Prev  

83. Surah Al-Mutaffifîn سورة المطفّفين

  Next  



تفسير القرطبي - المطففين - Al-Mutaffifin -
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ
    +/- -/+  
الأية
1
 
سورة المطففين مكية قال مقاتل : وهي أول سورة نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة : مدنية إلا ثماني آيات من قوله : { إن الذين أجرموا }{ إلى آخرها , مكي . وقال الكلبي وجابر بن زيد : نزلت بين مكة والمدينة . وفيه أربع مسائل : الأولى : روى النسائي عن ابن عباس قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا , فأنزل الله تعالى : { ويل للمطففين }{ فأحسنوا الكيل بعد ذلك . قال الفراء : فهم من أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا . وعن ابن عباس أيضا قال : هي : أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة نزل المدينة , وكان هذا فيهم ; كانوا إذا اشتروا استوفوا بكيل راجح , فإذا باعوا بخسوا المكيال والميزان , فلما نزلت هذه السورة انتهوا , فهم أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا . وقال قوم : نزلت في رجل يعرف بأبي جهينة , واسمه عمرو ; كان له صاعان يأخذ بأحدهما , ويعطي بالآخر ; قاله أبو هريرة رضي الله عنه . الثانية : قوله تعالى : { ويل }{ أي شدة عذاب في الآخرة . وقال ابن عباس : إنه واد في جهنم يسيل فيه صديد . أهل النار , فهو قوله تعالى : { ويل للمطففين }{ أي الذين ينقصون مكاييلهم وموازينهم . وروي عن ابن عمر قال : المطفف : الرجل يستأجر المكيال وهو يعلم أنه يحيف في كيله فوزره عليه . وقال آخرون : التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة والحديث . في الموطأ قال مالك : ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف . وروي عن سالم ابن أبي الجعد قال : الصلاة بمكيال , فمن أوفى له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله عز وجل في ذلك : { ويل للمطففين } . الثالثة : قال أهل اللغة : المطفف مأخوذ من الطفيف , وهو القليل , والمطفف هو المقل حق صاحبه بنقصانه عن الحق , في كيل أو وزن . وقال الزجاج : إنما قيل للفاعل من هذا مطفف ; لأنه لا يكاد يسرق من المكيال والميزان إلا الشيء الطفيف الخفيف , وإنما أخذ من طف الشيء وهو جانبه . وطفاف المكوك وطفافه بالكسر والفتح : ما ملأ أصباره , وكذلك طف المكوك وطففه ; وفي الحديث : ( كلكم بنو آدم طف الصاع لم تملئوه )  . وهو أن يقرب أن يمتلئ فلا يفعل , والمعنى بعضكم من بعض قريب , فليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى . والطفاف والطفافة بالضم : ما فوق المكيال . وإناء طفاف : إذا بلغ الملء طفافه ; تقول منه : أطففت . والتطفيف : نقص المكيال وهو ألا تملأه إلى أصباره , أي جوانبه ; يقال : أدهقت الكأس إلى أصبارها أي إلى رأسها . وقول ابن عمر حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبق الخيل : كنت فارسا يومئذ فسبقت الناس حتى طفف بي الفرس مسجد بني زريق , حتى كاد يساوي المسجد . يعني : وثب بي . الرابعة : المطفف : هو الذي يخسر في الكيل والوزن , ولا يوفي حسب ما بيناه ; وروى ابن القاسم عن مالك : أنه قرأ }{ ويل للمطففين }{ فقال : لا تطفف ولا تخلب , ولكن أرسل وصب عليه صبا , حتى إذا استوفى أرسل يدك ولا تمسك . وقال عبد الملك بن الماجشون : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الطفاف , وقال : إن البركة في رأسه . قال : وبلغني أن كيل فرعون كان مسحا بالحديد .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ
    +/- -/+  
الأية
2
 
قال الفراء : أي من الناس يقال : اكتلت منك : أي استوفيت منك , ويقال : اكتلت ما عليك : أي أخذت ما عليك . وقال الزجاج : أي إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل ; والمعنى : الذين إذا استوفوا أخذوا الزيادة , وإذا أوفوا أو وزنوا لغيرهم نقصوا , فلا يرضون للناس ما يرضون لأنفسهم . الطبري : { على }{ بمعنى عند .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { وإذا كالوهم أو وزنوهم } : أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذفت اللام , فتعدى الفعل فنصب ; ومثله نصحتك ونصحت لك , وأمرتك به وأمرتكه ; قاله الأخفش والفراء . قال الفراء : وسمعت أعرابية تقول إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكيلنا المد والمدين إلى الموسم المقبل . وهو من كلام أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس . قال الزجاج : لا يجوز الوقف على }{ كالوا }{ و }{ وزنوا }{ حتى تصل به } هم }{ قال : ومن الناس من يجعلها توكيدا , ويجيز الوقف على }{ كالوا }{ و }{ وزنوا } والأول الاختيار ; لأنها حرف واحد . وهو قول الكسائي . قال أبو عبيد : وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين , ويقف على }{ كالوا }{ و }{ وزنوا }{ ويبتدئ }{ هم يخسرون }{ قال : وأحسب قراءة حمزة كذلك أيضا . قال أبو عبيد : والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين : إحداهما : الخط ; وذلك أنهم كتبوهما بغير ألف , ولو كانتا مقطوعتين لكانتا { كالوا }{ و }{ وزنوا }{ بالألف , والأخرى : أنه يقال : كلتك ووزنتك بمعنى كلت لك , ووزنت لك , وهو كلام عربي ; كما يقال : صدتك وصدت لك , وكسبتك وكسبت لك , وكذلك شكرتك ونصحتك ونحو ذلك . قول : { يخسرون } : أي ينقصون ; والعرب تقول : أخسرت الميزان وخسرته . و ( هم )  في موضع نصب , على قراءة العامة , راجع إلى الناس , تقديره ( وإذا كالوا )  الناس ( أو وزنوهم يخسرون )  وفيه وجهان : أحدهما أن يراد كالوا لهم أو وزنوا لهم , فحذف الجار , وأوصل الفعل , كما قال : ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر أراد : جنيت لك , والوجه الآخر : أن يكون على حذف المضاف , وإقامة المضاف إليه مقامه , والمضاف هو المكيل والموزون . وعن ابن عباس رضي الله عنه : إنكم معاشر الأعاجم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم : المكيال والميزان . وخص الأعاجم , لأنهم كانوا يجمعون الكيل والوزن جميعا , وكانا مفرقين في الحرمين ; كان أهل مكة يزنون , وأهل المدينة يكيلون . وعلى القراءة الثانية }{ هم } في موضع رفع بالابتداء ; أي وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم فهم يخسرون . ولا يصح ; لأنه تكون الأولى ملغاة , ليس لها خبر , وإنما كانت تستقيم لو كان بعدها : وإذا كالوا هم ينقصون , أو وزنوا هم يخسرون . الثانية : قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خمس بخمس : ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم , ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر , وما ظهرت الفاحشة فيهم إلا ظهر فيهم الطاعون , وما طففوا الكيل إلا منعوا النبات , وأخذوا بالسنين , ولا منعوا الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر )  خرجه أبو بكر البزار بمعناه , ومالك بن أنس أيضا من حديث ابن عمر . وقد ذكرناه في كتاب التذكرة . وقال مالك بن دينار : دخلت على جار لي قد نزل به الموت , فجعل يقول : جبلين من نار , جبلين من نار فقلت : ما تقول ؟ أتهجر ؟ قال : يا أبا يحيى , كان لي مكيالان , أكيل بأحدهما , وأكتال بالآخر فقمت فجعلت أضرب أحدهما بالآخر حتى كسرتهما فقال يا أبا يحيى كلما ضربت أحدهما بالآخر ازداد عظما , فمات من وجعه . وقال عكرمة : أشهد على كل كيال أو وزان أنه في النار . قيل له : فإن ابنك كيال أو وزان . فقال : أشهد أنه في النار . قال الأصمعي : وسمعت أعرابية تقول : لا تلتمس المروءة ممن مروءته في رءوس المكاييل , ولا ألسنة الموازين . وروي ذلك عن علي رضي الله عنه , وقال عبد خير : مر علي رضي الله عنه على رجل وهو يزن الزعفران وقد أرجح , فأكفأ الميزان , ثم قال : أقم الوزن بالقسط ; ثم أرجح بعد ذلك ما شئت . كأنه أمره بالتسوية أولا ليعتادها , ويفضل الواجب من النفل . وقال نافع : كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول : اتق الله وأوف الكيل والوزن بالقسط , فإن المطففين يوم القيامة يوقفون حتى إن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم . وقد روي أن أبا هريرة قدم المدينة وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة , فقال أبو هريرة : فوجدناه في صلاة الصبح فقرأ في الركعة الأولى }{ كهيعص } وقرأ في الركعة الثانية }{ ويل للمطففين }{ قال أبو هريرة : فأقول في صلاتي : ويل لأبي فلان , كان له مكيالان إذا اكتال اكتال بالوافي , وإذا كال كال بالناقص .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ
    +/- -/+  
الأية
4
 
أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ إنكار وتعجب عظيم من حالهم , في الاجتراء على التطفيف , كأنهم لا يخطرون التطفيف ببالهم , ولا يخمنون تخميناأَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ فمسئولون عما يفعلون . والظن هنا بمعنى اليقين ; أي ألا يوقن أولئك , ولو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والوزن . وقيل : الظن بمعنى التردد , أي إن كانوا لا يستيقنون بالبعث , فهلا ظنوه , حتى يتدبروا ويبحثوا عنه , ويأخذوا بالأحوط .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
6
 
فيه أربع مسائل : الأولى : العامل في }{ يوم }{ فعل مضمر , دل عليه }{ مبعوثون } والمعنى يبعثون }{ يوم يقوم الناس لرب العالمين } . ويجوز أن يكون بدلا من يوم في } ليوم عظيم } , وهو مبني . وقيل : هو في موضع خفض ; لأنه أضيف إلى غير متمكن . وقيل : هو منصوب على الظرف أي في يوم , ويقال : أقم إلى يوم يخرج فلان , فتنصب يوم , فإن أضافوا إلى الاسم فحينئذ يخفضون ويقولون : أقم إلى يوم خروج فلان . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير , التقدير إنهم مبعوثون يوم يقوم الناس لرب العالمين ليوم عظيم . الثانية : وعن عبد الملك بن مروان : أن أعرابيا قال له : قد سمعت ما قال الله تعالى في المطففين ; أراد بذلك أن المطففين قد توجه عليهم هذا الوعيد العظيم الذي سمعت به , فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن . وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن , ووصف اليوم بالعظيم , وقيام الناس فيه لله خاضعين , ووصف ذاته برب العالمين , بيان بليغ لعظم الذنب , وتفاقم الإثم في التطفيف , وفيما كان في مثل حاله من الحيف , وترك القيام بالقسط , والعمل على التسوية والعدل , في كل أخذ وإعطاء , بل في كل قول وعمل . الثالثة : قرأ ابن عمر : { ويل للمطففين }{ حتى بلغ }{ يوم يقوم الناس لرب العالمين }{ فبكى حتى سقط , وامتنع من قراءة ما بعده , ثم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( يوم يقوم الناس لرب العالمين , في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة , فمنهم من يبلغ العرق كعبيه , ومنهم من يبلغ ركبتيه , ومنهم من يبلغ حقويه , ومنهم من يبلغ صدره , ومنهم من يبلغ أذنيه , حتى إن أحدهم ليغيب في رشحه كما يغيب الضفدع )  . وروى ناس عن ابن عباس قال : يقومون مقدار ثلاثمائة سنة . قال : ويهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة . وروي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يقومون ألف عام في الظلة )  . وروى مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى إن أحدهم ليقوم في رشحه إلى أنصاف أذنيه )  . وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( يقوم مائة سنة )  . وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم لبشير الغفاري : ( كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه مقدار ثلاثمائة سنة لرب العالمين , لا يأتيهم فيه خبر , ولا يؤمر فيه بأمر )  قال بشير : المستعان الله . قلت : قد ذكرناه مرفوعا من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه ليخفف عن المؤمن , حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا )  في }{ سأل سائل " [ المعارج : 1 ] . وعن ابن عباس : يهون على المؤمنين قدر صلاتهم الفريضة . وقيل : إن ذلك المقام على المؤمن كزوال الشمس ; والدليل على هذا من الكتاب قوله الحق : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [ يونس : 62 ] ثم وصفهم فقال : { الذين آمنوا وكانوا يتقون } [ يونس : 63 ] جعلنا الله منهم بفضله وكرمه وجوده . ومنه آمين . وقيل : المراد بالناس جبريل عليه السلام يقوم لرب العالمين ; قاله ابن جبير وفيه بعد ; لما ذكرنا من الأخبار في ذلك , وهي صحيحة ثابتة , وحسبك بما في صحيح مسلم , والبخاري والترمذي من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم }{ يوم يقوم الناس لرب العالمين }{ قال : ( يقوم أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه )  . ثم قيل : هذا القيام يوم يقومون من قبورهم . وقيل : في الآخرة بحقوق عباده في الدنيا . وقال يزيد الرشك : يقومون بين يديه للقضاء . الرابعة : القيام لله رب العالمين سبحانه حقير بالإضافة إلى عظمته وحقه , فأما قيام الناس بعضهم لبعض فاختلف فيه الناس ; فمنهم من أجازه , ومنهم من منعه . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى جعفر بن أبي طالب واعتنقه , وقام طلحة لكعب بن مالك يوم تيب عليه . وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار حين طلع عليه سعد بن معاذ : ( قوموا إلى سيدكم )  . وقال أيضا : ( من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار )  . وذلك يرجع إلى حال الرجل ونيته , فإن انتظر ذلك واعتقده لنفسه , فهو ممنوع , وإن كان على طريق البشاشة والوصلة فإنه جائز , وخاصة عند الأسباب , كالقدوم من السفر ونحوه . وقد مضى في آخر سورة }{ يوسف }{ شيء من هذا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
    +/- -/+  
الأية
7
 
قال قوم من أهل العلم بالعربية : { كلا }{ ردع وتنبيه , أي ليس الأمر على ما هم عليه من تطفيف الكيل والميزان , أو تكذيب بالآخرة , فليرتدعوا عن ذلك . فهي كلمة ردع وزجر , ثم استأنف فقال : { إن كتاب الفجار } . وقال الحسن : { كلا }{ بمعنى حقا . وروى ناس عن ابن عباس }{ كلا }{ قال : ألا تصدقون ; فعلى هذا : الوقف }{ لرب العالمين . وفي تفسير مقاتل : إن أعمال الفجار . وروى ناس عن ابن عباس قال : إن أرواح الفجار وأعمالهم }{ لفي سجين } . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : سجين صخرة تحت الأرض السابعة , تقلب فيجعل كتاب الفجار تحتها . ونحوه عن ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير ومقاتل وكعب ; قال كعب : تحتها أرواح الكفار تحت خد إبليس . وعن كعب أيضا قال : سجين صخرة سوداء تحت الأرض السابعة , مكتوب فيها اسم كل شيطان , تلقى أنفس , الكفار عندها . وقال سعيد بن جبير : سجين تحت خد إبليس . يحيى بن سلام : حجر أسود تحت الأرض , يكتب فيه أرواح الكفار . وقال عطاء الخراساني : هي الأرض السابعة السفلى , وفيها إبليس وذريته . وعن ابن عباس قال : إن الكافر يحضره الموت , وتحضره رسل الله , فلا يستطيعون لبغض الله له وبغضهم إياه , أن يؤخروه ولا يعجلوه حتى تجيء ساعته , فإذا جاءت ساعته قبضوا نفسه , ورفعوه إلى ملائكة العذاب , فأروه ما شاء الله أن يروه من الشر , ثم هبطوا به إلى الأرض السابعة , وهي سجين , وهي آخر سلطان إبليس , فأثبتوا فيها كتابه . وعن كعب الأحبار في هذه الآية قال : إن روح الفاجر إذا قبضت يصعد بها إلى السماء , فتأبى السماء أن تقبلها , ثم يهبط بها إلى الأرض , فتأبى الأرض أن تقبلها , فتدخل في سبع أرضين , حتى ينتهى بها إلى سجين , وهو خد إبليس . فيخرج لها من سجين من تحت خد إبليس رق , فيرقم فيوضع تحت خد إبليس . وقال الحسن : سجين في الأرض السابعة . وقيل : هو ضرب مثل وإشارة إلى أن الله تعالى يرد أعمالهم التي ظنوا أنها تنفعهم . قال مجاهد : المعنى عملهم تحت الأرض السابعة لا يصعد منها شيء . وقال : سجين صخرة في الأرض السابعة . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سجين جب في جهنم وهو مفتوح )  وقال في الفلق : ( إنه جب مغطى )  . وقال أنس : هي دركة في الأرض السفلى . وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سجين أسفل الأرض السابعة )  . وقال عكرمة : ( سجين : خسار وضلال ; كقولهم لمن سقط قدره : قد زلق بالحضيض . وقال أبو عبيدة والأخفش والزجاج : { لفي سجين }{ لفي حبس وضيق شديد , فعيل من السجين ; كما يقول : فسيق وشريب ; قال ابن مقبل : ورفقة يضربون البيض ضاحية ضربا تواصت به الأبطال سجينا والمعنى : كتابهم في حبس ; جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم , أو لأنه يحل من الإعراض عنه والإبعاد له محل الزجر والهوان . وقيل : أصله سجيل , فأبدلت اللام نونا . وقد تقدم ذلك . وقال زيد بن أسلم : سجين في الأرض السافلة , وسجيل في السماء الدنيا . القشيري : سجين : موضع في السافلين , يدفن فيه كتاب هؤلاء , فلا يظهر بل يكون في ذلك الموضع كالمسجون . وهذا دليل على خبث أعمالهم , وتحقير الله إياها ; ولهذا قال في كتاب الأبرار : { يشهده المقربون } .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ
    +/- -/+  
الأية
8
 
وما أدراك ما سجين }{ أي ليس ذلك مما كنت تعلمه يا محمد أنت ولا قومك . وليس في قوله : { وما أدراك ما سجين }{ ما يدل على أن لفظ سجين ليس عربيا , كما لا يدل في قوله : { القارعة ما القارعة . وما أدراك ما القارعة } [ القارعة : 1 - 3 ] بل هو تعظيم لأمر سجين , وقد مضى في مقدمة الكتاب - والحمد لله - أنه ليس في القرآن غير عربي .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
كِتَابٌ مَرْقُومٌ
    +/- -/+  
الأية
9
 
أي مكتوب كالرقم في الثوب , لا ينسى ولا يمحى . وقال قتادة : مرقوم أي مكتوب , رقم لهم بشر : لا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد . وقال الضحاك : مرقوم : مختوم , بلغة حمير ; وأصل الرقم : الكتابة ; قال : سأرقم في الماء القراح إليكم على بعدكم إن كان للماء راقم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
    +/- -/+  
الأية
10
 
أي شدة وعذاب يوم القيامة للمكذبين . ثم بين تعالى أمرهم فقال : { الذين يكذبون بيوم الدين } .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
12
 
أي فاجر جائز عن الحق , معتد على الخلق في معاملته إياهم وعلى نفسه , وهو أثيم في ترك أمر الله . وقيل هذا في الوليد بن المغيرة وأبي جهل ونظرائهما .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
    +/- -/+  
الأية
13
 
وقراءة العامة }{ تتلى }{ بتاءين , وقراءة أبي حيوة وأبي سماك وأشهب العقيلي والسلمي : { إذا يتلى }{ بالياء . وأساطير الأولين : أحاديثهم وأباطيلهم التي كتبوها وزخرفوها . واحدها أسطورة وإسطارة , وقد تقدم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
كلا } : ردع وزجر , أي ليس هو أساطير الأولين . وقال الحسن : معناها حقا }{ ران على قلوبهم } . وقيل : في الترمذي : عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء , فإذا هو نزع واستغفر الله وتاب , صقل قلبه , فإن عاد زيد . فيها , حتى تعلو على قلبه )  , وهو ( الران )  الذي ذكر الله في كتابه : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } . قال : هذا حديث حسن صحيح . وكذا قال المفسرون : هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب . قال مجاهد : هو الرجل يذنب الذنب , فيحيط الذنب بقلبه , ثم يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه , حتى تغشي الذنوب قلبه . قال مجاهد : هي مثل الآية التي في سورة البقرة : { بلى من كسب سيئة } [ البقرة : 81 ] الآية . ونحوه عن الفراء ; قال : يقول كثرت المعاصي منهم والذنوب , فأحاطت بقلوبهم , فذلك الرين عليها . وروي عن مجاهد أيضا قال : القلب مثل الكهف ورفع كفه , فإذا أذنب العبد الذنب انقبض , وضم إصبعه , فإذا أذنب الذنب انقبض , وضم أخرى , حتى ضم أصابعه كلها , حتى يطبع على قلبه . قال : وكانوا يرون أن ذلك هو الرين , ثم قرأ : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } . ومثله عن حذيفة رضي الله عنه سواء . وقال بكر بن عبد الله : إن العبد إذا أذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة , ثم صار إذا أذنب ثانيا صار كذلك , ثم إذا كثرت الذنوب صار القلب كالمنخل , أو كالغربال , لا يعي خيرا , ولا يثبت فيه صلاح . وقد بينا في }{ البقرة }{ القول في هذا المعنى بالأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلا معنى لإعادتها . وقد روى عبد الغني بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس , وعن موسى عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس شيئا الله أعلم بصحته ; قال : هو الران الذي يكون على الفخذين والساق والقدم , وهو الذي يلبس في الحرب . قال : وقال آخرون : الران : الخاطر الذي يخطر بقلب الرجل . وهذا مما لا يضمن عهدة صحته . فالله أعلم . فأما عامة أهل التفسير فعلى ما قد مضى ذكره قبل هذا . وكذلك أهل اللغة عليه ; يقال : ران على قلبه ذنبه يرين رينا وريونا أي غلب . قال أبو عبيدة في قوله : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون }{ أي غلب ; وقال أبو عبيد : كل ما غلبك [ وعلاك ] فقد ران بك , ورانك , وران عليك ; وقال الشاعر : وكم ران من ذنب على قلب فاجر فتاب من الذنب الذي ران وانجلى ورانت الخمر على عقله : أي غلبته , وران عليه النعاس : إذا غطاه ; ومنه قول عمر في الأسيفع - أسيفع جهينة - : فأصبح قد رين به . أي غلبته الديون , وكان يدان ; ومنه قول أبي زبيد يصف رجلا شرب حتى غلبه الشراب سكرا , فقال : ثم لما رآه رانت به الخم ر وأن لا ترينه باتقاء فقوله : رانت به الخمر , أي غلبت على عقله وقلبه . وقال الأموي : قد أران القوم فهم مرينون : إذا هلكت مواشيهم وهزلت . وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم , فلا يستطيعون احتماله . قال أبو زيد يقال : قد رين بالرجل رينا : إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه , ولا قبل له وقال أبو معاذ النحوي : الرين : أن يسود القلب من الذنوب , والطبع أن يطبع على القلب , وهذا أشد من الرين , والإقفال أشد من الطبع . الزجاج : الرين : هو كالصدأ يغشي القلب كالغيم الرقيق , ومثله الغين , يقال : غين على قلبه : غطي . والغين : شجر ملتف , الواحدة غيناء , أي خضراء , كثيرة الورق , ملتفة الأغصان . وقد تقدم قول الفراء : إنه إحاطة الذنب بالقلوب . وذكر الثعلبي عن ابن عباس : { ران على قلوبهم } : أي غطى عليها . وهذا هو الصحيح عنه إن شاء الله . وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وأبو بكر والمفضل }{ ران }{ بالإمالة ; لأن فاء الفعل الراء , وعينه الألف منقلبة من ياء , فحسنت الإمالة لذلك . ومن فتح فعلى الأصل ; لأن باب فاء الفعل في ( فعل )  الفتح , مثل كال وباع ونحوه . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ووقف حفص }{ بل }{ ثم يبتدئ }{ ران } وقفا يبين اللام , لا للسكت .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ
    +/- -/+  
الأية
15
 
كَلَّا أي حقاإِنَّهُمْ يعني الكفارعَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامةلَمَحْجُوبُونَ وقيل : { كلا }{ ردع وزجر , أي ليس كما يقولون , بل }{ إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } . قال الزجاج : في هذه الآية دليل على أن الله عز وجل يرى في القيامة , ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة , ولا خست منزلة الكفار بأنهم يحجبون . وقال جل ثناؤه : { وجوه يومئذ ناضرة , إلى ربها ناظرة } [ القيامة : 22 - 23 ] فأعلم الله جل ثناؤه أن المؤمنين ينظرون إليه , وأعلم أن الكفار محجوبون عنه , وقال مالك بن أنس في هذه الآية : لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه . وقال الشافعي : لما حجب قوما بالسخط , دل على أن قوما يرونه بالرضا . ثم قال : أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا . وقال الحسين بن الفضل : لما حجبهم في الدنيا عن نور توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته . وقال مجاهد في قوله تعالى : { لمحجوبون } : أي عن كرامته ورحمته ممنوعون . وقال قتادة : هو أن الله لا ينظر إليهم برحمته , ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . وعلى الأول الجمهور , وأنهم محجوبون عن رؤيته فلا يرونه .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ
    +/- -/+  
الأية
16
 
أي ملازموها , ومحترقون فيها غير خارجين منها , { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } [ النساء : 56 ] و }{ كلما خبت زدناهم سعيرا } [ الإسراء : 97 ] . ويقال : الجحيم الباب الرابع من النار .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
    +/- -/+  
الأية
17
 
ثُمَّ يُقَالُ لهم أي تقول لهم خزنة جهنمهَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ رسل الله في الدنيا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ
    +/- -/+  
الأية
18
 
كلا }{ بمعنى حقا , والوقف على }{ تكذبون } . وقيل أي ليس الأمر كما يقولون ولا كما ظنوا بل كتابهم في سجين , وكتاب المؤمنين في عليين . وقال مقاتل : كلا , أي لا يؤمنون بالعذاب الذي يصلونه . ثم استأنف فقال : { إن كتاب الأبرار }{ مرفوع في عليين على قدر مرتبتهم . قال ابن عباس : أي في الجنة . وعنه أيضا قال : أعمالهم في كتاب الله في السماء . وقال الضحاك ومجاهد وقتادة : يعني السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين . وروى ابن الأجلح عن الضحاك قال : هي سدرة المنتهى , ينتهي إليها كل شيء من أمر الله لا يعدوها , فيقولون : رب عبدك فلان , وهو أعلم به منهم , فيأتيه كتاب من الله عز وجل مختوم بأمانه من العذاب . فذلك قوله تعالى : { كلا إن كتاب الأبرار } . وعن كعب الأحبار قال : إن روح المؤمن إذا قبضت صعد بها إلى السماء , وفتحت لها أبواب السماء , وتلقتها الملائكة بالبشرى , ثم يخرجون معها حتى ينتهوا إلى العرش , فيخرج لهم من تحت العرش , رق فيرقم ويختم فيه النجاة من الحساب يوم القيامة ويشهده المقربون . وقال قتادة أيضا : { في عليين }{ هي فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى . وقال البراء بن عازب قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليون في السماء السابعة تحت العرش )  . وعن ابن عباس أيضا : هو لوح من زبرجدة خضراء معلق بالعرش , أعمالهم مكتوبة فيه . وقال الفراء : عليون ارتفاع بعد ارتفاع . وقيل : عليون أعلى الأمكنة . وقيل : معناه علو في علو مضاعف , كأنه لا غاية له ; ولذلك جمع بالواو والنون . وهو معنى قول الطبري . قال الفراء : هو اسم موضوع على صفة الجمع , ولا واحد له من لفظه ; كقولك : عشرون وثلاثون , والعرب إذا جمعت جمعا ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية , قالوا في المذكر والمؤنث بالنون . وهي معنى قول الطبري . وقال الزجاج : إعراب هذا الاسم كإعراب الجمع , كما تقول : هذه قنسرون , ورأيت قنسرين . وقال يونس النحوي واحدها : علي وعلية . وقال أبو الفتح : عليين : جمع علي , وهو فعيل من العلو . وكان سبيله أن يقول علية كما قالوا للغرفة علية ; لأنها من العلو , فلما حذف التاء من علية عوضوا منها الجمع بالواو والنون , كما قالوا في أرضين . وقيل : إن عليين صفة للملائكة , فإنهم الملأ الأعلى ; كما يقال : فلان في بني فلان ; أي هو في جملتهم وعندهم . والذي في الخبر من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهل عليين لينظرون إلى الجنة من كذا , فإذا أشرف رجل من أهل عليين أشرقت الجنة لضياء وجهه , فيقولون : ما هذا النور ؟ فيقال أشرف رجل من أهل عليين الأبرار أهل الطاعة والصدق )  . وفي خبر آخر : ( إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما يرى الكوكب الدري في أفق السماء )  يدل على أن عليين اسم الموضع المرتفع . وروى ناس عن ابن عباس في قوله }{ عليين }{ قال : أخبر أن أعمالهم وأرواحهم في السماء الرابعة .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
أي ما الذي أعلمك يا محمد أي شيء عليون ؟ على جهة التفخيم والتعظيم له في المنزلة الرفيعة . ثم فسره له فقال : { كتاب مرقوم يشهده المقربون } .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
كِتَابٌ مَرْقُومٌ
    +/- -/+  
الأية
20
 
ليس تفسيرا لعليين , بل تم الكلام عند قوله }{ عليون }{ ثم ابتدأ وقال : { كتاب مرقوم { أي كتاب الأبرار كتاب مرقوم ولهذا عكس الرقم في كتاب الفجار ; قاله القشيري . وروي : أن الملائكة تصعد بعمل العبد , فيستقبلونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه أوحى إليهم : إنكم الحفظة على عبدي , وأنا الرقيب على ما في قلبه , وإنه أخلص لي عمله , فاجعلوه في عليين , فقد غفرت له , وإنها لتصعد بعمل العبد , فيتركونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله أوحى إليهم : أنتم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه , وإنه لم يخلص لي عمله , فاجعلوه في سجين .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ
    +/- -/+  
الأية
21
 
أي يشهد عمل الأبرار مقربو كل سماء من الملائكة . وقال وهب وابن إسحاق : المقربون هنا إسرافيل عليه السلام , فإذا عمل المؤمن عمل البر , صعدت الملائكة بالصحيفة وله نور يتلألأ في السموات كنور الشمس في الأرض , حتى ينتهى بها إلى إسرافيل , فيختم عليها ويكتب فهو قوله : { يشهده المقربون }{ أي يشهد كتابتهم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
22
 
إِنَّ الْأَبْرَارَ أي أهل الصدق والطاعة . لَفِي نَعِيمٍ أي نعمة , والنعمة بالفتح : التنعيم ; يقال : نعمه الله وناعمه فتنعم وامرأة منعمة ومناعمة بمعنى . أي إن الأبرار في الجنات يتنعمون .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
23
 
عَلَى الْأَرَائِكِ وهي الأسرة في الحجاليَنْظُرُونَ أي إلى ما أعد الله لهم من الكرامات ; قاله عكرمة وابن عباس ومجاهد . وقال مقاتل : ينظرون إلى أهل النار . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ينظرون إلى أعدائهم في النار )  ذكره المهدوي . وقيل : على أرائك أفضاله ينظرون إلى وجهه وجلاله .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ
    +/- -/+  
الأية
24
 
أي بهجته وغضارته ونوره ; يقال : نضر النبات : إذا أزهر ونور . وقراءة العامة }{ تعرف { بفتح التاء وكسر الراء }{ نضرة }{ نصبا ; أي تعرف يا محمد . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ويعقوب وشيبة وابن أبي إسحاق : { تعرف }{ بضم التاء وفتح الراء على الفعل المجهول }{ نضرة }{ رفعا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ
    +/- -/+  
الأية
25
 
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ أي من شراب لا غش فيه . قاله الأخفش والزجاج . وقيل , الرحيق الخمر الصافية . وفي الصحاح : الرحيق صفوة الخمر . والمعنى واحد . الخليل : أقصى الخمر وأجودها . وقال مقاتل وغيره : هي الخمر العتيقة البيضاء الصافية من الغش النيرة , قال حسان : يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل وقال آخر : أم لا سبيل إلى الشباب وذكره أشهى إلي من الرحيق السلسل مَخْتُومٍ المختوم الممزوج . وقيل : مختوم أي ختمت ومنعت عن أن يمسها ماس إلى أن يفك ختامها الأبرار . وقرأ علي وعلقمة وشقيق والضحاك وطاوس والكسائي }{ خاتمه }{ بفتح الخاء والتاء وألف بينهما . قاله علقمة : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل خاتمه مسكا , تريد آخره . والخاتم والختام متقاربان في المعنى , إلا أن الخاتم الاسم , والختام المصدر ; قاله الفراء . وفي الصحاح : والختام : الطين الذي يختم به . وكذا قال مجاهد وابن زيد : ختم إناؤه بالمسك بدلا من الطين . حكاه المهدوي . وقال الفرزدق : وبت أفض أغلاق الختام وقال الأعشى : وأبرزها وعليها ختم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
    +/- -/+  
الأية
26
 
خِتَامُهُ مِسْكٌ قال مجاهد : يختم به آخر جرعة . وقيل : المعنى إذا شربوا هذا الرحيق ففني ما في الكأس , انختم ذلك بخاتم المسك . وكان ابن مسعود يقول : يجدون عاقبتها طعم المسك . ونحوه عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي قالا : ختامه آخر طعمه . وهو حسن ; لأن سبيل الأشربة أن يكون الكدر في آخرها , فوصف شراب أهل الجنة بأن رائحة آخره رائحة المسك . وعن مسروق عن عبد الله قال : المختوم الممزوج . وقيل : مختوم أي ختمت ومنعت عن أن يمسها ماس إلى أن يفك ختامها الأبرار . وقرأ علي وعلقمة وشقيق والضحاك وطاوس والكسائي }{ خاتمه }{ بفتح الخاء والتاء وألف بينهما . قاله علقمة : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل خاتمه مسكا , تريد آخره . والخاتم والختام متقاربان في المعنى , إلا أن الخاتم الاسم , والختام المصدر ; قاله الفراء . وفي الصحاح : والختام : الطين الذي يختم به . وكذا قال مجاهد وابن زيد : ختم إناؤه بالمسك بدلا من الطين . حكاه المهدوي . وقال الفرزدق : وبت أفض أغلاق الختام وقال الأعشى : وأبرزها وعليها ختم أي عليها طينة مختومة ; مثل نفض بمعنى منفوض , وقبض بمعنى مقبوض . وذكر ابن المبارك وابن وهب , واللفظ لابن وهب , عن عبد الله . بن مسعود في قوله تعالى : { ختامه مسك } : خلطه , ليس بخاتم يختم , ألا ترى إلى قول المرأة من نسائكم : إن خلطه من الطيب كذا وكذا . إنما خلطه مسك ; قال : شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر أشربتهم , لو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل فيه يده ثم أخرجها , لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها . وروى أبي بن كعب قال : قيل يا رسول الله ما الرحيق المختوم ؟ قال : ( غدران الخمر )  . وقيل : مختوم في الآنية , وهو غير الذي يجري في الأنهار . فالله أعلم . وَفِي ذَلِكَ أي وفي الذي وصفناه من أمر الجنةفَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ أي فليرغب الراغبون يقال : نفست عليه الشيء أنفسه نفاسة : أي ضننت به , ولم أحب أن يصير إليه . وقيل : الفاء بمعنى إلى , أي وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل ; نظيره : { لمثل هذا فليعمل العاملون } .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
27
 
وَمِزَاجُهُ أي ومزاج ذلك الرحيقمِنْ تَسْنِيمٍ وهو شراب ينصب عليهم من علو , وهو أشرف شراب في الجنة . وأصل التسنيم في اللغة : الارتفاع فهي عين ماء تجري من علو إلى أسفل ; ومنه سنام البعير لعلوه من بدنه , وكذلك تسنيم القبور . وروي عن عبد الله قال : تسنيم عين في الجنة يشرب بها المقربون صرفا , ويمزج منها كأس أصحاب اليمين فتطيب . وقال ابن عباس في قوله عز وجل : { ومزاجه من تسنيم }{ قال : هذا مما قال الله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } [ السجدة : 17 ] . وقيل : التسنيم عين تجري في الهواء بقدرة الله تعالى , فتنصب في أواني أهل الجنة على قدر مائها , فإذا امتلأت أمسك الماء , فلا تقع منه قطرة على الأرض , ولا يحتاجون إلى الاستقاء ; قال قتادة , ابن زيد : بلغنا أنها عين تجري من تحت العرش . وكذا في مراسيل الحسن . وقد ذكرناه في سورة }{ الإنسان } .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ
    +/- -/+  
الأية
28
 
أي يشرب منها أهل جنة عدن , وهم أفاضل أهل الجنة صرفا , وهي لغيرهم مزاج . و }{ عينا { نصب على المدح . وقال الزجاج : نصب على الحال من تسنيم , وتسنيم معرفة , ليس يعرف له اشتقاق , وإن جعلته مصدرا مشتقا من السنام فـ }{ عينا }{ نصب ; لأنه مفعول به ; كقوله تعالى : { أو إطعام في يوم ذي مسغبة . يتيما } [ البلد : 14 - 15 ] وهذا قول الفراء إنه منصوب بتسنيم . وعند الأخفش بـ }{ يسقون }{ أي يسقون عينا أو من عين . وعند المبرد بإضمار أعني على المدح .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ
    +/- -/+  
الأية
29
 
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وصف أرواح الكفار في الدنيا مع المؤمنين باستهزائهم بهم والمراد رؤساء قريش من أهل الشرك . روى ناس عن ابن عباس قال : هو الوليد بن المغيرة , وعقبة بن أبي معيط , والعاص بن وائل , والأسود بن عبد يغوث , والعاص بن هشام , وأبو جهل , والنضر بن الحارث ; وأولئككَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مثل عمار , وخباب وصهيب وبلاليَضْحَكُونَ على وجه السخرية .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ
    +/- -/+  
الأية
30
 
وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ عند إتيانهم رسول الله صلى الله عليه وسلميَتَغَامَزُونَ يغمز بعضهم بعضا , ويشيرون بأعينهم . وقيل : أي يعيرونهم بالإسلام ويعيبونهم به يقال : غمزت الشيء بيدي ; قال : وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما وقالت عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد غمزني , فقبضت رجلي . الحديث ; وقد مضى في }{ النساء } . وغمزته بعيني . وقيل : الغمز : بمعنى العيب , يقال غمزه : أي عابه , وما في فلان غمزة أي عيب . وقال مقاتل : نزلت في علي بن أبي طالب جاء في نفر من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلمزهم المنافقون , وضحكوا عليهم وتغامزوا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ أي انصرفوا إلى أهلهم وأصحابهم وذويهمانْقَلَبُوا فَكِهِينَ أي معجبين منهم . وقيل : معجبون بما هم عليه من الكفر , متفكهون بذكر المؤمنين . وقرأ ابن القعقاع وحفص والأعرج والسلمي : { فكهين }{ بغير ألف . الباقون بألف . قال الفراء : هما لغتان مثل طمع وطامع وحذر وحاذر , وقد تقدم في سورة }{ الدخان }{ والحمد لله . وقيل : الفكه : الأشر البطر والفاكه : الناعم المتنعم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ
    +/- -/+  
الأية
32
 
وَإِذَا رَأَوْهُمْ أي إذا رأى هؤلاء الكفار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلمقَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ في اتباعهم محمدا صلى الله عليه وسلم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ
    +/- -/+  
الأية
34
 
فَالْيَوْمَ يعني هذا اليوم الذي هو يوم القيامةالَّذِينَ آمَنُوا بمحمد صلى الله عليه وسلممِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ كما ضحك الكفار منهم في الدنيا . نظيره في آخر سورة }{ المؤمنين }{ وقد تقدم . وذكر ابن المبارك : أخبرنا محمد بن بشار عن قتادة في قوله تعالى : { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون }{ قال : ذكر لنا أن كعبا كان يقول إن بين الجنة والنار كوى , فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض الكوى ; قال الله تعالى في آية أخرى : { فاطلع فرآه في سواء الجحيم } [ الصافات : 55 ] قال : ذكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم تغلي . وذكر ابن المبارك أيضا : أخبرنا الكلبي عن أبي صالح في قوله تعالى : { الله يستهزئ بهم } [ البقرة : 15 ] قال : يقال لأهل النار وهم في النار : اخرجوا , فتفتح لهم أبواب النار , فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج , والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك , فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم ; فذلك قوله : { الله يستهزئ بهم " [ البقرة : 15 ] ويضحك منهم المؤمنون حين غلقت دونهم فذلك قوله تعالى : { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
عَلَى الْأَرَائِكِ وهي الأسرة في الحجاليَنْظُرُونَ أي إلى ما أعد الله لهم من الكرامات ; قال عكرمة وابن عباس ومجاهد . وقال مقاتل : ينظرون إلى أهل النار . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ينظرون إلى أعدائهم في النار )  ذكره المهدوي . وقيل : على أرائك أفضاله ينظرون إلى وجهه وجلاله .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
36
 
وقد مضى هذا في أول سورة }{ البقرة } . ومعنى }{ هل ثوب }{ أي هل جوزي بسخريتهم في الدنيا بالمؤمنين إذا فعل بهم ذلك . وقيل : إنه متعلق بـ }{ ينظرون }{ أي ينظرون : هل جوزي الكفار ؟ فيكون معنى هل [ التقرير ] وموضعها نصبا ب }{ ينظرون } . وقيل : استئناف لا موضع له من الإعراب . وقيل : هو إضمار على القول , والمعنى ; يقول بعض المؤمنين لبعض : { هل ثوب الكفار }{ أي أثيب وجوزي . وهو من ثاب يثوب أي رجع ; فالثواب ما يرجع على العبد في مقابلة عمله , ويستعمل في الخير والشر . ختمت السورة والله أعلم .

نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer



 


© EsinIslam.Com Designed & produced by The Awqaf London. Please pray for us