عبس }{ أي كلح بوجهه ; يقال : عبس وبسر .{ وتولى }{ أي أعرض بوجهه قال مالك : إن
هشام بن عروة حدثه عن عروة , أنه قال : نزلت }{ عبس وتولى }{ في ابن أم مكتوم ; جاء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : يا محمد استدنني , وعند النبي صلى الله
عليه وسلم رجل من عظماء المشركين , فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل
على الآخر , ويقول : ( يا فلان , هل ترى بما أقول بأسا ) ؟ فيقول : [ لا والدمى ما
أرى بما تقول بأسا ] ; فأنزل الله : { عبس وتولى } . وفي الترمذي مسندا قال : حدثنا
سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي , حدثني أبي , قال هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة , قالت : نزلت }{ عبس وتولى }{ في ابن أم مكتوم الأعمى , أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فجعل , يقول : يا رسول الله أرشدني , وعند رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجل من عظماء المشركين , فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ,
ويقبل على الآخر , ويقول : [ أترى بما أقول بأسا ] فيقول : لا ; ففي هذا نزلت ; قال
: هذا حديث غريب . الآية عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في إعراضه وتوليه عن
عبد الله بن أم مكتوم . ويقال : عمرو بن أم مكتوم , واسم أم مكتوم عاتكة بنت عامر بن
مخزوم , وعمرو هذا : هو ابن قيس بن زائدة بن الأصم , وهو ابن خال خديجة رضي الله
عنها . وكان قد تشاغل عنه برجل من عظماء المشركين , يقال كان الوليد بن المغيرة . قال
ابن العربي : أما قول علمائنا إنه الوليد بن المغيرة فقد قال آخرون إنه أمية بن خلف
والعباس وهذا كله باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين , ذلك أن أمية بن
خلف والوليد كانا بمكة وابن أم مكتوم كان بالمدينة , ما حضر معهما ولا حضرا معه ,
وكان موتهما كافرين , أحدهما قبل الهجرة , والآخر ببدر , ولم يقصد قط أمية المدينة
, ولا حضر عنده مفردا , ولا مع أحد . أقبل ابن أم مكتوم والنبي صلى الله عليه وسلم
مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى , وقد قوي طمعه في إسلامهم وكان
في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم , فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى فقال : يا رسول
الله علمني مما علمك الله , وجعل يناديه ويكثر النداء , ولا يدري أنه مشتغل بغيره ,
حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه , وقال في نفسه
: يقول هؤلاء : إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ; فعبس وأعرض عنه , فنزلت
الآية . قال الثوري : فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم
يبسط له رداءه ويقول : [ مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ] . ويقول : [ هل من حاجة ] ؟
واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما . قال أنس : فرأيته يوم القادسية راكبا
وعليه درع ومعه راية سوداء . قال علماؤنا : ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب
لو كان عالما بأن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بغيره , وأنه يرجو إسلامهم , ولكن
الله تبارك وتعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصفة ; أو ليعلم أن المؤمن الفقير
خير من الغني , وكان النظر إلى المؤمن أولى وإن كان فقيرا أصلح وأولى من الأمر
الآخر , وهو الإقبال على الأغنياء طمعا في إيمانهم , وإن كان ذلك أيضا نوعا من
المصلحة , وعلى هذا يخرج قول تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } [ الأنفال :
67 ] الآية على ما تقدم . وقيل : إنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم تأليف الرجل ,
ثقة بما كان في قلب ابن مكتوم من الإيمان ; كما قال : [ إني لأصل الرجل , وغيره أحب
إلي منه , مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه ] . قال ابن زيد : إنما عبس النبي
صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم وأعرض عنه ; لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن
يكفه , فدفعه ابن أم مكتوم , وأبى إلا أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلمه
, فكان في هذا نوع جفاء منه . ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه صلى الله عليه وسلم
: { عبس وتولى }{ بلفظ الإخبار عن الغائب , تعظيما له ولم يقل : عبست وتوليت .
