{ والمرسلات عرفاً } ، يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس. وقيل: عرفاً أي كثيراً تقول العرب: الناس إلى فلان عرف واحد، إذا توجهوا إليه فأكثروا، هذا معنى قول مجاهد وقتادة. وقال مقاتل: يعني الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه، وهي رواية مسروق عن ابن مسعود.
{ والناشرات نشراً } ، يعني الرياح اللينة. وقال الحسن: هي الرياح التي يرسلها الله بشراً بين يدي رحمته. وقيل: هي الرياح التي تنشر السحاب وتأتي بالمطر. وقال مقاتل:هم الملائكة ينشرون الكتب.
{ فالفارقات فرقاً } ، قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: يعني الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل. وقال قتادة والحسن: هي آي القرآن تفرق بين الحلال والحرام. وروي عن مجاهد قال: هي الرياح تفرق السحاب وتبدده.
{ عذراً أو نذراً } ، أي للإعذار والإنذار، وقرأ الحسن { عذراً ، { بضم الذال واختلف فيه عن أبي بكر عن عاصم، وقراءة العامة بسكونها، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص { عذراً أو نذراً ، { ساكنة الذال فيهما، وقرأ الباقون بضمها، ومن سكن قال: لأنهما في موضع مصدرين بمعنى الإنذار والإعذار، وليسا بجمع فينقلا وقال ابن كثير ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم ويعقوب برواية رويس بن حسان: '' عذراً ، { سكون الذال و { نذراً ، { بضم الذال. وقرأ روح بالضم في العذر والنذر جميعاً، وهي قراءة الحسن، والوجه فيهما أن العذر والنذر بضمتين كالأذن والعنق هو الأصل ويجوز التخفيف فيهما كما يجوز التخفيف في العنق والأذن، يقال: عذر ونذر، وعذر ونذر، كما يقال: عنق وعنق، وأذن وأذن، والعذر والنذر مصدران بمعنى الإعذار والإنذار كالنكير والعذير والنذير، ويجوز أن يكونا جمعين لعذير ونذير، ويجوز أن يكون العذر جمع عاذر، كشارف وشرف،، والمعنى في التحريك والتسكين واحد على ما بينا إلى ها هنا أقسام.
{ وإذا الرسل أقتت ، { قرأ أهل البصرة وقتت بالواو، وقرأ أبو جعفر بالواو وتخفيف القاف، وقرأ الآخرون بالألف وتشديد القاف، وهما لغتان. والعرب تعاقب بين الواو والهمزة كقولهم: وكدت وأكدت، وورخت وأرخت، ومعناهما: جمعت لميقات يوم معلوم، وهو يوم القيامة ليشهدوا على الأمم.
{ ألم نجعل الأرض كفاتاً } ، وعاءً، ومعنى الكفت: الضم والجمع، يقال: كفت الشيء: إذا ضمه وجمعه/. وقال الفراء: يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتاً في بطنها، أي: تحوزهم.
{ انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب } ، يعني دخان جهنم إذا ارتفع انشعب وافترق ثلاث فرق. وقيل: يخرج عنق من النار فيتشعب ثلاث شعب، أما النور فيقف على رؤوس المؤمنين، والدخان يقف على رؤوس المنافقين، واللهب الصافي يقف على رؤوس الكافرين.
{ ثم وصف ذلك الظل فقال عز وجل: '' لا ظليل ، { لا يظل من الحر، { ولا يغني من اللهب } ، قال الكلبي: لا يرد لهب جهنم عنكم، والمعنى أنهم إذا استظلوا بذلك الظل لم يدفع عنهم حر اللهب.
{ إنها } ، يعني جهنم، { ترمي بشرر } ، وهو ما تطاير من النار، واحدها شررة. '' كالقصر } ، وهو البناء العظيم، قال ابن مسعود: يعني الحصون. وقال عبد الرحمن بن عياش سألت ابن عباس عن قوله تعالى: '' إنها ترمي بشرر كالقصر ، { قال: هي الخشب العظام المقطعة، وكنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه ندخرها للشتاء، فكنا نسميها القصر. وقال سعيد بن جبير، والضحاك: هي أصول النخل والشجر العظام، واحدتها قصرة، مثل تمرة وتمر، وجمرة وجمر. وقرأ علي وابن عباس { كالقصر ، { بفتح الصاد، أي أعناق النخل، والقصرة العنق، وجمعها قصر وقصرات.
{ كأنه ، { رد الكناية إلى اللفظ، { جمالة }. قرأ حمزة والكسائي وحفص: '' جمالة ، { على جميع الجمل، مثل حجر وحجارة، وقرأ يعقوب بضم الجيم بلا ألف، أراد: الأشياء العظام المجموعة، وقرأ الآخرون: جمالات بالألف وكسر الجيم على جمع الجمال، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير: هي حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض، حتى تكون كأوساط الرجال، { صفر } ، جمع الأصفر، يعني لون النار، وقيل: الصفر معناه: السود، لأنه جاء في الحديث أن شرر نار جهنم أسود كالقير، والعرب تسمي سود الإبل صفراً لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة كما يقال لبيض الظباء: أدم، لأن بياضها يعلوه كدرة.
{ وإذا قيل لهم اركعوا ، { صلوا، { لا يركعون } ، لا يصلون، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنما يقال لهم هذا يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون.