Prev  

27. Surah An-Naml سورة النّمل

  Next  



تفسير ابن كثير - النمل - An-Naml -
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
بِسْم ِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
طس ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ
    +/- -/+  
الأية
1
 
سورة النمل قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسرها حكاه القرطبي في تفسـره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خيثم واختاره أبو حاتم بن حبان ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم إنما هي أسماء السور قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره وعليه إطباق الأكثر ونقل عن سيبويه أنه نص عليه ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة { الم } السجدة و { هل أتى على الإنسان } وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: الم وحم والمص وص فواتح افتتح الله بها القرآن وكذا قال غيره عن مجاهد وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه أنه قال الم اسم من أسماء القرآن وهكذا وقال قتادة وزيد بن أسلم ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبدالرحمن بن زيد بن أسلم أنه اسم من أسماء السور فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن فإنه يبعد أن يكون المص اسما للقرآن كله لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول قرأت المص إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف لا لمجموع القرآن والله أعلم وقيل هي اسم من أسماء الله تعالى فقال عنها في فواتح السور من أسماء الله تعالى وكذلك قال سالم بن عبدالله وإسماعيل بن عبدالرحمن السدي الكبير وقال شعبة عن السدي بلغني أن ابن عباس قال ألم اسم من أسماء الله الأعظم هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي عن شعبة قال سألت السدي عن حم وطس والم فقال قال ابن عباس هي اسم الله الأعظم وقال ابن جرير وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو النعمان حدثنا شعبة عن إسماعيل السدي عن مرة الهمذاني قال: قال عبدالله فذكر نحوه وحكى مثله عن علي وابن عباس وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله تعالى وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة أنه قال الم قسم وروينا أيضا من حديث وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الم قال أما الم فهي حروف استفتحت من حروف هجاء أسماء الله تعالى وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى ألم قال هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا دارت فيها الألسن كلها ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه وليس منها حرف إلا وهو من آلائه وبلألائه وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم قال عيسى ابن مريم عليه السلام وعجب: فقال أعجب أنهم يظنون بأسمائه ويعيشون في رزقه فكيف يكفرون به فالألف مفتاح الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد فالألف آلاء الله واللام لطف الله والميم مجد الله والألف سنة واللام ثلاثون سنة والميم أربعون سنة هذا لفظ ابن أبي حاتم ونحوه رواه ابن جرير ثم شرع يوجه كل واحد من هذه الأقوال ويوفق بينها وأنه لا منافاة بين كل واحد منها وبين الآخر وأن الجمع ممكن فهي أسماء للسور ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته كما افتتح سورا كثيرة بتحميده وتسبيحه وتعظيمه قال ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسم من أسماء الله وعلى صفة من صفاته وعلى مدة وغير ذلك كما ذكره الربيع بن أنس عن أبي العالية لأن الكلمة الواحدة تطلق على معاني كثيرة كلفظة الأمة فإنها تطلق ويراد بها الدين كقوله تعالى { إنا وجدنا آباءنا على أمة } وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله كقوله تعالى { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين } وتطلق ويراد بها الجماعة كقوله تعالى { وجد عليه أمة من الناس يسقون } وقوله تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا } وتطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله تعالى { وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة } أي بعد حين على أصح القولين قال فكذلك هذا وقوله تعالى: { تلك آيات } أي هذه آيات { القرآن وكتاب مبين } أي بين واضح.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
2
 
أى إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لمن آمن به واتبعه وصدقه وعمل بما فيه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
3
 
أى إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لمن آمن به واتبعه وصدقه وعمل بما فيه وأقام الصلاة المكتوبة وآتى الزكاة المفروضة وأيقن بالدار الآخرة والبعث بعد الموت والجزاء على الأعمال خيرها وشرها والجنة والنار كما قال تعالى { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر } الآية وقال تعالى: { لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ
    +/- -/+  
الأية
4
 
أي يكذبون بها ويستبعدون وقوعها { زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون } أي حسنا لهم ما هم فيه ومددنا لهم في غيهم فهم يتيهون في ضلالهم وكان هذا جزاء على ما كذبوا من الدار الآخرة كما قال تعالى: { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ
    +/- -/+  
الأية
5
 
{ أولئك الذين لهم سوء العذاب } أي في الدنيا والآخرة { وهم في الآخرة هم الأخسرون } أى ليس يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ
    +/- -/+  
الأية
6
 
أي { وإنك } يا محمد { لتلقى } أي لتأخذ { القرآن من لدن حكيم عليم } أي من عند حكيم عليم أي حكيم في أمره ونهيه عليم بالأمور جليلها وحقرها فخبره هو الصدق المحض وحكمه هو العدل التام كما قال تعالى: { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
7
 
يقول تعالى لرسوله محمد مذكرا له ما كان من أمر موسى عليه السلام كيف اصطفاه الله وكلمه وناجاه وأعطاه من الآيات العظيمة الباهرة والأدلة القاهرة وابتعثه إلى فرعون وملئه فجحدوا بها وكفروا واستكبروا من اتباعه والانقياد له فقال تعالى: { إذ قال موسى لأهله } أي اذكر حين سار موسى بأهله فأضل الطريق وذلك في ليل وظلام فآنس من جانب الطور نارا أي رأى نارا تأجج وتضطرم فقال { لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر } أى الطريق { أو آتيكم منها بشهاب قبس لعلكم تصطلون } أي تستدفئون به وكان كما قال فإنه رجع منها بخبر عظيم واقتبس منها نورا عظيم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
8
 
فلما أتاها ورأى منظرا هائلا عظيما حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء لا تزداد النار إلا توقدا ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء قال ابن عباس وغيره لم تكن نارا وإنما كانت نورا يتوهج وفي رواية عن ابن عباس نور رب العالمين فوقف موسى متعجبا مما رأى { فنودي أن بورك من في النار } قال ابن عباس تقدس { ومن حولها } أي من الملائكة قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود هو الطيالسي حدثنا شعبة والمسعودي عن عمرو بن مرة سمع أبا عبيدة يحدث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل } زاد المسعودي { وحجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره } ثم قرأ أبو عبيدة { أن بورك من في النار ومن حولها } وأصل الحديث مخرج في صحيح مسلم من حديث عمرو بن مرة وقوله تعالى: { وسبحان الله رب العالمين } أي الذي يفعل ما يشاء ولا يشبهه شيء من مخلوقاته ولا يحيط به شيء من مصنوعاته وهو العلي العظيم المباين لجميع المخلوقات لا يكتنفه الأرض والسموات بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
    +/- -/+  
الأية
9
 
أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز الذي عز كل شيء وقهره وغلبه الحكيم في أقواله وأفعاله.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
10
 
ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ليظهر له دليلا واضحا علي أنه الفاعل المختار القادر على كل شيئ فلما ألقى موسى تلك العصا من يده انقلبت في الحال حية عظيمة هائلة في غاية الكبر وسرعة الحركة مع ذلك ولهذا قال تعالى: { فلما رآها تهتز كأنها جان } والجان ضرب من الحيات أسرعه حركة وأكره اضطرابا وفي الحديث نهى عن قتل جنان البيوت فلما عاين موسى ذلك { ولى مدبرا ولم يعقب } أي لم يلتفت من شدة فرقه { يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون } أي لا تخف مما ترى فإني أريد أن أصطفيك رسولا وأجعلك نبيا وجيها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
11
 
هذا استثناء منقطع وفيه بشارة عظيمة للبشر وذلك أن من كان على عمل شيء ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب فإن الله يتوب عليه كما قال تعالى: { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } وقال تعالى: { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه } الآية والآيات في هذا كثيرة جدا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ۖ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
    +/- -/+  
الأية
12
 
هذه آية أخرى ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار وصدق من جعل له معجزة وذلك أن الله تعالى أمره أن يدخل يده في جيب درعه فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة قمر لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف وقوله تعالى: { في تسع آيات } أي هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن وأجعلهن برهانا لك إلى فرعون وقومه { إنهم كانوا قوما فاسقين } وهذه هي الآيات التسع التي قال الله تعالى { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } كما تقدم تقرير ذلك هنالك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ
    +/- -/+  
الأية
13
 
أى بينة واضحة ظاهرة { قالوا هذا سحر مبين } وأرادوا معارضته بسحرهم فغلبوا وانقلبوا صاغرين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ
    +/- -/+  
الأية
14
 
{ وجحدوا بها } أي في ظاهر أمرهم { واستيقنتها أنفسهم } أي علموا في أنفسهم أنها حق عند الله ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها { ظلما وعلوا } أي ظلما من أنفسهم سجية ملعونة وعلوا أي استكبارا عن اتباع الحق ولهذا قال تعالى: { فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة أمرهم في إهلاك الله إياهم وإغراقهم عن آخرهم فى صبيحة واحدة وفحوى الخطاب يقول إحذروا أيها المكذبون لمحمد الجاحدون لما جاء به من ربه أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأخرى فإن محمدا صلى الله عليه وسلم أشرف وأعظم من موسى وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله وما سبقه من البشارات من الأنبياء به وأخذ المواثيق له عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ
    +/- -/+  
الأية
15
 
يخبر تعالى عما أنعم به على عبديه ونبييه داود وابنه سليمان عليهما السلام من النعم الجزيلة والمواهب الجليلة والصفات الجميلة وما جمع لهما بين سعادة الدنيا والآخرة والملك والتمكين التام في الدنيا والنبوة والرسالة في الدين ولهذا قال تعالى { ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين } قال ابن أبي حاتم ذكر عن إبراهيم بن يحيى بن هشام أخبرني أبي عن جدي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إن الله لم ينعم على عبده نعمة فيحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمه لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل قال الله تعالى { ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين } فأي نعمة أفضل مما أوتي داود وسليمان عليهما السلام.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ
    +/- -/+  
الأية
16
 
{ وورث سليمان داود } أي في الملك والنبوة وليس المراد وراثة المال إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود فإنه قد كان لداود مائة امرأة ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة فإن الانبياء لا تورث أموالهم كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقه } وقال { يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء } أي أخبر سليمان بنعم الله عليه فيما وهبه له من الملك التام والتمكين العظيم حتى إنه سخر له الإنس والجن والطير وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضا وهذا شيء لم يعطه أحد من البشر فيما علمناه مما أخبر الله به ورسوله ومن زعم من الجهلة والرعاع أن الحيوانات كانت تنطق كنطق بني آدم قبل سليمان بن داود كما قد يتفوه به كثير من الناس فهو قول بلا علم ولو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة إذ كلهم يسمع كلام الطيور والبهائم ويعرف ما تقول وليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا بل لم تزل البهائم والطيور وسائر المخلوقات من وقت خلقت إلى زماننا هذا على هذا الشكل والمنوال ولكن الله سبحانه كان قد أفهم سليمان ما يتخاطب به الطيور في الهواء وما تنطق به الحيوانات على اختلاف أصنافها ولهذا قال تعالى { علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء } أي مما يحتاج إليه الملك { إن هذا لهو الفضل المبين } أي الظاهر البين لله علينا قال الإمام أحمد حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { كان داود عليه السلام فيه غيرة شديدة فكان إذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع قال فخرج ذات يوم وأغلقت الأبواب فأقبلت امرأة تطلع إلى الدار فإذا رجل قائم وسط الدار فقالت لمن في البيت من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة؟ والله لنفتضحن بداود فجاء داود { فإذا الرجل قائم وسط الدار فقال له داود من أنت؟ فقال الذي لا يهاب الملوك ولا يمتنع من الحجاب فقال داود أنت إذا والله ملك الموت مرحبا بأمر الله فتزمل داود مكانه حتى قبضت نفسه حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس فقال سليمان عليه السلام للطير أظلي داود فظللت عليه الطير حتى أظلمت عليه الأرض فقال لها سليمان اقبضي جناحا جناحا } قال أبو هريرة يا رسول الله كيف فعلت الطير؟ فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وغلبت عليه يومئذ المضرحية قال أبو الفرج ابن الجوزي: المضرحية هي النسور الحمراء.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
    +/- -/+  
الأية
17
 
أى وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير يعني ركب فيهم في أبهة وعظمة كبيرة في الإنس وكانوا هم الذين يلونه والجن وهم بعدهم في المنزلة والطير ومنزلتها فوق رأسه فإن كان حرا أظلته منه بأجنحتها قوله: { فهم يوزعون } أي يكف أولهم على آخرهم لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له قال مجاهد جعل على كل صنف وزعة يردون أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في المسير كما يفعل الملوك اليوم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
18
 
وقوله: { حتى إذا أتوا على وادي النمل } أي حتى إذا مر سليمان عليه السلام بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل { قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } أورد ابن عساكر من طريق إسحاق بن بشر عن سعيد عن قتادة عن الحسن أن اسم هذه النملة حرس وأنها من قبيلة يقال لهم بنو الشيطان وأنها كانت عرجاء وكانت بقدر الذئب أي خافت على النمل أن تحطمها الخيول بحوافرها فأمرتهم بالدخول إلى مساكنهم ففهم ذلك سليمان عليه السلام منها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ
    +/- -/+  
الأية
19
 
أي ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها علي من تعليمي منطق الطير والحيوان وعلى والدي بالإسلام لك والإيمان بك { وأن أعمل صالحا ترضاه } أي عملا تحبه وترضاه { وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } أي إذا توفيتني فألحقني بالصالحين من عبادك والرفيق الأعلى من أوليائك ومن قال من المفسرين إن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره وإن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب أو غير ذلك من الأقاويل فلا حاصل لها وعن نوف البكالي أنه قال كان نمل سليمان أمثال الذئاب هكذا رأيته مضبوطا بالياء المثناة من تحت وإنما هو بالباء الموحدة وذلك تصحيف والله أعلم والغرض أن سليمان عليه السلام فهم قولها وتبسم ضاحكا من ذلك وهذا أمر عظيم جدا وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا مسعر عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي قال خرج سليمان بن داود عليهما السلام يستسقي فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن سقياك وإلا تسقنا تهلكنا فقال سليمان ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم وقد ثبت في الصحيح عند مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { قرصت نبيا من الأنبياء نملة فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟ فهلا نملة واحدة }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ
    +/- -/+  
الأية
20
 
قال مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس وغيره: كان الهدهد مهندسا يدل سليمان عليه السلام على الماء إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض ويعرف كم مساحة بعده من وجه الأرض فإذا دلهم عليه أمر سليمان عليه السلام الجان فحفروا ذلك المكان حتى يستنبط الماء من قراره فنزل سليمان عليه السلام يوما بفلاة من الأرض فتفقد الطير ليرى الهدهد فلم يره { فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } حدث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا وفي القوم رجل من الخوارج يقال له نافع بن الأزرق وكان كثير الاعتراض على ابن عباس فقال له قف يا ابن عباس غلبت اليوم قال ولم؟ قال إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء فى تخوم الأرض وأن الصبي ليضع له الحبة في الفخ ويحثو على الفخ ترابا فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ فيصيده الصبي فقال ابن عباس لولا أن يذهب هذا فيقول رددت على ابن عباس لما أجبته ثم قال له ويحك إنه إذا نزل القدر عمي البصر وذهب الحذر فقال له نافع: والله لا أجادلك في شيء من القرآن أبدا وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله البرزي من أهل برزة من غوطة دمشق وكان من الصالحين يصوم الاثنين والخميس وكان أعور قد بلغ الثمانين فروى ابن عساكر بسنده إلى أبي سليمان بن زيد أنه سأله عن سبب عوره فامتنع عليه فألح عليه شهورا فأخبره أن رجلين من أهل خراسان نزلا عنده جمعة في قرية برزة وسألاه عن واد بها فأريتهما إياه فأخرجا مجامر وأوقدا فيها بخورا كثيرا حتى عجعج الوادي بالدخان فأخذا يعزمان والحيات تقبل من كل مكان إليهما فلا يلتفتان إلى شيء منها حتى أقبلت حية نحو الذراع وعيناها تتوقدان مثل الدينار فاستبشرا بها عظيما وقالا الحمد لله الذي لم يخيب سفرنا من سنة وكسرا المجامر وأخذا الحية فأدخلا في عينها ميلا فاكتحلا به فسألتهما أن يكحلاني فأبيا فألححت عليهما وقلت لا بد من ذلك وتوعدتهما بالدولة فكحلا عيني الواحدة اليمنى فحين وقع في عيني نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة أنظر ما تحتها كما ترى المرآة ثم قالا لي: سر معنا قليلا فسرت معهما وهما يحدثان حتى إذا بعدت عن القرية أخذاني فكتفاني وأدخل أحدهما يده في عيني ففقأها ورمى بها ومضيا فلم أزل كذلك ملقى مكتوفا حتى مر بي نفر ففك وثاقي فهذا ما كان من خبر عيني وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن عمرو الغساني حدثنا عباد بن ميسرة المنقري عن الحسن فال: اسم هدهد سليمان عليه السلام عنبر وقال محمد بن إسحاق: كان سليمان عليه السلام إذا غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه تفقد الطير وكان فيما يزعمون يأتيه نوب من كل صنف من الطير كل يوم طائر فنظر فرأى من أصناف الطير كلها من حضره إلا الهدهد { فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } أخطأه بصري من الطير أم غاب فلم يحضر؟.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ
    +/- -/+  
الأية
21
 
{ لأعذبنه عذابا شديدا } قال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد عن ابن عباس يعني نتف ريشه وقال عبد الله بن شداد نتف ريشه وتشميسه وكذا قال غير واحد من السلف إنه نتف ريشه وتركه ملقى يأكله الذر والنمل وقوله { أو لأذبحنه } يعني قتله { أو ليأتيني بسلطان مبين } بعذر بين واضح وقال سفيان بن عيينة وعبد الله بن شداد: لما قدم الهدهد قالت له الطير ما خلفك فقد نذر سليمان دمك فقال هل استثنى؟ قالوا نعم قال { لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين } قال نجوت إذا قال مجاهد إنما دفع الله عنه ببره بأمه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
    +/- -/+  
الأية
22
 
{ فمكث } الهدهد { غير بعيد } أي غاب زمانا يسيرا ثم جاء فقال لسليمان { أحطت بما لم تحط به } أي اطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك { وجئتك من سبإ بنبإ يقين } أي بخبر صدق حق يقين وسبأ هم حمير وهم ملوك اليمن.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
23
 
{ إني وجدت امرأة تملكهم } قال الحسن البصري وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ وقال قتادة: كانت أمها جنية وكأن مؤخر قدميها مثل حافر الدابة من بيت مملكة وقال زهير بن محمد وهي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان وأمها فارغة الجنية وقال ابن جريج بلقيس بنت ذي شرخ وأمها بلتعة وقال ابن أبى حاتم حدثنا علي بن الحسن حدثنا مسدد حدثنا سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان مع صاحبة سليمان مائه الف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وقال الأعمش عن مجاهد: كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: { إني وجدت امرأة تملكهم } كانت من بيت مملكة وكان أولو مشورتها ثلثمائة واثني عشر رجلا كل رجل منهم على عشرة آلاف رجل وكانت بأرض يقال لها مأرب على ثلاثة أميال من صنعاء وهذا القول هو أقرب على أنه كثير على مملكة اليمن والله أعلم وقوله { وأوتيت من كل شيء } أي من متاع الدنيا مما يحتاج إليه الملك المتمكن { ولها عرش عظيم } يعني سرير تجلس عليه عظيم هائل مزخرف بالذهب وأنواع الجواهر واللآلئ قال زهير بن محمد كان من ذهب وصفحاته مرمولة بالياقوت والزبرجد طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا وقال محمد بن إسحاق كان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ وكان إنما يخدمها النساء ولها ستمائة امرأة تلي الخدمة قال علماء التاريخ: وكان هذا السرير في قصر عظيم مشيد رفيع البناء محكم وكان فيه ثلثمائة وستون طاقة من مشرقه ومثلها من مغربه قد وضع بناؤه على أن تدخل الشمس كل يوم من طاقة وتغرب من مقابلتها فيسجدون لها صباحا ومساء.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
24
 
أي لا يعرفون سبيل الحق التي هي إخلاص السجود لله وحده دون ما خلق من الكواكب وغيرها كما قال تعالى: { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } وقرأ بعض القراء { ألا يا اسجدوا لله } جعلها ألا الإستفتاحية ويا للنداء وحذف المنادى تقديره عنده ألا يا قوم اسجدوا لله وقوله { الذي يخرج الخبء في السموات والأرض } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعلم كل خبيئة في السماء والأرض وكذا قال عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد وقال سعيد بن المسيب الخبء الماء وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خبء السموات والأرض ما جعل فيهما من الأرزاق المطر من السماء والنبات من الأرض وهذا مناسب من كلام الهدهد الذي جعل فيه من الخاصية ما ذكره ابن عباس وغيره من أنه يرى الماء يجري في تخوم الأرض وداخلها وقوله { ويعلم ما تخفون وما تعلنون } أي يعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من الأقوال والأفعال وهذا كقوله تعالى: { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
    +/- -/+  
الأية
25
 
أي لا يعرفون سبيل الحق التي هي إخلاص السجود لله وحده دون ما خلق من الكواكب وغيرها كما قال تعالى: { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } وقرأ بعض القراء { ألا يا اسجدوا لله } جعلها ألا الإستفتاحية ويا للنداء وحذف المنادى تقديره عنده ألا يا قوم اسجدوا لله وقوله { الذي يخرج الخبء في السموات والأرض } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعلم كل خبيئة في السماء والأرض وكذا قال عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد وقال سعيد بن المسيب الخبء الماء وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خبء السموات والأرض ما جعل فيهما من الأرزاق المطر من السماء والنبات من الأرض وهذا مناسب من كلام الهدهد الذي جعل فيه من الخاصية ما ذكره ابن عباس وغيره من أنه يرى الماء يجري في تخوم الأرض وداخلها وقوله { ويعلم ما تخفون وما تعلنون } أي يعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من الأقوال والأفعال وهذا كقوله تعالى: { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
اللهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩
    +/- -/+  
الأية
26
 
أي هو المدعو وهو الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم أي الذي ليس في المخلوقات أعظم منه ولما كان الهدهد داعي إلى الخير وعبادة الله وحده والسجود له نهى عن قتله كما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد وإسناده صحيح.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
    +/- -/+  
الأية
27
 
يقول تعالى مخبرا عن قول سليمان للهدهد حين أخيره عن أهل سبأ وملكتهم { قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين } أي أصدقت في إخبارك هذا { أم كنت من الكاذبين } في مقالتك لتخلص من الوعيد الذي أوعدتك؟.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
اذْهَبْ بِكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ
    +/- -/+  
الأية
28
 
وذلك أن سليمان عليه السلام كتب كتابا إلى بلقيس وقومها وأعطاه ذلك الهدهد فحمله قيل في جناحه كما هي عادة الطير وقيل بمنقاره وجاء إلى بلادهم فجاء إلى قصر بلقيس إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها بنفسها فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها ثم تولى عنها أدبا ورياسة فتحيرت مما رأت وهالها ذلك ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ففتحت ختمه وقرأته فإذا فيه { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو علي وأتوني مسلمين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
29
 
فجمعت عند ذلك أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها ثم قالت لهم { يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم } تعني بكرمه ما رأته من عجيب أمره كون طائر ذهب به فألقاه إليها ثم تولى عنها أدبا وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك ولا سبيل لهم إلى ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
    +/- -/+  
الأية
30
 
ثم قرأته عليهم { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين } فعرفوا أنه من نبي الله سليمان عليه السلام وأنه لا قبل لهم به وهذا الكتاب في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة فإنه حصل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها قال العلماء لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه السلام وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثا في تفسيره حيث قال: حدثنا أبي حدثنا هارون بن الفضل أبو يعلى الخياط حدثنا أبو يوسف عن سلمة بن صالح عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { إنى أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود } قلت يا نبي الله أي آية؟ قال { سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد } قال فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت نسي ثم التفت إلي وقال { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } هذا حديث غريب وإسناده ضعيف وقال ميمون بن مهران كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية فكتب { بسم الله الرحمن الرحيم }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
31
 
قال قتادة يقول لا تجبروا علي { وأتوني مسلمين } وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا تمتنعوا ولا تتكبروا علي وأتوني مسلمين قال ابن عباس موحدين وقال غيره مخلصين وقال سفيان بن عينة طائعين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ
    +/- -/+  
الأية
32
 
لما قرأت عليهم كتاب سليمان استشارتهم في أمرها وما قد نزل بها ولهذا قالت { يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون } أي حتى تحضرون وتشيرون.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ
    +/- -/+  
الأية
33
 
أي منوا إليها بعددهم وعددهم وقوتهم ثم فوضوا إليها بعد ذلك الأمر فقالوا: { والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين } أي نحن ليس لنا عاقة ولا بنا بأس إن شئت أن تقصديه وتحاربيه فما لنا عاقة عنه وبعد هذا فالأمر إليك مري فينا رأيك نمتثله ونطيعه قال الحسن البصري رحمه الله فوضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها فلما قالوا لها ما قالوا كانت هي أحزم رأيا منهم وأعلم بأمر سليمان وأنه لا قبل لها بجنوده وجيوشه وما سخر له من الجن والإنس والطير وقد شاهدت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرا عجيبا بديعا فقالت لهم إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه فيقصدنا بجنوده ويهلكنا بمن معه ويخلص إلى وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
34
 
قال ابن عباس أي إذا دخلوا بلدا عنوة أفسدوه أي خربوه { وجعلوا أعزة أهلها أذلة } أي وقصدوا من فيها من الولاة والجنود فأهانوهم غاية الهوان إما بالقتل أو بالأسر قال ابن عباس قالت بلقيس { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة } قال الرب عز وجل { وكذلك يفعلون } ثم عدلت إلى المصالحة والمهادنة والمسالمة والمخادعة والمصانعة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
35
 
أي سأبعث إليه بهدية تليق بمثله وأنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك فلعله يقبل ذلك منا ويكف عنا أو يضرب علينا خراجا نحمله إليه في كل عام ونلتزم له بذلك ويترك قتالنا ومحاربتنا قال قتادة رحمه الله: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس وقال ابن عباس وغير واحد قالت لقومها إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ
    +/- -/+  
الأية
36
 
ذكر غير واحد من المفسرين من السلف وغيرهم أنها بعثت إليه بهدية عظيمة من ذهب وجواهر ولآلئ وغير ذلك وقال بعضهم أرسلت بلبنة من ذهب والصحيح أنها أرسلت إليه بآنية من ذهب: قال مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما أرسلت جواري في زي الغلمان وغلمان فى زي الجواري فقالت إن عرف هؤلاء من هؤلاء فهو نبي قالوا فأمرهم سليمان فتوضؤا فجعلت الجارية تفرغ على يدها من الماء وجعل الغلام يغترف فميزهم بذلك وقيل بل جعلت الجارية تغسل باطن يدها قبل ظاهرها والغلام بالعكس وقيل بل جعلت الجواري يغسلن من أكفهن إلى مرافقهن والغلمان من مرافقهم إلى كفوفهم ولا منافاة بين ذلك كله والله أعلم: وذكر بعضهم أنها أرسلت إليه بقدح ليملأه ماء رواء لا من السماء ولا من الأرض: فأجرى الخيل حتى عرفت ثم ملأه من ذلك ويخرزة وسلك ليجعله فيها ففعل ذلك والله أعلم أكان ذلك أم لا وأكثره مأخوذ من الإسرائيليات والظاهر أن سليمان عليه السلام لم ينظر إلى ما جاءوا به بالكلية ولا اعتنى به بل أعرض عنه وقال منكرا عليهم { أتمدونن بمال } أي أتصانعونني بمال لأترككم على شرككم وملككم؟ { فما آتاني الله خير مما آتاكم } أي الذي أعطاني الله من الملك والمال والجنود خير مما أنتم فيه { بل أنتم بهديتكم تفرحون } أي أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف وأما أنا فلا أقبل منكم إلا الإسلام أو السيف قال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه: أمر سليمان الشياطين فموهوا له ألف قصر من ذهب وفضة فلما رأت رسلها ذلك قالوا ما يصنع هذا بهديتنا وفي هذا جواز تهيؤ الملوك وإظهارهم الزينة للرسل والقصاد.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
37
 
{ ارجع إليهم } أي بهديتهم { فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها } أي لا طاقة لهم بقتالهم { ولنخرجنهم منها أذلة } أي ولنخرجنهم من بلدتهم أذلة { وهم صاغرون } أي مهانون مدحورون فلما رجعت إليها رسلها بهديتها وبما قال سليمان سمعت وأطاعت هي وقومها وأقبلت تسير إليه في جنودها خاضعة ذليلة معظمة لسليمان ناوية متابعته فى الإسلام ولما تحقق سليمان عليه السلام قدومهم ووفودهم إليه فرح بذلك وسره.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
38
 
قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان قالت قد والله عرفت ما هذا بملك وما لنا به من طاقة وما نصنع بمكابرته شيئا وبعثت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ فجعل في سبعة أبيات بعضها في بعض ثم أقفلت عليه الأبواب ثم قالت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي فلا يخلص إليه أحد من عباد الله ولا يرينه أحد حتى آتيك ثم شخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن تحت يدي كل قيل ألوف كثيرة فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة حتى إذا دنت جمع من عنده من الجن والإنس ممن تحت يده فقال { يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } وقال قتادة لما بلغ سليمان أنها جائية وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه وكان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وجوهر وكان مسترا بالديباج والحرير فكانت عليه تسعة مغاليق فكره أن يأخذه بعد إسلامهم وقد علم نبي الله أنهم متى أسلموا تحرم أموالهم ودماؤهم فقال { يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } وهكذا قال عطاء الخراساني والسدي وزهير بن محمد { قبل أن يأتوني مسلمين } فتحرم علي أموالهم بإسلامهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ
    +/- -/+  
الأية
39
 
{ قال عفريت من الجن } قال مجاهد أي مارد من الجن قال شعيب الجبائي وكان اسمه كوزن وكذا قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان وكذا قال أيضا وهب بن منبه قال أبو صالح وكان كأنه جبل { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } قال ابن عباس رضي الله عنه يعني قبل أن تقوم من مجلسك وقال مجاهد مقعدك وقال السدي وغيره كان يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام من أول النهار إلى أن تزول الشمس { وإني عليه لقوي أمين } قال ابن عباس أي قوي على حمله أمين على ما فيه من الجوهر فقال سليمان عليه السلام أريد أعجل من ذلك ومن ههنا يظهر أن سليمان أراد بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهب الله له من الملك وما سخر له من الجنود الذي لم يعطه أحد قبله ولا يكون لأحد من بعده وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها لأن هذا خارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه هذا وقد حجبته بالأغلاق والأقفال والحفظة.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
    +/- -/+  
الأية
40
 
{ قال الذي عنده علم من الكتاب } قال ابن عباس وهو آصف كاتب سليمان وكذا روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان أنه آصف بن برخياء وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم وقال قتادة كان مؤمنا من الإنس واسمه آصف وكذا قال أبو صالح والضحاك وقتادة إنه كان من الإنس زاد قتادة من بني إسرائيل وقال مجاهد كان اسمه أسطوم قال قتادة في رواية عنه كان اسمه بليخا وقال زهير بن محمد هو رجل من الإنس يقال له ذو النور وزعم عبدالله بن لهيعة أنه الخضر وهو غريب جدا وقوله { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } أي ارفع بصرك وانظر مد بصرك مما تقدر عليه فإنك لا يكل بصرك إلا وهو حاضر عندك وقال وهب ابن منبه أمدد بصرك فلا يبلغ مداه حتى آتيك به فذكروا أنه أمره أن ينظر نحو اليمن التي فيها هذا العرش المطلوب ثم قام فتوضأ ودعا الله تعالى قال مجاهد قال يا ذا الجلال والإكرام وقال الزهري قال: يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها قال فمثل بين يديه قال مجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن إسحاق وزهير بن محمد وغيرهم لما دعا الله تعالى وسأله أن يأتيه بعرش بلقيس وكان في اليمن وسليمان عليه السلام ببيت المقدس غاب السرير وغاص في الأرض ثم نبع من بين يدي سليمان وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لم يشعر سليمان إلا وعرشها يحمل بين يديه قال وكان هذا الذي جاء به من عباد البحر فلما عاين سليمان وملأه ذلك ورآه مستقرا عنده { قال هذا من فضل ربي } أي هذا من نعم الله علي { ليبلوني } أي ليختبرني { ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه } كقوله { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } وكقوله { ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون } وقوله { ومن كفر فإن ربي غني كريم } أي هو غني عن العباد وعبادتهم كريم أي كريم في نفسه فإن لم يعبده أحد فإن عظمته ليست مفتقرة إلى أحد وهذا كما قال موسى { إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد } وفي صحيح مسلم { يقول الله تعالى: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ
    +/- -/+  
الأية
41
 
لما جيء سليمان عليه السلام بعرش بلقيس قبل قدومها أمر به أن يغير بعض صفاته ليختبر معرفتها وثباتها عند رويته هل تقدم على أنه عرشها أو أنه ليس بعرشها فقال { نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون } قال ابن عباس نزع منه فصوصه ومرافقه وقال مجاهد أمر به فغير ما كان فيه أحمر جعل أصفر وما كان أصفر جعل أحمر وما كان أخضر جعل أحمر غير كل شيء عن حاله وقال عكرمة زادوا فيه ونقصوا وقال قتادة جعل أسفله أعلاه ومقدمه مؤخره وزادوا فيه ونقصوا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ
    +/- -/+  
الأية
42
 
{ فلما جاءت قيل أهكذا عرشك } أي عرض عليها عرشها وقد غير ونكر وزيد فيه ونقص منه فكان فيها ثبات وعقل ولها لب ودهاء وحزم فلم تقدم على أنه هو لبعد مسافته عنها ولا أنه غيره لما رأت من آثاره وصفاته وإن غير وبدل ونكر فقالت { كأنه هو } أي يشبهه ويقاربه وهذا غاية في الذكاء والحزم وقوله { وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين } قال مجاهد يقوله سليمان هذا من تمام كلام سليمان عليه السلام في قول مجاهد وسعيد بن جبير رحمهما الله أي قال سليمان { أوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
43
 
{ وصدها } ضمير يعود إلى سليمان أو إلى الله عز وجل تقديره ومنعها { ما كانت تعبد من دون الله } أي صدها عن عبادة غير الله { إنها كانت من قوم كافرين } قلت ويؤيد قول مجاهد أنها إنما أظهرت الإسلام بعد دخولها إلى الصرح كما سيأتي.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
    +/- -/+  
الأية
44
 
وذلك أن سليمان عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصرا عظيما من قوارير أى من زجاج وأجرى تحته الماء فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه واختلفوا في السبب الذي دعا سليمان عليه السلام إلى اتخاذه فقيل إنه عزم على تزوجها واصطفائها لنفسه ذكر له جمالها وحسنها ولكن في ساقيها هلب عظيم ومؤخر أقدامها كمؤخر الدابة فساءه ذلك فاتخذ هذا ليعلم صحته أم لا؟ هكذا قول محمد بن كعب القرظي وغيره فلما دخلت وكشفت عن ساقيها رأى أحسن الناس ساقا وأحسنهم قدما لو كن رأى على رجليها شعرا لأنها ملكة ليس لها زوج فأحب أن يذهب ذلك عنها فقيل له الموسى فقالت لا أستطيع ذلك وكره سليمان ذلك وقال للجن اصنعوا شيئا غير الموسى يذهب به هذا الشعر فصنعوا له النورة وكان أول من اتخذت له النورة قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي والسدي وابن جريج وغيرهم وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان ثم قال لها ادخلي الصرح ليريها ملكا هو أعز من ملكها وسلطانا هو أعظم من سلطانها فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها لا تشك أنه ماء تخوضه فقيل لها إنه صرح ممرد من قوارير فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله وحده وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله وقال الحسن البصري: لما رأت العلجة الصرح عرفت والله أن قد رأت ملكا أعظم من ملكها وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه قال: أمر سليمان بالصرح وقد عملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضا ثم أرسل الماء تحته ثم وضع له فيه سريره فجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس ثم قال لها ادخلي الصرح ليريها ملكا هو أعز من ملكها وسلطانا هو أعظم س سلطانها { فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها } لا تشك أنه ماء تخوضه قيل لها { إنه صرح ممرد من قوارير } فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله عز وجل وحده وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله فقالت بقول الزنادقة فوقع سليمان ساجدا إعظاما لما قالت وسجد معه الناس فسقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع فلما رفع سليمان رأسه قال ويحك ماذا قلت؟ قالت أنسيت ما قلت؟ فقالت { رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } فأسلمت وحسن إسلامها وقد روى الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في هذا أثرا غريبا عن ابن عباس فقال حدثنا الحسين بن على عن زائدة حدثني عطاء بن السائب حدثنا مجاهد ونحن في الأزد قال حدثنا ابن عباس قال: كان سليمان عليه السلام يجلس على سريره ثم توضع كراسي حوله فيجلس عليها الإنس ثم يجلس الجن ثم الشياطين ثم تأتي الريح فترفعهم ثم تظلهم الطير ثم يغدون قدر ما يشتهي الراكب أن ينزل شهرا ورواحها شهرا قال فبينما هو ذات يوم في مسير له إذ تفقد الطير ففقد الهدهد قال { مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين } قال وكان عذابه إياه أن ينتفه ثم يلقيه في الأرض فلا يمتنع من نملة ولا من شيء من هوام الأرض قال عطاء وذكر سعيد بن جبير عن أبن عباس مثل حديث مجاهد { فمكث غير بعيد- فقرأ حتى انتهى إلى قوله - سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا } وكتب بسم الله الرحمن الرحيم إلى بلقيس { أن لا تعلوا علي وائتوني مسلمين } فلما ألقى الهدهد الكتاب إليها ألقي في روعها أنه كتاب كريم وأنه كريم وأنه من سليمان وأن لا تعلوا علي وائتوني مسلمين قالوا نحن أولوا قوة قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وإني مرسلة إليهم بهدية فناظره بم يرجع المرسلون فلما جاءت الهدية سليمان قال أتمدونني بمال ارجع إليهم فلما نظر إلى الغبار أخبرنا ابن عباس قال وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومن معها حين نظر إلى الغبار كما بيننا وبين الحيرة قال عطاء ومجاهد حينئذ في الأزد قال سليمان أيكم يأتيني بعرشها؟ قال وبين عرشها وبين سليمان حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين { قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } قال وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس كما يجلس الأمراء ثم يقوم فقال { أنا آتيك به قبل أن تقوم مقامك } قال سليمان أريد أعجل من ذلك فقال الذي عنده علم من الكتاب أنا أنظر في كتاب ربي ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قال فنظر إليه سليمان فلما قطع كلامه رد سليمان بصره فنبع عرشها من تحت قدم سليمان من تحت كرسي كان سليمان يضع عليه رجله ثم يصعد إلى السرير قال فلما رأى سليمان عرشها قال { هذا من فضل ربي } الآية { قال نكروا لها عرشها } فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو قال فسألته حين جاءته عن أمرين قالت لسليمان أريد ماء ليس من أرض ولا سماء وكان سليمان إذا سئل عن شيء سأل الإنس ثم الجن ثم الشياطين قال فقالت الشياطين هذا هين أجر الخيل ثم خذ عرقها ثم املأ منه الآنية قال فأمر بالخيل فجريت ثم أخذ عرقها فملأ منه الآنية قال وسألت عن لون الله عز وجل قال فوثب سليمان عن سريره فخر ساجدا فقال يا رب لقد سألتني عن أمر إنه ليتعاظم في قلبي أن أذكره لك فقال ارجع فقد كفيتكم قال فرجع إلى سريره قال ما سألت عنه؟ قالت ما سألتك إلا عن الماء فقال لجنوده ما سألت عنه؟ فقالوا ما سألتك إلا عن الماء قال ونسوه كلهم قال وقالت الشياطين إن سليمان يريد أن يتخذها لنفسه فإن اتخذها لنفسه ثم ولد بينها ولد لم ننفك من عبوديته فقال فجعلوا صرحا ممردا من قوارير فيه السمك قال فقيل لها أدخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها فإذا هي شعراء فقال سليمان هذا قبيح فما يذهبه؟ قالوا يذهبه الموسى فقال أثر الموسى قبيح قال فجعلت الشياطين النورة قال فهو أول من جعلت له النورة ثم قال أبو بكر بن أبي شيبة ما أحسنه من حديث { قلت } بل هو منكر غريب جدا ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس والله أعلم والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب مما وجد في صحفهم كروايات كعب ووهب سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب مما كان وما لم يكن ومما حرف وبدل ونسخ وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ ولله الحمد والمنة أصل الصرح في كلام العرب هو القصر وكل بناء مرتفع قال الله سبحانه وتعالى إخبارا عن فرعون لعنه الله أنه قال لوزيره هامان { ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب } الآيات والصرح قصر في اليمن عالي البناء والممرد المبنى بناء محكما أملس { من قوارير } أي زجاج وتمريد البناء تمليسه ومارد حصن بدومة الجندل والغرض أن سليمان عليه السلام اتخذ قصرا عظيما منيفا من زجاج لهذه الملكة ليريها عظمة سلطانه وتمكنه فما رأت ما آتاه الله وجلالة ما هو فيه وتبصرت في أمره انقادت لأمر الله تعالى وعرفت أنه نبي كريم وملك عظيم وأسلمت لله عز وجل وقالت { رب إني ظلمت نفسي } أي بما سلف من كفرها وشركها وعبادتها وقومها للشمس من دون الله { وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } أي متابعة لدين سليمان في عبادته لله وحده لا شريك له الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ
    +/- -/+  
الأية
45
 
يخبر تعالى عن ثمود وما كان من أمرها مع نبيها صالح عليه السلام حين بعثه الله إليهم فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له { فإذا هم فريقان يختصمون } قال مجاهد: مؤمن وكافر كقوله تعالى { قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه؟ قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
    +/- -/+  
 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ۚ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ ۖ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
    +/- -/+  
الأية
47
 
أي ما رأينا على وجهك ووجوه من اتبعك خيرا وذلك أنهم لشقائهم كان لا يصيب أحدا منهم سوء إلا قال هذا من قبل صالح وأصحابه قال مجاهد تشاءموا بهم قال مجاهد تشاءموا بهم وهذا كما قال الله تعالى إخبارا عن قوم فرعون { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } الآية وقال تعالى { وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله } أي بقضائه وقدره وقال تعالى مخبرا عن أهل القرية إذ جاءها المرسلون { قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم } الآية وقال هؤلاء { اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله } أي الله يجازيكم على ذلك { بل أنتم قوم تفتنون } قال قتادة تبتلون بالطاعة والمعصية والظاهر أن المراد بقوله { تفتنون } أي تستدرجون فيما أنتم فيه من الضلال.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ
    +/- -/+  
الأية
48
 
يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورءوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلال والكفر وتكذيب صالح وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة وهموا بقتل صالح أيضا بأن يبيتوه في أهله ليلا فيقتلوه غيلة ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه أنهم ما علموا بشيء من أمره وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به من أنهم لم يشاهدوا ذلك فقال تعالى { وكان في المدينة } أي مدينة ثمود { تسعة رهط } أي تسعة نفر { يفسدون فى الأرض ولا يصلحون } وإنما غلب هؤلاء على أمر ثمود لأنهم كانوا كبراءهم ورؤساءهم قال العوفي عن ابن عباس: هؤلاء هم الذين عقروا الناقة أي الذي صدر ذلك عن رأيهم ومشورتهم قبحهم الله ولعنهم وقد فعل ذلك وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس: كان أسماء هؤلاء التسعة دعمى ودعيم وهرما وهريم وداب وصواب ورياب ومسطع وقدار بن سالف عاقر الناقة أي الذي باشر ذلك بيده قال الله تعالى: { فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } وقال تعالى { إذ انبعث أشقاها } وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر بن ربيعة الصنعاني سمعت عطاء - هو ابن أبي رباح - يقول: { وكان فى المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون } قال كانوا يقرضون الدراهم يعني أنهم كانوا يأخذون منها وكأنهم كانوا يتعاملون بها عددا كما كان العرب يتعاملون وقال الإمام مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض وفي الحديث الذي رواه أبو داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس والغرض أن هؤلاء الكفرة الفسقة كان من صفاتهم الإفساد في الأرض بكل طريق يقدرون عليها فمنها ما ذكره هؤلاء الأئمة وغير ذلك.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
    +/- -/+  
الأية
49
 
أي تحالفوا وتبايعوا على قتل نبي الله صالح عليه السلام من لقيه ليلا غيلة فكادهم الله وجعل الدائرة عليهم قال مجاهد تقاسموا وتحالفوا على هلاكه فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
    +/- -/+  
الأية
50
 
قال قتادة تواثقوا على أن يأخذوه ليلا فيقتلوه وذكر لنا أنهم بينما هم معانيق إلى صالح ليفتكوا به إذ بعث الله عليهم صخرة فأهمدتهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ
    +/- -/+  
الأية
51
 
قال العوفي عن ابن عباس: هم الذين عقروا الناقة قالوا حين عقروها لنبيتن صالحا وأهله فنقتله ثم نقول لأولياء صالح ما شهدنا من هذا شيئا وما لنا به من علم فدمرهم الله أجمعين.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
    +/- -/+  
الأية
52
 
قال محمد بن إسحاق قال هؤلاء التسعة بعد ما عقروا الناقة هلم فلنقتل صالح فإن كان صادقا عجلناه قبلنا وإن كان كاذبا كنا قد ألحقناه بناقته فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالح فوجدوهم منشدخين قد رضخوا بالحجارة فقالوا لصالح أنت قتلتهم ثم هموا به فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاح وقالوا لهم والله لا تقتلونه أبدا وقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث فإن كان صادق فلا تزيدوا ربكم عليكم غضبا وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: لما عقروا الناقة قال لهم صالح { تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب } قالوا زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاثة أيام فنحن نفرغ منه وأهله قبل ثلاث وكان لصالح مسجد في الحجر عند شعب هناك يصلي فيه فخرجوا إلى كهف أي غار هناك ليلا فقالوا إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ففرغنا منهم فبعث الله عليهم صخرة من الهضب حيالهم فخشوا أن تشدخهم فتبادروا فانطبقت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار فلا يدري قومهم أين هم ولا يدرون ما فعل بقومهم: فعذب الله هؤلاء ههنا وهؤلاء ههنا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
    +/- -/+  
الأية
53
 
وأنجى الله صالحا ومن معه ثم قرأ { ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية } أي فارغة ليس فيها أحد { بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ
    +/- -/+  
الأية
54
 
يخبر تعالى عن عبده ورسوله لوط عليه السلام أنه أنذر قومه نقمة الله بهم في فعلهم الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم وهي إتيان الذكور دون الإناث وذلك فاحشة عظيمة استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء فقال { أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون } أي يرى بعضكم بعضا.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
    +/- -/+  
الأية
55
 
أي لا تعرفون شيئا لا طبعا ولا شرعا كما قال فى الآية الأخرى { أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون }.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
    +/- -/+  
الأية
56
 
أي يتحرجون من فعل ما تفعلونه ومن إقراركم على صنيعكم فأخرجوهم من بين أظهركم فإنهم لا يصلحون لمجاورتكم في بلادكم فعزموا على ذلك فدمر الله عليهم وللكافرين أمثالها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ
    +/- -/+  
الأية
57
 
أي من الهالكين مع قومها لأنها كانت ردءا لهم على دينهم وعلى طريقتهم في رضاها بأفعالهم القبيحة فكانت تدل قومها على ضيفان لوط ليأتوا إليهم لا أنها كانت تفعل الفواحش تكرمة لنبي الله صلى الله عليه وسلم لا كرامة لها.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا ۖ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ
    +/- -/+  
الأية
58
 
أي حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ولهذا قال { فساء مطر المنذرين } أي الذين قامت عليهم الحجة ووصل إليهم الإنذار فخالفوا الرسول وكذبوه وهموا بإخراجه من بينهم.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ۗ آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ
    +/- -/+  
الأية
59
 
يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول { الحمد لله } أي على نعمه على عباده من النعم التي لا تعد ولا تحصى وعلى ما اتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى وأن يسلم على عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم وهم رسله وأنبياؤه الكرام عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام هكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره إن المراد بعباده الذين اصطفى هم الأنبياء قال وهو كقوله { سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين } وقال الثوري والسدي هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين وروي نحوه عن ابن عباس أيضا ولا منافاة فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى فالأنبياء بطريق الأولى والأخرى والقصد أن الله تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعد ذكره لهم ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر أن يحمدوه على جميع أفعاله وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار وقد قال أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح حدثنا طلق بن غنام حدثنا الحكم بن ظهير عن السدي إن شاء الله عن أبي مالك عن ابن عباس { وسلام على عباده الذين اصطفى } قال هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه رضي الله عنهم وقوله تعالى { آلله خير أم ما يشركون } استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة أخرى.

 
Tafseer Ibn Katheer  تفسير ابن كثير
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ
    +/- -/+  
الأية
60
 
{ أمن خلق السموات } أي خلق تلك السموات في ارتفاعها وصفائها وما جعل فيها من الكواكب النيرة والنجوم الزاهرة والأفلاك الدائرة وخلق الأرض في استفالها وكثافتها وما جعل فيها من الجبال والأطواد والسهول والأوعار والفيافي والقفار والزروع والأشجار والثمار والبحار والحيوان على اختلاف الأصناف والأشكال والألوان وغير ذلك وقوله تعالى: { وأنزل لكم من السماء ماء } أي جعله رزقا للعباد { فأنبتنا به حدائق } أي بساتين { ذات بهجة } أي منظر حسن وشكل حسن وشكل بهي { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } أي لم تكونوا تقدرون على إنبات أشجارها وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق المستقل بذلك المتفرد به دون ما سواه من الأصنام والأنداد كما اعترف به هؤلاء المشركون كما قال تعالى في الآية الأخرى { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } { ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله } أي هم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق وإنما يستحق أن يفرد بالعبادة من هو المتفرد بالخلق والرزق ولهذا قال تعالى:{ أإله مع الله{ ؟ أي أإله مع الله يعبد وقد تبين لكم ولكل ذي لب مما يعترفون به أيضا أنه الخالق الرازق ومن المفسرين من يقول معنى قوله: { أإله مع الله } فعل هذا وهو يرجع إلى معنى الأول لأن تقدير الجواب أنهم يقولون ليس ثم أحد فعل هذا معه بل هو المتفرد به فيقال فكيف تعبدون معه غيره وهو المستقل المتفرد بالخلق والرزق والتدبير؟ كما قال تعالى { أفمن يخلق كمن لا يخلق } الآية وقوله تعالى ههنا { أمن خلق السموات والأرض } { أمن } في هذه الآيات كلها تقديره أمن يفعل هذه الأشياء كمن لا يقدر على شيء منها؟ هذا معنى السياق وإن لم يذكر الآخر لأن في قوة الكلام ما يرشد إلى ذلك وقد قال الله تعالى { آلله خير أم ما يشركون } ثم قال في الآية الأخرى { بل هم قوم يعدلون } أى يجعلون لله عدلا ونظيرا وهكذا قال تعالى { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه }