شرح الصدر : فتحه أي ألم نفتح صدرك للإسلام . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : ألم
نلين لك قلبك . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : قالوا يا رسول الله , أينشرح الصدر ؟
قال : [ نعم وينفسح ] . قالوا : يا رسول الله , وهل لذلك علامة ؟ قال : [ نعم
التجافي عن دار الغرور , والإنابة إلى دار الخلود , والاعتداد للموت , قبل نزول
الموت ] . وقد مضى هذا المعنى في }{ الزمر }{ عند قوله تعالى : { أفمن شرح الله صدره
للإسلام فهو على نور من ربه } . وروي عن الحسن قال : { ألم نشرح لك صدرك }{ قال : ملئ
حكما وعلما . وفي الصحيح عن أنس بن مالك , عن مالك بن صعصعة - رجل من قومه - أن
النبي صلى الله عليه وسلم - قال : ( فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ
سمعت قائلا يقول : أحد الثلاثة فأتيت بطست من ذهب , فيها ماء زمزم , فشرح صدري إلى
كذا وكذا ) قال قتادة قلت : ما يعني ؟ قال : إلى أسفل بطني , قال : [ فاستخرج قلبي
, فغسل قلبي بماء زمزم , ثم أعيد مكانه , ثم حشي إيمانا وحكمة ] . وفي الحديث قصة
. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( جاءني ملكان في صورة طائر , معهما
ماء وثلج , فشرح أحدهما صدري , وفتح الآخر بمنقاره فيه فغسله ) . وفي حديث آخر قال :
[ جاءني ملك فشق عن قلبي , فاستخرج منه عذرة , وقال : قلبك وكيع , وعيناك بصيرتان ,
وأذناك سميعتان , أنت محمد رسول الله , لسانك صادق , ونفسك مطمئنة , وخلقك قثم ,
وأنت قيم ] . قال أهل اللغة : قوله [ وكيع ] أي يحفظ ما يوضع فيه . يقال : سقاء وكيع
أي قوي يحفظ ما يوضع فيه . واستوكعت معدته , أي قويت وقوله : [ قثم ] أي جامع . يقال
: رجل قثوم للخير أي جامع له . ومعنى }{ ألم نشرح }{ قد شرحنا الدليل على ذلك قوله في
النسق عليه : { ووضعنا عنك وزرك } , فهذا عطف على التأويل , لا على التنزيل ; لأنه
لو كان على التنزيل لقال : ونضع عنك وزرك . فدل هذا على أن معنى }{ ألم نشرح } : قد
شرحنا . و }{ لم }{ جحد , وفي الاستفهام طرف من الجحد , وإذا وقع جحد , رجع إلى
التحقيق كقوله تعالى : { أليس الله بأحكم الحاكمين } [ التين : 8 ] . ومعناه : الله
أحكم الحاكمين . وكذا }{ أليس الله بكاف عبده } [ الزمر : 36 ] . ومثله قول جرير يمدح
عبد الملك بن مروان : ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح المعنى :
أنتم كذا .
أي حططنا عنك ذنبك . وقرأ أنس }{ وحللنا , وحططنا } . وقرأ ابن مسعود : { وحللنا عنك
وقرك } . هذه الآية مثل قوله تعالى : { ليعفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } [
الفتح : 2 ] . قيل : الجميع كان قبل النبوة . والوزر : الذنب أي وضعنا عنك ما كنت فيه
من أمر الجاهلية ; لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - في كثير من مذاهب قومه , وإن لم
يكن عبد صنما ولا وثنا . قال قتادة والحسن والضحاك : كانت للنبي - صلى الله عليه
وسلم - ذنوب أثقلته فغفرها الله له }{ الذي أنقض ظهرك }{ أي أثقله حتى سمع نقيضه أي
صوته . وأهل اللغة يقولون : أنقض الحمل ظهر الناقة : إذا سمعت له صريرا من شدة الحمل
. وكذلك سمعت نقيض الرحل أي صريره . قال جميل : وحتى تداعت بالنقيض حباله وهمت بواني
زوره أن تحطما بواني زوره : أي أصول صدره . فالوزر : الحمل الثقيل . قال المحاسبي :
يعني ثقل الوزر لو لم يعف الله عنه - وقال السدي : { ووضعنا عنك وزرك }{ أي وحططنا
عنك ثقلك . وهي في قراءة عبد الله بن مسعود }{ وحططنا عنك وقرك } . وقيل : أي حططنا
عنك ثقل آثام الجاهلية . قال الحسين بن المفضل : يعني الخطأ والسهو . وقيل : ذنوب
أمتك , أضافها إليه لاشتغال قلبه . بها . وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة : خففنا
عنك أعباء النبوة والقيام بها , حتى لا تثقل عليك . وقيل : كان في الابتداء يثقل
عليه الوحي , حتى كاد يرمي نفسه من شاهق الجبل , إلى أن جاءه جبريل وأراه نفسه
وأزيل عنه ما كان يخاف من تغير العقل . وقيل : عصمناك عن احتمال الوزر , وحفظناك قبل
النبوة في الأربعين من الأدناس حتى نزل عليك الوحي وأنت مطهر من الأدناس .
قال مجاهد : يعني بالتأذين . وفيه يقول حسان بن ثابت : أغر عليه للنبوة خاتم من الله
مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وروي
عن الضحاك عن ابن عباس , قال : يقول له لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان , والإقامة
والتشهد , ويوم الجمعة على المنابر , ويوم الفطر , ويوم الأضحى : وأيام التشريق ,
ويوم عرفة , وعند الجمار , وعلى الصفا والمروة , وفي خطبة النكاح , وفي مشارق الأرض
ومغاربها . ولو أن رجلا عبد الله جل ثناؤه , وصدق بالجنة والنار وكل شيء , ولم يشهد
أن محمدا رسول الله , لم ينتفع بشيء وكان كافرا . وقيل : أي أعلينا ذكرك , فذكرناك
في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك , وأمرناهم بالبشارة بك , ولا دين إلا ودينك
يظهر عليه . وقيل : رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء , وفي الأرض عند المؤمنين ,
ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود , وكرائم الدرجات .
أي إن مع الضيقة والشدة يسرا , أي سعة وغنى . ثم كرر فقال : { إن مع العسر يسرا } ,
فقال قوم : هذا التكرير تأكيد للكلام كما يقال : ارم ارم , اعجل اعجل قال الله
تعالى : { كلا سوف تعلمون . ثم كلا سوف تعلمون } [ التكاثر : 3 - 4 ] . ونظيره في
تكرار الجواب : بلى بلى , لا لا . وذلك للإطناب والمبالغة قاله الفراء . ومنه قول
الشاعر : هممت بنفسي بعض الهموم فأولى لنفسي أولى لها وقال قوم : إن من عادة العرب
إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه , فهو هو . وإذا نكروه ثم كرروه فهو غيره . وهما اثنان
, ليكون أقوى للأمل , وأبعث على الصبر قاله ثعلب . وقال ابن عباس : يقول الله تعالى
خلقت عسرا واحدا , وخلقت يسرين , ولن يغلب عسر يسرين . وجاء في الحديث عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - في هذه السورة : أنه قال : [ لن يغلب عسر يسرين ] . وقال ابن
مسعود : والذي نفسي بيده , لو كان العسر في حجر , لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ولن
يغلب عسر يسرين . وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من
الروم , وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر - رضي الله عنه - : أما بعد , فإنهم مهما
ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة , يجعل الله بعده فرجا , وإنه لن يغلب عسر يسرين , وإن
الله تعالى يقول في كتابه : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا
الله لعلكم تفلحون } [ آل عمران : 200 ] . وقال قوم منهم الجرجاني : هذا قول مدخول ;
لأنه يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفا , إن مع الفارس سيفا ,
أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنان . والصحيح أن يقال : إن الله بعث نبيه محمدا -
صلى الله عليه وسلم - مقلا مخفا , فعيره المشركون بفقره , حتى قالوا له : نجمع لك
مالا فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره فعزاه الله , وعدد نعمه عليه , ووعده الغنى بقوله
: { فإن مع العسر يسرا }{ أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر فإن مع ذلك العسر يسرا
عاجلا أي في الدنيا . فأنجز له ما وعده فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن , ووسع
ذات يده , حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل , ويهب الهبات السنية , ويعد لأهله
قوت سنة . فهذا الفضل كله من أمر الدنيا وإن كان خاصا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
, فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء الله تعالى . ثم ابتدأ فضلا آخرا من الآخرة وفيه
تأسية وتعزية له صلى الله عليه وسلم - فقال مبتدئا : { إن مع العسر يسرا }{ فهو شيء
آخر . والدليل على ابتدائه , تعريه من فاء أو واو أو غيرها من حروف النسق التي تدل
على العطف . فهذا وعد عام لجميع المؤمنين , لا يخرج أحد منه أي إن مع العسر في
الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة . وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة
. والذي في الخبر : [ لن يغلب عسر يسرين ] يعني العسر الواحد لن يغلبهما , وإنما
يغلب أحدهما إن غلب , وهو يسر الدنيا فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة , ولن يغلبه
شيء . أو يقال : { إن مع العسر }{ وهو إخراج أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - من
مكة }{ يسرا } , وهو دخوله يوم فتح مكة مع عشرة آلاف رجل , مع عز وشرف .
أي إن مع الضيقة والشدة يسرا , أي سعة وغنى . ثم كرر فقال : { إن مع العسر يسرا } ,
فقال قوم : هذا التكرير تأكيد للكلام كما يقال : ارم ارم , اعجل اعجل قال الله
تعالى : { كلا سوف تعلمون . ثم كلا سوف تعلمون } [ التكاثر : 3 - 4 ] . ونظيره في
تكرار الجواب : بلى بلى , لا لا . وذلك للإطناب والمبالغة قاله الفراء . ومنه قول
الشاعر : هممت بنفسي بعض الهموم فأولى لنفسي أولى لها وقال قوم : إن من عادة العرب
إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه , فهو هو . وإذا نكروه ثم كرروه فهو غيره . وهما اثنان
, ليكون أقوى للأمل , وأبعث على الصبر قاله ثعلب . وقال ابن عباس : يقول الله تعالى
خلقت عسرا واحدا , وخلقت يسرين , ولن يغلب عسر يسرين . وجاء في الحديث عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - في هذه السورة : أنه قال : [ لن يغلب عسر يسرين ] . وقال ابن
مسعود : والذي نفسي بيده , لو كان العسر في حجر , لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ولن
يغلب عسر يسرين . وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من
الروم , وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر - رضي الله عنه - : أما بعد , فإنهم مهما
ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة , يجعل الله بعده فرجا , وإنه لن يغلب عسر يسرين , وإن
الله تعالى يقول في كتابه : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا
الله لعلكم تفلحون } [ آل عمران : 200 ] . وقال قوم منهم الجرجاني : هذا قول مدخول ;
لأنه يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفا , إن مع الفارس سيفا ,
أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنان . والصحيح أن يقال : إن الله بعث نبيه محمدا -
صلى الله عليه وسلم - مقلا مخفا , فعيره المشركون بفقره , حتى قالوا له : نجمع لك
مالا فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره فعزاه الله , وعدد نعمه عليه , ووعده الغنى بقوله
: { فإن مع العسر يسرا }{ أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر فإن مع ذلك العسر يسرا
عاجلا أي في الدنيا . فأنجز له ما وعده فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن , ووسع
ذات يده , حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل , ويهب الهبات السنية , ويعد لأهله
قوت سنة . فهذا الفضل كله من أمر الدنيا وإن كان خاصا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء الله تعالى . ثم ابتدأ فضلا آخرا من الآخرة وفيه تأسية
وتعزية له - صلى الله عليه وسلم - فقال مبتدئا : { إن مع العسر يسرا }{ فهو شيء آخر
. والدليل على ابتدائه , تعريه من فاء أو واو أو غيرها من حروف النسق التي تدل على
العطف . فهذا وعد عام لجميع المؤمنين , لا يخرج أحد منه أي إن مع العسر في الدنيا
للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة . وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة . والذي في
الخبر : [ لن يغلب عسر يسرين ] يعني العسر الواحد لن يغلبهما , وإنما يغلب أحدهما
إن غلب , وهو يسر الدنيا فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة , ولن يغلبه شيء . أو يقال
: { إن مع العسر }{ وهو إخراج أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة }{ يسرا }
, وهو دخوله يوم فتح مكة مع عشرة آلاف رجل , مع عز وشرف .
قال ابن عباس وقتادة : فإذا فرغت من صلاتك }{ فانصب }{ أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك
. وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . وقال الكلبي : إذا
فرغت من تبليغ الرسالة }{ فانصب }{ أي استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات . وقال الحسن
وقتادة أيضا : إذا فرغت من جهاد عدوك , فانصب لعبادة ربك . وعن مجاهد : { فإذا فرغت
{ من دنياك , { فانصب }{ في صلاتك . ونحوه عن الحسن . وقال الجنيد : إذا فرغت من أمر
الخلق , فاجتهد في عبادة الحق . قال ابن العربي : { ومن المبتدعة من قرأ هذه الآية }
فأنصب }{ بكسر الصاد , والهمز من أوله , وقالوا : معناه : أنصب الإمام الذي تستخلفه
. وهذا باطل في القراءة , باطل في المعنى ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم - لم
يستخلف أحدا . وقرأها بعض : الجهال }{ فانصب }{ بتشديد الباء , معناه : إذا فرغت من
الجهاد , فجد في الرجوع إلى بلدك . . وهذا باطل أيضا قراءة , لمخالفة الإجماع , لكن
معناه صحيح لقوله - صلى الله عليه وسلم - : [ السفر قطعة من العذاب , يمنع أحدكم
نومه وطعامه وشرابه , فإذا قضى أحدكم نهمته , فليعجل , الرجوع إلى أهله ] . وأشد
الناس عذابا وأسوءهم مباء ومآبا , من أخذ معنى صحيحا , فركب عليه من قبل نفسه قراءة
أو حديثا , فيكون كاذبا على الله , كاذبا على رسوله }{ ومن أظلم ممن افترى على الله
كذبا } . قال المهدوي : وروي عن أبي جعفر المنصور : أنه قرأ }{ ألم نشرح لك صدرك }
بفتح الحاء وهو بعيد , وقد يؤول على تقدير النون الخفيفة , ثم أبدلت النون ألفا في
الوقف , ثم حمل الوصل على الوقف , ثم حذف الألف . وأنشد عليه : اضرب عنك الهموم
طارقها ضربك بالسوط قونس الفرس أراد : اضربن .
وروي عن أبي السمال }{ فإذا فرغت }{ بكسر الراء , وهي لغة فيه . وقرئ }{ فرغب }{ أي فرغب
الناس إلى ما عنده . قال ابن العربي : روي عن شريح أنه مر بقوم يلعبون يوم عيد ,
فقال ما بهذا أمر الشارع . وفيه نظر , فإن الحبش كانوا يلعبون بالدرق والحراب في
المسجد يوم العيد , والنبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر . ودخل أبو بكر في بيت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - على عائشة - رضي الله عنها وعندها جاريتان من جواري
الأنصار تغنيان فقال أبو بكر : أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - ؟ فقال : [ دعهما يا أبا بكر , فإنه يوم عيد ] . وليس يلزم الدءوب على العمل
, بل هو مكروه للخلق .
نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer