرة: هي النملة الحمراء الصغيرة وقيل: الذر أجزاء الهباء في الكوة وكل جزء منها ذرة ولا يكون لها وزن ، وهذا مثل ، يريد : إن الله لا يظلم شيئاً، كما قال في آية أخرى: { إن الله لا يظلم مثقال ، { يونس-44). أخبرنا عبد الواحد المليحي أن أبو كبر بن محمد المزني أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد أنا الحسين بن الفضل البجلي انا عفان أنا همام انا قتادة عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { إن الله لايظلم المؤمن حسنةً ، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزي بها في الآخرة قال: وأما الكفار فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيراً }. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو الطيب الربيع بن محمد بن أحمد بن حاتم البزار الطوسي أنا أحمد ابن محمد بن الحسن أن محمد بن يحيى حدثهم ، اخبرنا عبد الرزاق وأخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أخبرنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أنا عبد الرزاق أنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا ، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال: فيقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار، قال: فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه فيخرجونهم ، فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا ، قال: ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان ، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتى يقول: من كان في قلبه مثقال ذرة ، قال أبو سعيد رضي الله عنه: فمن لم يصدق هذا فليقرأ هذه الآية } : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ، { قال: فيقولون ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق في النار أحد فيه خير ، ثم يقول الله عز وجل: شفعت الملائكة ، وشفعت الأنبياء، وشفع المؤمنين ، وبقي أرحم الراحمين ، قال: فيقبض قبضة من النار، أو قال: قبضتين لم يعملوا لله خيراً قط قد احترقوا حتى صاروا حمماً فيؤتى بهم إلى ماء يقال له : ماء الحياة فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، قال: فتخرج أجسادهم مثل اللؤلؤ في أعناقهم الخاتم: عتقاء الله فيقال لهم : ادخلوا الجنة فما تمنيتم او رأيتم من شيء فهو لكم، قال فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين قال: فيقول فإن لكم أفضل منه ، فيقولون : ربنا وما أفضل من ذلك؟ فيقول: رضاي عنكم فلا أسخط عليكم أبداً }. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد بن الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله بن الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن ليث بن سعد حدثني عامر بن يحيى عن أبي عبد الرحمن المعافري ثم الجيلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعةً وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول الله :أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول: لا يارب، فيقول: أفلك عذر أو حسنة؟ فبهت الرجل، قال: لا يارب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وأنه لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فيقول: احضر وزنك ، فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول:إنك لا تظلم ، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، قال: فلا يثقل مع اسم الله شيء ، { وقال قوم : هذا في الخصوم. وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم نادى مناد ألا من كان يطلب مظلمة فيجىء إلى حقه فليأخذه ، فيفرح المرء أن يذوب له الحق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه، فيأخذ منه وإن كان صغيراً، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى:'' فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، { ، ويؤتى بالعبد فينادي مناد على رؤوس الأولين والآخرين : هذا فلان ابن فلان فمن كان له عليه حق فليأت إلى حقه فيأخذه ، ويقال آت هؤلاء حقوقهم ، فيقول: يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا، فيقول الله عز وجل لملائكته انظروا في أعماله الصالحة فأعطوهم منها فإن بقي مثقال ذرة من حسنة قالت الملائكة: يا ربنا بقى له مثقال ذرة من حسنة ، فيقول: ضعفوها لعبدي وادخلوه بفضل رحمتي الجنة. ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى:'' إن الله لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنةً يضاعفها } ، وإن كان عبداً شقياً قالت الملائكة : إلهنا فنيت حسناته وبقي طالبون؟ فيقول الله عز وجل: خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ، ثم صكوا له صكاً إلى النار. فمعنى الآية على هذا التأويل :أن الله لا يظلم مثقال ذرة للخصم على الخصم بل أخذ له منه ولا يظلم مثقال ذرة تبقى له بل يثيبه عليها ويضعفها له ، فذاك قوله تعالى: { وإن تك حسنةً يضاعفها } ، قرأ أهل الحجاز ، { حسنة ، { بالرفع،أي: وإن توجد حسنة، وقرأ الآخرون بالنصب على معنى: وإن تك زنة الذرة حسنةً يضاعفها،أي: يجعلها أضعافاً كثيرة. { ويؤت من لدنه أجرا عظيما } ، قال أبو هريرة رضي الله عنه: إذا قال الله تعالى أجراً عظيماً فمن يقدر قدره؟.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا
الأية
41
 
{ قوله تعالى: { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد'' ،[أي: فكيف الحال وكيف يصنعون إذا جئنا من كل امة بشهيد] يعني: نبيها يشهد عليهم بما عملوا،'' وجئنا بك } ، يا محمد'' على هؤلاء شهيداً ، { شاهداً تشهد على جميع الأمم على من رآه وعلى من لم يره. أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن يوسف أنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { اقرأ علي، قلت: يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم فقرأت سورة النساء حتى إذا أتيت هذه الآية ، { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ، { قال حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا
الأية
42
 
{ قوله عز وجل:'' يومئذ } ، أي يوم القيامة،'' يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض } ، قرأ أهل المدينة وابن عامر'' تسوى ، { بفتح التاء وتشديد السين على معنى تتسوى ، فأدغمت التاء الثانية في السين ، وقرا حمزة والكسائي بفتح التاء وتخفيف السين على حذف تاء الفعل كقوله تعالى { لا تكلم نفس إلا بإذنه } (هود-11) وقرأ الباقون بضم التاء وتخفيف السين على المجهول،أي: لو سويت بهم الأرض وصاروا هم والأرض شيئاً واحداً. وقال قتادة وأبو عبيدة: يعني لو تخرقت الأرض فساخوا فيها وعادوا إليها ثم تسوى بهم ، أي: عليهم الأرض . وقيل: ودوا لو أنهم لم يبعثوا لأنهم إنما نقلوا من التراب، وكانت الأرض مستويةً عليهم. وقال الكلبي: يقول الله عز وجل للبهائم والوحوش والطير والسباع: كونوا تراباً فتسوى بهن الأرض، فعند ذلك يتمنى الكافر أن لو كان تراباً كما قال الله تعالى: { ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا } (النبأ-40). '' ولا يكتمون الله حديثاً ، { قال عطاء: ودوا لو تسوى بهم الأرض وأنهم لم يكونوا كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا نعته قال الآخرون : بل هو كلام مستأنف، يعني : ولا يكتمون الله حديثاً لأن ما عملوا لا يخفى على الله ولا يقدرون على كتمانه . وقال الكلبي وجماعة: '' ولا يكتمون الله حديثاً ، { لأن جوارحهم تشهد عليهم. قال سعيد بن جبير: قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما :إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، قال: هات ما اختلف عليك ، قال } : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } (المؤمنون-101) { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } (الطور-25) وقال:'' ولا يكتمون الله حديثاً'' ،'' والله ربنا ما كنا مشركين } (الأنعام -23) كتموا وقال:'' أم السماء بناها } ، قوله تعالى:'' والأرض بعد ذلك دحاها'' فذكر خلق السماء قبل الأرض ، قم قال: { أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } ، إلى قوله :'' طائعين } (فصلت 9-11) . في هذه الآية خلق الأرض قبل السماء، وقال: '' وكان الله غفوراً رحيماً } '' وكان الله عزيزاً حكيماً ، { فكأنه كان ثم مضى؟. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: فلا انساب بينهم في النفخة الأولى قال الله تعالى:'' ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله } (الزمر(68) فلا أنساب عند ذلك ولا يتساءلون ، ثم النفخة الآخرة { أقبل بعضهم على بعض يتساءلون } ،وأما قوله:'' ما كنا مشركين }'' ولا يكتمون الله حديثاً ، { فإن الله بغفر لأهل الأخص ذنوبهم ، فيقول المشركون : تعالوا نقل لم نكن مشركين ، فيختم على أفواههم وتنطق أيديهم فعند ذلك عرف أن الله لايكتم حديثاً ، وعنده { يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض } ، { خلق الأرض في يومين ، { ، ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض ، ودحيها : أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فقال: خلق الأرض في يومين فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وخلقت السموات في يومين ،'' وكان الله غفوراً رحيماً } ، أي: لم يزل كذلك، فلا يختلف عليك القرآن فإن كلاً من عند الله. وقال الحسن: إنها مواطن ، ففي موطن لايتكلمون ولا تسمع إلا همساً، وفي موطن يتكلمون ويكذبون ويقولون: ما كنا مشركين، وما كنا نعمل من سوء وفي موضع يعترفون على أنفسهم وهو قوله { فاعترفوا بذنبهم ، { وفي موضع لا يتساءلون ، وفي موطن يسألون الرجعة، وآخر تلك المواطن أن يختم على أفواههم وتتكلم جوارحهم ، وهو قوله تعالى:'' ولا يكتمون الله حديثاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا
الأية
43
 
{ قوله عز وجل:'' يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، { الآية، والمراد من السكر: السكر من الخمر، عند الأكثرين، وذلك ان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه صنع طعاماً ودعا ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واتاهم بخمر فشربوها قبل تحريم الخمر وسكروا فحضرت صلاة المغرب فقدموا رجلاً ليصلي بهم فقرأ'' قل يا أيها الكافرون ، { أعبد ما تعبدون ، بحذف (لا) هكذا إلى آخر السورة ،فانزل الله تعالى هذه الآية، فكانوا بعد نزول هذه الآية يجتنبون السكر أوقات الصلوات حتى نزل تحريم الخمر. وقال الضحاك بن مزاحم:أراد به سكر النوم ، نهى عن الصلاة عند غلبة النوم ، أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن احمد أنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن المغلس أنا هارون بن إسحاق الهمذاني أخبرنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه }. قوله تعالى: { حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنباً } ، نصب على الحال، يعني: ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنب يقال: رجل جنب وامرأة جنب، ورجال جنب ونساء جنب. وأصل الجنابة : البعد ، وسمي جنباً لأنه يتجنب موضع الصلاة، أو لمجانبته الناس وبعده منهم، حتى يغتسل. قوله تعالى:'' إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ، { ، اختلفوا في معناه، فقالوا :[إلا أن تكونوا مسافرين ولا تجدون الماء فتيمموا ، منع الجنب من الصلاة حتى يغسل] إلا أن يكون في سفر ولا يجد ماء فيصلي بالتيمم، وهذا قول علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد رضي الله عنهم. وقال الآخرون : المراد من الصلاة موضع الصلاة ، كقوله تعالى:'' وبيع وصلوات } (الحج -40)، ومعناه: لاتقربوا المسجد وأنتم جنب إلا مجتازين فيه للخروج منهن مثل أن ينام في المسجد فيجنب أو تصيبه جنابة والماء في المسجد أو يكون طريقه عليه، فيمر فيه ولا يقيم وهذا قول عبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيب والضحاك والحسن وعكرمة والنخعي والزهري، وذلك أن قوماً من الأنصار كانت أبوابهم من المسجد فتصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم ولا ممر لهم إلا في المسجد ، فرخص لهم في العبور. واختلف أهل العلم فيه: فأباح بعضهم المرور فيه على الإطلاق ، وهو قول الحسن وبه قال مالك والشافعي رحمهم الله ، ومنع بعضهم على الإطلاق وهو قول أصحاب الرأي، وقال بعضهم: يتيمم للمرور فيه. أما المكث فلا يجوز عند أكثر أهل العلم لما روينا عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ، { وجوز أحمد المكث فيه وضعف الحديث لأن رواية مجهول ، وبه قال المزني. ولا يجوز للجنب الطواف كما لا يجوز له الصلاة ولا يجوز له قراءة القرآن ، اخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة أخبرني عمرو ابن مرة قال سمعت عبد الله بن سلمة يقول: دخلت على علي رضي الله عنه فقال: '' كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي الحاجة ويأكل معنا اللحم ويقرأ القرآن وكان لا يحجبه أو لا يحجزه عن قراءة القرآن شيء إلا الجنابة ، { وغسل الجنابة يجب بأحد الأمرين :إما بنزول المني أو بالتقاء الختانين ، وهو تغييب الحشفة في الفرج وان لم ينزل، وكان الحكم في الابتداء أن من جامع امرأته فأكسل لا يجب عليه الغسل ثم صار منسوخاً. اخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن علي بن زيدعن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة رضي الله عنها عن التقاء الختانين فقالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' إذا التقى الختانان ، أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل }. قوله تعالى:'' وإن كنتم مرضى } ، جمع مريض، وأراد به مريضاً يضره إمساس الماء مثل الجدري ونحوه،أو كان على موضع طهارته جراحة يخاف من استعمال الماء فيها التلف او زيادة الوجع، فإنه يصيلي بالتيمم وإن كان الماء موجوداً ، وإن كان بعض أعضاء طهارته صحيحاً والبعض جريحاً غسل الصحيح منها وتيمم للجريح ، لما أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشانيأنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي أنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني أنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي أنا محمد بن سلمة عن الزبير بن خريق عن جابر بن عبد الله قال: { خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه ، فاحتلم فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم الله ، ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب- شك الراوي-/ على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده ، { ولم يجوز أصحاب الرأي الجمع بين التيمم والغسل ، وقالوا:إن كان أكثر أعضائه صحيحاً غسل الصحيح ولا يتيمم عليه ، وإن كان الأكثر جريحاً اقتصر على التيمم. والحديث حجة لمن أوجب الجمع بينهما. قوله تعالى: { أو على سفر ، { أراد أنه إذا كان في سفر طويلاً كان أو قصيراً، وعدم الماء فإنه يصلي بالتيمم ولا إعادة عليه، لما روي عن أبي ذر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشره }. أما إذا لم يكن الرجل مريضاً ولا في سفر لكنه عدم الماء في موضع لا يعدم فيه الماء غالباً بأن كان في قرية انقطع ماؤها فإنه يصلي بالتيمم ثم يعيد إذا قدر على الماء عند الشافعي ، وعند مالك والأوزاعي لا إعادة عليهن وعند أبي حنيفة رضي الله عنه يؤخر الصلاة حتى يجد الماء. قوله تعالى: { أو جاء أحد منكم من الغائط ، { ، أراد به إذا أحدث، والغائط :اسم للمطمئن من الأرض ، وكانت عادة العرب إتيان الغائط للحدث فكني عن الحدث بالغائط ، { أو لامستم النساء ، { ، قرأ حمزة والكسائي ، { لامستم ، { ها هنا وفي المائدة ، وقرأ الباقون ، { لامستم النساء }. واختلفوا في معنى اللمس والملامسة، فقال قوم: المجامعة ن وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة، وكني باللمس[ عن الجماع لأن الجماع لا يحصل إلا باللمس]. وقال قوم : هما التقاء البشرتين سواء كان بجماع أو غير جماع ن وهو قول ابن مسعود وابن عمر، والشعبي والنخعي. واختلف الفقهاء في حكم الآية فذهب جماعة إلى أنه إذا أفضى الرجل بشيء من بدنه إلى شيء من بدن المرأة ولا حائل بينهما ، ينتقض وضوؤهما، وهو قول ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما، وبه قال الزهري والأوزاعي والشافعي رضي الله عنهم. وقال مالك والليث بن سعد واحمد وإسحاق :إن كان اللمس بشهوة نقض الطهر، وإن لم يكن بشهوة فلا ينتقض. وقال قوم: لا ينتقض الوضوء باللمس بحال، وهو قول ابن عباس وبه قال الحسن والثوري. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا ينتقض إلا أن يحدث الانتشار. واحتج من لم يوجب الوضوء باللمس بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: { كنت أنام بين يدي رسول الله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتهما ، قالت والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح }. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أن أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : { كنت نائمةً إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففقدته من الليل فلمسته بيدي فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد وهو يقول: أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك }. واختلف قول الشافعي رضي الله عنه فيما لو لمس امرأة من محارمه كالأم والبنت والأخت أو لمس أجنبية صغيرة، أصح القولين أنه لا ينقض الوضوء لأنها ليست بمحل الشهوة كما لو لمس رجلاً. واختلف قوله في انتقاض وضوء الملموس على قولين، أحدهما: ينتقض لاشتراكهما في الالتذاذ كما يجب الغسل عليهما بالجماع، والثاني: لا ينتقض لحديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت : فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد. ولو لمس شعر امرأة أو سنها أو ظفرها لا ينتقض وضوءه عنده. واعلم أن المحدث لا تصح صلاته مالم يتوضأ إذا وجد الماء أو يتيمم إذا لم يجد الماء . أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أخبرنا أبو طاهر الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف المسلي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ }. والحدث هو خروج الخارج من أحد الفرجين عيناً كان أو أثراً، والغلبة على العقل بجنون أو إغماء على أي حال كان، وأما النوم فمذهب الشافعي رضي الله عنه انه يوجب الوضوء إلا أن ينام قاعداً متمكناً فلا وضوء عليهن لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز الخلال أنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أنا الشافعي أنا الثقة عن حميد الطويل عن أنس رضي الله عنهما قال: { كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون ، أحسبه قال قعوداً حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون و لا يتوضؤون }. وذهب قوم إلى النوم يوجب الوضوء بكل حال وهو قول أبي هريرة رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها ، وبه قال الحسن وإسحاق والمزني، وذهب قوم إلى أنه لو نام قائماً أو قاعداً أو ساجداً فلا وضوء عليه حتى ينام مضطجعاً وبه قال الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي. واختلفوا في مس الفرج من نفسه أو من غيره فذهب جماعة إلى أنه يوجب الوضوء وهو قول عمر وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنها ، وبه قال سعيد بن المسيب وسليمان ابن يسار، وعروة بن الزبير ، وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي ، وأحمد وإسحاق، وكذلك المرأة تمس فرجها، غير أن الشافعي رضي الله عنه يقول لا ينتقض إلا أن يمس ببطن الكف او بطون الأصابع. واحتجوا بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم انه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء ، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت ذلك ، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان ،أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:'' إذا مس أحدكم ذكره فليتوضاً }. وذهب جماعة إلى انه لا يوجب الوضوء، روي ذلك عن علي وابن مسعودوأبي الدرداء وحذيفة وبه قال الحسن ، وإليه ذهب الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي. واحتجوا بما روي عن طلق بن علي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مس الرجل ذكره ، فقال: هل هو إلا بضعة منك؟ ويروي ( هل هو إلا بضعة أو مضغة منه)". ومن أوجب الوضوء منه قال: هذا منسوخ بحديث بسرة لأن أبا هريرة يروي أيضاً: أن الوضوء من مس الذكر وهو متأخر الإسلام وكان قدوم طلق بن علي على رسول الله/ صلى الله عليه وسلم أول زمن الهجرة حين كان يبني المسجد. واختلفوا في خروج النجاسة من غير الفرجين بالفصد والحجامة وغيرهما من القيء ونحوه، فذهب جماعة إلى أنه لا يوجب الوضوء، روي ذلك عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس، وبه قال عطاء وطاووس والحسن وسعيد بن المسيب وإليه ذهب مالك والشافعي. وذهبت جماعة إلى غياب الوضوء بالقيء والرعاف والفصد والحجامة منهم سفيان الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق . واتفقوا على أن القليل منه وخروج الريح من غير السبيلين لا يوجب الوضوء ولو أوجب الوضوء كثيرة لأوجب قليله كالفرج. '' فلم تجدوا ماء فتيمموا } ، اعلم أن التيمم من خصائص هذه الأمة ، روى حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً ، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء }. وكان بدء التيمم ما أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنه فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال : أحبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت : فعاتبني أبو بكر رضي الله عنه وقال ماشاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم { فتيمموا ، { فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء: ماهذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت عائشة رضي الله عنا : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته }. وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبيد بن إسمعيل أنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : { أنها استعارت من أسماء قلادةً فهلكت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه فنزلت آية التيمم. فقال أسيد بن حضير: جزاك الله خيراً فوا الله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجاً وجعل للمسلمين فيه بركة }. '' فتيمموا'' ،أي: اقصدوا،'' صعيداً طيباً'' ،أي: تراباً طاهراً نظيفاً، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الصعيد هو التراب. واختلف أهل العلم فيما يجوز به التيمم، فذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى انه يختص بما يقع لعيه اسم التراب مما يعلق باليد منه غبار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' وجعلت تربتها لنا طهوراً }. وجوز اصحاب الرأي التيمم بالزرنيخ والجص والنورة وغيرها من طبقات الأرض ، حتى قالوا: لو ضرب يديه على صخرة لا غبار عليها أو على التراب ثم نفخ فيه حتى زال كله فمسح به وجهه ويديه صح تيممه ، وقالوا: الصعيد وجه الأرض، لما روي عن جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً }. وهذا مجمل ، وحديث حذيفة في تخصيص التراب مفسر، والمفسر من الحديث يقضي على المجمل. وجوز بعضهم التيمم بكل ما هو متصل بالأرض من شجر ونبات ، ونحوهما وقال:إن الصعيد اسم لما تصاعد على وجه الأرض. والقصد إلى التراب شرط لصحة التيمم، لأن الله تعالى قال } : فتيمموا } ، والتيمم : القصد ، حتى لو وقف في مهب الريح فأصاب الغبار وجهه ونوى لم يصح. قوله تعالى: { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفواً غفوراً ، { اعلم أن سمح الوجه واليدين واجب في التيمم ، واختلفوا في كيفيته : فذهب اكثر أهل العلم إلى أنه يمسح الوجه واليدان مع المرفقين، بضربتينن يضرب كفيه على التراب فيمسح جميع وجهه ، ولا يجب إيصال التراب إلى ما تحت الشعور، ثم يضرب ضربةً أخرى فيمسح يديه إلى المرفقين ، لما اخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن أبي الصمة قال: { مررت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علي حتى قام إلى جدار فحته بعصاً كانت معه، ثم وضع يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم رد علي { ففيه دليل على وجوب مسح اليدين إلى المرفقين كما يجب غسلهما في الوضوء إلى المرفقين، ودليل على أن التيمم لا يصح ما لم يعلق باليد غبار التراب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حت الجدار بالعصا، ولو كان مجرد الضرب كافياً لما كان حته. وذهب الزهري إلى انه يمسح اليدين إلى المنكبين لما روي عن عمار أنه قال : '' تيممنا إلى المناكب }. وذلك حكاية فعله لم ينقله عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روي أنه قال: { أجنبت فتمعكت في التراب فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوجه والكفين }. وذهب جماعة إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين وهو قول علي وابن عباس رضي الله عنهم،وبه قال الشعبي وعطاء بن أبي رباح ومكحول ، وإليه ذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، واحتجوا بما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا احمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا آدم أنا شعبة اخبرنا الحكم عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبزي عن أبيه قال: { جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إني أجنبت فلم أصب الماء فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم :إنما كان يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه }. وقال محمد بن إسماعيل أن محمد بن كثير عن شعبة بإسناده فقال عمار لعمر رضي الله عنه: { تمعكت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يكفيك الوجه والكفان }. وفي الحديث دليل على الجنب إذا لم يجد الماء يصلي بالتيمم ، وكذا الحائض والنفساء إذا طهرتا وعدمتا الماء. وذهب عمر وابن مسعود رضي الله عنهما إلى أن الجنب لا يصلي / بالتيمم بل يؤخر الصلاة إلى أن يجد الماء فيغتسل، وحملا قوله تعالى:'' أو لامستم النساء ، { على اللمس باليد دون الجماع، وحديث عمار رضي الله عنه حجة ، وكان عمر نسي ما ذكر له عمار فلم يقنع بقوله . وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه رجع عن قوله وجوز التيمم للجنب ،والدليل عليه أيضاً : ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن احمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا إبراهيم بن محمد عن عياد بن منصور عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين رضي الله عنهم { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا كان جنباً أن يتيمم ثم يصلي فإذا وجد الماء اغتسل }. وأخبرنا عمر بن عبد العزيز أنا أبو القاسم بن جعفر الهاشمي أنا أبو علي اللؤلؤي أنا أبو داود السجستاني أنا مسدد أنا خالد الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي عمرو بن بجدان عن أبي ذر رضي الله عنهم قال: '' اجتمعت غنيمة من الصدقة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا ابا ذر ابد فيها ، فبدوت إلى الربذة وكانت تصيبني الجنابة فامكث الخمس والست ، فاتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك فإن ذلك خير }. ومسح الوجه واليدين في التيمم ، تارة يكون بدلاً من غسل جميع البدن في حق الجنب والحائض والنفساء واليمت، وتارة يكون بدلاً عن غسل الأعضاء الأربع في حق المحدث، وتارة يكون بدلاً عن غسل بعض أعضاء الطهارة ، بأن يكون على بعض أعضاء طهارته جراحة لا يمكنه غسل محلها ، فعليه أن يتيمم بدلاً عن غسله. ولا يصح التيمم لصلاة الوقت إلا بعد دخول الوقت ، ولا يجوز أن يجمع بين فريضتين بتيمم واحد ، لأن الله تعالى قال:'' إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ، { إلى أن قال: { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً ، { ، ظاهر الآية يدل على وجوب الوضوء أو التيمم إذا لم يجد الماء عند كل صلاة ، إلا أن ادليل قد قام في الوضوء فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم فتح مكة الصلوات بوضوء واحد، فبقي التيمم على ظاهره ، وهذا قول علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ، وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وذهب جماعة إلى ان التيمم كالطهارة بالماء يجوز تقديمه على وقت الصلاة، ويجوز أن يصلي به ما شاء من الفرائض ما لم يحدثن وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والزهري والثوري وأصحاب الرأي. واتفقوا على أنه يجوز ان يصلي بتيمم واحد مع الفريضة ما شاء من النوافل، قبل الفريضة وبعدها، وان يقرأ القرآن إن كان جنباً ، وإن كان تيممه بعذر السفر وعدم الماء فيشترط طلب الماء، وهو ان يطلبه من رحله ورفقائه. وإن كان في صحراء لا حائل دون نظره ينظر حواليه، وإن كان دون نظره حائل قريب من تل أو جدار عدل عنه، لأن الله تعالى قال: { فلم تجدوا ماء فتيمموا ، { ، ولا يقال: لم يجد الماء:إلا لمن طلب. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه : طلب الماء ليس بشرط ، فإن رأي الماء ولكن بينه وبين الماء حائل من عدو أو سبع يمنعه من الذهاب إليه ، أو كان الماء في البئر وليس معه آلة الاستقاء ، فهو كالمعدوم ، يصلي بالتيمم ولا إعادة عليه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ
الأية
44
 
{ قوله عز وجل ، { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } ، يعني: يهود المدينة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في رفاعة بن زيد ومالك بن دخشم ، كان إذا تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لويا بألسنتهما وعاباه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، { يشترون ، { يستبدلون،'' الضلالة'' ،يعني: بالهدى،'' ويريدون أن تضلوا السبيل } ، أي: عن السبيل يا معشر المؤمنين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا
الأية
45
 
{ والله أعلم بأعدائكم ، { منكم، فلا تستنصحوهم فإنهم أعداؤكم،'' وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً ، { قال الزجاج: معناه اكتفوا بالله ولياً واكتفوا بالله نصيراً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا
الأية
46
 
{ من الذين هادوا ، { ، قيل: هي متصلة بقوله { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } '' من الذين هادوا ، { وقيل: هي مستأنفة ، معناه: من الذين هادوا من يحرفون، كقوله تعالى'' وما منا إلا له مقام معلوم } (الصافات-164) أي: من له مقام معلوم، يريد : فريق،'' يحرفون الكلم } ، يغيرون الكلم'' عن مواضعه } ، يعني: صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت اليهود يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن الأمر ، فيخبرهم ، فيرى أنهم يأخذون بقوله، فإذا انصرفوا من عنده حرفوا كلامه،'' ويقولون سمعنا } ، قولك،'' وعصينا ، { ، أمرك، { واسمع غير مسمع'' ،أي: اسمع منا ولا نسمع منك،'' غير مسمع } ، أي: غير مقبول منك ، وقيل: كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : اسمع ، ثم يقولون في انفسهم: لا سمعت،'' وراعنا'' أي: ويقولون راعنا، يريدون به النسبة إلى الرعونة،'' لياً بألسنتهم ، { ، تحريفاً،'' وطعناً } ، قدحاً { في الدين'' ،أن قوله: وراعنا من المراعاة ، وهم يحرفونه، يريدون به الرعونة،'' ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا } ، أي : انظر إلينا مكان قولهم راعنا،'' لكان خيراً لهم وأقوم ، { ،أي أعدل وأصوب ،'' ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً'' إلا نفراً قليلاً منهم ، وهو عبد الله بن سلام ومن أسلم معه منهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا
الأية
47
 
{ قوله عز وجل:'' يا أيها الذين أوتوا الكتاب } ، يخاطب اليهود،'' آمنوا بما نزلنا'' يعني: القرآن ، { مصدقاً لما معكم ، { ،يعني: التوراة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم أحبار اليهود: عبد الله بن صوريا وكعب بن الأشرف ، فقال : يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا ، فو الله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق ، قالوا: ما نعرف ذلك ، وأصروا على الكفر، فنزلت هذه الآية. '' من قبل أن نطمس وجوهاً ، { ، قال ابن عباس : نجعلها كخف البعير، وقال قتادة والضحاك: نعميها ، والمراد بالوجه العين ،'' فنردها على أدبارها } ، أي: نطمس الوجه فنرده على القفا، وقيل: نجعل الوجوه منا بت الشعر كوجوه القردة، لأن منابت شعور الآدميين في أدبارهم دون وجوههم ، وقيل: معناه نمحو آثارها وما فيها من أنف وعين وفم وحاجب فنجعلها كالأقفاء ، وقيل: نجعل عينيه على القفا فيمشي قهقري. روي أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه لما سمع هذه الآية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي أهله ، ويده على وجهه ، وأسلم وقال: يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفاي، وكذلك كعب الأحبار لما سمع هذه الآية أسلم في زمن عمر رضي الله عنه،فقال: يا رب آمنت ، يا رب أسلمت ، مخافة أن يصيبه وعيد هذه الآية. فإن قيل: قد أوعدهم بالطمس إن لم يؤمنوا ثم لم يؤمنوا ولم يفعل بهم ذلك ؟. قيل: هذا الوعيد باق، ويكون طمس ومسخ في اليهود قبل قيام الساعة. وقيل: كان هذا وعيداً بشرط ن فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه رفع ذلك عن الباقين. وقيل: أراد به القيامة، وقال مجاهد/ أراد بقوله:'' نطمس وجوهاً'' أي: نتركهم في الضلالة، فيكون المراد طمس وجه القلب، ولارد عن بصائر الهدى على أدبارها في الكفر والضلالة. وأصل الطمس : المحو والإفساد والتحويل، وقال ابن زيد: نمحو آثارهم من وجوههم ونواحيهم التي هم بها، فنردها على أدبارهم حتى يعودوا إلى حيث جاؤوا منه بدءاً وهو الشام ، وقال: قد مضى ذلك، وتأوله في إجلاء بني النضير إلى أذرعات واريحاء من الشام'' أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت } ، فنجعلهم قردة وخنازير،'' وكان أمر الله مفعولاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا
الأية
48
 
{ إن الله لا يغفر أن يشرك به } ، قال الكلبي: نزلت في وحشي بن حرب وأصحابه ، وذلك انه لما قتل حمزة كان قد جعل له على قتله أن يعتق فلم يوف له بذلك، فلما قدم مكة ندم على صنيعه هو وأصحابه فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :أنا قد ندمنا على الذي صنعنا وانه ليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا سمعناك تقول وأنت بمكة: { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر'' الآيات(الفرقان-68) وقد دعونا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التي حرم الله وزنينا، فلولا هذه الآيات لاتبعناك ، فنزلت:'' إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً ، { الآيتين،(الفرقان-70-71) فبعث بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، فلما قرؤوا كتبوا إليه:إن هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملاً صالحاً، فنزل } : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، { ، فبعث بها إليهم فبعثوا إليه:إنا نخاف أن لا نكون من أهل المشيئة فنزلت: '' قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } (الزمر-53) ، فبعث بها إليهم فدخلوا في الإسلام ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل منهم، ثم قال لوحشي: أخبرني كيف قتلت حمزة؟ فلما اخبره قال: ويحك غيب وجهك عني، فلحق وحشي بالشام فكان بها إلى أن مات. وقال أبو مجلز عن ابن عمر رضي الله عنه لما نزلت: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ، { الآية قام رجل فقال: والشرك يا رسول الله ، فسكت ثم قام إليه مرتين أو ثلاثاً فنزلت { إن الله لا يغفر أن يشرك به }. وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: قال ابن عمر رضي الله عنه: كنا على عهد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل على كبية شهدنا انه من اهل النار حتى نزلت هذه الآية'' إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، { فامسكنا عن الشهادات. حكي عن علي رضي الله عنه أن هذه الآية أرجى آية في القرآن { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }. '' ومن يشرك بالله فقد افترى } ، اختلق،'' إثماً عظيماً } ، أخبرنا احمد بن عبد الله الصالحي أنا أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد أنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال :'' أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة،ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار }. اخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أخبرنا أبو معمر أنا عبد الوارث عن الحسين يعني: المعلم عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر حدثه أن أبا الأسود الدؤلي حدثه أن أبا ذر حدثه قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب ابيض وهو نائم ، ثم أتيته وقد استيقظ فقال:ما من عبد قال: لا إله إلا الله ، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق قلت : وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر ، { ، وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا
الأية
49
 
{ قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم'' الآية، قال الكلبي: { نزلت في رجال من اليهود منهم بحري بن عمرو والنعمان بن أوفى ومرحب بن زيد، أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هل على هؤلاء من ذنب؟ فقال: لا ، قالوا: ما نحن إلا كهيئتهم، ما عملنا بالنهار يكفر عنا بالليل، وما عملنا بالليل يكفر عنا بالنهار، فأنزل الله تعالى هذه الآية }. وقال مجاهد وعكرمة: كانوا يقدمون أطفالهم في الصلاة ، يزعمون أنهم لا ذنوب لهم فتلك التزكية. وقال الحسن والضحاك وقتادة ومقاتل: نزلت في اليهود والنصارى حين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } (البقرة-111) وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : هو تزكية بعضهم لبعض ، روى طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال: إن الرجل ليغدو من بيته ومع دينه فيأتي الرجل لا يملك له ولا لنفسه ضراً ولا نفعاً فيقول: والله إنك كيت وكيت ويرجع إلى بيته وما معه من دينه شيء ، ثم قرأ: { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } ، الآية. قوله تعالى: { بل الله يزكي'' أي: يطهر ويبرىء من الذنوب ويصلح،'' من يشاء ولا يظلمون فتيلاً ، { وهو اسم لما في شق النواة، والقطمير اسم للقشرة التي على النواة ، والنقير اسم للنقطة التي على ظهر النواة، وقيل : الفتيل من الفتل وهو ما يجعل بين الأصبعين من الوسخ عند الفتل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُبِينًا
الأية
50
 
{ قوله تعالى:'' انظر ، { يا محمد ،'' كيف يفترون على الله } ، يختلقون على الله،'' الكذب ، { ، في تغييرهم كتابه،'' وكفى به } ، بالكذب'' إثماً مبيناً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا
الأية
51
 
{ قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } ، اختلفوا فيهما فقال عكرمة: هم صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله ، وقال أبو عبيدة: هما كل معبود يعبد من دون الله . قال الله تعالى ، { أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } (النحل-36) ، وقال عمر: الجبت: الكاهن ، والطاغوت : الساحر . وقال سعيد بن جبير وأبو العالية: الجبت : الساحر بلسان الحبشة، والطاغوت: الكاهن: وروي عن عكرمة: الجبت بلسان الحبشة: شيطان. وقال الضحاك: الجبت: حيي بن اخطب ، والطاغوت : كعب بن الأشرف . دليله قوله تعالى : { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } (النساء-60) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن عوف العبدي عن حيان عن قطن بن قبيصة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { العيافة والطرق والطيرة من الجبت }. وقيل: الجبت كل ما حرم الله ، والطاغوت كل ما يطغى الإنسان. '' ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً } ، قال المفسرون: خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكباً من اليهود إلى مكة بعد وقعة أحد ليحالفوا قريشاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم / وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل كعب على أبي سفيان فأحسن مثواه ، ونزلت اليهود في دور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب ومحمد صاحب كتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكراً منكم فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما ففعلوا ذلك ، فذلك قوله تعالى:'' يؤمنون بالجبت والطاغوت }. ثم قال كعب لأهل مكة : ليجىء منكم ثلاثون ومنا ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة فنعاهد رب هذا البيت لنجهدن على قتال محمد، ففعلوا. ثم قال أبو سفيان لكعب: إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم، فأينا اهدى طريقة، نحن ام محمد ؟ قال كعب: اعرضوا علي دينكم. فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء ونسقيهم الماء ونقري الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونعمر بين ربنا ونطوف به ونحن اهل الحرم ، ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم ، وديننا القديم ودين محمد الحديث. فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلاً مما عليه محمد فأنزل الله تعالى:'' ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } ، يعني: كعباً وأصحابه { يؤمنون بالجبت والطاغوت } ، يعني: الصنمين'' ويقولون للذين كفروا'' أبي سفيان وأصحابه'' هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً ، { محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم(سبيلاً)ديناً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا
الأية
52
 
{ أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا
الأية
53
 
{ أم لهم'' يعني: ألهم؟ والميم صلة { نصيب ، { حظ'' من الملك ، { وهذا على جهة الإنكار، يعني: ليس لهم من الملك شيء ولو كان لهم من الملك شيء،'' فإذا لا يؤتون الناس نقيراً ، { ، لحسدهم وبخلهم ، والنقير: النقطة التي تكون في ظهر النواة ومنها تنبت النخلة، وقال أبو العالية :هو نقر الرجل الشيء بطرف أصبعه كما ينقر الدرهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا
الأية
54
 
{ أم يحسدون الناس } ، يعني: اليهود، ويحسدون الناس: قال قتادة : المراد بالناس العرب حسدهم اليهود على النبوة ، وما أكرمهم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل: :أراد محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وجماعة : المراد بالناس: رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، حسدوه على ما أحل الله له من النساء، وقالوا: ما له هم إلا النكاح، وهو المراد من قوله: { على ما آتاهم الله من فضله } ، وقيل: حسدوه على النبوة وهو المراد من الفضل المذكور في الآيه، { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة ، { ،أراد بآل إبراهيم : داود وسليمان ، وبالكتاب : ماأ نزل الله عليهم وبالحكمة النبوة'' وآتيناهم ملكاً عظيماً ، { فمن فسر الفضل بكثرة النساء فسر الملك العظيم في حق داود وسليمان عليهما السلام بكثرة النساء، فإنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائه حرة وسبعمائة سرية ، وكان لداود مائه امرأة ولم يكن يومئذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسع نسوة، فلما قال لهم ذلك سكتوا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا
الأية
55
 
{ قال الله تعالى:'' فمنهم من آمن به } ، يعني: بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه ، { ومنهم من صد عنه } ، أعرض عنه ولم يؤمن به،'' وكفى بجهنم سعيراً } ، وقوداً، وقيل: الملك العظيم: ملك سليمان . وقال السدي : الهاء في قوله'' من آمن به ومنهم من صد عنه ، { راجعه إلى إبراهيم، وذلك أن إبراهيم زرع ذات سنة ، وزرع الناس فهلك زرع الناس وزكا زرع إبراهيم عليه السلام، فاحتاج إليه الناس فكان يقول: من آمن بي أعطيته فمن آمن به أعطاه ، ومن لم يؤمن به منعه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا
الأية
56
 
{ قوله تعالى:'' إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً } ، ندخلهم ناراً،'' كلما نضجت ، { ، احترقت ،'' جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها } ، غير الجلود المحترقة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يبدلون جلوداً بيضاء كأمثال القراطيس. وروي أن هذه الآية قرئت عند عمر رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه للقارئ : أعدها فأعادها ، وكان عنده معاذ بن جبل ، فقال معاذ: عندي تفسيرها: تبدل في ساعة مرة، فقال عمر رضي الله عنه: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الحسن: تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا. أخبرنا عبد الواحد أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا معاذ بن أسيد أنا الفضل بن موسى أنا الفضيل عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: { ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع }. أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا شريح بن يونس أنا حميد بن عبد الرحمن عن الحسن بن صالح عن هارون بن سعد عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام }. فإن قيل: كيف تعذب جلود لم تكن في الدنيا ولم تعصه؟ قيل يعاد الجلد الأول في كل مرة. وإنما قال: '' جلوداً غيرها ، { لتبدل صفتها، كما تقول: صنعت من خاتمي خاتماً غيره، فالخاتم الثاني هوي الأول إلا أن الصناعة والصفة تبدلت، وكم يترك أخاه صحيحاً ثم بعد مرة يراه مريضاً دنفاً فيقول: أنا غير الذي عهدت ، وهو عين الأول ،إلا صفته تغيرت. وقال السدي: يبدل الجلد جلداً غيره من لحم الكافر ثم يعيد الجلد لحماً ثم يخرج من اللحم جلداً آخر وقيل: يعذب الشخص في الجلد لا الجلد ، بدليل أنه قال:'' ليذوقوا العذاب ، { ولم يقل: لتذوق وقال عبد العزيز بن يحيى: إن الله عز وجل يلبس أهل النار جلوداً لا تألم ، فيكون زيادة عذاب عليهم، كلما احترق جلد بدلهم جلداً غيره، كما قال: { سرابيلهم من قطران } (إبراهيم-50) فالسرابيل تؤلمهم وهي لا تألم . قوله تعالى: '' ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا
الأية
57
 
{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً ، { كنيناً لا تنسخه الشمس ولا يؤذيهم حر ولا برد.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا
الأية
58
 
{ قوله تعالى:'' إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، { ، نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي من بني عبد الدار، وكان سادن الكعبة، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح اغلق عثمان باب البيت وصعد السطح فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح ، فقيل: إنه مع عثمان، فطلبه منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى، وقال: لو علمت انه رسول الله لم أمنعه المفتاح ، فلوى علي رضي الله عنه يده فأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وصلى فيه ركعتين ، فلما تخرج سأله العباس المفتاح، أن يعطيه ويجمع له بين السقاية والسدانة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأمر رسول الله أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه ، ففعل ذلك علي رضي الله عنه ، فقال له عثمان: أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق ، فقال علي: لقد انزل الله تعالى في شأنك قرآناً/ وقرأ عليه الآية ،فقال عثمان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وكان المفتاح معه، فلما مات دفعه إلى أخيه شيبة، فالمفتاح والسدانة في أولادهم إلى يوم القيامة. وقيل: المراد من الآية جميع الأمانات . أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي الزراد أنا أبو بكر محمد بن إدريس الجرجاني وأبو أحمد بن محمد بن أحمد المعلم الهروي قال: أنا أبو الحسن علي بن عيسى الماليني أنا الحسن بن سفيان النسوي أنا شيبان بن أبي شيبة أخبرنا أبو هلال عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال : قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { ألا لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له }. قوله تعالى:'' وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل'' أي: بالقسط، { إن الله نعما } ، أي نعم الشيء ، { يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ، { أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن حمد بن عبد الجبار الزيات أنا حميد بن زنجويه حدثنا ابن عباد ثنا بن عيينه عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: { المقسطون عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين، هم الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا }. أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أن عبد الرحمن بن أبي شريح أنا القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أنا علي بن الجعد أنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمام عادل، وإن أبغض وأشدهم عذاباً إمام جائر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
الأية
59
 
{ قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ، اختلفوا في { أولي الأمر } ، قال ابن عباس وجابر رضي الله عنهم : هم الفقهاء والعلماء الذي يعلمون الناس معالم دينهم ، وهو قول الحسن والضحاك ومجاهد، ودليله قوله تعالى:'' ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } (النساء-83). وقال أبو هريرة: هم الأمراء والولاة. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق علي الرعية أن يسمعوا ويطيعوا. أخبرنا أبو علي حسان بن سعد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أناعبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني }. أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أنا محمد ابن إسماعيلأنا مسدد أنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله حدثني نافع عن عبد الله رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:'' السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة }. [أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن محمد الدراوردي] أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد أخبرنا عبادة بن الوليد بن عبادة أن أباه أخبره عن عبادة بن الصامت قال } : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم }. أخبرنا أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبيد الله بن أحمد القفال أنا أبو منصور أحمد بن الفضل البروجردي أنا أبو بكر بن محمد بن همدان الصيرفي أنا محمد بن يوسف الكديمي قال أخبرنا أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي التياح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر'' اسمع وأطع ولو لعبد حبشي كأن رأسه زبيبة }. أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسمعيل الضبي أنا أبو محمد بعد الجبار بن محمد الجراحي أنا أبو العباس أنا محمد بن أحمد المحبوبي أناأبو عيسى الترمذي أنا موسى بن عبد الرحمن الكندي أنا زيد بن الحباب أنا معاوية بن صالح حدثني سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: { اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم }. وقيل: المراد امراء السرايا، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد ابن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا صدقة بن الفضل أنا حجاج بن محمد عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، { قال: نزلت في عبيد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية. وقال عكرمة: أراد با ولي الأمر أبا بكر وعمر رضي الله عنهما . حدثنا أبو المظفر محمد بن أحمد التيمي أانا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم أخبرنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي أنا عمرو ابن أبي عرزة بالكوفة أخبرنا ثابت بن موسى العابد عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، { رضي الله عنهما. وقال عطاء: هم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان بدليل قوله تعالى'' والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، { الآية: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمود أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن إسماعيل المكي عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'' مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح ، { قال: قال الحسن: قد ذهب ملحناً فكيف نصلح. قوله عز وجل: { فإن تنازعتم } ، أي: اختلفتم،'' في شيء ، { من أمر دينكم ، والتنازع ، اختلاف الآراء وأصله من النزع فكأن المتنازعين يتجاذبان ويتمانعان ، { فردوه إلى الله والرسول'' ،أي: إلى كتاب الله وإلى رسوله مادام حيابً وبعد وفاته إلى سنتهن والرد إلى الكتاب والسنة واجب إن وجد فيهما،/فإن لم يوجد فسبيله الاجتهاد.وقيل: الرد إلى الله تعالى والرسول أن يقول لما لايعلم: الله ورسوله أعلم.'' إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك'' ،أي: الرد إلى الله والرسول ،'' خير وأحسن تأويلاً } ، أي:أحسن مآلاً وعاقبة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا
الأية
60
 
{ قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، { الآية قال الشعبي : كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي: نتحكام إلى محمد ، لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة ولا يميل في الحكم ، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود لعلمه انهم يأخذون الرشوة ويميلون في الحكم ، فاتفقا على أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه،/ فنزلت هذه الآية. قال جابر: كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها واحد في جهينة وواحد في أسلم ، وفي كل حي كاهن. وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس } : نزلت في رجل المنافقين يقال له بشر ، كان بينه وبين يهودي خصومة فقال اليهودي: ننطلق إلى محمد وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف، وهو الذي سماه الله الطاغوت، فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى المنافق ذلك أتى معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي ، فلما خرجا من عنده لزمه المناقق، وقال: إنطلق بنا إلى عمر رضي الله عنه ، فأتيا عمر، فقال اليهودي:اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه يخاصم إليك ، فقال عمر رضي الله عنه للمنافق: أكذلك ؟ قال : نعم ، قال لهما رويدكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر البيت وأخذ السيف واشتمل عليه ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد، وقال: هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله ، فنزلت هذه الآية } . وقال جبريل: إن عمر رضي الله عنه فرق بين الحق والباطل ، فسمي الفاروق. وقال السدي: كان ناس من اليهود أسلموا ونافق بعضهم وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النضير قتل به أو أخذ ديته مائة وسق من تمر وإذا قتل رجل من بني النضير رجلاً من قريظة لم يقتل به وأعطى ديته ستين وسقاً ، وكانت النضير وهم حلفاء الأوس أشرف وأكثر من قريظة وهم حلفاء الخزرج ، فلما جاء الله بالإسلام وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فاختصموا في ذلك، فقالت بنو النضير: كنا وأنتم قد اصطلحنا على أن نقتل منكم ولا تقتلون منا، وديتكم ستون وسقاً وديتنا مائة وسق، فنحن نعطيكم ذلك ، فقالت الخزرج: هذا شيء كنتم فعلتموه في الجاهلية لكثرتكم وقلتنا فقهرتمونا ، ونحن وانتم اليوم إخوة وديننا ودينكم واحد فلا فضل لكم علينا، فقال المنافقون منهم : انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي ، وقال المسلمون من الفريقين : لا بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبى المنافقون وانطلقوا إلى أبي بردة ليحكم بينهم ، فقال: أعظموا اللقمة ، يعني الحظ: فقالوا: لك عشرة أوسق، قال: لا بل مائة وسق ديتي، فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق وأبى أن يحكم بينهم ، فأنزل الله تعالى آية القصاص، وهذه الآية ، { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } ، يعني الكاهن أو كعب بن الأشرف،'' وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا
الأية
61
 
{ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً } ، أي: يعرضون عنك إعراضاً.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا
الأية
62
 
{ فكيف إذا أصابتهم مصيبة ، { ، هذا وعيد، أي: فكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة،'' بما قدمت أيديهم } ، يعني: عقوبة صدودهم ، قيل: هي كل مصيبة تصيب جميع المنافقين في الدنيا والآخرة تم الكلام ها هنا، ثم عاد الكلام إلى ما سبق ، يخبر عن فعلهم فقال:'' ثم جاؤوك } ،يعني: يتحاكمون إلى الطاغوت،'' ثم جاؤوك } ، [يحيونك ويحلفون]. وقيل: أراد المصيبة قتل عمر رضي الله عنه المنافق ، ثم جاؤوا يطلبون ديته،'' يحلفون بالله إن أردنا } ، ما أردنا بالعدول عنه في المحاكمة أو بالترافع إلى عمر،'' إلا إحساناً وتوفيقاً'' ،قال الكلبي: إلا إحساناً في القول، وتوفيقاً: صواباً ، وقال ابن كيسان: حقاً وعدلاً ، نظيره : { ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى ، { ، وقيل: هو إحسان بعضهم إلى بعض ، وقيل: هو تقريب الأمر من الحق ، لا القضاء على أمر الحكم ، والتوفيق: هو موافقة الحق ، وقيل: هو التأليف والجمع بين الخصمين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا