Prev  

104. Surah Al-Humazah سورة الهمزة

  Next  



تفسير القرطبي - الهمزة - Al-Humaza -
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ
    +/- -/+  
الأية
1
 
قد تقدم القول في }{ الويل }{ في غير موضع , ومعناه الخزي والعذاب والهلكة . وقيل : واد في جهنم .{ لكل همزة لمزة }{ قال ابن عباس : هم المشاءون بالنميمة , المفسدون بين الأحبة , الباغون للبرآء العيب ; فعلى هذا هما بمعنى . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ شرار عباد الله تعالى المشاءون بالنميمة , المفسدون بين الأحبة , الباغون للبرآء العيب ] . وعن ابن عباس أن الهمزة : الذي يغتاب و اللمزة : العياب . وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رباج : الهمزة : الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل , واللمزة : الذي يغتابه من خلفه إذا غاب ; ومنه قول حسان : همزتك فاختضعت بذل نفس بقافية تأجج كالشواظ واختار هذا القول النحاس , قال : ومنه قوله تعالى }{ ومنهم من يلمزك في الصدقات } [ التوبة : 58 ] . وقال مقاتل ضد هذا الكلام : إن الهمزة : الذي يغتاب بالغيبة , واللمزة : الذي يغتاب في الوجه . وقال قتادة ومجاهد : الهمزة : الطعان في الناس , واللمزة : الطعان في أنسابهم . وقال ابن زيد الهامز : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم , واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم . وقال سفيان الثوري يهمز بلسانه , ويلمز بعينيه . وقال ابن كيسان : الهمزة الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ , واللمزة : الذي يكسر عينه على جليسه , ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه . وقال مرة : هما سواء ; وهو القتات الطعان للمرء إذا غاب . وقال زياد الأعجم : تدلي بودي إذا لاقيتني كذبا وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه وقال آخر : إذا لقيتك عن سخط تكاشرني وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه السخط : البعد . والهمزة : اسم وضع للمبالغة في هذا المعنى ; كما يقال : سخرة وضحكة : للذي يسخر ويضحك بالناس . وقرأ أبو جعفر محمد بن علي والأعرج }{ همزة لمزة }{ بسكون الميم فيهما . فإن صح ذلك عنهما , فهي في معنى المفعول , وهو الذي يتعرض للناس حتى يهمزوه ويضحكوا منه , ويحملهم على الاغتياب . وقرأ عبد الله بن مسعود وأبو وائل والنخعي والأعمش : { ويل للهمزة اللمزة } . وأصل الهمز : الكسر , والعض على الشيء بعنف ; ومنه همز الحرف . ويقال : همزت رأسه . وهمزت الجوز بكفي كسرته . وقيل لأعرابي : أتهمزون ( الفارة )  ؟ فقال : إنما تهمزها الهرة . الذي في الصحاح : وقيل لأعرابي أتهمز الفارة ؟ فقال السنور يهمزها . والأول قاله الثعلبي , وهو يدل على أن الهر يسمى الهمزة . قال العجاج : ومن همزنا رأسه تهشما وقيل : أصل الهمز واللمز : الدفع والضرب . لمزه يلمزه لمزا : إذا ضربه ودفعه . وكذلك همزه : أي دفعه وضربه . قال الراجز : ومن همزنا عزه تبركعا على استه زوبعة أو زوبعا البركعة : القيام على أربع . وبركعه فتبركع ; أي صرعه فوقع على استه ; قاله في الصحاح . والآية نزلت في الأخنس بن شريق , فيما روى الضحاك عن ابن عباس . وكان يلمز الناس ويعيبهم : مقبلين ومدبرين . وقال ابن جريج : في الوليد بن المغيرة , وكان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه , ويقدح فيه في وجهه . وقيل : نزلت في أبي بن خلف . وقيل : في جميل بن عامر الثقفي . وقيل : إنها مرسلة على العموم من غير تخصيص ; وهو قول الأكثرين . قال مجاهد : ليست بخاصة لأحد , بل لكل من كانت هذه صفته . وقال الفراء : يجوز أن يذكر الشيء العام ويقصد به الخاص , قصد الواحد إذا قال : لا أزورك أبدا . فتقول : من لم يزرني فلست بزائره ; يعني ذلك القائل .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ
    +/- -/+  
الأية
2
 
أي أعده - زعم - لنوائب الدهر ; مثل كرم وأكرم . وقيل : أحصى عدده ; قاله السدي . وقال الضحاك : أي أعد ماله لمن يرثه من أولاده . وقيل : أي فاخر بعدده وكثرته . والمقصود الذم على إمساك المال عن سبيل الطاعة . كما قال : { مناع للخير } [ ق : 25 ] , وقال : { وجمع فأوعى } [ المعارج : 18 ] . وقراءة الجماعة }{ جمع }{ مخفف الميم . وشددها ابن عامر وحمزة والكسائي على التكثير . واختاره أبو عبيد ; لقوله : { وعدده " . وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية }{ جمع }{ مخففا , { وعدده }{ مخففا أيضا ; فأظهروا التضعيف لأن أصله عده وهو بعيد ; لأنه وقع في المصحف بدالين . وقد جاء مثله في الشعر ; لما أبرزوا التضعيف خففوه . قال : مهلا أمامة قد جربت من خلقي إني أجود لأقوام وإن ضنينوا أراد : ضنوا وبخلوا , فأظهر التضعيف ; لكن الشعر موضع ضرورة . قال المهدوي : من خفف }{ وعدده }{ فهو معطوف على المال ; أي وجمع عدده فلا يكون فعلا على إظهار التضعيف ; لأن ذلك لا يستعمل إلا في الشعر .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ
    +/- -/+  
الأية
3
 
يَحْسَبُ أي يظنأَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ أي يبقيه حيا لا يموت ; قاله السدي . وقال عكرمة : أي يزيد في عمره . وقيل : أحياه فيما مضى , وهو ماض بمعنى المستقبل . يقال : هلك والله فلان ودخل النار ; أي يدخل .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
كَلَّا ۖ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ
    +/- -/+  
الأية
4
 
كَلَّا رد لما توهمه الكافر ; أي لا يخلد ولا يبقى له مال . وقد مضى القول في }{ كلا { مستوفى . وقال عمر بن عبد الله مولى غفرة : إذا سمعت الله عز وجل يقول }{ كلا } فإنه يقول كذبت . لَيُنْبَذَنَّ أي ليطرحن وليلقين . وقرأ الحسن ومحمد بن كعب ونصر بن عاصم ومجاهد وحميد وابن محيصن : لينبذان بالتثنية , أي هو وماله . وعن الحسن أيضا } لينبذنه }{ على معنى لينبذن ماله . وعنه أيضا بالنون }{ لننبذنه }{ على إخبار الله تعالى عن نفسه , وأنه ينبذ صاحب المال . وعنه أيضا }{ لينبذن }{ بضم الذال ; على أن المراد الهمزة واللمزة والمال وجامعه . فِي الْحُطَمَةِ وهي نار الله ; سميت بذلك لأنها تكسر كل ما يلقى فيها وتحطمه وتهشمه . قال الراجز : إنا حطمنا بالقضيب مصعبا يوم كسرنا أنفه ليغضبا وهي الطبقة السادسة من طبقات جهنم . حكاه الماوردي عن الكلبي . وحكى القشيري عنه : { الحطمة }{ الدركة الثانية من درك النار . وقال الضحاك : وهي الدرك الرابع . ابن زيد : اسم من أسماء جهنم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ
    +/- -/+  
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ
    +/- -/+  
الأية
6
 
أي التي أوقد عليها ألف عام , وألف عام , وألف عام ; فهي غير خامدة ; أعدها الله للعصاة .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ
    +/- -/+  
الأية
7
 
قال محمد بن كعب : تأكل النار جميع ما في أجسادهم , حتى إذا بلغت إلى الفؤاد , خلقوا خلقا جديدا , فرجعت تأكلهم . وكذا روى خالد بن أبي عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن النار تأكل أهلها , حتى إذا اطلعت على أفئدتهم انتهت , ثم إذا صدروا تعود , فذلك قوله تعالى : { نار الله الموقدة . التي تطلع على الأفئدة } : . وخص الأفئدة لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه . أي إنه في حال من يموت وهم لا يموتون ; كما قال الله تعالى : { لا يموت فيها ولا يحيا } [ طه : 74 ] فهم إذا أحياء في معنى الأموات . وقيل : معنى }{ تطلع على الأفئدة }{ أي تعلم مقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب ; وذلك بما استبقاه الله تعالى من الأمارة الدالة عليه . ويقال : اطلع فلان على كذا : أي علمه . وقد قال الله تعالى : { تدعو من أدبر وتولى " [ المعارج : 17 ] . وقال تعالى : { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا " [ الفرقان : 12 ] . فوصفها بهذا , فلا يبعد أن توصف بالعلم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ
    +/- -/+  
الأية
8
 
أي مطبقة ; قاله الحسن والضحاك . وقد تقدم في سورة }{ البلد }{ القول فيه . وقيل : مغلقة ; بلغة قريش . يقولون : آصدت الباب إذا أغلقته ; قاله مجاهد . ومنه قول عبيد الله بن قيس الرقيات : إن في القصر لو دخلنا غزالا مصفقا موصدا عليه الحجاب .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ
    +/- -/+  
الأية
9
 
الفاء بمعنى الباء ; أي موصدة بعمد ممددة ; قاله ابن مسعود ; وهي في قراءته }{ بعمد ممددة }{ في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ثم إن الله يبعث إليهم ملائكة بأطباق من نار , ومسامير من نار وعمد من نار , فتطبق عليهم بتلك الأطباق , وتشد عليهم بتلك المسامير , وتمد بتلك العمد , فلا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح , ولا يخرج منه غم , وينساهم الرحمن على عرشه , ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم , ولا يستغيثون بعدها أبدا , وينقطع الكلام , فيكون كلامهم زفيرا وشهيقا ; فذلك قوله تعالى : { إنها عليهم مؤصدة . في عمد ممددة } . وقال قتادة : { عمد }{ يعذبون بها . واختاره الطبري . وقال ابن عباس : إن العمد الممددة أغلال في أعناقهم . وقيل : قيود في أرجلهم ; قاله أبو صالح . وقال القشيري : والمعظم على أن العمد أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار . وتشد تلك الأطباق بالأوتاد , حتى يرجع عليهم غمها وحرها , فلا يدخل عليهم روح . وقيل : أبواب النار مطبقة عليهم وهم في عمد ; أي في سلاسل وأغلال مطولة , وهي أحكم وأرسخ من القصيرة . وقيل : هم في عمد ممددة ; أي في عذابها وآلامها يضربون بها . وقيل : المعنى في دهر ممدود ; أي لا انقطاع له . وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم }{ في عمد }{ بضم العين والميم : جمع عمود . وكذلك }{ عمد } أيضا . قال الفراء : والعمد والعمد : جمعان صحيحان لعمود ; مثل أديم و أدم وأدم , وأفيق وأفق وأفق . أبو عبيدة : عمد : جمع عماد ; مثل إهاب . واختار أبو عبيد }{ عمد } بفتحتين . وكذلك أبو حاتم ; اعتبارا بقوله تعالى : { رفع السماوات بغير عمد ترونها } [ الرعد : 2 ] . وأجمعوا على فتحها . قال الجوهري : العمود : عمود البيت , وجمع القلة : أعمدة , وجمع الكثرة عمد , وعمد ; وقرئ بهما قوله تعالى : { في عمد ممددة } . وقال أبو عبيدة : العمود , كل مستطيل من خشب أو حديد , وهو أصل للبناء مثل العماد . عمدت الشيء فانعمد ; أي أقمته بعماد يعتمد عليه وأعمدته جعلت تحته عمدا والله أعلم .

نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer



 


© EsinIslam.Com Designed & produced by The Awqaf London. Please pray for us