أقسم سبحانه بهذه الأشياء التي ذكرها , على أن القيامة حق . و }{ النازعات } :
الملائكة التي تنزع أرواح الكفار ; قاله علي رضي الله عنه , وكذا قال ابن مسعود
وابن عباس ومسروق ومجاهد : هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم . قال ابن مسعود : يريد
أنفس الكفار ينزعها ملك الموت من أجسادهم , من تحت كل شعرة , ومن تحت الأظافير
وأصول القدمين نزعا كالسفود ينزع من الصوف الرطب , يغرقها , أي يرجعها في أجسادهم ,
ثم ينزعها فهذا عمله بالكفار . وقاله ابن عباس . وقال سعيد بن جبير : نزعت أرواحهم ,
ثم غرقت , ثم حرقت ; ثم قذف بها في النار . وقيل : يرى الكافر نفسه في وقت النزع
كأنها تغرق . وقال السدي : و }{ النازعات }{ هي النفوس حين تغرق في الصدور . مجاهد : هي
الموت ينزع النفوس . الحسن وقتادة : هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق ; أي تذهب , من
قولهم : نزع إليه أي ذهب , أو من قولهم : نزعت الخيل أي جرت .{ غرقا }{ أي إنها تغرق
وتغيب وتطلع من أفق إلى أفق آخر . وقاله أبو عبيدة وابن كيسان والأخفش . وقيل :
النازعات القسي تنزع بالسهام ; قاله عطاء وعكرمة . و }{ غرقا }{ بمعنى إغراقا ; وإغراق
النازع في القوس أن يبلغ غاية المد , حتى ينتهي إلى النصل . يقال : أغرق في القوس أي
استوفى مدها , وذلك بأن تنتهي إلى العقب الذي عند النصف الملفوف عليه . والاستغراق
الاستيعاب . ويقال لقشرة البيضة الداخلة : { غرقئ } . وقيل : هم الغزاة الرماة . قلت :
هو والذي قبله سواء ; لأنه إذا أقسم بالقسي فالمراد النازعون بها تعظيما لها ; وهو
مثل قوله تعالى : { والعاديات ضبحا } [ العاديات : 1 ] والله أعلم . وأراد بالإغراق
: المبالغة في النزع وهو سائر في جميع وجوه تأويلها . وقيل : هي الوحش تنزع من الكلأ
وتنفر . حكاه يحيى ابن سلام . ومعنى }{ غرقا }{ أي إبعادا في النزع .
قال ابن عباس : يعني الملائكة تنشط نفس المؤمن فتقبضها كما ينشط العقال من يد
البعير : إذا حل عنه . وحكى هذا القول الفراء ثم قال : والذي سمعت من العرب أن
يقولوا أنشطت وكأنما أنشط من عقال . وربطها نشطها والرابط الناشط , وإذا ربطت الحبل
في يد البعير فقد نشطته , فأنت ناشط , وإذا حللته فقد أنشطته وأنت منشط . وعن ابن
عباس أيضا : هي أنفس المؤمنين عند الموت تنشط للخروج ; وذلك أنه ما من مؤمن [ يحضره
الموت ] إلا وتعرض عليه الجنة قبل أن يموت , فيرى فيها ما أعد الله له من أزواجه
وأهله من الحور العين , فهم يدعونه إليها , فنفسه إليهم نشطة أن تخرج فتأتيهم . وعنه
أيضا قال : يعني أنفس الكفار والمنافقين تنشط كما ينشط العقب , الذي يعقب به السهم
. والعقب بالتحريك : العصب الذي تعمل منه الأوتار , الواحدة عقبة ; تقول منه : عقب
السهم والقدح والقوس عقبا : إذا لوى شيئا منه عليه . والنشط : الجذب بسرعة , ومنه
الأنشوطة : عقدة يسهل انحلالها إذا جذبت مثل عقدة التكة . وقال أبو زيد : نشطت الحبل
أنشطه نشطا : عقدته بأنشوطة , وأنشطته أي حللته , وأنشطت الحبل أي مددته حتى ينحل
. وقال الفراء : أنشط العقال أي حل , ونشط : أي ربط الحبل في يديه . وقال الليث :
أنشطته بأنشوطة وأنشوطتين أي أوثقته , وأنشطت العقال : أي مددت أنشوطته فانحلت . قال
: ويقال نشط بمعنى أنشط , لغتان بمعنى ; وعليه يصح قول ابن عباس المذكور أولا . وعنه
أيضا : الناشطات الملائكة لنشاطها , تذهب وتجيء بأمر الله حيثما كان . وعنه أيضا وعن
علي رضي الله عنهما : هي الملائكة تنشط أرواح الكفار , ما بين الجلد والأظفار , حتى
تخرجها من أجوافهم نشطا بالكرب والغم , كما تنشط الصوف من سفود الحديد , وهي من
النشط بمعنى الجذب ; يقال : نشطت الدلو أنشطها بالكسر , وأنشطها بالضم : أي نزعتها
. قال الأصمعي : بئر أنشاط : أي قريبة القعر , تخرج الدلو منها بجذبة واحدة . وبئر
نشوط ; قال : وهي التي لا يخرج منها الدلو حتى تنشط كثيرا . وقال مجاهد : هو الموت
ينشط نفس الإنسان . السدي : هي النفوس حين تنشط من القدمين . وقيل : النازعات : أيدي
الغزاة أو أنفسهم , تنزع القسي بإغراق السهام , وهي التي تنشط الأوهاق . عكرمة وعطاء
: هي الأوهاق تنشط السهام . وعن عطاء أيضا وقتادة والحسن والأخفش : هي النجوم تنشط
من أفق إلى أفق : أي تذهب . وكذا في الصحاح .{ والناشطات نشطا }{ يعني النجوم من برج
إلى برج , كالثور الناشط من بلد إلى بلد . والهموم تنشط بصاحبها ; قال هميان بن
قحافة : أمست همومي تنشط المناشطا الشام بي طورا وطورا واسطا أبو عبيدة وعطاء أيضا
: الناشطات : هي الوحش حين تنشط من بلد إلى بلد , كما أن الهموم تنشط الإنسان من
بلد إلى بلد ; وأنشد قول هميان : أمست همومي .. .( البيت ) وقيل : { والنازعات }
للكافرين }{ والناشطات }{ للمؤمنين , فالملائكة يجذبون روح المؤمن برفق , والنزع جذب
بشدة , والنشط جذب برفق . وقيل : هما جميعا للكفار والآيتان بعدهما للمؤمنين عند
فراق الدنيا .
قال علي رضي الله عنه : هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين . الكلبي : هي الملائكة
تقبض أرواح المؤمنين , كالذي يسبح في الماء , فأحيانا ينغمس وأحيانا يرتفع ,
يسلونها سلا رفيقا بسهولة , ثم يدعونها حتى تستريح . وقال مجاهد وأبو صالح : هي
الملائكة ينزلون من السماء مسرعين لأمر الله , كما يقال للفرس الجواد سابح : إذا
أسرع في جريه . وعن مجاهد أيضا : الملائكة تسبح في نزولها وصعودها . وعنه أيضا :
السابحات : الموت يسبح في أنفس بني آدم . وقيل : هي الخيل الغزاة ; قال عنترة :
والخيل تعلم حين تس بح في حياض الموت سبحا وقال امرؤ القيس : مسح إذا ما السابحات
على الونى أثرن غبارا بالكديد المركل قتادة والحسن : هي النجوم تسبح في أفلاكها ,
وكذا الشمس والقمر ; قال الله تعالى : { كل في فلك يسبحون } . عطاء : هي السفن تسبح
في الماء . ابن عباس : السابحات أرواح المؤمنين تسبح شوقا إلى لقاء الله ورحمته حين
تخرج .
قال علي رضي الله عنه : هي الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء عليهم
السلام . وقاله مسروق ومجاهد . وعن مجاهد أيضا وأبي روق : هي الملائكة سبقت ابن آدم
بالخير والعمل الصالح . وقيل : تسبق بني آدم إلى العمل الصالح فتكتبه . وعن مجاهد
أيضا : الموت يسبق الإنسان . مقاتل : هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة
. ابن مسعود : هي أنفس المؤمنين تسبق , إلى الملائكة الذين يقبضونها وقد عاينت
السرور , شوقا إلى لقاء الله تعالى ورحمته . ونحوه عن الربيع , قال : هي النفوس تسبق
بالخروج عند الموت . وقال قتادة والحسن ومعمر : هي النجوم يسبق بعضها بعضا في السير
. عطاء : هي الخيل التي تسبق إلى الجهاد . وقيل : يحتمل أن تكون السابقات ما تسبق من
الأرواح قبل الأجساد إلى جنة أو نار ; قاله الماوردي . وقال الجرجاني : ذكر }
فالسابقات }{ بالفاء لأنها مشتقة من التي قبلها ; أي واللائي يسبحن فيسبقن , تقول :
قام فذهب ; فهذا يوجب أن يكون القيام سببا للذهاب , ولو قلت : قام وذهب , لم يكن
القيام سببا للذهاب .
قال القشيري : أجمعوا على أن المراد الملائكة . وقال الماوردي : فيه قولان : أحدهما
الملائكة ; قال الجمهور . والقول الثاني هي الكواكب السبعة . حكاه خالد بن معدان عن
معاذ بن جبل . وفي تدبيرها الأمر وجهان : أحدهما تدبير طلوعها وأفولها . الثاني
تدبيرها ما قضاه الله تعالى فيها من تقلب الأحوال . وحكى هذا القول أيضا القشيري في
تفسيره , وأن الله تعالى علق كثيرا من تدبير أمر العالم بحركات النجوم , فأضيف
التدبير إليها وإن كان من الله , كما يسمى الشيء باسم ما يجاوره . وعلى أن المراد
بالمدبرات الملائكة , فتدبيرها نزولها بالحلال والحرام وتفصيله ; قاله ابن عباس
وقتادة وغيرهما . وهو إلى الله جل ثناؤه , ولكن لما نزلت الملائكة به سميت بذلك ;
كما قال عز وجل : { نزل به الروح الأمين } [ الشعراء : 193 ] . وكما قال تعالى : { فإنه نزله على قلبك } [ البقرة : 97 ] . يعني جبريل نزله على قلب محمد صلى الله عليه
وسلم , والله عز وجل هو الذي أنزله وروى عطاء عن ابن عباس : { فالمدبرات أمرا } :
الملائكة وكلت بتدبير أحوال الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك . قال عبد الرحمن بن
ساباط : تدبير أمر الدنيا إلى أربعة ; جبريل وميكائيل وملك الموت واسمه عزرائيل
وإسرافيل , فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود , وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات
, وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس في البر والبحر , وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر
عليهم , وليس من الملائكة أقرب من إسرافيل , وبينه وبين العرش مسيرة خمسمائة عام
. وقيل : أي وكلوا بأمور عرفهم الله بها . ومن أول السورة إلى هنا قسم أقسم الله به ,
ولله أن يقسم بما شاء من خلقه , وليس لنا ذلك إلا به عز وجل . وجواب القسم مضمر ,
كأنه قال : والنازعات وكذا وكذا لتبعثن ولتحاسبن . أضمر لمعرفة السامعين بالمعنى ;
قاله الفراء . ويدل عليه قوله تعالى : { أإذا كنا عظاما نخرة }{ ألست ترى أنه كالجواب
لقولهم : { أإذا كنا عظاما نخرة }{ نبعث ؟ فاكتفى بقوله : { أإذا كنا عظاما نخرة }{ ؟
وقال قوم : وقع القسم على قوله : { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } [ النازعات : 26 ]
وهذا اختيار الترمذي بن علي . أي فيما قصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى وفرعون }
لعبرة لمن يخشى }{ ولكن وقع القسم على ما في السورة مذكورا ظاهرا بارزا أحرى وأقمن
من أن يؤتى بشيء ليس بمذكور فيما قال ابن الأنباري : وهذا قبيح ; لأن الكلام قد طال
فيما بينهما . وقيل : جواب القسم }{ هل أتاك حديث موسى }{ لأن المعنى قد أتاك .
وقيل : الجواب }{ يوم ترجف الراجفة }{ على تقدير ليوم ترجف , فحذف اللام . وقيل : فيه
تقديم وتأخير , وتقديره يوم ترجف الراجفة وتتبعها الرادفة والنازعات غرقا . وقال
السجستاني : يجوز أن يكون هذا من التقديم والتأخير , كأنه قال : فإذا هم بالساهرة
والنازعات . ابن الأنباري : وهذا خطأ ; لأن الفاء لا يفتح بها الكلام , والأول الوجه
. وقيل : إنما وقع القسم على أن قلوب أهل النار ترجف , وأبصارهم تخشع , فانتصاب }
يوم ترجف الراجفة }{ على هذا المعنى , ولكن لم يقع عليه . قال الزجاج : أي قلوب واجفة
يوم ترجف , وقيل : انتصب بإضمار اذكر و }{ ترجف }{ أي تضطرب . والراجفة : أي المضطربة
كذا قال عبد الرحمن بن زيد ; قال : هي الأرض , والرادفة الساعة . مجاهد : الراجفة
الزلزلة .
الصيحة . وعنه أيضا وابن عباس والحسن وقتادة : هما الصيحتان . أي النفختان . أما
الأولى فتميت كل شيء بإذن الله تعالى , وأما الثانية فتحيي كل شيء بإذن الله تعالى
. وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : : ( بينهما أربعون سنة ) وقال
مجاهد أيضا : الرادفة حين تنشق السماء وتحمل الأرض والجبال فتدك دكة واحدة , وذلك
بعد الزلزلة . وقيل : الراجفة تحرك الأرض , والرادفة زلزلة أخرى تفني الأرضين }
. فالله أعلم . وقد مضى في آخر }{ النمل }{ ما فيه كفاية في النفخ في الصور . وأصل
الرجفة الحركة , قال الله تعالى : { يوم ترجف الأرض }{ وليست الرجفة ههنا من الحركة
فقط , بل من قولهم : رجف الرعد يرجف رجفا ورجيفا : أي أظهر الصوت والحركة , ومنه
سميت الأراجيف , لاضطراب الأصوات بها , وإفاضة الناس فيها ; قال : أبا الأراجيف يا
ابن اللؤم توعدني وفي الأراجيف خلت اللؤم والخورا وعن أبي بن كعب أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان إذا ذهب ربع الليل قام ثم قال : [ يا أيها الناس اذكروا الله ,
جاءت الراجفة تتبعها الرادفة , جاء الموت بما فيه ] .
أي خائفة وجلة ; قاله ابن عباس وعليه عامة المفسرين . وقال السدي : زائلة عن أماكنها
. نظيره }{ إذ القلوب لدى الحناجر } [ غافر : 18 ] . وقال المؤرج : قلقة مستوفزة ,
مرتكضة غير ساكنة . وقال المبرد : مضطربة . والمعنى متقارب , والمراد قلوب الكفار ;
يقال وجف القلب يجف وجيفا إذا خفق , كما يقال : وجب يجب وجيبا , ومنه وجيف الفرس
والناقة في العدو , والإيجاف حمل الدابة على السير السريع , قال : بدلن بعد جرة
صريفا وبعد طول النفس الوجيفا و }{ قلوب }{ رفع بالابتداء و }{ واجفة }{ صفتها . و }
أبصارها خاشعة }{ خبرها .
أي يقول هؤلاء المكذبون المنكرون للبعث , إذا قيل لهم إنكم تبعثون , قالوا منكرين
متعجبين : أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر , فنعود أحياء كما كنا قبل الموت ؟ وهو
كقولهم : { أإنا لمبعوثون خلقا جديدا }{ يقال : رجع فلان في حافرته , وعلى حافرته ,
أي رجع من حيث جاء ; قاله قتادة . وأنشد ابن الأعرابي : أحافرة على صلع وشيب معاذ
الله من سفه وعار يقول : أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي من الغزل والصبا بعد أن
شبت وصلعت ! ويقال : رجع على حافرته : أي الطريق الذي جاء منه . وقولهم في المثل :
النقد عند الحافرة . قال يعقوب : أي عند أول كلمة . ويقال : التقى القوم فاقتتلوا عند
الحافرة . أي عند أول ما التقوا وقيل : الحافرة العاجلة ; أي أإنا لمردودون إلى
الدنيا فنصير أحياء كما كنا ؟ قال الشاعر : آليت لا أنساكم فاعلموا حتى يرد الناس
في الحافرة وقيل : الحافرة : الأرض التي تحفر فيها قبورهم , فهي بمعنى المحفورة ;
كقوله تعالى : { ماء دافق }{ و }{ عيشة راضية } . والمعنى أإنا لمردودون في قبورنا
أحياء . قاله مجاهد والخليل والفراء . وقيل : سميت الأرض الحافرة ; لأنها مستقر
الحوافر , كما سميت القدم أرضا ; لأنها على الأرض . والمعنى أإنا لراجعون بعد الموت
إلى الأرض فنمشي على أقدامنا . وقال ابن زيد : الحافرة : النار , وقرأ }{ تلك إذا كرة
خاسرة } . وقال مقاتل وزيد بن أسلم : هي اسم من أسماء النار . وقال ابن عباس :
الحافرة في كلام العرب : الدنيا . وقرأ أبو حيوة : { الحفرة }{ بغير ألف , مقصور من
الحافر . وقيل : الحفرة : الأرض المنتنة بأجساد موتاها ; من قولهم : حفرت أسنانه ,
إذا ركبها الوسخ من ظاهرها وباطنها . يقال : في أسنانه حفر , وقد حفرت تحفر حفرا ,
مثل كسر يكسر كسرا إذا فسدت أصولها . وبنو أسد يقولون : في أسنانه حفر بالتحريك . وقد
حفرت مثال تعب تعبا , وهي أردأ اللغتين قاله في الصحاح .
أي بالية متفتتة . يقال : نخر العظم بالكسر : أي بلي وتفتت ; يقال : عظام نخرة . وكذا
قرأ الجمهور من أهل المدينة ومكة والشام والبصرة , واختاره أبو عبيد ; لأن الآثار
التي تذكر فيها العظام , نظرنا فيها فرأينا نخرة لا ناخرة . وقرأ أبو عمرو وابنه عبد
الله وابن عباس وابن مسعود وابن الزبير وحمزة والكسائي وأبو بكر }{ ناخرة }{ بألف ,
واختاره الفراء والطبري وأبو معاذ النحوي ; لوفاق رءوس الآي . وفي الصحاح : والناخر
من العظام التي تدخل الريح فيه ثم تخرج منه ولها نخير . ويقال : ما بها ناخر , أي ما
بها أحد . حكاه يعقوب عن الباهلي . وقال أبو عمرو بن العلاء : الناخرة التي لم تنخر
بعد , أي لم تبل ولا بد أن تنخر . وقيل : الناخر المجوفة . وقيل : هما لغتان بمعنى ;
كذلك تقول العرب : نخر الشيء فهو نخر وناخر ; كقولهم : طمع فهو طمع وطامع , وحذر
وحاذر , وبخل وباخل , وفره وفاره ; قال الشاعر : يظل بها الشيخ الذي كان بادنا يدب
على عوج له نخرات عوج : يعني قوائم . وفي بعض التفسير : ناخرة بالألف : بالية ,
ونخرة : تنخر فيها الريح أي تمر فيها , على عكس الأول ; قال : من بعد ما صرت عظاما
ناخره وقال بعضهم : الناخرة : التي أكلت أطرافها وبقيت أوساطها . والنخرة : التي
فسدت كلها . قال مجاهد : نخرة أي مرفوتة ; كما قال تعالى : { عظاما ورفاتا }{ ونخرة
الريح بالضم : شدة هبوبها . والنخرة أيضا والنخرة مثال الهمزة : مقدم أنف الفرس
والحمار والخنزير ; يقال : هشم نخرته : أي أنفه .
أي رجعة خائبة , كاذبة باطلة , أي ليست كائبة ; قاله الحسن وغيره . الربيع بن أنس :
{ خاسرة }{ على من كذب بها . وقيل : أي هي كرة خسران . والمعنى أهلها خاسرون ; كما
يقال : تجارة رابحة أي يربح صاحبها . ولا شيء أخسر من كرة تقتضي المصير إلى النار
. وقال قتادة ومحمد بن كعب : أي لئن رجعنا أحياء بعد الموت لنحشرن بالنار , وإنما
قالوا هذا ; لأنهم أوعدوا بالنار . والكر : الرجوع ; يقال : كره , وكر بنفسه , يتعدى
ولا يتعدى . والكرة : المرة , والجمع الكرات .
فإذا هم }{ أي الخلائق أجمعون }{ بالساهرة }{ أي على وجه الأرض , بعد ما كانوا في
بطنها . قال الفراء : سميت بهذا الاسم ; لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم . والعرب تسمي
الفلاة ووجه الأرض ساهرة , بمعنى ذات سهر ; لأنه يسهر فيها خوفا منها , فوصفها بصفة
ما فيها ; واستدل ابن عباس والمفسرون بقول أمية ابن أبي الصلت : وفيها لحم ساهرة
وبحر وما فاهوا به لهم مقيم وقال آخر يوم ذي قار لفرسه : أقدم محاج إنها الأساوره
ولا يهولنك رجل نادره فإنما قصرك ترب الساهره ثم تعود بعدها في الحافره من بعد ما
صرت عظاما ناخره وفي الصحاح . ويقال : الساهور : ظل الساهرة , وهي وجه الأرض . ومنه
قوله تعالى : { فإذا هم بالساهرة } , قال أبو كبير الهذلي : يرتدن ساهرة كأن جميمها
وعميمها أسداف ليل مظلم ويقال : الساهور : كالغلاف للقمر يدخل فيه إذا كسف ,
وأنشدوا قول أمية بن أبي الصلت : قمر وساهور يسل ويغمد وأنشدوا لآخر في وصف امرأة :
كأنها عرق سام عند ضاربه أو شقة خرجت من جوف ساهور يريد شقة القمر . وقيل : الساهرة
: هي الأرض البيضاء . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : أرض من فضة لم يعص الله جل
ثناؤه عليها قط خلقها حينئذ . وقيل : أرض جددها الله يوم القيامة . وقيل : الساهرة
اسم الأرض السابعة يأتي بها الله تعالى فيحاسب عليها الخلائق , وذلك حين تبدل الأرض
غير الأرض . وقال الثوري : الساهرة : أرض الشام . وهب بن منبه : جبل بيت المقدس
. عثمان بن أبي العاتكة : إنه اسم مكان من الأرض بعينه , بالشام , وهو الصقع الذي
بين جبل أريحاء وجبل حسان يمده الله كيف يشاء . قتادة : هي جهنم أي فإذا هؤلاء
الكفار في جهنم . وإنما قيل لها ساهرة ; لأنهم لا ينامون عليها حينئذ . وقيل :
الساهرة : بمعنى الصحراء على سفير جهنم ; أي يوقفون بأرض القيامة , فيدوم السهر
حينئذ . ويقال : الساهرة : الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك ; لأن السراب يجري فيها
من قولهم عين ساهرة : جارية الماء , وفي ضدها : نائمة ; قال الأشعث بن قيس : وساهرة
يضحي السراب مجللا لأقطارها قد جئتها متلثما أو لأن سالكها لا ينام خوف الهلكة .
أي قد جاءك وبلغك }{ حديث موسى }{ وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم . أي إن فرعون
كان أقوى من كفار عصرك , ثم أخذناه , وكذلك هؤلاء . وقيل : { هل }{ بمعنى }{ ما }{ أي
ما أتاك , ولكن أخبرت به , فإن فيه عبرة لمن يخشى . وقد مضى من خبر موسى وفرعون في
غير موضع ما فيه كفاية .
وفي }{ طوى }{ ثلاث قراءات : قرأ ابن محيصن وابن عامر والكوفيون }{ طوى }{ منونا
واختاره أبو عبيد لخفة الاسم الباقون بغير تنوين ; لأنه معدول مثل عمر وقثم قال
الفراء : طوى : واد بين المدينة ومصر . قال : وهو معدول عن طاو , كما عدل عمر عن
عامر وقرأ الحسن وعكرمة }{ طوى }{ بكسر الطاء , وروي عن أبي عمرو , على معنى المقدس
مرة بعد مرة ; قال الزجاج ; وأنشد : أعاذل إن اللوم في غير كنهه علي طوى من غيك
المتردد أي هو لوم مكرر علي . وقيل : ضم الطاء وكسرها لغتان , وقد مضى في }{ طه }
القول فيه .
اذهب إلى فرعون }{ أي ناداه ربه , فحذف ; لأن النداء قول ; فكأنه ; قال له ربه }
اذهب إلى فرعون } .{ إنه طغى }{ أي جاوز القدر في العصيان . وروي عن الحسن قال : كان
فرعون علجا من همدان . وعن مجاهد قال : كان من أهل إصطخر . وعن الحسن أيضا قال : من
أهل أصبهان , يقال : له ذو ظفر , طوله أربعة أشبار . وقال صخر بن جويرية : لما بعث
الله موسى إلى فرعون قال له : { اذهب إلى فرعون }{ إلى قوله }{ وأهديك إلى ربك فتخشى
{ ولن يفعل , فقال : يا رب , وكيف أذهب إليه وقد علمت أنه لا يفعل ؟ فأوحى الله
إليه أن امض إلى ما أمرتك به , فإن في السماء اثني عشر ألف ملك يطلبون علم القدر ,
فلم يبلغوه ولا يدركوه .
أي تسلم فتطهر من الذنوب . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : هل لك أن تشهد أن لا إله
إلا الله . وقرأ نافع وابن كثير }{ تزكى }{ بتشديد الزاي , على إدغام التاء في الزاي ;
لأن أصلها تتزكى . الباقون : { تزكى }{ بتخفيف الزاي على معنى طرح التاء . وقال أبو
عمرو : { تزكى }{ بالتشديد تتصدق بالصدقة , و }{ تزكى }{ يكون زكيا مؤمنا . وإنما دعا
فرعون ليكون زكيا مؤمنا . قال : فلهذا اخترنا التخفيف . وقال صخر بن جويرية : لما بعث
الله موسى إلى فرعون قال له : { اذهب إلى فرعون }{ إلى قوله }{ وأهديك إلى ربك فتخشى
{ ولن يفعل , فقال : يا رب , وكيف أذهب إليه وقد علمت أنه لا يفعل ؟ فأوحى الله
إليه أن امض إلى ما أمرتك به , فإن في السماء اثني عشر ألف ملك يطلبون علم القدر ,
فلم يبلغوه ولا يدركوه .
وأهديك إلى ربك }{ أي وأرشدك إلى طاعة ربك }{ فتخشى }{ أي تخافه وتتقيه . وقال صخر بن
جويرية : لما بعث الله موسى إلى فرعون قال له : { اذهب إلى فرعون }{ إلى قوله }
وأهديك إلى ربك فتخشى }{ ولن يفعل , فقال : يا رب , وكيف أذهب إليه وقد علمت أنه لا
يفعل ؟ فأوحى الله إليه أن امض إلى ما أمرتك به , فإن في السماء اثني عشر ألف ملك
يطلبون علم القدر , فلم يبلغوه ولا يدركوه .
فأراه الآية الكبرىأي العلامة العظمى وهي المعجزة وقيل : العصا . وقيل : اليد
البيضاء تبرق كالشمس . وروى الضحاك عن ابن عباس : الآية الكبرى قال العصا . الحسن :
يده وعصاه . وقيل : فلق البحر . وقيل : الآية : إشارة إلى جميع آياته ومعجزاته .
فحشر }{ أي جمع أصحابه ليمنعوه منها . وقيل : جمع جنوده للقتال والمحاربة , والسحرة
للمعارضة . وقيل : حشر الناس للحضور .{ فنادى }{ أي قال لهم بصوت عال وقيل : في
الكلام تقديم وتأخير ; فنادى فحشر ; لأن النداء يكون قبل الحشر .
أي لا رب لكم فوقي . ويروى : أن إبليس تصور لفرعون في صورة الإنس بمصر في الحمام ,
فأنكره فرعون , فقال له إبليس : ويحك ! أما تعرفني ؟ قال : لا . قال : وكيف وأنت
خلقتني ؟ ألست القائل أنا ربكم الأعلى . ذكره الثعلبي في كتاب العرائس . وقال عطاء :
كان صنع لهم أصناما صغارا وأمرهم بعبادتها , فقال أنا رب أصنامكم . وقيل : أراد
القادة والسادة . هو ربهم , وأولئك , هم أرباب السفلة .
أي نكال قوله : { ما علمت لكم من إله غيري } [ القصص : 38 ] وقوله بعد : { أنا ربكم
الأعلى } [ النازعات : 24 ] قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة . وكان بين الكلمتين أربعون
سنة ; قاله ابن عباس . والمعنى : أمهله في الأولى , ثم أخذه في الآخرة , فعذبه
بكلمتيه . وقيل : نكال الأولى : هو أن أغرقه , ونكال الآخرة : العذاب في الآخرة
. وقاله قتادة وغيره . وقال مجاهد : هو عذاب أول عمره وآخره وقيل : الآخرة قوله }{ أنا
ربكم الأعلى }{ والأولى تكذيبه لموسى . عن قتادة أيضا . و }{ نكال }{ منصوب على المصدر
المؤكد في قول الزجاج ; لأن معنى أخذه الله : نكل الله به , فأخرج [ نكال ] مكان
مصدر من معناه , لا من لفظه . وقيل : نصب بنزع حرف الصفة . أي فأخذه الله بنكال
الآخرة , فلما نزع الخافض نصب . وقال الفراء : أي أخذه الله أخذا نكالا , أي للنكال
. والنكال : اسم لما جعل نكالا للغير أي عقوبة له حتى يعتبر به . يقال : نكل فلان
بفلان : إذا أثخنه عقوبة . والكلمة من الامتناع , ومنه النكول عن اليمين , والنكل
القيد . وقد مضى في سورة }{ المزمل }{ والحمد لله .
أأنتم أشد خلقا }{ يريد أهل مكة , أي أخلقكم بعد الموت أشد في تقديركم }{ أم السماء
{ فمن قدر على السماء قدر على الإعادة ; كقوله تعالى : { لخلق السموات والأرض أكبر
من خلق الناس } [ غافر : 57 ] وقوله تعالى : { أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر
على أن يخلق مثلهم } [ يس : 81 ] , فمعنى الكلام التقريع والتوبيخ . ثم وصف السماء
فقال : { بناها }{ أي رفعها فوقكم كالبناء .
رفع سمكها }{ أي أعلى سقفها في الهواء ; يقال : سمكت الشيء أي رفعته في الهواء ,
وسمك الشيء سموكا : ارتفع وقال الفراء : كل شيء حمل شيئا من البناء وغيره فهو سمك
. وبناء مسموك وسنام سامك تامك أي عال , والمسموكات : السموات . ويقال : اسمك في
الديم , أي اصعد في الدرجة .{ فسواها }{ أي خلقها خلقا مستويا , لا تفاوت فيه , ولا
شقوق , ولا فطور .
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا أي جعله مظلما ; غطش الليل وأغطشه الله ; كقولك : ظلم [ الليل
] وأظلمه الله . ويقال أيضا : أغطش الليل بنفسه . وأغطشه الله كما يقال : أظلم الليل
, وأظلمه الله . والغطش والغبش : الظلمة . ورجل أغطش : أي أعمى , أو شبيه به , وقد
غطش , والمرأة غطشاء ; ويقال : ليلة غطشاء , وليل أغطش وفلاة غطشى لا يهتدى لها ;
قال الأعشى : ويهماء بالليل غطشى الفلا ة يؤنسني صوت فيادها وقال الأعشى أيضا :
عقرت لهم موهنا ناقتي وغامرهم مدلهم غطش يعني بغامرهم ليلهم ; لأنه غمرهم بسواده
. وأضاف الليل إلى السماء ; لأن الليل يكون بغروب الشمس , والشمس مضاف إلى السماء ,
ويقال : نجوم الليل ; لأن ظهورها بالليل . وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا أي أبرز نهارها
وضوءها وشمسها . وأضاف الضحى إلى السماء كما أضاف إليها الليل ; لأن فيها سبب الظلام
والضياء وهو غروب الشمس وطلوعها .
أي بسطها . وهذا يشير إلى كون الأرض بعد السماء . وقد مضى القول فيه في أول }{ البقرة
{ عند قوله تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا , ثم استوى إلى السماء } [
البقرة : 29 ] مستوفى والعرب تقول : دحوت الشيء أدحوه دحوا : إذا بسطته . ويقال لعش
النعامة أدحى ; لأنه مبسوط على وجه الأرض . وقال أمية بن أبي الصلت : وبث الخلق فيها
إذ دحاها فهم قطانها حتى التنادي وأنشد المبرد : دحاها فلما رآها استوت على الماء
أرسى عليها الجبالا وقيل : دحاها سواها ; ومنه قول زيد بن عمرو : وأسلمت وجهي لمن
أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا دحاها فلما استوت شدها بأيد وأرسى عليها الجبالا
وعن ابن عباس : خلق الله الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان , قبل أن يخلق
الدنيا بألف عام , ثم دحيت الأرض من تحت البيت . وذكر بعض أهل العلم أن }{ بعد }{ في
موضع }{ مع }{ كأنه قال : والأرض مع ذلك دحاها ; كما قال تعالى : { عتل بعد ذلك زنيم
" [ القلم : 13 ] . ومنه قولهم : أنت أحمق وأنت بعد هذا سيئ الخلق , قال الشاعر :
فقلت لها عني إليك فإنني حرام وإني بعد ذاك لبيب أي مع ذلك لبيب . وقيل : بعد :
بمعنى قبل ; كقوله تعالى : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } [ الأنبياء : 105
] أي من قبل الفرقان , قال أبو خراش الهذلي : حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا خراش وبعض
الشر أهون من بعض وزعموا أن خراشا نجا قبل عروة . وقيل : { دحاها } : حرثها وشقها
. قاله ابن زيد . وقيل : دحاها مهدها للأقوات . والمعنى متقارب وقراءة العامة }{ والأرض
{ بالنصب , أي دحا الأرض . وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون }{ والأرض }{ بالرفع , على
الابتداء ; لرجوع الهاء . ويقال : دحا يدحو دحوا ودحى يدحى دحيا ; كقولهم : طغى يطغى
ويطغو , وطغي يطغى , ومحا يمحو ويمحى , ولحى العود يلحى ويلحو , فمن قال : يدحو قال
دحوت ومن قال يدحى قال دحيت .
أخرج منها }{ أي أخرج من الأرض }{ ماءها }{ أي العيون المتفجرة بالماء .{ ومرعاها }
أي النبات الذي يرعى . وقال القتبي : دل بشيئين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا
ومتاعا للأنام من العشب والشجر والحب والتمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح ;
لأن النار من العيدان والملح من الماء .
متاعا لكم }{ نصب على المصدر المؤكد , لأن إنبات هذه الأشياء إمتاع لجميع
الحيوانات . وهذا ضرب مثل ضربه الله تعالى لبعث الموتى من قبورهم , كنبات الزرع بعد
دثوره , كما تقدم بيانه في غير موضع . ويتضمن امتنانا عليهم بما أنعم به , وقد مضى
في غير موضع أيضا .
لما ذكر أمر المعاش ذكر أمر المعاد , ليتزودوا له بالأعمال الصالحة , وبالإنفاق مما
امتن به عليهم . والصاخة : الصيحة التي تكون عنها القيامة , وهي النفخة الثانية ,
تصخ الأسماع : أي تصمها فلا تسمع إلا ما يدعى به للأحياء . وذكر ناس من المفسرين
قالوا : تصيخ لها الأسماع , من قولك : أصاخ إلى كذا : أي استمع إليه , ومنه الحديث
: [ ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة شفقا من الساعة إلا الجن والإنس ] . وقال
الشاعر : يصيخ للنبأة أسماعه إصاخة المنشد للمنشد قال بعض العلماء : وهذا يؤخذ على
جهة التسليم للقدماء , فأما اللغة فمقتضاها القول الأول , قال الخليل : الصاخة :
صيحة تصخ الآذان صخا أي تصمها بشدة وقعتها . وأصل الكلمة في اللغة : الصك الشديد
. وقيل : هي مأخوذة من صخه بالحجر : إذا صكه قال الراجز : يا جارتي هل لك أن تجالدي
جلادة كالصك بالجلامد ومن هذا الباب قول العرب : صختهم الصاخة وباتتهم البائتة ,
وهي الداهية . الطبري : وأحسبه من صخ فلان فلانا : إذا أصماه . قال ابن العربي :
الصاخة التي تورث الصمم , وإنها لمسمعة , وهذا من بديع الفصاحة , حتى لقد قال بعض
حديثي الأسنان حديثي الأزمان : ش أصم بك الناعي وإن كان أسمعا ش وقال آخر : أضمني
سرهم أيام فرقتهم فهل سمعتم بسر يورث الصمما لعمر الله إن صيحة القيامة لمسمعة تصم
عن الدنيا , وتسمع أمور الآخرة .
أي الداهية العظمى , وهي النفخة الثانية , التي يكون معها البعث , قاله ابن عباس في
رواية الضحاك عنه , وهو قول الحسن . وعن ابن عباس أيضا والضحاك : أنها القيامة ;
سميت بذلك لأنها تطم على كل شيء , فتعم ما سواها لعظم هولها ; أي تقلبه . وفي
أمثالهم : ( جرى الوادي فطم على القري ) المبرد : الطامة عند العرب الداهية التي لا
تستطاع , وإنما أخذت فيما أحسب من قولهم : طم الفرس طميما إذا استفرغ جهده في الجري
, وطم الماء إذا ملأ النهر كله . غيره : هي مأخوذة من طم السيل الركية أي دفنها ,
والطم : الدفن والعلو . وقال القاسم بن الوليد الهمداني : الطامة الكبرى حين يساق
أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار . وهو معنى قول مجاهد : وقال سفيان : هي
الساعة التي يسلم فيها أهل النار إلى الزبانية . أي الداهية التي طمت وعظمت ; قال :
إن بعض الحب يعمي ويصم وكذاك البغض أدهى وأطم .
قيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه , لما بينهم من التبعات . وقيل : لئلا يروا ما
هو فيه من الشدة . وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئا ; كما قال : { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا } [ الدخان : 41 ] . وقال عبد الله بن طاهر الأبهري :
يفر منهم لما تبين له من عجزهم وقلة حيلتهم , إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم
عنه , ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئا سوى ربه تعالى . وذكر الضحاك عن ابن
عباس قال : يفر قابيل من أخيه هابيل , ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه ,
وإبراهيم عليه السلام من أبيه , ونوح عليه السلام من ابنه , ولوط من امرأته , وآدم
من سوأة بنيه . وقال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من أبيه : إبراهيم , وأول من
يفر من ابنه نوح ; وأول من يفر من امرأته لوط . قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم
وهذا فرار التبرؤ .
وصاحبته }{ أي زوجته .{ وبنيه }{ أي أولاده . وذكر الضحاك عن ابن عباس قال : يفر
قابيل من أخيه هابيل , ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه , وإبراهيم عليه
السلام من أبيه , ونوح عليه السلام من ابنه , ولوط من امرأته , وآدم من سوأة بنيه
. وقال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من أبيه : إبراهيم , وأول من يفر من ابنه نوح
; وأول من يفر من امرأته لوط . قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ
.
أي تجاوز الحد في العصيان . قيل : نزلت في النضر وابنه الحارث , وهي عامة في كل كافر
آثر الحياة الدنيا على الآخرة . وروي عن يحيى بن أبي كثير قال : من اتخذ من طعام
واحد ثلاثة ألوان فقد طغى .
قيل : نزلت في النضر وابنه الحارث , وهي عامة في كل كافر آثر الحياة الدنيا على
الآخرة . وروى جويبر عن الضحاك قال : قال حذيفة : أخوف ما أخاف على هذه الأمة أن
يؤثروا ما يرون على ما يعلمون . ويروى أنه وجد في الكتب : إن الله جل ثناؤه قال }{ لا
يؤثر عبد لي دنياه على آخرته , إلا بثثت عليه همومه وضيعته , ثم لا أبالي في أيها
هلك } .
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ أي حذر مقامه بين يدي ربه . وقال الربيع :
مقامه يوم الحساب . وكان قتادة يقول : إن لله عز وجل مقاما قد خافه المؤمنون . وقال
مجاهد : هو خوفه في الدنيا من الله عز وجل عند مواقعة الذنب فيقلع . نظيره : { ولمن
خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] . والآيتان نزلتا في مصعب بن عمير وأخيه عامر
بن عمير ; فروى الضحاك عن ابن عباس قال : أما من طغى فهو أخ لمصعب بن عمير أسر يوم
بدر , فأخذته الأنصار فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا أخو مصعب بن عمير , فلم يشدوه في
الوثاق , وأكرموه وبيتوه عندهم , فلما أصبحوا حدثوا مصعب بن عمير حديثه ; فقال : ما
هو لي بأخ , شدوا أسيركم , فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليا ومالا . فأوثقوه حتى بعثت
أمه في فدائه .{ وأما من خاف مقام ربه }{ فمصعب بن عمير , وقى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عنه , حتى نفذت المشاقص في جوفه . وهي
السهام , فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم متشحطا في دمه قال : [ عند الله
أحتسبك ] وقال لأصحابه : [ لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإن شراك نعليه
من ذهب ] . وقيل : إن مصعب بن عمير قتل أخاه عامرا يوم بدر . وعن ابن عباس أيضا قال :
نزلت هذه الآية في رجلين : أبي جهل بن هشام المخزومي ومصعب بن عمير العبدري . وقال
السدي : نزلت هذه الآية }{ وأما من خاف مقام ربه }{ في أبي بكر الصديق رضي الله عنه
. وذلك أن أبا بكر كان له غلام يأتيه بطعام , وكان يسأله من أين أتيت بهذا , فأتاه
يوما بطعام فلم يسأله وأكله , فقال له غلامه : لم لا تسألني اليوم ؟ فقال : نسيت ,
فمن أين لك هذا الطعام . فقال : تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطونيه . فتقايأه من ساعته
وقال : يا رب ما بقي في العروق فأنت حبسته فنزلت : { وأما من خاف مقام ربه } . وقال
الكلبي : نزلت في من هم بمعصية وقدر عليها في خلوة ثم تركها من خوف الله . ونحوه عن
ابن عباس . يعني من خاف عند المعصية مقامه بين يدي الله , فانتهى عنها . والله أعلم
. وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى أي زجرها عن المعاصي والمحارم . وقال سهل : ترك
الهوى مفتاح الجنة ; لقوله عز وجل : { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى }
قال عبد الله بن مسعود : أنتم في زمان يقود الحق الهوى , وسيأتي زمان يقود الهوى
الحق فنعوذ بالله من ذلك الزمان . والآيتان نزلتا في مصعب بن عمير وأخيه عامر بن
عمير ; فروى الضحاك عن ابن عباس قال : أما من طغى فهو أخ لمصعب بن عمير أسر يوم بدر
, فأخذته الأنصار فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا أخو مصعب بن عمير , فلم يشدوه في
الوثاق , وأكرموه وبيتوه عندهم , فلما أصبحوا حدثوا مصعب بن عمير حديثه ; فقال : ما
هو لي بأخ , شدوا أسيركم , فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليا ومالا . فأوثقوه حتى بعثت
أمه في فدائه .{ وأما من خاف مقام ربه }{ فمصعب بن عمير , وقى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عنه , حتى نفذت المشاقص في جوفه . وهي
السهام , فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم متشحطا في دمه قال : [ عند الله
أحتسبك ] وقال لأصحابه : [ لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإن شراك نعليه
من ذهب ] . وقيل : إن مصعب بن عمير قتل أخاه عامرا يوم بدر . وعن ابن عباس أيضا قال :
نزلت هذه الآية في رجلين : أبي جهل بن هشام المخزومي ومصعب بن عمير العبدري . وقال
السدي : نزلت هذه الآية }{ وأما من خاف مقام ربه }{ في أبي بكر الصديق رضي الله عنه
. وذلك أن أبا بكر كان له غلام يأتيه بطعام , وكان يسأله من أين أتيت بهذا , فأتاه
يوما بطعام فلم يسأل وأكله , فقال له غلامه : لم لا تسألني اليوم ؟ فقال : نسيت ,
فمن أين لك هذا الطعام . فقال : تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطونيه . فتقايأه من ساعته
وقال : يا رب ما بقي في العروق فأنت حبسته فنزلت : { وأما من خاف مقام ربه } . وقال
الكلبي : نزلت في من هم بمعصية وقدر عليها في خلوة ثم تركها من خوف الله . ونحوه عن
ابن عباس . يعني من خاف عند المعصية مقامه بين يدي الله , فانتهى عنها . والله أعلم .
أي المنزل . والآيتان نزلتا في مصعب بن عمير وأخيه عامر بن عمير ; فروى الضحاك عن
ابن عباس قال : أما من طغى فهو أخ لمصعب بن عمير أسر يوم بدر , فأخذته الأنصار
فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا أخو مصعب بن عمير , فلم يشدوه في الوثاق , وأكرموه
وبيتوه عندهم , فلما أصبحوا حدثوا مصعب بن عمير حديثه ; فقال : ما هو لي بأخ , شدوا
أسيركم , فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليا ومالا . فأوثقوه حتى بعثت أمه في فدائه .{ وأما من خاف مقام ربه }{ فمصعب بن عمير , وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه
يوم أحد حين تفرق الناس عنه , حتى نفذت المشاقص في جوفه . وهي السهام , فلما رآه
رسول الله صلى الله عليه وسلم متشحطا في دمه قال : [ عند الله أحتسبك ] وقال
لأصحابه : [ لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإن شراك نعليه من ذهب ] . وقيل
: إن مصعب بن عمير قتل أخاه عامرا يوم بدر . وعن ابن عباس أيضا قال : نزلت هذه الآية
في رجلين : أبي جهل بن هشام المخزومي ومصعب بن عمير العبدري . وقال السدي : نزلت هذه
الآية }{ وأما من خاف مقام ربه }{ في أبي بكر الصديق رضي الله عنه . وذلك أن أبا بكر
كان له غلام يأتيه بطعام , وكان يسأله من أين أتيت بهذا , فأتاه يوما بطعام فلم
يسأل وأكله , فقال له غلامه : لم لا تسألني اليوم ؟ فقال : نسيت , فمن أين لك هذا
الطعام . فقال : تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطونيه . فتقايأه من ساعته وقال : يا رب ما
بقي في العروق فأنت حبسته فنزلت : { وأما من خاف مقام ربه } . وقال الكلبي : نزلت في
من هم بمعصية وقدر عليها في خلوة ثم تركها من خوف الله . ونحوه عن ابن عباس . يعني من
خاف عند المعصية مقامه بين يدي الله , فانتهى عنها . والله أعلم .
قاله ابن عباس : سأل مشركو مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تكون الساعة
استهزاء , فأنزل الله عز وجل الآية . وقال عروة بن الزبير في قوله تعالى : { فيم أنت
من ذكراها }{ ؟ لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة , حتى نزلت هذه
الآية }{ إلى ربك منتهاها } . ومعنى }{ مرساها }{ أي قيامها . قال الفراء : رسوها قيامها
كرسو السفينة . وقال أبو عبيدة : أي منتهاها , ومرسى السفينة حيث , تنتهي . وهو قول
ابن عباس . الربيع بن أنس : متى زمانها . والمعنى متقارب . وقد مضى في }{ الأعراف }
بيان ذلك . وعن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ لا تقوم الساعة إلا
بغضبة يغضبها ربك ] .
أي في أي شيء أنت يا محمد من ذكر القيامة والسؤال عنها ؟ وليس لك السؤال عنها . وهذا
معنى ما رواه الزهري عن عروة بن الزبير قال : لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل
عن الساعة حتى نزلت : { فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها }{ أي منتهى علمها ;
فكأنه عليه السلام لما أكثروا عليه سأل الله أن يعرفه ذلك , فقيل له : لا تسأل ,
فلست في شيء من ذلك . ويجوز أن يكون إنكارا على المشركين في مسألتهم له ; أي فيم أنت
من ذلك حتى يسألوك بيانه , ولست ممن يعلمه . روي معناه عن ابن عباس . والذكرى بمعنى
الذكر .
أي منتهى علمها , فلا يوجد عند غيره علم الساعة ; وهو كقوله تعالى : { قل إنما
علمها عند ربي } [ الأعراف : 187 ] وقوله تعالى : { إن الله عنده علم الساعة } [
لقمان : 34 ] .
أي مخوف ; وخص الإنذار بمن يخشى , لأنهم المنتفعون به , وإن كان منذرا لكل مكلف ;
وهو كقوله تعالى : { إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب } [ يس : 11 ]
. وقراءة العامة }{ منذر }{ بالإضافة غير منون ; طلب التخفيف , وإلا فأصله التنوين ;
لأنه للمستقبل وإنما لا ينون في الماضي . قال الفراء : يجوز التنوين وتركه ; كقوله
تعالى : { بالغ أمره } [ الطلاق : 3 ] , و }{ بالغ أمره }{ و }{ موهن كيد الكافرين } [
الأنفال : 18 ] و }{ موهن كيد الكافرين }{ والتنوين هو الأصل , وبه قرأ أبو جعفر
وشيبة والأعرج وابن محيصن وحميد وعياش عن أبي عمرو }{ منذر }{ منونا , وتكون في موضع
نصب , والمعنى نصب , إنما ينتفع بإنذارك من يخشى الساعة . وقال أبو علي : يجوز أن
تكون الإضافة للماضي , نحو ضارب زيد أمس ; لأنه قد فعل الإنذار , الآية رد على من
قال : أحوال الآخرة غير محسوسة , وإنما هي راحة الروح أو تألمها من غير حس .
كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها{ كأنهم يوم يرونها }{ يعني الكفار
يرون الساعة }{ لم يلبثوا }{ أي في دنياهم , { إلا عشية }{ أي قدر عشية }{ أو ضحاها }
أي أو قدر الضحى الذي يلي تلك العشية , والمراد تقليل مدة الدنيا , كما قال تعالى :
{ لم يلبثوا إلا ساعة من نهار } [ الأحقاف : 35 ] . وروى الضحاك عن ابن عباس :
كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا يوما واحدا . وقيل : { لم يلبثوا }{ في قبورهم }{ إلا
عشية أو ضحاها } , وذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في القبور لما عاينوا من الهول .
وقال الفراء : يقول القائل : وهل للعشية ضحى ؟ وإنما الضحى لصدر النهار , ولكن أضيف
الضحى إلى العشية , وهو اليوم الذي يكون فيه على عادة العرب ; يقولون : آتيك الغداة
أو عشيتها , وآتيك العشية أو غداتها , فتكون العشية في معنى آخر النهار , والغداة
في معنى أول النهار ; قال : وأنشدني بعض بني عقيل : نحن صبحنا عامرا في دارها جردا
تعادى طرفي نهارها عشية الهلال أو سرارها أراد : عشية الهلال , أو سرار العشية ,
فهو أشد من آتيك الغداة أو عشيها .
نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer