Prev  

87. Surah Al-A'lâ سورة الأعلى

  Next  


تفسير القرطبي - الأعلى - Al-`Ala -
 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى
    +/- -/+  
الأية
1
 
يستحب للقارئ إذا قرأ }{ سبح اسم ربك الأعلى }{ أن يقول عقبه : سبحان ربي الأعلى قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - وقاله جماعة من الصحابة والتابعين على ما يأتي . وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : ( إن لله تعالى ملكا يقال له حزقائيل , له ثمانية عشر ألف جناح , ما بين الجناح إلى الجناح مسيرة خمسمائة عام , فخطر له خاطر هل تقدر أن تبصر العرش جميعه ؟ فزاده الله أجنحة مثلها , فكان له ستة وثلاثون ألف جناح , ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام . ثم أوحى الله إليه : أيها الملك , أن طر , فطار مقدار عشرين ألف سنة فلم يبلغ رأس قائمة من قوائم العرش . ثم ضاعف الله له في الأجنحة والقوة , وأمره أن يطير , فطار مقدار ثلاثين ألف سنة أخرى , فلم يصل أيضا فأوحى الله إليه أيها الملك , لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوتك لم تبلغ ساق عرشي . فقال الملك : سبحان ربي الأعلى فأنزل الله تعالى : { سبح اسم ربك الأعلى " . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اجعلوها في سجودكم )  . ذكره الثعلبي في ( كتاب العرائس )  له . وقال ابن عباس والسدي : معنى }{ سبح اسم ربك الأعلى }{ أي عظم ربك الأعلى . والاسم صلة , قصد بها تعظيم المسمى كما قال لبيد : إلى الحول ثم اسم السلام عليكما وقيل : نزه ربك عن السوء , وعما يقول فيه الملحدون . وذكر الطبري أن المعنى نزه اسم ربك عن أن تسمي به أحدا سواه . وقيل : نزه تسمية ربك وذكرك إياه , أن تذكره إلا وأنت خاشع معظم , ولذكره محترم . وجعلوا الاسم بمعنى التسمية , والأولى أن يكون الاسم هو المسمى . روى نافع عن ابن عمر قال : لا تقل علا اسم الله فإن اسم الله هو الأعلى . وروى أبو صالح عن ابن عباس : صل بأمر ربك الأعلى . قال : وهو أن تقول سبحان ربي الأعلى . وروي عن علي - رضي الله عنه - وابن عباس وابن عمرو وابن الزبير وأبي موسى وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - أنهم كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا : سبحان ربي الأعلى امتثالا لأمره في ابتدائها . فيختار الاقتداء بهم في قراءتهم لا أن سبحان ربي الأعلى من القرآن كما قاله بعض أهل الزيغ . وقيل : إنها في قراءة أبي : { سبحان ربي الأعلى } . وكان ابن عمر يقرؤها كذلك . وفي الحديث : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأها قال : [ سبحان ربي الأعلى ] . قال أبو بكر الأنباري : حدثني محمد بن شهريار , قال : حدثنا حسين بن الأسود , قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال : حدثنا عيسى بن عمر , عن أبيه , قال : قرأ علي بن أبي طالب عليه السلام في الصلاة }{ سبح اسم ربك الأعلى } , ثم قال : سبحان ربي الأعلى فلما انقضت الصلاة قيل له : يا أمير المؤمنين , أتزيد هذا في القرآن ؟ قال : ما هو ؟ قالوا : سبحان ربي الأعلى . قال : لا , إنما أمرنا بشيء فقلته , وعن عقبة بن عامر الجهني قال : لما نزلت }{ سبح اسم ربك الأعلى }{ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( اجعلوها في سجودكم )  . وهذا كله يدل على أن الاسم هو المسمى ; لأنهم لم يقولوا : سبحان اسم ربك الأعلى . وقيل : إن أول من قال [ سبحان ربي الأعلى ] ميكائيل عليه السلام . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل : ( يا جبريل أخبرني بثواب من قال : سبحان ربي الأعلى في صلاته أو في غير صلاته )  . فقال : ( يا محمد , ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها في سجوده أو في غير سجوده , إلا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا , ويقول الله تعالى : صدق عبدي , أنا فوق كل شيء , وليس فوقي شيء , اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له , وأدخلته الجنة فإذا مات زاره ميكائيل كل يوم , فإذا كان يوم القيامة حمله على جناحه , فأوقفه بين يدي الله تعالى , فيقول : يا رب شفعني فيه , فيقول قد شفعتك فيه , فاذهب به إلى الجنة )  . وقال الحسن : { سبح اسم ربك الأعلى }{ أي صل لربك الأعلى . وقل : أي صل بأسماء الله , لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية . وقيل : ارفع صوتك بذكر ربك . قال جرير : قبح الإله وجوه تغلب كلما سبح الحجيج وكبروا تكبيرا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ
    +/- -/+  
الأية
2
 
قد تقدم معنى التسوية في }{ الانفطار }{ وغيرها . أي سوى ما خلق , فلم يكن في خلقه تثبيج . وقال الزجاج : أي عدل قامته . وعن ابن عباس : حسن ما خلق . وقال الضحاك : خلق آدم فسوى خلقه . وقيل : خلق في أصلاب الآباء , وسوى في أرحام الأمهات . وقيل : خلق الأجساد , فسوى الأفهام . وقيل : أي خلق الإنسان وهيأه للتكليف .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ
    +/- -/+  
الأية
3
 
قرأ علي - رضي الله عنه - والسلمي والكسائي }{ قدر }{ مخففة الدال , وشدد الباقون . وهما بمعنى واحد . أي قدر ووفق لكل شكل شكله .{ فهدى }{ أي أرشد . قال مجاهد : قدر الشقاوة والسعادة , وهدى للرشد والضلالة . وعنه قال : هدى الإنسان للسعادة والشقاوة , وهدى الأنعام لمراعيها . وقيل : قدر أقواتهم وأرزاقهم , وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنسا , ولمراعيهم إن كانوا وحشا . وروي عن ابن عباس والسدي ومقاتل والكلبي في قوله } فهدى }{ قالوا : عرف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى كما قال في ( طه )  : { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 50 ] أي الذكر للأنثى . وقال عطاء : جعل لكل دابة ما يصلحها , وهداها له . وقيل : خلق المنافع في الأشياء , وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها . وقيل }{ قدر فهدى } : قدر لكل حيوان ما يصلحه , فهداه , وعرفه وجه الانتفاع به . يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت , وقد ألهمها الله أن مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام , فتطوي تلك المسافة على طولها وعلى عماها , حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها , فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن الله تعالى . وهدايات الإنسان إلى ما لا يحد من مصالحه , و ما لا يحصر من حوائجه , في أغذيته وأدويته , وفي أبواب دنياه ودينه , وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض باب واسع , وشوط بطين , لا يحيط به وصف واصف فسبحان ربي الأعلى . وقال السدي : قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر , وأقل وأكثر , ثم هداه للخروج من الرحم . وقال الفراء : أي قدر , فهدى وأضل فاكتفى بذكر أحدهما كقوله تعالى : { سرابيل تقيكم الحر } [ النحل : 81 ] . ويحتمل أن يكون بمعنى دعا إلى الإيمان كقوله تعالى : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " .[ الشورى : 52 ] . أي لتدعو , وقد دعا الكل إلى الإيمان . وقيل : { فهدى }{ أي دلهم بأفعاله على توحيده , وكونه عالما قادرا . ولا خلاف أن من شدد الدال من }{ قدر }{ أنه من التقدير كقوله تعالى : { وخلق كل شيء فقدره تقديرا } [ الفرقان : 2 ] . ومن خفف فيحتمل أن يكون من التقدير فيكونان بمعنى . ويحتمل أن يكون من القدر والملك أي ملك الأشياء , وهدى من يشاء . قلت : وسمعت بعض أشياخي يقول : الذي خلق فسوى وقدر فهدى . هو تفسير العلو الذي يليق بجلال الله سبحانه على جميع مخلوقاته .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ
    +/- -/+  
الأية
4
 
أي النبات والكلأ الأخضر . قال الشاعر : وقد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هيا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ
    +/- -/+  
الأية
5
 
فجعله غثاء أحوىالغثاء : ما يقذف به السيل على جوانب الوادي من الحشيش والنبات والقماش . وكذلك الغثاء ( بالتشديد )  . والجمع : الأغثاء , قتادة : الغثاء : الشيء اليابس . ويقال للبقل والحشيش إذا تحطم ويبس : غثاء وهشيم . وكذلك للذي يكون حول الماء من القماش غثاء كما قال : كأن طمية المجيمر غدوة من السيل والأغثاء فلكة مغزل وحكى أهل اللغة : غثا الوادي وجفا . وكذلك الماء : إذا علاه من الزبد والقماش ما لا ينتفع به . والأحوى : الأسود أي إن النبات يضرب إلى الحوة من شدة الخضرة كالأسود . والحوة : السواد قال الأعشى : لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثاث وفي أنيابها شنب وفي الصحاح : والحوة : سمرة الشفة . يقال : رجل أحوى , وامرأة حواء , وقد حويت . وبعير أحوى إذا خالط خضرته سواد وصفوة . وتصغير أحوى أحيو في لغة من قال أسيود . ثم قيل : يجوز أن يكون }{ أحوى }{ حالا من }{ المرعى } , ويكون المعنى : كأنه من خضرته يضرب إلى السواد والتقدير : أخرج المرعى أحوى , فجعله غثاء يقال : قد حوي النبت حكاه الكسائي , وقال : وغيث من الوسمي حو تلاعه تبطنته بشيظم صلتان ويجوز أن يكون } حوى }{ صفة ل }{ غثاء } . والمعنى : أنه صار كذلك بعد خضرته . وقال أبو عبيدة : فجعله أسود من احتراقه وقدمه والرطب إذا يبس اسود . وقال عبد الرحمن بن زيد : أخرج المرعى أخضر , ثم لما يبس اسود من احتراقه , فصار غثاء تذهب به الرياح والسيول . وهو مثل ضربه الله تعالى للكفار , لذهاب الدنيا بعد نضارتها .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَىٰ
    +/- -/+  
الأية
6
 
الغثاء : ما يقذف به السيل على جوانب الوادي من الحشيش والنبات والقماش . وكذلك الغثاء ( بالتشديد )  . والجمع : الأغثاء , قتادة : الغثاء : الشيء اليابس . ويقال للبقل والحشيش إذا تحطم ويبس : غثاء وهشيم . وكذلك للذي يكون حول الماء من القماش غثاء كما قال : كأن طمية المجيمر غدوة من السيل والأغثاء فلكة مغزل وحكى أهل اللغة : غثا الوادي وجفا . وكذلك الماء : إذا علاه من الزبد والقماش ما لا ينتفع به . والأحوى : الأسود أي إن النبات يضرب إلى الحوة من شدة الخضرة كالأسود . والحوة : السواد قال الأعشى : لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثاث وفي أنيابها شنب وفي الصحاح : والحوة : سمرة الشفة . يقال : رجل أحوى , وامرأة حواء , وقد حويت . وبعير أحوى إذا خالط خضرته سواد وصفوة . وتصغير أحوى أحيو في لغة من قال أسيود . ثم قيل : يجوز أن يكون }{ أحوى }{ حالا من }{ المرعى } , ويكون المعنى : كأنه من خضرته يضرب إلى السواد والتقدير : أخرج المرعى أحوى , فجعله غثاء يقال : قد حوي النبت حكاه الكسائي , وقال : وغيث من الوسمي حو تلاعه تبطنته بشيظم صلتان ويجوز أن يكون }{ حوى }{ صفة ل { غثاء } . والمعنى : أنه صار كذلك بعد خضرته . وقال أبو عبيدة : فجعله أسود من احتراقه وقدمه والرطب إذا يبس اسود . وقال عبد الرحمن بن زيد : أخرج المرعى أخضر , ثم لما يبس اسود من احتراقه , فصار غثاء تذهب به الرياح والسيول . وهو مثل ضربه الله تعالى للكفار , لذهاب الدنيا بعد نضارتها .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ ۚ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ
    +/- -/+  
الأية
7
 
إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ ووجه الاستثناء على هذا , ما قاله الفراء : إلا ما شاء الله , وهو لم يشأ أن تنسى شيئا كقوله تعالى : { خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك } [ هود : 108 ] . ولا يشاء . ويقال في الكلام : لأعطينك كل ما سألت إلا ما شئت , وإلا أن أشاء أن أمنعك , والنية على ألا يمنعه شيئا . فعلى هذا مجاري الأيمان يستثنى فيها ونية الحالف التمام . وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس : فلم ينس بعد نزول هذه الآية حتى مات , { إلا ما شاء الله } . وعن سعيد عن قتادة , قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينسى شيئا }{ إلا ما شاء الله } . وعلى هذه الأقوال قيل : إلا ما شاء الله أن ينسى , ولكنه لم ينسى شيئا منه بعد نزول هذه الآية . وقيل : إلا ما شاء الله أن ينسى , ثم يذكر بعد ذلك فإذا قد نسي , ولكنه يتذكر ولا ينسى نسيانا كليا . وقد روي أنه أسقط آية في قراءته في الصلاة , فحسب أبي أنها نسخت , فسأله فقال : [ إني نسيتها ] . وقيل : هو من النسيان أي إلا ما شاء الله أن ينسيك . ثم قيل : هذا بمعنى النسخ أي إلا ما شاء الله أن ينسخه . والاستثناء نوع من النسخ . وقيل . النسيان بمعنى الترك أي يعصمك من أن تترك العمل به إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه إياه . فهذا في نسخ العمل , والأول في نسخ القراءة . قال الفرغاني : كان يغشى مجلس الجنيد أهل البسط من العلوم , وكان يغشاه ابن كيسان النحوي , وكان رجلا جليلا فقال يوما : ما تقول يا أبا القاسم في قول الله تعالى : { سنقرئك فلا تنسى }{ ؟ فأجابه مسرعا - كأنه تقدم له السؤال قبل ذلك بأوقات : لا تنسى العمل به . فقال ابن كيسان : لا يفضض الله فاك مثلك من يصدر عن رأيه . وقوله }{ فلا } : للنفي لا للنهي . وقيل : للنهي وإنما أثبتت الياء ; لأن رءوس الآي على ذلك . والمعنى : لا تغفل عن قراءته وتكراره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة . والأول هو المختار ; لأن الاستثناء من النهي لا يكاد يكون إلا مؤقتا معلوما . وأيضا فإن الياء مثبتة في جميع المصاحف , وعليها القراء . وقيل : معناه إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله . وقيل : المعنى فجعله غثاء أحوى إلا ما شاء الله أن ينال بنو آدم والبهائم , فإنه لا يصير كذلك . إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى أي الإعلان من القول والعمل .{ وما يخفى }{ من السر . وعن ابن عباس : ما في قلبك ونفسك . وقال محمد بن حاتم : يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها . وقيل : الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك .{ وما يخفى }{ هو ما نسخ من صدرك .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ
    +/- -/+  
الأية
8
 
ونيسرك } : معطوف على }{ سنقرئك }{ وقوله : { إنه يعلم الجهر وما يخفى }{ اعتراض . ومعنى }{ لليسرى }{ أي للطريقة اليسرى وهي عمل الخير . قال ابن عباس : نيسرك لأن تعمل خيرا . ابن مسعود : { لليسرى }{ أي للجنة . وقيل : نوفقك للشريعة اليسرى وهي الحنيفية السمحة السهلة قال معناه الضحاك . وقيل : أي نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعمل به .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَىٰ
    +/- -/+  
الأية
9
 
فذكر }{ أي فعظ قومك يا محمد بالقرآن .{ إن نفعت الذكرى }{ أي الموعظة . وروى يونس عن الحسن قال : تذكرة للمؤمن , وحجة على الكافر . وكان ابن عباس يقول : تنفع أوليائي , ولا تنفع أعدائي . وقال الجرجاني : التذكير واجب وإن لم ينفع . والمعنى : فذكر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع , فحذف كما قال : { سرابيل تقيكم الحر } [ النحل : 81 ] . وقيل : إنه مخصوص بأقوام بأعيانهم . وقيل : إن }{ إن }{ بمعنى ما أي فذكر ما نفعت الذكرى , فتكون }{ إن }{ بمعنى ما , لا بمعنى الشرط ; لأن الذكرى نافعة بكل حال قال ابن شجرة . وذكر بعض أهل العربية أن }{ إن }{ بمعنى إذ أي إذ نفعت كقوله تعالى : { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } [ آل عمران : 139 ] أي إذ كنتم فلم يخبر بعلوهم إلا بعد إيمانهم . وقيل : بمعنى قد .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَىٰ
    +/- -/+  
الأية
10
 
أي من يتقي الله ويخافه . فروى أبو صالح عن ابن عباس قال : نزلت في ابن أم مكتوم . الماوردي : وقد يذكر من يرجوه , إلا أن تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الراجي فلذلك علقها بالخشية دون الرجاء , وإن تعلقت بالخشية والرجاء . وقيل : أي عمم أنت التذكير والوعظ , وإن كان الوعظ إنما ينفع من يخشى , ولكن يحصل لك ثواب الدعاء حكاه القشيري .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى
    +/- -/+  
الأية
11
 
وَيَتَجَنَّبُهَا أي ويتجنب الذكرى ويبعد عنها . الْأَشْقَى أي الشقي في علم الله . وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ
    +/- -/+  
الأية
12
 
أي العظمى , وهي السفلى من أطباق النار قاله الفراء . وعن الحسن : الكبرى نار جهنم , والصغرى نار الدنيا وقاله يحيى بن سلام .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ
    +/- -/+  
الأية
13
 
أي لا يموت فيستريح من العذاب , ولا يحيا حياة تنفعه كما قال الشاعر : ألا ما لنفس لا تموت فينقضي عناها ولا تحيا حياة لها طعم وقد مضى في }{ النساء }{ وغيرها حديث أبي سعيد الخدري , وأن الموحدين من المؤمنين إذا دخلوا جهنم - وهي النار الصغرى على قول الفراء - احترقوا فيها وماتوا إلى أن يشفع فيهم . خرجه مسلم . وقيل : أهل الشقاء متفاوتون في شقائهم , هذا الوعيد للأشقى , وإن كان ثم شقي لا يبلغ هذه المرتبة .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ
    +/- -/+  
الأية
14
 
قد أفلح }{ أي قد صادف البقاء في الجنة أي من تطهر من الشرك بإيمان قاله ابن عباس وعطاء وعكرمة . وقال الحسن والربيع : من كان عمله زاكيا ناميا . وقال معمر عن قتادة : { تزكى }{ قال بعمل صالح . وعنه وعن عطاء وأبي العالية : نزلت في صدقة الفطر . وعن ابن سيرين }{ قد أفلح من تزكى . وذكر اسم ربه فصلى }{ قال : خرج فصلى بعدما أدى . وقال عكرمة : كان الرجل يقول أقدم زكاتي بين يدي صلاتي . فقال سفيان : قال الله تعالى : { قد أفلح من تزكى . وذكر اسم ربه فصلى } . وروي عن أبي سعيد الخدري وابن عمر : أن ذلك في صدقة الفطر , وصلاة العيد . وكذلك قال أبو العالية , وقال : إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها , ومن سقاية الماء . وروى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده , عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى : { قد أفلح من تزكى }{ قال : [ أخرج زكاة الفطر ] , { وذكر اسم ربه فصلى }{ قال : [ صلاة العيد ] . وقال ابن عباس والضحاك : { وذكر اسم ربه }{ في طريق المصلى }{ فصلى }{ صلاة العيد . وقيل : المراد بالآية زكاة الأموال كلها قال أبو الأحوص وعطاء . وروى ابن جريج قال : قلت لعطاء : { قد أفلح من تزكى }{ للفطر ؟ قال : هي للصدقات كلها . وقيل : هي زكاة الأعمال , لا زكاة الأموال , أي تطهر في أعماله من الرياء والتقصير ; لأن الأكثر أن يقال في المال : زكى , لا تزكى . وروى جابر بن عبد الله قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم - : [ { قد أفلح من تزكى }{ أي من شهد أن لا إله إلا الله , وخلع الأنداد , وشهد أني رسول الله ] . وعن ابن عباس }{ تزكى }{ قال : لا إله إلا الله . وروى عنه عطاء قال : نزلت في عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : كان بالمدينة منافق كانت له نخلة بالمدينة , مائلة في دار رجل من الأنصار , إذا هبت الرياح أسقطت البسر والرطب إلى دار الأنصاري , فيأكل هو وعياله , فخاصمه المنافق فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلى المنافق وهو لا يعلم نفاقه , فقال : [ إن أخاك الأنصاري ذكر أن بسرك ورطبك يقع إلى منزله , فيأكل هو وعياله , فهل لك أن أعطيك نخلة في الجنة بدلها ] ؟ فقال : أبيع عاجلا بآجل لا أفعل . فذكروا أن عثمان بن عفان أعطاه حائطا من نخل بدل نخلته ففيه نزلت }{ قد أفلح من تزكى } . ونزلت في المنافق }{ ويتجنبها الأشقى } . وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وقد ذكرنا القول في زكاة الفطر في سورة }{ البقرة }{ مستوفى . وقد تقدم أن هذه السورة مكية في قول الجمهور , ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر . القشيري : ولا يبعد أن يكون أثنى على من يمتثل أمره في صدقة الفطر وصلاة العيد , فيما يأمر به في المستقبل .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ
    +/- -/+  
الأية
15
 
أي ذكر ربه . وروى عطاء عن ابن عباس قال : يريد ذكر معاده وموقفه بين يدي الله جل ثناؤه , فعبده وصلى له . وقيل : ذكر اسم ربه بالتكبير في أول الصلاة ; لأنها لا تنعقد إلا بذكره وهو قوله : الله أكبر : وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح , وعلى أنها ليست من الصلاة ; لأن الصلاة معطوفة عليها . وفيه حجة لمن قال : إن الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء الله عز وجل . وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء . وقد مضى القول في هذا في أول سورة }{ البقرة } . وقيل : هي تكبيرات العيد . قال الضحاك : { وذكر اسم ربه }{ في طريق المصلى }{ فصلى }{ أي صلاة العيد . وقيل : { وذكر اسم ربه }{ وهو أن يذكره بقلبه عند صلاته , فيخاف عقابه , ويرجو ثوابه ليكون استيفاؤه لها , وخشوعه فيها , بحسب خوفه ورجائه . وقيل : هو أن يفتتح أول كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم .{ فصلى }{ أي فصلى وذكر . ولا فرق بين أن تقول : أكرمتني فزرتني , وبين أن تقول : زرتني فأكرمتني . قال ابن عباس : هذا في الصلاة المفروضة , وهي الصلوات الخمس . وقيل : الدعاء أي دعاء الله بحوائج الدنيا والآخرة . وقيل : صلاة العيد قاله أبو سعيد الخدري وابن عمر وغيرهما . وقد تقدم . وقيل : هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاته قاله أبو الأحوص , وهو مقتضى قول عطاء . وروي عن عبد الله قال : من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
    +/- -/+  
الأية
16
 
قراءة العامة }{ بل تؤثرون }{ بالتاء تصديقه قراءة أبي }{ بل أنتم تؤثرون } . وقرأ أبو عمرو ونصر بن عاصم }{ بل يؤثرون }{ بالياء على الغيبة تقديره : بل يؤثرون الأشقون الحياة الدنيا . وعلى الأول فيكون تأويلها بل تؤثرون أيها المسلمون الاستكثار من الدنيا , للاستكثار من الثواب . وعن ابن مسعود أنه قرأ هذه الآية , فقال : أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة ؟ لأن الدنيا حضرت وعجلت لنا طيباتها وطعامها وشرابها , ولذاتها وبهجتها , والآخرة غيبت عنا , فأخذنا العاجل , وتركنا الآجل . وروى ثابت عن أنس قال : كنا مع أبي موسى في مسير , والناس يتكلمون ويذكرون الدنيا . قال أبو موسى : يا أنس , إن هؤلاء يكاد أحدهم يفري الأديم بلسانه فريا , فتعال فلنذكر ربنا ساعة . ثم قال : يا أنس , ما ثبر الناس ما بطأ بهم ؟ قلت الدنيا والشيطان والشهوات . قال : لا , ولكن عجلت الدنيا , وغيبت الآخرة , أما والله لو عاينوها ما عدلوا ولا ميلوا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ
    +/- -/+  
الأية
17
 
قراءة العامة }{ بل تؤثرون }{ بالتاء تصديقه قراءة أبي }{ بل أنتم تؤثرون } . وقرأ أبو عمرو ونصر بن عاصم }{ بل يؤثرون }{ بالياء على الغيبة تقديره : بل يؤثرون الأشقون الحياة الدنيا . وعلى الأول فيكون تأويلها بل تؤثرون أيها المسلمون الاستكثار من الدنيا , للاستكثار من الثواب . وعن ابن مسعود أنه قرأ هذه الآية , فقال : أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة ؟ لأن الدنيا حضرت وعجلت لنا طيباتها وطعامها وشرابها , ولذاتها وبهجتها , والآخرة غيبت عنا , فأخذنا العاجل , وتركنا الآجل . وروى ثابت عن أنس قال : كنا مع أبي موسى في مسير , والناس يتكلمون ويذكرون الدنيا . قال أبو موسى : يا أنس , إن هؤلاء يكاد أحدهم يفري الأديم بلسانه فريا , فتعال فلنذكر ربنا ساعة . ثم قال : يا أنس , ما ثبر الناس ما بطأ بهم ؟ قلت الدنيا والشيطان والشهوات . قال : لا , ولكن عجلت الدنيا , وغيبت الآخرة , أما والله لو عاينوها ما عدلوا ولا ميلوا .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ
    +/- -/+  
الأية
18
 
قال قتادة وابن زيد : يريد قوله }{ والآخرة خير وأبقى } . وقالا : تتابعت كتب الله جل ثناؤه كما تسمعون أن الآخرة خير وأبقى من الدنيا . وقال الحسن : { إن هذا لفي الصحف الأولى }{ قال : كتب الله جل ثناؤه كلها . الكلبي : { إن هذا لفي الصحف الأولى }{ من قوله : { قد أفلح }{ إلى آخر السورة لحديث أبي ذر على ما يأتي . وروى عكرمة عن ابن عباس : { إن هذا لفي الصحف الأولى }{ قال : هذه السورة . وقال الضحاك : إن هذا القرآن لفي الصحف الأولى أي الكتب الأولى .

 
Tafseer Al-Qurtoubiy  تفسير القرطبي
صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ
    +/- -/+  
الأية
19
 
يعني الكتب المنزلة عليهما . ولم يرد أن هذه الألفاظ بعينها في تلك الصحف , وإنما هو على المعنى أي إن معنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف . وروى الآجري من حديث أبي ذر قال : قلت يا رسول الله , فما كانت صحف إبراهيم ؟ قال : كانت أمثالا كلها : أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور , إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض , ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم . فإني لا أردها ولو كانت من فم كافر . وكان فيها أمثال : وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يناجي فيها ربه , وساعة يحاسب فيها نفسه , يفكر فيها في صنع الله عز وجل إليه , وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب . وعلى العاقل ألا يكون ظاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاد , ومرمة لمعاش , ولذة في غير محرم . وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه , مقبلا على شأنه , حافظا للسانه . ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه . قال : قلت يا رسول الله , فما كانت صحف موسى ؟ قال : كانت عبرا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ! وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب . وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ! وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل ! . قال : قلت يا رسول الله , فهل في أيدينا شيء مما كان في يدي إبراهيم وموسى , مما أنزل الله عليك ؟ قال : نعم اقرأ يا أبا ذر : { قد أفلح من تزكى . وذكر اسم ربه فصلى . بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى . إن هذا لفي الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى } .

نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer



 


© EsinIslam.Com Designed & produced by The Awqaf London. Please pray for us