تَبَارَكَ سورة الملك مكية في قول الجميع . وتسمى الواقية والمنجية . وهي ثلاثون آية
روى الترمذي عن ابن عباس قال : ضرب رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر , فإذا قبر إنسان يقرأ سورة }{ الملك }{ حتى ختمها
, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله , ضربت خبائي على قبر وأنا لا
أحسب أنه قبر , فإذا قبر إنسان يقرأ سورة }{ الملك }{ حتى ختمها ؟ فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر ) . قال : حديث حسن
غريب . وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وددت أن }{ تبارك الذي بيده
الملك }{ في قلب كل مؤمن ) ذكره الثعلبي . وعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله
عليه وسلم : ( إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى أخرجته من
النار يوم القيامة وأدخلته الجنة وهي سورة }{ تبارك } ) . خرجه الترمذي بمعناه , وقال
فيه : حديث حسن . وقال ابن مسعود : إذا وضع الميت في قبره فيؤتى من قبل رجليه ,
فيقال : ليس لكم عليه سبيل , فإنه كان يقوم بسورة }{ الملك }{ على قدميه . ثم يؤتى من
قبل رأسه , فيقول لسانه : ليس لكم عليه سبيل , إنه كان يقرأ بي سورة }{ الملك }{ ثم
قال : هي المانعة من عذاب الله , وهي في التوراة سورة }{ الملك }{ من قرأها في ليلة
فقد أكثر وأطيب . وروي أن من قرأها كل ليلة لم يضره الفتان . { تبارك }{ تفاعل من
البركة وقد تقدم . وقال الحسن : تقدس . وقيل دام . فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا
آخر لدوامه . الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ أي ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة
. وقال ابن عباس : بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء , ويحيي ويميت , ويغني ويفقر
, ويعطي ويمنع . وقال محمد بن إسحاق : له ملك النبوة التي أعز بها من اتبعه وذل بها
من خالفه . وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من إنعام وانتقام .
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ فيه مسألتان : قيل : المعنى خلقكم للموت
والحياة ; يعني للموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقدم الموت على الحياة ; لأن
الموت إلى القهر أقرب ; كما قدم البنات على البنين فقال : { يهب لمن يشاء إناثا } [
الشورى : 49 ] . وقيل : قدمه لأنه أقدم ; لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت
كالنطفة والتراب ونحوه . وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن
الله تعالى أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الآخرة دار
جزاء ثم دار بقاء ) . وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لولا
ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت وإنه مع ذلك لوثاب ) . المسألة
الثانية : { الموت والحياة }{ قدم الموت على الحياة , لأن أقوى الناس داعيا إلى
العمل من نصب موته بين عينيه ; فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم
قال العلماء : الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف , وإنما هو انقطاع تعلق الروح
بالبدن ومفارقته , وحيلولة بينهما , وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار . والحياة عكس
ذلك . وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل أن الموت والحياة جسمان , فجعل الموت في هيئة
كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات , وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء - وهي
التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها - خطوتها مد البصر , فوق الحمار
ودون البغل , لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي , ولا تطأ على شيء إلا حيي . وهي التي
أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي . حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس
. والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي . قلت : وفي التنزيل }{ قل يتوفاكم ملك الموت الذي
وكل بكم } , [ السجدة : 11 ] , { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } [
الأنفال : 50 ] ثم }{ توفته رسلنا } [ الأنعام : 61 ] , ثم قال : { الله يتوفى
الأنفس حين موتها } [ الزمر : 42 ] . فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم . وهو
سبحانه المميت على الحقيقة , وإنما يمثل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط ;
حسب ما ورد به الخبر الصحيح . وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر
. والله أعلم . وعن مقاتل أيضا : خلق الموت ; يعني النطفة والعلقة والمضغة , وخلق
الحياة ; يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح فصار إنسانا . قلت : وهذا قول حسن ; يدل
عليه قوله تعالى }{ ليبلوكم أيكم أحسن عملا "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ
عَمَلًا وتقدم الكلام فيه في سورة }{ الكهف } . وقال السدي في قوله تعالى : { الذي
خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا }{ أي أكثركم للموت ذكرا وأحسن استعدادا ,
ومنه أشد خوفا وحذرا . وقال ابن عمر : تلا النبي صلى الله عليه وسلم }{ تبارك الذي
بيده الملك - حتى بلغ - أيكم أحسن عملا }{ فقال : ( أورع عن محارم الله وأسرع في
طاعة الله ) . وقيل : معنى }{ ليبلوكم }{ ليعاملكم معاملة المختبر ; أي ليبلو العبد
بموت من يعز عليه ليبين صبره , وبالحياة ليبين شكره . وقيل : خلق الله الموت للبعث
والجزاء , وخلق الحياة للابتلاء . فاللام في }{ ليبلوكم }{ تتعلق بخلق الحياة لا بخلق
الموت ; ذكره الزجاج . وقال الفراء والزجاج أيضا : لم تقع البلوى على }{ أي }{ لأن
فيما بين البلوى و }{ أي }{ إضمار فعل ; كما تقول : بلوتكم لأنظر أيكم أطوع . ومثله
قوله تعالى : { سلهم أيهم بذلك زعيم } [ القلم : 40 ] أي سلهم ثم انظر أيهم . ف }
أيكم }{ رفع بالابتداء و }{ أحسن }{ خبره . والمعنى : ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن
عملا . وَهُوَ الْعَزِيزُ في انتقامه ممن عصاه . الْغَفُورُ لمن تاب .
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا أي بعضها فوق بعض . والملتزق منها
أطرافها ; كذا روي عن ابن عباس . و }{ طباقا }{ نعت ل }{ سبع }{ فهو وصف بالمصدر . وقيل :
مصدر بمعنى المطابقة ; أي خلق سبع سموات وطبقها تطبيقا أو مطابقة . أو على طوبقت
طباقا . وقال سيبويه : نصب }{ طباقا }{ لأنه مفعول ثان . قلت : فيكون }{ خلق }{ بمعنى جعل
وصير . وطباق جمع طبق ; مثل جمل وجمال . وقيل : جمع طبقة . وقال أبان بن تغلب : سمعت
بعض الأعراب يذم رجلا فقال : شره طباق , وخيره غير باق . ويجوز في غير القرآن سبع
سموات طباق ; بالخفض على النعت لسموات . ونظيره }{ وسبع سنبلات خضر } [ يوسف : 46 ]
. مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ قراءة حمزة والكسائي }{ من تفوت }
بغير ألف مشددة . وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه . الباقون }{ من تفاوت }{ بألف . وهما
لغتان مثل التعاهد والتعهد , والتحمل والتحامل , والتظهر والتظاهر , وتصاغر وتصغر ,
وتضاعف وتضعف , وتباعد وتبعد ; كله بمعنى . واختار أبو عبيد }{ من تفوت }{ واحتج بحديث
عبد الرحمن بن أبي بكر : { أمثلي يتفوت عليه في بناته } ! النحاس : وهذا أمر مردود
على أبي عبيد , لأن يتفوت يفتات بهم .{ وتفاوت }{ في الآية أشبه . كما يقال تباين
يقال : تفاوت الأمر إذا تباين وتباعد ; أي فات بعضها بعضا . ألا ترى أن قبله قوله
تعالى : { الذي خلق سبع سموات طباقا } . والمعنى : ما ترى في خلق الرحمن من اعوجاج
ولا تناقض ولا تباين - بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها - وإن اختلفت صوره
وصفاته . وقيل : المراد بذلك السموات خاصة ; أي ما ترى في خلق السموات من عيب . وأصله
من الفوت , وهو أن يفوت شيء شيئا فيقع الخلل لقلة استوائها ; يدل عليه قول ابن عباس
رضي الله عنه : من تفرق . وقال أبو عبيدة : يقال : تفوت الشيء أي فات . ثم أمر بأن
ينظروا في خلقه ليعتبروا به فيتفكروا في قدرته : فقال :فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ
تَرَى مِنْ فُطُورٍ أي اردد طرفك إلى السماء . ويقال : قلب البصر في السماء . ويقال :
اجهد بالنظر إلى السماء . والمعنى متقارب . وإنما قال : { فارجع }{ بالفاء وليس قبله
فعل مذكور ; لأنه قال : { ما ترى } . والمعنى انظر ثم ارجع البصر هل ترى من فطور ;
قاله قتادة . والفطور : الشقوق , عن مجاهد والضحاك . وقال قتادة : من خلل . السدي : من
خروق . ابن عباس : من وهن . وأصله من التفطر والانفطار وهو الانشقاق . قال الشاعر :
بنى لكم بلا عمد سماء وزينها فما فيها فطور وقال آخر : شققت القلب ثم ذررت فيه هواك
فليم فالتأم الفطور تغلغل حيث لم يبلغ شراب ولا سكر ولم يبلغ سرور .
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ }{ كرتين }{ في موضع المصدر ; لأن معناه رجعتين
, أي مرة بعد أخرى . وإنما أمر بالنظر مرتين لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرة لا
يرى عيبه ما لم ينظر إليه مرة أخرى . فأخبر تعالى أنه وإن نظر في السماء مرتين لا
يرى فيها عيبا بل يتحير بالنظر إليها ; فذلك قوله تعالى : { ينقلب إليك البصر خاسئا
{ أي خاشعا صاغرا متباعدا عن أن يرى شيئا من ذلك . يقال : خسأت الكلب أي أبعدته
وطردته . وخسأ الكلب بنفسه , يتعدى ولا يتعدى . وانخسأ الكلب أيضا . وخسأ بصره خسأ
وخسوءا أي سدر , ومنه قوله تعالى :يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وقال ابن
عباس : الخاسئ الذي لم ير ما يهوى . وَهُوَ حَسِيرٌ أي قد بلغ الغاية في الإعياء
. فهو بمعنى فاعل ; من الحسور الذي هو الإعياء . ويجوز أن يكون مفعولا من حسره بعد
الشيء , وهو معنى قول ابن عباس . ومنه قول الشاعر : من مد طرفا إلى ما فوق غايته
ارتد خسآن منه الطرف قد حسرا يقال : قد حسر بصره يحسر حسورا , أي كل وانقطع نظره من
طول مدى وما أشبه ذلك , فهو حسير ومحسور أيضا . قال : نظرت إليها بالمحصب من منى
فعاد إلي الطرف وهو حسير وقال آخر يصف ناقة : فشطرها نظر العينين محسور نصب }{ شطرها
{ على الظرف , أي نحوها . وقال آخر : والخيل شعث ما تزال جيادها حسرى تغادر بالطريق
سخالها وقيل : إنه النادم . ومنه قول الشاعر : ما أنا اليوم على شيء خلا يا ابنة
القين تولى بحسر المراد ب }{ كرتين }{ هاهنا التكثير . والدليل على ذلك : { ينقلب إليك
البصر خاسئا وهو حسير }{ وذلك دليل على كثرة النظر .
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ جمع مصباح وهو السراج
. وتسمى الكواكب مصابيح لإضاءتها . وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ أي جعلنا
شهبها ; فحذف المضاف . دليله }{ إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } [ الصافات : 10
] . وعلى هذا فالمصابيح لا تزول ولا يرجم بها . وقيل : إن الضمير راجع إلى المصابيح
على أن الرجم من أنفس الكواكب , ولا يسقط الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شيء يرجم به
من غير أن ينقص ضوءه ولا صورته . قاله أبو علي جوابا لمن قال : كيف تكون زينة وهي
رجوم لا تبقى . قال المهدوي : وهذا على أن يكون الاستراق من موضع الكواكب . والتقدير
الأول على أن يكون الاستراق من الهوى الذي هو دون موضع الكواكب . القشيري : وأمثل من
قول أبي علي أن نقول : هي زينة قبل أن يرجم بها الشياطين . والرجوم جمع رجم ; وهو
مصدر سمي به ما يرجم به . قال قتادة : خلق الله تعالى النجوم لثلاث : زينة للسماء ,
ورجوما للشياطين , وعلامات يهتدى بها في البر والبحر والأوقات . فمن تأول فيها غير
ذلك فقد تكلف ما لا علم له به , وتعدى وظلم . وقال محمد بن كعب : والله ما لأحد من
أهل الأرض في السماء نجم , ولكنهم يتخذون الكهانة سبيلا ويتخذون النجوم علة
. وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ أي أعتدنا للشياطين أشد الحريق ; يقال :
سعرت النار فهي مسعورة وسعير ; مثل مقتولة وقتيل .
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا يعني الكفار . سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا أي صوتا . قال ابن عباس
: الشهيق لجهنم عند إلقاء الكفار فيها ; تشهق إليهم شهقة البغلة للشعير , ثم تزفر
زفرة لا يبقى أحد إلا خاف . وقيل : الشهيق من الكفار عند إلقائهم في النار قاله عطاء
. والشهيق في الصدر , والزفير في الحلق . وقد مضى في سورة }{ هود } . وَهِيَ تَفُورُ أي
تغلي ; ومنه قول حسان : تركتم قدركم لا شيء فيها وقدر القوم حامية تفور قال مجاهد :
تفور بهم كما يفور الحب القليل في الماء الكثير . وقال ابن عباس : تغلي بهم على
المرجل ; وهذا من شدة لهب النار من شدة الغضب ; كما تقول فلان يفور غيظا .
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ يعني تتقطع وينفصل بعضها من بعض ; قاله سعيد بن
جبير . وقال ابن عباس والضحاك وابن زيد : تتفرق .{ من الغيظ }{ من شدة الغيظ على
أعداء الله تعالى . وقيل : { من الغيظ }{ من الغليان . وأصل }{ تميز }{ تتميز . كُلَّمَا
أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ أي جماعة من الكفار . سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا على جهة
التوبيخ والتقريعأَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ أي رسول في الدنيا ينذركم هذا اليوم حتى
تحذروا .
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ من النذر - يعني الرسل - ما جاءوا بهأَوْ نَعْقِلُ
عنهم . قال ابن عباس : لو كنا نسمع الهدى أو نعقله , أو لو كنا نسمع سماع من يعي
ويفكر , أو نعقل عقل من يميز وينظر . ودل هذا على أن الكافر لم يعط من العقل شيئا
. وقد مضى في }{ الطور }{ بيانه والحمد لله . مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ يعني
ما كنا من أهل النار . وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
: { لقد ندم الفاجر يوم القيامة قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير .
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ أي بتكذيبهم الرسل . والذنب هاهنا بمعنى الجمع ; لأن فيه
معنى الفعل . يقال : خرج عطاء الناس أي أعطيتهم . فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ
أي فبعدا لهم من رحمة الله . وقال سعيد بن جبير وأبو صالح : هو واد في جهنم يقال له
السحق . وقرأ الكسائي وأبو جعفر }{ فسحقا }{ بضم الحاء , ورويت عن علي . الباقون
بإسكانها , وهما لغتان مثل السحت والرعب . الزجاج : وهو منصوب على المصدر ; أي
أسحقهم الله سحقا ; أي باعدهم بعدا . قال امرؤ القيس : يجول بأطراف البلاد مغربا
وتسحقه ريح الصبا كل مسحق وقال أبو علي : القياس إسحاقا ; فجاء المصدر على الحذف ;
كما قيل : وإن أهلك فذلك كان قدري أي تقديري . وقيل : إن قوله تعالى : { إن أنتم إلا
في ضلال كبير }{ من قول خزنة جهنم لأهلها .
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ نظيره : { من خشي الرحمن بالغيب
" [ ق : 33 ] وقد مضى الكلام فيه . أي يخافون الله ويخافون عذابه الذي هو بالغيب ;
وهو عذاب يوم القيامة . لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهموَأَجْرٌ كَبِيرٌ وهو الجنة .
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر ;
يعني إن أخفيتم كلامكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم أو جهرتم به ف }{ إنه عليم
بذات الصدور }{ يعني بما في القلوب من الخير والشر . ابن عباس : نزلت في المشركين
كانوا ينالون من النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام ; فقال بعضهم
لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمع رب محمد ; فنزلت : { وأسروا قولكم أو اجهروا به }
. يعني : أسروا قولكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل في سائر الأقوال . أو
اجهروا به ; أعلنوه . إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ذات الصدور ما فيها ; كما
يسمى ولد المرأة وهو جنين }{ ذا بطنها } .
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ يعني ألا يعلم السر من خلق السر . يقول أنا خلقت السر في
القلب أفلا أكون عالما بما في قلوب العباد . وقال أهل المعاني : إن شئت جعلت }{ من }
اسما للخالق جل وعز ; ويكون المعنى : ألا يعلم الخالق خلقه . وإن شئت جعلته اسما
للمخلوق , والمعنى : ألا يعلم الله من خلق . ولا بد أن يكون الخالق عالما بما خلقه
وما يخلقه . قال ابن المسيب : بينما رجل واقف بالليل في شجر كثير وقد عصفت الريح
فوقع في نفس الرجل : أترى الله يعلم ما يسقط من هذا الورق ؟ فنودي من جانب الغيضة
بصوت عظيم : ألا يعلم من خلقوَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وقال الأستاذ أبو إسحاق
الإسفراييني : من أسماء صفات الذات ما هو للعلم ; منها }{ العليم }{ ومعناه تعميم
جميع المعلومات . ومنها }{ الخبير }{ ويختص بأن يعلم ما يكون قبل أن يكون . ومنها }
الحكيم }{ ويختص بأن يعلم دقائق الأوصاف . ومنها }{ الشهيد }{ ويختص بأن يعلم الغائب
والحاضر ومعناه أن لا يغيب عنه شيء , ومنها الحافظ ويختص بأنه لا ينسى . ومنها }
المحصي }{ ويختص بأنه لا تشغله الكثرة عن العلم ; مثل ضوء النور واشتداد الريح
وتساقط الأوراق ; فيعلم عند ذلك أجزاء الحركات في كل ورقة . وكيف لا يعلم وهو الذي
يخلق ! وقد قال : { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } .
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا أي سهلة تستقرون عليها . والذلول
المنقاد الذي يذل لك والمصدر الذل وهو اللين والانقياد . أي لم يجعل الأرض بحيث
يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلظة . وقيل : أي ثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ;
ولو كانت تتكفأ متمائلة لما كانت منقادة لنا . وقيل : أشار إلى التمكن من الزرع
والغرس وشق العيون والأنهار وحفر الآبار . فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا هو أمر إباحة
, وفيه إظهار الامتنان . وقيل : هو خبر بلفظ الأمر ; أي لكي تمشوا في أطرافها
ونواحيها وآكامها وجبالها . وقال ابن عباس وقتادة وبشير بن كعب : { في مناكبها }{ في
جبالها . وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها : إن أخبرتني ما مناكب الأرض
فأنت حرة ؟ فقالت : مناكبها جبالها . فصارت حرة , فأراد أن يتزوجها فسأل أبا الدرداء
فقال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك . مجاهد : في أطرافها . وعنه أيضا : في طرقها
وفجاجها . وقاله السدي والحسن . وقال الكلبي : في جوانبها . ومنكبا الرجل : جانباه
. وأصل المنكب الجانب ; ومنه منكب الرجل . والريح النكباء . وتنكب فلان عن فلان . يقول
: امشوا حيث أردتم فقد جعلتها لكم ذلولا لا تمتنع . وحكى قتادة عن أبي الجلد أن
الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ ; فللسودان اثنا عشر ألف , وللروم ثمانية آلاف ,
وللفرس ثلاثة آلاف , وللعرب ألف . وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ أي مما أحله لكم ; قاله
الحسن . وقيل : مما أتيته لكم . وَإِلَيْهِ النُّشُورُ المرجع . وقيل : معناه أن الذي
خلق السماء لا تفاوت فيها , والأرض ذلولا قادر على أن ينشركم .
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ قال ابن عباس :
أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه . وقيل : تقديره أأمنتم من في السماء قدرته
وسلطانه وعرشه ومملكته . وخص السماء وإن عم ملكه تنبيها على أن الإله الذي تنفذ
قدرته في السماء لا من يعظمونه في الأرض . وقيل : هو إشارة إلى الملائكة . وقيل : إلى
جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب . قلت : ويحتمل أن يكون المعنى : أأمنتم خالق من في
السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون . فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أي تذهب وتجيء
. والمور : الاضطراب بالذهاب والمجيء . قال الشاعر : رمين فأقصدن القلوب ولن ترى دما
مائرا إلا جرى في الحيازم جمع حيزوم وهو وسط الصدر . وإذا خسف بإنسان دارت به الأرض
فهو المور . وقال المحققون : أمنتم من فوق السماء ; كقوله : { فسيحوا في الأرض } [
التوبة : 2 ] أي فوقها لا بالمماسة والتحيز لكن بالقهر والتدبير . وقيل : معناه
أمنتم من على السماء ; كقوله تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } [ طه : 71 ] أي
عليها . ومعناه أنه مديرها ومالكها ; كما يقال : فلان على العراق والحجاز ; أي
واليها وأميرها . والأخبار في هذا الباب كثيرة صحيحة منتشرة , مشيرة إلى العلو ; لا
يدفعها إلا ملحد أو جاهل معاند . والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت . ووصفه
بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام . وإنما ترفع الأيدي
بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي , ومنزل القطر , ومحل القدس , ومعدن
المطهرين من الملائكة , وإليها ترفع أعمال العباد , وفوقها عرشه وجنته ; كما جعل
الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة , ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها , وكان
في أزله قبل خلق المكان والزمان . ولا مكان له ولا زمان . وهو الآن على ما عليه كان
. وقرأ قنبل عن ابن كثير }{ النشور وامنتم }{ بقلب الهمزة الأولى واوا وتخفيف الثانية
. وقرأ الكوفيون والبصريون وأهل الشام سوى أبي عمرو وهشام بالتخفيف في الهمزتين ,
وخفف الباقون . وقد تقدم جميعه .
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا أي حجارة
من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل . وقيل : ريح فيها حجارة وحصباء
. وقيل : سحاب فيه حجارة . فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ أي إنذاري . وقيل : النذير
بمعنى المنذر . يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فستعلمون صدقه وعاقبة تكذيبكم .
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني كفار الأمم ; كقوم نوح وعاد وثمود
وقوم لوط وأصحاب مدين وأصحاب الرس وقوم فرعونفَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ أي إنكاري وقد
تقدم . وأثبت ورش الياء في }{ نذيري , ونكيري }{ في الوصل . وأثبتها يعقوب في الحالين
. وحذف الباقون اتباعا للمصحف .
قوله تعالى : { أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات }{ أي كما ذلل الأرض للآدمي ذلل
الهواء للطيور . و }{ صافات }{ أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ; لأنهن إذا
بسطنها صففن قوائمها صفا .{ ويقبضن }{ أي يضربن بها جنوبهن . قال أبو جعفر النحاس :
يقال للطائر إذا بسط جناحيه : صاف , وإذا ضمهما فأصابا جنبه : قابض ; لأنه يقبضهما
. قال أبو خراش : يبادر جنح الليل فهو موائل يحث الجناح بالتبسط والقبض وقيل :
ويقبضن أجنحتهن بعد بسطها إذا وقفن من الطيران . وهو معطوف على }{ صافات }{ عطف
المضارع على اسم الفاعل ; كما عطف اسم الفاعل على المضارع في قول الشاعر : بات
يعشيها بعضب باتر يقصد في أسوقها وجائر }{ ما يمسكهن }{ أي ما يمسك الطير في الجو وهي
تطير إلا الله عز وجل .{ إنه بكل شيء بصير } .
أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ قال ابن عباس : حزب ومنعة لكم . لَكُمْ
يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ فيدفع عنكم ما أراد بكم إن عصيتموه . ولفظ الجند يوحد ;
ولهذا قال : { هذا الذي هو جند لكم }{ وهو استفهام إنكار ; أي لا جند لكم يدفع عنكم
عذاب الله }{ من دون الرحمن }{ أي من سوى الرحمن . الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ
إِلَّا فِي من الشياطين ; تغرهم بأن لا عذاب ولا حساب .
أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي أي يعطيكم منافع الدنيا . وقيل المطر من آلهتكم
. يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ يعني الله تعالى رزقه . رِزْقَهُ بَلْ أي تمادوا وأصروا
. لَجُّوا فِي طغيانعُتُوٍّ عن الحق .
ضرب الله مثلا للمؤمن والكافر }{ مكبا }{ أي منكسا رأسه لا ينظر أمامه ولا يمينه ولا
شماله ; فهو لا يأمن من العثور والانكباب على وجهه . كمن يمشي سويا معتدلا ناظرا ما
بين يديه وعن يمينه وعن شماله . قال ابن عباس : هذا في الدنيا ; ويجوز أن يريد به
الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق فيعتسف ; فلا يزال ينكب على وجهه . وأنه ليس كالرجل
السوي الصحيح البصير الماشي في الطريق المهتدي له . وقال قتادة : هو الكافر أكب على
معاصي الله في الدنيا فحشره الله يوم القيامة على وجهه . وقال ابن عباس والكلبي :
عنى بالذي يمشي مكبا على وجهه أبا جهل , وبالذي يمشي سويا رسول الله صلى الله عليه
وسلم . وقيل أبو بكر . وقيل حمزة . وقيل عمار ابن ياسر ; قاله عكرمة . وقيل : هو عام في
الكافر والمؤمن ; أي أن الكافر لا يدري أعلى حق هو أم على باطل . أي أهذا الكافر
أهدى أو المسلم الذي يمشي سويا معتدلا يبصر للطريق وهو }{ على صراط مستقيم }{ وهو
الإسلام . ويقال : أكب الرجل على وجهه ; فيما لا يتعدى بالألف . فإذا تعدى قيل : كبه
الله لوجهه ; بغير ألف .
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ أمر نبيه أن يعرفهم قبح شركهم مع اعترافهم بأن الله
خلقهم . وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ يعني
القلوبقَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ أي لا تشكرون هذه النعم , ولا توحدون الله تعالى
. تقول : قلما أفعل كذا ; أي لا أفعله .
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي خلقكم في الأرض ; قاله ابن عباس
. وقيل : نشركم فيها وفرقكم على ظهرها ; قاله ابن شجرة . وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ حتى
يجازي كلا بعمله .
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ أي قل لهم يا محمد علم وقت قيام الساعة عند
الله فلا يعلمه غيره . نظيره : { قل إنما علمها عند ربي } [ الأعراف : 187 ] الآية
. وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي مخوف ومعلم لكم .
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً مصدر بمعنى مزدلفا أي قريبا ; قال مجاهد . الحسن عيانا
. وأكثر المفسرين على أن المعنى : فلما رأوه يعني العذاب , وهو عذاب الآخرة . وقال
مجاهد : يعني عذاب بدر . وقيل : أي رأوا ما وعدوا من الحشر قريبا منهم . ودل عليه }
تحشرون } . وقال ابن عباس : لما رأوا عملهم السيئ قريبا . سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا أي فعل بها السوء . وقال الزجاج : تبين فيها السوء أي ساءهم ذلك العذاب
وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم ; كقوله تعالى : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } [
آل عمران : 106 ] . وقرأ نافع وابن محيصن وابن عامر والكسائي }{ سئت }{ بإشمام الضم
. وكسر الباقون بغير إشمام طلبا للخفة . ومن ضم لاحظ الأصل . وَقِيلَ هَذَا الَّذِي
كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ قال الفراء : { تدعون }{ تفتعلون من الدعاء وهو قول أكثر
العلماء أي تتمنون وتسألون . وقال ابن عباس : تكذبون ; وتأويله : هذا الذي كنتم من
أجله تدعون الأباطيل والأحاديث ; قاله الزجاج . وقراءة العامة }{ تدعون }{ بالتشديد ,
وتأويله ما ذكرناه . وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق والضحاك ويعقوب }{ تدعون }{ مخففة . قال
قتادة : هو قولهم }{ ربنا عجل لنا قطنا } [ ص : 16 ] . وقال الضحاك : هو قولهم }
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } [ الأنفال : 32 ]
الآية . وقال أبو العباس : { تدعون }{ تستعجلون ; يقال : دعوت بكذا إذا طلبته ;
وادعيت افتعلت منه . النحاس : { تدعون وتدعون }{ بمعنى واحد ; كما يقال : قدر واقتدر
, وعدا واعتدى ; إلا أن في }{ افتعل }{ معنى شيء بعد شيء , و }{ فعل }{ يقع على القليل
والكثير .
قوله تعالى : { قل أرأيتم إن أهلكني الله }{ أي قل لهم يا محمد - يريد مشركي مكة ,
وكانوا يتمنون موت محمد صلى الله عليه وسلم ; كما قال تعالى : { أم يقولون شاعر
نتربص به ريب المنون } [ الطور : 30 ] - أرأيتم إن متنا أو رحمنا فأخرت آجالنا فمن
يجيركم من عذاب الله ; فلا حاجة بكم إلى التربص بنا ولا إلى استعجال قيام الساعة
. وأسكن الياء في }{ أهلكني }{ ابن محيصن والمسيبي وشيبة والأعمش وحمزة . وفتحها
الباقون . وكلهم فتح الياء في }{ ومن معي }{ إلا أهل الكوفة فإنهم سكنوها . وفتحها حفص
كالجماعة .
قوله تعالى : { قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون }{ قرأ الكسائي بالياء
على الخبر ; ورواه عن علي . الباقون بالتاء على الخطاب . وهو تهديد لهم . ويقال : لم
أخر مفعول }{ آمنا }{ وقدم مفعول }{ توكلنا }{ فيقال : لوقوع }{ آمنا }{ تعريضا بالكافرين
حين ورد عقيب ذكرهم . كأنه قيل : آمنا ولم نكفر كما كفرتم . ثم قال }{ وعليه توكلنا }
خصوصا لم نتكل على ما أنتم متكلون عليه من رجالكم وأموالكم ; قاله الزمخشري .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ يا معشر قريشإِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا أي غائرا ذاهبا في
الأرض لا تناله الدلاء . وكان ماؤهم من بئرين : بئر زمزم وبئر ميمون . فَمَنْ
يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ أي جار ; قاله قتادة والضحاك . فلا بد لهم من أن يقولوا
لا يأتينا به إلا الله ; فقل لهم لم تشركون به من لا يقدر على أن يأتيكم . يقال :
غار الماء يغور غورا ; أي نضب . والغور : الغائر ; وصف بالمصدر للمبالغة ; كما تقول
: رجل عدل ورضا . وقد مضى في سورة }{ الكهف }{ ومضى القول في المعنى في سورة }
المؤمنون }{ والحمد لله . وعن ابن عباس : { بماء معين }{ أي ظاهر تراه العيون ; فهو
مفعول . وقيل : هو من معن الماء أي كثر ; فهو على هذا فعيل . وعن ابن عباس أيضا أن
المعنى فمن يأتيكم بماء عذب . والله أعلم .
نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer