Prev  

93. Surah Ad-Duha سورة الضحى

  Next  



تفسير القرطبي - الضحى - Ad-Dhuha -
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
وَالضُّحَىٰ
    +/- -/+  
الأية
1
 
قد تقدم القول في }{ الضحى } , والمراد به النهار لقوله : { والليل إذا سجى }{ فقابله بالليل . وفي سورة ( الأعراف )  { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون . أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون } [ الأعراف : 97 - 98 ] أي نهارا . وقال قتادة ومقاتل وجعفر الصادق : أقسم بالضحى الذي كلم الله فيه موسى , وبليلة المعراج . وقيل : هي الساعة التي خر فيها السحرة سجدا . بيانه قوله تعالى : { وأن يحشر الناس ضحى } [ طه : 59 ] . وقال أهل المعاني فيه وفي أمثاله : فيه إضمار , مجازه ورب الضحى .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ
    +/- -/+  
الأية
2
 
سجا }{ معناه : سكن قاله قتادة ومجاهد وابن زيد وعكرمة . يقال : ليلة ساجية أي ساكنة . ويقال للعين إذا سكن طرفها : ساجية . يقال : سجا الليل يسجو سجوا : إذا سكن . والبحر إذا سجا : سكن . قال الأعشى : فما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم وبحرك ساج ما يواري الدعامصا وقال الراجز : يا حبذا القمراء والليل ساج وطرق مثل ملاء النساج وقال جرير : ولقد رمينك يوم رحن بأعين ينظرن من خلل الستور سواجي وقال الضحاك : { سجا }{ غطى كل شيء . قال الأصمعي : سجو الليل : تغطيته النهار مثلما يسجى الرجل بالثوب . وقال الحسن : غشي بظلامه وقاله ابن عباس . وعنه : إذا ذهب . وعنه أيضا : إذا أظلم . وقال سعيد بن جبير : أقبل وروي عن قتادة أيضا . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد : { سجا }{ استوى . والقول الأول أشهر في اللغة : { سجا }{ سكن أي سكن الناس فيه . كما يقال : نهار صائم , وليل قائم . وقيل : سكونه استقرار ظلامه واستواؤه . ويقال : { والضحى . والليل إذا سجا } : يعني عباده الذين يعبدونه في وقت الضحى , وعباده الذين يعبدونه بالليل إذا أظلم . ويقال : { الضحى } : يعني نور الجنة إذا تنور .{ والليل إذا سجا } : يعني ظلمة الليل إذا أظلم . ويقال : { والضحى } : يعني النور الذي في قلوب العارفين كهيئة النهار .{ والليل إذا سجا } : يعني السواد الذي في قلوب الكافرين كهيئة الليل فأقسم الله عز وجل بهذه الأشياء .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ
    +/- -/+  
الأية
3
 
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ هذا جواب القسم . وكان جبريل عليه السلام أبطأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال المشركون : قلاه الله وودعه فنزلت الآية . وقال ابن جريج : احتبس عنه الوحي اثني عشر يوما . وقال ابن عباس : خمسة عشر يوما . وقيل : خمسة وعشرين يوما . وقال مقاتل : أربعين يوما . فقال المشركون : إن محمدا ودعه ربه وقلاه , ولو كان أمره من الله لتابع عليه , كما كان يفعل بمن كان قبله من الأنبياء . وفي البخاري عن جندب بن سفيان قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت : يا محمد , إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك , لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث فأنزل الله عز وجل }{ والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى } . وفي الترمذي عن جندب البجلي قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار فدميت إصبعه , فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ هل أنت إلا إصبع دميت , وفي سبيل الله ما لقيت ] قال : وأبطأ عليه جبريل فقال المشركون : قد ودع محمد فأنزل الله تبارك وتعالى : { ما ودعك ربك وما قلى } . هذا حديث حسن صحيح . لم يذكر الترمذي : { فلم يقم ليلتين أو ثلاثا }{ أسقطه الترمذي . وذكره البخاري , وهو أصح ما قيل في ذلك . والله أعلم . وقد ذكره الثعلبي أيضا عن جندب بن سفيان البجلي , قال : رمي النبي صلى الله عليه وسلم - في إصبعه بحجر , فدميت , فقال : [ هل أنت إلا إصبع دميت , وفي سبيل الله ما لقيت ] فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم الليل . فقالت له أم جميل امرأة أبي لهب : ما أرى شيطانك إلا قد تركك , لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث فنزلت }{ والضحى } . وروى عن أبي عمران الجوني , قال : أبطأ جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى شق عليه فجاء وهو واضع جبهته على الكعبة يدعو فنكت بين كتفيه , وأنزل عليه : { ما ودعك ربك وما قلى } . وقالت خولة - وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم - : إن جروا دخل البيت , فدخل تحت السرير فمات , فمكث نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أياما لا ينزل عليه الوحي . فقال : [ يا خولة , ما حدث في بيتي ؟ ما لجبريل لا يأتيني ] قالت خولة فقلت : لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير , فإذا جرو ميت , فأخذته فألقيته خلف الجدار فجاء نبي الله ترعد لحياه - وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة - فقال : [ يا خولة دثريني ] فأنزل الله هذه السورة . ولما نزل جبريل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التأخر فقال : [ أما علمت أنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة ] . وقيل : لما سألته اليهود عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف قال : [ سأخبركم غدا ] . ولم يقل إن شاء الله . فاحتبس عنه الوحي , إلى أن نزل جبريل عليه بقوله : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } [ الكهف : 23 ] فأخبره بما سئل عنه . وفي هذه القصة نزلت } ما ودعك ربك وما قلى } . وقيل : إن المسلمين قالوا : يا رسول الله , ما لك لا ينزل عليك الوحي ؟ فقال : [ وكيف ينزل علي وأنتم لا تنقون رواجبكم - وفي رواية براجمكم - ولا تقصون أظفاركم ولا تأخذون من شواربكم ] . فنزل جبريل بهذه السورة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ ما جئت حتى اشتقت إليك ] فقال جبريل : [ وأنا كنت أشد إليك شوقا , ولكني عبد مأمور ] ثم أنزل عليه }{ وما نتنزل إلا بأمر ربك } [ مريم : 64 ] .{ ودعك }{ بالتشديد : قراءة العامة , من التوديع , وذلك كتوديع المفارق . وروي عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قرآه }{ ودعك }{ بالتخفيف , ومعناه : تركك . قال : وثم ودعنا آل عمرو وعامر فرائس أطراف المثقفة السمر واستعماله قليل . يقال : هو يدع كذا , أي يتركه . قال المبرد محمد بن يزيد : لا يكادون يقولون ودع ولا وذر , لضعف الواو إذا قدمت , واستغنوا عنها بترك . وَمَا قَلَى أي ما أبغضك ربك منذ أحبك . وترك الكاف ; لأنه رأس آية . والقلى : البغض فإن فتحت القاف مددت تقول : قلاه يقليه قلى وقلاء . كما تقول : قريت الضيف أقريه قرى وقراء . ويقلاه : لغة طيئ . وأنشد ثعلب : أيام أم الغمر لا نقلاها أي لا نبغضها . ونقلى أي نبغض . وقال : أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت وقال امرؤ القيس : ولست بمقلي الخلال ولا قال وتأويل الآية : ما ودعك ربك وما قلاك . فترك الكاف ; لأنه رأس آية كما قال عز وجل : { والذاكرين الله كثيرا والذاكرات } [ الأحزاب : 35 ] أي والذاكرات الله .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ
    +/- -/+  
الأية
4
 
روى سلمة عن ابن إسحاق قال : { وللآخرة خير لك من الأولى }{ أي ما عندي في مرجعك إلي يا محمد , خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا . وقال ابن عباس : أري النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يفتح الله على أمته بعده فسر بذلك فنزل جبريل بقوله : { وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى } .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ
    +/- -/+  
الأية
5
 
قال ابن إسحاق : الفلج في الدنيا , والثواب في الآخرة . وقيل : الحوض والشفاعة . وعن ابن عباس : ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك . رفعه الأوزاعي , قال : حدثني إسماعيل بن عبيد الله , عن علي بن عبد الله بن عباس , عن أبيه قال : أري النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هو مفتوح على أمته , فسر بذلك فأنزل الله عز وجل }{ والضحى - إلى قوله تعالى - ولسوف يعطيك ربك فترضى } , فأعطاه الله جل ثناؤه ألف قصر في الجنة , ترابها المسك في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم . وعنه قال : - رضي محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النار . وقال السدي . وقيل : هي الشفاعة في جميع المؤمنين . وعن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يشفعني الله في أمتي حتى يقول الله سبحانه لي : رضيت يا محمد ؟ فأقول يا رب رضيت )  . وفي صحيح مسلم عن , عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله تعالى في إبراهيم : { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } [ إبراهيم : 36 ] وقول عيسى : { إن تعذبهم فإنهم عبادك } [ المائدة : 118 ] , فرفع يديه وقال : ( اللهم أمتي أمتي )  وبكى . فقال الله تعالى لجبريل : ( اذهب إلى محمد , وربك أعلم , فسله ما يبكيك )  فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل فأخبره . فقال الله تعالى لجبريل : [ اذهب إلى محمد , فقل له : إن الله يقول لك : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك ] . وقال علي - رضي الله عنه - لأهل العراق : إنكم تقولون إن أرجى آية في كتاب الله تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [ الزمر : 53 ] قالوا : إنا نقول ذلك . قال : ولكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله قوله تعالى : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } . وفي الحديث : لما نزلت هذه الآية قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ إذا والله لا أرضى وواحد من أمتي في النار ] .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ
    +/- -/+  
الأية
6
 
عدد سبحانه مننه على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال : { ألم يجدك يتيما } لا أب لك قد مات أبوك .{ فآوى }{ أي جعل لك مأوى تأوي إليه عند عمك أبي طالب , فكفلك . وقيل لجعفر بن محمد الصادق : لم أوتم النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبويه ؟ فقال : لئلا يكون لمخلوق عليه حق . وعن مجاهد : هو من قول العرب : درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل . فمجاز الآية : ألم يجدك واحدا في شرفك لا نظير لك , فآواك الله بأصحاب يحفظونك ويحوطونك .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ
    +/- -/+  
الأية
7
 
أي غافلا عما يراد بك من أمر النبوة , فهداك : أي أرشدك . والضلال هنا بمعنى الغفلة كقوله جل ثناؤه : { لا يضل ربي ولا ينسى } [ طه : 52 ] أي لا يغفل . وقال في حق نبيه : { وإن كنت من قبله لمن الغافلين } [ يوسف : 3 ] . وقال قوم : { ضالا }{ لم تكن تدري القرآن والشرائع , فهداك الله إلى القرآن , وشرائع الإسلام عن الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما . وهو معنى قوله تعالى : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } , على ما بينا في سورة }{ الشورى } . وقال قوم : { ووجدك ضالا }{ أي في قوم ضلال , فهداهم الله بك . هذا قول الكلبي والفراء . وعن السدي نحوه أي ووجد قومك في ضلال , فهداك إلى إرشادهم . وقيل : { ووجدك ضالا }{ عن الهجرة , فهداك إليها . وقيل : { ضالا }{ أي ناسيا شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح - فأذكرك كما قال تعالى : { أن تضل إحداهما } [ البقرة : 282 ] . وقيل : ووجدك طالبا للقبلة فهداك إليها بيانه : { قد نرى تقلب وجهك في السماء .. ." [ البقرة : 144 ] الآية . ويكون الضلال بمعنى الطلب ; لأن الضال طالب . وقيل : ووجدك متحيرا عن بيان ما نزل عليك , فهداك إليه فيكون الضلال بمعنى التحير ; لأن الضال متحير . وقيل : ووجدك ضائعا في قومك فهداك إليه ويكون الضلال بمعنى الضياع . وقيل : ووجدك محبا للهداية , فهداك إليها ويكون الضلال بمعنى المحبة . ومنه قوله تعالى : { قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم " [ يوسف : 95 ] أي في محبتك . قال الشاعر : هذا الضلال أشاب مني المفرقا والعارضين ولم أكن متحققا عجبا لعزة في اختيار قطيعتي بعد الضلال فحبلها قد أخلقا وقيل : { ضالا }{ في شعاب مكة , فهداك وردك إلى جدك عبد المطلب . قال ابن عباس : ضل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير في شعاب مكة , فرآه أبو جهل منصرفا عن أغنامه , فرده إلى جده عبد المطلب فمن الله عليه بذلك , حين رده إلى جده على يدي عدوه . وقال سعيد بن جبير : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عمه أبي طالب في سفر , فأخذ إبليس بزمام الناقة في ليلة ظلماء , فعدل بها عن الطريق , فجاء جبريل عليه السلام , فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الهند , ورده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك . وقال كعب : إن حليمة لما قضت حق الرضاع , جاءت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لترده على عبد المطلب , فسمعت عند باب مكة : هنيئا لك يا بطحاء مكة , اليوم يرد إليك النور والدين والبهاء والجمال . قالت : فوضعته لأصلح ثيابي , فسمعت هدة شديدة , فالتفت فلم أره , فقلت : معشر الناس , أين الصبي ؟ فقال : لم نر شيئا فصحت : وامحمداه فإذا شيخ فان يتوكأ على عصاه , فقال : اذهبي إلى الصنم الأعظم , فإن شاء أن يرده عليك فعل . ثم طاف الشيخ بالصنم , وقبل رأسه وقال : يا رب , لم تزل منتك على قريش , وهذه السعدية تزعم أن ابنها قد ضل , فرده إن شئت . فانكب هبل على وجهه , وتساقطت الأصنام , وقالت : إليك عنا أيها الشيخ , فهلاكنا على يدي محمد . فألقى الشيخ عصاه , وارتعد وقال : إن لابنك ربا لا يضيعه , فاطلبيه على مهل . فانحشرت قريش إلى عبد المطلب , وطلبوه في جميع مكة , فلم يجدوه . فطاف عبد المطلب بالكعبة سبعا , وتضرع إلى الله أن يرده , وقال : يا رب رد ولدي محمدا اردده ربي واتخذ عندي يدا يا رب إن محمد لم يوجدا فشمل قومي كلهم تبددا فسمعوا مناديا ينادي من السماء : معاشر الناس لا تضجوا , فإن لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه , وإن محمدا بوادي تهامة , عند شجرة السمر . فسار عبد المطلب هو وورقة بن نوفل , فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائم تحت شجرة , يلعب بالأغصان وبالورق . وقيل : { ووجدك ضالا }{ ليلة المعراج , حين انصرف عنك جبريل وأنت لا تعرف الطريق , فهداك إلى ساق العرش . وقال أبو بكر الوراق وغيره : { ووجدك ضالا } : تحب أبا طالب , فهداك إلى محبة ربك . وقال بسام بن عبد الله : { ووجدك ضالا }{ بنفسك لا تدري من أنت , فعرفك بنفسك وحالك . وقال الجنيدي : ووجدك متحيرا في بيان الكتاب , فعلمك البيان بيانه : { لتبين للناس ما نزل إليهم } [ النحل : 44 ] الآية .{ لتبين لهم الذي اختلفوا فيه } [ النحل : 64 ] . وقال بعض المتكلمين : إذا وجدت العرب شجرة منفردة في فلاة من الأرض , لا شجر معها , سموها ضالة , فيهتدى بها إلى الطريق فقال الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : { ووجدك ضالا }{ أي لا أحد على دينك , وأنت وحيد ليس معك أحد فهديت بك الخلق إلي . قلت : هذه الأقوال كلها حسان , ثم منها ما هو معنوي , ومنها ما هو حسي . والقول الأخير أعجب إلي ; لأنه يجمع الأقوال المعنوية . وقال قوم : إنه كان على جملة ما كان القوم عليه , لا يظهر لهم خلافا على ظاهر الحال فأما الشرك فلا يظن به بل كان على مراسم القوم في الظاهر أربعين سنة . وقال الكلبي والسدي : هذا على ظاهره أي وجدك كافرا والقوم كفار فهداك . وقد مضى هذا القول والرد عليه في سورة }{ الشورى } . وقيل : وجدك مغمورا بأهل الشرك , فميزك عنهم . يقال : ضل الماء في اللبن ومنه }{ أإذا ضللنا في الأرض } [ السجدة : 10 ] أي لحقنا بالتراب عند الدفن , حتى كأنا لا نتميز من جملته . وفي قراءة الحسن }{ ووجدك ضال فهدى }{ أي وجدك الضال فاهتدى بك وهذه قراءة على التفسير . وقيل : { ووجدك ضالا }{ لا يهتدي إليك قومك , ولا يعرفون قدرك فهدى المسلمين إليك , حتى آمنوا بك .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ
    +/- -/+  
الأية
8
 
أي فقيرا لا مال لك .{ فأغنى }{ أي فأغناك بخديجة - رضي الله عنها يقال : عال الرجل يعيل عيلة : إذا افتقر . وقال أحيحة بن الجلاح : فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل أي يفتقر . وقال مقاتل : فرضاك بما أعطاك من الرزق . وقال الكلبي : قنعك بالرزق . وقال ابن عطاء : ووجدك فقير النفس , فأغنى قلبك . وقال الأخفش : وجدك ذا عيال دليله }{ فأغنى } . ومنه قول جرير : الله أنزل في الكتاب فريضة لابن السبيل وللفقير العائل وقيل : وجدك فقيرا من الحجج والبراهين , فأغناك بها . وقيل : أغناك بما فتح لك من الفتوح , وأفاءه عليك من أموال الكفار . القشيري وفي هذا نظر ; لأن السورة مكية , وإنما فرض الجهاد بالمدينة . وقراءة العامة }{ عائلا } . وقرأ ابن السميقع }{ عيلا }{ بالتشديد مثل طيب وهين .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ
    +/- -/+  
الأية
9
 
أي لا تسلط عليه بالظلم , ادفع إليه حقه , واذكر يتمك قال الأخفش . وقيل : هما لغتان : بمعنى . وعن مجاهد }{ فلا تقهر }{ فلا تحتقر . وقرأ النخعي والأشهب العقيلي }{ تكهر } بالكاف , وكذا هو في مصحف ابن مسعود . فعلى هذا يحتمل أن يكون نهيا عن قهره , بظلمه وأخذ ماله . وخص اليتيم ; لأنه لا ناصر له غير الله تعالى فغلظ في أمره , بتغليظ العقوبة على ظالمه . والعرب تعاقب بين الكاف والقاف . النحاس : وهذا غلط , إنما يقال كهره : إذا اشتد عليه وغلظ . وفي صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي , حين تكلم في الصلاة برد السلام , قال : فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - فوالله ما كهرني , ولا ضربني , ولا شتمني .. . الحديث . وقيل : القهر الغلبة . والكهر : الزجر . ودلت الآية على اللطف باليتيم , وبره والإحسان إليه حتى قال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم . وروي عن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه فقال : ( إن أردت أن يلين , فامسح رأس اليتيم , وأطعم المسكين )  . وفي الصحيح عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين )  . وأشار بالسبابة والوسطى . ومن حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن , فيقول الله تعالى لملائكته : يا ملائكتي , من ذا الذي أبكى هذا اليتيم الذي غيبت أباه في التراب , فتقول الملائكة ربنا أنت أعلم , فيقول الله تعالى لملائكته : يا ملائكتي , اشهدوا أن من أسكته وأرضاه ؟ أن أرضيه يوم القيامة )  . فكان ابن عمر إذا رأى يتيما مسح برأسه , وأعطاه شيئا . وعن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ من ضم يتيما فكان في نفقته , وكفاه مؤونته , كان له حجابا من النار يوم القيامة , ومن مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة ] . وقال أكثم بن صيفي : الأذلاء أربعة : النمام , والكذاب , والمديون , واليتيم .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ
    +/- -/+  
الأية
10
 
أي لا تزجره فهو نهي عن إغلاظ القول . ولكن رده ببذل يسير , أو رد جميل , واذكر فقرك قاله قتادة وغيره . وروي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ لا يمنعن أحدكم السائل , وأن يعطيه إذا سأل , ولو رأى في يده قلبين من ذهب ] . وقال إبراهيم بن أدهم : نعم القوم السؤال : يحملون زادنا إلى الآخرة . وقال إبراهيم النخعي : السائل بريد الآخرة , يجيء إلى باب أحدكم فيقول : هل تبعثون إلى أهليكم بشيء . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : [ ردوا السائل ببذل يسير , أو رد جميل , فإنه يأتيكم من ليس من الإنس ولا من الجن , ينظر كيف صنيعكم فيما خولكم الله ] . وقيل : المراد بالسائل هنا , الذي يسأل عن الدين أي فلا تنهره بالغلظة والجفوة , وأجبه برفق ولين قاله سفيان . قال ابن العربي : وأما السائل عن الدين فجوابه فرض على العالم , على الكفاية كإعطاء سائل البر سواء . وقد كان أبو الدرداء ينظر إلى أصحاب الحديث , ويبسط رداءه لهم , ويقول : مرحبا بأحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي حديث أبي هارون العبدي , عن أبي سعيد الخدري , قال : كنا إذا أتينا أبا سعيد يقول : مرحبا بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون , فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا ] . وفي رواية [ يأتيكم رجال من قبل المشرق ] .. . فذكره . و { اليتيم }{ و }{ السائل }{ منصوبان بالفعل الذي بعده وحق المنصوب أن يكون بعد الفاء , والتقدير : مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم , ولا تنهر السائل . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( سألت ربي مسألة وددت أني لم أسألها : قلت يا رب اتخذت إبراهيم خليلا , وكلمت موسى تكليما , وسخرت مع داود الجبال يسبحن , وأعطيت فلانا كذا فقال عز وجل : ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أوتك ما لم أوت أحدا قبلك : خواتيم سورة البقرة , ألم أتخذك خليلا , كما اتخذت إبراهيم خليلا ؟ قلت بلى يا رب )  .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
    +/- -/+  
الأية
11
 
أي انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء . والتحدث بنعم الله , والاعتراف بها شكر . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد }{ وأما بنعمة ربك }{ قال بالقرآن . وعنه قال : بالنبوة أي بلغ ما أرسلت به . والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والحكم عام له ولغيره . وعن الحسن بن علي - رضي الله عنهما قال : إذا أصبت خيرا , أو عملت خيرا , فحدث به الثقة من إخوانك . وعن عمرو بن ميمون قال : إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به , يقول له : رزق الله من الصلاة البارحة وكذا وكذا . وكان أبو فراس عبد الله بن غالب إذا أصبح يقول : لقد رزقني الله البارحة كذا , قرأت كذا , وصليت كذا , وذكرت الله كذا , وفعلت كذا . فقلنا له : يا أبا فراس , إن مثلك لا يقول هذا قال يقول الله تعالى : { وأما بنعمة ربك فحدث }{ وتقولون أنتم : لا تحدث بنعمة الله ونحوه عن أيوب السختياني وأبي رجاء العطاردي - رضي الله عنهم . وقال بكر بن عبد الله المزني قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من أعطي خيرا فلم ير عليه , سمي بغيض الله , معاديا لنعم الله )  . وروى الشعبي عن النعمان بن بشير قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ من لم يشكو القليل , لم يشكر الكثير , ومن لم يشكر الناس , لم يشكر الله , والتحدث بالنعم شكر , وتركه كفر , والجماعة رحمة , والفرقة عذاب ] . وروى النسائي عن مالك بن نضلة الجشمي قال : كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا , فرآني رث الثياب فقال : [ ألك مال ؟ ] قلت : نعم , يا رسول الله , من كل المال . قال : [ إذا آتاك الله مالا فلير أثره عليك ] . وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : [ إن الله جميل يحب الجمال , ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده ] . فصل : يكبر القارئ في رواية البزي عن ابن كثير - وقد رواه مجاهد عن ابن عباس , عن أبي بن كعب , عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا بلغ آخر }{ والضحى }{ كبر بين كل سورة تكبيرة , إلى أن يختم القرآن , ولا يصل آخر السورة بتكبيره بل يفصل بينهما بسكتة . وكأن المعنى في ذلك أن الوحي تأخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أياما , فقال ناس من المشركين : قد ودعه صاحبه وقلاه فنزلت هذه السورة فقال : [ الله أكبر ] . قال مجاهد : قرأت على ابن عباس , فأمرني به , وأخبرني به عن أبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يكبر في قراءة الباقين ; لأنها ذريعة إلى الزيادة في القرآن . قلت : القرآن ثبت نقلا متواترا سوره وآياته وحروفه لا زيادة فيه ولا نقصان فالتكبير على هذا ليس بقرآن . فإذا كان بسم الله الرحمن الرحيم المكتوب في المصحف بخط المصحف ليس بقرآن , فكيف بالتكبير الذي هو ليس بمكتوب . أما أنه ثبت سنة بنقل الآحاد , فاستحبه ابن كثير , لا أنه أوجبه فخطأ من تركه . ذكر الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ في كتاب المستدرك له على البخاري ومسلم : حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد , المقرئ الإمام بمكة , في المسجد الحرام , قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ , قال : حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة : سمعت عكرمة بن سليمان يقول : قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين , فلما بلغت }{ والضحى }{ قال لي كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم , فإني قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت }{ والضحى } قال : كبر حتى تختم . وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد , وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك , وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك , وأخبره أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بذلك . هذا حديث صحيح ولم يخرجاه .

نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer



 


© EsinIslam.Com Designed & produced by The Awqaf London. Please pray for us