Prev  

36. Surah Yâ­Sîn سورة يس

  Next  



تفسير الطبري - يس - Ya-Seen -
 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
يس
    +/- -/+  
الأية
1
 
القول في تأويل قوله تعالى : يس (1) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله { يس }؛ فقال بعضهم: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله. * ذكر من قال ذلك: حدثني علي قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله { يس }قال: فإنه قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله وقال آخرون: معناه: يا رجل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تُميلة، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله { يس } قال: يا إنسان بالحبشية . حدثنا ابن المثنى قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن شرقي، قال: سمعت عكرمة يقول: تفسير { يس) : يا إنسان . وقال آخرون: هو مفتاح كلام افتتح الله به كلامه. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال { يس }مفتاح كلام افتتح الله به كلامه . وقال آخرون: بل هو اسم من أسماء القرآن. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { يس }قال: كل هجاء في القرآن اسم من أسماء القرآن . قال أبو جعفر ، وقد بيَّنا القول فيما مضى في نظائر ذلك من حروف الهجاء بما أغنى عن إعادته وتكريره في هذا الموضع.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ
    +/- -/+  
الأية
2
 
وقوله { وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ } يقول: والقرآن المحكم بما فيه من أحكامه، وبيِّنات حججه .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
{ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } يقول تعالى ذكره مقسمًا بوحيه وتنـزيله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : إنك يا محمد لمن المرسلين بوحي الله إلى عباده. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) قسم كما تسمعون { إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
4
 
وقوله { عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } يقول: على طريق لا اعوجاج فيه من الهدى وهو الإسلام. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } : أي على الإسلام . وفي قوله { عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وجهان؛ أحدهما: أن يكون معناه: إنك لمن المرسلين على استقامة من الحق، فيكون حينئذٍ " على " من قوله { عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } من صلة الإرسال. والآخر أن يكون خبرًا مبتدأ، كأنه قيل: إنك لمن المرسلين، إنك على صراط مستقيم.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ
    +/- -/+  
الأية
5
 
القول في تأويل قوله تعالى : تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) اختلف القراء في قراءة قوله { تَنـزيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة { تَنـزيلُ الْعَزِيزِ) برفع " تنـزيل " ، والرفع في ذلك يتجه من وجهين؛ أحدهما بأن يجعل خبرًا، فيكون معنى الكلام: إنه تنـزيل العزيز الرحيم. والآخر: بالابتداء، فيكون معنى الكلام حينئذٍ : إنك لمن المرسلين، هذا تنـزيل العزيز الرحيم. وقرأته عامة قراء الكوفة وبعض أهل الشام { تَنـزيلَ) نصبًا على المصدر من قوله إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لأن الإرسال إنما هو عن التنـزيل، فكأنه قيل: لمنـزل تنـزيل العزيز الرحيم حقًّا. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب. ومعنى الكلام: إنك لمن المرسلين يا محمد إرسال الرب العزيز في انتقامه من أهل الكفر به، الرحيم بمن تاب إليه، وأناب من كفره وفسوقه أن يعاقبه على سالف جرمه بعد توبته له .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
6
 
القول في تأويل قوله تعالى : لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ } فقال بعضهم: معناه: لتنذر قومًا بما أنذر الله من قبلهم من آبائهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة في هذه الآية { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ } قال: قد أنذروا . وقال آخرون: بل معنى ذلك لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم (1) . * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ } قال بعضهم: لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم من إنذار الناس قبلهم. وقال بعضهم: لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم أي: هذه الأمة لم يأتهم نذير، حتى جاءهم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم . واختلف أهل العربية في معنى " ما " التي في قوله { مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ } إذا وجِّهَ معنى الكلام إلى أن آباءهم قد كانوا أنذروا، ولم يُرد بها الجحد ؛ فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: إذا أريد به غير الجحد لتنذرهم الذي أُنذِر آباؤهم { فَهُمْ غَافِلُونَ } وقال: فدخول الفاء في هذا المعنى لا يجوز، والله أعلم. قال: وهو على الجحد أحسن، فيكون معنى الكلام: إنك لمن المرسلين إلى قوم لم ينذر آباؤهم، لأنهم كانوا في الفترة. وقال بعض نحويي الكوفة: إذا لم يُرد بما الجحد، فإن معنى الكلام: لتنذرهم بما أنذر آباؤهم، فتلقى الباء، فتكون " ما " في موضع نصب { فَهُمْ غَافِلُونَ } يقول: فهم غافلون عما الله فاعل: بأعدائه المشركين به، من إحلال نقمته، وسطوته بهم. ------------------------ الهوامش: (1) أي لم ينذر آباؤهم .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
7
 
وقوله { لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } يقول تعالى ذكره: لقد وجب العقاب على أكثرهم، لأن الله قد حتم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله، ولا يصدقون رسوله.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ
    +/- -/+  
الأية
8
 
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) يقول تعالى ذكره: إنا جعلنا أيمان هؤلاء الكفار مغلولة إلى أعناقهم بالأغلال، فلا تُبسط بشيء من الخيرات. وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ) وقوله { إِلَى الأذْقَانِ } يعني: فأيمانهم مجموعة بالأغلال في أعناقهم، فكُني عن الأيمان، ولم يجر لها ذكر لمعرفة السامعين بمعنى الكلام، وأن الأغلال إذا كانت في الأعناق لم تكن إلا وأيدي المغلولين مجموعة بها إليها ، فاستغنى بذكر كون الأغلال في الأعناق من ذكر الأيمان، كما قال الشاعر: وَمـــا أدْرِي إذا يَمَّمْــتُ وَجْهًــا أُرِيـــدُ الخَــيْرَ أيُّهُمــا يَلِينِــي أألخَـــيرُ الــذي أنَــا أبْتَغِيــهِ أم الشَّـــرُّ الَّـــذي لا يَــأتَلِيني (2) فكنى عن الشر، وإنما ذكر الخير وحده لعلم سامع ذلك بمعني قائله، إذ كان الشر مع الخير يذكر. والأذقان: جمع ذَقَن، والذَّقَنُ: مجمع اللَّحيين. وقوله { فَهُمْ مُقْمَحُونَ } والمقمَح هو المقنع، وهو أن يحدر الذقن حتى يصير في الصدر، ثم يرفع رأسه في قول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة ، وفي قول بعض الكوفيين: هو الغاض بصره بعد رفع رأسه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ } قال: هو كقول الله وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ يعني بذلك أن أيديهم موثقة إلى أعناقهم، لا يستطيعون أن يبسطوها بخير . حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله { فَهُمْ مُقْمَحُونَ } قال: رافعو رءوسهم، وأيديهم موضوعة على أفواههم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ } : أي فهم مغلولون عن كل خير . ------------------------ الهوامش: (2) البيتان من الوافر، وهما لسحيم بن وثيل الرياحي. وقد سبق الاستشهاد بهما في (14 : 157) عند قوله تعالى: { سرابيل تقيكم الحرب) في سورة النحل. واستشهد بهما هنا على أن قوله: " أريد الخير أيهما يليني" أي: أي الخير والشر يلني، فاكتفى بذكر الخير وكنى عن الشر، إذ كان معلوما من السياق كما في قوله تعالى: { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا) إذ لم يصر بذكر الأيمان لأن الأيمان إنما تكون في الأغلال مع الأعناق. فاكتفى بالأغلال عن ذكر الأيمان. قال الفراء في معاني القرآن { الورقة 267) وقوله: { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان) فكنى عن هي، وهي للأيمان، ولم تذكر. وذلك أن الغل لا يكون إلا في اليمين والعنق جامعا لليمين والعنق، فيكفي ذكر أحدهما من صاحبه، ومثله قول الشاعر: " وما أدري ...." البيتين. فكنى عن الشر، وإنما ذكر الخير وحده. وذلك أن الشر يذكر مع الخير. وهي في قراءة عبد الله: { إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا فهي إلى الأذقان) فكفت من ذكر { الأعناق) في حرف عبد الله، وكفت { الأعناق) من "الأيمان" في قراءة العامة. والذقن: أسفل اللحيين.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
9
 
وقوله { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا } يقول تعالى ذكره: وجعلنا من بين أيدي هؤلاء المشركين سدًّا، وهو الحاجز بين الشيئين؛ إذا فتح كان من فعل بني آدم، وإذا كان من فعل الله كان بالضم. وبالضم قرأ ذلك قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين. وقرأه بعض المكيين وعامة قراء الكوفيين بفتح السين { سَدًّا) في الحرفين كلاهما؛ والضم أعجب القراءتين إليّ في ذلك، وإن كانت الأخرى جائزة صحيحة. وعنى بقوله { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا } أنه زين لهم سوء أعمالهم فهم يَعْمَهُونَ، ولا يبصرون رشدًا، ولا يتنبهون حقًّا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، في قوله { مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا } قال: عن الحق . حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا } عن الحق فهم يترددون . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا } قال: ضلالات . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } قال: جعل هذا سدًّا بينهم وبين الإسلام والإيمان، فهم لا يخلصون إليه، وقرأ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وقرأ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ... الآية كلها، وقال: من منعه الله لا يستطيع . وقوله { فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } يقول: فأغشينا أبصار هؤلاء أي: جعلنا عليها غشاوة ؛ فهم لا يبصرون هدى ولا ينتفعون به. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } هدى، ولا ينتفعون به . وذُكر أن هذه الآية نـزلت في أبي جهل بن هشام حين حلف أن يقتله أو يشدخ رأسه بصخرة. * ذكر الرواية بذلك: حدثني عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا عُمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدًا لأفعلن ولأفعلن، فأنـزلت { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا } .. إلى قوله { فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } قال: فكانوا يقولون: هذا محمد، فيقول أين هو، أين هو؟ لا يبصره . وقد رُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: { فَأَعْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) بالعين بمعنى : أعشيناهم عنه، وذلك أن العَشَا هو أن يمشي بالليل ولا يبصر.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
10
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) يقول تعالى ذكره: وسواء يا محمد على هؤلاء الذين حق عليهم القول، أي الأمرين كان منك إليهم ؛ الإنذار، أو ترك الإنذار، فإنهم لا يؤمنون ؛ لأن الله قد حكم عليهم بذلك.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
11
 
وقوله { إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ } يقول تعالى ذكره: إنما ينفع إنذارك يا محمد من آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من أحكام الله { وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ ) يقول: وخاف الله حين يغيب عن أبصار الناظرين، لا المنافق الذي يستخف بدين الله إذا خلا ويظهر الإيمان في الملأ ولا المشرك الذي قد طبع الله على قلبه. وقوله ( فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } يقول: فبشر يا محمد هذا الذي اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب بمغفرة من الله لذنوبه { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } يقول: وثواب منه له في الآخرة كريم، وذلك أن يعطيه على عمله ذلك الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ } واتباع الذكر: اتباع القرآن .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ
    +/- -/+  
الأية
12
 
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يقول تعالى ذكره { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى } من خلقنا{ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } في الدنيا من خير وشر، وصالح الأعمال وسيئها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } من عمل . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا } قال: ما عملوا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله { مَا قَدَّمُوا } قال: أعمالهم. وقوله { وَآثَارَهُمْ } يعني: وآثار خطاهم بأرجلهم، وذكر أن هذه الآية نـزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، ليقرب عليهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت منازل الأنصار متباعدة من المسجد، فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد فنـزلت { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } فقالوا: نثبت في مكاننا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد، فأرادوا أن ينتقلوا، قال: فنـزلت { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } فثبتوا. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا الجريري، عن أبي نضرة، عن جابر، قال: أراد بنو سَلِمة قرب المسجد، قال: فقال لهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ إنَّها تُكْتَبُ آثَارُكُمْ". حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر، قال: سمعت كهمسا يحدث، عن أبي نضرة، عن جابر، قال: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، قال: والبقاع خالية، فبلغ ذلك النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فقال: " يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ إنَّها تُكْتَبُ آثَارُكُمْ " قال: فأقاموا وقالوا: ما يسرنا أنا كنا تحولنا . حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن طريف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: شكت بنو سَلِمة بُعد منازلهم إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فنـزلت ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } فقال: " عَلَيكُمْ مَنَازِلَكُم تُكْتَبُ آثارُكم " . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو نُمَيلة، قال: ثنا الحسين، عن ثابت، قال: مشيت مع أنس، فأسرعت المشي، فأخذ بيدي، فمشينا رُويدا، فلما قضينا الصلاة قال أنس: مشيت مع زيد بن ثابت، فأسرعت المشي، فقال: يا أنس أما شعرت أن الآثار تكتب ؟ . حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن يونس، عن الحسن أن بني سَلِمة كانت دورهم قاصية عن المسجد، فهموا أن يتحولوا قرب المسجد، فيشهدون الصلاة مع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فقال لهم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " ألا تَحْتَسِبون آثارَكم يا بني سَلِمة؟" فمكثوا في ديارهم . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم ابن أبي بَزَّة، عن مجاهد، في قوله { مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } قال: خطاهم بأرجلهم . حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَآثَارَهُمْ } قال: خطاهم . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَآثَارَهُمْ } قال: قال الحسن: وآثارهم قال: خطاهم. وقال قتادة: لو كان مُغْفِلا شيئًا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار . وقوله { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } يقول تعالى ذكره: وكل شيء كان أو هو كائن أحصيناه، فأثبتناه في أم الكتاب، وهو الإمام المبين. وقيل { مُبِينٌ } لأنه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد { فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } قال: في أم الكتاب . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } كل شيء محصًى عند الله في كتاب . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } قال: أم الكتاب التي عند الله فيها الأشياء كلها هي الإمام المبين .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
13
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) يقول تعالى ذكره: ومثل يا محمد لمشركي قومك مثلا أصحاب القرية ، < 20-500 > ذُكر أنها أنطاكية { إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ } اختلف أهل العلم في هؤلاء الرسل، وفيمن كان أرسلهم إلى أصحاب القرية ؛ فقال بعضهم: كانوا رسل عيسى ابن مريم، وعيسى الذي أرسلهم إليهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } قال: ذُكر لنا أن عيسى ابن مريم بعث رجلين من الحواريين إلى أنطاكية -مدينة بالروم- فكذبوهما فأعزهما بثالث { فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ }. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، قال: ثني السدي، عن عكرمة { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ } قال: أنطاكية . وقال آخرون: بل كانوا رسلا أرسلهم الله إليهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سَلَمَة قال: ثنا ابن إسحاق، فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه، قال: كان بمدينة أنطاكية، فرعون من الفراعنة يقال له أبطيحس بن أبطيحس يعبد الأصنام، صاحب شرك، فبعث الله المرسلين، وهم ثلاثة: صادق، ومصدوق، وسلوم، فقدم إليه وإلى أهل مدينته منهم اثنان فكذبوهما، ثم عزز الله بثالث ، فلما دعته الرسل ونادته بأمر الله، وصدعت بالذي أمرت به، وعابت دينه، وما هم عليه، قال لهم إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
وقوله { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } يقول تعالى ذكره: حين أرسلنا إليهم اثنين يدعوانهم إلى الله فكذبوهما فشددناهما بثالث، وقويناهما به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل < 20-501 > . * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } قال: شددنا . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن مجاهد في قوله ( فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } قال: زدنا . حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } قال: جعلناهم ثلاثة، قال: ذلك التعزز، قال: والتعزز: القوة . وقوله { فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } يقول: فقال المرسلون الثلاثة لأصحاب القرية: إنَّا إليكم أيها القوم مرسلون، بأن تُخْلِصوا العبادة لله وحده، لا شريك له، وتتبرءوا مما تعبدون من الآلهة والأصنام. وبالتشديد في قوله { فَعَزَّزْنَا } قرأت القراء سوى عاصم، فإنه قرأه بالتخفيف، والقراءة عندنا بالتشديد، لإجماع الحجة من القراء عليه، وأن معناه، إذا شُدد: فقوينا، وإذا خُفف: فغلبنا، وليس لغلبنا في هذا الموضع كثير معنى.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ
    +/- -/+  
الأية
15
 
القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ (15) يقول تعالى ذكره: قال أصحاب القرية للثلاثة الذين أرسلوا إليهم حين أخبروهم أنهم أرسلوا إليهم بما أرسلوا به: ما أنتم أيها القوم إلا أُناس مثلنا، ولو كنتم رسلا كما تقولون، لكنتم ملائكة { وَمَا أَنـزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ } يقول: قالوا: < 20-502 > وما أنـزل الرحمن إليكم من رسالة ولا كتاب ولا أمركم فينا بشيء { إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ } في قيلكم إنكم إلينا مرسلون .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
16
 
{ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } يقول: قال الرسل: ربنا يعلم إنَّا إليكم لمرسلون فيما دعوناكم إليه، وإنَّا لصادقون .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
    +/- -/+  
الأية
17
 
{ وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } يقول: وما علينا إلا أن نبلغكم رسالة الله التي أرسلنا بها إليكم بلاغًا يبين لكم أنَّا أبلغناكموها، فإن قبلتموها فحظ أنفسكم تصيبون، وإن لم تقبلوها فقد أدينا ما علينا، والله ولي الحكم فيه.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
18
 
القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) يقول تعالى ذكره: قال أصحاب القرية للرسل { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } يعنون: إنَّا تشاءمنا بكم، فإن أصابنا بلاء فمن أجلكم. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } قالوا: إن أصابنا شر، فإنما هو من أجلكم . وقوله { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ } يقول: لئن لم تنتهوا عمَّا ذكرتم من أنكم أرسلتم إلينا بالبراءة من آلهتنا، والنهي عن عبادتنا لنرجمنكم، قيل: عني بذلك لنرجمنكم بالحجارة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ } بالحجارة { وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } يقول: ولينالنكم منَّا عذاب موجع .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ۚ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) يقول تعالى ذكره: قالت الرسل لأصحاب القرية ( طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } يقولون: أعمالكم وأرزاقكم وحظكم من الخير والشر معكم، ذلك كله في أعناقكم، وما ذلك من شؤمنا إن أصابكم سوء فيما كتب عليكم، وسبق لكم من الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنايزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، { قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ } أي: أعمالكم معكم . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس، وعن كعب وعن وهب بن منبه، قالت لهم الرسل { طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ) أي: أعمالكم معكم . وقوله { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } اختلفت القراءة في قراءة ذلك ؛ فقرأته عامة قراء الأمصار { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } بكسر الألف من " إن " وفتح < 20-504 > ألف الاستفهام: بمعنى إن ذكرناكم فمعكم طائركم، ثم أدخل على " إن " التي هي حرف جزاء ألف استفهام في قول بعض نحويي البصرة، وفي قول بعض الكوفيين منوي به التكرير، كأنه قيل: طائركم معكم إن ذكرتم فمعكم طائركم، فحذف الجواب اكتفاء بدلالة الكلام عليه. وإنما أنكر قائل هذا القول القول الأول، لأن ألف الاستفهام قد حالت بين الجزاء وبين الشرط، فلا تكون شرطا لما قبل حرف الاستفهام. وذُكر عن أَبي رزين أنه قرأ ذلك { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } بمعنى: ألأن ذكرتم طائركم معكم؟. وذُكر . نعم بعض قارئيه أنه قرأه { قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكَمْ أَيْنَ ذُكِرْتُمْ) بمعنى: حيث ذُكِرْتُمْ بتخفيف الكاف من ذكرتم. والقراءة التي لا نجيز القراءة بغيرها القراءة التي عليها قراء الأمصار، وهي دخول ألف الاستفهام على حرف الجزاء، وتشديد الكاف على المعنى الذي ذكرناه عن قارئيه كذلك، لإجماع الحجة من القراء عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } أي: إن ذكرناكم الله تطيرتم بنا؟{ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ }. وقوله { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } يقول: قالوا لهم: ما بكم التطير بنا، ولكنكم قوم أهل معاصٍ لله وآثامٍ، قد غلبت عليكم الذنوب والآثام.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ
    +/- -/+  
الأية
20
 
وقوله { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى } يقول: وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الذين أرسلت إليهم هذه الرسل رجل يسعى إليهم؛ وذلك أن أهل المدينة هذه عزموا، واجتمعت آراؤهم على قتل هؤلاء الرسل الثلاثة فيما ذكر، فبلغ ذلك هذا الرجل، وكان منـزله أقصى المدينة، وكان مؤمنًا، وكان اسمه فيما ذكر " حبيب بن مري". وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار. ذكر الأخبار الواردة بذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان، عن عاصم الأحول، عن أبي مُجِلِّز، قال: كان صاحب يس " حبيب بن مري" . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: كان من حديث صاحب يس فيما حدثنا محمد بن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه اليماني أنه كان رجلا من أهل أنطاكية، وكان اسمه " حبيبًا " وكان يعمل الجَرير، وكان رجلا سقيمًا، قد أسرع فيه الجذام، وكان منـزله عند باب من أبواب المدينة قاصيًا، وكان مؤمنًا ذا صدقة، يجمع كسبه إذا أمسى فيما يذكرون، فيقسمه نصفين، فيطعم نصفًا عياله، ويتصدق بنصف، فلم يهمَّه < 20-505 > سقمه ولا عمله ولا ضعفه، عن عمل ربه، قال: فلما أجمع قومه على قتل الرسل، بلغ ذلك : " حبيبًا " وهو على باب المدينة الأقصى، فجاء يسعى إليهم يذكرهم بالله، ويدعوهم إلى اتباع المرسلين، فقال { يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن عمرو بن حزم أنه حُدث عن كعب الأحبار قال: ذكر له حبيب بن زيد بن عاصم أخو بني مازن بن النجار الذي كان مسيلمة الكذاب قطعه باليمامة حين جعل يسأله عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فجعل يقول: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ فيقول: نعم، ثم يقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول له: لا أسمع، فيقول مسيلمة: أتسمع هذا، ولا تسمع هذا؟ فيقول: نعم، فجعل يقطعه عضوًا عضوًا، كلما سأله لم يزده على ذلك حتى مات في يديه ، قال كعب حين قيل له اسمه " حبيب ": وكان والله صاحب يس اسمه " حبيب " . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مِقْسم أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول: كان اسم صاحب يس " حبيبًا " وكان الجذام قد أسرع فيه . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى } قال: ذُكر لنا أن اسمه " حبيب "، وكان في غار يعبد ربه، فلما سمع بهم أقبل إليهم . وقوله { قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } يقول تعالى ذكره: قال الرجل الذي جاء من أقصى المدينة لقومه: يا قوم اتبعوا المرسلين الذين أرسلهم الله إليكم، واقبلوا منهم ما أتوكم به. وذُكر أنه لما أتى الرسل سألهم: هل يطلبون على ما جاءوا به أجرًا؟ فقالت الرسل: لا فقال لقومه حينئذٍ: اتبعوا من لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجرًا < 20-506 > . * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما انتهى إليهم -يعني إلى الرسل- قال: هل تسألون على هذا من أجر؟ قالوا: لا فقال عند ذلك { يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
21
 
{ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ } أي: لا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى، وهم لكم ناصحون، فاتبعوهم تهتدوا بهداهم . وقوله { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } يقول: وهم على استقامة من طريق الحق، فاهتدوا أيها القوم بهداهم.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
    +/- -/+  
الأية
22
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هذا الرجل المؤمن { وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي } أي: وأي شيء لي لا أعبد الرب الذي خلقني { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يقول: وإليه تصيرون أنتم أيها القوم وتردون جميعًا، وهذا حين أبدى لقومه إيمانه بالله وتوحيده. كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه قال: ناداهم -يعني نادى قومه- بخلاف ما هم عليه من عبادة الأصنام، وأظهر لهم دينه وعبادة ربه، وأخبرهم أنه لا يملك نفعه ولا ضره غيره، فقال { وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ < 20-507 > تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ثم عابها، فقال { إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ } وشدة { لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ }.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ
    +/- -/+  
الأية
23
 
وقوله { أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً } يقول: أأعبد من دون الله آلهة، يعني معبودًا سواه { إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ } يقول: إذ مسني الرحمن بضر وشدة { لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا } يقول: لا تغني عني شيئًا بكونها إليَّ شفعاء، ولا تقدر على رفع ذلك الضر عني { وَلا يُنْقِذُونِ } يقول: ولا يخلصوني من ذلك الضر إذا مسني.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
    +/- -/+  
الأية
24
 
وقوله { إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } يقول إني إن اتخذت من دون الله آلهة هذه صفتها{ إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } لمن تأمله، جوره عن سبيل الحق.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ
    +/- -/+  
الأية
25
 
وقوله { إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ } فاختلف في معنى ذلك، فقال بعضهم: قال هذا القول هذا المؤمن لقومه يعلمهم إيمانه بالله. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب، وعن وهب بن منبه { إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ } إني آمنت بربكم الذي كفرتم به، فاسمعوا قولي . وقال آخرون: بل خاطب بذلك الرسل، وقال لهم: اسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي، وأني قد آمنت بكم واتبعتكم؛ فذكر أنه لما قال هذا القول، ونصح لقومه النصيحة التي ذكرها الله في كتابه وثبوا به فقتلوه. ثم اختلف أهل التأويل في صفة قتلهم إياه، فقال بعضهم: رجموه بالحجارة . * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } هذا رجل دعا قومه إلى الله، وأبدى لهم < 20-508 > النصيحة فقتلوه على ذلك. وذُكر لنا أنهم كانوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول: اللهم اهد قومي، اللهم اهد قومي، اللهم اهد قومي، حتى أقْعَصوه وهو كذلك . وقال آخرون: بل وثبوا عليه، فوطئوه بأقدامهم حتى مات. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب، وعن وهب بن منبه قال لهم ( وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي } .. إلى قوله { فَاسْمَعُونِ } وثبوا وثبة رجل واحد فقتلوه واستضعفوه لضعفه وسقمه، ولم يكن أحد يدفع عنه حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أصحابه < 20-509 > أن عبد الله بن مسعود كان يقول: وطئوه بأرجلهم حتى خرج قُصْبه من دُبُره .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
26
 
القول في تأويل قوله تعالى : قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) يقول تعالى ذكره: قال الله له إذ قتلوه كذلك فلقيه { ادْخُلِ الْجَنَّةَ } فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره فيه { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي) يقول: يا ليتهم يعلمون أن السبب الذي من أجله غفر لي ربي ذنوبي، وجعلني من الذين أكرمهم الله بإدخاله إياه جنته، كان إيماني بالله وصبري فيه، حتى قتلت، فيؤمنوا بالله ويستوجبوا الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: قال الله له: ادخل الجنة، فدخلها حيًّا يرزق فيها، قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها، فلما أفضى إلى رحمة الله وجنته وكرامته { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ). حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ } فلما دخلها{ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) قال: فلا تلقى المؤمن إلا ناصحًا، ولا تلقاه غاشًّا، فلما عاين من كرامة الله { قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) تمنى على الله أن يعلم قومه ما عاين من كرامة الله، وما هجم عليه. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله { قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ } قال: قيل: قد وجبت له الجنة؛ قال ذاك حين رأى الثواب . حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ } قال: وجبت لك الجنة . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد { قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ } قال: وجبت له الجنة .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصم الأحول، عن أبي مجلز، في قوله ( بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } قال إيماني بربي، وتصديقي رسله، والله أعلم . < 20-510 > .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ
    +/- -/+  
الأية
28
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) يقول تعالى ذكره: وما أنـزلنا على قوم هذا المؤمن الذي قتله قومه لدعائه إياهم إلى الله ونصيحته لهم ( مِنْ بَعْدِهِ) يعني: من بعد مهلكه { مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ }. واختلف أهل التأويل في معنى الجند الذي أخبر الله أنه لم ينـزل إلى قوم هذا المؤمن بعد قتلهموه فقال بعضهم: عُنِي بذلك أنه لم ينـزل الله بعد ذلك إليهم رسالة، ولا بعث إليهم نبيًّا. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله { مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ } قال: رسالة . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حَكَّام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ } قال: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ }. وقال آخرون: بل عني بذلك أن الله تعالى ذكره لم يبعث لهم جنودًا يقاتلهم بها، ولكنه أهلكهم بصيحة واحدة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، أن عبد الله بن مسعود، قال: غضب الله له، يعني لهذا المؤمن، < 20-511 > لاستضعافهم إياه غضبةً لم تبق من القوم شيئًا، فعجَّل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال: { وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ } يقول: ما كاثرناهم بالجموع أي الأمر أيسر علينا من ذلك { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } فأهلك الله ذلك الملك وأهل أنطاكية، فبادوا عن وجه الأرض، فلم تبق منهم باقية . وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية، وذلك أن الرسالة لا يقال لها جند إلا أن يكون أراد مجاهد بذلك الرُّسُل، فيكون وجهًا، وإن كان أيضًا من المفهوم بظاهر الآية بعيدًا، وذلك أن الرسل من بني آدم لا ينـزلون من السماء والخبر في ظاهر هذه الآية عن أنه لم ينـزل من السماء بعد مَهْلِك هذا المؤمن على قومه جندًا وذلك بالملائكة أشبه منه ببني آدم.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ
    +/- -/+  
الأية
29
 
وقوله { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } يقول: ما كانت هَلَكتهم إلا صيحة واحدة أنـزلها الله من السماء عليهم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً } نصبا على التأويل الذي ذكرت، وأنّ في كانت مضمرًا وذُكر عن أبي جعفر المدني أنه قرأه { إلا صيْحَةٌ وَاحِدَةٌ) رفعًا على أنها مرفوعة بكان، ولا مضمر في كان. والصواب من القراءة في ذلك عندي النصب لإجماع الحجة على ذلك، وعلى أن في كانت مضمرًا. وقوله { فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } يقول: فإذا هم هالكون.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
    +/- -/+  
الأية
30
 
القول في تأويل قوله تعالى : يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) يقول تعالى ذكره: يا حسرةً من العباد على أنفسها وتندّما وتلهفا في < 20-512 > استهزائهم برسل الله { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ } من الله { إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وذكر أن ذلك في بعض القراءات { يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ } أي: يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضَيَّعت من أمر الله، وفرّطت في جنب الله. قال: وفي بعض القراءات: { يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا). حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن؛ قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ } قال: كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل . حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ } يقول: يا ويلا للعباد. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: يا لها حسرة على العباد .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) يقول تعالى ذكره: ألم ير هؤلاء المشركون بالله من قومك يا محمد كم أهلكنا قبلهم بتكذيبهم رسلنا، وكفرهم بآياتنا من القرون الخالية { أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ } يقول: ألم يَرَوا أنهم إليهم لا يرجعون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ } قال: عاد وثمود، وقرون بين ذلك كثير. و " كَمْ" من قوله { كَمْ أَهْلَكْنَا } في موضع نصب إن شئت بوقوع يروا عليها. وقد ذَكر أن ذلك في قراءة عبد الله: { ألَمْ يَرَوْا مَنْ أهْلَكْنَا) وإن شئت بوقوع أهلكنا عليها؛ وأما " أنهم "، فإن الألف منها فتحت بوقوع يروا عليها. وذُكر عن بعضهم أنه كسر الألف منها على وجه الاستئناف بها، وترك إعمال يروا فيها.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
32
 
وقوله { وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } يقول تعالى ذكره: وإن كل هذه القرون التي أهلكناها والذين لم نهلكهم وغيرهم عندنا يوم القيامة جميعهم محضرون. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة { وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } أي هم يوم القيامة . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: { وَإنْ كُلٌّ لَمَا) بالتخفيف توجيها منهم إلى أن ذلك " ما " أدخلت عليها اللام التي تدخل جوابًا لإنْ وأن معنى الكلام: وإن كلّ لجميع لدينا محضرون. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة ( لَمَّا) بتشديد الميم. ولتشديدهم ذلك عندنا وجهان: أحدهما: أن يكون الكلام عندهم كان مرادًا به: وإن كلّ لمما جميع، ثم حذفت إحدى الميمات لما كثرت، كما قال الشاعر: غَـدَاةَ طَفَـتْ عَلْمَـاءِ بَكْـرُ بنُ وَائِلٍ وَعُجْنَـا صُـدُورَ الخَـيْلِ نَحْـوَ تَمِيـمٍ (1) والآخر: أن يكونوا أرادوا أن تكون { لَمَّا) بمعنى إلا مع إنْ خاصة فتكون نظيرة إنما إذا وضعت موضع " إلا ". وقد كان بعض نحويِّي الكوفة يقول: كأنها " لَمْ" ضمت إليها " ما "، فصارتا جميعا استثناء، وخرجتا من حد الجحد. وكان بعض أهل العربية يقول: لا أعرف وجه " لمَّا " بالتشديد. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. ------------------------ الهوامش: (1) هذا بيت من مقطوعة نسبها البلاذري في "أنساب الأشراف" إلى صالح بن عبد الله العبشمي الخارجي في محاربة حارثة بن بدر الغداني للأزارقة، قبل أن يحاربهم المهلب. ونسبها المبرد في الكامل إلى قطري بن الفجاءة الخارجي في يوم دولاب. ورواية البلاذري "طفت في الماء" ورواية المبرد: " طفت علماء". وأصله على الماء، كما تقول في بني الحارث: بالحارث. والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن { الورقة 269) قال: وقوله: { وإن كل لما جميع): شددها { لما) الأعمش وعاصم وقد خففها قوم كثير من قراء أهل المدينة. وبلغني أن عليا خففها، وهو الوجه؛ لأنها "ما" أدخلت عليها لام، تكون جوابا لإن، كأنك قلت وإن كل لما جميع لدينا محضرون؛ ولم ينقلها من ثقلها إلا عن صواب، فإن شئت أردت: وإن كل "لمن ما" جميع، ثم حذفت إحدى الميمات لكثرتهن كما قال "غداة طفت علماء .... البيت". والوجه الآخر من التثقيل: أن يجعلوا "لما" بمنزلة "إلا"، كأنها "لم" ضمت إليها "ما" فصار جميعًا حرفا واحدا، وخرجا من حد الجحد. وكان االكسائي ينفي هذا القول، يقول: لا أعرف جهة "لما" في التشديد في القراءة. وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن { الورقة 204): "وإن كل": إذا خففت "إن" رفعتها بها، وإن ثقلت نصبت. "لما جميع" تفسيرها: وإن كل لجميع. و"ما" مجازها مجاز { مثلا ما بعوضة}، و { عما قليل).

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ
    +/- -/+  
الأية
33
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) يقول تعالى ذكره: ودلالة لهؤلاء المشركين على قُدرة الله على ما يشاء، وعلى إحيائه من مات من خلقه وإعادته بعد فنائه، كهيئته قبل مماته إحياؤه الأرض الميتة، التي لا نبت فيها ولا زرع بالغيث الذي ينـزله من السماء حتى يخرج زرعها، ثم إخراجه منها الحب الذي هو قوت لهم وغذاء، فمنه يأكلون.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ
    +/- -/+  
الأية
34
 
وقوله { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } يقول تعالى ذكره: وجعلنا في هذه الأرض التي أحييناها بعد موتها بساتين من نخيل وأعناب { وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ } يقول: وأنبعنا فيها من عيون الماء.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
القول في تأويل قوله تعالى : لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) يقول تعالى ذكره: أنشأنا هذه الجنات في هذه الأرض ليأكل عبادي من ثمره، وما عملت أيديهم يقول: ليأكلوا من ثمر الجنات التي أنشأنا لهم، وما عملت أيديهم مما غرسوا هم وزرعوا. و " ما " التي في قوله { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } في موضع خفض عطفًا على الثمر، بمعنى: ومن الذي عملت؛ وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر: { وَممَّا عَمِلَتْهُ) بالهاء على هذا المعنى ، فالهاء في قراءتنا مضمرة، لأن العرب تضمرها أحيانًا، وتظهرها في صلات: من، وما، والذي. ولو قيل: " ما " بمعنى المصدر كان مذهبًا، فيكون معنى الكلام: ومن عمل أيديهم ، ولو قيل: إنها بمعنى الجحد ولا موضع لها كان أيضًا مذهبا، فيكون معنى الكلام: ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم. وقوله { أَفَلا يَشْكُرُونَ } يقول: أفلا يشكر هؤلاء القوم الذين رزقناهم هذا الرزق من هذه الأرض الميتة التي أحييناها لهم مَنْ رزقهم ذلك وأنعم عليهم به؟ .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
36
 
القول في تأويل قوله تعالى : سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) يقول تعالى ذكره تنـزيها وتبرئة للذي خلق الألوان المختلفة كلها من نبات الأرض، ومن أنفسهم، يقول: وخلق من أولادهم ذكورًا وإناثًا، ومما لا يعلمون أيضًا من الأشياء التي لم يطلعهم عليها، خلق كذلك أزواجًا مما يضيف إليه هؤلاء المشركون، ويصفونه به من الشركاء وغير ذلك.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
37
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) يقول تعالى ذكره: ودليل لهم أيضًا على قدرة الله على فعل كل ما شاء { اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ } يقول: ننـزع عنه النهار. ومعنى " منه " في هذا الموضع: عنه، كأنه قيل: نسلخ عنه النهار، فنأتي بالظلمة ونذهب بالنهار. ومنه قوله وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا أي: خرج منها وتركها، فكذلك انسلاخ الليل من النهار. وقوله ( فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } يقول: فإذا هم قد صاروا في ظلمة بمجيء الليل. وقال قتادة في ذلك ماحدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } قال: يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل ، وهذا الذي قاله قتادة في ذلك عندي، من معنى سلخ النهار من الليل، بعيد ، وذلك أن إيلاج الليل في النهار، إنما هو زيادة ما نقص من ساعات هذا في ساعات الآخر، وليس السلْخ من ذلك في شيء، لأن النهار يسلخ من الليل كله، وكذلك الليل من النهار كله، وليس يولج كلّ الليل في كلّ النهار، ولا كلّ النهار في كلّ الليل.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
    +/- -/+  
الأية
38
 
وقوله { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } يقول تعالى ذكره: والشمس تجري لموضع قرارها، بمعنى: إلى موضع قرارها؛ وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم . * ذكر الرواية بذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذرَ الغفاريّ، قال: كنت جالسا عند النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في المسجد، فلما غَرَبت الشمس، قال: يا أبا ذَرّ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ الشَّمْسُ ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنها تذهب فتسجد بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ بالرُّجُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا ، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَكَانِهَا وَذَلِكَ مُسْتَقَرّها " . وقال بعضهم في ذلك بما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } قال: وقت واحد لا تعدوه . وقال آخرون: معنى ذلك: تجري لمجرى لها إلى مقادير مواضعها، بمعنى: أنها تجري إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع ولا تجاوزه. قالوا: وذلك أنها لا تزال تتقدم كلّ ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع. وقوله { ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } يقول: هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقر لها، تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه، العليم بمصالح خلقه، وغير ذلك من الأشياء كلها، لا يخفي عليه خافية.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ
    +/- -/+  
الأية
39
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) اختلفت القراء في قراءة قوله { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } فقرأه بعض المكيين وبعض المدنيين وبعض البصريين: { وَالقَمَرُ) رفعا عطفًا بها على الشمس، إذ كانت الشمس معطوفة على الليل، فأتبعوا القمر أيضًا الشمس في الإعراب، لأنه أيضًا من الآيات، كما الليل والنهار آيتان، فعلى هذه القراءة تأويل الكلام: وآية لهم القمرُ قدّرناه منازل. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض المدنيين وبعض البصريين، وعامة قرّاء الكوفة نصبا{ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ } بمعنى: وقدّرنا القمر منازل، كما فعلنا ذلك بالشمس، فردّوه على الهاء من الشمس في المعنى، لأن الواو التي فيها للفعل المتأخر. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، فتأويل الكلام: وآية لهم، تقديرنا القمر منازل للنقصان بعد تناهيه وتمامه واستوائه، حتى عاد كالعرجون القديم ؛ والعرجون: من العذق من الموضع النابت في النخلة إلى موضع الشماريخ ؛ وإنما شبهه جل ثناوه بالعرجون القديم، والقديم هو اليابس، لأن ذلك من العِذْق، لا يكاد يوجد إلا متقوّسًا منحنيًا إذا قدم ويبس، ولا يكاد أن يُصاب مستويًا معتدلا كأغصان سائر الأشجار وفروعها، فكذلك القمرُ إذا كان في آخر الشهر قبل استسراره، صار في انحنائه وتقوّسه نظير ذلك العرجون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } يقول: أصل العِذق العتيق . حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } يعني بالعُرجون: العذقَ اليابس . حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } قال: كعِذْق النخلة إذا قدُم فانحنى . حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقيّ، قال: ثنا أبو يزيد الخرّاز، يعني خالد بن حيان الرقيِّ، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصمّ في قوله { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } قال: عذق النخلة إذا قدُم انحنى . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عيسى بن عبيد، عن عكرمة، في قوله { كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } قال: النخلة القديمة . حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى عن مجاهد { كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } قال: العِذْق اليابس . حدثني محمد بن عمر بن عليّ المقدمي وابن سنان القزّاز، قالا ثنا أبو عاصم والمقدمي، قال: سمعت أبا عاصم يقول: سمعت سليمان التيمي في قوله { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } قال: العذْق . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } قال: قدّره الله منازل، فجعل ينقص حتى كان مثل عذق النخلة، شبهه بعذق النخلة .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
    +/- -/+  
الأية
40
 
وقوله { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ } يقول تعالى ذكره: لا الشمس يصلح لها إدراك القمر، فيذهب ضوؤها بضوئه، فتكون الأوقات كلها نهارًا لا ليل فيها{ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } يقول تعالى ذكره: ولا الليل بفائت النهار حتى تذهب ظلمته بضيائه، فتكون الأوقات كلها ليلا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في ألفاظهم في تأويل ذلك، إلا أن معاني عامتهم الذي قلناه. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن مجاهد في قوله { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ } قال: لا يشبه ضوءها ضوء الآخر، لا ينبغي لها ذلك . حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ } قال: لا يُشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر، ولا ينبغي ذلك لهما وفي قوله { وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } قال: يتطالبان حَثيثين ينسلخ أحدهما من الآخر. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } قال: لا يدرك هذا ضوءَ هذا ولا هذا ضوء هذا . حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ } وهذا في ضوء القمر وضوء الشمس، إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء، وإذا طلع القمر بضوئه لم يكن للشمس ضوء { وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } قال: في قضاء الله وعلمه أن لا يفوت الليل النهار حتى يدركه، فيذهب ظلمته، وفي قضاء الله أن لا يفوت النهار الليل حتى يدركه، فيذهب بضوئه . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } ولكلٍّ حدٌّ وعلم لا يعدوه، ولا يقصر دونه؛ إذا جاء سلطان هذا، ذهب سلطان هذا، وإذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا . ورُوي عن ابن عباس في ذلك ما حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } يقول: إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر، فإذا غابا غاب أحدهما بين يدي الآخر ، وأنْ من قوله { أَنْ تُدْرِكَ } في موضع رفع بقوله: ينبغي. وقوله { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يقول: وكل ما ذكرنا من الشمس والقمر والليل والنهار في فلك يجرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، قال: ثنا شعبة، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ < 20-521 > يَسْبَحُونَ } قال: في فلك كفلك المِغْزَل . حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: مجرى كلّ واحد منهما، يعني الليل والنهار، في فَلَك يسبحون: يجرون . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } أي: في فلك السماء يسبحون . حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } دورانا، يقول: دورانا يسبحون؛ يقول: يجرون . حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يعني: كلّ في فلك في السماوات ؟.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
    +/- -/+  
الأية
41
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) يقول تعالى ذكره: ودليل لهم أيضًا، وعلامة على قُدرتنا على كلّ ما نشاء، حملنا ذرّيتهم ، يعني من نجا من ولد آدم في سفينة نوح، وإياها عنى جلّ ثناؤه بالفُلك المشحون؛ والفلك: هي السفينة، والمشحون: المملوء الموقر. < 20-522 > وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله { أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } يقول: الممتلئ . حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } يعني المثقل . حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد { الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } قال: الموقَر . حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا يونس، عن الحسن، في قوله { الْمَشْحُونِ } قال: المحمول . حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله { أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } يعني: سفينة نوح عليه السلام . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } الموقر، يعني سفينة نوح . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله { الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } قال: الفلك المشحون: المَرْكَب الذي كان فيه نوح، والذرية التي كانت في ذلك المركب؛ قال: والمشحون: الذي قد شُحِن، الذي قد جعل فيه ليركبه أهله، جعلوا فيه ما يريدون، فربما امتلأ وربما لم يمتلىء . حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: أتدرون ما الفُلك المشحون؟ قلنا: لا قال: هو المُوقَر . حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآمُلِي، قال: ثنا هارون، عن جُوَيبر، عن < 20-523 > الضحاك، في قوله { الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } قال: المُوقَر .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
وقوله { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } يقول تعالى ذكره: وخلقنا لهؤلاء المشركين المكذّبيك يا محمد، تفضلا منا عليهم، من مثل ذلك الفلك الذي كنا حملنا من ذرية آدم مَنْ حملنا فيه الذي يركبونه من المراكب. ثم اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله { مَا يَرْكَبُونَ } فقال بعضهم: هي السفن. * ذكر من قال ذلك: حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: تدرون ما{ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } ؟ قلنا: لا. قال: هي السفن جُعِلت من بعد سفينة نوح على مِثْلها . حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك في قوله { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } قال: السفن الصغار . قال: ثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك، في قوله { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } قال: السفن الصغار، ألا ترى أنه قال { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ } ؟ حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن في هذه الآية { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } قال: السفن الصغار . حدثنا حاتم بن بكر الضَّبي، قال: ثنا عثمان بن عمر، عن شعبة، عن إسماعيل، عن أبي صالح: { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } قال: السفن الصغار . حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } يعني: السفن التي اتخذت < 20-524 > بعدها، يعني بعد سفينة نوح . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } قال: هي السفن التي ينتفع بها . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } قال: وهي هذه الفلك . حدثني يونس، قال: ثنا محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله ( وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } قال: نعم من مثل سفينة . وقال آخرون: بل عني بذلك الإبل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } يعني: الإبل، خَلَقها الله كما رأيت، فهي سفن البر، يحملون عليها ويركبونها . حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثنا غندر، عن عثمان بن غياث، عن عكرمة { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } قال: الإبل . حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، قال: قال عبد الله بن شداد { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } هي الإبل . حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } قال: من الأنعام . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن: هي الإبل . وأشبه القولين بتأويل ذلك قول من قال: عُنِي بذلك السفن، وذلك لدلالة < 20-525 > قوله { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ } على أن ذلك كذلك، وذلك أن الغرق معلوم أن لا يكون إلا في الماء، ولا غرق في البرّ.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ
    +/- -/+  
الأية
43
 
وقوله { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ } يقول تعالى ذكره: وإن نشأ نغرق هؤلاء المشركين إذا ركبوا الفُلك في البحر { فَلا صَرِيخَ لَهُمْ } يقول: فلا مُغِيث لهم إذا نحن غرّقناهم يُغِيثهم، فينجيهم من الغرق. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ } أي: لا مُغِيث وقوله { وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ } يقول: ولا هو ينقذهم من الغرق شيء إن نحن أغرقناهم في البحر، إلا أن ننقذهم نحن رحمة منا لهم، فننجيهم منه.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ
    +/- -/+  
الأية
44
 
وقوله { وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } يقول: ولنمتعهم إلى أجل هم بالغوه، فكأنه قال: ولا هم يُنْقذُونَ، إلا أن نرحمهم فنمتعهم إلى أجل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } أي: إلى الموت .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
45
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله، المكذّبين رسوله محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : احذروا ما مضى بين أيديكم من نقم الله وَمثُلاته بمن حلّ ذلك به من الأمم قبلكم أن يحلّ مثله بكم بشرككم وتكذيبكم رسوله.{ وَمَا خَلْفَكُمْ } < 20-526 > يقول: وما بعد هلاككم مما أنتم لاقوه إن هلكتم على كفركم الذي أنتم عليه { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يقول: ليرحمكم ربكم إن أنتم حذرتم ذلك، واتقيتموه بالتوبة من شرككم والإيمان به، ولزوم طاعته فيما أوجب عليكم من فرائضه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } : وقائع الله فيمن خلا قبلهم من الأمم وما خلفهم من أمر الساعة. وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } قال: ما مضى من ذنوبهم ، وهذا القول قريب المعنى من القول الذي قلنا، لأن معناه: اتقوا عقوبة ما بين أيديكم من ذنوبكم، وما خلفكم مما تعملون من الذنوب ولم تعملوه بعد، فذلك بعد تخويف لهم العقاب على كفرهم.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
وقوله { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } يقول تعالى ذكره: وما تجيء هؤلاء المشركين من قريش آية، يعني حجة من حُجَج الله، وعلامة من علاماته على حقيقة توحيده، وتصديق رَسُوله، إلا كانوا عنها معرضين، لا يتفكرون فيها، ولا يتدبرونها، فيعلموا بها ما احتجّ الله عليهم بها. فإن قال قائل: وأين جواب قوله { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ } ؟ قيل: جوابه وجواب قوله { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ } ... قوله { إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفي بالجواب عن قوله { اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ) وعن قوله { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ } بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام: وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا، وإذا أتتهم آية أعرضوا.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
    +/- -/+  
الأية
47
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله: أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم، فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم ومسكنتكم، قال الذين أنكروا وحدانية الله، وعبدوا من دونه للذين آمنوا بالله ورسوله: أنطعم أموالنا وطعامنا مَنْ لو يشاء الله أطعمه. وفي قوله { إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } وجهان: أحدهما أن يكون من قيل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ: ما أنتم أيها القومُ في قيلكم لنا: أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم، إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد مُبين لمن تأمله وتدبره، أنه في ضلال ، وهذا أولى وجهيه بتأويله. والوجه الآخر: أن يكون ذلك من قيل الله للمشركين، فيكون تأويله حينئذ: ما أنتم أيها الكافرون في قيلكم للمؤمنين: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه، إلا في ضلال مبين، عن أن قيلكم ذلك لهم ضلال.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
48
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون المكذبون وعيد الله، والبعثَ بعد الممات، يستعجلون ربهم بالعذاب { مَتَى هَذَا الْوَعْدُ } أي: الوعد بقيام الساعة { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أيها القوم، وهذا قولهم لأهل الإيمان بالله ورسوله.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ
    +/- -/+  
الأية
49
 
القول في تأويل قوله تعالى : مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) يقول تعالى ذكره: ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم، إلا صيحة واحدة تأخذهم، وذلك نفخة الفَزَع عند قيام الساعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت الآثار. * ذكر من قال ذلك، وما فيه من الأثر: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر، قالا ثنا عوف بن أبي جميلة عن أبي المغيرة القواس، عن عبد الله بن عمرو، قال: ليُنْفَخَنّ في الصور، والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم، حتى إن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان، فما يُرسله أحدهما من يده حتى يُنفَخ في الصور، وحتى إن الرجل ليغدو من بيته فلا يرجع حتى ينفخ في الصُّور، وهي التي قال الله { مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } ... الآية " . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } ذُكر لنا أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: " تَهِيجُ السَّاعَةُ بالنَّاسِ وَالرَّجُلُ يَسْقِي ماشِيَتَهُ، والرَّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضَهُ، والرَّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ فِي سُوقِهِ والرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ، وَتَهِيجُ بِهِمْ وَهُمْ كَذلكَ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إلى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونِ " . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله { مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً } قال: النفخة نفخة واحدة . حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع، عمن ذكره، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، < 20-529 > قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " إِنَّ الله لمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ خَلَقَ الصُّورَ، فأعْطاهُ إسْرافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلى فِيهِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلى العَرْش يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ ، قال أبو هريرة: يا رسول الله: وما الصور؟ قال: قَرْنٌ قال: وكَيْفَ هُوَ؟ قال: قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ، الأولى نَفْخَةُ الفَزَعِ، والثَّانِيِةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، والثَّالِثَةُ نَفْخَةُ القِيام لِرَب العالَمِينَ، يَأْمُرُ الله إسْرَافِيلَ بالنَّفْخَةِ الأولى فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَاوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللهُ، ويَأْمُرُهُ اللهُ فَيُدِيمُهَا ويُطَوِّلُها، فَلا يَفْتُرُ، وَهِيَ التي يَقُولُ اللهُ وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ثُمَّ يَأْمُرُ الله إسْرَافِيلَ بنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَصْعَقُ أهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللهُ، فإذَا هُمْ خَامِدُونَ، ثُمَّ يُمِيتُ مَنْ بَقِيَ، فَإِذاَ لمَْ يَبْقَ إِلا الله الْوَاحِدُ الصَّمَدُ، بَدَّلَ الأرْضَ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، فَيَبْسُطُهَا وَيَسْطَحُهَا، وَيَمُدُّهَا مَدَّ الأدِيمِ الْعُكَاظِي، لا تَرَى فِيهَا عِوَجا وَلا أَمْتا، ثُمَّ يَزْجُرُ اللهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً، فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأولى ما كانَ في بَطْنها كان في بَطْنِها، وَما كانَ على ظَهْرِها كانَ عَلى ظَهْرِها " . واختلفت القراء في قراءة قوله { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } فقرأ ذلك بعض قراء المدينة: { وَهُمْ يَخْصّمُون) بسكون الخاء وتشديد الصاد، فجمع بين الساكنين، بمعنى: يختصمون، ثم أدغم التاء في الصاد فجعلها صادا مشددة، وترك الخاء على سكونها في الأصل. وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين: { وَهُمْ يَخَصّمُون) بفتح الخاء وتشديد الصاد بمعنى: يختصمون، غير أنهم نقلوا حركة التاء وهي الفتحة التي في يفتعلون إلى الخاء منها، فحرّكوها بتحريكها، وأدغموا التاء في الصاد وشددوها. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة: { يَخِصِّمُونَ } بكسر الخاء وتشديد الصاد، فكسروا الخاء بكسر الصاد وأدغموا التاء في الصاد وشددوها. وقرأ ذلك آخرون منهم: { يَخْصِمُون) بسكون الخاء وتخفيف الصاد، بمعنى { يَفْعِلُون) من الخصومة، وكأن معنى قارئ ذلك كذلك: كأنهم يتكلمون، أو يكون معناه عنده: كان وهم عند أنفسهم يَخْصِمُون مَن وعدهم مجيء الساعة، وقيام القيامة، ويغلبونه بالجدل في ذلك. والصواب من القول في ذلك عندنا أن هذه قراءات مشهورات معروفات في قرّاء الأمصار، متقاربات المعاني، فبأيتهنّ قرأ القارئ فمصيب.

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ
    +/- -/+  
الأية
50
 
وقوله { فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } يقول تعالى ذكره: فلا يستطيع هؤلاء المشركون عند النفخ في الصُّور أن يوصوا في أموالهم أحدا{ وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } يقول: ولا يستطيع من كان منهم خارجا عن أهله أن يرجع إليهم، لأنهم لا يُمْهَلون بذلك. ولكن يُعَجَّلون بالهلاك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } أي: فيما في أيديهم { وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } قال: أُعْجِلوا عن ذلك . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً ... الآية، قال: هذا مبتدأ يوم القيامة، وقرأ { فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } حتى بلغ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
51
 
القول في تأويل قوله تعالى : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) يقول تعالى ذكره { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } وقد ذكرنا اختلاف المختلفين < 20-531 > والصواب من القول فيه بشواهده فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، ويُعْنَى بهذه النفخة، نفخة البعث. وقوله { فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ } يعني من أجداثهم، وهي قبورهم، واحدها جدث، وفيها لغتان، فأما أهل العالية، فتقوله بالثاء: جَدَث، وأما أهل السافلة فتقوله بالفاء جَدَف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله { مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ } يقول: من القبور. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ } أي: من القبور . وقوله { إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ } يقول: إلى ربهم يخرجون سراعا، والنَّسَلان: الإسراع في المشي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله { يَنْسِلُونَ } يقول: يخرجون . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ } أي: يخرجون .

 
Tafseer At-Tabariy  تفسير الطبري
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
52
 
وقوله { قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المشركون لما نفخ في الصور نفخة البعث لموقف القيامة فردت أرواحهم إلى أجسامهم، وذلك بعد نومة ناموها{ يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } وقد قيل: إن ذلك نومة بين النفختين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن خيثمة، عن الحسن، عن أُبي بن كعب، في قوله { يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } قال: ناموا نومة قبل البعث . حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن رجل يقال له خيثمة في قوله { يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَ