أي الأفراس تدو . كذا قال عامة المفسرين وأهل اللغة ; أي تعدو في سبيل الله فتضبح
. قال قتادة : تضبح إذا عدت ; أي تحمحم . وقال الفراء : الضبح : صوت أنفاس الخيل إذا
عدون . ابن عباس : ليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب . وقيل : كانت
تكعم لئلا تصهل , فيعلم العدو بهم فكانت تتنفس في هذه الحال بقوة . قال ابن العربي :
أقسم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال : { يس . والقرآن الحكيم } [ يس : 1 - 2 ]
, وأقسم بحياته فقال : { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } [ الحجر : 72 ] , وأقسم
بخيله وصهيلها وغبارها , وقدح حوافرها النار من الحجر , فقال : { والعاديات ضبحا }
.. . الآيات الخمس . وقال أهل اللغة : وطعنة ذات رشاش واهيه طعنتها عند صدور العاديه
يعني الخيل . وقال آخر : والعاديات أسابي الدماء بها كأن أعناقها أنصاب ترجيب يعني
الخيل . وقال عنترة : والخيل تعلم حين تض بح في حياض الموت ضبحا وقال آخر : لست
بالتبع اليماني إن لم تضبح الخيل في سواد العراق وقال أهل اللغة : وأصل الضبح
والضباح للثعالب ; فاستعير للخيل . وهو من قول العرب : ضبحته النار : إذا غيرت لونه
ولم تبالغ فيه . وقال الشاعر : فلما أن تلهوجنا شواء به اللهبان مقهورا ضبيحا وانضبح
لونه : إذا تغير إلى السواد قليلا . وقال : علقتها قبل انضباح لوني وإنما تضبح هذه
الحيوانات إذا تغيرت حالها من فزع وتعب أو طمع . ونصب }{ ضبحا }{ على المصدر ; أي
والعاديات تضبح ضبحا . والضبح أيضا الرماد . وقال البصريون : { ضبحا }{ نصب على الحال
. وقيل : مصدر في موضع الحال . قال أبو عبيدة : ضبحت الخيل ضبحا مثل ضبعت ; وهو السير
. وقال أبو عبيدة : الضبح والضبع : بمعنى العدو والسير . وكذا قال المبرد : الضبح مد
أضباعها في السير . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى أناس من بني
كنانة , فأبطأ عليه خبرها , وكان استعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري , وكان أحد
النقباء ; فقال المنافقون : إنهم قتلوا ; فنزلت هذه السورة إخبارا للنبي صلى الله
عليه وسلم بسلامتها , وبشارة له بإغارتها على القوم الذين بعث إليهم . وممن قال : إن
المراد بالعاديات الخيل , ابن عباس وأنس والحسن ومجاهد . والمراد الخيل التي يغزو
عليها المؤمنون . وفي الخبر : ( من لم يعرف حرمة فرس الغازي , ففيه شعبة من النفاق )
. وقول ثان : أنها الإبل ; قال مسلم : نازعت فيها عكرمة فقال عكرمة : قال ابن عباس
هي الخيل . وقلت : قال علي هي الإبل في الحج , ومولاي أعلم من مولاك . وقال الشعبي :
تمارى علي وابن عباس في }{ العاديات } , فقال علي : هي الإبل تعدو في الحج . وقال ابن
عباس : هي الخيل ; ألا تراه يقول }{ فأثرن به نقعا } [ العاديات : 4 ] فهل تثير إلا
بحوافرها ! وهل تضبح الإبل ! فقال علي : ليس كما قلت , لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا
إلا فرس أبلق للمقداد , وفرس لمرثد بن أبي مرثد ; ثم قال له علي : أتفتي الناس بما
لا تعلم ! والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام وما معنا إلا فرسان : فرس للمقداد ,
وفرس للزبير ; فكيف تكون العاديات ضبحا ! إنما العاديات الإبل من عرفة إلى المزدلفة
, ومن المزدلفة إلى عرفة . قال ابن عباس : فرجعت إلى قول علي , وبه قال ابن مسعود
وعبيد بن عمير ومحمد بن كعب والسدي . ومنه قول صفية بنت عبد المطلب : فلا والعاديات
غداة جمع بأيديها إذا سطع الغبار يعني الإبل . وسميت العاديات لاشتقاقها من العدو ,
وهو تباعد الأرجل في سرعة المشي . وقال آخر : رأى صاحبي في العاديات نجيبة وأمثالها
في الواضعات القوامس ومن قال هي الإبل فقوله }{ ضبحا }{ بمعنى ضبعا ; فالحاء عنده
مبدلة من العين ; لأنه يقال : ضبعت الإبل وهو أن تمد أعناقها في السير . وقال المبرد
: الضبع مد أضباعها في السير . والضبح أكثرها ما يستعمل في الخيل . والضبع في الإبل
. وقد تبدل الحاء من العين . أبو صالح : الضبح من الخيل : الحمحمة , ومن الإبل التنفس
. وقال عطاء : ليس شيء من الدواب يضبح إلا الفرس والثعلب والكلب ; وروي عن ابن عباس
. وقد تقدم عن أهل اللغة أن العرب تقول : ضبح الثعلب ; وضبح في غير ذلك أيضا . قال
توبة : ولو أن ليلى الأخيلية سلمت علي ودوني تربة وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو
زقا /و إليها صدى من جانب القبر ضابح زقا الصدى يزقو زقاء : أي صاح . وكل زاق صائح
. والزقية : الصيحة .
قال عكرمة وعطاء والضحاك : هي الخيل حين توري النار بحوافرها , وهي سنابكها ; وروي
عن ابن عباس . وعنه أيضا : أورت بحوافرها غبارا . وهذا يخالف سائر ما روي عنه في قدح
النار ; وإنما هذا في الإبل . وروى ابن نجيح عن مجاهد }{ والعاديات ضبحا . فالموريات
قدحا }{ قال قال ابن عباس : هو في القتال وهو في الحج . ابن مسعود : هي الإبل تطأ
الحصى , فتخرج منها النار . وأصل القدح الاستخراج ; ومنه قدحت العين : إذا أخرجت
منها الماء الفاسد . واقتدحت بالزند . واقتدحت المرق : غرفته . وركي قدوح : تغترف
باليد . والقديح : ما يبقى في أسفل القدر , فيغرف بجهد . والمقدحة : ما تقدح به النار
. والقداحة والقداح : الحجر الذي يوري النار . يقال : ورى الزند ( بالفتح ) يري وريا
: إذا خرجت ناره . وفيه لغة أخرى : وري الزند ( بالكسر ) يري فيهما . وقد مضى هذا في
سورة }{ الواقعة } . و }{ قدحا }{ انتصب بما انتصب به }{ ضبحا } . وقيل : هذه الآيات في
الخيل ; ولكن إيراءها : أن تهيج الحرب بين أصحابها وبين عدوهم . ومنه يقال للحرب إذا
التحمت : حمي الوطيس . ومنه قوله تعالى : { كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } [
المائدة : 64 ] . وروي معناه عن ابن عباس أيضا , وقاله قتادة . وعن ابن عباس أيضا ,
وقاله قتادة . وعن ابن عباس أيضا : أن المراد بالموريات قدحا : مكر الرجال في الحرب
; وقاله مجاهد وزيد بن أسلم . والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : والله
لأمكرن بك , ثم لأورين لك . وعن ابن عباس أيضا : هم الذين يغزون فيورون نيرانهم
بالليل , لحاجتهم وطعامهم . وعنه أيضا : أنها نيران المجاهدين إذا كثرت نارها إرهابا
. وكل من قرب من العدو يوقد نيرانا كثيرة ليظنهم العدو كثيرا . فهذا إقسام بذلك . قال
محمد بن كعب : هي النار تجمع . وقيل هي أفكار الرجال توري نار المكر والخديعة . وقال
عكرمة : هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به , ويظهر بها من إقامة
الحجج , وإقامة الدلائل , وإيضاح الحق , وإبطال الباطل . وروى ابن جريح عن بعضهم قال
: فالمنجحات أمرا وعملا , كنجاح الزند إذا أوري . قلت : هذه الأقوال مجاز ; ومنه
قولهم : فلان يوري زناد الضلالة . والأول : الحقيقة , وأن الخيل من شدة عدوها تقدح
النار بحوافرها . قال مقاتل : العرب تسمي تلك النار نار أبي حباحب , وكان أبو حباحب
شيخا من مضر في الجاهلية , من أبخل الناس , وكان لا يوقد نارا لخبز ولا غيره حتى
تنام العيون , فيوقد نويرة تقد مرة وتخمد أخرى ; فإن استيقظ لها أحد أطفأها ,
كراهية أن ينتفع بها أحد . فشبهت العرب هذه النار بناره ; لأنه لا ينتقع بها . وكذلك
إذا وقع السيف على البيضة فاقتدحت نارا , فكذلك يسمونها . قال النابغة : ولا عيب
فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب تقد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد
بالصفاح نارا لحباحب .
الخيل تغير على العدو عند الصبح ; عن ابن عباس وأكثر المفسرين . وكانوا إذا أرادوا
الغارة سروا ليلا , ويأتون العدو صبحا ; لأن ذلك وقت غفلة الناس . ومنه قوله تعالى :
{ فساء صباح المنذرين } [ الصافات : 177 ] . وقيل : لعزهم أغاروا نهارا , و }{ صبحا }
على هذا , أي علانية , تشبيها بظهور الصبح . وقال ابن مسعود وعلي رضي الله عنهما :
هي الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من منى إلى جمع . والسنة ألا تدفع حتى تصبح ;
وقاله القرطبي . والإغارة : سرعة السير ; ومنه قولهم : أشرق ثبير , كيما نغير .
أي غبارا ; يعني الخيل تثير الغبار بشدة العدو في المكان الذي أغارت به . قال عبد
الله بن رواحة : عدمت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء والكناية في }{ به
{ ترجع إلى المكان أو إلى الموضع الذي تقع فيه الإغارة . وإذا علم المعنى جاز أن
يكنى عما لم يجر له ذكر بالتصريح ; كما قال }{ حتى توارت بالحجاب } [ ص : 32 ] . وقيل
: { فأثرن به } , أي بالعدو }{ نقعا } . وقد تقدم ذكر العدو . وقيل : النقع : ما بين
مزدلفة إلى منى ; قاله محمد بن كعب القرظي . وقيل : إنه طريق الوادي ; ولعله يرجع
إلى الغبار المثار من هذا الموضع . وفي الصحاح : النقع : الغبار , والجمع : نقاع
. والنقع : محبس الماء , وكذلك ما اجتمع في البئر منه . وفي الحديث : أنه نهى أن يمنع
نقع البئر . والنقع الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء ; والجمع : نقاع وأنقع ;
مثل بحر وبحار وأبحر . قلت : وقد يكون النقع رفع الصوت , ومنه حديث عمر حين قيل له :
إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد ; فقال : وما على نساء بني المغيرة
أن يسفكن من دموعهن وهن جلوس على أبي سليمان , ما لم يكن نقع , ولا لقلقة . قال أبو
عبيد : يعني بالنقع رفع الصوت ; على هذا رأيت قول الأكثرين من أهل العلم ; ومنه قول
لبيد : فمتى ينقع صراخ صادق يحلبوها ذات جرس وزجل ويروى }{ يحلبوها }{ أيضا . يقول :
متى سمعوا صراخا أحلبوا الحرب , أي جمعوا لها . وقوله }{ ينقع صراخ } : يعني رفع
الصوت . وقال الكسائي : قوله }{ نقع ولا لقلقة }{ النقع : صنعة الطعام ; يعني في
المأتم . يقال منه : نقعت أنقع نقعا . قال أبو عبيد : ذهب بالنقع إلى النقيعة ; وإنما
النقيعة عند غيره من العلماء : صنعة الطعام عند القدوم من سفر , لا في المأتم . وقال
بعضهم : يريد عمر بالنقع : وضع التراب على الرأس ; يذهب إلى أن النقع هو الغبار
. ولا أحسب عمر ذهب إلى هذا , ولا خافه منهن , وكيف يبلغ خوفه ذا وهو يكره لهن
القيام . فقال : يسفكن من دموعهن وهن جلوس . قال بعضهم : النقع : شق الجيوب ; وهو
الذي لا أدري ما هو من الحديث ولا أعرفه , وليس النقع عندي في الحديث إلا الصوت
الشديد , وأما اللقلقة : فشدة الصوت , ولم أسمع فيه اختلافا . وقرأ أبو حيوة }{ فأثرن
{ بالتشديد ; أي أرت آثار ذلك . ومن خفف فهو من أثار : إذا حرك ; ومنه }{ وأثاروا
الأرض } [ الروم : 9 ] .
جمعا }{ مفعول ب }{ وسطن } ; أي فوسطن بركبانهن العدو ; أي الجمع الذي أغاروا عليهم
. وقال ابن مسعود : { فوسطن به جمعا } : يعني مزدلفة ; وسميت جمعا لاجتماع الناس
. ويقال : وسطت القوم أسطهم وسطا وسطة ; أي صرت وسطهم . وقرأ علي رضي الله عنه }
فوسطن }{ بالتشديد , وهي قراءة قتادة وابن مسعود وأبي رجاء ; لغتان بمعنى , يقال :
وسطت القوم ( بالتشديد والتخفيف ) وتوسطهم : بمعنى واحد . وقيل : معنى التشديد :
جعلها الجمع قسمين . والتخفيف : صرن في وسط الجمع ; وهما يرجعان إلى معنى الجمع .
هذا جواب القسم ; أي طبع الإنسان على كفران النعمة . قال ابن عباس : { لكنود }{ لكفور
جحود لنعم الله . وكذلك قال الحسن . وقال : يذكر المصائب وينسى النعم . أخذه الشاعر
فنظمه : يا أيها الظالم في فعله والظلم مردود على من ظلم إلى متى أنت وحتى متى تشكو
المصيبات وتنسى النعم ! وروى أبو أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( الكنود , هو الذي يأكل وحده , ويمنع رفده , ويضرب عبده ) . وروى ابن عباس
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أنبئكم بشراركم ) ؟ قالوا بلى يا
رسول الله . قال : ( من نزل وحده , ومنع رفده , وجلد عبده ) . خرجهما الترمذي الحكيم
في نوادر الأصول . وقد روي عن ابن عباس أيضا أنه قال : الكنود بلسان كندة وحضرموت :
العاصي , وبلسان ربيعة ومضر : الكفور . وبلسان كنانة : البخيل السيئ الملكة ; وقاله
مقاتل : وقال الشاعر : كنود لنعماء الرجال ومن يكن كنودا لنعماء الرجال يبعد أي
كفور . ثم قيل : هو الذي يكفر باليسير , ولا يشكر الكثير . وقيل : الجاحد للحق . وقيل
: إنما سميت كندة كندة ; لأنها جحدت أباها . وقال إبراهيم بن هرمة الشاعر : دع
البخلاء إن شمخوا وصدوا وذكرى بخل غانية كنود وقيل : الكنود : من كند إذا قطع ;
كأنه يقطع ما ينبغي أن يواصله من الشكر . ويقال : كند الحبل : إذا قطعه . قال الأعشى
: أميطي تميطي بصلب الفؤاد وصول حبال وكنادها فهذا يدل على القطع . ويقال : كند يكند
كنودا : أي كفر النعمة وجحدها , فهو كنود . وامرأة كنود أيضا , وكنود مثله . قال
الأعشى : أحدث لها تحدث لوصلك إنها كند لوصل الزائر المعتاد أي كفور للمواصلة . وقال
ابن عباس : الإنسان هنا الكافر ; يقول إنه لكفور ; ومنه الأرض الكنود التي لا تنبت
شيئا . وقال الضحاك : نزلت في الوليد بن المغيرة . قال المبرد : الكنود : المانع لما
عليه . وأنشد لكثير : أحدث لها تحدث لوصلك إنها كند لوصل الزائر المعتاد وقال أبو
بكر الواسطي : الكنود : الذي ينفق نعم الله في معاصي الله . وقال أبو بكر الوراق :
الكنود : الذي يرى النعمة من نفسه وأعوانه . وقال الترمذي : الذي يرى النعمة ولا يرى
المنعم . وقال ذو النون المصري : الهلوع والكنود : هو الذي إذا مسه الشر جزوع , وإذا
مسه الخير منوع . وقيل : هو الحقود الحسود . وقيل : هو الجهول لقدره . وفي الحكمة : من
جهل قدره : هتك ستره . قلت : هذه الأقوال كلها ترجع إلى معنى الكفران والجحود . وقد
فسر النبي صلى الله عليه وسلم معنى الكنود بخصال مذمومة , وأحوال غير محمودة ; فإن
صح فهو أعلى ما يقال , ولا يبقى لأحد معه مقال .
أي وإن الله عز وجل ثناؤه على ذلك من ابن آدم لشهيد . كذا روى منصور عن مجاهد ; وهو
قول أكثر المفسرين , وهو قول ابن عباس . وقال الحسن وقتادة ومحمد بن كعب : { وإنه }
أي وإن الإنسان لشاهد على نفسه بما يصنع ; وروي عن مجاهد أيضا .
وَإِنَّهُ أي الإنسان من غير خلاف . لِحُبِّ الْخَيْرِ أي المال ; ومنه قوله تعالى :
{ إن ترك خيرا } [ البقرة : 180 ] . وقال عدي : ماذا ترجي النفوس من طلب ال خير وحب
الحياة كاربها لَشَدِيدٌ أي لقوي في حبه للمال . وقيل : { لشديد }{ لبخيل . ويقال
للبخيل : شديد ومتشدد . قال طرفة : أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش
المتشدد يقال : اعتامه واعتماه ; أي اختاره . والفاحش : البخيل أيضا . ومنه قوله
تعالى : { ويأمركم بالفحشاء } [ البقرة : 268 ] أي البخل . قال ابن زيد : سمى الله
المال خيرا ; وعسى أن يكون شرا وحراما ; ولكن الناس يعدونه خيرا , فسماه الله خيرا
لذلك . وسمى الجهاد سوءا , فقال : { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } [
آل عمران : 174 ] على ما يسميه الناس . قال الفراء : نظم الآية أن يقال : وإنه لشديد
الحب للخير ; فلما تقدم الحب قال : شديد , وحذف من آخره ذكر الحب ; لأنه قد جرى
ذكره , ولرءوس الآي ; كقوله تعالى : { في يوم عاصف } [ إبراهيم : 18 ] والعصوف :
للريح لا الأيام , فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم , طرح من آخره ذكر الريح ; كأنه
قال : في يوم عاصف الريح .
أَفَلَا يَعْلَمُ أي ابن آدمإِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ أي أثير وقلب وبحث ,
فأخرج ما فيها . قال أبو عبيدة : بعثرت المتاع : جعلت أسفله أعلاه . وعن محمد بن كعب
قال : ذلك حين يبعثون . الفراء : سمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ : { بحثر }{ بالحاء
مكان العين ; وحكاه الماوردي عن ابن مسعود , وهما بمعنى .
أي ميز ما فيها من خير وشر ; كذا قال المفسرون : وقال ابن عباس : أبرز . وقرأ عبيد
بن عمير وسعيد بن جبير ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم }{ وحصل }{ بفتح الحاء وتخفيف
الصاد وفتحها ; أي ظهر .
أي عالم لا يخفى عليه منهم خافية . وهو عالم بهم في ذلك اليوم وفي غيره ; ولكن
المعنى أنه يجازيهم في ذلك اليوم . وقوله : { إذا بعثر }{ العامل في }{ إذا } : { بعثر
" , ولا يعمل فيه }{ يعلم } ; إذ لا يراد به العلم من الإنسان ذلك الوقت , إنما يراد
في الدنيا . ولا يعمل فيه }{ خبير } ; لأن ما بعد }{ إن }{ لا يعمل فيما قبلها . والعامل
في }{ يومئذ } : { خبير } , وإن فصلت اللام بينهما ; لأن موضع اللام الابتداء . وإنما
دخلت في الخبر لدخول }{ إن }{ على المبتدأ . ويروى أن الحجاج قرأ هذه السورة على
المنبر يحضهم على الغزو , فجرى على لسانه : { أن ربهم }{ بفتح الألف , ثم استدركها
فقال : { خبير }{ بغير لام . ولولا اللام لكانت مفتوحة , لوقوع العلم عليها . وقرأ أبو
السمال }{ أن ربهم بهم يومئذ خبير } . والله سبحانه وتعالى أعلم .
نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer