Prev  

6. Surah Al-An'âm سورة الأنعام

  Next  



تفسير البغوي - الأنعام - Al-An`am -
 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
1
 
{ مكية، وهي مائة وخمس وستون آية، نزلت بمكة [جملة] ليلاً معها سبعون أفل ملك قد سدوا ما بين الخافقين، لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتمجيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم } : سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم وخر ساجداً } . وروي مرفوعاً } : من قرأ سورة الأنعام يصلي عليه أولئك السبعون ألف ملك ليله ونهاره } . وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت سورة الأنعام بمكة، إلا قوله } : وما قدروا الله حق قدره ، { إلى آخر ثلاث آيات, وقوله تعالى } : قل تعالوا أتل } ، إلى قوله } : لعلكم تتقون } ، فهذه الست آيات مدنيات . { الحمد لله الذي خلق السموات والأرض } ، قال كعب الأحبار: هذه الآية أول آية في التوراة، وآخر آية في التوراة . قوله } : الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ، { الآية (الإسراء-111) . قال ابن عباس رضي الله عنهما: افتتح الله الخلق بالحمد، فقال } : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض } ، وختمه بالحمد فقال } : وقضي بينهم بالحق } ، أي: بين الخلائق، { وقيل الحمد لله رب العالمين } [الزمر-75]. قوله } : الحمد لله ، { حمد الله نفسه تعليماً لعباده، أي: احمدوا الله الذي خلق السموات والأرض،خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وفيهما العبر والمنافع للعباد ، { وجعل الظلمات والنور } ، والجعل بمعنى الخلق، قال الواقدي : كل ما في القرآن من الظلمات والنور فهو الكفر والإيمان، إلا في هذه الآية فإنه يريد بهما الليل والنهار. وقال الحسن: وجعل الظلمات والنور يعني الكفر والإيمان، وقيل: أراد بالظلمات الجهل وبالنور العلم . وقال قتادة يعني الجنة والنار . وقيل معناه خلق الله السموات والأرض، وقد جعل الظلمات والنور، لأنه قد خلق الظلمة والنور قبل السموات ولأرض . قال قتادة : خلق الله السموات قبل الأرض، والظلمة قبل النور، والجنة قبل النار، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال } : إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأة ضل }. { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } ، أي: ثم الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون، أي: يشركون، وأصله من مساواة الشيء بالشيء، ومنه العدل، أي: يعدلون بالله غير الله تعالى، يقال: عدلت هذا بهذا إذا ساويته، وبه قال النضر بن شميل ، الباء بمعنى عن، أي: عن ربهم يعدلون، أي يميلون وينحرفون من العدول، قال الله تعالى ، { عيناً يشرب بها عباد الله } ، أي: منها . وقيل: تحت قوله ، { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، { معنى لطيف، وهو مثل قول القائل: أنعمت عليكم بكذا وتفضلت عليكم بكذا، ثم تكفرون بنعمتي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ۖ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
2
 
قوله عز وجل : { هو الذي خلقكم من طين } ، يعني آدم عليه السلام، خاطبهم به إذ كانوا من ولده. قال السدي بعث الله تعالى جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطائفة منها، فقالت الأرض إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني، فرجع جبريل ولم يأخذ وقال: يا رب إنها عاذت بك، فبعث ميكائيل، فاستعاذت فرجع، فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أخالف أمره، فأخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء، فلذلك اختلفت ألوان بني آدم، ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر، فلذا اختلفت أخلاقهم فقال الله تعالى لملك الموت: رحم جبريل وميكائيل الأرض ولم ترحمها، لا جرم أجعل أرواح من أخلق من هذا الطين بيدك . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (خلق الله آدم عليه السلام من تراب وجعله طيناً، ثم تركه حتى كان حماً مسنوناً ثم خلقه وصوره وتركه حتى كان صلصالاً كالفخار، ثم نفخ فيه روحه ). قوله عز وجل } : ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده } ، قال الحسن و وقتادة و الضحاك : الأجل الأول من الولادة إلى الموت،والآجل الثاني من الموت إلى البعث، وهو البرزخ، وروي ذلك عن ابن عباس، وقال: لكل أحد أجلان أجل إلى الموت وأجل من الموت إلى البعث، فإن كان براً تقياً وصولاً للرحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر، وإن كان فاجراً قاطعاً للرحم نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث، وقال مجاهد و سعيد بن جبير : الأجل الأول أجل الدنيا، والأجل الثاني أجل الآخرة، وقال عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما ، { ثم قضى أجلاً { يعني: النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع عند اليقظة ، { وأجل مسمى عنده } ، يعني: أجل الموت، وقيل: هما واحد معناه: مسمىً عنده، لا يعلمه غيرة ، { ثم أنتم تمترون } ، تشكون في البعث.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
قوله عز وجل : { وهو الله في السموات وفي الأرض } ، يعني: وهو إله السموات والأرض، كقوله } : وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } ، وقيل: هو المعبود في السموات والأرض وقال محمد بن جرير : معناه هو الله في السموات يعلم سركم وجهركم في الأرض، [وقال الزجاج: فيه تقديم وتأخير تقديره: وهو الله، { يعلم سركم وجهركم } ، في السموات والأرض]، { ويعلم ما تكسبون } ، تعملون من الخير والشر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ
    +/- -/+  
الأية
4
 
{ وما تأتيهم } ، يعني: أهل مكة ، { من آية من آيات ربهم } ، مثل انشقاق القمر وغيره،وقال عطاء : يريد من آيات القرآن، { إلا كانوا عنها معرضين } ، لها تاركين بها مكذبين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
    +/- -/+  
الأية
5
 
{ فقد كذبوا بالحق } ، بالقرآن، وقيل: بمحمد صلى الله عليه وسلم ، { لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون } ، أي: أخبار استهزائهم وجزاؤه، أي: سيعلمون عاقبةاستهزائهم إذا عذبوا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ
    +/- -/+  
الأية
6
 
قوله عز وجل : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } ،يعني الأمم الماضية، والقرن: الجماعة من الناس، وجمعه قرون، وقيل: القرن مدة من الزمان، يقال ثمانون سنه، وقيل: ستون سنة، وقيل: أربعون سنة وقيل: ثلاثون سنة، ويقال: مائة سنة، لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بسر المازني: إنك تعيش قرناً فعاش مائة سنة }. فيكون معناه على هذه الأقاويل من أهل قرن ، { مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم } ، أي: أعطيناهم ما لم نعطكم، وقال ابن عباس: أمهلناهم في العمر مثل قوم نوح وعاد وثمود،يقال: مكنته ومكنت له ، { وأرسلنا السماء عليهم مدراراً } ، يعني: المطر، مفعال ، من الدر، قال ابن عباس: مدراراً أي: متتابعاً في أوقات الحاجات، وقوله } : ما لم نمكن لكم ، { من خطاب التلوين، رجع من الخبر من قوله } : ألم يروا ، { إلى خطاب، كقوله } : حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم } (يونس،22) . وقال هل البصرة: أخبر عنهم بقوله ، { ألم يروا ، { وفيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم خاطبهم معهم، والعرب تقول: قلت لعبد الله ما كرمه،وقلت، لعبد الله ما أكرمك ، { وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا ، { خلقنا وابتدأنا ، { من بعدهم قرناً آخرين } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
    +/- -/+  
الأية
7
 
{ قوله عز وجل : { ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس ، { الآية، قال الكلبي و مقابل : نزلت في النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد، قالوا: يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسوله، فأنزل الله عز وجل } : ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس { مكتوباً من عندي ، { فلمسوه بأيديهم } ، أي: عاينوه ومسوه بأيديهم وذكر اللمس ولم يذكر المعاينة لأن اللمس أبلغ في إيقاع العلم من [ الرؤية] فإن السحر يجري على المرئي ولا يجري على الملموس ، { لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين } ، معناه: لا ينفع معهم شيء لما سبق فيهم من علمي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
8
 
{ وقالوا لولا أنزل عليه } ، على محمد صلى الله عليه وسلم ، { ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر } ،أي: لوجب العذاب، وفرغ من الأمر، وهذا سنه الله في الكفار أنهم متى اقترحوا آية فأنزلت ثم لم يؤمنوا استؤصلوا بالعذاب ، { ثم لا ينظرون } ، أي: لا يؤجلون ولا يمهلون، وقال قتادة ، لو أنزلنا ملكاً ثم لم يؤمنوا لعجل لهم العذاب ولم يؤخروا طرفة عين، وقال مجاهد: لقضي الأمر أي لقامت القيامة،وقال الضحاك : لو أتاهم ملك في صورته لماتوا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ
    +/- -/+  
الأية
9
 
{ ولو جعلناه ملكاً '' ، [يعني: لو أرسلنا إليهم ملكاً]، ، { لجعلناه رجلاً } ،يعني في صورة [رجل ]آدمي، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة، وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، وجاء الملكان إلى داود في صورة رجلين . قوله عز وجل } : وللبسنا عليهم ما يلبسون } ، أي: خلطنا عليهم ما يخلطون وشبهنا عليهم فلا يدرون أملك هو أم آدمي، وقيل معناه شبهوا على ضعفائهم فشبه عليهم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هم أهل الكتاب فرقوا دينهم وحرفوا الكلم عن مواضعه، فلبس الله عليهم ما لبسوا على أنفسهم وقرأ الزهري { وللبسنا ، { بالتشديد على التكرير والتأكيد.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
    +/- -/+  
الأية
10
 
{ ولقد استهزئ برسل من قبلك } ، كما استهزئ بك يا محمد يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ، { فحاق } ، قال الربيع [بن أنس]: فنزل، وقال عطاء : حل، وقال الضحاك : أحاط ، { بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ، { ، أي: جزاء استهزائهم من العذاب والنقمة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
    +/- -/+  
الأية
11
 
{ قل } ، يا محمد لهؤلاء المكذبين المستهزئين ، { سيروا في الأرض } ، معتبرين، يحتمل هذا: السير بالعقول والفكر، ويحتمل السير بالأقدام ، { ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } ،أي: آخر أمرهم وكيف أورثهم الكفر والتكذيب الهلاك، فحذر كفار مكة عذاب الأمم الخالية.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلْ لِلَّهِ ۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
12
 
قوله عز وجل : { قل لمن ما في السموات والأرض } ، فإن أجابوك وإلا فـ ، { قل } ، أنت، { لله } ، أمره بالجواب عقيب السؤال ليكون أبلغ في التأثير وآكد في الحجة ، { كتب } ، أي: قضى ، { على نفسه الرحمة } ، هذا استعطاف منه تعالى للمتولين عنه إلى الإقبال عليه وإخباره بأنه رحيم بالعباد لا يعجل بالعقوبة، ويقبل الإنابة والتوبة . أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي أخبرنا أبو طاهر الزيادي أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال ثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي } . وروي أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: (إن رحمتي [سبقت]غضبي . أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي الكركاني أنا أبو طاهر الزيادي أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا عبد الرحمن المروزي أخبرنا عبد الله بن المبارك أنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: '' إن لله مائة رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تتعاطف الوحوش على أولادها، وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة } . أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا ابن أبي مريم ثنا أبو غسان حدثني زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قال: { قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها، تسعى إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ فقلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال:الله أرحم بعباده من هذه بولدها } . قوله عز وجل } : ليجمعنكم } ، اللام فيه لام القسم والنون نون التأكيد مجازة:والله ليجمعنكم ، { إلى يوم القيامة } ، أي: في يوم القيامة،وقيل: معناه ليجمعنكم في قبوركم إلى يوم القيامة ، { لا ريب فيه الذين خسروا } ، غبنوا ، { أنفسهم فهم لا يؤمنون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
    +/- -/+  
الأية
13
 
{ وله ما سكن في الليل والنهار } ، أي: استقر، قيل: أراد ما سكن وما تحرك، كقوله } : سرابيل تقيكم الحر } ، أي: الحر والبرد، وقيل: إنما خص السكون بالذكر لأن النعمة فيه أكثر، قال محمد بن جرير : كل ما طلعت عليه الشمس وغربت فهو من ساكن الليل، والمراد منه جميع ما في الأرض. وقيل معناه: ما يمر عليه الليل والنار ، { وهو السميع } ، لأصواتكم ، { العليم ، { بأسرارهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
{ قوله تعالى ، { قل أغير الله أتخذ ولياً ، { ؟وهذا حين دعا إلى دين آبائه، فقال تعالى: قل يا محمد أغير الله أتخذ ولياً،[رباً ومعبوداً وناصراً ومعيناً]؟ { فاطر السموات والأرض ، { ، أي: خالقهما ومبدعهما ومبتديهما ، { وهو يطعم ولا يطعم } ، إي : وهو يرزق ولا يرزق، كما قال: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ). { قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم } ، يعني: من هذه الأمة، والإسلام بمعنى الاستسلام لأمر الله،وقيل: أسلم أخلص ، { ولا تكونن } ، يعني: وقيل لي ولا تكونن ، { من المشركين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
15
 
{ قل إني أخاف إن عصيت ربي '' ، [فعبدت غيره] '' عذاب يوم عظيم } ، يعني: عذاب يوم القيامة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ
    +/- -/+  
الأية
16
 
{ من يصرف عنه } ، يعني: من يصرف العذاب عنه،قرأ حمزة و الكسائي وأبو بكر عن عاصم و يعقوب ، { يصرف ، { بفتح الياء وكسر الراء، أي: من يصرف الله عنه العذاب، لقوله } : فقد رحمه ، { وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الراء ، { يومئذ } ، يعني: يوم القيامة ، { فقد رحمه وذلك الفوز المبين } ، أي: النجاة البينة.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
    +/- -/+  
الأية
17
 
قوله عز وجل : { وإن يمسسك الله بضر ، { بشدة وبلية ، { فلا كاشف له } ، لا رافع ، { إلا هو وإن يمسسك بخير } ، عافية ونعمة، { فهو على كل شيء قدير } ، من الخير والضر . أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو عبد الله السلمي أنا أبو العباس الأصم أنا أحمد بن شيبان الرملي أنا عبد الله بن ميمون القداح أنا شهاب بن خراش ، [ هو ابن عبد الله] عن عبد الملك بن عمير عن ابن عباس قال: '' أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة، أهداها له كسرى فركبها بحبل من شعر، ثم أردفني خلفه،ثم سار بي ملياً ثم التفت إلي فقال: يا غلام، فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الخلائق أن ينفعوك بما لم يقضه الله تعالى لك لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروك بما لم يكتب الله تعالى عليك، ما قدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين، فافعل فإن لم تستطع فاصبر على ما تكره خيراً كثيراً واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع الكرب الفرج، وأن مع العسر يسرا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ
    +/- -/+  
الأية
18
 
{ وهو القاهر فوق عباده } ، القاهر الغالب، وفي القهر زيادة معنى على القدرة وهي منع غيره عن بلوغ المراد، وقيل: هو المنفرد بالتدبير الذي يجبر الخلق على مراده، فوق عباده هو صفة الاستعلاء الذي تفرد به الله عز وجل. { وهو الحكيم } ، في أمره ، { الخبير } ، بأعمال عباده.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُلْ لَا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
قوله عز وجل : { قل أي شيء أكبر شهادة ، { ؟ الآية، قال الكلبي : أتى أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أرنا من يشهد أنك رسول الله فإنا لا نرى أحداً يصدقك، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، فأنزل الله تعالى } : قل أي شيء أكبر } ، أعظم ، { شهادة ، { ؟ فإن أجابوك، وإلا ، { قل الله ، { وهو ، { شهيد بيني وبينكم } ، على ما أقول، ويشهد لي بالحق وعليكم بالباطل ، { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به } ، لأخوفكم به يا أهل مكة ، { ومن بلغ } ، يعني: ومن بلغه القرآن من العجم وغيرهم من الأمم إلى يوم القيامة . حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد بن الحنفي أنا محمد بن بشر بن محمد المزني أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن بشرالنقاش أنا شعيب الحراني أنا يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلي أنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية عن أبي كبشة [السلولي] عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعدة من النار }. أخبرنا أبو الحسن عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبوالعباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعودعن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها . فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم } . قال مقاتل : من بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له، وقال محمد بن كعب القرظي : من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً صلى الله عليه وسلم وسمع منه ، { أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ، { ؟ولم يقل أخر لأن الجمع يلحقه التأنيث،كقوله عز وجل } : ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } (الأعراف،180)،وقال } : فما بال القرون الأولى }.(طه،51) { قل } ، يا محمد إن شهدتم أنتم، فـ ، { لا أشهد } ، أنا أن معه إلهاً ، { قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ۘ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
20
 
قوله عز وجل : { الذين آتيناهم الكتاب } ، يعني: التوراة والإنجيل ، { يعرفونه } ، يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم بنعته وصفته ، { كما يعرفون أبناءهم } ، من بين الصبيان. { الذين خسروا أنفسهم } ، غبنوا أنفسهم ، { فهم لا يؤمنون } ، وذلك أن الله جعل لكل آدمي منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار، وإذا كان يوم القيامة جعل الله للمؤمنين منازل أهل النار في الجنة، ولأهل النار منازل أهل الجنة في النار،وذلك الخسران.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
21
 
{ قوله عز وجل: { ومن أظلم } ، أكفر ، { ممن افترى } ، اختلق ، { على الله كذباً } ، فأشرك به غيره ، { أو كذب بآياته } ، يعني: القرآن ، { إنه لا يفلح الظالمون } ، الكافرون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ
    +/- -/+  
الأية
22
 
{ ويوم نحشرهم جميعاً } ، أي: العابدين والمعبودين، يعني: يوم القيامة، قرأ يعقوب ، { يحشرهم ، { هاهنا، وفي سبأ بالياء، ووافق حفص في سبأ، وقرأ الآخرون بالنون ، { ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون } ، أنها تشفع لكم عند ربكم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ
    +/- -/+  
الأية
23
 
{ ثم لم تكن فتنتهم } ، قرأ حمزة و الكسائي و يعقوب ، { يكن ، { بالياء لأن الفتنة بمعنى الافتتان، فجاز تذكيره، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الفتنة، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم ، { فتنتهم ، { بالرفع جعلوه أسم كان، وقرأ الآخرون بالنصب، فجعلوا الاسم قوله ، { أن قالوا ، { وفتنتهم الخبر، ومعنى قوله ، { فتنتهم } ، أي: قولهم وجوابهم،وقال ابن عباس و قتادة : معذرتهم والفتنة التجربة، فلما كان سؤالهم تجربة لإظهار ما في قلوبهم قيل فتنة . قال الزجاج في قوله ، { ثم لم تكن فتنتهم ، { معنى لطيف وذلك مثل الرجل يفتتن بمحبوب ثم يصيبه فيه [محنة] فيتبرأ من محبوبه، فيقال: لم تكن فتنت إلا هذا، كذلك الكفار فتنوا بمحبة الأصنام ولما رأوا العذاب تبرأوا منها، يقول الله عز وجل } : ثم لم تكن فتنتهم ، { في محبتهم الأصنام ، { إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } ،قرأ حمزة و الكسائي ، { ربنا ، { بالنصب على نداء المضاف، وقرأ الآخرون بالخفض على نعت والله، وقيل:إنهم إذا رأوا يوم القيامة مغفرة الله تعالى وتجاوزه عن أهل التوحيد، قال بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجوا من أهل التوحيد، فيقولون:والله ربنا ما كنا مشركين، فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم بالكفر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
24
 
{ فقال عز وجل ، { انظر كيف كذبوا على أنفسهم } ، باعتذارهم بالباطل وتبريهم عن الشرك ، { وضل عنهم }: زال وذهب عنهم ، { ما كانوا يفترون ، { من الأصنام، وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها، فبطل كله في ذلك اليوم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
قوله عز وجل : { ومنهم من يستمع إليك ، { الآية، قال الكلبي : اجتمع أبو سفيان بن حرب وأبو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبي ابنا خلف والحارث بن عامر، يستمعون القرآن فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة ما يقول محمد ؟ قال: ما أدري ما يقول إلا أني أراه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، وكان النضر كثير الحديث عن القرون وأخبارها. فقال أبو سفيان: إني أرى بعض ما يقول حقاً، فقال أبو جهل: كلا، لا نقر بشيء من هذا، وفي رواية: للموت أهون علينا من هذا، فأنزل الله عز وجل } : ومنهم من يستمع إليك ، { وإلى كلامك ، { وجعلنا على قلوبهم أكنة ، { ، أغطية، جمع كنان، كالأعنة جمع عنان ، { أن يفقهوه } ، أن يعلموه، قيل: معناه أن لا يفقهوه، وقيل: كراهة أن يفقهوه ، { وفي آذانهم وقراً } ، صمماً وثقلاً، هذا دليل على أن الله تعالى يقلب القلوب فيشرح بعضها للهدى، ويجعل بعضها في أكنة فلا تفقه كلام الله ولا تؤمن ، { وإن يروا كل آية } ، من المعجزات والدلالات ، { لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين } ، يعني: أحاديثهم وأقاصيصهم، والأساطير جمع: أسطورة، وإسطارة. وقيل: هي الترهات والأباطيل، وأصلها من سطرت، أي: كتبت.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
26
 
{ وهم ينهون عنه } ، أي: ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، { وينأون عنه } ، أي: يتباعدون عنه بأنفسهم، نزلت في كفار مكة، قال محمد بن الحنفية و السدي و الضحاك ، وقال قتادة : ينهون عن القرآن وعن النبي صلى الله عليه وسلم ويتباعدون عنه . وقال ابن عباس و مقاتل : نزلت في أبي طالب كان ينهى الناس عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم ويمنعهم وينأى عن الإيمان به، أي: يبعد، حتى روي أنه اجتمع إليه رؤوس المشركين وقالوا: خذ شاباً من أصبحنا وجهاً، وادفع إلينا محمداً،فقال أبو طالب: ما أنصفتموني أدفع إليكم ولدي لتقتلوه وأربي ولدكم ؟ وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإيمان، فقال: لولا أن تعيرني قريش لأقررت بها عينك، ولكن أذب عنك ما حييت .وقال فيه أبياتاً: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقر بذاك منك عيونا ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ولقد صدقت وكنت ثم أمينا وعرضت ديناً قد علمت بأنه من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار سبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا ، { وإن يهلكون } ، ما يهلكون ، { إلا أنفسهم } ، أي: لا يرجع وبال فعلهم إلا إليهم، وأوزار الذين يصدونهم عليهم ، { وما يشعرون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
{ قوله عز وجل ، { ولو ترى إذ وقفوا على النار } ، يعني: في النار،كقوله تعالى } : على ملك سليمان } ، أي: في ملك سليمان، وقيل: عرضوا على النار، وجواب ، { لو ، { محذوف معناه: لو تراهم في تلك الحالة لرأيت عجبا ، { فقالوا يا ليتنا نرد } ،يعني: إلى الدنيا ، { ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين } ، قراءة العامة كلها بالرفع على معنى: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب، ونكون من المؤمنين، وقرأ حمزة و حفص و يعقوب ، { ولا نكذب بآيات ربنا ونكون ، { بنصب الباء والنون على جواب التمني، أي: ليت ردنا وقع، وأن لا نكذب ونكون، والعرب تنصب جواب التمني بالواو كما تنصب بالفاء، وقرأ ابن عامر ، { نكذب ، { بالرفع و ، { نكون ، { بالنصب لأنهم تمنوا أن يكونوا من المؤمنين، وأخبروا عن أنفسهم أنهم لا يكذبون بآيات ربهم إن ردوا إلى الدنيا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
    +/- -/+  
الأية
28
 
{ بل بدا لهم ، { قوله } : بل { تحته رد لقولهم، أي: ليس الأمر على ما قالوا إنهم لو ردوا لآمنوا، بل بدا لهم: ظهر لهم ، { ما كانوا يخفون } ، يسرون ، { من قبل } ، في الدنيا من كفرهم ومعاصيهم، وقيل: ما كانوا يخفون وهو قولهم ، { والله ربنا ما كنا مشركين } (الأنعام،23)، فأخفوا شركهم وكتموا حتى شهدت عليهم جوارحهم بما كتموا وستروا، لأنهم كانوا لا يخفون كفرهم في الدنيا، إلا أن تجعل الآية في المنافقين، وقال المبرد : بل بدا لهم جزاء ما كانوا يخفون، وقال النضر بن شميل : بل بدا عنهم . ثم قال ، { ولو ردوا ، { إلى الدنيا ، { لعادوا لما } ، يعني إلى ما ، { نهوا عنه } ، من الكفر ، { وإنهم لكاذبون ، { ، في قولهم، لو رددنا إلى الدنيا لم نكذب بآيات ربنا وكنا من المؤمنين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ
    +/- -/+  
الأية
29
 
{ وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين } ، هذا إخبار عن إنكارهم البعث، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، هذا من قولهم لو ردوا لقالوه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
30
 
قوله عز وجل : { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم } ، أي: على حكمه وقضائه ومسألته، وقيل: عرضوا على ربهم ، { قال } ، لهم وقيل: تقول لهم الخزنة بأمر الله ، { أليس هذا بالحق ، { ؟ يعني: أليس هذا البعث والعذاب بالحق ؟ ، { قالوا بلى وربنا } ، إنه حق، قال ابن عباس: هذا في موقف، وقولهم: والله ربنا ما كنا مشركين في موقف آخر، وللقيامة مواقف ففي موقف يقرون،وفي موقف ينكرون. { قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
{ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } ، أي: خسروا أنفسهم بتكذيبهم المصير إلى الله بالبعث بعد الموت ، { حتى إذا جاءتهم الساعة } ، أي: القيامة ، { بغتةً } ، أي: فجأة ، { قالوا يا حسرتنا } ، ندامتنا، [ذكر]على وجه النداء للمبالغة، وقال سيبويه : كأنه يقول: أيتها الحسرة هذا أوانك ، { على ما فرطنا } ، أي: قصرنا ، { فيها } ، أي: في الطاعة، وقيل: تركنا في الدنيا من عمل الآخرة. قال محمد بن جرير : الهاء راجعة إلى الصفقة، وذلك أنه لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم الآخرة بالدنيا قالوا: يا حسرتنا على ما فرطنا فيها، أي: في الصفقة[فترك ذكر الصفقة]اكتفاءً بقوله ، { قد خسر ، { لأن الخسران إنما يكون في صفقة بيع، والحسرة شدة الندم، حتى يتحسر النادم، كما يتحسر الذي تقوم به دابته في السفر البعيد ، { وهم يحملون أوزارهم } ، أثقالهم وآثامهم ، { على ظهورهم } ، قال السدي وغيره: إن المؤمن إذ أخرج من قبره استقبله أحسن شيء صورةً وأطيبه ريحاً فيقول له: هل تعرفني ؟ فيقول: لا، فيقول: أنا عملك الصالح فاركبني ، فقد طالما ركبتك في الدنيا، فذلك قوله عز وجل } : يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } (مريم،85) أي ركباناً، وأما الكافر فيستقبله أقبح شيء صورةً وأنتنه ريحاً، فيقول: هل تعرفني ؟ فيقول: لا . فيقول أنا عملك الخبيث طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك،فهذا معنى قوله } : وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم '' ، { ألا ساء ما يزرون } ، يحملون قال ابن عباس: بئس الحمل حملوا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
32
 
{ وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } ، باطل وغرور لا بقاء لها ، { وللدار الآخرة } ، قرأ ابن عامر ، { ولدار الآخرة ، { مضافا أضاف الدار إلى الآخرة ، ويضاف الشيء إلى نفسه عند اختلاف اللفظين ، كقوله } : وحب الحصيد } ، وقولهم: ربيع الأول ومسجد الجامع، سميت الدنيا لدنوها، وقيل: لدناءتها وسميت الآخرة لأنها بعد الدنيا، { خير للذين يتقون ، { الشرك ، { أفلا تعقلون } ، أن الآخرة أفضل من الدنيا، قرأ أهل المدينة وابن عامر و يعقوب ، { أفلا تعقلون ، { بالتاء ها هنا وفي الأعراف وسورة ويس، ووافق أبو بكر في سورة يوسف، ووافق حفص إلا في سورة يس، وقرأ الآخرون بالياء فيهن.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
33
 
قوله عز وجل : { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون } ، قال السدي : التقي الأخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام ، فقال الأخنس لأبي جهل يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب ؟ فإنه ليس ها هنا أحد يسمع كلامك غيري، فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والساقية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية . وقال ناجية بن كعب : قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم لا نتهمك ولا نكذبك، ولكنا نكذب الذي جئت به، فأنزل الله تعالى } : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ، { بأنك كاذب ، { فإنهم لا يكذبونك } ، قرأ نافع و الكسائي بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد من التكذيب، ولتكذيب هو أن تنسبه إلى الكذب، وتقول له: كذبت، والإكذاب هو أن تجده كاذباً، تقول العرب: أجدبت الأرض وأخصبتها إذا وجدت جدبة ومخصبة ، { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } ، يقول: إنهم لا يكذبون في السر لأنهم قد عرفوا صدقك فيما مضى، وإنما يكذبون وحيي ويجحدون آياتي، كما قال } : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } (النمل،94).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ
    +/- -/+  
الأية
34
 
{ ولقد كذبت رسل من قبلك } ، كذبهم قومهم كما كذبتك قريش ، { فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ، { بتعذيب من كذبهم ، { ولا مبدل لكلمات الله } ، لا ناقض لما حكم به، وقد حكم في كتابه بنصر أنبيائة عليهم السلام، فقال } : ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون } (الصافات، 171-172)، وقال } : إنا لننصر رسلنا } (غافر،51) وقال: '' كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } (المجادلة،21)، وقال الحسن بن الفضل : لا خلف [لعداته] { ولقد جاءك من نبإ المرسلين } ، و ، { من { صلة كما تقول: أصابنا مطر.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
{ وإن كان كبر عليك إعراضهم } ، أي: عظم عليك وشق أن أعرضوا عن الإيمان بك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على إيمان قومه أشد الحرص ، وكانوا إذ سألوا آية أحب أن يريهم الله تعالى ذلك طمعاً في إيمانهم، فقال الله عز وجل } : فإن استطعت أن تبتغي نفقاً } ، تطلب وتتخذ نفقاً سرباً ، { في الأرض } ، ومنه نافقاء اليربوع، وهو أحد جحريه فيذهب فيه ، { أو سلماً } ، أي: درجاً ومصعداً ، { في السماء } ، فتصعد فيه ، { فتأتيهم بآية } ، فافعل، { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } ، فآمنوا كلهم ، { فلا تكونن من الجاهلين } ، أي: بهذا الحرف، وهو قوله } : ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } ، وأن من يكفر لسابق علم الله فيه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
    +/- -/+  
الأية
36
 
{ إنما يستجيب الذين يسمعون } ، يعني: المؤمنين الذين يسمعون الذكر فيتبعونه وينتفعون به دون من ختم الله على سمعه ، { والموتى } ، يعني الكفار، { يبعثهم الله ثم إليه يرجعون } ، فيجزيهم بأعمالهم.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
37
 
{ قوله عز وجل : { وقالوا } ، يعني: رؤساء قريش ، { لولا } ، هلا ، { نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آيةً ولكن أكثرهم لا يعلمون } ، ما عليهم في إنزالها.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
38
 
قوله عز وجل : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } ، قيد الطيران بالجناح تأكيداً كما يقال نظرت بعيني وأخذت بيدي، { إلا أمم أمثالكم } ، قال مجاهد : أصناف مصنفة تعرف بأسمائها يريد أن كل جنس من الحيوان أمة، فالطير أمة، والدواب أمة، والسباع أمة، تعرف بأسمائها مثل بني آدم، يعرفون بأسمائهم، يقال: الإنس والناس . أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا المبارك هو ابن فضالة عن الحسن عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: '' لولا أن الكلاب أمة لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم } . وقيل: أمم أمثالكم يفقه بعضهم عن بعض، وقيل: أمم أمثالكم في الخلق والموت والبعث، وقال عطاء : أمم أمثالكم في التوحيد والمعرفة، وقال أبن قتيبة: أمم أمثالكم في الغذاء وابتغاء الرزق وتوقي المهالك . { ما فرطنا في الكتاب } ، أي: في اللوح المحفوظ ، { من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } ، قال ابن عباس و الضحاك : حشرها موتها، وقال أبو هريرة: يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير، وكل شيء فيأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني تراباً فحينئذ يتمنى الكافر ويقول } : يا ليتني كنت تراباً } . أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبوالحسن الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : لتردن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَنْ يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
39
 
قوله عز وجل : { والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم } ، لا يسمعون الخير ولا يتكلمون به ، { في الظلمات ، { ، في ضلالات الكفر ، { من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم } ، وهو الإسلام.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
40
 
قوله تعالى : { قل أرأيتكم } ، هل رأيتم ؟ والكاف فيه للتأكيد،وقال الفراء : العرب تقول أرأيتك، وهم يريدون أخبرنا، كما تقول: أرأيتك إن فعلت كذا ماذا تفعل ؟أي: أخبرني، وقرأ أهل المدينة ( أرأيتكم، وأرايتم، وأرايت) بتليين الهمزة الثانية، و الكسائي بحذفها، قال ابن عباس: قل يا محمد لهؤلاء المشركين أرأيتكم ، { إن أتاكم عذاب الله } ، قبل الموت ، { أو أتتكم الساعة } ، يعني: القيامة ، { أغير الله تدعون } ، في صرف العذاب عنكم ، { إن كنتم صادقين } ،وأراد أن الكفار يدعون الله في أحوال الاضطرار كما أخبر الله عنهم } : وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين } (لقمان،32) .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
    +/- -/+  
الأية
41
 
{ ثم قال ، { بل إياه تدعون } ، أي: تدعون الله ولا تدعون غيرة، { فيكشف ما تدعون إليه إن شاء } ، قيد الإجابة بالمشيئة [والأمور كلها بمشيئته]، ، { وتنسون } ، وتتركون ، { ما تشركون } .

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
{ ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء } ، بالشدة والجوع ، { والضراء } ، المرض والزمانة ، { لعلهم يتضرعون } ، أي يتوبون ويخضعون،والتضرع السؤال بالتذلل.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
43
 
{ فلولا } ، فهلا ، { إذ جاءهم بأسنا } ، عذابنا ، { تضرعوا } ، فآمنوا فكشف عنهم،/أخبر الله عز وجل إنه قد أرسل إلى قوم بلغوا من القسوة إلى أنهم أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم فلم يخضعوا ولم يتضرعوا، فذلك قوله } : ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون } ، من الكفر والمعاصي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
{ فلما نسوا ما ذكروا به } ، تركوا ما وعظوا وأمروا به ، { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } ، قرأ أبو جعفر. { فتحنا ، { بالتشديد،في كل القرآن، وقرأ ابن عامر كذلك إذا كان عقيبه جمعاً،والباقون بالتخفيف وهذا فتح استدراج ومكر، أي بدلنا مكان البلاء والشدة الرخاء والصحة ، { حتى إذا فرحوا بما أوتوا } ، وهذا فرح بطر مثل فرح قارون بما أصاب من الدنيا، { أخذناهم بغتة } ، فجأة آمن ما كانوا، وأعجب ما كانت الدنيا إليهم ، { فإذا هم مبلسون } ، آيسون من كل خير، وقال أبو عبيدة: المبلس النادم الحزين، وأصل الإبلاس: الإطراق من الحزن والندم، وروى عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال } : إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معصيته، فإنما ذلك استدراج } ، ثم تلا } : فلما نسوا ما ذكروا به ، { الآية.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
45
 
{ فقطع دابر القوم الذين ظلموا } ، أي: آخرهم [الذين بدبرهم، يقال: دبر فلان القوم يدبرهم دبراً ودبوراً إذا كان آخرهم]ومعناه أنهم استؤصلوا بالعذاب فلم يبق منهم باقية ، { والحمد لله رب العالمين } ، حمد الله نفسه على أن قطع دابرهم لأنه نعمة على الرسل، فذكر الحمد لله تعليماً لهم ولمن آمن بهم، أن يحمدوا الله على كفايته شر الظالمين، وليحمد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ربهم إذا أهلك المكذبين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ
    +/- -/+  
الأية
46
 
قوله تعالى : { قل أرأيتم } ، أيها المشركون ، { إن أخذ الله سمعكم } ، حتى لا تسمعوا شيئاً أصلاً ، { وأبصاركم } ، حتى لا تبصروا شيئاً ، { وختم على قلوبكم } ، حتى لا تفقهوا شيئاً ولا تعرفوا مما تعرفون من أمور الدنيا ، { من إله غير الله يأتيكم به } ، ولم يقل بها مع أنه ذكر أشياء ، قيل : معناه يأتيكم بما أخذ منكم، وقيل: الكناية ترجع إلى السمع الذي ذكر أولاً ويندرج غيره تحته، كقوله تعالى ، { والله ورسوله أحق أن يرضوه } (التوبة،62). فالهاء راجعة إلى الله، ورضى الرسول يندرج في رضى الله تعالى ، { انظر كيف نصرف الآيات } ، أي: نبين لهم العلامات الدالة على التوحيد والنبوة ، { ثم هم يصدفون } ، يعرضون عنها مكذبين.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
47
 
{ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة } ، فجأة ، { أو جهرةً } ، معاينة ترونه عند نزوله ، قال ابن عباس و والحسن : ليلاً أو نهاراً ، { هل يهلك إلا القوم الظالمون ، { المشركون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ۖ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
    +/- -/+  
الأية
48
 
قوله عز وجل : { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح } ، العمل ، { فلا خوف عليهم } ، حين يخاف أهل النار ، { ولا هم يحزنون } ، إذا حزنوا.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
    +/- -/+  
الأية
49
 
{ والذين كذبوا بآياتنا يمسهم } ، يصيبهم ، { العذاب بما كانوا يفسقون } ، يكفرون.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
50
 
{ قل لا أقول لكم عندي خزائن الله } ، نزل حين اقترحوا الآيات فأمره أن يقول لهم } : لا أقول لكم عندي خزائن الله } ، أي خزائن رزقه فأعطيكم ما تريدون ، { ولا أعلم الغيب } ، فأخبركم بما غاب مما مضى ومما سيكون ، { ولا أقول لكم إني ملك } ، قال ذلك لأن الملك يقدر على مالا يقدر عليه الآدمي ويشاهد ما لا يشاهده الآدمي، يريد لا أقول لكم شيئاً من ذلك فتنكرون قولي وتجحدون أمري ، { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } ، أي: ما آتيكم به فمن وحي الله تعالى، وذلك غير مستحيل في العقل مع قيام الدليل والحجج البالغة ، { قل هل يستوي الأعمى والبصير ، { ؟ قال قتادة : الكافر والمؤمن، وقال مجاهد : الضال والمهتدي: وقيل: الجاهل والعالم ، { أفلا تتفكرون } ، أي: أنهما لا يستويان.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
51
 
قوله عز وجل : { وأنذر به ، { خوف به أي: القرآن ، { الذين يخافون أن يحشروا } ، يجمعوا ويبعثوا ، { إلى ربهم } ، وقيل: يخافون أي يعملون، لأن خوفهم إنما كان من علمهم ، { ليس لهم من دونه } ، من دون الله ، { ولي } ، قريب ينفعهم ، { ولا شفيع } ، يشفع لهم ، { لعلهم يتقون } ،فينتهون عما نهوا عنه، وإنما نفى الشفاعة لغيرة-مع أن الأنبياء والأولياء يشفعون- لأنهم لا يشفعون إلا بإذنه.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
52
 
{ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ، { ، قرأ ابن عامر ، { بالغداة ، { بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها، ها هنا وفي سورة الكهف وقرأ الآخرون بفتح الغين والدال وألف بعدها. قال سلمان وخباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية ، { جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري وذويهم من المؤلفة قلوبهم، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم، فأتوه فقالوا: يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم، وكان عليهم جباب صوف لم يكن عليهم غيرها،لجالسناك وأخذنا عنك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم: ما أنا بطارد المؤمنين قالوا فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا فرغنا فاقعد معهم إن شئت، قال: نعم، قالوا: اكتب لنا عليك بذلك كتاباً، قال: فدعا بالصحيفة ودعا علياً ليكتب، قالوا ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بقوله } : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } ، إلى قوله } : بالشاكرين ، { فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده، ثم دعانا فأثبته، وهو يقول } : سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } ، فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عز وجل } : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } (الكهف، 28)، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد وندنو منه حتى كادت ركبنا تمس ركبته، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم، وقال لنا: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات }. وقال الكلبي : قالوا له اجعل لنا يوماً ولهم يوماً، فقال: لا أفعل، قالوا: فاجعل المجلس واحداً فأقبل إلينا وول ظهرك عليهم، فأنزل الله تعالى هذه الأية } : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي }. قال مجاهد : قالت قريش: لولا بلال وابن أم عبد لبايعنا محمداً، فأنزل الله هذه الآية } : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } ، قال ابن عباس: يعني يعبدون ربهم بالغداة والعشي، يعني: صلاة الصبح وصلاة العصر، ويروي عنه: أن المراد منه الصلوات الخمس، وذلك أن أناساً من الفقراء كانوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، فقال ناس من الأشراف: إذا صلينا فأخر هؤلاء فليصلوا خلفنا، فنزلت الآية، وقال مجاهد: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب، فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص، فقال سعيد: ما أسرع الناس إلى هذا المجلس !قال مجاهد : فقلت يتأولون قوله تعالى ، { يدعون ربهم بالغداة والعشي } ، قال: أفي هذا هو، إنما ذلك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن، وقال إبراهيم النخعي : يعني يذكرون ربهم، وقيل المراد منه: حقيقة الدعاء ، { يريدون وجهه } ، أي: يريدون الله بطاعتهم قال ابن عباس رضي الله عنهما: يطلبون ثواب الله فقال ، { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } ، أي: لا تكلف أمرهم ولا يتكلفون أمرك، وقيل: ليس رزقهم عليك فتملهم ، { فتطردهم } ، ولا رزقك عليهم، قوله ، { فتطردهم } ، جواب لقوله ، { ما عليك من حسابهم من شيء ، { وقوله } : فتكون من الظالمين } ، جواب لقوله ، { ولا تطرد ، { أحدهما جواب النفي والآخر جواب النهي.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
53
 
قوله عز وجل : { وكذلك فتنا } ، أي: ابتلينا، { بعضهم ببعض } ، أراد ابتلاء الغني بالفقير والشريف بالوضيع، وذلك أن الشريف إذا نظر إلى الوضيع قد سبقه بالإيمان امتنع من الإسلام بسببه فكان فتنة له فذلك قوله } : ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا } ، فقال الله تعالى: '' أليس الله بأعلم بالشاكرين } ، فهو جواب لقولهم ، { أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ، { فهو استفهام بمعنى التقرير، أي: الله أعلم بمن شكر الإسلام إذ هداه الله عز وجل. أخبرنا الإمام ابو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني أنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو بن بسطام ثنا أبو الحسن أحمد بن سيار القرشي أنا مسدد أنا جعفر بن سليمان عن المعلي بن زياد عن العلاء بن بشير المزني عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: { جلست في نفر من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري، وقارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام علينا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت القارئ، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما كنتم تصنعون ؟قلنا يا رسول الله كان قارئ يقرأ علينا فكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم قال: ثم جلس وسطنا ليعدل نفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتحلقوا، وبرزت وجوههم له، قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف منهم أحداً غيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار خمسمائة سنة }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
54
 
قوله عز وجل : { إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم } ، قال عكرمة : نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيه عن طردهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام. وقال عطاء : نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم وأبي عبيدة ومصعب بن عمير وحمزة وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر والأرقم بن أبي الأرقم وأبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهم أجمعين . { كتب ربكم على نفسه الرحمة } ، أي: قضى على نفسه الرحمة، { أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة } ، قال مجاهد : لا يعلم حلالاً من حرام فمن جهالته ركب الذنب، وقيل: جاهل بما يورثه ذلك الذنب، وقيل: جهالة من حيث أنه آثر المعصية على الطاعة والعاجل القليل على الآجل الكثير ، { ثم تاب من بعده } ، رجع عن ذنبه ، { وأصلح } ، عمله، وقيل: أخلص توبته ، { فأنه غفور رحيم } ، قرأ ابن عامر و عاصم و يعقوب ، { أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ، { بفتح الألف فيهما بدلاً من الرحمة، أي: كتب على نفسه أنه من عمل منكم، ثم جعل الثانية بدلاً عن الأولى، كقوله تعالى } : أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون '' ، (المؤمنون،35)، وفتح أهل المدينة الأولى منهما وكسروا الثانية على الاستئناف، وكسرهما الآخرون على الاستئناف.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
55
 
{ وكذلك نفصل الآيات } ، أي: وهكذا، وقيل: معناه وكما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا وإعلامنا على المشركين كذلك نفصل الآيات، أي: نميز ونبين لك حجتنا في كل حق ينكره أهل الباطل ، { ولتستبين سبيل المجرمين } ، أي: طريق المجرمين، وقرأ أهل المدينة ، { ولتستبين { بالتاء ، { سبيل ، { نصب على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، أي: ولتعرف يا محمد سبيل المجرمين، يقال: استبنت الشيء وتبينته إذا عرفته، وقرأ حمزة و الكسائي و أبو بكر ، { ولتستبين ، { بالياء ، { سبيل ، { بالرفع، وقرأ الآخرون ، { ولتستبين { بالتاء ، { سبيل ، { رفع، أي: ليظهر ويتضح والسبيل، يذكر ويؤنث، فدليل التذكير قوله تعالى } : وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً } (الأعراف ،146)،ودليل التأنيث قوله تعالى } : لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً } (آل عمران، 99).

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ۚ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ ۙ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ
    +/- -/+  
الأية
56
 
قوله عز وجل : { قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم } ، في عبادة الأوثان وطرد الفقراء ، { قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين } ، يعني: إن فعلت ذلك فقد تركت سبيل الحق وسلكت غير طريق الهدى.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ۚ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ
    +/- -/+  
الأية
57
 
{ قل إني على بينة } ، أي: على بيان وبصيرة وبرهان ، { من ربي وكذبتم به } ،أي: ما جئت به ، { ما عندي ما تستعجلون به } ، قيل: أراد به استعجالهم العذاب،كانوا يقولون } : إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة } (الأنفال، 32) الآية، قيل: أراد به القيامة، قال الله تعالى } : يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها } (الشورى،18)، ، { إن الحكم إلا لله يقص الحق } ، قرأ أهل الحجاز و عاصم يقص بضم القاف والصاد مشدداً أي يقول الحق، لأنه في جميع المصاحف بغير ياء،ولأنه قال الحق ولم يقل بالحق، وقرأ الآخرون ، { يقضي ، { بسكون القاف والضاد مكسورة، من قضيت، أي: يحكم بالحق بدليل أنه قال } : وهو خير الفاصلين } ، والفصل يكون في القضاء وإنما حذفوا الياء لاستثقال الألف واللام، كقوله تعالى } : صال الجحيم ، { ونحوها،ولم يقل بالحق لأن الحق صفة المصدر، كأنه قال: يقضي القضاء الحق.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۗ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
58
 
{ قل لو أن عندي } ، وبيدي ، { ما تستعجلون به } ، من العذاب ، { لقضي الأمر بيني وبينكم } ،أي: فرغ من العذاب [وأهلكتم]، أي لعجلته حتى أتخلص منكم ، { والله أعلم بالظالمين }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
    +/- -/+  
الأية
59
 
قوله عز وجل : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } ،مفاتح الغيب خزائنه، جمع مفتح. واختلفوا في مفاتح الغيب، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبوالحسن الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله: '' مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام أحد إلا الله تعالى، [ولا يعلم ما في الغد إلا الله عز وجل]، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة أحد إلا الله }. وكما قال الله تعالى } : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث }. وقال الضحاك و مقاتل : مفاتح الغيب خزائن الأرض، وعلم نزول العذاب. وقال عطاء : ما غاب عنكم من الثواب والعقاب. وقيل: انقضاء الآجال، وقيل: أحوال العباد من السعادة والشقاوة وخواتيم أعمالهم، وقيل: هي ما لم يكن بعد أنه يكون أم لا يكون، وما يكون كيف يكون، ومالا يكون أن لو كان كيف يكون ؟ وقال ابن مسعود): أوتي نبيكم علم كل شيء إلا علم مفاتيح الغيب). { ويعلم ما في البر والبحر } ، قال مجاهد : البر: المفاوز والقفار، والبحر: القرى والأمصار، لا يحدث فيهما شيء إلا يعلمه، وقيل: هو البر والبحر المعروف ، { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } ، يريد ساقطة وثابتة، يعني: يعلم عدد ما يسقط من ورق الشجر وما يبقى عليه، وقيل: يعلم كم انقلبت ظهراً لبطن إلى أن سقطت على الأرض ، { ولا حبة في ظلمات الأرض } ، قيل: هو الحب المعروف في بطون الأرض، وقيل: هو تحت الصخرة في أسفل الأرضين ، { ولا رطب ولا يابس } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الرطب الماس، واليابس البادية، وقال عطاء : يريد ما ينبت ومالا ينبت، وقيل: ولا حي ولا ميت، وقيل: هو عبارة عن كل شيء ، { إلا في كتاب مبين } ، يعني أن الكل مكتوب في اللوح المحفوظ.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
60
 
{ قوله تعالى ، { وهو الذي يتوفاكم بالليل } ، أي: يقبض أرواحكم إذا نمتم بالليل ، { ويعلم ما جرحتم } ، كسبتم ، { بالنهار ثم يبعثكم فيه } ، أي: يوقظكم في النهار ، { ليقضى أجل مسمىً } ، يعني: أجل الحياة إلى الممات، يريد استيفاء العمر على التمام ، { ثم إليه مرجعكم } ، في الآخرة ، { ثم ينبئكم } ، يخبركم ، { بما كنتم تعملون }.

 
Tafseer Al-Baghawiy  تفسير البغوي
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ
    +/- -/+