Prev  

33. Surah Al­Ahzâb سورة الأحزاب

  Next  



تفسير ابن كثير - الأحزاب - Al-Ahzab -
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
    +/- -/+  
الأية
1
 
سورة الأحزاب: قال الإمام أحمد حدثنا خلف بن هشام حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر قال: قال لي أبي بن كعب كأين تقرأ سورة الأحزاب أو كأين تعدها؟ قال قلت ثلاثًا وسبعين آية فقال قط لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنا فارجموه البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ورواه النسائي من وجه آخر عن عاصم وهو ابن أبي النجود وهو أبو بهدلة به وهذا إسناد حسن وهو يقتضي أنه قد كان فيها قرآن ثم نسخ لفظه وحكمه أيضا والله أعلم. هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا فلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى وقد قال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله. قوله تعالى { ولا تطع الكافرين والمنافقين } أي لا تسمع منهم ولا تستشرهم { إن الله كان عليما حكيما } أي فهو أحق أن تتبع أوامره وتطيعه فإنه عليم بعواقب الأمور حكيم في أقواله وأفعاله.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
2
 
ولهذا قال تعالى { واتبع ما يوحى إليك من ربك } أي من قرآن وسنة { إن الله كان بما تعملون خبيرا } أي فلا تخفى عليه خافية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلًا
    +/- -/+  
الأية
3
 
ولهذا قال تعالى { واتبع ما يوحى إليك من ربك } أي من قرآن وسنة { إن الله كان بما تعملون خبيرا } أي فلا تخفى عليه خافية.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
    +/- -/+  
الأية
4
 
يقول تعالى موطئا قبل المقصود المعنوي أمرا معروفا حسيا وهو أنه كما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه ولا تصير زوجته التي يظاهر منها بقوله أنت علي كظهر أمي أما له كذلك لا يصير الدعي ولدا للرجل إذا تبناه فدعاه ابنا له فقال { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم } كقوله عز وجل { ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم } الآية. وقوله تعالى: { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } هذا هو المقصود بالنفي فإنها نزلت في شأن زيد بن حارثة رضي الله عنه { مولى النبي صلى الله عليه وسلم كان الني صلى الله عليه وسلم قد تبناه قبل النبوة فكان يقال له زيد بن محمد فأراد الله تعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة بقوله تعالى: { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } كما قال تعالى في أثناء السورة { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما } وقال ههنا { ذلكم قولكم بأفواهكم } يعني تبنيكم لهم قول لا يقتضي أن يكون ابنا حقيقيا فإنه مخلوق من صلب رجل آخر فما يمكن أن يكون له أبوان كما لا يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان { والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } قال سعيد بن جبير { يقول الحق } أي العدل وقال قتادة { وهو يهدي السبيل } أي الصراط المستقيم وقد ذكر غير واحد أن هذه الآية نزلت في رجل من قريش كان يقال له ذو القلبين وأنه كان يزعم أن له قلبين كل منهما بعقل وافر فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليه. هكذا روى العوفي عن ابن عباس وقاله مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة واختاره ابن جرير. وقال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا زهير عن قابوس يعني ابن أبي ظبيان قال إن أباه حدثه قال قلت لابن عباس: أرأيت قول الله تعالى: { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } ما عنى بذلك؟ قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترون له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فأنزل الله تعالى: { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه { وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن صاعد الحراني عن عبد بن حميد وعن أحمد بن يونس كلاهما عن زهير وهو ابن معاوية به ثم قال وهذا حديث حسن وكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث زهير به. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري في قوله { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } قال بلغنا أن ذلك كان في زيد بن حارثة ضرب له مثل يقول ليس ابن رجل آخر ابنك وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد أنها نزلت في زيد بن حارثة رضي الله عنه } وهذا يوافق ما قدمناه من التفسير والله سبحانه وتعالى أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ ۚ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
5
 
وقوله عز وجل: { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } هذا أمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب وهم الأدعياء فأمر تبارك وتعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة وأن هذا هو العدل والقسط والبر. قال البخاري رحمه الله حدثنا يعلى بن أسد حدثنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة قال حدثني سالم عن عبد الله بن عمر قال إن زيد بن حارثة رضي الله عنه { مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن موسى بن عقبة به وقد كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه في الخلوة بالمحارم وغير ذلك ولهذا قالت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة رضي الله عنهما: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا ندعو سالما ابنا وإن الله قد أنزل ما أنزل وإنه كان يدخل علي وإني أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا فقال صلى الله عليه وسلم { أرضعيه تحرمي عليه } الحديث ولهذا لما نسخ هذا الحكم أباح تبارك وتعالى زوجه الدعي وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش مطلقة زيد بن حارثة رضي الله عنه وقال عز وجل { لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواح أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا } وقال تبارك وتعالى في آية التحريم { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } احترازا عن زوجة الدعي فإنه ليس من الصلب فأما الابن من الرضاعة فمنزل منزلة ابن الصلب شرعا بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين { حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب } أما دعوة الغير ابنا على سبيل التكريم والتحبيب فليس مما نهى عنه في هذه الآية بدليل ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي من حديث سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول { أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس } قال أبو عبيدة وغيره أبيني تصغير ابني وهذا ظاهر الدلالة فإن هذا كان في حجة الوداع سنة عشر. وقوله { ادعوهم لآبائهم } في شأن زيد بن حارثة رضي الله عنه وقد قتل في يوم مؤتة سنة ثمان وأيضا ففي صحيح مسلم من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن الجعد أبي عثمان البصري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يا بني } ورواه أبو داود والترمذي وقوله عز وجل: { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } أمر تعالى برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عرفوا فإن لم يعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم أي عوضا عما فاتهم من النسب ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خرج من مكة عام عمرة القضاء وتبعتهم ابنة حمزة رضي الله عنها تنادي يا عم يا عم فأخذها علي رضي الله عنه وقال لفاطمة رضي الله عنها دونك ابنة عمك فاحتملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر رضي الله عنهم في أيهم يكفلها فكل أدلى بحجة فقال علي رضي الله عنه أنا أحق بها وهى ابنة عمي وقال زيد ابنة أخي وقال جعفر بن أبي طالب ابنة عمي وخالتها تحتي يعني أسماء بنت عميس فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: { الخالة بمنزلة الأم } وقال لعلي رضي الله عنه أنت مني وأنا منك } وقال لجعفر رضي الله عنه { أشبهت خلقي وخلقي } وقال لزيد رضي الله عنه { أنت أخونا ومولانا } ففي هذا الحديث أحكام كثيرة من أحسنها أنه صلى الله عليه وسلم حكم بالحق وأرضى كلا من المتنازعين وقال لزيد رضي الله عنه { أنت أخونا ومولانا } كما قال تعالى: { فإخوانكم في الدين ومواليكم } وقال ابن جرير حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن عينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال أبو بكرة رضي الله عنه قال الله عز وجل: { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } فأنا ممن لا يعرف أبوه فأنا من إخوانكم في الدين قال أبي: والله إني لأظنه أنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه وقد جاء في الحديث { من ادعي إلى غير أبيه وهو يعلم إلا كفر } وهذا تشديد وتهديد ووعيد أكيد في التبري من النسب المعلوم ولهذا قال تعالى: { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } ثم قال تعالى: { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } أي إذا نسبتم بعضهم إلى غير أبيه في الحقيقة خطأ بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع فإن الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه كما أرشد إليه في قوله تبارك وتعالى آمرا عباده أن يقولوا { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { قال الله عز وجل قد فعلت } وفي صحيح البخاري عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر } وفي الحديث الآخر { إن الله تعالى رفع عن أمتي الخطأ والنسيان والأمر الذي يكرهون عليه } وقال تبارك وتعالى ههنا { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما } أي وإنما الإثم على من تعمد الباطل كما قال عز وجل: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } الآية وفي الحديث المتقدم } من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر } وفي القرآن المنسوخ فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن الله تعالى بعث محمدا بالحق وأنزل معه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده من قال قد كنا نقرأ ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم عليه السلام فإنما أنا عبد الله فقولوا عبده ورسوله } وربما قال معمر { كما أطرت النصارى ابن مريم } رواه في الحديث الآخر { ثلاث في الناس كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت والاستسقاء بالنجوم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا
    +/- -/+  
الأية
6
 
قد علم الله تعالى شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم: على أمته ونصحه لهم فجعله أولى بهم من أنفسهم وحكمه فيهم كان مقدما على اختيارهم لأنفسهم كما قال تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وفي الصحيح { والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين } وفي الصحيح أيضا أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال { لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك } فقال يا رسول الله والله لأنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي فقال { الآن يا عمر } ولهذا قال تعالى في هذه الآية { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } وقال البخاري عند هذه الآية الكريمة حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم } النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم { فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا وإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه } تفرد به البخاري ورواه أيضا في الاستقراض وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن فليح به مثله ورواه أحمد من حديث أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } عن أبى سلمة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول { أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فأيما رجل مات وترك دينا فإلى ومن ترك مالا فهو لورثته } رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل به نحوه وقوله تعالى: { وأزواجه أمهاتهم } أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام ولكن لا تجوز الخلوة بهن ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع وإن سمى بعض العلماء بناتهن أخوات المؤمنين كما هو منصوص الشافعي رضي الله عنه في المختصر وهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم وهل يقال لمعاوية وأمثاله خال المؤمنين؟ فيه قولان للعلماء رضي الله عنهم ونص الشافعي رضي الله عنه على أنه لا يقال ذلك وهل يقال لهن أمهات المؤمنات فيدخل النساء في جمع المذكر السالم تغليبا؟ فيه قولان صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لا يقال ذلك وهذا أصح الوجهين في مذهب الشافعي رضي الله عنه. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهم أنهما قرآ { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم } وروي نحو هذا عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي رضي الله عنه حكاه البغوي وغيره واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه أبو داود رحمه الله حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن المبارك عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه } وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة. وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث ابن عجلان والوجه الثاني أنه لا يقال ذلك واحتجوا بقوله تعالى: { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم }. وقوله تعالى: { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } أي في حكم الله { من المؤمنين والمهاجرين } أي القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار وهذه ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة التي كانت بينهم كما قال ابن عباس وغيره: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا قال سعيد بن جبير وغير واحد من السلف والخلف. وقد أورد فيه ابن أبي حاتم حديث عن الزبير بن العوام فقال حدثنا أبي حدثنا أحمد بن أبي بكر المصعبي من ساكني بغداد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال أنزل الله عز وجل فينا خاصة معشر قريش والأنصار { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فواخيناهم ووارثناهم فآخى أبو بكر رضي الله عنه خارجة بن زيد وآخى عمر رضي الله عنه فلانا وآخى عثمان رضي الله عنه رجلا من بني زريق بن سعد الزرقي ويقول بعض الناس غيره قال الزبير رضي الله عنه وواخيت أنا كعب بن مالك فجئته فابتعلته فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى فوالله يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة فرجعنا إلى مواريثنا. وقوله تعالى: { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } أي ذهب الميراث وبقي النصر والبر والصلة والإحسان والوصية وقوله تعالى: { كان ذلك في الكتاب مسطورا } أي هذا الحكم وهو أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض حكم من الله مقدر مكتوب في الكتاب الأول الذي لا يبدل ولا يغير. قاله مجاهد وغير واحد وإن كان تعالى قد شرع خلافه في وقت لما له في ذلك من الحكمة البالغة وهو يعلم أنه سبحانه إلى ما هو جار في قدره الأزلي وقضائه القدري الشرعي والله أعلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
    +/- -/+  
الأية
7
 
يقول تعالى مخبرا أولي العزم الخمسة وبقية الأنبياء أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في إقامة دين الله تعالى وإبلاغ رسالته والتعاون والتناصر والاتفاق كما قال تعالى: { إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } فهذا العهد والميثاق أخذ عليهم بعد إرسالهم وكذلك هذا ونص من بينهم على هؤلاء الخمسة وهم أولوا العزم وهو من باب عطف الخاص على العام وقد صرح بذكرهم أيضا في هذه الآية وفي قوله تعالى: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } فذكر الطرفين والوسط الفاتح والخاتم ومن بينهما على الترتيب فهذه هي الوصية التي أخذ عليهم الميثاق بها كما قال تعالى: { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم } فبدأ في هذه الآية بالخاتم لشرفه صلوات الله عليه ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات الله عليهم قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة الدمشقي حدثنا محمد بن بكار حدثنا سعيد بن بشير حدثني قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح } الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم { كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم فى البعث فبدأ بي قبلهم } سعيد بن بشير فيه ضعف وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به مرسلا وهو أشبه ورواه بعضهم عن قتادة موقوفا والله أعلم. وقال أبو بكر البزار حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو أحمد حدثنا حمزة الزيات حدثنا عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: خيار ولد آدم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم. موقوف وحمزة فيه ضعف وقد قيل إن المراد بهذا الميثاق الذي أخذ منهم حين أخرجوا فى صورة الذر من صلب آدم عليه السلام كما قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: ورفع أباهم آدم فنظر إليهم يعني ذريته وإن فيهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال: رب لو سويت بين عبادك فقال إني أحببت أن أشكر. ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة وهو الذي يقول الله تعالى { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم } وهذا قول مجاهد أيضا وقال ابن عباس الميثاق الغليظ العهد.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ۚ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
8
 
وقوله تعالى { ليسأل الصادقين عن صدقهم } قال مجاهد المبلغين المؤدين عن الرسل وقوله تعالى { وأعد للكافرين } أي من أممهم { عذابا أليما } أي موجعا فنحن نشهد أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم ونصحوا الأمم وأفصحوا لهم عن الحق المبين الواضح الجلي الذي لا لبس فيه ولا شك ولا امتراء وإن كذبهم من كذبهم من الجهلة والمعاندين والمارقين والقاسطين فما جاءت به الرسل هو الحق ومن خالفهم فهو على الضلال كما يقول أهل الجنة { لقد جاءت رسل ربنا بالحق }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
9
 
يقول تعالى مخبرا عن نعمته وفضله وإحسانه إلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم وهزمه إياهم عام تألبوا عليهم وتحزبوا وذلك عام الخندق وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة على الصحيح المشهور وقال موسى بن عقبة وغيره كان في سنة أربع وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفرا من أشراف يهود بني النضير الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى خيبر منهم سلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع خرجوا إلى مكة فاجتمعوا بأشراف قريش وألبوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة فأجابوهم إلى ذلك ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضا وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها وقائدهم أبو سفيان صخر بن حرب وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر والجميع قريب من عشرة آلاف فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة مما يلي الشرق وذلك بإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه فعمل المسلمون فيه واجتهدوا ونقل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب وحفر وكان في حفره ذلك آيات ودلائل واضحات وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريبا من أحد ونزلت طائفة منهم في أعالي أرض المدينة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا
    +/- -/+  
الأية
10
 
كما قال الله تعالى { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين وهم نحو من ثلاثة آلاف وقيل سبعمائة فأسندوا ظهورهم إلى سلع ووجوههم إلى نحو العدو والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم يحجب الخيالة والرجالة أن تصل إليهم وجعل النساء والذراري في آطام المدينة وكانت بنو قريظة وهم طائفة من اليهود لهم حصن شرق المدينة ولهم عهد من النبي وذمة وهم قريب من ثمانمائة مقاتل فذهب إليهم حيي بن أخطب النضري فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد ومالأوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم الخطب واشتد الأمر وضاق الحال كما قال الله تبارك وتعالى { هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا } ومكثوا محاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قريبا من شهر إلا أنهم لا يصلون إليهم ولم يقع بينهم قتال إلا أن عمرو بن عبد ود العامري وكان من الفرسان الشجعان المشهورين في الجاهلية ركب ومعه فوارس فاقتحموا الخندق وخلصوا إلى ناحية المسلمين فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيل المسلمين إليه فقال إنه لم يبرز إليه أحد فأمر عليا رضي الله عنه فخرج إليه فتجاولا ساعة ثم قتله علي رضي الله عنه فكان علامة على النصر. ثم أرسل الله عز وجل على الأحزاب ريحا شديدة الهبوب قوية حتى لم يبق لهم خيمة ولا شيء ولا توقد لهم نار ولا يقر لهم قرار حتى ارتحلوا خائبين خاسرين كما قال الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا } قال مجاهد وهي الصبا ويؤيده الحديث الآخر { نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور } وقال ابن جرير حدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا داود عن عكرمة قال: قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال إن الحرة لا تسري بالليل قال فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن حفص بن غياث عن داود عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره وقال ابن جرير أيضا حدثنا يونس حدثنا ابن وهب حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أرسلني خالي عثمان بن مظعون رضي الله عنه ليلة الخندق في برد شديد وريح إلى المدينة فقال ائتنا بطعام ولحاف قال فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي وقال { من أتيت من أصحابي فمرهم يرجعوا } قال فذهبت والريح تسفي كل شيء فجعلت لا ألقى أحدا إلا أمرته بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال فما يلوي أحد منهم عنقه قال وكان معي ترس لي فكانت الريح تضربه علي وكان فيه حديد قال فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي فأبعدها إلى الأرض. وقوله { وجنودا لم تروها } هم الملائكة زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف فكان رئيس كل قبيلة يقول يا بني فلان إلي فيجتمعون إليه فيقول النجاء النجاء لما ألقى الله عز وجل في قلوبهم من الرعب وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال نعم يا ابن أخي قال وكيف كنتم تصنعون؟ قال والله لقد كنا نجهد قال الفتى والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا. قال: قال حذيفة رضي الله عنه يا ابن أخي والله لو رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت فقال: { من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم؟ - يشترط له النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع - أدخله الله الجنة } قال فما قام رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت إلينا فقال مثله فما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت إلينا فقال { من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟ - يشترط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة - أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة } فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني فقال { يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون ولا تحدث شيئا حتى تأتينا } قال فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله عز وجل تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قرارا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش لينظر كل امرئ من جليسه. قال حذيفة رضي الله عنه فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي فقلت من أنت؟ فقال أنا فلان بن فلان ثم قال أبو سفيان يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون والله ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني لو شئت لقتلته بسهم قال حذيفة رضي الله عنه فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل فلما رآني أدخلني بين رجليه وطرح علي طرف المرط ثم ركع وسجد وإني لفيه فلما سلم أخبرته الخبر وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا عند حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال له رجل لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت: فقال له حذيفة أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ألا رجل يأتي بخبر القوم يكون معي يوم القيامة } فلم يجبه منا أحد ثم الثانية ثم الثالثة مثله ثم قال صلى الله عليه وسلم { يا حذيفة قم فأتنا بخبر من القوم } فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم فقال: { ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي } قال فمضيت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد قوسي وأردت أن أرميه ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تذعرهم علي ولو رميته لأصبته قال فرجعت كأنما أمشي في حمام فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائما حتى الصبح فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { قم يا نومان } ورواه يونس بن بكير عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال إن رجلا قال لحذيفة رضي الله عنه نشكو إلى الله صحبتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم أدركتموه ولم ندركه ورأيتموه ولم نره فقال حذيفة رضي الله عنه ونحن نشكو إلى الله إيمانكم به ولم تروه والله لا تدري يا ابن أخي لو أدركته كيف كنت تكون لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخندق في ليلة باردة مطيرة ثم ذكر نحو ما تقدم مطولا. وروى بلال بن يحيى العبسي عن حذيفة رضي الله عنه نحو ذلك أيضا وقد أخرجه الحاكم والبيهقي في الدلائل من حديث عكرمة بن عمار عن محمد بن عبد الله الدؤلي عن عبد العزيز ابن أخى حذيفة قال ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا. فقال حذيفة لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعودا وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا وقريظة لليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا أصبعه فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن بيوتنا عورة وما هى بعورة فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له ويأذن لهم فيتسللون ونحن ثلثمائة أو نحو ذلك إذا استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا حتى أتى علي وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي قال فأتاني صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على ركبتي فقال: { من هذا؟ } فقلت حذيفة قال { حذيفة } فتقاصرت الأرض فقلت: بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم فقمت فقال: { إنه كائن في القوم خير فائتني بخبر القوم } قال وأنا من أشد الناس فزعا وأشدهم قرا قال فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته } قال فوالله ما خلق الله تعالى فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج من جوفي فما أجد فيه شيئا قال فلما وليت قال صلى الله عليه وسلم { يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني } قال فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد فإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ويقول الرحيل الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تحدثن فيهم شيئا حتى تأتيني } قال فأمسكت ورددت سهمي إلى كنانتي ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم. وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم بها ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتصفت في الطريق أو نحوا من ذلك إذا أنا بنحو من عشرين فارسا أو نحو ذلك معتمين فقال أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلي فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر وجعلت أقرقف فأومأ إلي سول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي فدنوت منه فأسبل علي شملة وكان رسول الله إذا حزبه أمر صلى فأخبرته خبر القوم وأخبرته أني تركتهم يرتحلون وأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا } وأخرج أبو داود في سننه منه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى من حديث عكرمة بن عمار به وقوله تعالى: { إذ جاءوكم من فوقكم } أي الأحزاب { ومن أسفل منكم } تقدم عن حذيفة رضي الله عنه أنهم بنو قريظة { وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر } أي من شدة الخوف والفزع { وتظنون بالله الظنونا } قال ابن جرير ظن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدائرة على المؤمنين وأن الله سيفعل ذلك وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى: { وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا } ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط وقال الحسن في قوله عز وجل { وتظنون بالله الظنونا } ظنون مختلفة ظن المنافقون أن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه يستأصلون وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عاصم الأنصاري حدثنا أبو عامر ح وحدثنا أبي حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا الزبير يعني ابن عبد الله مولى عثمان رضي الله عنه عن ربيع بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شيء نقول فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال صلى الله عليه وسلم { نعم قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا قال فضرب وجوه أعدائه بالريح فهزمهم الريح وكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي عامر العقدي.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا
    +/- -/+  
الأية
11
 
يقول تعالى مخبرا عن ذلك الحال حين نزل الأحزاب حول المدينة والمسلمون محصورون في غاية الجهد والضيق ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم إنهم ابتلوا واختبروا وزلزلوا زلزالا شديدا فحينئذ ظهر النفاق وتكلم الذين في قلوبهم مرض بما في أنفسهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا
    +/- -/+  
الأية
12
 
{ وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } أما المنافق فنجم نفاقه والذي في قلبه شبهة أو حسكة لضعف حاله فتنفس بما يجده من الوسواس في نفسه لضعف إيمانه وشدة ما هو فيه من ضيق الحال.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا
    +/- -/+  
الأية
13
 
وقوم آخرون قالوا كما قال الله تعالى { وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب } يعني المدينة كما جاء في الصحيح { أريت في المنام دار هجرتكم أرض بين حرتين فذهب وهلي أنها هجر فإذا هي يثرب } وفي لفظ المدينة فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا صالح بن عمر عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله تعالى إنما هي طابة هي طابة } تفرد به الإمام أحمد وفي إسناده ضعف والله أعلم ويقال إنما كان أصل تسميتها يثرب برجل نزلها من العماليق يقال له يثرب بن عبيد بن مهلاييل بن عوص بن عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح. قاله السهيلي قال وروي عن بعضهم أنه قال: إن لها في التوراة أحد عشر اسما: المدينة وطابة وطيبة والمسكينة والجابرة والمحبة والمحبوبة والقاصمة والمجبورة والعذراء والمرحرمة. وعن كعب الأحبار قال: إنا نجد في التوراة يقول الله تعالى للمدينة يا طيبة ويا طابة ويا مسكينة لا تقلي الكنوز أرفع أحاجرك على أحاجر القرى وقوله { لا مقام لكم } أي ههنا يعنون عند النبي صلى الله عليه وسلم فى مقام المرابطة { فارجعوا } أي إلى بيوتكم ومنازلكم { ويستأذن فريق منهم النبي } قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما هم بنو حارثة قالوا بيوتنا نخاف عليها السراق وكذا قال غير واحد وذكر ابن إسحاق أن القائل لذلك هو أوس بن قيظي يعني اعتذروا في الرجوع إلى منازلهم بأنها عورة أي ليس دونها ما يحجبها من العدو فهم يخشون عليها منهم قال الله تعالى { وما هي بعورة } أي ليست كما يزعمون { إن يريدون إلا فرارا } أي هربا من الزحف.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا
    +/- -/+  
الأية
14
 
يخبر تعالى عن هؤلاء الذين { يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا } أنهم لو دخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة وقطر من أقطارها ثم سئلوا الفتنة وهي الدخول في الكفر لكفروا سريعا وهم لا يحافظون على الإيمان ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع هكذا فسره قتادة وعبد الرحمن بن زيد وابن جرير وهذا ذم لهم في غاية الذم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولًا
    +/- -/+  
الأية
15
 
ثم قال تعالى يذكرهم بما كانوا عاهدوا الله من قبل هذا الخوف أن لا يولوا الأدبار ولا يفرون من الزحف { وكان عهد الله مسئولا { أي وأن الله تعالى سيسألهم عن ذلك العهد لا بد من ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا
    +/- -/+  
الأية
16
 
ثم أخبرهم أن فرارهم ذلك لا يؤخر آجالهم ولا يطول أعمارهم بل ربما كان ذلك سببا في تعجيل أخذهم غرة ولهذا قال تعالى { وإذا لا تمتعون إلا قليلا } أي بعد هربكم وفراركم { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
    +/- -/+  
الأية
17
 
ثم قال تعالى { قل من ذا الذي يعصمكم من الله } أي يمنعكم { إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا } أي ليس لهم ولا لغيرهم من الله مجير ولا مغيث.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا
    +/- -/+  
الأية
18
 
يخبر تعالى عن إحاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب والقائلين لإخوانهم أي أصحابهم وعشرائهم وخلطائهم { هلم إلينا } أي إلى ما نحن فيه من الإقامة في الظلال والثمار وهم مع ذلك { لا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم } أي بخلاء بالمودة والشفقة عليكم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا
    +/- -/+  
الأية
19
 
وقال السدي { أشحة عليكم } أي في الغنائم { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت } أي من شدة خوفه وجزعه وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال { فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد } أي فإذا كان الأمن تكلموا كلاما بليغا فصيحا عاليا وادعوا لأنفسهم المقامات العالية في الشجاعة والنجدة وهم يكذبون في ذل وقال ابن عباس رضي الله عنهما { سلقوكم } أي استقبلوكم وقال قتادة أما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوأه مقاسمة أعطونا أعطونا قد شهدنا معكم وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق وهم مع ذلك أشحة على الخير أي ليس فيهم خير قد جمعوا الجبن والكذب وقلة الخير فهم كما قال في أمثالهم الشاعر: (أفي السلم أعيار جفاء وغلظة وفي الحرب أمثال النساء العوارك) أي في حال المسالمة كأنهم الحمر والأعيار جمع عير وهو الحمار وفي الحرب كأنهم النساء الحيض ولهذا قال تعالى { أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا } أي سهلا هينا عنده.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا
    +/- -/+  
الأية
20
 
وهذا أيضا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخور والخوف { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } بل هم قريب منهم وإن لهم عودة إليهم { وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم } أي ويودون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة بل في البادية يسألون عن أخباركم وما كان من أمركم مع عدوكم { ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا } أي ولو كانوا بين أظهركم لما قاتلوا معكم إلا قليلا لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم والله سبحانه وتعالى العالم بهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا
    +/- -/+  
الأية
21
 
هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله في أقواله وأفعاله وأحواله ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } أي هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى { لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } ثم قال تعالى مخبرا عن عباده المؤمنين المصدقين بوعود الله لهم وجعله العاقبة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا
    +/- -/+  
الأية
22
 
فقال تعالى { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة يعنون قوله تعالى في سورة البقرة { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب{ أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب ولهذا قال تعالى { وصدق الله ورسوله { وقوله تعالى { وما زادهم إلا إيمانا وتسليما { دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم كما قال جمهور الأئمة إنه يزيد وينقص وقد قررنا ذلك في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة ومعنى قوله جلت عظمته { وما زادهم { أي ذلك الحال والضيق والشدة { إلا إيمانا { بالله { وتسليما { أي انقيادا لأوامره وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
    +/- -/+  
الأية
23
 
لما ذكر عز وجل عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله عليه لا يولون الأدبار وصف المؤمنين أنهم استمروا على العهد والميثاق و { صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه { قال بعضهم أجله وقال البخاري عهده وهو يرجع إلى الأول { ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا { أي وما غيروا عهد الله ولا نقضوه ولا بدلوه قال البخاري حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: لما نسخنا المصحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها لم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه { تفرد به البخاري دون مسلم وأخرجه أحمد في مسنده والترمذي والنسائي في التفسير من سننهما من حديث الزهري به وقال الترمذي حسن صحيح وقال البخاري أيضا حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه { الآية انفرد به البخاري من هذا الوجه ولكن له شواهد من طرق أخر قال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال أنس: عمي أنس بن النضر رضي الله عنه سميت به لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فشق عليه وقال أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه لئن أراني الله تعالى مشهدا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله عز وجل ما أصنع قال فهاب أن يقول غيرها فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فاستقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال له أنس رضي الله عنه يا أبا عمرو أين واها لريح الجنة إني أجده دون أحد قال فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه قال فوجد في جسده بضع وثمانون بين ضربة وطعنة ورمية فقالت أخته عمتي الربيع ابنة النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه قال فنزلت هذه الآية { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا { قال فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه رضي الله عنهم ورواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة به ورواه النسائي أيضا وابن جرير من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه به نحوه وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه قال إن عمه يعني أنس بن النضر رضي الله عنه غاب عن قتال بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين لئن أشهدني الله عز وجل قتالا للمشركين ليرين الله تعالى ما أصنع قال فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المشركين- ثم تقدم فلقيه سعد يعني ابن معاذ رضي الله عنه دون أحد فقال أنا معك قال سعد رضي الله عنه فلم أستطع أن أصنع ما صنع فلما قتل قال فوجد فيه بضع وثمانون ضربة سيف وطعنة رمح ورمية سهم وكانوا يقولون فيه وفى أصحابه نزلت { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر { وأخرجه الترمذي في التفسير عن عبد بن حميد والنسائي فيه أيضا عن إسحاق بن إبراهيم كلاهما عن يزيد بن هارون به وقال الترمذي حسن. وقد رواه البخاري في المغازي عن حسان بن حسان عن محمد بن طلحة عن مصرف عن حميد عن أنس رضي الله عنه به ولم يذكر نزول الآية ورواه ابن جرير من حديث المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس رضي الله عنه به: وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن الفضل العسقلاني حدثنا سليمان بن أيوب بن سليمان حدثنا عيسى بن موسى ابن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة رضي الله عنه قال: لما أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه وعزى المسلمين بما أصابهم وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذخر ثم قرأ هذه الآية { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه { الآية كلها فقام إليه رجل من المسلمين فقال يا رسول الله من هؤلاء؟ فأقبلت وعلي ثوبان أخضران حضرميان فقال { أيها السائل هذا منهم { وكذا رواه ابن جرير من حديث سليمان بن أيوب الطلحي به وأخرجه الترمذي في التفسير والمناقب أيضا وابن جرير من حديث يونس بن بكير عن طلحة بن يحيى عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما رضي الله عنهما وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس وقال أيضا حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا أبو عامر- يعني العقدي - حدثني إسحاق - يعني ابن طلحة بن عبيد الله - عن موسى بن طلحة قال: دخلت على معاوية رضي الله عنه فلما خرجت دعاني فقال ألا أضع عندك يا ابن أخي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { طلحة ممن قضى نحبه { ورواه ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عبد الحميد الحماني عن إسحاق بن يحيى بن طلحة الطلحي عن موسى بن طلحة قال: قام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { طلحة ممن قضى نحبه { ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى { فمنهم من قضى نحبه { يعني عهده { ومنهم من ينتظر { قال يوما فيه القتال فيصدق في اللقاء وقال الحسن { فمنهم من قضى نحبه { يعني موته على الصدق والوفاء ومنهم من ينتظر الموت على مثل ذلك ومنهم من لم يبدل تبديلا وكذا قال قتادة وابن زيد وقال بعضهم نحبه نذره: وقوله تعالى { وما بدلوا تبديلا { أي وما غيروا عهدهم وبدلوا الوفاء بالغدر بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه وما نقضوه كفعل المنافقين الذين قالوا { إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
    +/- -/+  
الأية
24
 
وقوله تعالى { ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم { أي إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال ليميز الخبيث من الطيب فيظهر أمر هذا بالفعل وأمر هذا بالفعل مع أنه تعالى يعلم الشيء قبل كونه ولكن لا يعذب الخلق بعلمه فيهم حتى يعملوا بما يعلمه منهم كما قال تعالى { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم { فهذا علم بالشيء بعد كونه وإن كان العلم السابق حاصلا به قبل وجوده وكذا قال الله تعالى { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب { ولهذا قال تعالى ههنا { ليجزي الله الصادقين بصدقهم { أي بصبرهم على ما عاهدوا الله عليه وقيامهم به ومحافظتهم عليه { ويعذب المنافقين { وهم الناقضون لعهد الله المخالفون لأوامره فاستحقوا بذلك عقابه وعذابه ولكن هم تحت مشيئته في الدنيا إن شاء استمر بهم على ما فعلوا حتى يلقوه فيعذبهم عليه. وإن شاء تاب عليهم بأن أرشدهم إلى النزوع عن النفاق إلى الإيمان والعمل الصالح بعد الفسوق والعصيان ولما كانت رحمته ورأفته بخلقه هي الغالبة لغضبه قال { إن الله كان غفورا رحيما } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا
    +/- -/+  
الأية
25
 
يقول تعالى مخبرا عن الأحزاب لما أجلاهم عن المدينة بما أرسل عليهم من الريح والجنود الإلهية ولو أن الله جعل رسوله رحمة للعالمين لكانت هذه الريح عليهم أشد من الريح العقيم التي أرسلها على عاد ولكن قال تعالى { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم { سلط عليهم هواء فرق شملهم كما كان سبب اجتماعهم من الهوى وهم أخلاط من قبائل شتى أحزاب وآراء فناسب أن يرسل عليهم الهواء الذي فرق جماعتهم وردهم خائبين خاسرين بغيظهم وحنقهم لم ينالوا خيرا لا في الدنيا مما كان في أنفسهم من الظفر والمغنم ولا في الآخرة بما تحملوه من الآثام في مبارزة الرسول صلى الله عليه وسلم بالعداوة وهمهم بقتله واستئصال جيشه ومن هم بشيء وصدق همه بفعله فهو في الحقيقة كفاعله. وقوله تبارك وتعالى { وكفى الله المؤمنين القتال { أي لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم حتى يجلوهم عن بلادهم بل كفى الله وحده ونصر عبده وأعز جنده ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده { أخرجاه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال { اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم { وفي قوله عز وجل { وكفى الله المؤمنين القتال { إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش وهكذا وقع بعدها لم يغزهم المشركون بل غزاهم المسلمون في بلادهم قال محمد بن إسحاق لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا { لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم { فلم تغز قريش بعد ذلك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله تعالى مكة. وهذا الحديث الذي ذكره محمد بن إسحاق حديث صحيح كما قال الإمام أحمد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني أبو إسحاق قال سمعت سليمان بن صرد رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب { الآن نغزوهم ولا يغزونا { وهكذا رواه البخاري في صحيحه حديث الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق به وقوله تعالى { وكان الله قويا عزيزا { أي بحوله وقوته ردهم خائبين لم ينالوا خيرا وأعز الله الإسلام وأهله وصدق وعده ونصر رسوله وعبده فله الحمد والمنة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا
    +/- -/+  
الأية
26
 
قد تقدم أن بني قريظة لما قدمت جنود الأحزاب ونزلوا على المدينة نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد وكان ذلك بسفارة حيي بن أخطب النضري لعنه الله دخل حصنهم ولم يزل بسيدهم كعب بن أسد حتى نقض العهد وقال له فيما قال ويحك قد جئتك بعز الدهر أتيتك بقريش وأحابيشها وغطفان وأتباعها ولا يزالون ههنا حتى يستأصلوا محمدا وأصحابه فقال له كعب بل والله أتيتني بذل الدهر ويحك يا حيي إنك مشئوم فدعنا منك فلم يزل يفتل في الذروة والغارب حتى أجابه واشترط له حيي إن ذهب الأحزاب ولم يكن من أمرهم شيء أن يدخل معهم في الحصن فيكون له أسوتهم فلما نقضت قريظة وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ساءه وشق عليه وعلى المسلمين جدا فلما أيده الله تعالى ونصره وكبت الأعداء وردهم خائبين بأخسر صفقة ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مؤيدا منصورا ووضع الناس السلاح فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وعثاء تلك المرابطة في بيت أم سلمة رضي الله عنها إذ تبدي له جبريل عليه السلام معتجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها قطيفة من ديباج فقال: أوضعت السلاح يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم { نعم { قال لكن الملائكة لم تضع أسلحتها وهذا الآن رجوعي من طلب القوم ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة وفي رواية فقال له عذيرك من مقاتل أوضعتم السلاح؟ قال { نعم { قال لكنا لم نضع أسلحتنا بعد انهض إلى هؤلاء قال صلى الله عليه وسلم { أين؟ { قال بني قريظة فإن الله تعالى أمرني أن أزلزل عليهم فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوره وأمر الناس بالمسير إلى بني قريظة وكانت على أميال من المدينة وذلك بعد صلاة الظهر وقال { لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة { فسار الناس فأدركتهم الصلاة في الطريق فصلى بعضهم في الطريق وقالوا لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل المسير وقال آخرون لا نصليها إلا في بني قريظة فلم يعنف واحدا من الفريقين وتبعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استخلف على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. ثم نازلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة فلما طال عليهم الحال نزلوا على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه لأنهم كانوا حلفاءهم في الجاهلية. واعتقدوا أنه يحسن إليهم فى ذلك كما فعل عبد الله بن أبي بن سلول فى مواليه بني قينقاع حين استطلقهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فظن هؤلاء أن سعدا سيفعل فيهم كما فعل ابن أبي في أولئك ولم يعلموا أن سعدا رضي الله عنه كان قد أصابه سهم فى أكحله أيام الخندق فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكحله وأنزله في قبة في المسجد ليعوده من قريب وقال سعد رضي الله عنه فيما دعا به: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فاستجاب الله تعالى دعاءه وقدر عليهم أن نزلوا على حكمه باختيارهم طلبا من تلقاء أنفسهم فعند ذلك استدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ليحكم فيهم فلما أقبل وهو راكب على حمار قد وطئوا له عليه جعل الأوس يلوذون به ويقولون يا سعد إنهم مواليك فأحسن فيهم ويرفقونه عليهم ويعطفونه وهو ساكت لا يرد عليهم فلما أكثروا عليه قال رضي الله عنه لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فعرفوا أنه غير مستبقيهم فلما دنا من الخيمة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { قوموا إلى سيدكم { فقام إليه المسلمون فأنزلوه إعظاما وإكراما واحتراما له في محل ولايته ليكون أنفذ لحكمه فيهم فلما جلس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن هؤلاء - وأشار إليهم - قد نزلوا على حكمك فاحكم فيهم بما شئت { فقال رضي الله عنه وحكمي نافذ عليهم؟ قال { نعم { قال وعلى من في هذه الخيمة؟ قال { نعم { قال وعلى من ههنا- وأشار إلى الجانب الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض بوجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا وإكراما وإعظاما - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم { نعم { فقال رضي الله عنه إنى أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذريتهم وأموالهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم { لقد حكمت بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة { وفي رواية لقد حكمت بحكم الله { ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخاديد فخدت في الأرض وجيء بهم مكتفين فضرب أعناقهم وكانوا ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة وسبى من لم ينبت منهم مع النساء وأموالهم وهذا كله مقرر مفصل بأدلته وأحاديثه وبسطه في كتاب السيرة الذي أفردناه موجزا وبسيطا ولله الحمد والمنة ولهذا قال تعالى { وأنزل الذين ظاهروهم { أي عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أهل الكتاب { يعني بني قريظة من اليهود من بعض أسباط بني إسرائيل كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديما طمعا في اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به { فعليهم لعنة الله وقوله تعالى { من صياصيهم { يعني حصونهم. كذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة والسدي وغيرهم من السلف ومنه سمي صياصي البقر وهي قرونها لأنها أعلى شيء فيها { وقذف في قلوبهم الرعب { وهو الخوف لأنهم كانو مالئوا المشركين على حرب النبي صلى الله عليه وسلم وليس من يعلم كمن لا يعلم وأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليعزوهم في الدنيا فانعكس عليهم الحال وانقلب إليهم القال انشمر المشركون ففازوا بصفقة المغبون فكما راموا العز ذلوا وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا وأضيف إلى ذلك شقاوة الآخرة فصارت الجملة أن هذه هي الصفقة الخاسرة ولهذا قال تعالى { فريقا تقتلون وتأسرون فريقا { فالذين قتلوا هم المقاتلة والأسراء هم الأصغر والنساء وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم بن بشير أخبرنا عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكوا في فأمر بي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظروا هل أنبت بعد؟ فنظروني فلم يجدوني أنبت فخلى عني وألحقني بالسبي وكذا رواه أهل السنن كلهم من طرق عن عبد الملك بن عمير به وقال الترمذي حسن صحيح ورواه النسائي أيضا من حديث ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عطية بنحوه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا
    +/- -/+  
الأية
27
 
وقوله تعالى { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم { أي جعلها لكم من قتلكم لهم { وأرضا لم تطئوها { قيل خيبر وقيل مكة رواه مالك عن زيد بن أسلم وقيل فارس والروم وقال ابن جرير يجوز أن يكون الجميع مرادا { وكان الله على كل شيء قديرا { قال الإمام أحمد حدثنا يزيد أخبرنا محمد بن النسور عمرو عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص قال: أخبرتني عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت يوم الخندق أقفو الناس فسمعت وئيد الأرض ورائي فإذا أنا بسعد بن معاذ رضي الله عنه ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه قالت فجلست إلى الأرض فمر سعد رضي الله عنه وعليه درع من حديد قد خرجت منه أطرافه فأنا أتخوف على أطراف سعد قال وكان سعد رضي الله عنه من أعظم الناس وأطولهم فمر وهو يرتجز ويقول: ليث قليلا يشهد الهيجا جمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين وإذا فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيهم رجل عليه تسبغة له تعني المغفر فقال عمر رضي الله عنه ما جاء بك؟ لعمري والله إنك لجريئة وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تخور قالت فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت بي ساعتئذ فدخلت فيها فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا هو طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فقال: يا عمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم وأين التخور أو الفرار إلا إلى الله تعالى؟ قالت ورمى سعدا رضي الله عنه رجل من قريش يقال له ابن العرقة بسهم له وقال له خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فقطعه فدعا الله تعالى سعد رضي الله عنه فقال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة قالت وكانوا حلفاءه ومواليه فى الجاهلية قالت فرقا كلمه وبعث الله تعالى الريح على المشركين { وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا { فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ولحق عينيه بن بدر ومن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد رضي الله عنه في المسجد قالت فجاءه جبريل عليه السلام وأن على ثناياه لنقع الغبار فقال أو قد وضعت السلاح؟ لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح! أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم قالت فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا فمر على بني تميم وهم جيران المسجد فقال { من مر بكم؟ { قالوا مر بنا دحية الكلبي وكان دحية الكلبي يشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه السلام فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة فلما اشتد حصارهم واشتد البلاء قيل لهم انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم إنه الذبح قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { انزلوا على حكم سعد بن معاذ { فنزلوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ رضي الله عنه عنه فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه وحف به قومه فقالوا يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل الكتاب ومن قد علمت قالت فلا يرجع إليهم شيئا ولا يلتفت إليهم حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: فد آن أن لا أبالي في الله لومة لائم. قالت قال أبو سعيد فلما طلع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { قوموا إلى سيدكم فأنزلوه { فقال عمر رضي الله عنه سيدنا الله قال { أنزلوه { فأنزلوه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { احكم فيهم { قال سعد رضي الله عنه فإنى أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى وحكم رسوله { ثم دعا سعد رضي الله عنه قال اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا فابقني لها وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك قال فانفجر كلمه وكان قد برئ منه إلا مثل الخرص ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله عنها فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما قالت فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر رضي الله عنه من بكاء عمر رضي الله عنه وأنا في حجرتي وكانوا كما قال الله تعالى { رحماء بينهم { قال علقمة فقلت أي أمه فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته صلى الله عليه وسلم وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها نحوا من هذا ولكنه أخصر منه وفيه دعا سعد رضي الله عنه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا
    +/- -/+  
الأية
28
 
هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل فاخترن { وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة فجمع الله تعالى رضي الله عنهن كلهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة. قال البخاري حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله تعالى أن يخير أزواجه قالت فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { إنى ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك{ وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال { إن الله تعالى قال { يا أيها النبي قل لأزواجك } { إلى تمام الآيتين فقلت له ففي أي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة وكذا رواه معلقا عن الليث حدثني يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها فذكره وزاد قالت ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت وقد حكى البخاري أن معمرا اضطرب فيه فتارة رواه عن الزهري عن أبي سلمة وتارة رواه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها وقال ابن جرير حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها لما نزل الخيار قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنى أريد أن أذكر لك أمرا فلا تقضي فيه شيئا حتى تستأمري أبويك { قالت قلت وما هو يا رسول الله؟ قالت فرده عليها فقالت وما هو يا رسول الله؟ قالت فرده عليها فقالت وما هو يا رسول الله؟ قالت فقرأ { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها { إلى آخر الآية قالت فقلت بل نختار الله ورسوله والدار الآخرة قال ففرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا ابن وكيع حدثنا محمد بن بشير عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت آية التخيير بدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { يا عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان رضي الله عنهما { فقلت يا رسول الله وما هو؟ قال صلى الله عليه وسلم { قال الله عز وجل { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما { قالت فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ولا أؤامر في ذلك أبوي أبا بكر وأم رومان رضي الله عنهما فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقرأ الحجر فقال { إن عائشة رضي الله عنها قالت كذا وكذا { فقلن ونحن نقول مثل ما قالت عائشة رضي الله عنهن كلهن ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة عن محمد بن عمرو به قال ابن جرير وحدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل إلى نسائه أمر أن يخيرهن فدخل علي فقال { سأذكر لك أمرا فلا تعجلي حتى تستشيري أباك { فقلت وما هو يا رسول الله؟ قال { إنى أمرت أن أخيركن { وتلا عليها آية التخيير إلى آخر الآيتين قالت: فقلت وما الذي تقول لا تعجلي حتى تستشيري أباك؟ فإني أختار الله ورسوله. فسر صلى الله عليه وسلم بذلك وعرض على نسائه فتتابعن كلهن فاخترن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم حدثنا يزيد بن سنان البصري حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح حدثن الليث حدثني عقيل عن الزهري أخبرني عبد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت عائشة رضي الله عنها أنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فقال صلى الله عليه وسلم { إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك { قالت وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال { إن الله تبارك وتعالى قال { يا أيها النبي قل لأزواجك { الآيتين قالت عائشة رضي الله عنها فقلت أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. ثم خير نساءه كله فقلن مثل ما قالت عائشة رضي الله عنهن. وأخرجه البخاري ومسلم جميعا عن قتيبة عن الليث عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها مثله. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعدها علينا شيئا أخرجاه من حديث الأعمش. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمير حدثنا زكريا بن إسحاق عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فلم يؤذن له ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو صلى الله عليه وسلم ساكت فقال عمر رضي الله عنه لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد - امرأة عمر- سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال { هن حولي يسألنني النفقة { فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة كلاهما يقولان تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده قال وأنزل الله عز وجل الخيار فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال { إني أذكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك { قالت وما هو؟ قال فتلا عليها { يا أيها النبي قل لأزواجك { الآية قالت عائشة رضي الله عنها أفيك أستأمر أبوي؟ بل أختار الله تعالى ورسوله وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت فقال { إن الله تعالى لم يبعثني معنفا ولكن بعثني معلما ميسرا لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها { انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري فرواه هو والنسائي من حديث زكريا بن إسحاق المكي به. وقال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا شريح بن يونس حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن عثمان بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه الدنيا والآخرة ولم يخيرهن الطلاق وهذا منقطع. وقد روي عن الحسن وقتادة وغيرهما نحو ذلك وهو خلاف الظاهر من الآية فإنه قال { فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا { أي أعطيكن حقوقكن وأطلق سراحكن وقد اختلف العلماء في جواز تزوج غيره لهن لو طلقهن على قولين أصحهما نعم لو وقع ليحصل المقصود من السراح والله أعلم قال عكرمة وكان تحته يومئذ تسع نسوة خمس من قريش عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة } 0 وكانت تحته صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي النضيرية وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقية رضي الله عنهن وأرضاهن أجمعين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
29
 
هذا أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل فاخترن { وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة فجمع الله تعالى رضي الله عنهن كلهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة. قال البخاري حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله تعالى أن يخير أزواجه قالت فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك{ وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال { إن الله تعالى قال { يا أيها النبي قل لأزواجك } { إلى تمام الآيتين فقلت له ففي أي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة وكذا رواه معلقا عن الليث حدثني يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها فذكره وزاد قالت ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت وقد حكى البخاري أن معمرا اضطرب فيه فتارة رواه عن الزهري عن أبي سلمة وتارة رواه عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها وقال ابن جرير حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها لما نزل الخيار قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم { إني أريد أن أذكر لك أمرا فلا تقضي فيه شيئا حتى تستأمري أبويك { قالت قلت وما هو يا رسول الله؟ قالت فرده عليها فقالت وما هو يا رسول الله؟ قالت فرده عليها فقالت وما هو يا رسول الله؟ قالت فقرأ { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها { إلى آخر الآية قالت فقلت بل نختار الله ورسوله والدار الآخرة قال ففرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا ابن وكيع حدثنا محمد بن بشير عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزلت آية التخيير بدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { يا عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان رضي الله عنهما { فقلت يا رسول الله وما هو؟ قال صلى الله عليه وسلم { قال الله عز وجل { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما { قالت فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ولا أؤامر في ذلك أبوي أبا بكر وأم رومان رضي الله عنهما فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقرأ الحجر فقال { إن عائشة رضي الله عنها قالت كذا وكذا { فقلن ونحن نقول مثل ما قالت عائشة رضي الله عنهن كلهن ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة عن محمد بن عمرو به قال ابن جرير وحدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل إلى نسائه أمر أن يخيرهن فدخل علي فقال { سأذكر لك أمرا فلا تعجلي حتى تستشيري أباك { فقلت وما هو يا رسول الله؟ قال { إنى أمرت أن أخيركن { وتلا عليها آية التخيير إلى آخر الآيتين قالت: فقلت وما الذي تقول لا تعجلي حتى تستشيري أباك؟ فإني أختار الله ورسوله. فسر صلى الله عليه وسلم بذلك وعرض على نسائه فتتابعن كلهن فاخترن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم حدثنا يزيد بن سنان البصري حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح حدثن الليث حدثني عقيل عن الزهري أخبرني عبد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت عائشة رضي الله عنها أنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فقال صلى الله عليه وسلم { إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك { قالت وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال { إن الله تبارك وتعالى قال { يا أيها النبي قل لأزواجك { الآيتين قالت عائشة رضي الله عنها فقلت أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. ثم خير نساءه كله فقلن مثل ما قالت عائشة رضي الله عنهن. وأخرجه البخاري ومسلم جميعا عن قتيبة عن الليث عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها مثله. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعدها علينا شيئا أخرجاه من حديث الأعمش. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمير حدثنا زكريا بن إسحاق عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فلم يؤذن له ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو صلى الله عليه وسلم ساكت فقال عمر رضي الله عنه لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد - امرأة عمر- سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال { هن حولي يسألنني النفقة { فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة كلاهما يقولان تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده قال وأنزل الله عز وجل الخيار فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال { إني أذكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك { قالت وما هو؟ قال فتلا عليها { يا أيها النبي قل لأزواجك { الآية قالت عائشة رضي الله عنها أفيك أستأمر أبوي؟ بل أختار الله تعالى ورسوله وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت فقال { إن الله تعالى لم يبعثني معنفا ولكن بعثني معلما ميسرا لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها { انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري فرواه هو والنسائي من حديث زكريا بن إسحاق المكي به. وقال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا شريح بن يونس حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن عثمان بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه الدنيا والآخرة ولم يخيرهن الطلاق وهذا منقطع. وقد روي عن الحسن وقتادة وغيرهما نحو ذلك وهو خلاف الظاهر من الآية فإنه قال { فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا { أي أعطيكن حقوقكن وأطلق سراحكن وقد اختلف العلماء في جواز تزوج غيره لهن لو طلقهن على قولين أصحهما نعم لو وقع ليحصل المقصود من السراح والله أعلم قال عكرمة وكان تحته يومئذ تسع نسوة خمس من قريش عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة } 0 وكانت تحته صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي النضيرية وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقية رضي الله عنهن وأرضاهن أجمعين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا
    +/- -/+  
الأية
30
 
يقول تعالى واعظا نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة واستقر أمرهن تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم فناسب أن يخبرهن بحكمهن وتخصيصهن دون سائر النساء بأن من يأت منهن بفاحشة مبينة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: وهي النشوز وسوء الخلق وعلى كل تقدير فهو شرط والشرط لا يقتضي الوقوع كقوله تعالى: { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك { وكقوله عز وجل { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } { لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار { فلما كانت محلتهن رفيعة ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن مغلظا صيانة لجنابهن وحجابهن الرفيع ولهذا قال تعالى { من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين { قال مالك عن زيد بن أسلم { يضاعف لها العذاب ضعفين { قال في الدنيا والآخرة: وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله وكان ذلك على الله يسيرا { أي سهلا هينا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا
    +/- -/+  
الأية
31
 
ثم ذكر عدله وفضله في قوله: { ومن يقنت منكن لله ورسوله { أي تطع الله ورسوله وتستجب { نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما { أي في الجنة فإنهن في منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين فوق منازل جميع الخلائق في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا
    +/- -/+  
الأية
32
 
هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهن في ذلك فقال تعالى مخاطبا لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن إذا اتقين الله عز وجل كما أمرهن فإنه لا يشبههن أحد من النساء ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة ثم قال تعالى: { فلا تخضعن بالقول { قال السدي وغيره يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال ولهذا قال تعالى: { فيطمع الذي في قلبه مرض { أي دغل { وقلن قولا معروفا { قال ابن زيد قولا حسنا جميلا معروفا في الخير ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم أي لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها:.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا
    +/- -/+  
الأية
33
 
وقوله تعالى: { وقرن في بيوتكن { أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشرطه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهن تفلات }- وفي رواية - { وبيوتهن خير لهن{ وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا أبو رجاء الكلبي روح بن المسيب ثقة حدثنا ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال: جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى فمالنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من قعدت- أو كلمة نحوها- منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى { ثم قال لا نعلم. رواه عن ثابت إلا روح بن المسيب وهو رجل من أهل البصرة مشهور. وقال البزار أيضا حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها { ورواه الترمذي عن بندار عن عمرو بن عاصم به نحوه. وروى البزار بإسناده المتقدم وأبو داود أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها { وهذا إسناد جيد وقوله تعالى: { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى { قال مجاهد كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية. وقال قتادة { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى { يقول إذا خرجتن بن بيوتكن وكانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهى الله تعالى عن ذلك وقال مقاتل بن حيان { ولا تبرجن تبرح الجاهلية الأولى { والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها وذلك التبرج ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج. وقال ابن جرير حدثني ابن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا داود يعني ابن أبي الفرات حدثنا علي بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تلا هذه الآية { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى { قال كانت فيما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وإن بطنين من ولد آدم كان أحد يسكن السهل والآخر يسكن الجبل وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة وإن إبليس لعنه الله أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام فآجر نفسه منه فكان يخدم فاتخذ إبليس شيئا من مثل الذي يزمر فيه الرعاء فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حوله فانتابوهم يسمعون إليه واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة فيتبرج النساء للرجال قال ويتزبن الرجال لهن وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهن فنزلوا معهن وظهرت الفاحشة فيهن فهو قول الله تعالى { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى { وقوله تعالى: { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله { نهاهن أولا عن الشر ثم أمرهن بالخير من إقامة الصلاة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وإيتاء الزكاة وهي الإحسان إلى المخلوقين { وأطعن الله ورسوله { وهذا من باب عطف العام على الخاص. وقوله تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا { وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت ههنا لأنهن سبب نزول هذه الآية وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح ورو ابن جرير عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق { إنا يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا { نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وهكذا روى ابن أبي حاتم قال حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت { قال نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وقال عكرمة من شاء باهلته إنها نزلت فى شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن فصحيح وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك { الحديث الأول { حدثنا الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا علي بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنه ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول { الصلاة يا أهل البيت { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } { ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عفان به وقال حسن غريب { حديث آخر } قال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا أبو نعيم حدثنا يونس عن أبي إسحاق أخبرني أبو داود عن أبي الحمراء قال: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة رضي الله عنهما فقال { الصلاة الصلاة { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } { أبو داود الأعمى هو نفيع بن الحارت كذاب { حديث آخر { وقال الإمام أيضا حدثنا محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي حدثنا شداد بن عمار قال دخلت على واثلة بن الأسقع رضي الله عنه وعنده قوم فذكروا عليا رضي الله عنه فشتموه فشتمته معهم فلما قاموا قال لي شتمت هذا الرجل؟ قلت قد شتموه فشتمته معهم ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت بلى قال أتيت فاطمة رضي الله عنها أسالها عن علي رضي الله عنه فقال توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وحسن وحسين رضي الله عنهم آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة رضي الله عنهما وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا رضي الله عنه ما كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو قال كساءه ثم تلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا { وقال { اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق } . وقد رواه أبو جعفر بن جرير عن عبد الكريم بن أبي عمير عن الوليد بن مسلم عن أبي عمرو الأوزاعي بسنده نحوه زاد في آخره قال واثلة رضي الله عنه فقلت وأنا يا رسول الله صلى الله عليك من أهلك؟ قال صلى الله عليه وسلم { وأنت من أهلي { قال واثلة رضي الله عنه وإنها من أرجى ما أرتجى ثم رواه أيضا عن عبد الأعلى بن واصل عن الفضل بن دكين عن عبد السلام بن حرب عن كلثوم المحاربي عن شداد بن أبي عمار قال إني لجالس عند واثلة بن الأسقع رضي الله عنه إذ ذكروا علي رضي الله عنه فشتموه فلما قاموا قال اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموه إني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء علي وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم فألقى صلى الله عليه وسلم عليهم كساء له ثم قال { اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا { قلت يا رسول الله وأنا؟ قال صلى الله عليه وسلم { وأنت { قال فوالله إنها لأوثق عمل عندي. { حديث آخر { قال الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح حدثني من سمع أم سلمة رضي الله عنها تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فأتته فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها خزيرة فدخلت عليه بها فقال لها صلى الله عليه وسلم { ادعي زوجك وابنيك { قالت فجاء علي وحسن وحسين رضي الله عنهم فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له وكان تحته صلى الله عليه وسلم كساء خيبري قالت وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله عز وجل هذه الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا { قالت رضي الله عنها فأخذ صلى الله عليه وسلم فضل الكساء فغطاهم به ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال { اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا { قالت فأدخلت رأسي البيت فقلت وأنا معكم يا رسول الله؟ فقال { إنك إلى خير إنك إلى خير { في إسناده من لم يسم وهو شيخ عطاء وبقية رجاله ثقات { طريق أخرى { قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا مصعب بن المقدام حدثنا سعيد بن زربي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى رسول الله ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق فوضعتها بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال: { أين ابن عمك وابناك؟ { فقالت رضي الله عنها في البيت فقال صلى الله عليه وسلم { ادعيهم { فجاءت إلى علي رضي الله عنه فقالت أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت وابناك قالت أم سلمة رضي الله عنه تعالى عنها فلما رآهم مقبلين مد صلى الله عليه وسلم يده إلى كساء كان على المنامة فمده وبسطه وأجلسهم عليه ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا طريق أخرى قال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن حكيم بن سعد قال ذكرنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند أم سلمة رضي الله عنها فقالت في بيتي نزلت { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا { قالت أم سلمة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتي فقال: لا تأذني لأحد فجاءت فاطمة رضي الله عنها فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها ثم جاء الحسن رضي الله عنه فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه وجاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه عن جده صلى الله عليه وسلم وأمه رضي الله عنها ثم جاء علي رضي الله عنه فلم أستطع أن أحجبه فاجتمعوا فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط قالت فقلت يا رسول الله وأنا؟ قالت فوالله ما أنعم وقال إنك إلى خير { طريق أخرى } قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن أبي المعدل عن عطية الطفاوي عن أبيه قال إن أم سلمة رضي الله عنها حدثته قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يوما إذ قالت الخادم إن فاطمة وعلي رضي الله عنهما بالسدة قالت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومي فتنحي عن أهل بيتي قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا فدخل على وفاطمة ومعهما الحسن والحسين رضي الله عنهم وهما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهـا في حجره فقبلهما واعتنق عليا رضي الله عنه بإحدى يديه وفاطمة رضي الله عنها باليد الأخرى وقبل فاطمة وقبل علي وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي قالت فقلت وأنا يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم وأنت { طريق أخرى } قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا الحسن بن عطية حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت إن هذه الآية نزلت في بيتي { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا { قالت وأنا جالسة على باب البيت فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ فقال إنك إلى خير أنت من أزوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم { طريق أخرى } رواها ابن جرير أيضا عن أبي كريب عن وكيع عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن أم سلمة رضي الله عنها بنحوه { طريق أخرى } قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا خالد بن مخلد حدثني موسى بن يعقوب حدثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال أخبرتني أم سلمة رضي الله عنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله عز وجل ثم قال: هؤلاء أهل بيتي قالت أم سلمة رضي الله عنها فقلت يا رسول الله أدخلني معهم فقال أنت من أهلي { طريق أخرى } رواها ابن جرير أيضا على أحمد بن محمد الطوسي عن عبد الرحمن بن صالح عن محمد بن سليمان الأصبهاني عن يحيى بن عبيد المكي عن عطاء عن عمر بن أبي سلمة عن أمه رضي الله عنها بنحو ذلك { حديث آخر } قال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا محمد بن بشر عن زكريا عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة رضي الله عنها ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن رضي الله عنه فأدخله معه ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة رضي الله عنها فأدخلها معه ثم جاء علي رضي الله عنه فأدخله معه ثم قال { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا { ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر به { طريق أخرى { قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا شريح بن يونس أبو الحارث حدثنا محمد بن يزيد عن العوام يعني ابن حوشب رضي الله عنه عن ابن عم له قال: دخلت مع أبي على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن علي رضي الله عنه فقالت رضي الله عنها: تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه؟ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليا وفاطمة وحسن وحسينا رضي الله عنهما فألقى عليهم ثوبا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت فدنوت منهم فقلت يا رسول الله وأنا من أهل بيتك؟ فقال تنحي فإنك على خير { حديث آخر } قال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا بكر بن يحيى بن أبان العنزي حدثنا مندل عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت هذه الآية في خمسة: في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا { قد تقدم أن فضيل بن مرزوق رواه عن عطية عن أبي سعيد عن أم سلمة رضي الله عنها كما تقدم وروى ابن أبي حاتم من حديث هارون بن سعد العجلي عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه موقوفا والله سبحانه وتعالى أعلم { حديث آخر } قال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا بكير بن مسمار قال سمعت عامر بن سعد رضي الله عنه قال: قال سعد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي فأخذ علي وأبيه وفاطمة رضي الله عنهم فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال رب هؤلاء أهلي وأهل بيتي { حديث آخر } وقال مسلم في صحيحه حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد عن ابن عليه قال زهير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان حدثني يزيد بن حبان قال انطلقت أنا وحصين بن سرة وعمر بن مسلمة إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه فلما جلسنا إليه قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفوا فيه ثم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله عز وجل ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد؟ اليس نساؤه من أهل بيته؟ قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال ومن هم؟ قال هم: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس رضي الله عنهما قال كل هؤلاء حرم الصدقة بعده؟ قال نعم ثم رواه عن محمد بن الريان عن حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم رضي الله عنه فذكر الحديث بنحو ما تقدم وفيه فقلت له من أهل بيته نساؤه؟ قال لا وايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده هكذا وقع في هذه الرواية والأولى أولى والأخذ بها أحرى وهذه الثانية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث الذي رواه إنما المراد بهم آله الذين حرموا الصدقة أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط بل هم مع آله وهذا الاحتمال أرجح جمعا بينها وبين الرواية التي قبلها وجمعا أيضا بين القرآن والأحاديث المتقدمة إن صحت فإن في بعض أسانيدها نظرا والله أعلم ثم الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا
    +/- -/+  
الأية
34
 
فإن سياق الكلام معهن ولهذا قال تعالى بعد هذا كله { واذكرنا ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة { أي واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم في بيوتكن من الكتاب والسنة قاله قتادة وغير واحد واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس وعائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها أولاهن بهذه النعمة وأحظاهن بهذه الغنيمة وأخصهن من هذه الرحمة العميمة فإنه لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي في فرائض امرأة سواها كما نعى على ذلك صلوات الله وسلامه عليه قال بعض العلماء رحمه الله لأنه لم يتزوج بكرا سواها ولم ينم معها رجل في فراشها سواه و رضي الله عنها فناسب أن تخصص بهذه المزية وأن تفرد بهذه المرتبة العلية ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية كما تقدم في الحديث وأهل بيتي أحق وهذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم فقال: هو مسجدي هذا فهذا من هذا القبيل فإن الآية إنما نزلت في مسجد قباء كما ورد في الأحاديث الأخر ولكن إذا كان ذاك أسس على التقوى من أول يوم فمسجـد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بتسميته بذلك والله أعلم وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو الوليد حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن عن ابن جميلة قال إن الحسن بن علي رضي الله عنها استخلف حين قتل علي رضي الله عنها قال: فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجره فزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد وحسن رضي الله عنه ساجد قال فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهرا ثم برأ فقعد على المنبر فقال: يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذي قال الله تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا { قال فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلا وهو يحن بكاء وقال السدي عن أبي الديلم قال: قال علي بن الحسين رضي الله عنهما لرجل من أهل الشام أما قرأت في الأحزاب { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا { قال نعم ولأنتم هم؟ قال نعم وقوله تعالى: { إن الله كان لطيفا خبيرا { أي بلطفه بكن بلغتن هذه المنزلة وبخبرته بكن وأنكن أهل لذلك أعطاكن ذلك وخصكن بذلك قال ابن جرير رحمه الله واذكروا نعمة الله عليكن بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة فاشكرن الله على ذلك واحمدنه { إن الله كان لطيفا خبيرا { أي ذا لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آيات الله والحكمة وهي السنة خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجا وقال قتادة { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة { قال يمتن عليهن بذلك رواه ابن جرير وقال عطية العوفي في قوله تعالى { إن الله كان لطيفا خبيرا { يعني لطيفا باستخراجها خبيرا بموضعها ورواه ابن أبي حاتم ثم قال وكذا روى الربيع بن أنس عن قتادة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
    +/- -/+  
الأية
35
 
قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عمان بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن شيبة قال سمعت أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ قالت فلم ير عني منه ذات يوم إلا ونداؤه على المنبر قالت وأنا أسرح شعري فلففت شعري ثم خرجت إلى حجرتي حجرة بيتي فجعلت سمعي عند الجريد فإذا هو يقول عند المنبر يا أيها الناس إن الله تعالى يقول { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات { إلى آخر الآية وهكذا رواه النسائي وابن جرير من حديث عبد الواحد بن زياد به مثله طريق أخرى عنها قال النسائي أيضا حدثنا محمد بن حاتم حدثنا يزيد أخبرنا عبد الله بن شريك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم يا نبي الله مالي أسمع الرجال يذكرون في القرآن والنساء لا يذكرون ؟ فأنزل الله تعالى { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات { وقد رواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي معاوية عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب حدثه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله أيذكر الرجال في كل شيء ولا نذكر؟ فأنزل الله تعالى { إن المسلمين والمسلمات { الآية { طريق أخرى { قال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت أم سلمة رضي الله عنها يا رسول الله يذكر الرجال ولا نذكر فأنزل الله تعالى { إن المسلمين والمسلمات { الآية حديث آخر قال ابن جرير حدثنا أبو كريب قال حدثنا سنان بن مظاهر العمري حدثنا أبو كدينة يحيى بن المهلب عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال: قال النساء للنبي ما له يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات فأنزل الله تعالى { إن المسلمين والمسلمات { الآية وحدثنا بشر حدثنا زيد حدثنا سعيد عن قتادة قال دخل نساء على نساء النبي فقلن قد ذكركن الله تعالى في القرآن ولم نذكر بشيء أما فينا ما يذكر؟ فأنزل الله تعالى { إن المسلمين والمسلمات { الآية فقوله تعالى { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمومنات { دليل على أن الإيمان غير الإسلام وهو أخص منه لقوله تعالى { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم { وفي الصحيحين لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فسلبه الإيمان ولا يلزم من ذلك كفره بإجماع المسلمين فدل على أنه أخص منه كما قررناه في أول شرح البخاري وقوله تعالى { والقانئين والقانتات { القنوت هو الطاعة في سكون { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه { وقال تعالى { وله من في السموات والأرضي كل له قانئون } { يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين } { وقوموا لله قانتين { فالإسلام بعده مرتبة يرتقي إليها وهو الإيمان ثم القنوت ناشئ عنهما { والصادقين والصادقات { هذا في الأقوال فإن الصدق خصلة محمودة ولهذا كان بعض الصحابة رضي الله عنه تجرب عليه كذبة لا في الجاهلية ولا في الإسلام وهو علامة على الإيمان كما أن الكذب أمارة على النفاق ومن صدق نجا عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإياكم والكذب فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا والأحاديث فيه كثيرة جدا { والصابرين والصابرات { هذه سجية الأثبات وهي الصبر على المصائب والعلم بأن المقدر كائن لا محاله وتلقي ذلك بالصبر والثبات وإنما الصبر عند الصدمة الأولى أي أصعبه في أول وهلة ثم ما بعده أسهل منه وهو صدق السجية وثباتها { والخاشعين والخاشعات { الخشوع السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من الله تعالى ومراقبته كما في الحديث اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك { والمتصدقين والمتصدقات { الصدقة هي الإحسان إلى الناس المحاويج الضعفاء الذين لا كسب لهم ولا كاسب يعطون من فضول الأموال طاعة وإحسانا إلى خلقه وقد ثبت فى الصحيحين سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم رجل تصدق بصدقه فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وفي الحديث الآخر والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار والأحاديث في الحث عليها كثيرة جدا له موضع بذاته { والصائمين والصائمات { وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه والصوم زكاة البدن أي يزكيه ويطهره وينقيه من الأخلاط الرديئة طبعا وشرعا كما قال سعيد بن جبير من صام رمضان وثلاثه أيام من كل شهر دخل في قوله تعالى { والصائمين والصائمات { ولما كان الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ناسب أن يذكر بعده { والحافظين فروجهم والحافظات { أي عن المحارم والمأثم إلا عن المباح كما قال عز وجل { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون { وقوله تعالى { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات { قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام: بن عبيد الله حدثنا محمد بن جابر عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل فصليا ركعتين كانا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الأعمش عن الأعرابي مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وقال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي العباد أفضل درجة عند الله تعالى يوم القيامة؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات قال قلت يا رسول الله ومن الغازي فى سبيل الله تعالى؟ قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله تعالى أفضل منه وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فأتى على جمدان فقال هذا حمدان سيروا فقد سبق المفردون قالوا وما المفردون؟ قال صلى الله عليه وسلم الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ثم قال صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين قال والمقصرين تفرد به من هذا الوجه ورواه مسلم دون آخره وقال الإمام أحمد حدثنا حجين بن المثني حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: إنه بلغني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله عز وجل وقال معاذ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة ومن أن تلقوا عدوكم غدا فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله عز وجل وقال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا زبان بن فايد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن رجلا سأله فقال أي المجاهدين أعظم أجرا يا رسول الله؟ قال أكثرهم لله تعالى ذكرا قال فأي الصائمين أكثر أجرا؟ قال صلى الله عليه وسلم أكثرهم لله عز وجل ذكرا ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرهم لله ذكرا فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنه ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنذكر إن شاء الله تعالى بقية الأحاديث الواردة في كثرة الذكر عند قوله تعالى في هذه السورة { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا { الآية إن شاء الله تعالى وقوله تعالى { أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما { خبر عن هؤلاء المذكورين كلهم أي أن الله تعالى قد أعد لهم أي هيأ لهم مغفرة منه لذنوبهم وأجرا عظيما وهو الجنة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا
    +/- -/+  
الأية
36
 
قال العوفي عن آبن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة { الآية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثه رضي الله عنه فدخل على زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها فخطبها فقالت لست بناكحته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى فانكحيه قالت يا رسول الله أؤمر في نفسي؟ فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله { الآية قالت قد رضيته لي يا رسول الله منكحا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قالت إذا لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحته نفسي وقال ابن لهيعة عن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثه رضي الله عنه فاستنكفت منه وقالت أنا خير منه حسبا وكانت امرأة فيها حدة فأنزل الله تعالى { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة { الآية كلها وهكذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل ابن حيان أنها نزلت في زينب بنت جحش رضي الله عنها حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه امتنعت ثم أجابت وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها وكانت أول من هاجر من النساء يعني بعد صلح الحديبية فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال قد قبلت فزوجها زيد بن حارثة رضي الله عنه يعني والله أعلم بعد فراقه زينب فسخطت هي وأخوها وقال إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا عبده قال فنزل القرآن { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرأ { إلى آخر الآية قال أمر أجمع من هذا { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم { قال فذاك خاص وهذا أجمع وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم على جليبب امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال حتى استأمر أمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنعم إذا قال فانطلق الرجل إلى امرأته فذكر ذلك لها فقالت لاها الله إذن ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جليبيبا وقد منعناها من فلان وفلان قال والجارية في سترها تسمع قال فانطلق الرجل يريد أن يخبر رسول الله بذلك فقالت الجارية أتريدون أن تردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه قال فكأنها جلت عن أبويها وقالا صدقت فذهب أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن كنت رضيته فقد رضيناه قال صلى الله عليه وسلم فإني قد رضيته قال فزوجها ثم فزع أهل المدينة فركب جليب فوجدوه قد قتل وحوله ناس من المشركين قد قتلهم قال أنس رضي الله عنه فلقد رأيتها وإنها لمن أنفق بيت بالمدينة وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد يعني ابن سلمة عن ثابت عن كنانة بن نعيم العدوي عن أبى برزة الأسلمي قال إن جليبيبا كان امرءا يدخل على النساء يمر بهن ويلاعبهن فقلت لامرأتي لا تدخلن عليكن جليبيبا فإنه إن دخل عليكن لأفعلن ولأفعلن قالت وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيم لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاج أم لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار زوجني ابنتك قال نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عين فقال إني لست أريدها لنفسي قال فلمن يا رسول الله؟ قال لجليبيب فقال يا رسول الله أشاور أمها فأتى أمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك فقالت نعم ونعمة عين فقال إنه ليس يخطبها لنفسه إنما يخطبها لجليبيب فقالت أجليبيب ابنه أجليبيب ابنه؟ ألا لعمر الله لا نزوجه فلما أراد أن يقوم ليأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره بما قالت أمها قالت الجارية من خطبني إليكم؟ فأخبرها أمها قالت أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ ادفعوني إليه فإنه لن يضيعني فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال شأنك بها فزوجها جليبيبا قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له فلما أفاء الله عليه قال لأصحابه رضي الله عنهم هل تفقدون من أحد؟ قالوا نفقد فلانا ونفقد فلانا قال صلى الله عليه وسلم انظروا هل تفقدون من أحد قالوا لا قال لكنني أفقد جليبيبا قال صلى الله عليه وسلم فاطلبوه في القتلى فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فقالوا يا رسول الله ها هو ذا إلى جنب سبعه قد قتلهم ثم قتلوه فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عليه فقال قتل سبعة وقتلوه هذا منى وأنا منه مرتين أو ثلاثا ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعده وحفر له ماله سرير إلا ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم وضعه في قره ولم يذكر أنه غسله رضي الله عنه قال ثابت رضي الله عنه فما كان في الأنصار أيم أنفق منها وحدث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابت هل تعلم ما دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قال اللهم صب عليها صبا ولا تجعل عيشها كدا وكذا كان فما كان في الأنصار أيم أنفق منها هكذا أورده الإمام أحمد بطوله وأخرج منه مسلم والنسائي في الفضائل قصة قتله وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر الاستيعاب أن الجارية لما قالت في خدرها أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ نزلت هذه الآية { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم { وقال ابن جريج أخبرني عامر بن مصعب عن طاوس قال إنه سأل ابن عباس عن ركعتين بعد العصر فنهاه وقرأ ابن عباس رضي الله عنه { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم { فهذه الآية عامة في جميع الأمور وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ههنا ولا رأي ولا قول كما قال تبارك وتعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما { وفي الحديث والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ولهذا شدد في خلاف ذلك فقال { ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا { كقوله تعالى { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ م¡