أن جاءه }{ أن }{ في موضع نصب لأنه مفعول له , المعنى لأن جاءه الأعمى , أي الذي
لا يبصر بعينيه . فروى أهل التفسير أجمع أن قوما من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى
الله عليه وسلم وقد طمع في إسلامهم , فأقبل عبد الله بن أم مكتوم , فكره رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يقطع عبد الله عليه كلامه , فأعرض عنه , ففيه نزلت هذه الآية
. قال مالك : إن هشام بن عروة حدثه عن عروة , أنه قال : نزلت }{ عبس وتولى }{ في ابن
أم مكتوم ; جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : يا محمد استدنني , وعند
النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين , فجعل النبي صلى الله عليه وسلم
يعرض عنه ويقبل على الآخر , ويقول : [ يا فلان , هل ترى بما أقول بأسا ] ؟ فيقول :
[ لا والدمى ما أرى بما تقول بأسا ] ; فأنزل الله : { عبس وتولى } . وفي الترمذي
مسندا قال : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي , حدثني أبي , قال هذا ما عرضنا على
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة , قالت : نزلت }{ عبس وتولى }{ في ابن أم مكتوم الأعمى
, أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل , يقول : يا رسول الله أرشدني , وعند رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين , فجعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم يعرض عنه , ويقبل على الآخر , ويقول : [ أترى بما أقول بأسا ] فيقول : لا ;
ففي هذا نزلت ; قال : هذا حديث غريب . الآية عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم
في إعراضه وتوليه عن عبد الله بن أم مكتوم . ويقال : عمرو بن أم مكتوم , واسم أم
مكتوم عاتكة بنت عامر بن مخزوم , وعمرو هذا : هو ابن قيس بن زائدة بن الأصم , وهو
ابن خال خديجة رضي الله عنها . وكان قد تشاغل عنه برجل من عظماء المشركين , يقال كان
الوليد بن المغيرة . ابن العربي : قاله المالكية من علمائنا , وهو يكنى أبا عبد شمس
. وقال قتادة : هو أمية بن خلف وعنه : أبي بن خلف . وقال مجاهد : كانوا ثلاثة عتبة
وشيبة ابنا ربيعة وأبي بن خلف . وقال عطاء عتبة بن ربيعة . سفيان الثوري : كان النبي
صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس . الزمخشري : كان عنده صناديد قريش : عتبة وشيبة
ابنا ربيعة , وأبو جهل بن هشام , والعباس بن عبد المطلب , وأمية بن خلف , والوليد
بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام , رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم . قال ابن العربي :
أما قول علمائنا إنه الوليد بن المغيرة فقد قال آخرون إنه أمية بن خلف والعباس وهذا
كله باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين , ذلك أن أمية بن خلف والوليد
كانا بمكة وابن أم مكتوم كان بالمدينة , ما حضر معهما ولا حضرا معه , وكان موتهما
كافرين , أحدهما قبل الهجرة , والآخر ببدر , ولم يقصد قط أمية المدينة , ولا حضر
عنده مفردا , ولا مع أحد . أقبل ابن أم مكتوم والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بمن
حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى , وقد قوي طمعه في إسلامهم وكان في
إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم , فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى فقال : يا رسول
الله علمني مما علمك الله , وجعل يناديه ويكثر النداء , ولا يدري أنه مشتغل بغيره ,
حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه , وقال في نفسه
: يقول هؤلاء : إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ; فعبس وأعرض عنه , فنزلت
الآية . قال الثوري : فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم
يبسط له رداءه ويقول : [ مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ] . ويقول : [ هل من حاجة ] ؟
واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما . قال أنس : فرأيته يوم القادسية راكبا
وعليه درع ومعه راية سوداء . قال علماؤنا : ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب
لو كان عالما بأن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بغيره , وأنه يرجو إسلامهم , ولكن
الله تبارك وتعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصفة ; أو ليعلم أن المؤمن الفقير
خير من الغني , وكان النظر إلى المؤمن أولى وإن كان فقيرا أصلح وأولى من الأمر
الآخر , وهو الإقبال على الأغنياء طمعا في إيمانهم , وإن كان ذلك أيضا نوعا من
المصلحة , وعلى هذا يخرج قوله تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } [ الأنفال :
67 ] الآية على ما تقدم . وقيل : إنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم تأليف الرجل ,
ثقة بما كان في قلب ابن مكتوم من الإيمان ; كما قال : [ إني لأصل الرجل وغيره أحب
إلي منه , مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه ] . قال ابن زيد : إنما عبس النبي
صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم وأعرض عنه ; لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن
يكفه , فدفعه ابن أم مكتوم , وأبى إلا أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلمه
, فكان في هذا نوع جفاء منه . ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه صلى الله عليه وسلم
: { عبس وتولى }{ بلفظ الإخبار عن الغائب , تعظيما له ولم يقل : عبست وتوليت . وقرأ
الحسن }{ آأن جاءه الأعمى }{ بالمد على الاستفهام فـ }{ أن }{ متعلقة بفعل محذوف دل
عليه }{ عبس وتولى }{ التقدير : آأن جاءه أعرض عنه وتولى ؟ فيوقف على هذه القراءة على
{ وتولى } , ولا يوقف عليه على قراءة الخبر , وهي قراءة العامة .
ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيسا له فقال : { وما يدريك }{ أي يعلمك }{ لعله }
يعني ابن أم مكتوم }{ يزكى }{ بما استدعى منك تعليمه إياه من القرآن والدين , بأن
يزداد طهارة في دينه , وزوال ظلمة الجهل عنه . وقيل : الضمير في }{ لعله }{ للكافر
يعني إنك إذا طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذكر , فتقربه الذكرى إلى قبول الحق وما
يدريك أن ما طمعت فيه كائن . وقرأ الحسن }{ آأن جاءه الأعمى }{ بالمد على الاستفهام فـ
{ أن }{ متعلقة بفعل محذوف دل عليه }{ عبس وتولى }{ التقدير : آأن جاءه أعرض عنه وتولى
؟ فيوقف على هذه القراءة على }{ وتولى } , ولا يوقف عليه على قراءة الخبر , وهي
قراءة العامة . نظير هذه الآية في العتاب قوله تعالى في سورة الأنعام : { ولا تطرد
الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } [ الأنعام : 52 ] وكذلك قوله في سورة الكهف : { ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا } [ الكهف : 28 ] وما كان مثله , والله
أعلم .
أو يذكر }{ يتعظ بما تقول }{ فتنفعه الذكرى }{ أي العظة . وقراءة العامة }{ فتنفعه }
بضم العين , عطفا على }{ يزكى } . وقرأ عاصم وابن أبي إسحاق وعيسى }{ فتنفعه }{ نصبا
. وهي قراءة السلمي وزر بن حبيش , على جواب لعل ; لأنه غير موجب ; كقوله تعالى : { لعلي أبلغ الأسباب } [ غافر : 36 ] ثم قال : { فأطلع } [ الصافات : 55 ] .
أي تعرض له , وتصغي لكلامه . والتصدي : الإصغاء ; قال الراعي : تصدى لوضاح كأن جبينه
سراج الدجى يحني إليه الأساور وأصله تتصدد من الصد , وهو ما استقبلك , وصار قبالتك
; يقال : داري صدد داره أي قبالتها , نصب على الظرف . وقيل : من الصدى وهو العطش . أي
تتعرض له كما يتعرض العطشان للماء , والمصاداة : المعارضة . وقراءة العامة }{ تصدى }
بالتخفيف , على طرح التاء الثانية تخفيفا . وقرأ نافع وابن محيصن بالتشديد على
الإدغام .
كلا }{ كلمة ردع وزجر ; أي ما الأمر كما تفعل مع الفريقين ; أي لا تفعل بعدها
مثلها : من إقبالك على الغني , وإعراضك عن المؤمن الفقير . والذي جرى من النبي صلى
الله عليه وسلم كان ترك الأولى كما تقدم , ولو حمل على صغيرة لم يبعد ; قاله
القشيري . والوقف على }{ كلا }{ على هذا الوجه : جائز . ويجوز أن تقف على }{ تلهى }{ ثم
تبتدئ }{ كلا }{ على معنى حقا .{ إنها }{ أي السورة أو آيات القرآن }{ تذكرة }{ أي موعظة
وتبصرة للخلق قال الجرجاني : { إنها }{ أي القرآن , والقرآن مذكر إلا أنه لما جعل
القرآن تذكرة , أخرجه على لفظ التذكرة , ولو ذكره لجاز ; كما قال تعالى في موضع آخر
: { كلا إنه تذكرة } . ويدل على أنه أراد القرآن قوله : { فمن شاء ذكره }{ أي كان
حافظا له غير ناس ; وذكر الضمير ; لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ .
أي اتعظ بالقرآن . قال الجرجاني : { إنها }{ أي القرآن , والقرآن مذكر إلا أنه لما
جعل القرآن تذكرة , أخرجه على لفظ التذكرة , ولو ذكره لجاز ; كما قال تعالى في موضع
آخر : { كلا إنه تذكرة } . ويدل على أنه أراد القرآن قوله : { فمن شاء ذكره }{ أي كان
حافظا له غير ناس ; وذكر الضمير ; لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ . وروى الضحاك
عن ابن عباس في قوله تعالى : { فمن شاء ذكره }{ قال من شاء الله تبارك وتعالى ألهمه
.
ثم أخبر عن جلالته فقال : { في صحف }{ جمع صحيفة }{ مكرمة }{ أي عند الله ; قاله السدي
. الطبري : { مكرمة }{ في الدين لما فيها من العلم والحكم . وقيل : { مكرمة }{ لأنها
نزل بها كرام الحفظة , أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ . وقيل : { مكرمة }{ لأنها
نزلت من كريم ; لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه . وقيل : المراد كتب الأنبياء ;
دليله : { إن هذا لفي الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى } [ الأعلى : 18 - 19 ] .
مرفوعة }{ رفيعة القدر عند الله . وقيل : مرفوعة عنده تبارك وتعالى . وقيل : مرفوعة
في السماء السابعة , قاله يحيى بن سلام . الطبري : مرفوعة الذكر والقدر . وقيل :
مرفوعة عن الشبه والتناقض .{ مطهرة }{ قال الحسن : من كل دنس . وقيل : مصانة عن أن
ينالها الكفار . وهو معنى قول السدي . وعن الحسن أيضا : مطهرة من أن تنزل على
المشركين . وقيل : أي القرآن أثبت للملائكة في صحف يقرءونها فهي مكرمة مرفوعة مطهرة
.
أي الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله , فهم بررة لم يتدنسوا بمعصية
. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : هي مطهرة تجعل التطهير لمن حملها }{ بأيدي سفرة }
قال : كتبة . وقاله مجاهد أيضا . وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في
الأسفار , التي هي الكتب , واحدهم : سافر ; كقولك : كاتب وكتبة . ويقال : سفرت أي
كتبت , والكتاب : هو السفر , وجمعه أسفار . قال الزجاج : وإنما قيل للكتاب سفر ,
بكسر السين , وللكاتب سافر ; لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه . يقال : أسفر الصبح :
إذا أضاء , وسفرت المرأة : إذا كشفت النقاب عن وجهها . قال : ومنه سفرت بين القوم
أسفر سفارة : أصلحت بينهم . وقاله الفراء , وأنشد : فما أدع السفارة بين قومي ولا
أمشي بغش إن مشيت والسفير : الرسول والمصلح بين القوم والجمع : سفراء , مثل فقيه
وفقهاء . ويقال للوراقين سفراء , بلغة العبرانية . وقال قتادة : السفرة هنا : هم
القراء , لأنهم يقرءون الأسفار . وعنه أيضا كقول ابن عباس . وقال وهب بن منبه : { بأيدي سفرة . كرام بررة }{ هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن العربي : لقد
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة , كراما بررة , ولكن ليسوا بمرادين
بهذه الآية , ولا قاربوا المرادين بها , بل هي لفظة مخصوصة بالملائكة عند الإطلاق ,
ولا يشاركهم فيها سواهم , ولا يدخل معهم في متناولها غيرهم . وروي في الصحيح عن
عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ مثل الذي يقرأ
القرآن وهو حافظ له , مع السفرة الكرام البررة ; ومثل الذي يقرؤه وهو يتعاهده , وهو
عليه شديد , فله أجران ] متفق عليه , واللفظ للبخاري .
كرام }{ أي كرام على ربهم ; قاله الكلبي . الحسن : كرام عن المعاصي , فهم يرفعون
أنفسهم عنها . وروى الضحاك عن ابن عباس في }{ كرام }{ قال : يتكرمون أن يكونوا مع ابن
آدم إذا خلا بزوجته , أو تبرز لغائطه . وقيل : أي يؤثرون منافع غيرهم على منافع
أنفسهم .{ بررة }{ جمع بار مثل كافر وكفرة , وساحر وسحرة , وفاجر وفجرة ; يقال : بر
وبار إذا كان أهلا للصدق , ومنه بر فلان في يمينه : أي صدق , وفلان يبر خالقه
ويتبرره : أي يطيعه ; فمعنى }{ بررة }{ مطيعون لله , صادقون لله في أعمالهم . وقد مضى
في سورة }{ الواقعة }{ قوله تعالى : { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون . لا يمسه إلا
المطهرون } [ الواقعة : 77 - 79 ] أنهم الكرام البررة في كتاب مكنون .{ لا يمسه إلا
المطهرون } [ الواقعة : 79 ] أنهم الكرام البررة في هذه السورة .
قتل }{ أي لعن . وقيل : عذب . والإنسان الكافر روى الأعمش عن مجاهد قال : ما كان في
القرآن }{ قتل الإنسان }{ فإنما عني به الكافر . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : نزلت
في عتبة بن أبي لهب , وكان قد آمن , فلما نزلت }{ والنجم }{ ارتد , وقال : آمنت
بالقرآن كله إلا النجم , فأنزل الله جل ثناؤه فيه }{ قتل الإنسان }{ أي لعن عتبة حيث
كفر بالقرآن , ودعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : [ اللهم سلط عليه
كلبك أسد الغاضرة ] فخرج من فوره بتجارة إلى الشام , فلما انتهى إلى الغاضرة تذكر
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم , فجعل لمن معه ألف دينار إن هو أصبح حيا , فجعلوه
في وسط الرفقة , وجعلوا المتاع حوله , فبينما هم على ذلك أقبل الأسد , فلما دنا من
الرحال وثب , فإذا هو فوقه فمزقه , وقد كان أبوه ندبه وبكى وقال : ما قال محمد شيئا
قط إلا كان . وروى أبو صالح عن ابن عباس }{ ما أكفره } : أي شيء أكفره ؟ وقيل : { ما
{ تعجب ; وعادة العرب إذا تعجبوا من شيء قالوا : قاتله الله ما أحسنه ! وأخزاه الله
ما أظلمه ; والمعنى : اعجبوا من كفر الإنسان لجميع ما ذكرنا بعد هذا . وقيل : ما
أكفره بالله ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه على التعجب أيضا ; قال ابن جريج :
أي ما أشد كفره ! وقيل : { ما }{ استفهام أي أي شيء دعاه إلى الكفر ; فهو استفهام
توبيخ . و }{ ما }{ تحتمل التعجب , وتحتمل معنى أي , فتكون استفهاما .
من نطفة }{ أي من ماء يسير مهين جماد }{ خلقه }{ فلم يغلط في نفسه ؟ ! قال الحسن :
كيف يتكبر من خرج من سبيل البول مرتين .{ فقدره }{ في بطن أمه . كذا روى الضحاك عن
ابن عباس : أي قدر يديه ورجليه وعينيه وسائر آرابه , وحسنا ودميما , وقصيرا وطويلا
, وشقيا وسعيدا . وقيل : { فقدره }{ أي فسواه كما قال : { أكفرت بالذي خلقك من تراب
ثم من نطفة ثم سواك رجلا } . وقال : { الذي خلقك فسواك } . وقيل : { فقدره }{ أطوارا
أي من حال إلى حال ; نطفة ثم علقة , إلى أن تم خلقه .
قال ابن عباس في رواية عطاء وقتادة والسدي ومقاتل : يسره للخروج من بطن أمه . مجاهد
: يسره لطريق الخير والشر ; أي بين له ذلك . دليله : { إنا هديناه السبيل }{ و }
هديناه النجدين } . وقاله الحسن وعطاء وابن عباس أيضا في رواية أبي صالح عنه . وعن
مجاهد أيضا قال : سبيل الشقاء والسعادة . ابن زيد : سبيل الإسلام . وقال أبو بكر بن
طاهر يسر على كل أحد ما خلقه له وقدره عليه ; دليله قوله عليه السلام : [ اعملوا
فكل ميسر لما خلق له ] .
أي جعل له قبرا يوارى فيه إكراما , ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض تأكله الطير
والعوافي ; قاله الفراء . وقال أبو عبيدة : { أقبره } : جعل له قبرا , وأمر أن يقبر
. قال أبو عبيدة : ولما قتل عمر بن هبيرة صالح بن عبد الرحمن , قالت بنو تميم ودخلوا
عليه : أقبرنا صالحا ; فقال : دونكموه . وقال : { أقبره }{ ولم يقل قبره ; لأن القابر
هو الدافن بيده , قال الأعشى : لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر يقال
: قبرت الميت : إذا دفنته , وأقبره الله : أي صيره بحيث يقبر , وجعل له قبرا ; تقول
العرب : بترت ذنب البعير , وأبتره الله , وعضبت قرن الثور , وأعضبه الله , وطردت
فلانا , والله أطرده , أي صيره طريدا .
أي أحياه بعد موته . وقراءة العامة }{ أنشره }{ بالألف . وروى أبو حيوة عن نافع وشعيب
بن أبي حمزة }{ شاء نشره }{ بغير ألف , لغتان فصيحتان بمعنى ; يقال : أنشر الله الميت
ونشره ; قال الأعشى : حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر .
قال مجاهد وقتادة : { لما يقض } : لا يقضي أحد ما أمر به . وكان ابن عباس يقول : { لما يقض ما أمره }{ لم يف بالميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم . ثم قيل : { كلا }{ ردع
وزجر , أي ليس الأمر : كما يقول الكافر ; فإن الكافر إذا أخبر بالنشور قال : { ولئن
رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى } [ فصلت : 50 ] ربما يقول قد قضيت ما أمرت به
. فقال : كلا لم يقض شيئا بل هو كافر بي وبرسولي . وقال الحسن : أي حقا لم يقض : أي
لم يعمل بما أمر به . و }{ ما }{ في قوله : { لما }{ عماد للكلام ; كقوله تعالى : { فبما رحمة من الله } [ آل عمران : 159 ] وقوله : { عما قليل ليصبحن نادمين } [
المؤمنون : 40 ] . وقال الإمام ابن فورك : أي : كلا لما يقض الله لهذا الكافر ما
أمره به من الإيمان , بل أمره بما لم يقض له . ابن الأنباري : الوقف على }{ كلا }
قبيح , والوقف على }{ أمره }{ و }{ نشره }{ جيد ; فـ }{ كلا }{ على هذا بمعنى حقا .
لما ذكر جل ثناؤه ابتداء خلق الإنسان , ذكر ما يسر من رزقه ; أي فلينظر كيف خلق
الله طعامه . وهذا النظر نظر القلب بالفكر ; أي ليتدبر كيف خلق الله طعامه الذي هو
قوام حياته , وكيف هيأ له أسباب المعاش , ليستعد بها للمعاد . وروي عن الحسن ومجاهد
قالا : { فلينظر الإنسان إلى طعامه }{ أي إلى مدخله ومخرجه . وروى ابن أبي خيثمة عن
الضحاك بن سفيان الكلابي قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : [ يا ضحاك ما
طعامك ] قلت : يا رسول الله ! اللحم واللبن ; قال : [ ثم يصير إلى ماذا ] قلت إلى
ما قد علمته ; قال : [ فإن الله ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا ] . وقال أبي بن
كعب : قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إن مطعم ابن آدم جعل مثلا للدنيا وإن قزحه
وملحه فانظر إلى ما يصير ] . وقال أبو الوليد : سألت ابن عمر عن الرجل يدخل الخلاء
فينظر ما يخرج منه ; قال : يأتيه الملك فيقول انظر ما بخلت به إلى ما صار ؟ .
قراءة العامة }{ إنا }{ بالكسر , على الاستئناف , وقرأ الكوفيون ورويس عن يعقوب }{ أنا
{ بفتح الهمزة , فـ }{ أنا }{ في موضع خفض على الترجمة عن الطعام , فهو بدل منه ;
كأنه قال : { فلينظر الإنسان إلى طعامه }{ إلى }{ أنا صببنا }{ فلا يحسن الوقف على }
طعامه }{ من هذه القراءة . وكذلك إن رفعت }{ أنا }{ بإضمار هو أنا صببنا ; لأنها في حال
رفعها مترجمة عن الطعام . وقيل : المعنى : لأنا صببنا الماء , فأخرجنا به الطعام ,
أي كذلك كان . وقرأ الحسين بن علي }{ أنى }{ فقال , بمعنى كيف ؟ فمن أخذ بهذه القراءة
قال : الوقف على }{ طعامه }{ تام . ويقال : معنى }{ أنى }{ أين , إلا أن فيها كناية عن
الوجوه ; وتأويلها : من أي وجه صببنا الماء ; قال الكميت : أنى ومن أين آبك الطرب
من حيث لا صبوة ولا ريب }{ صببنا الماء صبا } : يعني الغيث والأمطار .
وهو القت والعلف , عن الحسن : سمي بذلك ; لأنه يقضب أي يقطع بعد ظهوره مرة بعد مرة
. قال القتبي وثعلب : وأهل مكة يسمون القت القضب . وقال ابن عباس : هو الرطب لأنه
يقضب من النخل : ولأنه ذكر العنب قبله . وعنه أيضا : أنه الفصفصة وهو القت الرطب
. وقال الخليل : القضب الفصفصة الرطبة . وقيل : بالسين , فإذا يبست فهو قت . قال :
والقضب : اسم يقع على ما يقضب من أغصان الشجرة , ليتخذ منها سهام أو قسي . ويقال :
قضبا , يعني جميع ما يقضب , مثل القت والكراث وسائر البقول التي تقطع فينبت أصلها
. وفي الصحاح : والقضة والقضب الرطبة , وهي الإسفست بالفارسية , والموضع الذي ينبت
فيه مقضبة .
وحدائق }{ أي بساتين واحدها حديقة . قال الكلبي : وكل شيء أحيط عليه من نخيل أو شجر
فهو حديقة , وما لم يحط عليه فليس بحديقة .{ غلبا }{ عظاما شجرها ; يقال : شجرة
غلباء , ويقال للأسد : الأغلب ; لأنه مصمت العنق , لا يلتفت إلا جميعا ; قال العجاج
: ما زلت يوم البين ألوي صلبي والرأس حتى صرت مثل الأغلب ورجل أغلب بين الغلب إذا
كان غليظ الرقبة . والأصل في الوصف بالغلب : الرقاب فاستعير ; قال قال عمرو بن معدي
كرب : يمشي بها غلب الرقاب كأنهم بزل كسين من الكحيل جلالا وحديقة غلباء : ملتفة
وحدائق غلب . واغلولب العشب : بلغ والتف البعض بالبعض . قال ابن عباس : الغلب : جمع
أغلب وغلباء وهي الغلاظ . وعنه أيضا الطوال . قتادة وابن زيد : الغلب : النخل الكرام
. وعن ابن زيد أيضا وعكرمة : عظام الأوساط والجذوع . مجاهد : ملتفة .
وفاكهة }{ أي ما تأكله الناس من ثمار الأشجار كالتين والخوخ وغيرهما }{ وأبا }{ هو
ما تأكله البهائم من العشب , قال ابن عباس والحسن : الأب : كل ما أنبتت الأرض , مما
لا يأكله الناس , ما يأكله الآدميون هو الحصيد ; ومنه قول الشاعر في مدح النبي صلى
الله عليه وسلم : له دعوة ميمونة ريحها الصبا بها ينبت الله الحصيدة والأبا وقيل :
إنما سمي أبا ; لأنه يؤب أي يؤم وينتجع . والأب والأم : أخوان ; قال : جذمنا قيس
ونجد دارنا ولنا الأب به والمكرع وقال الضحاك : والأب : كل شيء ينبت على وجه الأرض
. وكذا قال أبو رزين : هو النبات . يدل عليه قول ابن عباس قال : الأب : ما تنبت الأرض
مما يأكل الناس والأنعام . وعن ابن عباس أيضا وابن أبي طلحة : الأب : الثمار الرطبة
. وقال الضحاك : هو التين خاصة . وهو محكي عن ابن عباس أيضا ; قال الشاعر : فما لهم
مرتع للسوا م والأب عندهم يقدر الكلبي : هو كل نبات سوى الفاكهة . وقيل : الفاكهة :
رطب الثمار , والأب يابسها . وقال إبراهيم التيمي : سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه
عن تفسير الفاكهة والأب فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت : في كتاب الله
ما لا أعلم . وقال أنس : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال : كل
هذا قد عرفناه , فما الأب ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلف ,
وما عليك يا بن أم عمر ألا تدري ما الأب ؟ ثم قال : اتبعوا ما بين لكم من هذا
الكتاب , وما لا فدعوه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ خلقتم من سبع
, ورزقتم من سبع , فاسجدوا لله على سبع ] . وإنما أراد بقوله : [ خلقتم من سبع ]
يعني }{ من نطفة , ثم من علقة , ثم من مضغة } [ الحج : 5 ] الآية , والرزق من سبع ,
وهو قوله تعالى : { فأنبتنا فيها حبا وعنبا }{ إلى قوله : { وفاكهة }{ ثم قال : { وأبا }{ وهو يدل على أنه ليس برزق لابن آدم , وأنه مما تختص به البهائم . والله أعلم
.
متاعا لكم ولأنعامكم{ متاعا لكم }{ نصب على المصدر المؤكد , لأن إنبات هذه الأشياء
إمتاع لجميع الحيوانات . وهذا ضرب مثل ضربه الله تعالى لبعث الموتى من قبورهم ,
كنبات الزرع بعد دثوره , كما تقدم بيانه في غير موضع . ويتضمن امتنانا عليهم بما
أنعم به , وقد مضى في غير موضع أيضا .
فإذا جاءت الصاخةلما ذكر أمر المعاش ذكر أمر المعاد , ليتزودوا له بالأعمال الصالحة
, وبالإنفاق مما امتن به عليهم . والصاخة : الصيحة التي تكون عنها القيامة , وهي
النفخة الثانية , تصخ الأسماع : أي تصمها فلا تسمع إلا ما يدعى به للأحياء . وذكر
ناس من المفسرين قالوا : تصيخ لها الأسماع , من قولك : أصاخ إلى كذا : أي استمع
إليه , ومنه الحديث : [ ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة شفقا من الساعة إلا
الجن والإنس ] . وقال الشاعر : يصيخ للنبأة أسماعه إصاخة المنشد للمنشد قال بعض
العلماء : وهذا يؤخذ على جهة التسليم للقدماء , فأما اللغة فمقتضاها القول الأول ,
قال الخليل : الصاخة : صيحة تصخ الآذان صخا أي تصمها بشدة وقعتها . وأصل الكلمة في
اللغة : الصك الشديد . وقيل : هي مأخوذة من صخه بالحجر : إذا صكه قال الراجز : يا
جارتي هل لك أن تجالدي جلادة كالصك بالجلامد ومن هذا الباب قول العرب : صختهم
الصاخة وباتتهم البائتة , وهي الداهية . الطبري : وأحسبه من صخ فلان فلانا : إذا
أصماه . قال ابن العربي : الصاخة التي تورث الصمم , وإنها لمسمعة , وهذا من بديع
الفصاحة , حتى لقد قال بعض حديثي الأسنان حديثي الأزمان : ش أصم بك الناعي وإن كان
أسمعا ش وقال آخر : أضمني سرهم أيام فرقتهم فهل سمعتم بسر يورث الصمما لعمر الله إن
صيحة القيامة لمسمعة تصم عن الدنيا , وتسمع أمور الآخرة .
أي يهرب , أي تجيء الصاخة في هذا اليوم الذي يهرب فيه من أخيه ; أي من موالاة أخيه
ومكالمته ; لأنه لا يتفرغ لذلك , لاشتغاله بنفسه ; كما قال بعده : { لكل امرئ منهم
يومئذ شأن يغنيه }{ أي يشغله عن غيره . وقيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه , لما
بينهم من التبعات . وقيل : لئلا يروا ما هو فيه من الشدة . وقيل : لعلمه أنهم لا
ينفعونه ولا يغنون عنه شيئا ; كما قال : { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا } [
الدخان : 41 ] . وقال عبد الله بن طاهر الأبهري : يفر منهم لما تبين له من عجزهم
وقلة حيلتهم , إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه , ولو ظهر له ذلك في الدنيا
لما اعتمد شيئا سوى ربه تعالى . وذكر الضحاك عن ابن عباس قال : يفر قابيل من أخيه
هابيل , ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه , وإبراهيم عليه السلام من أبيه ,
ونوح عليه السلام من ابنه , ولوط من امرأته , وآدم من سوأة بنيه . وقال الحسن : أول
من يفر يوم القيامة من أبيه : إبراهيم , وأول من يفر من ابنه نوح ; وأول من يفر من
امرأته لوط . قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ .
وأمه وأبيهقيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه , لما بينهم من التبعات . وقيل :
لئلا يروا ما هو فيه من الشدة . وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئا ;
كما قال : { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا } [ الدخان : 41 ] . وقال عبد الله بن
طاهر الأبهري : يفر منهم لما تبين له من عجزهم وقلة حيلتهم , إلى من يملك كشف تلك
الكروب والهموم عنه , ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئا سوى ربه تعالى .
وذكر الضحاك عن ابن عباس قال : يفر قابيل من أخيه هابيل , ويفر النبي صلى الله عليه
وسلم من أمه , وإبراهيم عليه السلام من أبيه , ونوح عليه السلام من ابنه , ولوط من
امرأته , وآدم من سوأة بنيه . وقال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من أبيه :
إبراهيم , وأول من يفر من ابنه نوح ; وأول من يفر من امرأته لوط . قال : فيرون أن
هذه الآية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ .
وصاحبته وبنيه{ وصاحبته }{ أي زوجته . { وبنيه }{ أي أولاده . وذكر الضحاك عن ابن
عباس قال : يفر قابيل من أخيه هابيل , ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه ,
وإبراهيم عليه السلام من أبيه , ونوح عليه السلام من ابنه , ولوط من امرأته , وآدم
من سوأة بنيه . وقال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من أبيه : إبراهيم , وأول من
يفر من ابنه نوح ; وأول من يفر من امرأته لوط . قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم
وهذا فرار التبرؤ .
في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : [
يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ] قلت , يا رسول الله ! الرجال والنساء
جميعا ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : [ يا عائشة , الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض
] . خرجه الترمذي عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ يحشرون حفاة
عراة غرلا ] فقالت امرأة : أينظر بعضنا , أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال : [ يا فلانة
] { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } . قال : حديث حسن صحيح . وقراءة العامة بالغين
المعجمة ; أي حال يشغله عن الأقرباء . وقرأ ابن محيصن وحميد }{ يعنيه }{ بفتح الياء ,
وعين غير معجمة ; أي يعنيه أمره . وقال القتبي : يعنيه : يصرفه ويصده عن قرابته ,
ومنه يقال : اعن عني وجهك : أي اصرفه واعن عن السفيه ; قال خفاف : سيعنيك حرب بني
مالك عن الفحش والجهل في المحفل .
ضاحكة }{ أي مسرورة فرحة .{ مستبشرة } : أي بما آتاها الله من الكرامة . وقال عطاء
الخراساني : { مسفرة }{ من طول ما اغبرت في سبيل الله جل ثناؤه . ذكره أبو نعيم
. الضحاك : من آثار الوضوء . ابن عباس : من قيام الليل ; لما روي في الحديث : [ من
كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ] يقال : أسفر الصبح إذا أضاء .
ترهقها }{ أي تغشاها }{ قترة }{ أي كسوف وسواد . كذا قال ابن عباس . وعنه أيضا : ذلة
وشدة . والقتر في كلام العرب : الغبار , جمع القترة , عن أبي عبيد ; وأنشد الفرزدق :
متوج برداء الملك يتبعه موج ترى فوقه الرايات والقترا وفي الخبر : إن البهائم إذا
صارت ترابا يوم القيامة حول ذلك التراب في وجوه الكفار . وقال زيد بن أسلم , القترة
: ما ارتفعت إلى السماء , والغبرة : ما انحطت إلى الأرض , والغبار والغبرة : واحد .
أولئك هم الكفرة }{ جمع كافر }{ الفجرة }{ جمع فاجر , وهو الكاذب المفتري على الله
تعالى . وقيل : الفاسق ; [ يقال ] : فجر فجورا : أي فسق , وفجر : أي كذب . وأصله :
الميل , والفاجر : المائل . وقد مضى بيانه والكلام فيه . والحمد لله وحده .
نهاية تفسير السورة - تفسير القرآن الكريم
End of Tafseer of The Surah - The Holy Quran Tafseer