أي انصدعت , وتفطرت بالغمام , والغمام مثل السحاب الأبيض . وكذا روى أبو صالح عن ابن
عباس . وروي عن علي عليه السلام قال : تشق من المجرة . وقال : المجرة باب السماء
. وهذا من أشراط الساعة وعلاماتها .
أي سمعت , وحق لها أن تسمع . روي معناه عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما ; ومنه قوله صلى
الله عليه وسلم : { ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن }{ أي ما استمع الله
لشيء قال الشاعر : صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا أي سمعوا
. وقال قعنب ابن أم صاحب : إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا وما هم أذنوا من صالح
دفنوا وقيل : المعنى وحقق الله عليها الاستماع لأمره بالانشقاق . وقال الضحاك : حقت
: أطاعت , وحق لها أن تطيع ربها , لأنه خلقها ; يقال : فلان محقوق بكذا . وطاعة
السماء : بمعنى أنها لا تمتنع مما أراد الله بها , ولا يبعد خلق الحياة فيها حتى
تطيع وتجيب . وقال قتادة : حق لها أن تفعل ذلك ; ومنه قول كثير : فإن تكن العتبى
فأهلا ومرحبا وحقت لها العتبى لدينا وقلت .
أي بسطت ودكت جبالها . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تمد مد الأديم ) لأن الأديم
إذا مد زال كل انثناء فيه وامتد واستوى . قال ابن عباس وابن مسعود : ويزاد وسعتها
كذا وكذا ; لوقوف الخلائق عليها للحساب حتى لا يكون لأحد من البشر إلا موضع قدمه ,
لكثرة الخلائق فيها . وقد مضى في سورة }{ إبراهيم }{ أن الأرض تبدل بأرض أخرى وهي
الساهرة في قول ابن عباس على ما تقدم عنه .
أي أخرجت أمواتها , وتخلت عنهم . وقال ابن جبير : ألقت ما في بطنها من الموتى ,
وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء . وقيل : ألقت ما في بطنها كنوزها ومعادنها , وتخلت
منها . أي خلا جوفها , فليس في بطنها شيء , وذلك يؤذن بعظم الأمر , كما تلقي الحامل
ما في بطنها عند الشدة . وقيل : تخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها . وقيل : ألقت
ما استودعت , وتخلت مما استحفظت ; لأن الله تعالى استودعها عباده أحياء وأمواتا ,
واستحفظها بلاده مزارعة وأقواتا .
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا أي في إلقاء موتاهاوَحُقَّتْ أي وحق لها أن تسمع أمره
. واختلف في جواب }{ إذا }{ فقال الفراء : { أذنت } . والواو زائدة , وكذلك }{ وألقت }
. ابن الأنباري : قال بعض المفسرين : جواب }{ إذا السماء انشقت }{ أذنت } , وزعم أن
الواو مقحمة وهذا غلط ; لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع }{ حتى - إذا }{ كقوله تعالى
: { حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها } [ الزمر : 71 ] ومع }{ لما }{ كقوله تعالى : { فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه } [ الصافات : 103 - 104 ] معناه }{ ناديناه }
والواو لا تقحم مع غير هذين . وقيل : الجواب فاء مضمرة كأنه قال : { إذا السماء
انشقت }{ فيا أيها الإنسان إنك كادح . وقيل : جوابها ما دل عليه }{ فملاقيه }{ أي إذا
السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه . وقيل : فيه تقديم وتأخير , أي }{ يا أيها الإنسان
إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه }{ إذا السماء انشقت } . قاله المبرد . وعنه أيضا :
الجواب }{ فأما من أوتي كتابه بيمينه }{ وهو قول الكسائي ; أي إذا السماء انشقت فمن
أوتي كتابه بيمينه فحكمه كذا . قال أبو جعفر النحاس : وهذا أصح ما قيل فيه وأحسنه
. قيل : هو بمعنى اذكر }{ إذا السماء انشقت } . وقيل : الجواب محذوف لعلم المخاطبين به
; أي إذا كانت هذه الأشياء علم المكذبون بالبعث ضلالتهم وخسرانهم . وقيل : تقدم منهم
سؤال عن وقت القيامة , فقيل لهم : إذا ظهرت أشراطها كانت القيامة , فرأيتم عاقبة
تكذيبكم بها . والقرآن كالآية الواحدة في دلالة البعض على البعض . وعن الحسن : إن
قوله }{ إذا السماء انشقت }{ قسم . والجمهور على خلاف قوله من أنه خبر وليس بقسم .
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ المراد بالإنسان الجنس أي
يا ابن آدم . وكذا روى سعيد عن قتادة : يا ابن آدم , إن كدحك لضعيف , فمن استطاع أن
يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله . وقيل : هو معين , قال مقاتل :
يعني الأسود بن عبد الأسد ويقال : يعني أبي بن خلف . ويقال : يعني جميع الكفار ,
أيها الكافر إنك كادح . والكدح في كلام العرب : العمل والكسب ; قال ابن مقبل : وما
الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح وقال آخر : ومضت بشاشة كل عيش
صالح وبقيت أكدح للحياة وأنصب أي أعمل . وروى الضحاك عن ابن عباس : { إنك كادح }{ أي
راجع }{ إلى ربك كدحا أي رجوعا لا محالة كَدْحًا أي ملاق ربك . وقيل : ملاق عملك
. القتبي }{ إنك كادح }{ أي عامل ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك . والملاقاة بمعنى اللقاء
أن تلقى ربك بعملك . وقيل أي تلاقي كتاب عملك ; لأن العمل قد انقضى ولهذا قال : .
لا مناقشة فيه . كذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة قالت : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حوسب يوم القيامة عذب ) قالت : فقلت يا رسول
الله أليس قد قال الله }{ فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا }{ فقال
: { ليس ذاك الحساب ; إنما ذلك العرض , من نوقش الحساب يوم القيامة عذب ) أخرجه
البخاري ومسلم والترمذي . وقال حديث حسن صحيح .
أزواجه في الجنة من الحور العين }{ مسرورا }{ أي مغتبطا قرير العين . ويقال إنها نزلت
في أبي سلمة بن عبد الأسد , هو أول من هاجر من مكة إلى المدينة . وقيل : إلى أهله
الذين كانوا له في الدنيا , ليخبرهم بخلاصه وسلامته . والأول قول قتادة . أي إلى أهله
الذين قد أعدهم الله له في الجنة .
نزلت في الأسود بن عبد الأسد أخي أبي سلمة قال ابن عباس . ثم هي عامة في كل مؤمن
وكافر . قال ابن عباس : يمد يده اليمنى ليأخذ كتابه فيجذبه ملك , فيخلع يمينه ,
فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره . وقال قتادة ومقاتل : يفك ألواح صدره وعظامه ثم
تدخل يده وتخرج من ظهره , فيأخذ كتابه كذلك .
إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ أي في الدنيامَسْرُورًا قال ابن زيد : وصف الله أهل
الجنة بالمخافة والحزن والبكاء والشفقة في الدنيا فأعقبهم به النعيم والسرور في
الآخرة , وقرأ قول الله تعالى : { إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا
ووقانا عذاب السموم } . قال : ووصف أهل النار بالسرور في الدنيا والضحك فيها والتفكه
. فقال : { إنه كان في أهله مسرورا } .
أي لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب , ثم يثاب أو يعاقب . يقال : حار يحور إذا رجع ; قال
لبيد : وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا بعد إذ هو ساطع وقال عكرمة وداود بن
أبي هند , يحور كلمة بالحبشية , ومعناها يرجع . ويجوز أن تتفق الكلمتان فإنهما كلمة
اشتقاق ; ومنه الخبز الحوارى ; لأنه يرجع إلى البياض . وقال ابن عباس : ما كنت أدري
: ما يحور ؟ حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها : حوري , أي ارجعي إلي , فالحور في
كلام العرب الرجوع ; ومنه قوله عليه السلام : { اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد
الكور }{ يعني : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة , وكذلك الحور بالضم . وفي المثل
{ حور في محارة }{ أي نقصان في نقصان . يضرب للرجل إذا كان أمره يدبر , قال الشاعر :
واستعجلوا عن خفيف المضغ فازدردوا والذم يبقى وزاد القوم في حور والحور أيضا :
الاسم من قولك : طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا ; أي ما ردت شيئا من الدقيق . والحور
أيضا الهلكة ; قال الراجز : في بئر لا حور سرى ولا شعر قال أبو عبيدة : أي بئر حور
, و }{ لا }{ زائدة . وروي }{ بعد الكون }{ ومعناه من انتشار الأمر بعد تمامه . وسئل معمر
عن الحور بعد الكون , فقال : هو الكنتي . فقال له عبد الرزاق : وما الكنتي ؟ فقال :
الرجل يكون صالحا ثم يتحول رجل سوء . قال أبو عمرو : يقال للرجل إذا شاخ : كنتي ,
كأنه نسب إلى قوله : كنت في شبابي كذا . قال : فأصبحت كنتيا وأصبحت عاجنا وشر خصال
المرء كنت وعاجن عجن الرجل : إذا نهض معتمدا على الأرض من الكبر . وقال ابن الأعرابي
: الكنتي : هو الذي يقول : كنت شابا , وكنت شجاعا , والكاني هو الذي يقول : كان لي
مال وكنت أهب , وكان لي خيل وكنت أركب .
بَلَى أي ليس الأمر كما ظن , بل يحور إلينا ويرجع . إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ
بَصِيرًا قبل أن يخلقه , عالما بأن مرجعه إليه . وقيل : بلى ليحورن وليرجعن . ثم
استأنف فقال : { إن ربه كان به بصيرا }{ من يوم خلقه إلى أن بعثه . وقيل : عالما بما
سبق له من الشقاء والسعادة .
فَلَا أُقْسِمُ أي فأقسم و }{ لا }{ صلة . بِالشَّفَقِ أي بالحمرة التي تكون عند مغيب
الشمس حتى تأتي صلاة العشاء الآخرة . قال أشهب وعبد الله بن الحكم ويحيى بن يحيى
وغيرهم , كثير عددهم عن مالك : الشفق الحمرة التي في المغرب , فإذا ذهبت الحمرة فقد
خرجت من وقت المغرب ووجبت صلاة العشاء . وروى بن وهب قال : أخبرني غير واحد عن علي
ابن أبي طالب ومعاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي هريرة : أن الشفق
الحمرة , وبه قال مالك بن أنس . وذكر غير ابن وهب من الصحابة : عمر وابن عمر وابن
مسعود وابن عباس وأنسا وأبا قتادة وجابر بن عبد الله وابن الزبير , ومن التابعين :
سعيد بن جبير , وابن المسيب وطاوس , وعبد الله بن دينار , والزهري , وقال به من
الفقهاء الأوزاعي ومالك والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وأبو عبيدة وأحمد وإسحاق وقيل
: هو البياض ; روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة أيضا وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي
وأبي حنيفة في إحدى الروايتين عنه . وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه . وروي عن ابن عمر
أيضا أنه البياض والاختيار الأول ; لأن أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء عليه ,
ولأن شواهد كلام العرب والاشتقاق والسنة تشهد له . قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول
لثوب عليه مصبوغ : كأنه الشفق وكان أحمر , فهذا شاهد للحمرة ; وقال الشاعر : وأحمر
اللون كمحمر الشفق وقال آخر : قم يا غلام أعني غير مرتبك على الزمان بكأس حشوها شفق
ويقال للمغرة الشفق . وفي الصحاح : الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى
قريب من العتمة . قال الخليل : الشفق : الحمرة , من غروب الشمس إلى وقت العشاء
الآخرة , إذا ذهب قيل : غاب الشفق . ثم قيل : أصل الكلمة من رقة الشيء ; يقال : شيء
شفق أي لا تماسك له لرقته . وأشفق عليه . أي رق قلبه عليه , والشفقة : الاسم من
الإشفاق , وهو رقة القلب , وكذلك الشفق ; قال الشاعر : تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا
والموت أكرم نزال على الحرم فالشفق : بقية ضوء الشمس وحمرتها فكأن تلك الرقة عن ضوء
الشمس . وزعم الحكماء أن البياض لا يغيب أصلا . وقال الخليل : صعدت منارة الإسكندرية
فرمقت البياض , فرأيته يتردد من أفق إلى أفق ولم أره يغيب . وقال ابن أبي أويس :
رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر قال علماؤنا : فلما لم يتحدد وقته سقط اعتباره . وفي
سنن أبي داود عن النعمان بن بشير قال : أنا أعلمكم بوقت صلاة العشاء الآخرة ; كان
النبي صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر الثالثة . وهذا تحديد , ثم الحكم معلق
بأول الاسم . لا يقال : فينقض عليكم بالفجر الأول , فإنا نقول الفجر الأول لا يتعلق
به حكم من صلاة ولا إمساك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين الفجر بقوله وفعله
فقال : { وليس الفجر أن تقول هكذا - فرفع يده إلى فوق - ولكن الفجر أن تقول هكذا
وبسطها }{ وقد مضى بيانه في آية الصيام من سورة }{ البقرة } , فلا معنى للإعادة . وقال
مجاهد : الشفق : النهار كله ألا تراه قال }{ والليل وما وسق }{ وقال عكرمة : ما بقي
من النهار . والشفق أيضا : الرديء من الأشياء ; يقال : عطاء مشفق أي مقلل قال الكميت
: ملك أغر من الملوك تحلبت للسائلين يداه غير مشفق .
أي جمع وضم ولف , وأصله من سورة السلطان وغضبه فلولا أنه خرج إلى العباد من باب
الرحمة ما تمالك العباد لمجيئه ولكن خرج من باب الرحمة فمزح بها , فسكن الخلق إليه
ثم ابذعروا والتفوا وانقبضوا , ورجع كل إلى مأواه فسكن فيه من هوله وحشا , وهو قوله
تعالى : { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه } [ القصص : 73 ] أي بالليل
{ ولتبتغوا من فضله } [ القصص : 73 ] أي بالنهار على ما تقدم . فالليل يجمع ويضم ما
كان منتشرا بالنهار في تصرفه . هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم ; قال
ضابئ بن الحارث البرجمي : فإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله يقول :
ليس في يده من ذلك شيء كما أنه ليس في يد القابض على الماء شيء ; فإذا جلل الليل
الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له , فقد وسقها . والوسق : ضمك الشيء بعضه
إلى بعض , تقول : وسقته أسقه وسقا . ومنه قيل للطعام الكثير المجتمع : وسق , وهو
ستون صاعا . وطعام موسق : أي مجموع , وإبل مستوسقة أي مجتمعة ; قال الراجز : إن لنا
قلائصا حقائقا مستوسقات لو يجدن سائقا وقال عكرمة : { وما وسق }{ أي وما ساق من شيء
إلى حيث يأوي , فالوسق بمعنى الطرد , ومنه قيل للطريدة من الإبل والغنم والحمر :
وسيقة , قال الشاعر : كما قاف آثار الوسيقة قائف وعن ابن عباس : { وما وسق }{ أي وما
جن وستر . وعنه أيضا : وما حمل , وكل شيء حملته فقد وسقته , والعرب تقول : لا أفعله
ما وسقت عيني الماء , أي حملته . ووسقت الناقة تسق وسقا : أي حملت وأغلقت رحمها على
الماء , فهي ناقة واسق , ونوق وساق مثل نائم ونيام , وصاحب وصحاب , قال بشر بن أبي
خازم : ألظ بهن يحدوهن حتى تبينت الحيال من الوساق ومواسيق أيضا . وأوسقت البعير :
حملته حمله , وأوسقت النخلة : كثر حملها . وقال يمان والضحاك ومقاتل بن سليمان : حمل
من الظلمة . قال مقاتل : أو حمل من الكواكب . القشيري : ومعنى حمل : ضم وجمع , والليل
يجلل بظلمته كل شيء فإذا جللها فقد وسقها . ويكون هذا القسم قسما بجميع المخلوقات ,
لاشتمال الليل عليها , كقوله تعالى : { فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون } [
الحاقة : 38 - 39 ] . وقال ابن جبير : { وما وسق }{ أي وما عمل فيه , يعني التهجد
والاستغفار بالأسحار , قال الشاعر : ويوما ترانا صالحين وتارة تقوم بنا كالواسق
المتلبب أي كالعامل .
