القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: الْقَارِعَةُ (1) يقول تعالى ذكره: (
الْقَارِعَةُ } : الساعة التي يقرع قلوب الناس هولُها، وعظيم ما ينـزل بهم من
البلاء عندها، وذلك صبيحة لا ليل بعدها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *
ذكر من قال ذلك. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن
عباس، في قوله: { الْقَارِعَةُ } من أسماء يوم القيامة، عظَّمه الله وحذّره عباده.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن
عباس، قي قوله { الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ) قال: هي الساعة. حدثنا بشر، قال:
ثنا يزيد، ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ) قال: هي
الساعة. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، قال: سمعت أن القارعة والواقعة والحاقة:
القيامة.
وقوله: { مَا الْقَارِعَةُ } يقول تعالى ذكره معظما شأن القيامة والساعة التي يقرع
العباد هولها: أيّ شيء القارعة، يعني بذلك: أيّ شيء الساعة التي يقرع الخلق هولها:
أي ما أعظمها وأفظعها وأهولها.
وقوله: { يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ } يقول تعالى ذكره:
القارعة يوم يكون الناس كالفراش، وهو الذي يتساقط في النار والسراج، ليس ببعوض ولا
ذباب، ويعني بالمبثوث: المفرّق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من
قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { يَوْمَ يَكُونُ
النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ } هذا الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { يَوْمَ يَكُونُ
النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ } قال: هذا شَبَه شبهه الله، وكان بعض أهل
العربية يقول: معنى ذلك: كغوغاء الجراد، يركب بعضه بعضا، كذلك الناس يومئذ، يجول
بعضهم في بعض.
وقوله: { وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ } يقول تعالى ذكره: ويوم
تكون الجبال كالصوف المنفوش؛ والعِهْن: هو الألوان من الصوف. وبنحو الذي قلنا في
ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد،
عن قتادة، في قوله: { وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ } قال: الصوف
المنفوش. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: هو
الصوف. وذُكر أن الجبال تسير على الأرض وهي في صورة الجبال كالهباء.
حدثنا بذلك أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ } يقول: في عيشة قد رضيها في الجنة. كما حدثنا بشر،
قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ } يعني: في
الجنة.
وقوله: { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) يقول: وأما من
خفّ وزن حسناته، فمأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه في جهنم. وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد،
قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ
هَاوِيَةٌ) وهي النار هي مأواهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ
) قال: مصيره إلى النار، هي الهاوية. قال قتادة: هي كلمة عربية، كان الرجل إذا وقع
في أمر شديد، قال: هوت أمه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن
الأشعث بن عبد الله الأعمى، قال: إذا مات المؤمن ذُهب بروحه إلى أرواح المؤمنين،
فيقولون: روّحوا أخاكم، فإنه كان في غمّ الدنيا؛ قال: ويسألونه ما فعل فلان؟ فيقول:
مات، أو ما جاءكم؟ فيقولون: ذهبوا به إلى أمِّه الهاوية. حدثني إسماعيل بن سيف
العجلي، قال: ثنا عليّ بن مُسْهِر، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله (
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } قال: يهوون في النار على رءوسهم. حدثنا ابن سيف، قال: ثنا
محمد بن سَوَّار، عن سعيد، عن قتادة { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } قال: يهوي في النار
على رأسه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } قال: الهاوية: النار، هي أمُّه ومأواه التي يرجع إليها،
ويأوي إليها، وقرأ: وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ . حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي،
قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } وهو
مثلها، وإنما جعل النار أمَّه، لأنها صارت مأواه، كما تؤوي المرأة ابنها، فجعلها إذ
لم يكن له مأوى غيرها، بمنـزلة أمّ له.