قال أبو جعفر: وقد ذكرنا اختلاف المختلفين فيما في ابتداء فواتح سور القرآن من حروف
الهجاء, وما انتزع به كل قائل منهم لقوله ومذهبه من العلة. وقد بيَّنا الذي هو أولى
بالصواب من القول فيه فيما مضى من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته, وقد ذكر عنهم من
الاختلاف في قوله: طسم و طس , نظير الذي ذكر عنهم في: الم و المر و المص . وقد
حدثني عليّ بن داود, قال: ثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن
عباس, في قوله: { طسم } قال: فإنه قسم أقسمه الله, وهو من أسماء الله. حدثنا الحسن,
قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: { طسم } قال: اسم من
أسماء القرآن.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ
الأية 2
تأويل الكلام على قول ابن عباس والجميع: إن هذه الآيات التي أنـزلتها على محمد صلى
الله عليه وسلم في هذه السورة لآيات الكتاب الذي أنـزلته إليه من قبلها الذي بين
لمن تدبره بفهم, وفكر فيه بعقل, أنه من عند الله جلّ جلاله, لم يتخرّصه محمد صلى
الله عليه وسلم, ولم يتقوّله من عنده, بل أوحاه إليه ربه.
وقوله: { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } يقول تعالى
ذكره: لعلك يا محمد قاتل نفسك ومهلكها إن لم يؤمن قومك بك, ويصدقوك على ما جئتهم به
والبخْع: هو القتل والإهلاك في كلام العرب; ومنه قول ذي الرُّمة: ألا أيُّهَــذَا
البــاخعُ الوَجْـدُ نَفْسَـهُ لشَــيْءٍ نَحَتْـهُ عَـنْ يَدَيْـهِ المَقـادِرُ
(1) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال:
ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عباس: { بَاخِعٌ نَفْسَكَ
) : قاتل نفسك. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة,
في قوله: { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } قال: لعلك من
الحرص على إيمانهم مخرج نفسك من جسدك, قال: ذلك البخع. حدثت عن الحسين, قال: سمعت
أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ
نَفْسَكَ } عليهم حرصا. وأن من قوله: { أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } في موضع نصب
بباخع, كما يقال: زرت عبد الله أن زارني, وهو جزاء; ولو كان الفعل الذي بعد أن
مستقبلا لكان وجه الكلام في " أن " الكسر كما يقال; أزور عبد الله إن يزورني.
------------------الهوامش :(1) البيت لذي الرمة، وقد تقدم الاستشهاد به في سورة
الكهف (15: 194) على أن معنى البخع: القتل، فراجعه ثمة.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ }... الآية, فقال
بعضهم: معناه: فظلّ القوم الذين أنـزل عليهم من السماء آية خاضعة أعناقهم لها من
الذلَّة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن
جُرَيج, عن مجاهد في قوله: { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } قال:
فظلوا خاضعة أعناقهم لها. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر,
عن قتادة, في قوله: { خَاضِعِينَ } قال: لو شاء الله لنـزل عليه آية يذلون بها, فلا
يلوي أحد عنقه إلى معصية الله. حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن
ابن جُرَيج: { أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنـزلْ عَلَيْهِمْ مِنَ
السَّمَاءِ آيَةً } قال: لو شاء الله لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده
بمعصية. حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن
ابن عباس, قوله: { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } قال: ملقين أعناقهم.
حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: { فَظَلَّتْ
أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } قال: الخاضع: الذليل. وقال آخرون: بل معنى ذلك:
فظلت سادتهم وكبراؤهم للآية خاضعين, ويقول: الأعناق: هم الكبراء من الناس. واختلف
أهل العربية في وجه تذكير { خاضعين), وهو خبر عن الأعناق, فقال بعض نحوييّ البصرة:
يزعمون أن قوله { أعْنَاقُهُمْ } على الجماعات, نحو: هذا عنق من الناس كثير, أو
ذُكِّر كما يذكَّر بعض المؤنث, كما قال الشاعر: تَمَزَّزْتُهــا والـدّيكُ يَدْعُـو
صَبَاحَـهُ إذا مــا بنـو نَعْشٍ دَنَـوْا فَتَصَوَّبُـوا (2) فجماعات هذا أعناق,
أو يكون ذكره لإضافته إلى المذكر كما يؤنث لإضافته إلى المؤنث, كما قال الأعشى:
وتشـرقُ بـالقَوْلِ الَّـذِي قَـدْ أذَعْتَـه كمَـا شَـرَقَتْ صَـدْرُ القَنـاةِ
مِنَ الدَّم (3) وقال العجاج: لَمَّا رأى مَتْنَ السَّماء أبْعَدَتْ (4) وقال
الفرزدق: إذَا الْقُنْبُضَـاتُ السُّـودُ طَوَّفْنَ بالضحى رَقَــدْنَ عَلَيهِـنَّ
الحِجَـالُ المُسَـجَّفُ (5) وقال الأعشى: وإن أمــرأً أهْــدَى إلَيْـكَ
وَدُونَـهُ مِـنَ الأرْضِ يَهْمـاءٌ وَبَيْـدَاءُ خَـيْفَقُ لَمَحْقُوقَــة أن
تَسْــتَجِيبِي لِصَوْتِـهِ وأنْ تَعْلَمِــي أنَّ المُعــانَ المُـوَفَّقُ (6)
قال: ويقولون: بنات نعش وبنو نعش, ويقال: بنات عِرس, وبنو عِرس; وقالت امرأة: أنا
امرؤ لا أخبر السرّ, قال: وذكر لرؤبة رجل فقال: هو كان أحد بنات مساجد الله, يعني
الحَصَى. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: هذا بمنـزلة قول الشاعر: تَـــرَى
أرْمَـــاحَهُمْ مُتَقَلديهـــا إذَا صَــدِئَ الحَــدِيدُ عـلى الكُمـاةِ (7)
فمعناه عنده: فظلت أعناقهم خاضعيها هم, كما يقال: يدك باسطها, بمعنى: يدك باسطها
أنت, فاكتفى بما ابتدأ به من الاسم أن يكون, فصار الفعل كأنه للأوّل وهو للثاني,
وكذلك قوله: لمحقوقة أن تستجيبي لصوته إنما هو لمحقوقة أنت, والمحقوقة: الناقة, إلا
أنه عطفه على المرء لما عاد بالذكر. وكان آخر منهم يقول: الأعناق: الطوائف, كما
يقال: رأيت الناس إلى فلان عنقا واحدة, فيجعل الأعناق الطوائف والعصب; ويقول: يحتمل
أيضا أن تكون الأعناق هم السادة والرجال الكبراء, فيكون كأنه قيل: فظلت رءوس القوم
وكبراؤهم لها خاضعين, وقال: أحب إلي من هذين الوجهين في العربية أن يقال: إن
الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون, فجعلت الفعل أولا للأعناق, ثم جعلت خاضعين
للرجال, كما قال الشاعر: عَـلى قَبْضَـة مَرْجُـوَّة ظَهْـرُ كَفِّـهِ فَـلا
المَـرْءُ مُسْـتَحي وَلا هُـوَ طاعِمُ (8) فأنث فعل الظهر, لأن الكفّ تجمع الظهر,
وتكفي منه, كما أنك تكتفي بأن تقول: خضعت لك, من أن تقول: خَضَعَتْ لك رقبتي, وقال:
ألا ترى أن العرب تقول: كل ذي عين ناظر وناظرة إليك, لأن قولك: نظرتْ إليك عيني,
ونظرت إليك بمعنى واحد بترك كل, وله الفعل ومرده إلى العين, فلو قلت: فظلت أعناقهم
لها خاضعة, كان صوابا. قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بما قال
أهل التأويل في ذلك أن تكون الأعناق هي أعناق الرجال, وأن يكون معنى الكلام: فظلت
أعناقهم ذليلة, للآية التي ينـزلها الله عليهم من السماء, وأن يكون قوله " خاضعين "
مذكرا, لأنه خبر عن الهاء والميم في الأعناق, فيكون ذلك نظير قول جرير: أرَى
مَــرَّ السِّــنِينَ أخَــذْنَ مِنِّـي كمَــا أخَـذَ السِّـرَارُ مِـنَ الهـلالِ
(9) وذلك أن قوله: مرّ, لو أسقط من الكلام, لأدى ما بقي من الكلام عنه ولم يفسد
سقوطه معنى الكلام عما كان به قبل سقوطه, وكذلك لو أسقطت الأعناق من قوله: فظلت
أعناقهم, لأدى ما بقي من الكلام عنها, وذلك أن الرجال إذا ذلوا, فقد ذلت رقابهم,
وإذا ذلت رقابهم فقد ذلوا. فإن قيل في الكلام: فظلوا لها خاضعين, كان الكلام غير
فاسد, لسقوط الأعناق, ولا متغير معناه عما كان عليه قبل سقوطها, فصرف الخبر بالخضوع
إلى أصحاب الأعناق, وإن كان قد ابتدأ بذكر الأعناق لما قد جرى به استعمال العرب في
كلامهم, إذا كان الاسم المبتدأ به, وما أضيف إليه يؤدّي الخبر كل واحد منهما عن
الآخر. -----------------------الهوامش :(2) هذا البيت أنشده سيبويه للنابغة
الجعدي، { اللسان: نعش) وقبله بيت آخر، يصف بهما الخمر، وهو قوله: وَصَهْبَـاءُ لا
يَخْـفَى الْقَذَى وَ هْيَ دُونَهُ تُصَفَّـقُ فـي رأوُوقِهَـا ثُـمَّ تُقْطَـبُ
قال: وبنات نعش سبعة كواكب، أربعة منها مربعة، وثلاثة بنات نعش، الواحد: ابن نعش
لأن الكوكب مذكر فيذكرونه على تذكيره. وإذا قالوا: ثلاث أو أربع ذهبوا إلى البنات،
وكذلك بنات نعش الصغرى. واتفق سيبويه والفراء على ترك صرف نعش للمعرفة والتأنيث.
وقيل: شبهت بحملة النعش في تربيعها. وجاء في الشعر بنو نعش، أنشد سيبويه للنابغة
الجعدي: * وصهبــاء لا يخـفي .........* " البيتان، الصهباء: الخمر. وقوله: " لا
يخفى القذى وهي دونه" أي لا تستره إذا وقع فيها، لكونها صافية، فالقذى يرى فيها إذا
وقع. وقوله: وهي دونه: يريد أن القذى إذا حصل في أسفل الإناء، رآه الرائي في الموضع
الذي فوقه الخمر، والخمر أقرب إلى الرائي من القذى. يريد أنها يرى ما وراءها. وتصفق
تدار من إناء إلى إناء وقوله: تمززتها: أي شربتها قليلا قليلا. وتقطب: تمزج بالماء.
قال الأزهري: وللشاعر إذا اضطر أن يقول: بنو نعش، كما قال الشاعر، وأنشد البيت،
ووجه الكلام: بنات نعش، كما قالوا: بنات آوى وبنات عرس، والواحد منها ابن عرس،
يؤنثون جمع ما خلا الآدميين. ورواية أبي عبيدة في { مجاز القرآن ص 171): شربت إذا ما
الديك... إلخ البيت.(3) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة { اللسان: شرق) قال: شرق الشيء
شرقًا، فهو شرق: اشتدت حمرته بدم، أو بحسن لون أحمر، قال الأعشى: " وتشرق بالقول.."
البيت. والبيت هو الرابع والثلاثون من قصيدة في ديوانه { طبع القاهرة ص 121) يهجو
بها عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان، حين جمع بينه وبين جهنام الشاعر ليهاجيه.
قال شارح الديوان: " وحتى تشرق بما أذعنت من قول، كما يشرق مقدم الرمح بالدم". وصدر
القناة: أعلاها. والشاهد في البيت أنه أنث الفعل شرق بالتاء، مع أن فاعله وهو "صدر"
مذكر. ولكنه لما أضيف إلى القناة وهي مؤنثة، فكأنه جعل الفعل للقناة لا لصدرها.(4)
لم أجد البيت في ديوان العجاج ورؤبة. ووجدت أرجوزة من نفس القافية للزفيان ملحقة
بديوان العجاج (94 ، 95) وليس فيها البيت. والمتن: الظهر. والشاهد في هذا الرجز أنه
أنث الفعل أبعدت بالتاء، مع أن الضمير فيه راجع إلى المتن، وهو مذكر؛ لكن لما أضيف
المتن إلى السماء وهي مؤنثة، فكأن الشاعر أعاد الضمير على السماء، وتناسى المتن،
فأنث لذلك، وكأنه قال: " لما رأى السماء أبعدت". وهو كالشاهد الذي قبله.(5) البيت
للفرزدق { اللسان: قبض). والقنبضة من النساء: القصيرة، والنون زائدة، والضمير في
رقدن: يعود إلى نساء وصفهن بالنعمة والترف إذا كانت القنبضات السود في خدمة وتعب ا
ه. يعني بالقنبضات الولائد والإماء من الخدم. والحجال: جمع حجلة، بالتحريك، وهي بيت
كالقبة يستر بالثياب، ويكون له أزرار كبار. ومنه حديث: " أعروا النساء يلزمن
الحجال". وجمع الحجلة: حجل وحجال، قال الفرزدق: * رقـدن عليهـن الحجال المسجف *
قال: الحجال، وهي جماعة، ثم قال: المسجف فذكر، لأن لفظ الحجال لفظ الواحد مثل
الجراب. قال: ومثله قوله تعالى: { قال من يحيي العظام وهي رميم}، ولم يقل رميمة.
وانظر البيت أيضًا في ديوان الفرزدق { طبعة الصاوي ص 552) قال: والتسجيف: إرخاء
السجفين، وهما سترا باب الحجلة للعروس وكل باب يستره ستران بينهما مشقوق، فكل شق
منهما سجف.(6) البيتان لأعشى بني قيس بن ثعلبة { ديوانه ص 223) من قافيته التي
مطلعها: * أرقـت ومـا هذا السهاد المؤرق * يمدح بها المحلق بن خنثم بن شداد بن
ربيعة. وفي رواية البيت الأول فيه وفي خزانة الأدب الكبرى { للبغدادي 1: 551، 2:
410) أسرى، في موضع: أهدى. و"أن المعان موفق" في موضع "أن المعان الموفق". = ومعنى
أهدى من الهدية، وهذا لا يصلح إلا على أن الخطاب للناقة وكان قد أهداها الممدوح
إليه، لا على أن الخطاب للمرأة المذكورة في القصيدة قبل البيت في قوله "وكم دون
ليلى" وتمام رواية البيت على أنه خطاب للناقة هو: وإن امــرأ أهــداك بينـي وبينـه
فيــاف تنوفــات ويهمـاء سـملق والأكثرون على رواية أسرى إليك، وأنه خطاب للمرأة،
وعليه بنى الكوفيون كلامهم في الاستشهاد بالبيت. وأسرى: لغة في سرى أي سار ليلا.
والموماة: الأرض التي لا ماء فيها. والبيداء واليهماء القفر. والسملق: الأرض
المستوية. وقد اختلف النحويون في تخريج قوله: " المحقوقة أن تستجيبى"، فقيل: لمحقوقة
استجابتك أي استجابتك محقوقة. وعليه فالتأنيث في محقوقة للمصدر المؤنث جوازًا.
وعليه أيضًا فلا شاهد في البيت. وقال الكوفيون: محقوقة خبر إن امرأ، غير جار على من
هو له وهو امرأ، وإنما هو جار على المرأة المخاطبة بقوله إليك. والبصريون يوجبون
إذا جرى الخبر على غير من هو له إبراز الضمير المستتر فيه، فكان حقه أن يقول:
لمحقوقة أنت أن تستجيبى لصوته. ويرى الكوفيون أن إبراز الضمير المستتر في مثل هذه
الحالة حكمه الجواز لا الوجوب، واستدلوا بالبيت على ترك إبرازه. ورد البصريون
كلامهم بما لا محل لذكره هنا. واستشهد المؤلف بالبيت على ما استشهد به الكوفيون.(7)
البيت ذكره ابن الأنباري في الإنصاف ولم ينسبه وكذلك لم ينسبه البغدادي في الخزانة
(2: 411) وهو كالشاهد الذي قبله. قال البغدادي: الظاهر من كلام ابن الشجري في
أماليه، ومن كلام ابن الأنباري في مسائل الخلاف، ومن كلام غيرهما: أن مذهب
الكوفيين، جواز ترك التأكيد مطلقًا، سواء أمن اللبس أم لا. قال ابن الأنباري: احتج
الكوفيون لمذهبهم بالشعر المتقدم، وبقوله: " ترى أرباقهم.." البيت. ولو كان إبراز
الضمير واجبًا لقال: متقلديها هم. فلما لم يبرز الضمير دل على جوازه. وأجاب
البصريون عن هذا بأنه على حذف مضاف، أي نرى أصحاب أرباقهم متقلديها. ورواية البيت
في الخزانة والإنصاف: " ترى أرباقهم" في موضع "ترى أرماحهم". وكذلك أنشده الفراء في
معاني القرآن: أرباقهم { ص 228). (8) هذا البيت مما استشهد به الفراء في معاني
القرآن { الورقة 328) قال عند قوله تعالى: { فظلت أعناقهم لها خاضعين): الفعل
للأعناق، فيقول القائل: كيف لم يقل خاضعة. وفي ذلك وجوه كلها صواب. أولها: أن
مجاهدًا جعل الأعناق الرجال الكبراء، فكانت الأعناق ها هنا بمنزلة قولك: ظلت
رءوسهم، رءوس القوم وكبراؤهم { لها خاضعين) ، الآية. والوجه الآخر: أن تجعل الأعناق:
الطوائف، كما تقول: رأيت الناس إلى فلان عنقًا واحدًا، فتجعل الأعناق: الطوائف
والعصب. وأحب إليَّ من هذين الوجهين في العربية: أن الأعناق إذا خضعت، فأربابها
خاضعون، فجعلت الفعل أولا للأعناق. ثم جعلت خاضعين للرجال، كما قال الشاعر "على
قبضة مرجوة.." البيت. فأنث فعل الظهر، لأن الكف تجمع الظهر، وتكفي منه.(9) البيت
لجرير، وقد سبق الاستشهاد به في الجزء (12 : 157) وذكره صاحب { اللسان: خضع) قال:
جاز أن يخبر عن المضاف إليه كما قال الشاعر "رأت مر السنين"، لما كانت السنون لا
تكون إلا بمن أخبر عن السنين، وإن كان أضاف إليها المرور. والسرار: الليلة التي
يخفى فيها الهلال آخر الشهر. ورواية "رأت مر السنين": هي رواية الديوان { طبعة
الصاوي: 426) ورواية أبي عبيدة في مجاز القرآن { ص 171).
يقول تعالى ذكره: وما يجيء هؤلاء المشركين الذين يكذّبونك ويجحدون ما أتيتهم به يا
محمد من عند ربك من تذكير وتنبيه على مواضع حجج الله عليهم على صدقك, وحقيقة ما
تدعوهم إليه مما يحدثه الله إليك ويوحيه إليك, لتذكرهم به, إلا أعرضوا عن استماعه,
وتركوا إعمال الفكر فيه وتدبره.
يقول تعالى ذكره: فقد كذب يا محمد هؤلاء المشركون بالذكر الذي أتاهم من عند الله,
وأعرضوا عنه { فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يقول:
فسيأتيهم أخبار الأمر الذي كانوا يسخرون منه, وذلك وعيد من الله لهم أنه محلّ بهم
عقابه على تماديهم في كفرهم, وتمرّدهم على ربهم.
يقول تعالى ذكره: أولم ير هؤلاء المشركون المكذّبون بالبعث والنشر إلى الأرض, كم
أنبتنا فيها بعد أن كانت ميتة لا نبات فيها{ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } يعني
بالكريم: الحسن, كما يقال للنخلة الطيبة الحمل: كريمة, وكما يقال للشاة أو الناقة
إذا غزرتا, فكثرت ألبانهما: ناقة كريمة, وشاة كريمة. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك
قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو, قال: ثني أبو عاصم, قال:
ثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعًا, عن ابن أبي نجيح,
عن مجاهد, في قول الله: { أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } قال: من
نبات الأرض, مما تأكل الناس والأنعام. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني
حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال:
اخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: { مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } قال: حسن.
يقول تعالى ذكره: إن في إنباتنا في الأرض من كلّ زوج كريم لآية. يقول: لدلالة
لهؤلاء المشركين المكذّبين بالبعث, على حقيقته, وأن القدرة التي بها أنبت الله في
الأرض ذلك النبات بعد جدوبتها, لن يُعجزه أن يُنْشر بها الأموات بعد مماتهم, أحياء
من قبورهم. وقوله: { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } يقول: وما كان أكثر
هؤلاء المكذبين بالبعث, الجاحدين نبوتك يا محمد, بمصدقيك على ما تأتيهم به من عند
الله من الذكر. يقول جلّ ثناؤه: وقد سبق في علمي أنهم لا يؤمنون, فلا يؤمن بك
أكثرهم للسابق من علمي فيهم. وقوله: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ
الرَّحِيمُ } يقول: وإن ربك يا محمد لهو العزيز في نقمته, لا يمتنع عليه أحد أراد
الانتقام منه. يقول تعالى ذكره: وإني إن أحللت بهؤلاء المكذبين بك يا محمد,
المعرضين عما يأتيهم من ذكر من عندي, عقوبتي بتكذيبهم إياك, فلن يمنعهم مني مانع,
لأني أنا العزيز الرحيم, يعني أنه ذو الرحمة بمن تاب من خلقه من كفره ومعصيته, أن
يعاقبه على ما سلف من جرمه بعد توبته. وكان ابن جُرَيج يقول في معنى ذلك, ما حدثنا
القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني الحجاج, عن ابن جُرَيج قال: كلّ شيء في الشعراء
من قوله { الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } فهو ما أهلك ممن مضى من الأمم, يقول عزيز, حين
انتقم من أعدائه, رحيم بالمؤمنين, حين أنجاهم مما أهلك به أعداءه.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
الأية 9
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك في هذا الموضع, لأن قوله: (
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } عقيب وعيد الله قوما من أهل الشرك
والتكذيب بالبعث, لم يكونوا أهلكوا, فيوجه إلى أنه خبر من الله عن فعله بهم
وإهلاكه.ولعلّ ابن جُرَيج بقوله هذا أراد ما كان من ذلك عقيب خبر الله عن إهلاكه من
أهلك من الأمم, وذلك إن شاء الله إذا كان عقيب خبرهم كذلك.
يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد إذ نادى ربك موسى بن عمران { أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ } يعني الكافرين قوم فرعون, ونصب القوم الثاني ترجمة عن القوم
الأوّل.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ
الأية 11
وقوله: { أَلا يَتَّقُونَ } يقول: ألا يتقون عقاب الله على كفرهم به. ومعنى الكلام:
قوم فرعون فقل لهم: ألا يتقون. وترك إظهار فقل لهم لدلالة الكلام عليه. وإنما قيل:
ألا يتقون بالياء, ولم يقل ألا تتقون بالتاء, لأن التنـزيل كان قبل الخطاب, ولو
جاءت القراءة فيها بالتاء كان صوابا, كما قيل: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
سَيُغْلَبُونَ } و سَتُغْلَبُونَ .
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ
الأية 12
يقول تعالى ذكره: { قال } موسى لربه { رَبِّ إِنِّي أَخَافُ } من قوم فرعون الذين
أمرتني أن آتيهم { أَنْ يُكَذِّبُونِ } بقيلي لهم: إنك أرسلتني إليهم.
{ وَيَضِيقُ صَدْرِي } من تكذيبهم إياي إن كذّبوني. ورفع قوله: { وَيَضِيقُ صَدْرِي
) عطفا به على أخاف, وبالرفع فيه قرأته عامة قرّاء الأمصار, ومعناه: وإني يضيق صدري
.وقوله: { وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي } يقول: ولا ينطق بالعبارة عما ترسلني به
إليهم, للعلة التي كانت بلسانه. وقوله: { وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي } كلام معطوف به
على يضيق. وقوله: { فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ } يعني هارون أخاه, ولم يقل: فأرسل
إليّ هارون ليؤازرني وليعينني, إذ كان مفهوما معنى الكلام, وذلك كقول القائل: لو
نـزلت بنا نازلة لفزعنا إليك, بمعنى: لفزعنا إليك لتعيننا.
وقوله: { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ } يقول: ولقوم فرعون عليّ دعوى ذنب أذنبت إليهم,
وذلك قتله النفس التي قتلها منهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر
من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثني عيسى; وحدثني الحارث,
قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: (
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ } قال: قتل النفس التي قتل
منهم. حدثنا القاسم, قال: ثني الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد,
قال: قتْل موسى النفس. قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر, عن قَتادة,
قوله: { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ } قال: قتل النفس. وقوله: { فَأَخَافُ أَنْ
يَقْتُلُونِ } يقول: فأخاف أن يقتلوني قودا بالنفس التي قتلت منهم.
يقول تعالى ذكره: { كَلا } : أي لن يقتلك قوم فرعون.{ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا }
يقول: فاذهب أنت وأخوك بآياتنا, يعني بأعلامنا وحججنا التي أعطيناك عليهم. وقوله: (
إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ } من قوم فرعون ما يقولون لكم, ويجيبونكم به.
وقوله: { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا } ... الآية, يقول: فأت أنت يا موسى وأخوك
هارون فرعون.{ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } إليك ب { أَنْ
أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } وقال رسول ربّ العالمين, وهو يخاطب اثنين
بقوله فقولا لأنه أراد به المصدر من أرسلت, يقال: أرسلت رسالة ورسولا كما قال
الشاعر: لَقَـدْ كَـذَبَ الوَاشُـونَ ما بُحْتُ عِندَهمْ بِسُـــوءٍ وَلا
أرْسَــلْتُهُمْ بِرَسُــولِ (10) يعنى برسالة, وقال الآخر: ألا مــنْ مُبْلِــغٌ
عَنّــي خُفافــا رَسُــولا بَيْــتُ أهلِــكَ مُنْتَهاهـا (11) يعني بقوله: رسولا
رسالة, فأنث لذلك الهاء. -------------------الهوامش :(10) البيت في { اللسان: رسل).
وفي رواية "بليلى" في موضع "بسوء". قال: والإرسال التوجيه، وقد أرسل إليه. والاسم
الرسالة { بكسر الراء المشددة وفتحها) والرسول والرسيل. الأخيرة عن ثعلب. وأنشد:
"لقد كذب الواشون.ز" البيت قال: والرسول بمعنى الرسالة يؤنث ويذكر. وفي { اللسان:
رسل) رواية أخرى للبيت كرواية المؤلف، ونسبه إلى كثير.(11) البيت لعباس بن مرداس
{ اللسان: رسل). قال: فأنث الرسول { بعود الضمير المؤنث) حيث كان بمعنى الرسالة. وهذا
البيت من المقطوعة التي منها الشاهد السابق { ص 37) وهو: " فأيي ما وأيك.." البيت.
يهجو به العباس بن مرداس خفاف بن ندبة لشيء كان بينهما { خزانة الأدب للبغدادي 2:
229).
وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر عليه منه, وهو: فأتيا فرعون فأبلغاه
رسالة ربهما إليه, فقال فرعون: ألم نربك فينا يا موسى وليدا, ولبثت فينا من عمرك
سنين؟ وذلك مكثه عنده قبل قتل القتيل الذي قتله من القبط.
{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ } يعني: قتله النفس التي قتل من القبط.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو,
قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء
جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ
وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ
قال: قتل النفس حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن
مجاهد, مثله. وإنما قيل { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ } لأنها مرة واحدة, ولا يجوز كسر
الفاء إذا أريد بها هذا المعنى. وذُكر عن الشعبي أنه قرأ ذلك: " وَفَعَلْتَ
فِعْلَتَكَ" بكسر الفاء, وهي قراءة لقراءة القرّاء من أهل الأمصار- مخالفة. وقوله:
{ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى
ذلك: وأنت من الكافرين بالله على ديننا. * ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون,
قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ: { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي
فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } يعني على ديننا هذا الذي تعيب. وقال آخرون:
بل معنى ذلك: وأنت من الكافرين نعمتنا عليك. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس, قال:
أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي
فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } قال: ربيناك فينا وليدا, فهذا الذي كافأتنا
أن قتلت منا نفسا, وكفرت نعمتنا!. حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي,
قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: { وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } يقول: كافرا
للنعمة لأن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر. قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن
زيد أشبه بتأويل الآية, لأن فرعون لم يكن مقرّا لله بالربوبية وإنما كان يزعم أنه
هو الرب, فغير جائز أن يقول لموسى إن كان موسى كان عنده على دينه يوم قتل القتيل
على ما قاله السديّ : فعلت الفعلة وأنت من الكافرين, الإيمان عنده: هو دينه الذي
كان عليه موسى عنده, إلا أن يقول قائل: إنما أراد: وأنت من الكافرين يومئذ يا موسى,
على قولك اليوم, فيكون ذلك وجها يتوجه. فتأويل الكلام إذن: وقتلت الذي قتلت منا
وأنت من الكافرين نعمتنا عليك, وإحساننا إليك في قتلك إياه. وقد قيل: معنى ذلك:
وأنت الآن من الكافرين لنعمتي عليك, وتربيتي إياك.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ
الأية 20
يقول تعالى ذكره: قال موسى لفرعون: فعلت تلك الفعلة التي فعلت, أي قتلت تلك النفس
التي قتلت إذن وأنا من الضالين. يقول: وأنا من الجاهلين قبل أن يأتيني من الله وحي
بتحريم قتله عليّ. والعرب تضع من الضلال موضع الجهل, والجهل موضع الضلال, فتقول: قد
جهل فلان الطريق وضل الطريق, بمعنى واحد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني
الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (
وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } قال: من الجاهلين. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين,
قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, مثله. قال ابن جُرَيج: وفي قراءة ابن
مسعود: " وأنا مِنَ الجَاهِلِينَ". قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو سفيان, عن معمر,
عن قتادة: { وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } قال: من الجاهلين. حُدثت عن الحسين, قال:
سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَأَنْتَ مِنَ
الْكَافِرِينَ فقال موسى: لم أكفر, ولكن فعلتها وأنا من الضالين. وفي حرف ابن
مسعود: " فعلتها إذا وأنا من الجاهلين ". حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد في قوله: { قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } قبل
أن يأتيني من الله شيء كان قتلي إياه ضلالة خطأ. قال: والضلالة ههنا الخطأ, لم يقل
ضلاله فيما بينه وبين الله. حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال:
ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: { قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ
الضَّالِّينَ } يقول: وأنا من الجاهلين.
وقوله { فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ }... الآية, يقول تعالى ذكره مخبرًا
عن قيل موسى لفرعون: { فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ } معشر الملأ من قوم فرعون { لَمَّا
خِفْتُكُمْ } أن تقتلوني بقتلي القتيل منكم.{ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا } يقول:
فوهب لي ربي نبوّة وهي الحكم. كما حدثنا موسى بن هارون, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا
أسباط عن السديّ: { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا } والحكم: النبوّة. وقوله: (
وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ } يقول: وألحقني بعداد من أرسله إلى خلقه, مبلغا
عنه رسالته إليهم بإرساله إياي إليك يا فرعون.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه موسى صلى الله عليه وسلم لفرعون { وَتِلْكَ
نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ } يعني بقوله: وتلك تربية فرعون إياه, يقول: وتربيتك
إياي, وتركك استعبادي, كما استعبدت بني إسرائيل نعمة منك تمنها عليّ بحقّ. وفي
الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذكر عليه عنه, وهو: وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني
إسرائيل وتركتني, فلم تستعبدني, فترك ذكر " وتركتني" لدلالة قوله { أَنْ عَبَّدْتَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ } عليه, والعرب تفعل ذلك اختصارا للكلام, ونظير ذلك في الكلام
أن يستحق رجلان من ذي سلطان عقوبة, فيعاقب أحدهما, ويعفو عن الآخر, فيقول المعفو
عنه هذه نعمة علي من الأمير أن عاقب فلانا, وتركني, ثم حذف " وتركني" لدلالة الكلام
عليه, ولأن في قوله: { أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } وجهين: أحدهما النصب,
لتعلق " تمنها " بها, وإذا كانت نصبا كان معنى الكلام: وتلك نعمة تمنها علي لتعبدك
بني إسرائيل. والآخر: الرفع على أنها ردّ على النعمة. وإذا كانت رفعا كان معنى
الكلام: وتلك نعمة تمنها عليّ تعبيدك بني إسرائيل. ويعني بقوله: { أَنْ عَبَّدْتَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ } : أن اتخذتهم عبيدا لك. يقال منه: عبدت العبيد وأعبدتهم, قال
الشاعر: عَـلامَ يُعْبِـدنِي قَـومِي وقـدْ كَـثُرَتْ فِيهــا أبـاعِرُ مـا شـاءُوا
وَعُبْـدَانُ (1) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني
محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن,
قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: { تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ
عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } قال: قهرتهم واستعملتهم. حدثنا القاسم, قال: ثنا
الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: تمن علي أن عبَّدت بني إسرائيل, قال:
قهرت وغلبت واستعملت بني إسرائيل. حدثنا موسى بن هارون, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا
أسباط, عن السديّ: { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ } وربيتني قبل وليدا. وقال آخرون: هذا استفهام كان من موسى لفرعون,
كأنه قال: أتمنّ عليّ أن اتخذت بني إسرائيل عبيدا. * ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن,
قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ
تَمُنُّهَا عَلَيَّ } قال: يقول موسى لفرعون: أتمنّ عليّ أن اتخذت أنت بني إسرائيل
عبيدا. واختلف أهل العربية في ذلك, فقال بعض نحويي البصرة: وتلك نعمة تمنها عليّ,
فيقال: هذا استفهام كأنه قال: أتمنها علي؟ ثم فسر فقال: { أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ } وجعله بدلا من النعمة. وكان بعض أهل العربية ينكر هذا القول, ويقول:
هو غلط من قائله لا يجوز أن يكون همز الاستفهام يلقى, وهو يطلب, فيكون الاستفهام
كالخبر, قال: وقد استقبح ومعه أم, وهي دليل على الاستفهام واستقبحوا: تَــرُوحُ
مــنَ الحَــيّ أمْ تَبْتَكــرْ وَمــاذَا يَضُــرُّكَ لَــوْ تَنْتظــرْ? (2) قال:
وقال بعضهم: هو أتروح من الحيّ, وحذف الاستفهام أوّلا اكتفاء بأم. وقال أكثرهم: بل
الأوّل خبر, والثاني استفهام, وكأن " أم " إذا جاءت بعد الكلام فهي الألف, فأما
وليس معه أم, فلم يقله إنسان. وقال بعض نحويي الكوفة في ذلك ما قلنا. وقال: معنى
الكلام: وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين لنعمتي: أي لنعمة تربيتي لك,
فأجابه فقال: نعم هي نعمة عليّ أن عبدت الناس ولم تستعبدني.
------------------------ الهوامش : (1) البيت من شواهد { اللسان: عبد) قال: تعبد
الرجل { وعبده) بتشديد الباء فيهما، وأعبده: صيره كالعبد. قال الشاعر: " ختام يعبدني
قومي.." البيت.(2) البيت: لامرىء القيس بن حجر الكندي { مختار الشعر الجاهلي بشرح
مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 115) تروح: أتروح، وتبتكر: تخرج مبكرًا. يقول: أتروح إلى
أهلك آخر النهار، أم تخرج إليهم بكرة، وما الذي يعجلك عن الانتظار وهو خير لك.
والبيت شاهد على أنه حذف همزة الاستفهام اكتفاء بدلالة أم عليه. وبعضهم يستقبح
الحذف في هذا الموضع. ويمنعه فيما يلبس بالخبر.
{ قال } موسى هو { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) ومالكهن { وَمَا بَيْنَهُمَا }
يقول: ومالك ما بين السموات والأرض من شيء.{ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ } يقول: إن
كنتم موقنين أن ما تعاينونه كما تعاينونه, فكذلك فأيقنوا أن ربنا هو ربّ السموات
والأرض وما بينهما.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ
الأية 25
يعني تعالى ذكره بقوله { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ } قال فرعون لمن
حوله من قومه: ألا تستمعون لما يقول موسى, فأخبر موسى عليه السلام القوم بالحواب عن
مسألة فرعون إياه وقيله له وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ليفهم بذلك قوم فرعون مقالته
لفرعون, وجوابه إياه عما سأله, إذ قال لهم فرعون { أَلا تَسْتَمِعُونَ } إلى قول
موسى.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ
الأية 26
فقال لهم الذي دعوته إليه وإلى عبادته { رَبُّكُمْ } الذي خلقكم { وَرَبُّ
آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ } فقال فرعون لما قال لهم موسى ذلك.
وأخبرهم عما يدعو إليه فرعون وقومه: { إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ
إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } يقول: إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إليكم لمغلوب على
عقله, لأنه يقول قولا لا نعرفه ولا نفهمه, وإنما قال ذلك ونسب موسى عدو الله إلى
الجنة, لأنه كان عنده وعند قومه أنه لا رب غيره يعبد, وأن الذي يدعوه إليه موسى
باطل ليست له حقيقة, فقال موسى عند ذلك محتجًّا عليهم, ومعرفهم ربهم بصفته وأدلته,
إذ كان عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربًّا لهم في ذلك الوقت هو فرعون, وأن الذي
يعرفونه لآبائهم أربابا ملوك أخر, كانوا قبل فرعون, قد مضوا فلم يكن عندهم أن موسى
أخبرهم بشيء له معنى يفهمونه ولا يعقلونه, ولذلك قال لهم فرعون: إنه مجنون, لأن
كلامه كان عندهم كلاما لا يعقلون معناه.
وقوله: { قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا) فمعناه: الذي
أدعوكم وفرعون إلى عبادته رب المشرق والمغرب وما بينهما يعني ملك مشرق الشمس
ومغربها, وما بينهما من شيء لا إلى عبادة ملوك مصر الذين كانوا ملوكها قبل فرعون
لآبائكم فمضوا, ولا إلى عبادة فرعون الذي هو ملكها.{ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ }
يقول: إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم, وتفهمون بها ما تسمعون مما يعين
لكم؛ فلما أخبرهم عليه السلام بالأمر الذي علموا أنه الحق الواضح, إذ كان فرعون ومن
قبله من ملوك مصر لم يجاوز ملكهم عريش مصر, وتبين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي
يدعوهم موسى إلى عبادته, هو الملك الذي يملك الملوك. قال فرعون حينئذ استكبارا عن
الحق, وتماديا في الغي لموسى.
{ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي } يقول: لئن أقررت بمعبود سواي (
لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } يقول: لأسجننك مع من في السجن من أهله.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ
الأية 30
يقول تعالى ذكره: قال موسى لفرعون لما عرفه ربه, وأنه رب المشرق والمغرب, ودعاه إلى
عبادته وإخلاص الألوهة له, وأجابه فرعون بقوله لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي
لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ : أتجعلني من المسجونين { أَوَلَوْ جِئْتُكَ
بِشَيْءٍ مُبِينٍ } يبين لك صدق ما أقول يا فرعون وحقيقة ما أدعوك إليه؟ وإنما قال
ذلك له, لأن من أخلاق الناس السكون للإنصاف, والإجابة إلى الحق بعد البيان؛ .
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
الأية 31
فلما قال موسى له ما قال من ذلك, قال له فرعون: فأت بالشيء المبين حقيقة ما تقول,
فإنا لن نسجنك حينئذ إن اتخذت إلها غيري إن كنت من الصادقين: يقول: إن كنت محقا
فيما تقول, وصادقا فيما تصف وتخبر.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ
الأية 32
{ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ } يقول جلّ ثناؤه: فألقى موسى
عصاه فتحوّلت ثعبانا, وهي الحية الذكر كما قد بيَّنت فيما مضى قبل من صفته وقوله (
مُبِينٌ } يقول: يبين لفرعون والملأ من قومه أنه ثعبان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن
أبي بكر بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن ابن عباس, قوله: { فَأَلْقَى عَصَاهُ
فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ } يقول: مبين له خلق حية.
وقوله: { وَنـزعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ } يقول: وأخرج موسى يده من جيبه
فإذا هي بيضاء تلمع { للناظرين } لمن ينظر إليها ويراها. حدثنا أبو كريب, قال: ثنا
عثام بن عليّ, قال: ثنا الأعمش, عن المنهال, قال: ارتفعت الحية في السماء قدر ميل,
ثم سفلت حتى صار رأس فرعون بين نابيها, فجعلت تقول: يا موسى مرني بما شئت, فجعل
فرعون يقول: يا موسى أسألك. بالذي أرسلك, قال: فأخذه بطنه.
يقول تعالى ذكره: قال فرعون لما أراه موسى من عظيم قدرة الله وسلطانه حجة عليه
لموسى بحقيقة ما دعاه إليه, وصدق ما أتاه به من عند ربه { لِلْمَلإ حَوْلَهُ } يعني
لأشراف قومه الذين كانوا حوله.{ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } يقول: إن موسى سحر
عصاه حتى أراكموها ثعبانا{ عَلِيمٌ }, يقول: ذو علم بالسحر وبصر به.{ يُرِيدُ أَنْ
يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } يقول: يريد أن يخرج بني إسرائيل من
أرضكم إلى الشأم بقهره إياكم بالسحر.
وإنما قال: يريد أن يخرجكم فجعل الخطاب للملإ حوله من القبط, والمعنيّ به بنو
إسرائيل, لأن القبط كانوا قد استعبدوا بني إسرائيل, واتخذوهم خدما لأنفسهم ومهانا,
فلذلك قال لهم: { يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ } وهو يريد: أن يخرج خدمكم وعبيدكم من
أرض مصر إلى الشأم. وإنما قلت معنى ذلك كذلك, لأن الله إنما أرسل موسى إلى فرعون
يأمره بإرسال بني إسرائيل معه, فقال له ولأخيه فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا
رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ . وقوله:
{ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } يقول: فأي شيء تأمرون في أمر موسى وما به تشيرون من الرأي
فيه؟ .
{ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ } يقول تعالى
ذكره: فأجاب فرعون الملأ حوله بأن قالوا له: أخِّر موسى وأخاه وأنظره .
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ
الأية 37
وابعث في بلادك وأمصار مصر حاشرين يحشرون إليك كل سحّار عليم بالسحر.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ
الأية 38
يقول تعالى ذكره: فجمع الحاشرون الذين بعثهم فرعون بحشر السحرة { لِمِيقَاتِ يَوْمٍ
مَعْلُومٍ } يقول: لوقت واعد فرعون لموسى الاجتماع معه فيه من يوم معلوم, وذلك يوم
الزينة وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى .
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ
الأية 39
وقيل للناس: هل أنتم مجتمعون لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان, ولمن تكون الغلبة,
لموسى أو للسحرة؟ .
فلعلنا نتبع السحرة، ومعنى لعل هنا كي، يقول: كي نتبع السحرة، إن كانوا هم الغالبين
موسى، وإنما قلت ذلك معناها: لأن قوم فرعون كانوا على دين فرعون، فغير معقول أن
يقول من كان على دين: أنظر إلى حجة من هو على خلافي لعلي أتبع ديني، وإنما يقال:
أنظر إليها كي أزداد بصيرة بديني، فأقيم عليه. وكذلك قال قوم فرعون. فإياها عنوا
بقيلهم: { لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين). وقيل: إن اجتماعهم للميقات الذي
اتعد للاجتماع فيه فرعون وموسى كان بالإسكندرية. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس,
قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ
مُجْتَمِعُونَ قال: كانوا بالإسكندرية, قال: ويقال: بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة
يومئذ, قال: وهربوا وأسلموا فرعون وهمت به, فقال: فخذها يا موسى, قال: فكان فرعون
مما يلي الناس منه أنه كان لا يضع على الأرض شيئا, قال: فأحدث يومئذ تحته, قال:
وكان إرساله الحية في القبة الحمراء.
{ قال } فرعون لهم { نَعَمْ } لكم الأجر على ذلك { وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ
الْمُقَرَّبِينَ } منا. فقالوا عند ذلك لموسى: إما أن تلقي, وإما أن نكون نحن
الملقين, وترك ذكر قيلهم ذلك لدلالة خبر الله عنهم أنهم قال لهم موسى: ألقوا ما
أنتم ملقون, على أن ذلك معناه ف.
يقول تعالى ذكره: { فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ } حين ألقت السحرة حبالهم وعصيهم.(
فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } يقول: فإذا عصا موسى تزدرد ما يأتون به من
الفرية والسحر الذي لا حقيقة له, وإنما هو مخاييل (1)
وخدعة.-----------------الهوامش :(1) مخاييل: جمع مخيلة، بمعنى المظنة، وأصله
مخايل. والكوفيون يزيدون في مثل هذا الجمع ياء قبل آخره، مثل دارهيم وصياريف جمعى
درهم وصيرف.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
الأية 46
{ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } يقول: فلما تبين السحرة أن الذي جاءهم به
موسى حق لا سحر, وأنه مما لا يقدر عليه غير الله الذي فطر السموات والأرض من غير
أصل, خرّوا لوجوههم سجدا لله, مذعنين له بالطاعة, مقرّين لموسى بالذي أتاهم به من
عند الله أنه هو الحقّ, وأن ما كانوا يعملونه من السحر باطل.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ
الأية 47
{ آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } الذي دعانا موسى إلى عبادته دون فرعون وملئه.
Tafseer As-Saadiy تفسير السعدي
رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ
الأية 48
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ وانقمع الباطل,
في ذلك المجمع, وأقر رؤساؤه, ببطلانه, ووضح الحق, وظهر حتى رأى ذلك الناظرون
بأبصارهم.
{ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } يقول جلّ ثناؤه: قال فرعون للذين
كانوا سحرته فآمنوا: آمنتم لموسى بأن ما جاء به حق قبل أن آذن لكم في الإيمان به.(
إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } يقول: إن موسى لرئيسكم في
السحر, وهو الذي علَّمكموه, ولذلك آمنتم به.{ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } عند عقابي
إياكم وبال ما فعلتم, وخطأ ما صنعتم من الإيمان به. يقول لأُقَطِّعَنَّ
أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مخالفا في قطع ذلك منكم بين قطع الأيدي والأرجل, وذلك
أن أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى, ثم اليد اليسرى والرجل اليمنى, ونحو ذلك من قطع
اليد من جانب, ثم الرجل من الجانب الآخر, وذلك هو القطع من خلاف
وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فوكد ذلك بأجمعين إعلاما منه أنه غير مُسْتَبْقٍ
منهم أحدا.{ قَالُوا لا ضَيْرَ } يقول تعالى ذكره: قالت السحرة: لا ضير علينا; وهو
مصدر من قول القائل: قد ضار فلانٌ فلانا فهو يضير ضيرا, ومعناه: لا ضرر. وبنحو الذي
قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: .
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: { لا ضَيْرَ } قال:
يقول: لا يضرنا الذي تقول, وإن صنعته بنا وصلبتنا.{ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا
مُنْقَلِبُونَ } يقول: إنا إلى ربنا راجعون, وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك إيانا,
وثباتنا على توحيده, والبراءة من الكفر به.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل السحرة: إنا نطمع: إنا نرجو أن يصفع لنا ربنا عن
خطايانا التي سلفت منا قبل إيماننا به, فلا يعاقبنا بها. كما حدثني يونس, قال:
أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: { إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا
رَبُّنَا خَطَايَانَا } قال: السحر والكفر الذي كانوا فيه.{ أَنْ كُنَّا أَوَّلَ
الْمُؤْمِنِينَ } يقول: لأن كنا أوّل من آمن بموسى وصدقه بما جاء به من توحيد الله
وتكذيب فرعون في ادعائه الربوبية في دهرنا هذا وزماننا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن
زيد, في قوله { أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ } قال: كانوا كذلك يومئذ أول من
آمن بآياته حين رأوها.
وقوله: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } يقول: وأوحينا إلى
موسى إذ تمادى فرعون في غيه وأبى إلا الثبات على طغيانه بعد ما أريناه آياتنا, أن
أسر بعبادي: يقول: أن سر ببني إسرائيل ليلا من أرض مصر.{ إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ }
إن فرعون وجنده متبعوك وقومك من بني إسرائيل, ليحولوا بينكم وبين الخروج من أرضهم,
أرض مصر.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ
الأية 53
يقول تعالى ذكره: فأرسل فرعون في المدائن يحشر له جنده وقومه .
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ
الأية 54
ويقول لهم { إِنَّ هَؤُلاءِ } يعني بهؤلاء: بني إسرائيل { لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ
) يعني بالشرذمة: الطائفة والعصبة الباقية من عصب جبيرة, وشرذمة كل شيء: بقيته
القليلة; ومنه قول الراجز: جَــاءَ الشِّــتَاءُ وقَمِيصِـي أخْـلاقْ شَــرَاذِمٌ
يَضْحَــكُ مِنْــهُ التَّـوَّاقْ (2) وقيل: قليلون, لأن كل جماعة منهم كان يلزمها
معنى القلة; فلما جمع جمع جماعاتهم قيل: قليلون, كما قال الكُمَيت: فَــرَدَّ
قَــوَاصِيَ الأحْيَــاء مِنْهُـمْ فَقَــدْ صَــارُوا كَحَــيّ وَاحدينـا (3) وذكر
أن الجماعة التي سماها فرعون شرذمة قليلين, كانوا ستّ مئة ألف وسبعين ألفا. * ذكر
من قال ذلك: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق,
عن أبي عبيدة: { إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ }, قال: كانوا ستّ مئة
وسبعين ألفا. قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن أبي عُبيدة,
عن عبد الله, قال: الشرذمة: ستّ مئة ألف وسبعون ألفا. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا
يحيى بن واضح, قال: ثنا موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب القرظي, عن عبد الله بن
شدّاد بن الهاد, قال: اجتمع يعقوب وولده إلى يوسف, وهم اثنان وسبعون, وخرجوا مع
موسى وهم ستّ مئة ألف, فقال فرعون { إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ },
وخرج فرعون على فرس أدهم حصان على لون فرسه في عسكره ثمان مئة ألف. حدثني يعقوب بن
إبراهيم, قال: ثنا ابن علية, عن سعيد الجريري, عن أبي السليل, عن قيس بن عباد, قال:
وكان من أكثر الناس أو أحدث الناس عن بني إسرائيل, قال: فحدثنا أن الشرذمة الذين
سماهم فرعون من بني إسرائيل كانوا ستّ مئة ألف, قال: وكان مقدمة فرعون سبعة مئة
ألف, كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة, وفي يده حربة, وهو خلفهم في الدهم. فلما
انتهى موسى ببني إسرائيل إلى البحر, قالت بنو إسرائيل. يا موسى أين ما وعدتنا, هذا
البحر بين أيدينا, وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا, فقال موسى للبحر: انفلق
أبا خالد, قال: لا لن أنفلق لك يا موسى, أنا أقدم منك خلقا; قال: فنودي أن اضرب
بعصاك البحر, فضربه, فانفلق البحر, وكانوا اثني عشر سبطا. قال الجريري. فأحسبه قال:
إنه كان لكل سبط طريق, قال: فلما انتهى أول جنود فرعون إلى البحر, هابت الخيل
اللهب; قال: ومثل لحصان منها فرس وديق, فوجد ريحها فاشتدّ, فاتبعه الخيل; قال: فلما
تتام آخر جنود فرعون في البحر, وخرج آخر بني إسرائيل, أمر البحر فانصفق عليهم,
فقالت بنو إسرائيل: ما مات فرعون وما كان ليموت أبدا, فسمع الله تكذيبهم نبيه عليه
السلام, قال: فرمى به على الساحل, كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل. حدثنا موسى,
قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: { إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ
قَلِيلُونَ } يعني بني إسرائيل. حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا
عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد في قوله: { إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } قال: هم يومئذ ستّ مئة
ألف, ولا يحصى عدد أصحاب فرعون. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن
ابن جُرَيج, قوله: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ
مُتَّبَعُونَ قال: أوحى الله إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل, كل أربعة أبيات في بيت,
ثم اذبحوا أولاد الضأن, فاضربوا بدمائها على الأبواب, فإني سآمر الملائكة أن لا
تدخل بيتا على بابه دم, وسآمرهم بقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم, ثم اخبزوا
خبزا فطيرا, فإنه أسرع لكم, ثم أسر بعبادي حتى تنتهي للبحر, فيأتيك أمري, ففعل;
فلما أصبحوا قال فرعون: هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا,
فأرسل في أثرهم ألف ألف وخمس مئة ألف وخمس مئة ملك مسوّر, مع كل ملك ألف رجل, وخرج
فرعون في الكرش العظمى, وقال { إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } قال:
قطعة, وكانوا ستّ مئة ألف, مئتا ألف منهم أبناء عشرين سنة إلى أربعين. قال: ثني
حجاج, عن أبي بكر بن حوشب, عن ابن عباس, قال: كان مع فرعون يومئذ ألف جبار, كلهم
عليه تاج, وكلهم أمير على خيل. قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: كانوا ثلاثين
ملكا ساقة خلف فرعون يحسبون أنهم معهم وجبرائيل أمامهم, يرد أوائل الخيل على
أواخرها, فأتبعهم حتى انتهى إلى البحر.---------------------الهوامش :(2) البيت في
{ اللسان: خلق) منسوب لراجز. قال: يقال: ثوب أخلاق، يصفون به الواحد، إذا كانت
الخلوقة فيه كله، كما قالوا: برمة أعشار، وحبل أرمام، وأرض سباسب، وكذلك برمة أخلاق
عن اللحياني، أي نواحيها أخلاق. وقال الراجز: " جاء الشتاء.." البيت ا ه. كأنه لما
صار خلقًا كله، كان كل جزء فيه خلقًا، فجمعه باعتبار أجزائه، كما تفيده عبارة
اللحياني. والتواق: اسم ولد الراجز. وفي { اللسان: شرذم) الشرذمة: القطعة من الشيء،
والجمع شراذم والشرذمة: الجماعة من الناس القليلة، وفي التنزيل: { إن هؤلاء لشرذمة
قليلون) وثياب شراذم أي: أخلاق متقطعة وثوب شراذم أي قطع. وأنشد البيت عن ابن
برى.(3) البيت للكميت { اللسان: وحد). قال الجوهري: العرب تقول: أنتم حي واحد، وحي
واحدون، كما يقال: شرذمة قليلون، وأنشد للكميت: " فرد قواصي الأحياء.." البيت. وهو
يشبه كلام الفراء في معاني القرآن { مصورة الجامعة الورقة 229) قال: وقوله: { إن
هؤلاء لشرذمة قليلون) يقول: عصبة قليلة، وقليلون وكثيرون. وأكثر كلام العرب أن
يقولوا: قومك قليل وقومنا كثير. وقليلون وكثيرون: جائز عربي، وإنما جاز لأن القلة
إنما تدخلهم جميعًا، فقيل: قليل؛ وأوثر "قليل" على "قليلين"، وجاز الجمع إذا كانت
القلة تلزم جميعهم في المعنى، فظهرت أسماؤهم على ذلك. ومثله أنتم حي واحد، وحي
واحدون. ومعنى واحدون: واحد، كما قال الكميت: " فرد قواصي الأحياء.." البيت.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ
الأية 55
وقوله: { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ } يقول: وإن هؤلاء الشرذمة لنا لغائظون,
فذكر أن غيظهم إياهم كان قتل الملائكة من قتلت من أبكارهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا
القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: { وَإِنَّهُمْ لَنَا
لَغَائِظُونَ } يقول: بقتلهم أبكارنا من أنفسنا وأموالنا. وقد يحتمل أن يكون معناه:
وإنهم لنا لغائظون بذهابهم منهم بالعواريّ التي كانوا استعاروها منهم من الحليّ,
ويحتمل أن يكون ذلك بفراقهم إياهم, وخروجهم من أرضهم بكره لهم لذلك.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ
الأية 56
وقوله { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة
قرّاء الكوفة { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } بمعنى: أنهم معدون مؤدون ذوو أداة
وقوّة وسلاح. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة: " وأنا لجميع حذرون " بغير ألف.
وكان الفرّاء يقول: كأن الحاذر الذي يحذرك الآن, وكأن الحذر المخلوق حذرا لا تلقاه
إلا حذرا; ومن الحذر قول ابن أحمر: هَــلْ أُنسَــأَنْ يَوْمـا إلـى غَـيْرِهِ
إنِّـــي حَــوَالِيٌّ وآنّــي حَــذِر (4) والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان
مستفيضتان في قرّاء الأمصار متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ, فمصيب الصواب
فيه. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن
بشار, قال: ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, قال: سمعت الأسود بن زيد يقرأ: { وَإِنَّا
لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } قال: مقوون مؤدون. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يحيى بن واضح,
قال: ثنا عيسى بن عبيد, عن أيوب, عن أبي العرجاء, عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقرأ:
{ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } يقول: مؤدون. حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال:
ثنا أسباط, عن السديّ في قوله: { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } يقول: حذرنا,
قال: جمعنا أمرنا. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج: (
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } قال: مؤدون معدون في السلاح والكراع. ثنا القاسم,
قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج أبو معشر, عن محمد بن قيس قال: كان مع فرعون ست مئة
ألف حصان أدهم سوى ألوان الخيل. حدثنا عمرو بن عليّ, قال: ثنا أبو داود, قال: ثنا
سليمان بن معاذ الضبي, عن عاصم بن بهدلة, عن أبي رزين, عن ابن عباس أنه قرأها: (
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } قال: مؤدون مقوون. ----------------------الهوامش
:(4) البيت لابن أحمر الباهلي. قاله المؤلف. ونسبه في { اللسان: حول) إلى المرار بن
منقذ العدوي. قال: ويقال رجل حوالي: للجيد الرأي ذي الحيلة كما قال ابن أحمر، ويقال
للمرار بن منقذ العدوي * أو تنسـأن يــومي إلى غيــره * وقال في "حذر": ورجل حذر
وحذر { بكسر الذال وضمها) وحاذورة، وحذريان: متيقظ، شديد الحذر والفزع متحرز. وحاذر:
متأهب معد، كأنه يحذر أن يفاجأ. والجمع "حذرون وحذارى". وفي التنزيل: { وإنا لجميع
حاذرون"، وقرئ "حذرون" و "حذرون". الأخيرة بضم الذال، حكاه الأخفش. ومعنى "حاذرون"
متأهبون، ومعنى "حذرون" خائفون. وقيل: معنى "حذرون" معدون. الأزهري. من قرأ { وإنا
لجميع حاذرون) أي مستعدون. ومن قرأ "حذرون" فمعناه: إنا نخاف شرهم. وقال الفراء في
معاني القرآن { مصورة الجامعة، الورقة 229): وقوله: " حاذرون، وحذرون: حدثني أبو ليلى
السجستاني، عن ابن جرير قاضي سجستان، أن ابن مسعود قرأ: { وإنا لجميع حاذرون).
يقولون: مؤدون في السلاح. يقولون: ذوو أداة من السلاح. و "حذرون" وكأن الحاذر: الذي
يحذرك الآن؛ وكأن "الحذر": المخلوق حذرًا: ، لا تلقاه إلا حذرًا. ا ه.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
الأية 57
يقول تعالى ذكره: فأخرجنا فرعون وقومه من بساتين وعيون ماء.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ
الأية 58
وكنوز ذهب وفضة, ومقام كريم. قيل: إن ذلك المقام الكريم: المنابر.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
الأية 59
وقوله { كذلك } يقول: هكذا أخرجناهم من ذلك كما وصفت لكم في هذه الآية والتي
قبلها.{ وأورثناها } يقول: وأورثنا تلك الجنات التي أخرجناهم منها والعيون والكنوز
والمقام الكريم عنهم بهلاكهم بني إسرائيل.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ
الأية 60
وقوله: { فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ } فأتبع فرعون وأصحابه بني إسرائيل, مشرقين
حين أشرقت الشمس, وقيل حين أصبحوا. حدثني محمد بن عمرو, قال: ثني أبو عاصم, قال:
ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح,
عن مجاهد: { فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ } قال: خرج موسى ليلا فكسف القمر وأظلمت
الأرض, وقال أصحابه: إن يوسف أخبرنا أنا سننجَى من فرعون, وأخذ علينا العهد لنخرجنّ
بعظامه معنا, فخرج موسى ليلته يسأل عن قبره, فوجد عجوزا بيتها على قبره, فأخرجته له
بحكمها, وكان حكمها أو كلمة تشبه هذا, أن قالت: احملني فأخرجني معك, فجعل عظام يوسف
في كسائه, ثم حمل العجوز على كسائه, فجعله على رقبته, وخيل فرعون هي ملء أعنتها
حضرا (5) في أعينهم, ولا تبرح, حبست عن موسى وأصحابه حتى تواروا. حدثنا القاسم,
قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: { فَأَتْبَعُوهُمْ
مُشْرِقِينَ } قال: فرعون وأصحابه, وخيل فرعون في ملء أعنتها في رأي عيونهم, ولا
تبرح, حبست عن موسى وأصحابه حتى تواروا. ------------------------الهوامش : (5) في
الأصل خضراء، والراجح أنه "حضرًا"، وهو الأسراع في العدو. أي: يرونها مسرعة وهي لا
تبرح أماكنها.
يقول تعالى ذكره: فلما تناظر الجمعان: جمع موسى وهم بنو إسرائيل, وجمع فرعون وهم
القبط { قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } أي إنا لملحقون, الآن
يلحقنا فرعون وجنوده فيقتلوننا, وذكر أنهم قالوا ذلك لموسى, تشاؤما بموسى. * ذكر من
قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه, قال: قلت
لعبد الرحمن { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا
لَمُدْرَكُونَ } قال: تشاءموا بموسى, وقالوا: أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا . حدثنا موسى, قال: ثنا أسباط, عن السديّ:
{ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ } فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد رمقهم قالوا
{ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) { قالوا) يَامُوسَى { أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا
وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا, إنا لمدركون; البحر بين
أيدينا, وفرعون من خلفنا. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن أبي
بكر, عن شهر بن حوشب, عن ابن عباس, قال: لما انتهى موسى إلى البحر, وهاجت الريح
العاصف, فنظر أصحاب موسى خلفهم إلى الريح, وإلى البحر أمامهم { قَالَ أَصْحَابُ
مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى الأعرج { إِنَّا
لَمُدْرَكُونَ }, وقرأه الأعرج: " إنَّا لَمُدَرَّكُونَ" كما يقال نـزلت, وأنـزلت.
والقراءة عندنا التي عليها قرّاء الأمصار, لإجماع الحجة من القرّاء عليها.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
الأية 62
وقوله: { كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } قال موسى لقومه: ليس الأمر كما
ذكرتم, كلا لن تدركوا إن معي ربي سيهدين, يقول: سيهدين لطريق أنجو فيه من فرعون
وقومه. كما حدثني ابن حميد, قال: ثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن محمد بن كعب القرظي,
عن عبد الله بن شداد بن الهاد, قال: لقد ذكر لي أنه خرج فرعون في طلب موسى على
سبعين ألفا من دُهم الخيل, سوى ما في جنده من شية الخيل, وخرج موسى حتى إذا قابله
البحر, ولم يكن عنه منصرف, طلع فرعون في جنده من خلفهم { فَلَمَّا تَرَاءَى
الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ
رَبِّي سَيَهْدِينِ } أي للنجاة, وقد وعدني ذلك, ولا خُلف لموعوده. حدثنا موسى,
قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ: { قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي
سَيَهْدِينِ } يقول: سيكفيني, وقال: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ
وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ .
وقوله { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ
) ذكر أن الله كان قد أمر البحر أن لا ينفلق حتى يضربه موسى بعصاه. حدثنا موسى,
قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قال: فتقدم هارون فضرب البحر, فأبى أن
ينفتح, وقال: من هذا الجبار الذي يضربني, حتى أتاه موسى فكناه أبا خالد, وضربه
فانفلق. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, قال: ثني محمد بن إسحاق, قال: أوحى الله
فيما ذكر إلى البحر: إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له, قال: فبات البحر يضرب بعضه
بعضا فرقا من الله, وانتظار أمره, وأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر, فضربه
بها وفيها سلطان الله الذي أعطاه, فانفلق. حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو أحمد, قال:
ثنا سفيان, ظن سليمان التيمي, عن أبي السليل, قال: لما ضرب موسى بعصاه البحر, قال:
إيها أبا خالد, فأخذه إفْكَلُ. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثنا حجاج, عن
ابن جُرَيج, وحجاج عن أبي: بكر بن عبد الله وغيره, قالوا: لما انتهى موسى إلى البحر
وهاجت الريح والبحر يرمي بتياره, ويموج مثل الجبال, وقد أوحى الله إلى البحر أن لا
ينفلق حتى يضربه موسى بالعصا, فقال له يوشع: يا كليم الله أين أمرت؟ قال: ههنا,
قال: فجاز البحر ما يواري حافره الماء, فذهب القوم يصنعون مثل ذلك, فلم يقدروا,
وقال له الذي يكتم إيمانه: يا كليم الله أين أمرت؟ قال: ههنا, فكبح فرسه بلجامه حتى
طار الزبد من شدقيه, ثم قحمه البحر فأرسب في الماء, فأوحى الله إلى موسى أن أضرب
بعصاك البحر, فضرب بعصاه موسى البحر فانفلق, فإذا الرجل واقف على فرسه لم يبتلّ
سرجه ولا لبده. وقوله: { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } يقول تعالى
ذكره: فكان كل طائفة من البحر لما ضربه موسى كالجبل العظيم. وذُكر أنه انفلق اثنتي
عشرة فلقة على عدد الأسباط, لكل سبط منهم فرق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ:
{ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } يقول: كالجبل العظيم,
فدخلت بنو إسرائيل, وكان في البحر اثنا عشر طريقا, في كل طريق سبط, وكان الطريق كما
إذا انفلقت الجدران, فقال: كل سبط قد قتل أصحابنا; فلما رأى ذلك موسى دعا الله
فجعلها قناطر كهيئة الطيقان, فنظر آخرهم إلى أولهم حتى خرجوا جميعا. حدثنا القاسم,
قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, وحجاج, عن أبي بكر بن عبد الله
وغيره قالوا: انفلق البحر, فكان كل فرق كالطود العظيم, اثنا عشر طريقا في كل طريق
سبط, وكان بنو إسرائيل اثني عشر سبطا, وكانت الطرق بجدران, فقال كل سبط: قد قتل
أصحابنا; فلما رأى ذلك موسى, دعا الله فجعلها لهم بقناطر كهيئة الطيقان, ينظر بعضهم
إلى بعض, وعلى أرض يابسة كأن الماء لم يصبها قطّ حتى عبر. قال: ثني حجاج, عن ابن
جُرَيج, قال: لما انفلق البحر لهم صار فيه كوى ينظر بعضهم إلى بعض. حدثنا ابن حميد,
قال: ثنا سلمة, قال: ثني محمد بن إسحاق: { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ
الْعَظِيمِ } أي كالجبل على نشز من الأرض. حدثني عليّ, قال: ثني معاوية, عن عليّ,
عن ابن عباس, قوله: { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } يقول: كالجبل.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في
قوله: { كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } قال: كالجبل العظيم. ومنه قول الأسود بن يعفر:
حَــلُّوا بــأنْقِرَةٍ يَســيلُ عَلَيْهِــمُ مــاء الفُـرَاتِ يَجـيءُ مِـنْ
أطْـوادِ (1) يعني بالأطواد: جمع طود, وهو الجبل. ------------------------ الهوامش
: (1) البيت للأسود بن يعفر، قاله المؤلف. وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن
{ مخطوطة الجامعة ص 172) قال: كالطود العظيم: أي الجبل. قال: " حلوا بأنقرة.." البيت
وفي { اللسان: طود): الطود: الجبل العظيم. وفي حديث عائشة تصف أباها { رضي الله
عنهما): ذاك طود منيف: أي جبل عال. والطود: الهضبة. عن ابن الأعرابي. والجمع:
أطواد. ا ه. وفي رواية أبي عبيدة في مجاز القرآن: " يجيش" في موضع "يسيل" ورواية
البكري في معجم ما استعجم ص 204 طبعة القاهرة: " يسيل" كرواية المؤلف. وأنقرة: موضع
بظهر الكوفة، أسفل من الخورنق، كانت إياد تنزله في الدهر الأول، إذا غلبوا على ما
بين الكوفة والبصرة. قال البكري: وفيه اليوم طيئ وسليح، وفي بارق إلى هيث وما
يليها، كلها منازل طيئ وسليح. هذا قول عمر بن شبة. وقال غيره: أنقرة: موضع بالحيرة.
وقد صرحوا بأن أنقرة هذه. غير أنقرة التي في بلاد الروم { الأناضول) وهي الآن قاعدة
دولة الترك.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ
الأية 64
يعني بقول تعالى ذكره: { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ } : وقرّبنا هنالك آل
فرعون من البحر, وقدمناهم إليه, ومنه قوله: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ
بمعنى: قربت وأُدنيت; ومنه قول العجاج: طَـــيّ اللَّيــالي زُلَفــا فَزُلَفــا
سَــماوَةَ الهِــلالِ حـتى احْقَوْقَفَـا (2) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن
جُرَيج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس, قوله: { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ }
قال: قرّبنا. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في
قوله: { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ } قال: هم قوم فرعون قربهم الله حتى أغرقهم
في البحر. حدثنا موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قال: دنا فرعون
وأصحابه بعد ما قطع موسى ببني إسرائيل البحر من البحر; فلما نظر فرعون إلى البحر
منفلقا, قال: ألا ترون البحر فرق مني, قد تفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم, فذلك
قول الله { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ } يقول: قربنا ثم الآخرين هم آل فرعون;
فلما قام فرعون على الطرق, وأبت خيله أن تتقحم, فنـزل جبرائيل صلى الله عليه وسلم
على ماذيانة, فتشامَّتْ الحُصُن ريح الماذيانة فاقتحمت في أثرها حتى إذا هم أولهم
أن يخرج ودخل آخرهم, أمر البحر أن يأخذهم, فالتطم عليهم, وتفرد جبرائيل بمقلة من
مقل البحر, فجعل يدسها في فيه. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن
أبي بكر بن عبد الله, قال: أقبل فرعون فلما أشرف على الماء, قال أصحاب موسى: يا
مكلم الله إن القوم يتبعوننا في الطريق, فاضرب بعصاك البحر فاخلطه, فأراد موسى أن
يفعل, فأوحى الله إليه: أن اترك البحر رَهْوا يقول: أمره على سكناته إِنَّهُمْ
جُنْدٌ مُغْرَقُونَ إنما أمكر بهم, فإذا سلكوا طريقكم غرقتهم; فلما نظر فرعون إلى
البحر قال: ألا ترون البحر فرق مني حتى تفتح لي, حتى أدرك أعدائي فأقتلهم; فلما وقف
على أفواه الطرق وهو على حصان, فرأى الحصان البحر فيه أمثال الجبال هاب وخاف, وقال
فرعون: أنا راجع, فمكر به جبرائيل عليه السلام, فأقبل على فرس أنثى, فأدناها من
حصان فرعون, فطفق فرسه لا يقرّ, وجعل جبرائيل يقول: تقدم, ويقول: ليس أحد أحق
بالطريق منك, فتشامت الحصن الماذيانة, فما ملك فرعون فرسه أن ولج على أثره; فلما
انتهى فرعون إلى وسط البحر, أوحى الله إلى البحر: خذ عبدي الظَّالم وعبادي الظلمة,
سلطاني فيك, فإني قد سلطتك عليهم, قال: فتغطمطت تلك الفرق من الأمواج كأنها الجبال,
وضرب بعضها بعضا; فلما أدركه الغرق قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي
آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وكان جبرائيل صلى
الله عليه وسلم شديد الأسف عليه لما ردّ من آيات الله, ولطول علاج موسى إياه, فدخل
في أسفل البحر, فأخرج طينا, فحشاه في فم فرعون لكيلا يقولها الثانية, فتدركه
الرحمة, قال: فبعث الله إليه ميكائيل يعيره: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ
مِنَ الْمُفْسِدِينَ وقال جبرائيل: يا محمد ما أبغضت أحدا من خلق الله ما أبغضت
اثنين أحدهما من الجن وهو إبليس, والآخر فرعون فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى :
ولقد رأيتني يا محمد, وأنا أحشو في فيه مخافة أن يقول كلمة يرحمه الله بها. وقد زعم
بعضهم أن معنى قوله: { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ } وجمعنا, قال: ومنه ليلة
المزدلفة, قال: ومعنى ذلك: أنها ليلة جمع. وقال بعضهم: وأزلفنا ثَمَّ وأهلكنا.
------------------------ الهوامش: (2) البيت من مشطور الرجز، وهما للعجاج، من
أرجوزة مطولة له، وصف ارتحاله في ظلال الليل، وجملا ناجيًا حمله. { انظر اللسان:
زلف. وأراجيز العرب للسيد البكري ص 52). وقبل البيتين بيت متصل بمعناهما، وهو قوله:
* نـاج طـواه الأيـن ممـا وجفا * قال في اللسان: يقول: منزلة بعد منزلة، ودرجة بعد
درجة. وقال السيد البكري: زلفًا فزلفًا: أي درجة فدرجة. وسماوة: أي أعلى. واحقوقف:
اعوج. يريد طواه السير كما تطوى الليالي الأهلة حتى تنحل { من النحول) وتعوج ا ه.
وفي اللسان: الزلف { كسبب) والزلفة والزلفى: القربة، والدرجة، والمنزلة. وأزلف
الشيء: قربه. وفي التنزيل { وأُزلفت الجنة للمتقين): أي قربت. قال الزجاج: وتأويله:
أي قريب دخولهم فيها، ونظرهم إليها. وقوله عز وجل: { وأزلفنا ثم الآخرين) معنى
{ أزلفنا): جمعنا، وقيل: قربنا الآخرين من الغرق، وهم أصحاب فرعون، وكلاهما حسن
جميل؛ لأن جمعهم تقريب بعضهم من بعض. والبيتان من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن
{ ص 172 من مخطوطة جامعة القاهرة).
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَأَنْجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ
الأية 65
وقوله: { وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ } يقول تعالى ذكره:
وأنجينا موسى مما أتبعنا به فرعون وقومه من الغرق في البحر ومن مع موسى من بني
إسرائيل أجمعين.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ
الأية 66
وقوله: { ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ } يقول: ثم أغرقنا فرعون وقومه من القبط في
البحر بعد أن أنجينا موسى منه ومن معه.
وقوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } يقول تعالى ذكره: إن فيما فعلت بفرعون ومن معه
تغريقي إياهم في البحر إذ كذبوا رسولي موسى, وخالفوا أمري بعد الإعذار إليهم,
والإنذار لدلالة بينة يا محمد لقومك من قريش على أن ذلك سنتي فيمن سلك سبيلهم من
تكذيب رسلي, وعظة لهم وعبرة أن ادكروا واعتبروا أن يفعلوا مثل فعلهم من تكذيبك مع
البرهان والآيات التي قد أتيتهم, فيحلّ بهم من العقوبة نظير ما حل بهم, ولك آية في
فعلي بموسى, وتنجيتي إياه بعد طول علاجه فرعون وقومه منه, وإظهاري إياه وتوريثه
وقومه دورهم وأرضهم وأموالهم, على أني سالك فيك سبيله, إن أنت صبرت صبره, وقمت من
تبليغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه قيامه, ومظهرك على مكذّبيك, ومعليك عليهم.{ وَمَا
كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } يقول: وما كان أكثر قومك يا محمد مؤمنين بما أتاك
الله من الحقّ المبين, فسابق في علمي أنهم لا يؤمنون.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
الأية 68
{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ } في انتقامه ممن كفر به وكذّب رسله من
أعدائه,{ الرَّحِيمُ } بمن أنجى من رسله, وأتباعهم من الغرق والعذاب الذي عذب به
الكفرة.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ
الأية 69
يقول تعالى ذكره: واقصص على قومك من المشركين يا محمد خبر إبراهيم .
{ قالوا) لَهُ: { نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) يقول: فنظلّ لها
خدما مقيمين على عبادتها وخدمتها. وقد بيَّنا معنى العكوف بشواهده فيما مضى قبل,
بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وكان ابن عباس فيما روي عنه يقول في معنى ذلك ما
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عباس,
قوله: { قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } قال: الصلاة
لأصنامهم.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ
الأية 72
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لهم: هل تسمع دعاءكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم؟ واختلف
أهل العربية في معنى ذلك: فقال بعض نحويي البصرة معناه: هل يسمعون منكم أو هل
يسمعون دعاءكم. فحذف الدعاء, كما قال زُهَير: القــائِدُ الخَــيْلَ مَنْكُوبًـا
دَوَابِرُهـا قـدْ أُحْـكِمَتْ حَكمـاتِ القِـدّ والأبَقـا (3) وقال: يريد أحكمت
حكمات الأبق, فألقى الحكمات وأقام الأبق مُقامها. وقال بعض من أنكر ذلك من قوله من
أهل العربية: الفصيح من الكلام في ذلك هو ما جاء في القرآن, لأن العرب تقول: سمعت
زيدا متكلما, يريدون: سمعت كلام زيد, ثم تعلم أن السمع لا يقع على الأناسيّ. إنما
يقع على كلامهم ثم يقولون: سمعت زيدا: أي سمعت كلامه. قال: ولو لم يقدم في بيت زهير
حكمات القدّ لم يجز أن يسبق بالأبق عليها, لأنه لا يقال: رأيت الأبق, وهو يريد
الحكمة.------------------------ الهوامش : (3) البيت لزهير بن أبي سلمى المزني، من
قصيدة يمدح بها هرم بن سنان { مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي
248) قال شارحه: الدوابر: الحوافر، أي تأكلها الأرض وتؤثر فيها. { وفي اللسان: دبر):
دابرة الحافر مؤخرة، وقيل: هي التي تلي مؤخر الرسغ. وجمعها: دوابر. { وأحكمت): جعل
لها حكمات. والحكمة: التي تكون على الأنف من الرسن. والقد: ما قطع من الجلد.
والأبق: شبه الكتان، وقيل: هو القنب. ا ه. وفي { اللسان: حكم): والحكمة: حديدة في
اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه عن مخالفة راكبه وحكم الفرس حكمًا { بفتح
الحاء) ، وأحكمه بالحكمة: جعل للجامه حكمة، وكانت العرب تتخذها من القد والأبق، لأن
قصدهم الشجاعة، لا الزينة؛ قال زهير: " القائد الخيل.." البيت. يريد قد أحكمت بحكمات
القد، وبحكمات الأبق. فحذف الحكمات، وأقام الأبق مكانها. ويروي: " محكومة حكمات القد
والأبقا" على اللغتين جميعًا. قال أبو الحسن: عُدِّي: " قد أحكمت" لأن فيه معنى
قلدت، وقلدت متعدية إلى مفعولين، الأزهري: وفرس محكومة في رأسها حكمة، وأنشد *
محكوكـة حكمـات القـد والأبق * ابن شميل: الحكمة: خلقة تكون في فم الفرس.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ
الأية 73
وقوله: { أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } يقول: أو تنفعكم هذه الأصنام,
فيرزقونكم شيئا على عبادتكموها, أو يضرّونكم فيعاقبونكم على ترككم عبادتها بأن
يسلبوكم أموالكم, أو يهلكوكم إذا هلكتم وأولادكم { قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا
آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }. وفي الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر عما ترك,
وذلك جوابهم إبراهيم عن مسألته إياهم: { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ
يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) فكان جوابهم إياه: لا ما يسمعوننا إذا دعوناهم,
ولا ينفعوننا ولا يضرّون, يدل على أنهم بذلك أجابوه.
قولهم: { بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } وذلك رجوع عن مجحود,
كقول القائل: ما كان كذا بل كذا وكذا, ومعنى قولهم: { وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ
يَفْعَلُونَ } وجدنا من قبلنا ولا يضرّون, يدّل على أنهم بذلك أجابوه، قولهم من
آبائنا يعبدونها ويعكفون عليها لخدمتها وعبادتها, فنحن نفعل ذلك اقتداء بهم,
واتباعا لمنهاجهم.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ
الأية 75
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لقومه: أفرأيتم أيها القوم ما كنتم تعبدون من هذه
الأصنام .
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ
الأية 76
أنتم وآباؤكم الأقدمون, يعني بالأقدمين: الأقدمين من الذين كان إبراهيم يخاطبهم,
وهم الأوّلون قبلهم ممن كان على مثل ما كان عليه الذين كلمهم إبراهيم من عبادة
الأصنام .
{ فإنهم عدو لي إلا رب العالمين }. يقول قائل: وكيف يوصف الخشب والحديد والنحاس
بعداوة ابن آدم؟ فإن معنى ذلك: فإنهم عدوّ لي لو عبدتهم يوم القيامة, كما قال جلّ
ثناؤه وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلا
سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا . وقوله: { إِلا
رَبَّ الْعَالَمِينَ } نصبا على الاستثناء, والعدوّ بمعنى الجمع, ووحد لأنه أخرج
مخرج المصدر, مثل القعود والجلوس. ومعنى الكلام: أفرأيتم كل معبود لكم ولآبائكم,
فإني منه بريء لا أعبده, إلا رب العالمين.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ
الأية 78
يقول: فإنهم عدوّ لي إلا ربّ العالمين { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ }
للصواب من القول والعمل, ويسددني للرشاد.
{ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } فربي هذا
الذي بيده نفعي وضرّي, وله القدرة والسلطان, وله الدنيا والآخرة, لا الذي لا يسمع
إذا دعي, ولا ينفع ولا يضرّ. وإنما كان هذا الكلام من إبراهيم احتجاجا على قومه, في
أنه لا تصلح الألوهة, ولا ينبغي أن تكون العبودة إلا لمن يفعل هذه الأفعال, لا لمن
لا يطيق نفعا ولا ضرّا. وقيل: إن إبراهيم صلوات الله عليه, عني بقوله: { وَالَّذِي
أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } : والذي أرجو أن يغفر لي
قولي: إِنِّي سَقِيمٌ وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وقولي لسارة: إنها
أختي. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى;
وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في
قول الله: { أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } قال: قوله: إِنِّي
سَقِيمٌ وقوله: فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وقوله لسارة: إنها أختي, حين أراد فرعون
من الفراعنة أن يأخذها. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن
جُرَيج, عن مجاهد, قوله: { وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ
الدِّينِ } قال: قوله إِنِّي سَقِيمٌ وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وقوله
لسارة: إنها أختي. قال: ثنا الحسين, قال: ثنا أبو تُمَيلة, عن أبي حمزة, عن جابر,
عن عكرمة ومجاهد نحوه. ويعني بقوله { يَوْمِ الدِّينِ } يوم الحساب, يوم المجازاة.
وقد بيَّنا ذلك بشواهده فيما مضى.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن مسألة خليله إبراهيم إياه { رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا }
يقول: رب هب لي نبوّة.{ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } يقول: واجعلني رسولا إلى
خلقك, حتى تلحقني بذلك بعداد من أرسلته من رسلك إلى خلقك, وائتمنته على وحيك,
واصطفيته لنفسك.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ
الأية 84
وقوله: { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ } يقول: واجعل لي في الناس
ذكرًا جميلا وثناء حسنا, باقيا فيمن يجيء من القرون بعدي. وبنحو الذي قلنا في ذلك
قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج,
عن أبي بكر, عن عكرمة, قوله: { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)
قَوْلُهُ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا . قال: إن الله فضله بالخُلة حين
اتخذه خليلا فسأل الله فقال: { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ } حتى
لا تكذّبني الأمم, فأعطاه الله ذلك, فإن اليهود آمنت بموسى, وكفرت بعيسى, وإن
النصارى آمنت بعيسى, وكفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم, وكلهم يتولى إبراهيم; قالت
اليهود: هو خليل الله وهو منا, فقطع الله ولايتهم منه بعد ما أقرّوا له بالنبوّة
وآمنوا به, فقال: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ
كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثم ألحق ولايته بكم
فقال: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا
النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ فهذا أجره الذي
عجل له, وهي الحسنة, إذ يقول: وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وهو اللسان
الصدق الذي سأل ربه. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله:
{ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ } قال: اللسان الصدق: الذكر الصدق,
والثناء الصالح, والذكر الصالح في الآخرين من الناس, من الأمم.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ
الأية 85
يعني إبراهيم صلوات الله عليه بقوله: { وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ
النَّعِيمِ } أورثني يا ربّ من منازل من هلك من أعدائك المشركين بك من الجنة,
وأسكني ذلك.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ
الأية 86
{ وَاغْفِرْ لأبِي } يقول: واصفح لأبي عن شركه بك, ولا تعاقبه عليه { إِنَّهُ كَانَ
مِنَ الضَّالِّينَ } يقول: إنه كان ممن ضل عن سبيل الهدى, فكفر بك. وقد بيَّنا
المعنى الذي من أجله استغفر إبراهيم لأبيه صلوات الله عليه, واختلاف أهل العلم في
ذلك, والصواب عندنا من القول فيه فيما مضى, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ
الأية 87
وقوله: { وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } يقول: ولا تذلني بعقابك إياي يوم
تبعث عبادك من قبورهم لموقف القيامة.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ
الأية 88
{ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ } يقول: لا تخزني يوم لا ينفع من كفر بك
وعصاك في الدنيا مال كان له في الدنيا, ولا بنوه الذين كانوا له فيها, فيدفع ذلك
عنه عقاب الله إذا عاقبه, ولا ينجيه منه.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
الأية 89
وقوله: { إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } يقول: ولا تخزني يوم يبعثون,
يوم لا ينفع إلا القلب السليم. والذي عني به من سلامة القلب في هذا الموضع: هو
سلامة القلب من الشكّ في توحيد الله, والبعث بعد الممات. وبنحو الذي قلنا في ذلك
قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا ابن علية, عن
عون, قال: قلت لمحمد: ما القلب السليم؟ قال: أن يعلم أن الله حقّ, وأن الساعة
قائمة, وأن الله يبعث من في القبور. حدثنا ابن بشار, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا
سفيان, عن ليث, عن مجاهد: { إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } قال: لا شك
فيه. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد,
قوله: { إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } قال: ليس فيه شكّ في الحقّ.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: (
بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } قال: سليم من الشرك. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال
ابن زيد: { إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } قال: سليم من الشرك, فأما
الذنوب فليس يسلم منها أحد. حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي, قال: ثنا مروان بن
معاوية, عن جُوَيْبِر, عن الضحاك, في قول الله: { إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ } قال: هو الخالص.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ
الأية 90
يعني جلّ ثناؤه بقوله: { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } وأدنيت الجنة
وقرّبت للمتقين, الذين اتقوا عقاب الله في الآخرة بطاعتهم إياه في الدنيا.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ
الأية 91
{ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } يقول: وأظهرت النار للذين غووا فضلوا عن
سواء السبيل.
{ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ } اليوم من الله, فينقذونكم من عذابه { أَوْ يَنْتَصِرُونَ
) لأنفسهم, فينجونها مما يُرَاد بها؟.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ
الأية 94
وقوله: { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ } يقول: فرمي ببعضهم في الجحيم
على بعض, وطرح بعضهم على بعض منكبين على وجوههم. وأصل كبكبوا: كببوا, ولكن الكاف
كرّرت كما قيل: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ يعني به صرّ, ونهنهني يُنهنهَني, يعني به: نههني.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا
الحسين, قال. ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: { فكبكبوا } قال: فدهوروا.
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: (
فَكُبْكِبُوا فِيهَا } يقول: فجمعوا فيها. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال:
قال ابن زيد, فى قوله: { فَكُبْكِبُوا فِيهَا } قال: طرحوا فيها. فتأويل الكلام:
فكبكب هؤلاء الأنداد التي كانت تعبد من دون الله في الجحيم والغاوون. وذُكر عن
قَتادة أنه كان يقول: الغاوون في هذا الموضع. الشياطين. * ذكر الرواية عمن قال ذلك:
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: (
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ } قال: الغاوون: الشياطين. فتأويل الكلام
على هذا القول الذي ذكرنا عن قتادة. فكبكب فيها الكفار الذين كانوا يعبدون من دون
الله الأصنام والشياطين.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ
الأية 95
وقوله: { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } يقول: وكبكب فيها مع الأنداد والغاوين
جنود إبليس أجمعون. وجنوده: كل من كان من تباعه, من ذرّيته كان أو من ذرّية آدم.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ
الأية 96
يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء الغاوون والأنداد التي كانوا يعبدونها من دون الله
وجنود إبليس, وهم في الجحيم يختصمون.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
الأية 97
{ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } يقول: تالله لقد كنا في ذهاب عن
الحقّ, إن كنا لفي ضلال مبين, يبين ذهابنا ذلك عنه عن نفسه, لمن تأمله وتدبره, أنه
ضلال وباطل.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ
الأية 98
وقوله: { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } يقول الغاوون للذين يعبدونهم
من دون الله: تالله إن كنا لفي ذهاب عن الحقّ حين نعدلكم برب العالمين فنعبدكم من
دونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس, قال:
أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ
الْعَالَمِينَ } قال: لتلك الآلهة.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ
الأية 99
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الغاوين في الجحيم: { وَمَا أَضَلَّنَا إِلا
الْمُجْرِمُونَ } يعني بالمجرمين إبليس, وابن آدم الذي سنّ القتل. كما حدثنا
القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عكرمة, قوله: { وَمَا
أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ } قال: إبليس وابن آدم القاتل.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ
الأية 100
وقوله { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ } يقول: فليس لنا شافع فيشفع لنا عند الله من
الأباعد, فيعفو عنا, وينجينا من عقابه.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ
الأية 101
{ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } من الأقارب. واختلف أهل التأويل في الذين عُنوا
بالشافعين, وبالصديق الحميم, فقال بعضهم: عني بالشافعين: الملائكة, وبالصديق
الحميم: النسيب. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج
,عن ابن جُرَيج: { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ } قال: من الملائكة { وَلا صَدِيقٍ
حَمِيمٍ } قال: من الناس, قال مجاهد: صديق حميم, قال: شقيق. وقال آخرون: كل هؤلاء
من بني آدم. * ذكر من قال ذلك: حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: ثنا إسحاق
بن سعيد البصري المسمعي, عن أخيه يحيى بن سعيد المسمعي, قال: كان قَتادة إذا قرأ: (
فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } قال: يعلمون والله أن الصديق
إذا كان صالحا نفع, وأن الحميم إذا كان صالحا شفع.
يقول تعالى ذكره: إن فيما احتجّ به إبراهيم على قومه من الحجج التي ذكرنا له لدلالة
بينة واضحة لمن اعتبر, على أن سنة الله في خلقه الذين يستنون بسنة قوم إبراهيم من
عبادة الأصنام والآلهة, ويقتدون بهم في ذلك ما سنّ فيهم في الدار الآخرة, من
كبكبتهم وما عبدوا من دونه مع جنود إبليس في الجحيم, وما كان أكثرهم في سابق علمه
مؤمنين.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
الأية 104
وإن ربك يا محمد لهو الشديد الانتقام ممن عبد دونه, ثم لم يتب من كفره حتى هلك,
الرحيم بمن تاب منهم أن يعاقبه على ما كان سلف منه قبل توبته من إثم وجرم.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ
الأية 105
يقول تعالى ذكره: { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ } رسل الله الذين أرسلهم إليهم .
{ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } يقول: وما أطلب منكم على نصيحتي لكم
وأمري إياكم باتقاء عقاب الله بطاعته فيما أمركم ونهاكم, من ثواب ولا جزاء { إِنْ
أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ } دونكم ودون جميع خلق الله.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
الأية 110
فاتقوا عقاب الله على كفركم به, وخافوا حلول سخطه بكم على تكذيبكم رسله, وأطيعون:
يقول: وأطيعوني في نصيحتي لكم, وأمري إياكم بإخلاص العبادة لخالقكم.
يقول تعالى ذكره: قال قوم نوح له مجيبيه عن قيله لهم: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ
أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قالوا: أنؤمن لك يا نوح, ونقرّ بتصديقك
فيما تدعونا إليه, وإنما اتبعك منا الأرذلون دون ذوي الشرف وأهل البيوتات.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
الأية 112
{ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قال نوح لقومه: وما علمي بما
كان أتباعي يعملون, إنما لي منهم ظاهر أمرهم دون باطنه, ولم أكَلَّفْ علم باطنهم,
وإنما كلّفت الظاهر, فمن أظهر حسنا ظننت به حسنا, ومن أظهر سيئا ظننت به سيئا.
يقول: إن حساب باطن أمرهم الذي خفي عني إلا على ربي لو تشعرون, فإنه يعلم سرّ أمرهم
وعلانيته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: .
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قوله: { إِنْ
حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ } قال: هو أعلم بما في نفوسهم.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ
الأية 114
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه: وما أنا بطارد من آمن بالله واتبعني على
التصديق بما جئت به من عند الله.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ
الأية 115
{ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ } يقول: ما أنا إلا نذير لكم من عند ربكم أنذركم
بأسه, وسطوته على كفركم به مبين: يقول: نذير قد أبان لكم إنذاره, ولم يكتمكم
نصيحته.
{ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا } يقول: فاحكم بيني وبينهم حكما من عندك
تهلك به المبطل, وتنتقم به ممن كفر بك وجحد توحيدك, وكذب رسولك. كما حدثنا الحسن,
قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: { فَافْتَحْ بَيْنِي
وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا } قال: فاقض بيني وبينهم قضاء. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن
وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: { فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا } قال:
يقول: اقض بيني وبينهم.{ ونجني } يقول: ونجني من ذلك العذاب الذي تأتي به حكما بيني
وبينهم.{ وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } يقول: والذين معي من أهل الإيمان بك
والتصديق لي.
وقوله { فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } يقول: فأنجينا
نوحا ومن معه من المؤمنين -حين فتحنا بينهم وبين قومهم, وأنـزلنا بأسنا بالقوم
الكافرين- في الفلك المشحون, يعني في السفينة الموقرة المملوءة. وبنحو الذي قلنا في
تأويل قوله { الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني
محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس,
قوله: { فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } قال: يعني الموقر. حدثنا محمد بن سنان
القزاز, قال: ثنا الحسين بن الحسن الأشقر, قال: ثنا أبو كدينة, عن عطاء, عن سعيد بن
جُبير, عن ابن عباس, قال: { المشحون): الموقر. حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو
عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: { الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } قال: المفروغ منه
المملوء. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد,
قال: { المشحون } المفروغ منه تحميلا. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال:
أخبرنا معمر, عن قتادة, في قول الله: { الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } قال: هو المحمل.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ
الأية 120
وقوله: { ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ } من قومه الذين كذبوه, وردوا عليه
النصيحة.
يقول تعالى ذكره: إن فيما فعلنا يا محمد بنوح ومن معه من المؤمنين في الفلك
المشحون, حين أنـزلنا بأسنا وسطوتنا, بقومه الذين كذبوه, لآية لك ولقومك المصدّقيك
منهم والمكذّبيك, في أن سنتنا تنجية رسلنا وأتباعهم, إذا نـزلت نقمتنا بالمكذبين
بهم من قومهم, وإهلاك المكذبين بالله, وكذلك سنتي فيك وفي قومك.{ وَمَا كَانَ
أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } يقول: ولم يكن أكثر قومك بالذين يصدّقونك مما سبق في
قضاء الله أنهم لن يؤمنوا.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
الأية 122
{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ } في انتقامه ممن كفر به, وخالف أمره (
الرَّحِيمُ } بالتائب منهم, أن يعاقبه بعد توبته.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ
الأية 123
يقول تعالى ذكره: { كَذَّبَتْ عَادٌ } رسل الله إليهم.
{ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } يقول: وما أطلب منكم على أمري إياكم
باتقاء الله جزاء ولا ثوابا.{ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ }
يقول: ما جزائي وثوابي على نصيحتي إياكم إلا على ربّ العالمين.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ
الأية 128
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه: { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً
تَعْبَثُونَ } والريع: كل مكان مشرف من الأرض مرتفع, أو طريق أو واد; ومنه قول ذي
الرُّمَّة: طِـرَاقُ الخَـوَافِي مُشْـرفٌ فَوْق رِيعَةٍ نَــدَى لَيْلِـه فِـي
ريشِـهِ يَـتَرَقْرَقُ (1) وقول الأعشى: وَيهْمـــاءُ قَفْـــرٍ تَجاوَزْتهـــا
إذَا خَـــبَّ فِــي رِيعِهــا آلُهَــا (2) وفيه لغتان: ريع ورَيع بكسر الراء
وفتحها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ,
قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: { أَتَبْنُونَ
بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } يقول: بكلّ شرف. حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا
أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن
ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: { بِكُلِّ رِيعٍ } قال: فجّ. حدثني محمد بن سعد,
قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: (
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً } قال: بكل طريق. حدثني سليمان بن عبيد الله
الغيلاني, قال: ثنا أبو قتيبة, قال: ثنا مسلم بن خالد, قال: ثنا ابن أبي نجيح, عن
مجاهد, في قوله: { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ } قال: الريع: الثنية الصغيرة. حدثني
يونس, قال: أخبرنا يحيى بن حسان, عن مسلم بن خالد, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.
حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال عكرمة: (
بِكُلِّ رِيعٍ } قال: فجّ وواد, قال: وقال مجاهد { بِكُلِّ رِيعٍ } بين جبلين. قال:
ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, قوله: { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ } قال: شرف
ومنظر. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, في
قوله: { بِكُلِّ رِيعٍ } قال: بكلّ طريق. حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ
يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { بِكُلِّ رِيعٍ } بكلّ طريق.
ويعني بقوله { آية } بنيانا, علما. وقد بينا في غير موضع من كتابنا هذا, أن الآية
هي الدلالة والعلامة بالشواهد المغنية عن إعادتها في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا
في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في ألفاظهم في تأويله. * ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن
عباس: { بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً } قال: الآية: علم. حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو
عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد: { بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً } قال: آية: بنيان. حدثنا القاسم, قال:
ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: { آية } : بنيان. حدثني عليّ
بن سهل, قال: ثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, في قوله: { بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً }
قال: بنيان الحمام. وقوله: { تعبثون } قال: تلعبون. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك
قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني
عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: { تعبثون } قال: تلعبون. حُدثت عن
الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك, يقول في قوله: (
تعبثون } قال: تلعبون. وقوله: { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ } اختلف أهل التأويل في
معنى المصانع, فقال بعضهم: هي قصور مشيدة. ------------------------ الهوامش: (1)
البيت لذي الرمة { اللسان: ريع) قال: والريع: الجبل، والجمع أرياع، وريوع، ورياع.
وقيل: الواحدة ريعة. والجمع: رياع. وحكى ابن برى عن أبي عبيدة: الريعة: جمع ريع،
خلاف قول الجوهري، قال ذو الرمة: * طـراق الخوافي واقعًا فوق ريعة * والريع:
السبيل، سلك أو لم يسلك. وقوله تعالى: { أتبون بكل ريع آية). وقرئ: " بكل ريع"، { بفتح
الراء): قيل في تفسيره: بكل مكان مرتفع. وقيل معناه: بكل فج. والفج: الطريق المتفرج
في الجبال خاصة. وقيل: بكل طريق. وقال الفراء: الريع والريع { بكسر الراء وفتحها)
لغتان، مثل الرير والرير. ا ه. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن { مصورة الجامعة 173):
{ بكل ريع}، وهو الارتفاع من الأرض، والطريق. والجمع أرياع وريعة. قال ذو الرمة:
طِـرَاقُ الخَـوَافي مُشْـرِفٌ فَوْقَ رِيعَةٍ نَــدَى لَيْلِـهِ فِـي رِيشِـهِ
يَـتَرَقْرَق وفي { اللسان: طرق): وطائر طراق الريش: إذا ركب بعضه بعضًا. قال ذو
الرمة يصف بازيا: طِـرَاقُ الخَـوَافي وَاقِـعٌ فَـوْقَ رِيعِه نَــدَى لَيْلِـهِ
فِـي رِيشِـهِ يَـتَرَقْرَق ويترقرق: يلمع. وكل شيء له بصيص وتلألؤ فهو رقراق.
والخوافي: ما تحت القوادم في الطائر من الريش. والقوادم: جمع قادمة، وهي أربع ريشات
طويلة في أول جناحه.(2) البيت نسبه المؤلف للأعشى { أعشى بني قيس بن ثعلبة) وفي
ديوانه طبعة القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين { ص 163- 169) قصيدة من هذا البحر
المتقارب ومن القافية نفسها، عدتها 47 بيتًا، يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي. ولكن
البيت سقط منها في نسخة الديوان، ولعله يوجد في نسخ أخرى منه قديمة واليهماء القازة
لا ماء بها ولا أنيس وخب تحرك واضطراب والريع قد فسرناه في الشاهد قبل هذا، ونقلنا
كلام العلماء والآل السراب وخب السراب أي تحرك ولمع وهذا الشاهد كالذي قبله يريد
المؤلف أنه كل مكان مشرف من الأرض مرتفع، أو طريق أو واد وفيه لغتان ريع وريع بكسر
الراء وفتحها كما قال، وكما قال غيره من أهل اللغة.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ
الأية 129
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: ثنا
الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: { وَتَتَّخِذُونَ
مَصَانِعَ } قال: قصور مشيدة, وبنيان مخلد. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: { مصانع } : قصور مشيدة وبنيان. حدثنا الحسن,
قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن مجاهد, قال: { مصانع } يقول: حصون
وقصور. حدثني يونس, قال: أخبرنا يحيى بن حسان, عن مسلم, عن رجل, عن مجاهد, قوله: (
مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } قال: أبرجة الحمام. وقال آخرون: بل هي مآخذ
للماء. * ذكر من قال ذلك: حدثني الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر,
عن قتادة, في قوله: { مصانع } قال: مآخذ للماء. قال أبو جعفر: والصواب من القول في
ذلك أن يقال: إن المصانع جمع مصنعة, والعرب تسمي كل بناء مصنعة, وجائز أن يكون ذلك
البناء كان قصورًا وحصونا مشيدة, وجائز أن يكون كان مآخذ للماء, ولا خبر يقطع العذر
بأيّ ذلك كان, ولا هو مما يدرك من جهة العقل. فالصواب أن يقال فيه, ما قال الله:
إنهم كانوا يتخذون مصانع. وقوله: { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } يقول: كأنكم تخلدون,
فتبقون في الأرض. وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثنا معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: (
لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } يقول: كأنكم تخلدون. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد
الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: قال في بعض الحروف { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ
) كأنكم تخلدون. وكان ابن زيد يقول: " لعلكم " في هذا الموضع استفهام. * ذكر من قال
ذلك: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: (
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } قال: هذا استفهام, يقول: لعلكم
تخلدون حين تبنون هذه الأشياء؟. وكان بعض أهل العربية يزعم أن لعلكم في هذا الموضع
بمعنى " كيما ".
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ
الأية 130
وقوله: { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } يقول: وإذا سطوتم سطوتم قتلا
بالسيوف, وضربا بالسياط. كما حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, قال:
قال ابن جُرَيج: { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } قال: القتل بالسيف
والسياط.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
الأية 131
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هود لقومه من عاد: اتقوا عقاب الله أيها القوم
بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم, وانتهوا عن اللهو واللعب, وظلم الناس, وقهرهم
بالغلبة والفساد في الأرض.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ
الأية 132
واحذروا سخط الذي أعطاكم من عنده ما تعلمون.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ
الأية 133
وأعانكم به من بين المواشي والبنين.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
الأية 134
والبساتين والأنهار.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
الأية 135
{ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ } من الله { عَظِيمٍ }.
يقول تعالى ذكره: قالت عاد لنبيهم هود صلى الله عليه وسلم: معتدل عندنا وعظك إيانا,
وتركك الوعظ, فلن نؤمن لك ولن نصدّقك على ما جئتنا به.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
إِنْ هَٰذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ
الأية 137
وقوله: { إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك;
فقرأته عامة قرّاء المدينة سوى أبي جعفر, وعامة قرّاء الكوفة المتأخرين منهم: (
إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ } من قبلنا: وقرأ ذلك أبو جعفر, وأبو عمرو بن
العلاء: " إنْ هَذَا إلا خَلْقُ الأوّلينَ" بفتح الخاء وتسكين اللام بمعنى: ما هذا
الذي جئتنا به إلا كذب الأوّلين وأحاديثهم. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, نحو
اختلاف القرَّاء في قراءته, فقال بعضهم: معناه: ما هذا إلا دين الأوّلين وعادتهم
وأخلاقهم. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن
عليّ, عن ابن عباس, قوله: { إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ } يقول: دين
الأوّلين. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة قوله:
{ إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ } يقول: هكذا خِلْقة الأوّلين, وهكذا كانوا
يحيون ويموتون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما هذا إلا كذب الأوّلين وأساطيرهم. * ذكر
من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن
أبيه, عن ابن عباس: { إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ } قال: أساطير الأوّلين.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا
الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: { إِلا خُلُقُ
الأوَّلِينَ } قال: كذبهم. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن
جُرَيج, عن مجاهد, مثله. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في
قوله: { إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ } قال: إن هذا إلا أمر الأوّلين
وأساطير الأوّلين اكتتبها فهي تُملى عليه بكرة وأصيلا. حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا
عبد الأعلى, قال: ثنا داود, عن عامر, عن علقمة, عن ابن مسعود: { إِنْ هَذَا إِلا
خُلُقُ الأوَّلِينَ } يقول: إن هذا إلا اختلاق الأوّلين. قال ثنا يزيد بن هارون,
قال. أخبرنا داود, عن الشعبيّ, عن علقمة, عن عبد الله, أنه كان يقرأ { إِنْ هَذَا
إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ } ويقول شيء اختلقوه. حدثني يعقوب, قال: ثنا ابن علية, عن
داود, عن الشعبيّ, قال: قال علقمة: { إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأوَّلِينَ } قال:
اختلاق الأوّلين. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: قراءة من قرأ { إِنْ هَذَا إِلا
خُلُقُ الأوَّلِينَ } بضم الخاء واللام, بمعنى: إن هذا إلا عادة الأوّلين ودينهم,
كما قال ابن عباس, لأنهم إنما عوتبوا على البنيان الذي كانوا يتخذونه, وبطشهم
بالناس بطش الجبابرة, وقلة شكرهم ربهم فيما أنعم عليهم, فأجابوا نبيّهم بأنهم
يفعلون ما يفعلون من ذلك, احتذاء منهم سنة من قبلهم من الأمم, واقتفاء منهم آثارهم,
فقالوا: ما هذا الذي نفعله إلا خلق الأوّلين, يعنون بالخلق: عادة الأوّلين. ويزيد
ذلك بيانا وتصحيحا لما اخترنا من القراءة والتأويل, قولهم: { وَمَا نَحْنُ
بِمُعَذَّبِينَ } لأنهم لو كانوا لا يقرُّون بأن لهم ربا يقدر على تعذيبهم.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
الأية 138
ما قالوا: { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } بل كانوا يقولون: إن هذا الذي جئتنا به
يا هود إلا خلق الأوّلين, وما لنا من معذب يعذبنا, ولكنهم كانوا مقرين بالصانع,
ويعبدون الآلهة, على نحو ما كان مشركو العرب يعبدونها, ويقولون إنها تقربنا إلى
الله زلفى, فلذلك قالوا لهود وهم منكرون نبوته: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ
لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ثم قالوا له: ما هذا الذي نفعله إلا عادة من قبلنا
وأخلاقهم, وما الله معذبنا عليه. كما أخبرنا تعالى ذكره عن الأمم الخالية قبلنا,
أنهم كانوا يقولون لرسلهم: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا
عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ .
يقول تعالى ذكره: فكذّبت عاد رسول ربهم هودا, والهاء في قوله { فكذبوه } من ذكر
هود.{ فأهلكناهم } يقول: فأهلكنا عادا بتكذيبهم رسولنا.{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً }
يقول تعالى ذكره: إن في إهلاكنا عادا بتكذيبها رسولها, لعبرة وموعظة لقومك يا محمد,
المكذّبيك فيما أتيتهم به من عند ربك. يقول: وما كان أكثر من أهلكنا بالذين يؤمنون
في سابق علم الله.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
الأية 140
{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ } في انتقامه من أعدائه,{ الرَّحِيمُ }
بالمؤمنين به.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ
الأية 141
يقول تعالى ذكره: كذّبت ثمود رسل الله, إذ دعاهم صالح أخوهم إلى الله, فقال لهم:
ألا تتقون عقاب الله يا قوم على معصيتكم إياه, وخلافكم أمره, بطاعتكم أمر المفسدين
في أرض الله.
{ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } يقول: وما أسألكم على نصحي إياكم,
وإنذاركم من جزاء ولا ثواب.{ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ } يقول:
إن جزائي وثوابي إلا على ربّ جميع ما في السموات, وما في الأرض, وما بينهما من خلق.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ
الأية 146
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود: أيترككم يا قوم ربكم في هذه
الدنيا آمنين, لا تخافون شيئا؟.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
الأية 147
{ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } يقول: في بساتين وعيون ماء.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ
الأية 148
{ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } يعني بالطلع: الكُفُرَّى. واختلف أهل
التأويل في معنى قوله { هَضِيمٌ } فقال بعضهم: معناه اليانع النضيج. * ذكر من قال
ذلك: حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن
ابن عباس, قوله: { وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } يقول: أينع وبلغ فهو هضيم. وقال
آخرون: بل هو المتهشم المتفتت. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو
عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن
أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: { وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } قال محمد بن عمرو في
حديثه تهشم هشيما. وقال الحارث: تهشم تهشّما. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: سمعت عبد الكريم يقول: سمعت مجاهدا يقول في قوله: (
وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } قال: حين تطلع يقبض عليه فيهضمه. قال ابن جُرَيج: قال
مجاهد: إذا مسّ تهشّم وتفتَّت, قال: هو من الرطب هضيم تقبض عليه فتهضمه. وقال
آخرون: هو الرطب اللين. * ذكر من قال ذلك: حدثنا هناد, قال: ثنا أبو الأحوص, عن
سماك, عن عكرمة قوله: { وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } قال: الهضيم: الرطب اللين.
وقال آخرون: هو الراكب بعضه بعضا. * ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين, قال: سمعت
أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { طَلْعُهَا هَضِيمٌ }
إذا كثر حمل النخلة فركب بعضها بعضا, حتى نقص بعضها بعضا, فهو حينئذ هضيم. وأولى
الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: الهضيم: هو المتكسر من لينه ورطوبته, وذلك من
قولهم: هضم فلان حقه: إذا انتقصه وتحيفه, فكذلك الهضم في الطلع, إنما هو التنقص منه
من رطوبته ولينه إما بمسّ الأيدي, وإما بركوب بعضه بعضا, وأصله مفعول صرف إلى فعيل.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ
الأية 149
وقوله: { وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ } يقول تعالى ذكره:
وتتخذون من الجبال بيوتا. واختلفت القرّاء في قراءة قوله { فارهين } فقرأته عامة
قرّاء أهل الكوفة: { فارهين } بمعنى: حاذقين بنحتها. وقرأته عامة قرّاء أهل المدينة
والبصرة: " فَرِهِينَ" بغير ألف, بمعنى: أشرين بطرين. واختلف أهل التأويل في تأويل
ذلك على نحو اختلاف القرّاء في قراءته, فقال بعضهم: معنى فارهين: حاذقين. * ذكر من
قال ذلك: حدثنا أبو كريب, قال: ثنا عثام, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح وعبد
الله بن شدّاد: { وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ } قال أحدهما:
حاذقين, وقال الآخر: يتجبرون. حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا مروان, قال: أخبرنا
إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي صالح: { وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا
فَارِهِينَ } قال: حاذقين بنحتها. حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية,
عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: { فارهين } يقول: حاذقين. وقال آخرون: معنى فارهين:
مستفرهين متجبرين. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا يحيى, قال: ثنا
سفيان, عن السديّ, عن عبد الله بن شداد في قوله: " فَرِهِينَ" قال: يتجبرون. قال
أبو جعفر: والصواب: فارهين. وقال آخرون ممن قرأه فارهين: معنى ذلك: كيسين. * ذكر من
قال ذلك: حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك
يقول في قوله: { فارهين } قال: كيسين. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال:
ثنا عبيد, عن الضحاك أنه قرأ { فارهين } قال: كيسين. وقال آخرون: فرهين: أشرين. *
ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن
أبيه, عن ابن عباس, في قوله: { وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ
) يقول: أشرين, ويقال: كيسين. حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا
عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد في قوله: " بيوتا فرهين " قال: شرهين. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد, بمثله. وقال آخرون: معنى ذلك: أقوياء. * ذكر من
قال ذلك: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: "
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَرِهِينَ" قال: الفره: القويّ. وقال آخرون
في ذلك بما حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر عن قتادة, في
قوله: " فَرِهِينَ" قال: معجبين بصنيعكم.والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قراءة
من قرأها{ فارهين } وقراءة من قرأ " فَرِهِينَ" قراءتان معروفتان, مستفيضة القراءة
بكل واحدة منهما في علماء القرّاء, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. ومعنى قراءة من قرأ
{ فارهين } : حاذقين بنحتها, متخيرين لمواضع نحتها, كيسين, من الفراهة. ومعنى قراءة
من قرأ " فَرِهِينَ": مرحين أشرين. وقد يجوز أن يكون معنى فاره وفره واحدا, فيكون
فاره مبنيا على بنائه, وأصله من فعل يفعل, ويكون فره صفة, كما يقال: فلان حاذق بهذا
الأمر وحذق. ومن الفاره بمعنى المرح قول الشاعر عديّ بن وادع العوفي من الأزد: لا
أسْــتَكِينُ إذا مــا أزْمَـةٌ أزَمَـتْ وَلَــنْ تَـرَانِي بِخَـيْرٍ فـارِهَ
الطَّلَـبِ (1) ------------------------ الهوامش : (1) البيت لعدي بن وادع الشاعر
الأزدي الأعمى، { كما سماه صاحب معجم الشعراء ص 252)، وكما في مجاز القرآن لأبي
عبيدة { مصورة الجامعة ص 173) قال { وتنحتون من الجبال بيوتًا فارهين) أي مرحين. قال
عدي بن وادع العفوي من العفاة بن عمرو بن فهم من الأزد: لا أسْــتَكِينُ إذَا مَــا
أزْمَـةٌ أزَمَـتْ وَ لَــنْ تَـرَاني بِخَـيْرٍ فَـارِهَ اللَّبَـبِ أي مرح اللبب.
قال: ويجوز: " فرهين" في معنى "فارهين". أو هو ابن وادع العوفي، كما في { اللسان:
فره) قال: الفاره: الحاذق بالشيء والفروهة والفراهة والفراهية: النشاط. وفره
بالكسر: أشر وبطر، ورجل فره نشيط أشر. وفي التنزيل: { وتنحتون من الجبال بيوتًا
فرهين). فمن قرأه كذلك، فهو من هذا: شرهين بطرين. ومن قرأه: " فارهين"، فهو من فره
بالضم. قال ابن برى عند هذا الموضع: قال ابن وادع العوفي: لا أســتكين إذا مــا
أزمـة أزمـت ولــن تـراني بخـير فـاره الطلـب قال الفراء: معنى فارهين: حاذقين. ا
ه. وأما "اللبب" في رواية أبي عبيدة، فلعلها الرواية الصحيحة. ومعناه: البال. يقال:
إنه لرخى اللبب. وفي التهذيب: فلان في بال رخى، ولبب رخى: أي في سعة وخصب وأمن.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
الأية 150
أي مرح الطلب. وقوله: { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } يقول تعالى ذكره: فاتقوا
عقاب الله أيها القوم على معصيتكم ربكم, وخلافكم أمره, وأطيعون في نصيحتي لكم,
وإنذاري إياكم عقاب الله ترشدوا.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ
الأية 151
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود: لا تطيعوا أيها القوم أمر
المسرفين على أنفسهم في تماديهم في معصية الله, واجترائهم على سخطه.
وهم الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض, ولا يصلحون من ثمود الذين وصفهم
الله جلّ ثناؤه بقوله: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي
الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ يقول: الذين يسعون في أرض الله بمعاصيه, ولا يصلحون,
يقول: ولا يصلحون أنفسهم بالعمل بطاعة الله.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ
الأية 153
وقوله: { إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } اختلف أهل التأويل في تأويله,
فقال بعضهم: معناه إنما أنت من المسحورين. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو,
قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء
جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: { إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } قال:
من المسحورين. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن
مجاهد, مثله. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتاده, في
قوله: { إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } قال: إنما أنت من المسحورين. وقال
آخرون: معناه: من المخلوقين. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عبيد, قال: ثنا موسى
بن عمرو, عن أبي صالح, عن ابن عباس, في قوله: { إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ
الْمُسَحَّرِينَ } قال: من المخلوقين. واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك,
فكان بعض أهل البصرة يقول: كل من أكل من إنس أو دابة فهو مسحر, وذلك لأن له سحرا
يقري ما أكل فيه, واستشهد على ذلك بقول لبيد: فَــإِنْ تَسْــأَلينا فِيـمَ نَحْـنُ
فإنَّنـا عَصَـافِيرُ مِـنْ هَـذَا الأنـامِ المُسَحَّر (2) وقال بعض نحويي
الكوفيين نحو هذا, غير أنه قال: أخذ من قولك: انتفخ سحرك: أي أنك تأكل الطعام
والشراب, فتُسَحَّر به وتعلل. وقال: معنى قول لبيد: " من هذا الأنام المسحر ": من
هذا الأنام المعلل المخدوع. قال: ويُروى أن السحر من ذلك, لأنه كالخديعة. والصواب
من القول في ذلك عندي: القول الذي ذكرته عن ابن عباس, أن معناه: إنما أنت من
المخلوقين الذين يعللون بالطعام والشراب مثلنا, ولست ربا ولا ملكا فنطيعك, ونعلم
أنك صادق فيما تقول. والمسحر: المفعل من السحرة, وهو الذي له سحرة.
------------------------ الهوامش : (2) سبق الاستشهاد ببيت لبيد هذا في (15 : 96)
وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن { مصورة الجامعة الورقة 174) قال: وكل من أكل
من إنس أو دابة فهو مسحر، وذلك أن له سحرًا يقرى فيه ما أكل، قال لبيد { وأنشد
البيت). وفي { اللسان: سحر)/ سحره بالطعام والشراب يسحره سحرًا، وسحره: غذاه وعلله.
وقيل: خدعه. والسحر: الغذاء. قال امرؤ القيس: أرَانَــا مُــوضِعِينَ لأَمْــرِ
غَيْـبٍ وَنُسْـــحَرُ بِالطَّعَــامِ وَبِالْشَّــرَابِ موضعين: مسرعين. ولأمر
غيب: يريد الموت وأنه قد غيب عنا وقته، ونحن نلهى عنه بالطعام والشراب والسحر:
الخديعة. وقول لبيد: " فإن تسألينا.." البيت. يكون على وجهين. وقوله تعالى: { إنما
أنت من المسحرين) يكون من التغذية ومن الخديعة وقال الفراء: { إنما أنت من
المسحرين): قالوا لنبي الله: لست بملك، إنما أنت بشر مثلنا. قال: والمسحر: المجوف؛
كأنه أعلم، أخذ من قولك: انتفخ سحرك، أي أنك تأكل الطعام والشراب، فتعلل به. وقيل:
{ من المسحرين) أي: ممن سحر مرة بعد مرة.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ثمود لنبيها صالح: { مَا أَنْتَ -يَا صَالِحُ- إِلا
بَشَرٌ مِثْلُنَا } من بني آدم, تأكل ما نأكل, وتشرب ما نشرب, ولست بربّ ولا ملك,
فعلام نتبعك؟ فإن كنت صادقا في قيلك, وأن الله أرسلك إلينا{ فَأْتِ بِآيَةٍ } يعني:
بدلالة وحجة على أنك محقّ فيما تقول, إن كنت ممن صدقنا في دعواه أن الله أرسله
إلينا. وقد حدثنا أحمد بن عمرو البصري, قال: ثنا عمرو بن عاصم الكلابي, قال: ثنا
داود بن أبي الفرات, قال: ثنا علباء بن أحمر, عن عكرمة, عن ابن عباس: أن صالحا
النبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى قومه, فآمنوا به واتبعوه, فمات صالح,
فرجعوا عن الإسلام, فأتاهم صالح, فقال لهم: أنا صالح, قالوا: إن كنت صادقا فأتنا
بآية, فأتاهم بالناقة, فكذبوه وعقروها, فعذّبهم الله.
وقوله: { قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ }
يقول تعالى ذكره: قال صالح لثمود لما سألوه آية يعلمون بها صدقه, فأتاهم بناقة
أخرجها من صخرة أو هضبة: هذه ناقة يا قوم, لها شرب ولكم مثله شرب يوم آخر معلوم, ما
لكم من الشرب, ليس لكم في يوم وردها أن تشربوا من شربها شيئا, ولا لها أن تشرب في
يومكم مما لكم شيئا. ويعني بالشرب: الحظّ والنصيب من الماء, يقول: لها حظّ من
الماء, ولكم مثله, والشُّرْب والشَّرْب والشِّرْب مصادر كلها بالضم والفتح والكسر.
وقد حُكي عن العرب سماعا: آخرها أقلها شُربا وشِربا.
وقوله: { وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ } يقول: لا تمسوها بما يؤذيها من عقر وقتل ونحو
ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم,
قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, في قوله: { وَلا تَمَسُّوهَا
بِسُوءٍ } لا تعقروها. وقوله: { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يقول:
فيحل بكم من الله عذاب يوم عظيم عذابه.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ
الأية 157
يقول تعالى ذكره, فخالفت ثمود أمر نبيها صالح صلى الله عليه وسلم, فعقروا الناقة
التي قال لهم صالح: لا تمسوها بسوء, فأصبحوا نادمين على عقرها, فلم ينفعهم ندمهم.
وأخذهم عذاب الله الذي كان صالح توعدهم به فأهلكهم.{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً }
يقول: إنّ في إهلاك ثمود بما فعلت من عقرها ناقة الله وخلافها أمر نبي الله صالح
لعبرة لمن اعتبر به يا محمد من قومك.{ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ }
يقول: ولن يؤمن أكثرهم في سابق علم الله.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
الأية 159
{ وَإِنَّ رَبَّكَ } يا محمد { لَهُوَ الْعَزِيزُ } في انتقامه من أعدائه (
الرَّحِيمُ } بمن آمن به من خلقه.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ
الأية 160
يقول تعالى ذكره: { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ } من أرسله الله إليهم من الرسل حين.
{ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ من أجر } يقول: وما أسألكم على نصيحتي لكم ودعايتكم
إلى ربي جزاء ولا ثوابا. يقول: ما جزائي على دعايتكم إلى الله, وعلى نصحي لكم
وتبليغ رسالات الله إليكم, إلا على ربّ العالمين.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ
الأية 165
يعني بقوله: { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ } : أتنكحون الذكران من
بني آدم في أدبارهم.
وقوله: { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ } يقول:
وتدعون الذي خلق لكم ربكم من أزواجكم من فروجهنّ, فأحله لكم. وذُكر أن ذلك في قراءة
عبد الله: " وَتَذَرُونَ ما أصْلَحَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ". وبنحو
الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو, قال:
ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء
جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ
رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ } قال: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار
النساء. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد
بنحوه. وقوله: { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } يقول: بل أنتم قوم تتجاوزون ما
أباح لكم ربكم, وأحله لكم من الفروج إلى ما حرّم عليكم منها. كما حدثنا القاسم,
قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج: { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ }
قال: قوم معتدون.
يقول تعالى ذكره: قال قوم لوط: { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ } عن نهينا عن
إتيان الذكران { لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ } من بين أظهرنا وبلدنا.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ
الأية 168
{ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ } يقول لهم لوط: إني لعملكم الذي
تعملونه من إتيان الذكران في أدبارهم من القالين, يعني من المبغضين, المنكرين فعله.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ
الأية 169
يقول تعالى ذكره: فاستغاث لوط حين توعده قومه بالإخراج من بلدهم إن هو لم ينته عن
نهيهم عن ركوب الفاحشة, فقال { رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي } من عقوبتك إياهم على ما
يعملون من إتيان الذكران.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ
الأية 170
{ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } من عقوبتنا التي عاقبنا بها قوم لوط .
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ
الأية 171
{ أَجْمَعِينَ إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ } يعني في الباقين, لطول مرور
السنين عليها, فصارت هرمة, فإنها أهلكت من بين أهل لوط, لأنها كانت تدلّ قومها على
الأضياف. وقد قيل: إنما قيل من الغابرين لأنها لم تهلك مع قومها في قريتهم, وأنها
إنما أصابها الحجر بعد ما خرجت عن قريتهم مع لوط وابنتيه, فكانت من الغابرين بعد
قومها, ثم أهلكها الله بما أمطر على بقايا قوم لوط من الحجارة, وقد بيَّنا ذلك فيما
مضى بشواهده المغنية عن إعادتها.
يقول تعالى ذكره: ثم أهلكنا الآخرين من قوم لوط بالتدمير.{ وَأَمْطَرْنَا
عَلَيْهِمْ مَطَرًا } وذلك إرسال الله عليهم حجارة من سجيل من السماء.{ فَسَاءَ
مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ } يقول: فبئس ذلك المطر مطر القوم الذين أنذرهم نبيهم
فكذّبوه.
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } يقول تعالى ذكره: إن في إهلاكنا قوم لوط الهلاك الذي
وصفنا بتكذيبهم رسولنا, لعبرة وموعظة لقومك يا محمد, يتعظون بها في تكذيبهم إياك,
وردهم عليك ما جئتهم به من عند ربك من الحقّ{ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ
) في سابق علم الله .
يقول تعالى ذكره: { كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ }. والأيكة: الشجر الملتفّ, وهي
واحدة الأيك, وكل شجر ملتفّ فهو عند العرب أيكة; ومنه قول نابغة بني ذبيان:
تَجْــلُو بِقــادمَتَيْ حَمَامَــةِ أيْكَـةٍ بَــرَدًا أُسِــفّ لِثاتُــهُ
بــالإثْمِدِ (1) وأصحاب الأيكة: هم أهل مدين فيما ذُكر. * ذكر من قال ذلك: حدثني
عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: { كَذَّبَ
أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ } يقول: أصحاب الغيضة. حدثني محمد بن سعد, قال:
ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: { كَذَّبَ
أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ } قال: الأيكة: مجمع الشجر. حدثنا القاسم, قال:
ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عباس, قوله: { كَذَّبَ
أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ } قال: أهل مدين, والأيكة: الملتف من الشجر.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: { كَذَّبَ أَصْحَابُ
الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ } قال: الأيكة: الشجر, بعث الله شعيبا إلى قومه من أهل
مدين, وإلى أهل البادية, قال: وهم أصحاب ليكة, وليكة والأيكة: واحد.
------------------------ الهوامش : (1) البيت للنابغة الذبياني زياد بن معاوية
{ مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 185) قال شارحه: تجلو: تكشف.
والقوادم: الريش المقدم في جناح الطائر. ويكون شديد السواد. شبه سواد شفتيها
بالقوادم؛ وشبه بياض ثغرها ببياض البرد. واللثاث: مغارز الأسنان، ومن عاداتهم أن
يذروا عليها الإثمد، ليبين بياض الأسنان. ا ه. والأيكة: الشجر الكثير الملتف. وقيل:
هي الغيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر. وخص بعضهم به منبت الأثل
ومجتمعه. وقال أبو حنيفة الدينوري: قد تكون الأيكة: الجماعة من الشجر، حتى من
النخل. قال: والأول أعرف. والجمع أيك. القول في تأويل قوله تعالى : وَاتَّقُوا
الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ
مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ
لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ
كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) .
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ
الأية 177
وقوله { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ } يقول تعالى ذكره: قال لهم
شعيب: ألا تتقون عقاب الله على معصيتكم ربكم؟.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
الأية 178
{ إِنِّي لَكُمْ مِنَ اللَّهِ رَسُولٌ أَمِينٌ } على وحيه.
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
الأية 179
{ فاتقوا } عقاب { الله } على خلافكم أمره { وأطيعون } ترشدوا.
{ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في
الكيل والوزن.{ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ } يقول: ولا تكثروا في
الأرض الفساد. قد بيَّنا ذلك كله بشواهده, واختلاف أهل التأويل فيه فيما مضى, فأغنى
ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
يقول تعالى ذكره: { واتقوا } أيها القوم عقاب ربكم { الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ خَلَقَ
الْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ } يعني بالجبلة: الخلق الأوّلين. وفي الجبلة للعرب لغتان:
كسر الجيم والباء وتشديد اللام, وضم الجيم والباء وتشديد اللام; فإذا نـزعت الهاء
من آخرها كان الضم في الجيم والباء أكثر كما قال جلّ ثناؤه: " وَلَقَدْ أَضَلَّ
مِنْكُمْ جُبُلا كَثِيرًا " وربما سكنوا الباء من الجبْل, كما قال أبو ذؤيب:
مَنايــا يُقَــرّبْنَ الحُـتُوفَ لأهْلِهـا جِهـارًا وَيَسْـتَمْتِعْنَ بـالأنس
الجِـبْلِ (1) وبنحو ما قلنا في معنى الجِبِلَّة قال أهل التأويل. * ذكر من قال
ذلك: حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس: قوله:
{ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ } يقول: خلق الأوّلين.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا
الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: { وَالْجِبِلَّةَ
الأوَّلِينَ } قال: الخليقة. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد,
في قوله: { وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ } قال: الخلق الأوّلين, الجبلة: الخلق.
--------------------------------الهوامش :(1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي { اللسان:
جبل) والمنايا: جمع منية، وهي الموت. والحتوف جمع حتف، وهو الهلاك. والأنس الناس.
والجبل: الأمة من الخلق. وفيه لغات، فيكون مثلث الجيم، ساكن الباء. ويكون بضم الجيم
والباء وتشديد اللام. قال في اللسان: وحى جبل كثير. قال أبو ذؤيب: " منايا.." البيت.
أي كثير. يقول: الناس كلهم متعة للموت، يستمتع بهم. قال ابن برى: ويروى: الجبل، بضم
الجيم. قال: وكذا رواه أبو عبيدة. وقول الله عز وجل: { ولقد أضل منكم جبلا كثيرًا):
يقرأ: جبلا { بضم فسكون) عن أبي عمرو وجبلا { بضمتين) عن الكسائي. وجبلا { بكسر فسكون)
عن الأعرج وعيسى بن عمر. وجبلا { بكسرتين فلام مشددة) عن أهل المدينة وجبلا { بضمتين
مع التشديد) عن الحسن وابن أبي إسحاق قال: ويجوز أيضًا جبل { بكسر ففتح) جمع جبلة
{ بكسرة فسكون) وهو في جميع هذه الوجوه: خلقًا كثيرًا ا ه.
فإن كنت صادقا فيما تقول بأنك رسول الله كما تزعم { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا
مِنَ السَّمَاءِ } يعني قطعا من السماء, وهي جمع كِسفة, جمع كذلك كما تجمع تمرة:
تمرا (2) . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ,
قال: ثنا أبو صالح, قال: ثنا معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: { كسفا } يقول:
قِطَعا. حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك
يقول, في قوله: { كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ } : جانبا من السماء. حدثني يونس, قال:
أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ
السَّمَاءِ } قال: ناحية من السماء, عذاب ذلك الكسف.
--------------------------------الهوامش : (2) كذا في الأصل وقياس الجمع الأخير
على ما قبله ليس بواضح .
Tafseer At-Tabariy تفسير الطبري
قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ
الأية 188
يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: { رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } يقول:
بأعمالهم هو بها محيط, لا يخفى عليه منها شيء, وهو مجازيكم بها جزاءكم.
{ فكذبوه } يقول: فكذّبه قومه.{ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ } يعني
بالظلة: سحابة ظللتهم, فلما تتاموا تحتها التهبت عليهم نارا, وأحرقتهم, وبذلك جاءت
الآثار. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان,
عن أبي إسحاق, عن زيد بن معاوية, في قوله: { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ
الظُّلَّةِ } قال: أصابهم حرّ أقلقهم في بيوتهم, فنشأت لهم سحابة كهيئة الظلة,
فابتدروها, فلما تتاموا تحتها أخذتهم الرجفة. حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب, عن
جعفر, في قوله: { عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ } قال: كانوا يحفرون الأسراب ليتبردوا
فيها, فإذا دخلوها وجدوها أشد حرا من الظاهر, وكانت الظلة سحابة. حدثني يونس, قال:
أخبرنا ابن وهب, قال: ثني جرير بن حازم أنه سمع قتادة يقول: بعث شُعيب إلى أمتين:
إلى قومه أهل مدين, وإلى أصحاب الأيكة. وكانت الأيكة من شجر ملتف; فلما أراد الله
أن يعذّبهم, بعث الله عليهم حرّا شديدا, ورفع لهم العذاب كأنه سحابة; فلما دنت منهم
خرجوا إليها رجاء بردها, فلما كانوا تحتها مطرت عليهم نارا. قال: فذلك قوله: (
فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ }. حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثني
سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد, قال: ثنا حاتم بن أبي صغيرة, قال: ثني يزيد الباهلي,
قال: سألت عبد الله بن عباس, عن هذه الآية: { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ
الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فقال عبد الله بن عباس: بعث
الله عليهم ومدة وحرّا شديدا, فأخذ بأنفاسهم, فدخلوا البيوت, فدخل عليهم أجواف
البيوت, فأخذ بأنفاسهم, فخرجوا من البيوت هرابا (3) إلى البرية, فبعث الله عليهم
سحابة, فأظلتهم من الشمس, فوجدوا لها بردا ولذة, فنادى بعضهم بعضا, حتى إذا اجتمعوا
تحتها, أرسلها الله عليهم نارا. قال عبد الله بن عباس: فذلك عذاب يوم الظلة,{ إنه
كان عذاب يوم عظيم). حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني
الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: "
يَوْمُ الظُّلَّةِ" قال: إظلال العذاب إياهم. حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال:
ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد: { عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ } قال: أظلّ
العذابُ قوم شُعيب. قال ابن جُرَيج: لما أنـزل الله عليهم أوّل العذاب, أخذهم منه
حر شديد, فرفع الله لهم غمامة