أي تم واجتمع واستوى . قال الحسن : اتسق : أي امتلأ واجتمع . ابن عباس : استوى . قتادة
: استدار . الفراء : اتساقه : امتلاؤه واستواؤه ليالي البدر , وهو افتعال من الوسق
الذي هو الجمع , يقال : وسقته فاتسق , كما يقال : وصلته فاتصل , ويقال : أمر فلان
متسق : أي مجتمع على الصلاح منتظم . ويقال : اتسق الشيء : إذا تتابع : .
قرأ أبو عمر وابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومسروق وأبو وائل ومجاهد والنخعي
وابن كثير وحمزة والكسائي }{ لتركبن }{ بفتح الباء خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم ,
أي لتركبن يا محمد حالا بعد حال , قاله ابن عباس . الشعبي : لتركبن يا محمد سماء بعد
سماء , ودرجة بعد درجة , ورتبة بعد رتبة , في القربة من الله تعالى . ابن مسعود :
لتركبن السماء حالا بعد حال , يعني حالاتها التي وصفها الله تعالى بها من الانشقاق
والطي وكونها مرة كالمهل ومرة كالدهان . وعن إبراهيم عن عبد الأعلى : { طبقا عن طبق
{ قال : السماء تقلب حالا بعد حال . قال : تكون وردة كالدهان , وتكون كالمهل ; وقيل
: أي لتركبن أيها الإنسان حالا بعد حال , من كونك نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم حيا
وميتا وغنيا وفقيرا . فالخطاب للإنسان المذكور في قوله : { يا أيها الإنسان إنك كادح
{ هو اسم للجنس , ومعناه الناس . وقرأ الباقون }{ لتركبن }{ بضم الباء , خطابا للناس ,
واختاره أبو عبيد وأبو حاتم , قال : لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبي صلى الله
عليه وسلم , لما ذكر قبل هذه الآية فمن أوتي كتابه بيمينه ومن أوتي كتابه بشماله
. أي لتركبن حالا بعد حال من شدائد القيامة , أو لتركبن سنة من كان قبلكم في التكذيب
واختلاق على الأنبياء . قلت : وكله مراد , وقد جاءت بذلك أحاديث , فروى أبو نعيم
الحافظ عن جعفر بن محمد بن علي عن جابر رضي الله عنه , قال سمعت رسول صلى الله عليه
وسلم يقول : ( إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله عز وجل ; إن الله لا إله غيره إذا
أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه وأثره وأجله , واكتب شقيا أو سعيدا , ثم يرتفع ذلك
الملك , ويبعث الله ملكا آخر فيحفظه حتى يدرك , ثم يبعث الله ملكين يكتبان حسناته
وسيئاته , فإذا جاءه الموت ارتفع ذانك الملكان , ثم جاءه ملك الموت عليه السلام
فيقبض روحه , فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده , ثم يرتفع ملك الموت , ثم جاءه
ملكا القبر فامتحناه , ثم يرتفعان , فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك
السيئات , فأنشطا كتابا معقودا في عنقه , ثم حضرا معه , واحد سائق والآخر شهيد ) ثم
قال الله عز وجل }{ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك , فبصرك اليوم حديد } [
ق : 22 ] . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لتركبن طبقا عن طبق }{ قال : ( حالا
بعد حال ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن قدامكم أمرا عظيما فاستعينوا
بالله العظيم ) فقد اشتمل هذا الحديث على أحوال تعتري الإنسان , من حين يخلق إلى
حين يبعث , وكله شدة بعد شدة , حياة ثم موت , ثم بعث ثم جزاء , وفي كل حال من هذه
شدائد . وقال صلى الله عليه وسلم : ( لتركبن سنن من قبلكم شبرا بشبر , وذراعا بذراع
, حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) قالوا : يا رسول الله , اليهود والنصارى ؟ قال :
فمن ؟ خرجه البخاري : وأما أقوال المفسرين , فقال عكرمة : حالا بعد حال , فطيما بعد
رضيع , وشيخا بعد شباب , قال الشاعر : كذلك المرء إن ينسأ له أجل يركب على طبق من
بعده طبق وعن مكحول : كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه : وقال الحسن : أمرا
بعد أمر , رخاء بعد شدة , وشدة بعد رخاء , وغنى بعد فقر , وفقرا بعد غنى , وصحة بعد
سقم , وسقما بعد صحة : سعيد بن جبير : منزلة بعد منزلة , قوم كانوا في الدنيا
متضعين فارتفعوا في الآخرة , وقوم كانوا في الدنيا مرتفعين فاتضعوا في الآخرة :
وقيل : منزلة عن منزلة , وطبقا عن طبق , وذلك , أن من كان على صلاح دعاه إلى صلاح
فوقه , ومن كان على فساد دعاه إلى فساد فوقه ; لأن كل شيء يجري إلى شكله : ابن زيد
: ولتصيرن من طبق الدنيا إلى طبق الآخرة : وقال ابن عباس : الشدائد والأهوال :
الموت , ثم البعث , ثم العرض , والعرب تقول لمن وقع في أمر شديد : وقع في بنات طبق
, وإحدى بنات طبق , ومنه قيل للداهية الشديدة : أم طبق , وإحدى بنات طبق : وأصلها
من الحيات , إذ يقال : للحية أم طبق لتحويها : والطبق في اللغة : الحال كما وصفنا ,
قال الأقرع بن حابس التميمي : إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره وساقني طبق منه إلى طبق
وغدا أدل دليل على حدوث العالم , وإثبات الصانع , قالت الحكماء : من كان اليوم على
حالة , وغدا على حالة أخرى فليعلم أن تدبيره إلى سواه : وقيل لأبي بكر الوراق : ما
الدليل على أن لهذا العالم صانعا ؟ فقال : تحويل الحالات , وعجز القوة , وضعف
الأركان , وقهر النية : ونسخ العزيمة : ويقال : أتانا طبق من الناس وطبق من الجراد
: أي جماعة : وقول العباس في مدح النبي صلى الله عليه وسلم : تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم بدا طبق أي قرن من الناس . يكون طباق الأرض أي ملأها . والطبق أيضا :
عظم رقيق يفصل بين الفقارين ويقال : مضى طبق من الليل , وطبق من النهار : أي معظم
منه . والطبق : واحد الأطباق , فهو مشترك . وقرئ }{ لتركبن }{ بكسر الباء , على خطاب
النفس و }{ ليركبن }{ بالياء على ليركبن الإنسان . و }{ عن طبق }{ في محل نصب على أنه
صفة لـ }{ طبقا }{ أي طبقا مجاوزا لطبق . أو حال من الضمير في }{ لتركبن }{ أي لتركبن
طبقا مجاوزين لطبق , أو مجاوزا أو مجاوزة على حسب القراءة .
أي لا يصلون . وفي الصحيح : أن أبا هريرة قرأ }{ إذا السماء انشقت }{ فسجد فيها , فلما
انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها . وقد قال مالك : إنها ليست
من عزائم السجود ; لأن [ المعنى ] لا يذعنون ولا يطيعون في العمل بواجباته . ابن
العربي : والصحيح أنها منه , وهي رواية المدنيين عنه , وقد اعتضد فيها القرآن
والسنة . قال ابن العربي : لما أممت بالناس تركت قراءتها ; لأني إن سجدت أنكروه ,
وإن تركتها كان تقصيرا مني , فاجتنبتها إلا إذا صليت وحدي . وهذا تحقيق وعد الصادق
بأن يكون المعروف منكرا , والمنكر معروفا ; وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة : (
لولا حدثان قومك بالكفر لهدمت البيت , ولرددته على قواعد إبراهيم ) . ولقد كان شيخنا
أبو بكر الفهري يرفع يديه عند الركوع , وعند الرفع منه , وهو مذهب مالك والشافعي
ويفعله الشيعة , فحضر عندي يوما في محرس ابن الشواء بالثغر - موضع تدريسي - عند
صلاة الظهر , ودخل المسجد من المحرس المذكور , فتقدم إلى الصف وأنا في مؤخره قاعدا
على طاقات البحر , أتنسم الريح من شدة الحر , ومعي في صف واحد أبو ثمنة رئيس البحر
وقائده , مع نفر من أصحابه ينتظر الصلاة , ويتطلع على مراكب تخت الميناء , فلما رفع
الشيخ يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه قال أبو ثمنة وأصحابه : ألا ترون إلى هذا
المشرقي كيف دخل مسجدنا ؟ فقوموا إليه فاقتلوه وارموا به إلى البحر , فلا يراكم أحد
. فطار قلبي من بين جوانحي وقلت : سبحان الله هذا الطرطوشي فقيه الوقت . فقالوا لي :
ولم يرفع يديه ؟ فقلت : كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل , وهذا مذهب مالك ,
في رواية أهل المدينة عنه . وجعلت أسكنهم وأسكتهم حتى فرغ من صلاته , وقمت معه إلى
المسكن من المحرس , ورأى تغير وجهي , فأنكره , وسألني فأعلمته , فضحك وقال : ومن
أين لي أن أقتل على سنة ؟ فقلت له : ولا يحل لك هذا , فإنك بين قوم إن قمت بها
قاموا عليك وربما ذهب دمك . فقال : دع هذا الكلام , وخذ في غيره .
أي بما يضمرونه في أنفسهم من التكذيب . كذا روى الضحاك عن ابن عباس . وقال مجاهد :
يكتمون من أفعالهم . ابن زيد : يجمعون من الأعمال الصالحة والسيئة ; مأخوذ من الوعاء
الذي يجمع ما فيه ; يقال : أوعيت الزاد والمتاع : إذا جعلته في الوعاء ; قال الشاعر
: الخير أبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما أوعيت من زاد ووعاه أي حفظه ; تقول :
وعيت الحديث أعيه وعيا , وأذن واعية . وقد تقدم .
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ استثناء منقطع , كأنه قال : لكن
الذين صدقوا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وعملوا الصالحات , أي
أدوا الفرائض المفروضة عليهم. لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }{ لهم أجر }{ أي ثواب }
غير ممنون }{ أي غير منقوص ولا مقطوع ; يقال : مننت الحبل : إذا قطعته . وقد تقدم .{ لهم أجر غير ممنون }{ سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله : فقال : غير مقطوع . فقال
: هل تعرف ذلك العرب ؟ قال : نعم قد عرفه أخو يشكر حيث يقول : فترى خلفهن من سرعة
الرج ع منينا كأنه أهباء قال المبرد : المنين : الغبار ; لأنها تقطعه وراءها . وكل
ضعيف منين وممنون . وقيل : { غير ممنون }{ لا يمن عليهم به . وذكر ناس من أهل العلم أن
قوله : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات }{ ليس استئناء , وإنما هو بمعنى الواو ,
كأنه قال : والذين آمنوا . وقد مضى في }{ البقرة }{ القول فيه والحمد لله . تمت سورة
الانشقاق .
نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer